اخبار وتقارير...من بلاد الثورة إلى مجتمعات المخاطر!....إلى روسيا مع الحب: أوباما ورافعة الطاقة....وروسيا لن تتدخل...فتح الله غولن شريك أردوغان في الأمس وغريمه اللدود اليوم

«عرض عضلات» عسكرية روسية مع دعوات للإنفصال في القرم الأوكرانية...المانيا: العائدون من سوريا يشكّلون تهديداً..الجزائر في مرحلة انتقالية

تاريخ الإضافة الجمعة 28 شباط 2014 - 7:24 ص    عدد الزيارات 1765    القسم دولية

        


 

الجزائر في مرحلة انتقالية
الحياة...لويزا ادريس عايض – حمدوش.. * استاذة جامعية في جامعة العلوم السياسية في الجزائر، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 18/2/2014، إعداد م. ن.
يلف الغموض الانتخابات الرئاسية الجزائرية المرتقب تنظيمها في نيسان (أبريل) المقبل، ووراؤه ظرف بيولوجي. فمن العسير التكهّن قبل شهرين، بمشاركة عبد العزيز بوتفليقة، ولا أحد يملك القول ان كان سيقيّض له التنافس في السباق الرئاسي. ولا يخفى ان ثمة نزاعاً بين الرئيس والمقربين منه، من جهة، ومجموعة من الاستخبارات من جهة ثانية. والمؤشرات كثيرة الى هذا النزاع في وسائل الإعلام، وهو قد يخفي نزاعاً بين الاستخبارات وقيادة الأركان يؤدي فيه الرئيس دور الوسيط. ولطالما أدت قيادة الأركان دوراً راجحاً في تاريخ الجزائر المعاصر، لكنها لم تعد مطلقة اليد منذ 2004، حين غلبت كفة بوتفليقة على كفة محمد العماري، قائد أركان الجيش الجزائري سابقاً والذي عارض ترشح الرئيس المنتهية ولايته الى ولاية ثانية. ويبدو أن قيادة الأركان تسعى الى استعادة مكانتها، فالجزائريون يسبغون على المؤسسة العسكرية هالة تقدير. ويبدو انها خشبة خلاص أو ركن صلب إثر تفشي الاضطرابات الإقليمية وهجوم كانون الثاني (يناير) 2013 على منشأة الغاز في تيقنتورين بعين اميناس.
وقد يؤدي قائد الجيش، احمد قايد صالح، دوراً بارزاً في هذه المرحلة. فعلى سبيل المثل، عيّن الرئيس المصري الإسلامي، محمد مرسي، عبد الفتاح السيسي في منصبه الحالي ومحضه الثقة، لكن السيسي انقلب على مرسي وأطاحه، والأمور قد تنقلب رأساً على عقب، فينقلب السحر على الساحر.
تجبه السلطة الجزائرية تحدياً لا يستهان به. فهي أمام امتحان نقل السلطة من جيل متحدر من حرب الاستقلال الى جيل آخر، ما يقتضي منح الجيل الأول حصانة من الملاحقة والمحاسبة، وإضفاء مشروعية على الثاني. ويفترض بالانتخابات ان تساهم في ارساء مرحلة انتقالية يتسلم فيها الحكم مَنْ لم يشارك في الثورة، وهؤلاء لا يستمدون مشروعيتهم من الثورة والنضال. وقد يرسي العبور من نظام سلطوي الى نظام مدني، الديموقراطية إرساء متأنياً أو ينزلق الى نظام مافيوي. وبلوغ شط الأمان والاستقرار رهن بنجاح هذه العملية الانتقالية أو إخفاقها. ومنذ 1988 بدأ النظام يرفع القيود وينفتح على القوى السياسية، لكن الانفتاح لم يكــن على مصراعيه. وسعى في تقطيع الوقت من يرفـــض المرحلة الانتقالية ويرفع لواء بقاء الأمور علـــى حالها. وسوغ حال المراوحة بالتنبيه الى الســـياق الإقليمي المضطرب بسبب الثورات العربية وإعادة توزيع الريع. واتكأت المشروعية الثورية الجزائرية على حفظ الأمن لتسويغ بقائها. ونفخ الجيل هذا في خشية الجزائريين من الانزلاق مجدداً الى العنف، على نحو ما حصل في التسعينات. ويرى كثر ان التغيير هو صنو الفوضى. وتأجيج مخاوف الجزائريين هو اجراء تكتيكي ناجع لكنه لا يرقى الى استراتيجية متوسطة أو طويلة الأمد.
                 
فتح الله غولن شريك أردوغان في الأمس وغريمه اللدود اليوم
الحياة...جان – ميشال ديميتز وبورشين جيرشيك.. موفد المجلة الاسبوعية ومراسلها، عن «لكسبريس» الفرنسية، 12/2/2014، اعداد منال نحاس
فتح الله غولن رجل سبعيني، خفيض الصوت ومعتل الصحة، يقيم بجهة نائية من بنسيلفينيا في الولايات المتحدة، تفصله 10 آلاف كلم عن مسقطه بالأناضول. ويحظى الإمام المسنّ والناحل باحترام ملايين المسلمين السنة، بين منغوليا شرقاً وتكساس غرباً. وهو اليوم عدو صلب لـ «السلطان»، رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، للمرة الاولى منذ 10 سنوات شهدت فيها تركيا نمواً اقتصادياً ملحوظاً، وقلصت نفوذ العسكريين. واضطر رجل أنقرة القوي الى مجابهة التحدي بعدما ثارت عليه شبهة الفساد، واتهمته تحقيقات قضائية، هو وبعض كبار أعوانه ومستشاريه، بالضلوع فيه. وتتعاظم يوماً بعد يوم، الشبهات حوله وحول حلقة المقربين منه. والى اليوم، اضطرت التحقيقات 3 وزراء في الحكومة الى الاستقالة في كانون الاول (ديسمبر) 2013. ويريد مدعٍ عام استجواب ابن رئيس الوزراء.
وتستوضح المعارضة البرلمانية عن استفادة اردوغان الإبن من كرم مقاولين عقاريين لقاء إقرار الحكومة تعديلاً على مشروع تخطيط مُدُني على ساحل المتوسط. ولا تشك دوائر الحكم في اضطلاع فتح الله غولن وجمعيته بالدور الاول في الحملة القضائية الجارية. ويقر مصطفى يسيل، رئيس مؤسسة الصحافيين والكتاب والناطق غير الرسمي بلسان «الجماعة» أو «الخدمة»، بأن في صفوف الشرطة والقضاء أنصاراً يميلون الى جماعته، وهم لا يتعدون القيام بواجبهم، والتزام ما ينص عليه القانون حين يتصدون للفساد الوقح والسافر.
وردّ رئيس الوزراء على القضاء وذراعه التنفيذية بالطعن في «الدولة الموازية» و «الدولة في الدولة». وندّد بخدمة هذه مصالح أجنبية، وأمر بإجراء حركة مناقلات واسعة في سلكي الشرطة والنيابات العامة طاولت الآلاف. ولكن رد أردوغان يبدو من غير طائل. فالشكوك تحوم على الرجل وحزبه وأنصاره بينما يقترب موعد الانتخابات البلدية الوشيك والانتخابات الرئاسية على الأبواب (في منتصف الصيف). وتتردى شعبية رئيس الوزراء في الأثناء، وهو كان يخطط لخوض الانتخابات الرئاسية، وعلى يقين من الفوز فيها. وينكر غولن أشد الإنكار مبادرته الى تحريض القضاة على اردوغان، إلا انه يتهدد بنار جهنم وعذابها «دارَ المفسدين»، ويتوقع استحالة «إطفاء الفضائح» بالغاً ما بلغت حركة المناقلات الادارية المتعسفة من الاتساع.
ولا يخفى على احد في تركيا أن القضاة والمدّعين العامين المنخرطين في دعاوى الفساد هم من أصحاب الميول «الجماعية»، أي المتعاطفين مع «جماعة» غولن. ويعود سعي «الجماعة» في تعيين أنصارها، المتخرجين في مدارسها وإعدادياتها الى الجامعة، في قطاعي الادارة والقضاء، الى عشرات السنين. وكان فتح الله غولن دعا أنصاره ومريديه - في شريط فيديو سجله في 1999 جرّ عليه إدانة قضائية وحملـــه على الهرب الى الولايات المتحدة قبل تبرئته في 2006 - الى التغلـــغل في شرايين النظام خفية عن الأعين، والتسلل الى مراكز السلطة، والصبر الى حين الاستيلاء عليها، وعلى الدولة. ولما فـــاز حزب أردوغان الاسلامي المحافظ، حزب العدالة والتنمـــية، في انتخابات 2003 على الأحزاب العلمانية، عمدت الحكـــومة الجديدة الى إشغال الوظائف في الوزارات والإدارات بحمـــلة الشهادات والمتخرجين في مدارس «خدمة» غولن. فهم متديـــنون، وأهل تقوى وإيمان ومجدّون في عملهم. وتوسل أردوغان وغل بأنصار «الإمام» المنفي الى فك قبضة العسكريين والعلمانيين الصارمة على الادارة والدولة، والى إرساء نفوذه في مرافقهما.
ولجأ الاثنان، غل وأردوغان، في سبيل بلوغ غايتهما وهي السيطرة على الادارة والقضاء، الى ما يجيزه القانون وما ينهى عنه. ويروي إيلخان جيهانير، أحد نواب المعارضة الاشتراكية – الديموقراطية والعلمانية، أنه كان في 2007 مدّعياً عاماً في مدينة إرزمنكان، وتولى التحقيق في قضية جمعية شُكَّ في إشرافها على دروس دينية تعطى لأولاد في سن الحضانة قبل المدرسة، وفي اختلاسها تبرعات انسانية. وعلى رغم محاولة وزارة العدل عرقلة التحقيق، تابع المدعي العام عمله، وتوسع في التحقيق، واكتشف كيف تتسلل جمعية غولن الى مدارس الشرطة، وتستميل المرشحين من طريق تسريب اسئلة الامتحانات الى مناصريها، وتورط العسكريين في أعمال مدانة بواسطة وثائق مزورة ومفبركة. وسرعان ما اتهم إيلخان جيهانير بالتحامل، وشنّ الإعلام الحكومي عليه حملة ظالمة ومدمرة وسُجن، على خلاف قواعد الإجراء السارية. وتقاضى لدى محكمة النقض وحصل على حكم بإطلاق سراحه بعد أشهر.
وفي ضوء مثل هذه الوقائع، يتعذر تحديد مدى نفوذ حركة غولن ودائرته واستدخالها الجهاز السيادي، الداخلية والقضاء، توّج عملاً دؤوباً أدى في نهاية المطاف، الى بناء امبراطورية تلفّها الأسرار. وتفتخر الحركة بنسجها، في اثناء 40 سنة، شبكة تربوية دولية تضم آلاف المدارس، من حدائق الاطفال الى جامعة «الفاتح» في قلب اسطنبول، وهي ركن نفوذها. ولا تقتصر الشبكة على المدارس، بل تتطاول الى المستشفيات والمخازن والاذاعـــت. ومن مرافقها مــــحطة تلفزة ومصرف وشركة تأمين ودور نشر وجمـــعيات خيرية ومراكز ثقافية... وأنشأت الجمعية اتحاد اصحاب عمل، «توسكون»، بلغ نشاطه أبواب المفوضية الاوروبية ببروكسيل. وأنزلت الحكومة، في الاسابيع الاخيرة، في بعض اصحاب العمل المؤيدين للجمعية عقوبات ظالمة مثل الغرامات المالية والمضايقات الادارية، على نحو ما يشكو رئيس الاتحاد. وتنظم «خدمة» في كل سنة، دورة أولمبية تدور على اللغة التركية، فتدعو أطفالاً من أنحاء العالم يقومون بإنشاد اناشيد بالتركية، ويشغلون طيلة يومين كاملين المحطات التلفزيونية والاذاعات.
وتمتد شبكة «الجماعة» الى 160 بلداً. وهي أولت البلدان الافريقية عناية خاصة. وساندت الديبلوماسية التركية جهد «الجماعة» بعد أن تبوأت مكانة عالية في جمهوريات آسيا الوسطى حيث تستقطب مدارسها أفضل التلاميذ وأولاد النخب المحلية. وتعد مدارس «الجماعة» في الولايات المتحدة 130 (مدرسة). وهي تقيم صلات ثابتة بـ30- 40 عضواً في الكونغرس. وفي 11 ايلول (سبتمبر) 2001، غداة الهجوم الارهابي الشهير، نشر غولن في صحيفة «واشنطن بوست» رسالة تدين من غير لبس العملية الارهابية. واليوم، تتوج الرابطة التركية – الاميركية، وهي من ادوات «الجماعة» بقلب واشنطن، مئات الجمعيات التربوية والثقافية المنتشرة في أنحاء البلد. ويبعث انتشار مدارس وجمعيات «جماعة» غولن قلق بعض الاتراك الذين يحملونه على قرينة دامغة على عمالة الرجل وشبكته لوكالة الاستخبارات المركزية.
وجواباً عن استفتاء رأي أجرته «فورين بوليسي» في 2008 في من يكون المثقفون المؤثرون في عالم اليوم، نصّب انصار غولن على شبكة الاتصال الاجتماعي صاحبهم «المثقف الاقوى تأثيراً في العالم». ويسعى جمهور الأنصار في تكريم مرشدهم بجائزة نوبل للسلام، وهو الفلاح الصغير القادم من الشمال الشرقي للأناضول. ويلاحظ دارس الاجتماعيات الاميركي جوشوا هندريك ان حركة غولن انجزت في اربعين سنة بتركيا ما اقتضى من مورمون الولايات المتحدة الاميركية قرناً ونصف قرن. ويستغلق فهم الامر على الباحثين، وتعزوه إليز ماسِّيكار، من المعهد الفرنسي للدراسات الاناضولية، جزئياً الى انفتاح تدين «الجماعية» على المناقشة وإقبالها على الاستبطان والتأمل، على خلاف التقليد التعليمي الشائع.
والاسباب التي دعت الغولنيين الى إشهار خلافهم مع حزب التنمية والعدالة وانقلابهم عليه، غامضة. ويقول مصطفى يسيل ان مساندة «خدمة» الحكومة مردها الى التزام الحكومة السير على طريق توسيع الديموقراطية، واحترام حقوق الانسان، والانخراط في عـــلاقة قوية بالاتحاد الاوروبي، وكتابة دستور جديد. فلما رجعت الحكومة عن تعهداتها، وانتهكت مبادئ دولة القانون فعمدت الى التنصت غير المشروع، وفرضت الرقابة على الإعلام واشترت بالمال بعض مؤسساته الكبيرة وهدرت استقلال القضاة، وحلّت القطيعة محل التأييد. وتستهدف سياسة اردوغان مصالح «خدمة» المادية وهيئاتها. فهي تعد مشروع قانون يلغي التعليم الإعدادي للجامعة وصفوفه. وهي مصدر نفوذ معنوي ومورد مادي كبـيرين. وبعض العلمانيين يذهب في تفسير الخلاف مذاهب فجة، فيردّه الى اقتسام المال المتأتي من الفساد. ويقول آخرون ان اردوغان خشي عواقب نشوء دولة «الجماعة» داخل الدولة، وأراد لجم نفوذها المتعاظم وتقييده بنفوذ جمعيات أخرى.
وسياسة اردوغان الخارجية مصدر آخر للخلاف. فإعلان زعيم «حزب العدالة والتنمية» ميولاً غربية صريحة يقلل دور جمعية «غولن» في التقريب بين الأديان والحضارات. وتناهض اليدُ الممدودة الى ايران وملابسات الفساد التي تكتنفها، وأزمةُ العلاقات التركية – الاسرائيلية، ومساندة «الإخوان» المصريين، وفتور العلاقات الاميركية – التركية، نهجَ الدعوة العامة الى المصالحة. ولا يساوم مؤسس «الجماعة»، وهو الأمين على تعليم استاذه سعيـــد نورسي، التركي الكردي الاصل والمؤمن بتكامل الاسلام وعلـــم الغرب، فــي ادانة ايديولوجية «الاخوان» القائمة على لفظ الغرب. فالتواطؤ مع ايديولوجية «الاخوان» يناقض حرص غـــولن علـــى دوام تقالـــيد الاسلام الاناضولي الوسطي والمسالم، وعلى جلاء وجهه الديني السمح الذي يتبعه المؤمنون بين ضواحي جـافا الاندونيسية وضواحي كراتشي الباكستانية، وينشد الغرب استتبابه. وبعض أنصار غولن على رأس هيئــات اعلاميــة نافذة (مثل بولنت كينيش، رئيس تحـــرير «تواديز زمان»، الطبعة الانكليزية من «زمان»، أولى الصحف التركية) يخيرون تركيا بين الديموقراطية وبين الانقلاب الى أوزبكستان أخرى، أي الى عَلَم على الفساد والفوضى والاقتتال. ولكن ريفا كاستوريانو الباحثة في مركز باريس، ونديم سينير، الصحافي التركي، ينكران على الجماعة مزاعمها في إرساء الديموقراطية والدفاع عنها.
 
وروسيا لن تتدخل
الحياة...ديمتري ترينين... * مدير كارنيغي موسكو عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 23/2/2013، إعداد منال نحاس
ثمة رأي سائد بأن الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش كان دمية في يد فلاديمير بوتين. والزعم هذا ينافي الواقع. ولا يخفى على سيد الكرملين أن ديدن نظيره الأوكراني هو الترجح بين الاتحاد الأوروبي وروسيا. وإثر استنفاد قواه غادر كييف إلى خاركيف في شرق أوكرانيا. وتدرك موسكو أن الأوليغارشيين الأوكرانيين الذين كانوا يدعمون يانوكوفيتش معادين لها.
وعلى رغم أنهم يحكمون القبضة على أوكرانيا، يخشى هؤلاء أن يقصيهم عمالقة قطاع الأعمال الروسي. فثروات الجيران الروس تفوق ثراءهم.
واندلعت حركة الاحتجاج إثر رفض الرئيس الأوكراني التوقيع على اتفاق شراكة مع الاتحاد الأوروبي يرمي إلى إنشاء منطقة تجارة حرة. وعلى خلاف زعم يانوكوفيتش، لم يحمله الكرملين على رفض الاتفاق. ووجهت موسكو رسالة إلى كييف تظهر معارضتها للاتفاق هذا من طريق فرض عقوبات على المنتجات الأوكرانية في العام الماضي.
ولكن يانوكوفيتش انساق وراء حساباته الشخصية وليس وراء نصائح بوتين أو تهديداته. فهو خشي عدم انتخابه لولاية ثانية في 2015، وأدرك أن الاتفاق الأوروبي لن يدر دعماً مالياً على بلاده ولم يرَ سبــيلاً إلى الحؤول دون تدني معدلات التجارة مع روسيا ودون تقويض الصناعات الأوكرانية الثقيلة الموروثة من المرحلة الســوفياتية. وطوال أشهر، لم تؤدِّ موسكو دوراً يعتد به في الأزمة. وساهـــمت وسائل الإعلام في تضخيم دورها والنفخ في الإشاعات الأوكرانـــية. وتــجنب السفير الروسي في أوكرانيا الإدلاء بتصريحات، ودعا الكرملين نواب الدوما إلى الإحجام عن زيارة هذا البلد.
ولا يخفى أن بوتين استقبل يانوكوفيتش أكثر من مرة في سوتشي وموسكو. وفي كانون الأول (ديسمبر) المنصرم، عرضت روسيا شراء سندات دين الحكومة الأوكرانية، ومقدارها 15 بليون دولار - والخطوة الروسية هذه قلصت أهمية أي مساعدة يقدمها الاتحاد الأوروبي عبر صندوق النقد الدولي - وخفض سعر الغاز الروسي إلى الثلث. وهذا الدعم المالي كان من غير مقابل، ورمى إلى مساعدة كييف والحؤول دون إعلانها الإفلاس، وإلى تقوية العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
ولكن العرض هذا ذهب أدراج الرياح نتيجة حيرة كييف والاضطرابات. وركن الدعم المالي هذا هو حسبان بوتين أن الأوكرانيين والروس شعب واحد. ويبدو أن الحسبان هذا في غير محله. فالأوكرانيون أنفسهم ليسوا شعباً واحداً. ونظرة واحدة إلى لفيف أو سيباستوبول في شرق أوكرانيا - وهما ألحقتا بالاتحاد السوفياتي في عهد ستالين - تظهر مدى معاداة روسيا. والروسية هي لسان المناطق الشرقية والجنوبية، ومنطقة القرم يسكنها متحدرون من القومية الروسية. والحق أن شطراً راجحاً من النخب الأوكرانية يرى أن استقلال بلاده عن الاتحاد السوفياتي هو صنو الاستقلال عن روسيا. والسياسيون الأوكران كلهم لا يميلون إلى روسيا. فهذا الميل يخالف فكرة القومية الأوكرانية.
و «ثورة فبراير» الأوكرانية هي نعمة على موسكو. فهي دحضت الرؤية التي تربط ارتقاء روسيا قوى عظمى بالشراكة مع أوكرانيا. ويرجح أن موسكو لن تتدخل في أوكرانيا، ولن تضم مناطق الجنوب والشرق إليها. فمثل هذا التدخل يؤذن بحرب أهلية في الجوار الروسي القريب. وموسكو لا ترغب في ذلك.
 
المانيا: العائدون من سوريا يشكّلون تهديداً
(رويترز)
حذر مسؤولون في الاستخبارات الألمانية من أن ألمانيا تواجه تهديدا متزايدا من التعرض لهجمات بسبب عودة نحو 12 متشددا ألمانيا بعد مشاركتهم في الصراع في سوريا واكتسابهم معرفة متقدمة في استخدام الأسلحة وصنع القنابل.
وقال رئيس وكالة الاستخبارات الداخلية الألمانية هانس يورغ ماسن إن نحو 300 مواطن ألماني سافروا إلى سوريا للانضمام الى المسلحين الذين يقاتلون الرئيس بشار الأسد منذ بدء الصراع في 2011 وأن أكثر من 20 منهم لقوا حتفهم هناك. وأضاف: "نحن على علم بوجود نحو 12 شخصا كانوا ناشطين في الصراع في سوريا ... ومن ثم يزداد خطر شن هجوم إرهابي في ألمانيا".
وأفادت الوكالة أن نحو عشرة في المئة ممن سافروا إلى سوريا كانوا قد اعتنقوا الإسلام وأن سبعة في المئة منهم نساء. واوضحت أن ما بين 20 و 30 فردا عادوا إلى ألمانيا من الشرق الأوسط وهم يخضعون للمراقبة، وأن 12 من هؤلاء يعتبرون مصدر خطورة.
وقال مسؤول ثان طلب عدم ذكر اسمه: "لا أستبعد أن يخططوا لهجمات".
وتحدثت وكالة الاستخبارات الداخلية عن علامات على أن أشخاصا كانوا قد عادوا من سوريا الى مدن أوروبية أخرى بدأوا التخطيط لهجمات، ولكن أمكن إحباط هذه الخطط.
 
«عرض عضلات» عسكرية روسية مع دعوات للإنفصال في القرم الأوكرانية
الحياة...موسكو – رائد جبر 
بدأ الجيش الروسي أوسع مناورات في وسط البلاد وغربها. وربط مراقبون «عرض العضلات العسكرية» الجديد لموسكو بتطورات المشهد الاوكراني، خصوصاً في اقليم شبه جزيرة القرم الأوكراني الذي طالب بعض سكانه بالانفصال والانضمام إلى روسيا، وهو ما رفضه رئيس برلمان الاقليم، فيما حصل تدافع ورمي قناني مع مؤيدين للسلطة الجديدة.
ولفت أعلان وزارة الداخلية الروسية ان «المتطرفين في اوكرانيا يفرضون إرادتهم، ويذكون التوتر الديني بين الكنائس الارثوذكسية بعد عزل الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش، فيما أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري ان «روسيا يجب ان تكون حذرة جداً في احكامها، وتظل ملتزمة باحترام سلامة اراضي اوكرانيا».
وأعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شايغو انطلاق تدريبات مفاجئة شاملة لوحدات الدائرتين العسكريتين الغربية المحاذية لأوروبا والمركزية التي تضم موسكو، اضافة إلى قيادة الدفاع الجوي - الفضائي، وقوات الانزال الجوي، وطيران النقل العسكري والبعيد المدى.
وقال الوزير: «أمر الرئيس فلاديمير بوتين بإجراء تدريبات للتأكد من جاهزية القوات»، رافضاً ربط الحدث العسكري بالوضع في الجارة اوكرانيا، موضحاً أن العام الماضي شهد ستة اختبارات شاملة في القطاعات العسكرية المختلفة. لكنه اشار إلى أن موسكو ستتخذ اجراءات لحماية ترسانتها واسطولها في البحر الأسود، علماً ان موسكو تحتفظ بقاعدة عسكرية بحرية في ميناء سيفاستوبول الأوكراني، بموجب اتفاق تأجير طويل المدى.
ورأى مراقبون روس وأوكرانيون ان المناورات «عرض عضلات» يهدف الى تذكير الأوكرانيين والغرب بقدرة روسيا على الرد ومواجهة التهديدات ضد مصالحها. وأعلنت لندن انها تراقب التحركات العسكرية الروسية.
تزامن ذلك مع اضطراب في اقليم شبه جزيرة القرم الخاضع لحكم ذاتي، بعدما تجنب برلمانه مناقشة موضوع الانفصال عن اوكرانيا، رغم مطالبة برلمانيين وقطاعات شعبية بحسم الجدل حول الموضوع، اذ ادى ذلك الى مواجهات بين مؤيدي الانفصال ومعارضيه في عاصمة الاقليم سيفاستوبول، وأعلن مقتل احد المحتجين بتأثير اصابته بذبحة قلبية خلال تدافع.
في غضون ذلك، اوردت صحيفة «غوردن» الأوكرانية معلومات عن مغادرة الرئيس المعزول فيكتور يانوكوفيتش البلاد الى روسيا، وهو ما نفاه الادعاء العام الأوكراني الذي اعلن وضع يانوكوفيتش على لائحة المطلوبين دولياً. وكشف القائم بأعمال وزير الداخلية الأوكراني آرسين أفاكوف عدم اعتقال الرئيس المخلوع في القرم تفادياً «لدخول قوة أجنبية في النزاع وزعزعتها استقرار القرم»، في اشارة الى روسيا.
واتهم ثلاثة رؤساء اوكرانيين سابقين، هم ليونيد كرافتشوك وليونيد كوتشما وفيكتور يوتشينكو، موسكو بالتدخل في شؤون بلادهم، وممارسة نشاط سلبي ضدها، وحملوها مسؤولية مسار التطورات في الأزمة الأوكرانية.
وأعلن فيكتور سوسلوف، ممثل الحكومة الأوكرانية في اللجنة الاقتصادية المشتركة مع روسيا، إن البلدين جمدا اتفاقات وقعها يانوكوفيتش خلال زيارته موسكو نهاية العام الماضي، ونصت على تقديم موسكو قرضاً لأوكرانيا قيمته 15 بليون دولار، حصلت كييف منه على 3 بلايين، وخفض سعر الغار المباع لكييف من 400 إلى 268 دولاراً للألف متر مكعب.
وقال سوسلوف: «من أجل ضمان حقوق روسيا يتعين عليها الاعتراف بالسلطة الجديدة في أوكرانيا، علماً ان الأخيرة لا تعتبر البند الخاص بالاعداد للتقارب مع الاتحاد الجمركي الروسي مقبولاً لأنه يتعارض مع توجهها لتعزيز الشراكة مع اوروبا». ويزور وزراء خارجية المجر وتشيخيا وسلوفاكيا اليوم كييف للقاء السلطات الجديدة التي شكلت حكومة انتقالية.
 
إلى روسيا مع الحب: أوباما ورافعة الطاقة
النهار..."فايننشال تايمز" ترجمة نسرين ناضر.... إدوارد لوس
 أين وجد فلاديمير بوتين 50 مليار دولار لإنفاقها على الألعاب الأولمبية في سوتشي؟ اسألوا أوكرانيا وألمانيا وسواهما من زبائن شركة "غازبروم" الذين يحصلون على الغاز بأسعار باهظة.
لقد سمحت عائدات صادرات الغاز الروسية لبوتين بأن يكون أكثر جرأة وإقداماً في سياسته الخارجية، كما أنها ساهمت في تسديد تمويل الدورة الأكثر إسرافاً في تاريخ الألعاب الأولمبية الشتوية.
لا تملك الولايات المتحدة شركة تضاهي "غازبروم". لكن ثورة الطاقة الأميركية مكسب جيوسياسي كبير سوف يمكّن واشنطن من تخفيف قبضة روسيا على جيرانها. وهذه هي الورقة الأبرز التي يملكها أوباما لتغيير قواعد اللعبة في ما تبقّى من رئاسته.
تقدّم الأرقام خلف ثورة الغاز الصخري في الولايات المتحدة حقائق دامغة. فالاحتياطيات التي ظهرت بفعل تقنية "التكسير الهيدروليكي" [المستخدمة في استخراج النفط والغاز الصخري] في الأعوام الخمسة الماضية ساهمت في خفض أسعار الغاز الطبيعي الأميركي إلى 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، أي أقل بمعدل الثلث من السعر الذي تتقاضاه "غازبروم" من معظم زبائنها الأوروبيين مقابل الغاز الروسي الذي يتم ضخه بواسطة الأنابيب. كما أنه أقل بكثير من خُمس السعر في معظم دول آسيا، بما في ذلك الصين. لا تزال السياسة الأميركية مسكونة بهاجس ما إذا كان أوباما سيوافق على مشروع خط الأنابيب Keystone XL لنقل النفط من كندا.
لكن أياً كان القرار الذي سيتخذه أوباما - أتوقّع أن يلجأ إلى التأجيل لأطول وقت ممكن - لم تعد الولايات المتحدة بحاجة إلى نفط القطران الكندي. فهي تملك كمية أكثر من كافية من الغاز الصخري تتيح لها أن تصبح السعودية الجديدة في قطاع الغاز الطبيعي، كما أنها تتّجه نحو التفوّق على إنتاج النفط السعودي بحلول نهاية العقد الحالي.
الاستثمار في الغاز الصخري الأميركي أشبه بالحصول على ترخيص لسكّ العملة: فالعرض هائل والطلب غير محدود. الأسبوع الماضي، وافقت إدارة أوباما على إنشاء المحطة السادسة لتصدير الغاز الطبيعي المسال. من المرتقب أن تبدأ المحطة الأولى المملوكة من شركة Cheniere Energy في هيوستن، بشحن الغاز إلى المملكة المتحدة وإسبانيا وبلدان أخرى سنة 2015. وتتقدّم عشرات الشركات الأخرى بطلبات للحصول على تراخيص لتصدير الغاز وأذون لبناء محطات. حتى بعد احتساب تكاليف التسييل والنقل عبر الأطلسي، تبقى أسعار الغاز الأميركي أقل بكثير من أسعار الغاز الروسي عند نقطة المبيع. وهناك أيضاً طلب قوي من الهند التي تعاني من عجز متزايد في قطاع الطاقة، واليابان التي أغلقت مصنعها النووي بعد كارثة فوكوشيما، وألمانيا التي أغلقت أيضاً مصانع نووية.
عندما تنطلق السفن المحمّلة بالغاز في البحر، سيكون لها تأثير متدحرج على سوق الطاقة العالمية. لكن ستحتاج واشنطن أولاً إلى التخلص من بعض العقبات التي فرضتها على نفسها. أولاً، تماطل إدارة أوباما في الموافقة على تراخيص تصدير الغاز الطبيعي المسال. بموجب القانون الأميركي، يمكن تصدير الغاز فقط إلى البلدان التي يربطها اتفاق تجارة حرة مع الولايات المتحدة.
يستطيع المصدِّرون تجاوز هذا الشرط عبر تقديم الإثبات بأنهم لا يلحقون أضراراً بالمصالح القومية الأميركية. لكنها عملية شاقّة ومعقّدة. فكلما أسرعت واشنطن في تحديث قوانينها للسماح بتطبيق تنظيمات السوق الحرة في قطاع الطاقة، بادرت الشركات بسرعة أكبر إلى الاستثمار في البنى التحتية الخاصة بالتوزيع والتسويق.
كما أن القانون الأميركي، الذي هو أيضاً من مخلّفات حقبة ماضية، يحظّر تصدير النفط الخام المحلي. يعمل أكثر من 50 مشترعاً جمهورياً وديموقراطياً من أجل إقرار مشروع قانون يجيز تلقائياً تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى بلدان حلف شمال الأطلسي (الناتو). من شأن إقرار القانون أن يشكّل نقطة البداية. لكن ثمة العديد من البلدان التي لا تنتمي إلى "الناتو"، وترغب في استيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، مثل أوكرانيا والهند.
ثانياً، يبذل أوباما قصارى جهده لتفادي المواجهات مع جماعات اللوبي الحمائية والمدافعة عن البيئة. تقول المجموعة الأولى بقيادة شركة Dow Chemical، إنه على الولايات المتحدة أن تحتفظ لنفسها بأسعار النفط الأكثر تدنياً. فمن شأن ذلك أن يشجّع على نقل المصانع الأميركية من جديد إلى الولايات المتحدة عبر خفض كلفة الإنتاج في الداخل.
إلا أن هذه الحجة تسقط عند تفنيدها. فسوف يستمرّ المصنّعون الأميركيون في الإفادة من أسعار الغاز المخفّضة حتى لو ألغت أميركا كل القيود على الصادرات - لأنّ الغاز سيظل أرخص في المصدر. كما أنه يجب عدم تصوير هؤلاء المصنّعين بأكبر من حجمهم الطبيعي. فالصناعات الأميركية ذات الاستهلاك الكثيف للطاقة ليست سوى جزء صغير من قطاع الطاقة الصناعي الذي هو أيضاً أكثر غنى بأشواط في الوظائف.
ففي داكوتا الجنوبية والشمالية وأوهايو وكولورادو وتكساس، كانت للتكسير الهيدروليكي تأثيراتٌ على سوق العمل. في إحدى مناطق التكسير في كولورادو، يحاول مطعم الوجبات السريعة "ونديز" استقطاب موظفين جدد عبر دفع مبلغ إضافي قدره 500 دولار لكل موظف ينضم إلى المطعم.
يعارض المدافعون عن البيئة التكسير الهيدروليكي لأنه يتسبّب بالتلوث. فهذه التقنية يمكن أن تؤدّي إلى تلوّث إمدادات المياه، وإطلاق الغازات السامة، وحدوث نشاط زلزالي. أوباما محق في الإصرار على اتّخاذ احتياطات صارمة حتى ولو تسبّبت بتبطيء وتيرة الإنتاج الأميركي. لكن أنصار البيئة يغرقون أحياناً في التفاصيل ويُضيِّعون الجوهر. العام الماضي، تفوّق الغاز الطبيعي على "الفحم الملك" ليصبح المَصدر الأكبر للتيار الكهربائي في الولايات المتحدة. وهذا هو السبب الأساسي وراء تراجع انبعاثات الكربون الأميركية بالمقارنة مع عام 2005.
من شأن مساعدة الهند والصين وسواهما على خفض انبعاثاتهما أن يشكّل خطوة جيدة. وفي هذا الإطار، يشير أنصار البيئة عن صواب إلى أن تصدير الفحم الذي لم يعد يُستهلَك في الداخل لن يساهم في الحد من تغيّر المناخ - فلن يكون هناك فرق إذا أُحرِق داخل الولايات المتحدة أم خارجها. لكنهم مخطئون في معارضتهم للغاز. فهو الخيار الأقل سوءاً المتوافر حالياً.
ما تداعيات هذا كله على بوتين ونظرائه؟ من المعلوم جيداً - ولطالما كان مفهوماً - أن الأنظمة النفطية السلطوية تُحكم قبضتها على السياسة الداخلية عندما ترتفع الأسعار، وتبدي استعداداً أكبر لتقديم تنازلات عند هبوط الأسعار. تملك الولايات المتحدة الآن القدرة على ممارسة ضغوط قوية على أسعار الطاقة العالمية لدفعها نحو الانخفاض، ومنح أصدقائها وحلفائها خط إمدادات بديلاً. الخدمة الكبرى التي يمكن أن يقدّمها أوباما لمواطني روسيا والدول المجاورة لها هي أن يطلق العنان لثورة الطاقة الأميركية كي تجتاح العالم. إنه التغيير الذي يستطيع الجميع تقريباً أن يؤمنوا به.
 
من بلاد الثورة إلى مجتمعات المخاطر!
النهار...السيد يسين – القاهرة.. باحث مصري
حين قامت ثورات الربيع العربي بدايةً في تونس الخضراء، والتي لحقتها مصر بعد أسابيع قليلة، وسرعان ما لحقت ليبيا بالركب من خلال صراع دموي حاد لم تشهده كل من تونس ومصر، ظننا أن كل ثورة من هذه الثورات إنما هي ثورة سياسية في المقام الأول.
نعني بالثورة السياسية أن الهدف الأساسي لهذه الثورات جميعاً هو الانقلاب الجماهيري ضد النظام الاستبدادي القديم، شمولياً كان أو سلطوياً، للقضاء على الاحتكار السياسي واستئصال شأفة الفساد الذي نخر في بنية المجتمع، وإنهاء عهد المظالم الاجتماعية التي عانت منها جماهير المواطنين في البلاد الثلاثة التي شهدت هذه الثورات.
غير أنه تبين أن الثورة السياسية التي تهدف إلى اقتلاع جذور النظام الاستبدادي القديم، لابد لها أن تتقدم إلى الأمام وتحاول تأسيس نظام ديموقراطي يقوم على أساس التعددية، وينهض في ضوء مبادئ سيادة القانون من ناحية، واحترام المواطنة من ناحية أخرى.
وعلى أرض الواقع، لاحظنا أن جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر – على عكس حزب "النهضة"- آثرت أن تسعى إلى الهيمنة الكاملة على مجمل الفضاء السياسي المصري، وهو ما أدى إلى تعثر شديد في التحول الديموقراطي وإنجاز أهداف الثورة؛ مما جعل المسار الديموقراطي غير محدد الملامح والاتجاهات. استمر هذا الوضع عاماً كاملاً هو الذي استغرقه حكم جماعة الإخوان المسلمين إلى أن قام الشعب بانقلابه ضدها في 30 حزيران وأيدته القوات المسلحة.
غير أننا لو تأملنا الموضوع ملياً لأدركنا أن التعريف التقليدي للثورة قاصر قصوراً شديداً؛ لأنه ركز فقط على البعد السياسي المتعلق بالقضاء على النظام القديم، ولم يتطرق إلى جوهر أي ثورة حقيقية، وهو أن يكون لها توجهات فكرية وثقافية جذرية تقطع قطعاً واضحاً مع الممارسات السابقة، وتشكل بداية جديدة للمجتمعات التي وقعت فيها هذه الانتفاضات الجماهيرية. وقد يكون مرجعنا في هذه التساؤلات المهمة الخبرة التاريخية للمجتمعات الديموقراطية الغربية، التي لم تنجح في أن تقطع مع المجتمع الإقطاعي إلا بعد أن أرست دعائم المجتمع الصناعي، في ظل مشروع حضاري متكامل هو الذي يشار إليه عادة باسم "الحداثة".
والسؤال هنا: هل نجحت الانتفاضات الجماهيرية في كل من تونس ومصر وليبيا في التأسيس لمجتمعات جديدة قادرة على أن تحقق أهداف الثورة أم أن هناك عقبات تقف عثرة في تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي؟
ربما أكبر أسباب هذا التعثر أن هذه "الثورات" التي اندلعت في كل من تونس ومصر وليبيا كانت بغير قيادة، ولكن أخطر من ذلك أنها كانت بغير أيديولوجيا، بمعنى نظرية متكاملة تحدد أهداف مجتمع ما بعد الثورة وطرق تحقيقها بوسائل محددة.
غير أننا لو تجاوزنا موقتاً هذه العقبات، وهي أحد الأسباب الحقيقية للتعثر فإن أخطر منها جميعاً أن هذه المجتمعات تراكمت فيها المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بطريقة غير مسبوقة، وهذا التراكم يمكن أن يجعلها من مجتمعات "المخاطر".
و"مجتمع المخاطر" مفهوم نحته عالم الاجتماع الألماني إيرليش بك في كتابه "مجتمع الخطر" ويشير فيه الى أن جماع المخاطر المتعددة الصناعية والبيئية والصحية تشكل ما يطلق عليه "مجتمع المخاطر العالمي". ويرد السبب في نشوء هذا المجتمع إلى تسارع التطورات التكنولوجية والتي تؤدي إلى ظهور أنواع جديدة من المخاطر على الإنسان أن يواجهها أو يتكيف معها.
غير أن الجديد في هذا الموضوع هو عدم الاقتصار على المخاطر البيئية، بل هي تشتمل كذلك على سلسلة من المتغيرات المترابطة في حياتنا الاجتماعية والمعاصرة. ومن أمثلة هذه المتغيرات – التي لوحظ وجودها على المستوى العالمي- التقلب في أنماط العمالة والاستخدام وتزايد الإحساس بانعدام الأمن الوظيفي وانحسار أثر العادات والتقاليد على الهوية الشخصية وتآكل أنماط العائلة التقليدية.
ويخلص بعض علماء الاجتماع إلى أن المخاطر تؤثر أيضاً في خيارات وقرارات أخرى، وخصوصاً العلاقة بين نظام التعليم واحتياجات السوق. بمعنى أن جيلاً كاملاً من المتعلمين تعليماً نظرياً قد لا يجدون لهم مكاناً في سوق العمل التي قد تتطلب في مرحلة تاريخية ما مهندسين أو اختصاصيين أو عمالاً مهرة. ومن هنا يصبح اختيار المسار التعليمي نفسه نوعاً من المخاطرة إن لم يضع المتعلم في اعتباره تحولات السوق واحتياجاتها إلى نمط تعليمي معين وخبرات عملية محددة.
غير أن هذه المشكلات التي أشرنا إليها والموجودة فعلاً في المجتمعات المتقدمة تعد هينة جداً إذا ما قورنت بالمشكلات المتفاقمة في مجتمع المخاطر العربي إن صح التعبير.
خذ مصر على سبيل المثال، وحاول أن تقرأ دلالة المؤشرات الكمية على الأوضاع السكانية والاقتصادية والتعليمية والبيئية. وصل عدد السكان أخيراً إلى 95 مليون مواطن بما يعنيه ذلك من مسؤولية الدولة في تدبير الأماكن المناسبة للأطفال والشباب في المدارس والجامعات بالإضافة إلى ضرورة تصميم برامج خاصة للرعاية الصحية، وسياسات فعالة للتشغيل لمواجهة موجات البطالة المرتفعة وخصوصاً بين الشباب.
ولو نظرنا الى المؤشرات الاقتصادية سنجد أنه لا يقل عن 26 مليون مصري يقعون تحت خط الفقر، بكل ما يعنيه ذلك من دلالات خطيرة. أما في ما يتعلق بالتعليم فلدينا معدل أمية يصل الى 40% من السكان وهذا وحده كارثة بكل المقاييس، وله انعكاساته السلبية الخطيرة على تدني الوعي الاجتماعي، مما سمح بغزو الأفكار الدينية المتطرفة لعقول هؤلاء والتي صاغت ما يمكن تسميته "العقل التقليدي" الذي يسهل التأثير عليه ليصبح "عقلاً إرهابياً" لا يرى صاحبه غضاضة في القيام بالتفجيرات التي يقع العشرات ضحاياها، أو الاغتيالات وكل صور الترويع الوحشية.
وتبقى المخاطر البيئية والتي تتمثل في انتشار العشوائيات التي يعيش فيها عشرات الملايين من المواطنين المحرومين من أبسط الخدمات الإنسانية، في الوقت الذي نعيش فيه "شعب آخر" في المنتجعات الزاخرة بالفيلات والقصور التي يمارس سكانها حياة لا علاقة لها البتة بحياة عشرات الملايين من أعضاء الطبقات الفقيرة والمتوسطة. بعبارة موجزة هناك في بنية المجتمعات العربية التي قامت فيها ثورات عوامل تؤدي بالضرورة إلى عدم الاستقرار السياسي نتيجة تصاعد التظاهرات المطلبية والاحتجاجات الجماهيرية، بالإضافة إلى التظاهرات السياسية الفوضوية التي تقوم بها جماعات شتى.
بعبارة موجزة فإن خريطة الطريق الديموقراطية سواء في تونس أو في مصر والتي تتمثل أساساً في وضع دستور توافقي جديد وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية شفافة لن تحل المشكلات المعوِّقة في بنية المجتمعات المعاصرة. ولا يكفي في الواقع الشعار الذي رفعه خبير استراتيجي أميركي معروف موجهاً خطابه الى الحكام العرب "واجهوا أكثر مشكلات المواطنين حدة والتمسوا لها الحلول بكفاءة".
لأن الشعار السائد الآن في عصر العولمة -للأسف الشديد- أصبح هناك "مشكلات لا حل لها" والذي حل محل الشعار الذي ساد طوال القرن العشرين وهو "لكل مشكلة حل"!
 
 
 

 
 
 
 
 

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,770,555

عدد الزوار: 7,002,868

المتواجدون الآن: 66