تقارير...أهل الشام....."الاستشراق المستتر" الدائم

كيف وضعت إيران أوباما في خانة "كش ملك"...خضّة جديدة تهزّ صفوف المعارضة السورية ...ما الجديد الذي أراد نصرالله أن يرسّخه في خطابه الأخير؟

تاريخ الإضافة الخميس 26 أيلول 2013 - 8:34 ص    عدد الزيارات 1869    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

كيف وضعت إيران أوباما في خانة "كش ملك"
فؤاد عجمي
باحث في جامعة ستانفورد الأميركية
ترجمة نسرين ناضر
"الأمور مقلوبة رأساً على عقب. أشعر وكأننا عبرنا إلى الجانب الآخر من المرآة وننظر إلى العالم بالمقلوب"، هذا ما كتبه مؤرّخ عسكري متخصّص في تاريخ الشرق الأوسط الحديث في رسالة وجّهها إلي أخيراً عن الديبلوماسية المحمومة حول سوريا وإيران. ثم أضاف "أين اختفى كل الواقعيين؟ وكأن الحرب الباردة لم تحصل قط".
انقلب منطق الأمور المألوفة رأساً على عقب. وصل الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وقد سبقته إلى هناك حملة دعائية لامعة. فقد أجرت قناة "إن بي سي" مقابلة معه، وبواسطة إحدى مراسلاتها من الفريق النسائي. ونشرت صحيفة "الواشنطن بوست" مقالاً موقَّعاً باسمه. ووجّه وزير خارجيته، محمد جواد ظريف، عبر "تويتر" التهانئ إلى اليهود في مختلف أنحاء العالم لمناسبة حلول رأس السنة اليهودية.
تقدّم الرئيس الإيراني خطوات نحو الأمام في اللحظة الحاسمة، فيما كانت إدارة أوباما تترنّح تحت وطأة الهزيمة التي منيت بها سياستها في الملف السوري. سبق أن اختبرنا حالة مماثلة مع الفرقة الموهوبة والمتصلّبة التي تحكم الثيوقراطية الإيرانية.
فقد انتُخِب محمد خاتمي، رجل الدين الجذّاب ذو الابتسامة الآسرة، المتعلّم والمثقّف الذي ينادي بمفهوم "حوار الحضارات"، رئيساً على إيران إثر تحقيقه فوزاً كاسحاً عام 1997؛ وأعيد انتخابه بعد أربع سنوات. عُلِّقت آمال كبيرة عليه. ألقى خطاباً في كاتدرائية واشنطن الوطنية، واعتُبِر صعوده في جهتَي الأطلسي بأنه دليل على أفول ثورة آية الله روح الله الخميني التي انطلقت عام 1979.
لكن الآمال التي عُلِّقت على خاتمي ضاعت هباء. فقد واصلت إيران تطبيق برنامجها النووي، والسعي إلى تعزيز نفوذها في الدول المجاورة. وفي الداخل، سُحِقت ثورة الطلاب التي حرّكتها مشاعر ليبرالية واضحة عام 1999، بقسوة لا ترحَم.
تكرار تجربة خاتمي
كان خاتمي إما رجلاً مغلوباً على أمره لم يستطع الدفاع عن تيّاره وإما ابناً مخلصاً لمنظومة الخميني منحته القوى القائمة في النظام هامشاً من حرية التحرك. لم يكن بإمكانه تحدّي المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، أو مواجهة الحرس الثوري الإيراني.
ثمة من يقولون الآن إن روحاني ليس مطلق اليد، وإنه لاعب أساسي في النظام، وإنّ غصن الزيتون الذي يحمله بيده يحظى بموافقة المرشد الأعلى نفسه. يتابع هؤلاء أن النظام تعرّض للإذلال والتراجع بسبب العقوبات الشديدة المفروضة على إيران، وأنه بات يدرك نقاط ضعفه. تنطوي وجهة النظر هذه على شوائب خطيرة وواضحة.
أول هذه الشوائب تجاهُل سيرة روحاني الذاتية. فبحسب ما أورده سهراب الأحمري في صحيفة "وول ستريت جورنال"، قاد روحاني الذي كان أمين سر المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران طوال 16 عاماً، اعتباراً من عام 1989 "حملة القمع ضد انتفاضة الطلاب عام 1999، وساعد النظام على الإفلات من التدقيق الغربي في برنامج الأسلحة النووية".
في الواقع، كان روحاني بين عامَي 2003 و2005، كبير المفاوضين الإيرانيين حول البرنامج النووي. وبوحي من ونستون تشرشل الذي أعلن ذات مرّة أنه لم يصبح وزير الملك الأول كي يشرف على زوال الأمبراطورية، يمكن القول بأن روحاني لم يتسلّم سدة الرئاسة في إيران للتخلّي عن إمكانات النظام النووية.
تأكيد إدارة أوباما وجوقتها بأن الرياح تهبّ الآن بعكس ما تشتهيه سفن الثيوقراطية لا أساس له من الصحة. تخوض إيران حرباً بالوكالة مع الولايات المتحدة حول المسألة السورية، ويمكن القول بأنها حقّقت الغلبة في هذا السياق.
لم يسقط نظام بشار الأسد؛ فعندما أحدق الخطر بالنظام الديكتاتوري في سوريا، أرسلت إيران مقاتلين من ميليشيات "حزب الله" لخوض الحرب هناك. وقد تمكّنوا، مع الحرس الثوري الإيراني، من قلب مسار الحرب لمصلحة الأسد.
إنقاذ سوريا
شاهد المرشد الأعلى وضباطه قائداً أميركياً يرسم "خطاً أحمر" في سوريا، ليعود فيتراجع في اللحظة الحاسمة. أسياد الشطرنج - أليسوا هم من اخترعوا اللعبة؟ - أدركوا تماماً المعضلة التي يواجهها أوباما.
وصلت الصفاقة بروحاني إلى حدّ ذرف دموع التماسيح على سوريا في مقاله في صحيفة "الواشنطن بوست"، حيث وصفها بـ"جوهرة الحضارة" التي تحوّلت "مسرحاً للعنف الذي ينفطر له الفؤاد، بما في ذلك الهجمات بالأسلحة الكيميائية". لا شك في أنه يعلم أن الحرس الثوري و"حزب الله"، ذراعه اللبناني، يقفان خلف جزء كبير جداً من هذا العنف.
ليس لدى الأئمة الإيرانيين ما يخسرونه من الديبلوماسية التي عهدوا بها إلى روحاني. لقد كسبوا الوقت لمصلحة برنامجهم النووي والنظام السوري الذي يدور في فلكهم. وأرست الثيوقراطية هيكلية عميقة لترسيخ سلطتها. أمثال روحاني يمكن الاستغناء عنهم. الثيوقراطية صلبة في تمسّكها بالسلطة وبغريزة البقاء.
فليتبجّح أوباما قدر ما يشاء بفاعلية العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران. تستطيع الثيوقراطية التعايش مع هذا الأمر. فمنذ استيلائها على السلطة عام 1979، تُناصِب الولايات المتحدة ايران العداء بمنسوب أمثل، أي بالقدر الكافي تماماً الذي يُتيح استخدام هذا العداء بمنزلة المثبِّت الأيديولوجي لنظام مبنيّ على البارانويا ورهاب الآخر، من دون التسبّب بحملة عسكرية من شأنها أن تلحق الضرر بهذا النظام.
يقول المسؤولون الأميركيون الآن إنه ليس لإيران أن تشعر بالارتياح جرّاء تردّد أوباما في الملف السوري، وإن الولايات المتحدة ستتوخّى اليقظة أكثر في موضوع الإمكانات النووية الإيرانية بالمقارنة مع تعاملها مع مسألة الأسلحة الكيميائية السورية حتى الآن.
لكن على رقعة الشطرنج الديبلوماسية، وأمام حشد كبير تجمهر للتفرّج على اللاعبين في مواجهة محفوفة بالرهانات العالية، يسهل أن نرى أن اللاعب الأميركي يتعرّض لهزيمة حاسمة. إنهم شديدو الدهاء في بلاد فارس، يتحيّنون دائماً الفرصة لاقتناص اللحظة التي يعلق فيها الخصم في الفخ.
 
"الاستشراق المستتر" الدائم
النهار..صلاح أبوجوده.. استاذ في جامعة القديس يوسف
مضت عشر سنوات على رحيل صاحب "الاستشراق"، إدوارد سعيد (1 تشرين الثاني 1935 - 25 أيلول 2003)، وعشر سنوات على صدور الطبعة الخامسة والعشرين من كتابه الاستثنائيّ الذي نُقل إلى ستّ وثلاثين لغة. فهل رحلت معه فكرة "الاستشراق" التي أطلقها في العام 1978، وأثارت ردود فعل أكاديميّة وسياسيّة لا تُعدّ ولا تُحصى، منها المؤيّد ومنها المشكّك ومنها الرافض، وطبعت دراسات الشرق الأوسط بعمق طوال جيلَين؟
انطوى الاستشراق كما فهمه سعيد على معانٍ ثلاثة رئيسة: الاستشراق بصفته حقلاً أكاديميًّا صرفًا يماثل ما هو اليوم مثلاً دراسات الشرق الأوسط أو دراسات شرق آسيا، والاستشراق بصفته أسلوب تفكير يقوم على التمييز بين "الشرق" و"الغرب"، وأخيرًا الاستشراق بصفته أسلوبًا يعتمده الغرب للسيطرة على الشرق، وبالتالي يُخرجه من إطاره الأكاديميّ ويجعله في خدمة سياسة الاستعمار أو الإمبرياليّة.
وفي هذا السياق، يستند سعيد إلى مؤلّفات ميشال فوكو عن ثنائيّة المعرفة والقوّة، ومفهوم الهيمنة الذي طوّره أنطونيو غرامشي على أساس التوازن بين المثقّفين والسلطة، بغية إبراز عمليّة إنتاج "الشرق" من خلال إنتاج "الغرب" نفسه على يد المستشرقين، على نحوٍ جعل تمثيلات الشرق في الثقافة الغربيّة ثابتة وفي مركز دونيّ دائم. فثمّة تمييز أنتجه الاستشراق بين الشرق المتخلّف القاسي الجامد، والغرب المتطوّر وصاحب القيم الشموليّة والحضارة المتفوّقة. ولجأ سعيد إلى تحليل أعمال العديد من الأدباء والفلاسفة والفنّانين والمنظّرين السياسيّين في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بهدف دعم تحليله.
بيَّنت الانتقادات الموضوعيّة الكثيرة التي وُجّهت إلى إدوارد سعيد ثغراتٍ عميقة في عمله، لعلّ أهمّها إهماله النظرة الموضوعيّة إلى خبرات الشرقيّين أنفسهم بما فيها الإمبرياليّة الشرقيّة، وتقديمه الموضوع وكأنّ الشرق عاجز عن تمثيل نفسه، إضافةً إلى تحاليله المجتزأة لأعمال العديد من المستشرقين وإخراجه تلك الأعمال من إطارها الثقافيّ والزمانيّ، وإضفائه صفة جوهريّة جامدة على نصوص كثيرة وظّفها في خدمة نظريّته وجعل من خلالها الأحكام الأخلاقيّة والسياسيّة قاطعة وثابتة. فضلاً عن ذلك، بدت الوجهة الثقافيّة أحاديّة مطبوعة بمواجهة دائمة بين الـــ "نحن" (الغربيّون) والــــ "هم" (الشرقيّون)، وكأنّ ما من تنوّع فكريّ وما من تفاعل بين الثقافات وما من قدرة على مقاومة التيّارات الفكريّة.
صحّح إدوارد سعيد في كتابه الثقافة والإمبرياليّة الصادر العام 1994، وفي مقدّمتَين أضافهما إلى طبعة الاستشراق العام 1995 والعام 2003، الكثير من وجهات نظره. فابتعد عن لغة المواجهة وعن أحاديّة الوجهة، وأعاد الاعتبار إلى أعمال العديد من المستشرقين الذين شُغفوا بالشرق ودرسوه بدافع الفضول العلميّ، وتكلّم على التعدّديّة داخل الثقافات وميزاتها الخاصّة. كما تكلّم على ثقافة النضال في وجه الاستعمار الذي لم تنحصر أهدافه بالسيطرة الثقافيّة والسياسيّة، بل شملت الحقل الاقتصاديّ.
غير أنّ ثمّة نواة صلبة في "الاستشراق" تُبقي منطقه الجدليّ قويًّا وراهنًا، وتفصله على نحوٍ ما عن تطوّر فكر إدوارد سعيد اللاحق، بحيث يبقى "الاستشراق" موضع درسٍ وانتقاد ومصدر إلهامٍ إلى اليوم. ومن الدراسات التي صدرت عنه اخيراً، واحدة بقلم ابن ورّاق (Ibn Warraq, Defending the West, 2007)، وأخرى بقلم البروفسور دانيال فريسكو (D.M. Varisco, Reading Orientalism, 2007). وما هذه النواة إلاّ "الاستشراق المستتر" (Latent Orientalism) الذي يتكلّم عليه سعيد في كتابه. فثمّة "استشراق ظاهر" يُعبِّر عن المجتمع الشرقيّ في مختلف حقوله، و"استشراق مستتر" يُلهم "الظاهر"، وهو مترسّخ في الغرب تتناقله الأجيال. ولا يبدو أنّ إدوارد سعيد قد لطّف من اقتناعه هذا في كتاباته اللاحقة وإن لم يذكر "الاستشراق المستتر" تحديدًا. ويمكن تلخيص "الاستشراق المستتر" هذا بأنّه شعور حيّ في الغرب، وربّما على نحوٍ غير واعٍ، عن تفوّقه على الشرق الذي يبقى رمز التخلّف والجمود.
بالطبع، لا يجوز اعتبار أنّ النواة الصلبة هذه سائدة ثقافة الغرب؛ فالدراسات الغربيّة المعاصرة عن الشرق والمتأثّرة بالعولمة تتّخذ، بتزايد، المعايير العلميّة وتتحاشى التعميم المبسّط، وتسعى لفهم التفاعل والتصادم القديم والحديث والمتواصل بين الثقافات موضوعيًّا، الأمر الذي يجعل الكلام على ثقافة صافية أمرًا مستحيلاً. غير أنّ "الاستشراق المستتر" يبقى هو أيضًا حيًّا، ويطلّ برأسه في سياسات خارجيّة تنتهجها بعض الدول الغربيّة، وتلتقي "استشراق" بعض الأكاديميّين وإن كان يمكن وضعهم في خانة الاستثناء.
يمكن اعتبار أن برنارد لويس وفؤاد عجمي اللذين يذكرهما إدوارد سعيد في طبعة كتابه الأخيرة، وصموئيل هانتنغتون، يمثّلون امتداد الاستشراق بمفهوم سعيد. ولكن لا يمكن، بالطبع، اعتبار هؤلاء الأكاديميّين يمثّلون ثقافة الغرب، بل هم "استثناءات" بتسليم سعيد نفسه. غير أنّ أثر آرائهم في الرأي العامّ الغربيّ ولا سيّما في القرار السياسيّ، وتحديدًا في قرار الإدارة الأميركيّة، يثبّت من غير أدنى شكّ استمرار الاستشراق بمفهوم سعيد واستمرار توظيفه في الهيمنة السياسيّة والاقتصاديّة. وعلى سبيل المثال يمكن التوقّف عند حرب الخليج (1991)، وحرب العراق (2003).
في أعقاب حرب الخليج، بدأ الكلام على شرقٍ أوسط جديد خالٍ من الاستبداد ومتصالح وحقوقَ الإنسان والديموقراطيّة (بفضل مبادرة الولايات المتّحدة الأميركيّة)، وهذا يذكّر بطرح إدوارد سعيد عن ("نحن"-أصحاب القيم والمتطوّرون، و"هم"- المتخلّفون مَن يحتاجون إلى مساعدتنا). ولكن سريعًا ما ارتفع صوت برنارد لويس الذي كان مستشارًا في إدارة بوش الأب والابن لاحقًا، ليقول إنّ ما من شيء تغيّر في العالم العربيّ، وما من شيء سيتغيّر في تلك المنطقة التي تسودها النصوصُ القديمة، وإن أبقى باب رجاءٍ مفتوحًا إذ اعتبر أنّ "العالم الحرّ" (ومنه إسرائيل) يمكنه أن يجدّد العالم العربيّ (مقالته في: Foreign Affairs, 1992).
وبقي برنارد لويس على رأيه في أعقاب حرب العراق والكلام على شرق أوسط كبير – الأمر الذي يكشف عن تعميمٍ مبسّط في النظرة إلى الشرق- في وقت كان هو وفؤاد عجمي والمحافظون الجدد يؤيّدون عملاً عسكريًّا في العراق. لقد أظهرت هاتَان الحربان تزاوج "استشراق" بعض الأكاديميّين "الظاهر" و"استشراق" بعض السياسيّين "المستتر"، وقدرة هذا التزاوج على الترويج للحرب وتعبئة الرأي العامّ الأميركيّ والغربيّ عمومًا، تحت راية القيم الإنسانيّة، وإنقاذ "الآخر" المظلوم والرجعيّ.
ولا عجب أن نجد، في هذا السياق، أنّ المحافظين الجدد في الولايات المتّحدة، عشيّة حرب العراق، قد نفضوا الغبار عن كتاب رافايل بتَاي العنصريّ (Raphael Patai, The Arab Mind, 1973)، الذي تمّ استخدامه في تكوين ضبّاط الجيش الأميركيّ قبل إرسالهم إلى العراق. لقد بيّنت حرب الخليج ومن ثمّ حرب العراق، في الواقع، عن إمكان توظيف الاستشراق بمفهوم سعيد لتحقيق أهداف بعض دول الغرب الكبرى. وتبقى إمكانيّة هذا التوظيف قائمة مع استمرار سياسة الشتاء والصيف على سقف واحد في ما خصّ موقف الدول الغربيّة من القضيّة الفلسطينيّة، وإظهار الغرب، وتحديدًا الولايات المتّحدة الأميركيّة وبعض دول أوروبّا، بصفتها مؤتمنة على قيم العالم بل وإنسانيّته بفضل تفوّقها التكنولوجيّ والعسكريّ.
إنّ "الاستشراق المستتر" حيّ ويُترجم بين الحين والحين في السياسة وفي الوسط الأكاديميّ، ونتائجه بلا شكّ مؤلمة بل كارثيّة. ويجب ألاّ نستغرب إزاء هذا الواقع تبنّي بعض الأوساط العربيّة خطابًا سياسيًّا وأحيانًا أكاديميًّا، يلجأ إلى تعميم النظرة إلى الغرب والخلط بين القيم الإنسانيّة التي تطوّرت في تلك المنطقة من العالم، وسياسات بعض الدول الكبرى الخارجيّة. ألم يكن، في نهاية الأمر، كتاب "الاستشراق" وتعميماته تعبيرًا عن سخط فلسطينيّ في وجه الظلم الذي لحق بشعبه ووطنه؟ غير أنّ قيمة الكتاب هذا تتجاوز مجرّد التنبيه إلى مخاطر "الاستشراق المستتر" الدائمة، لتكون دعوة إلى الشرقيّين قبل غيرهم ليفصلوا بين القيم الإنسانيّة الشاملة التي ساهم في صوغها تفاعل الثقافات طوال قرون، وماكيافيليّة الدول الكبرى التي يمكنها أن توظّف الاستشراق وفقًا لمصالحها.
 
أهل الشام
النهار...سلام الكواكبي... استاذ جامعي في باريس
في نهاية القرن التاسع عشر، استقبلت مصر أعداداً كبيرة من السوريين واللبنانيين الذين سمّتهم تحبباً بالشوام. حيث شارك الكثيرون منهم في النشاط الفكري والصحافي والاقتصادي والفني، مستفيدين من هامش الحرية النسبي مقارنة بمعاناتهم في بلدهم الأم من اضطهاد واستبداد الحكم العثماني. وعلى الرغم من الهيمنة العثمانية المشتركة على البلدين، إلا أن خضوع مصر الخديوية إلى الباب العالي حينذاك كان أقل بأساً من الوضع السوري، وخصوصاً في مرحلة الرجل المريض واضمحلال تأثيراته الإقليمية.
"توعية" المهاجرين الشوام في تلك الفترة تمحورت خصوصاً حول رجال الفكر والمال. وكان الترحيب بهم شعبياً ورسمياً غير مرتبط بهاتين "الميزتين" بقدر ارتباطه بانفتاح مجتمعي مستند إلى حضارة عريقة واثقة قبلت بأن يكون من رجالاتها الكثير من غير المصريين.
واستمرت العلاقات الإنسانية طوال عقود بين الشعبين معتمدة على التواصل الاجتماعي والتلاقح الثقافي والتأثير الفكري.
واستمر التآخي الشعبي ينمو على الرغم من أن العلاقات السياسية بين النظامين القائمين بعد انهيار تجربة الوحدة سنة 1961 لم تكن وردية دائما.
وحتى في الحرب المشتركة سنة 1973، فالثقة على مستوى القيادات كانت مهزوزة، وسال بعد نهايتها الكثير من الحبر لتقويمها وتقويم دور الأطراف المشاركة. وفي المقابل، فقد استمر التلاحم الإنساني والوجداني بين المصريين والسوريين كشعوب، وتجاوز كل المماحكات التي أفضت بعد سنوات عدة إلى انقطاع سياسي كامل أدت إليه اتفاقيات "كمب ديفيد".
إذاً، لم يكن للأزمات السياسية وضعف الثقة الأمنية بين البلدين أي تأثير طوال عقود على العلاقات الإنسانية والعائلية بين الشعبين. فما الذي يجري في يومنا هذا ويؤثّر سلباً على استقبال السوريين اللاجئين من جحيم المقتلة التي تواجه بها تطلعاتهم للحرية وللكرامة؟
إن دراسات التطرف في العلوم السياسية تستعرض اسباباً عدة لتطوره واستفحاله في بعض المجتمعات فتربطه بالأزمات الاقتصادية وانعدام الحلول المجتمعية وانسداد الأفق الفكري وتخلي النخب عن دورها الريادي والتنويري، واستفادة الحركات السياسية من ظروف معينة تؤجج هذا التطرف لإبعاد الاهتمام عن ضحالة البرنامج السياسي الذي تتبناه، إن كانت في الحكومة، أو فقدان البديل المناسب، إن كانت في المعارضة. وكانت دائما الأنظار تتوجّه، أو بالأحرى توجّه، إلى الأجنبي القادم لينهل من خيرات البلد ويستحوذ على وظائف أهله ويزاحمهم في لقمة عيشهم.
ولكن، هل هي حال السوريين في مصر؟ هل من استثمر ملايين الجنيهات في الاقتصاد المصري يزاحم المصري على لقمة الخبز؟ هل بعض المتميّزين من الفنانين السوريين سيحرمون نجوم مصر من أدوارهم؟ هل يُزاحم السوري اللاجئ الهارب من بلده المدمّر شقيقه المصري الذي كان دائماً سبّاقاً لاحتضانه؟ هل إنَّ خطأ بعض من السوريين وتظاهرهم إلى جانب بعض من أخوتهم المصريين بناء على موقف سياسي، يسمح بتعميم الموقف ووضع السوريين موضع مساءلة جماعية؟
الشعب المصري بكل تياراته غير مسؤول عن هذا الشحن والتشويه الفكري. إن المسؤول هو إعلام تحريضي يحمل خطاباً متطرفاً يسعى لإلهاء المصريين ويحرفهم عن مستقبل سياسي تشاركي. والمسؤول أيضاً هو قيادات سياسية استقالت من واجب دعم حق السوريين في الحرية وتحالفت مع الاستبداد المحيق بهم كما سبق وفعلت مع صدام حسين.
حيوا أهل الشام يا أهل الله!
 
 
خضّة جديدة تهزّ صفوف المعارضة السورية المسلّحة تمرّد 13 فصيلاً يزيد المخاوف من التشدّد الإسلامي
النهار...موناليزا فريحة
"البيان الرقم واحد" الذي أصدرته مجموعات بارزة تقاتل نظام الرئيس السوري بشار الاسد، أثار تساؤلات عن توقيت وأبعاد قرارها رفض الاعتراف بـ"الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية" وتأليف إطار جديد يضم "جبهة النصرة" المرتبطة بتنظيم "القاعدة".
13 مجموعة مقاتلة، تتقدمها "جبهة النصرة"، وثلاث منها كانت منضوية تحت لواء هيئة الاركان العامة لـ"لجيش السوري الحر" برئاسة اللواء سليم ادريس، تنكرت لـ"الائتلاف الوطني" والحكومة المفترضة برئاسة أحمد طعمة، معتبرة أن كل التشكيلات التي تتم في الخارج من دون الرجوع الى الداخل "لا تمثلها ولا تعترف بها". ودعت مناصريها الى "التوحد" ضمن اطار اسلامي يحتكم الى الشريعة.
ما حصل يقوّض القدرة التمثيلية للمكون الابرز في المعارضة السورية الذي يحظى بدعم الدول الغربية، ويثير مخاوف من تزايد تشدد المعارضة المسلحة، كما يمثل انتكاسة لحكومات غربية تحاول دعم جماعات المعارضة الاقرب الى التيار المدني. ومن شأن هذا القرار أن يؤدي الى اعادة النظر في مساعدات غربية محتملة للمقاتلين والتي تشمل تزويدهم السلاح من دول خليجية عربية ومساعدات أخرى غير فتاكة من أوروبا والولايات المتحدة.
وتمثل المجموعات التي شملها "البيان الرقم واحد" جزءا كبيرا من الثوار الناشطين في شمال سوريا، اضافة الى جزء كبير من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب ودمشق. وبعضها من كبرى المجموعات المسلحة في سوريا، بما فيها "أحرار الشام" و"التوحيد" و"صقور الشام" التي تسيطر على مناطق واسعة في الشمال.
أما خلفياتها الايديولوجية فتكشف هويتها الاسلامية بامتياز، إذ تنتمي كتائب "لواء التوحيد" و"لواء الاسلام" و"صقور الشام" التي كانت تنشط في صفوف "الجيش السوري الحر" الى "جبهة سوريا الاسلامية الحرة"، وهو تجمع للاسلاميين المعتدلين، بينما تنتمي "أحرار الشام" الى "الجبهة الاسلامية السورية" التي تضم اسلاميين متشددين. وتستلهم "جبهة النصرة" فكر "القاعدة"، فيما تنتمي جماعة "كتائب نور الدين الزنكي" التي كانت ايضا تتحرك في إطار "الجيش السوري الحر" الى تحالف "أصالة وتنمية" السلفي.
نزعة التطرف
وكان النصف الثاني من عام 2012 شهد زيادة في نزعة التطرف في صفوف المعارضة السورية المسلحة، وخصوصاً في شمال البلاد وشرقها. ولعل ما تبلور في البداية كقوة علمانية انعكست خصوصاً في تركيبة "الجيش السوري الحر" قد تشرذم تدريجاً إلى فصائل إسلامية متناحرة، وتاليا، عزز بروز الاسلاميين الاصوليين على حساب "الائتلاف الوطني" حجة الأسد بأن البديل من حكمه هو حكم تنظيم "القاعدة " في سوريا.
وكتب الباحث هارون زبلين من "معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى" أنه بينما نالت "جبهة النصرة" القدر الأكبر من الاهتمام، وخصوصاً بعد تصنيف واشنطن اياها منظمة إرهابية مطلع كانون الأول 2012، لم تحط "كتائب أحرار الشام" الا باهتمام قليل، علماً أنها مجموعة جهادية سلفية أخرى تنمو قوتها ويستمر دعمها يوماً بعد يوم في حلب وإدلب وأماكن أخرى. ولكن ماذا يعني انفصال مجموعات تتمتع بقوة قتالية عالية عن "الجيش السوري الحر" وانحيازها الى معتقدات اسلامية أكثر تطرفاً؟
باختصار، يعني هذا القرار تمرد جزء كبير من "التيار الاساسي في الجيش السوري الحر" على قيادته السياسية التي تحظى بدعم واشنطن وأنقرة وباريس ولندن ودول أوروبية أخرى وقطر وأيضاً السعودية، وانحيازه علناً الى التيار الاسلامي الاكثر تشددا.
أما في ما يتعلق باعلان الشريعة مصدراً وحيداً للتشريع، فيقول المحلل الاسوجي آرون لوند ان "هذا الامر كان بيت القصيد لكثير من هذه الفصائل ، وكانت كلها اسلامية في اي حال".
لماذا الآن؟
وأثار قرار هذه المجموعات تساؤلات عن توقيت قرارها، علماً أنه سبق لها أن رفضت قبل سنة الوقوف في صف "جبهة النصرة" في مسألة رفض الاعتراف بالائتلاف المعارض.
ويعزو ناطق باسم "لواء التوحيد" القريب من جماعة "الاخوان المسلمين" التمرد الى "المؤامرات والتنازلات التي تفرض على الشعب السوري من طريق الائتلاف الوطني".
وربما كان يشير الى ابداء رئيس الائتلاف محمد الجربا الاسبوع الماضي استعداد الائتلاف للمشاركة في مؤتمر "جنيف - 2" الذي تسعى واشنطن وموسكو الى عقده قريباً، إذا كانت ستنبثق منه حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة. وفي المقابل، يقدم الخبير في شؤون المجموعات الاسلامية في سوريا توما بييريه، الاستاذ في جامعة ادنبره، قراءة مختلفة لتمرد هذه الفصائل، اذ يقول إن "الاتفاق الاميركي - الروسي على تدمير ترسانة الاسلحة الكيميائية السورية، والذي جمد تلويح واشنطن بتوجيه ضربة عسكرية الى النظام السوري، دفع بعض المجموعات المقاتلة الى مراجعة حساباتها". وأضاف: "بعد مأزق الاسلحة الكيميائية، فقد بعض المسلحين الامل في أن يتمكنوا من الافادة من عناصر ايجابية من التفاهم مع الغرب".
"جيش جديد"
في اي حال، يبدو أن هذا القرار ليس الا خطوة أولى في اتجاه انشاء مجموعة أكثر تنظيماً، وإن يكن لم تتوافر بعد معلومات عن أعداد المقاتلين الذين ستشملهم الجبهة الجديدة ولا كيف سيتعاونون في ما بينهم. وعلى حسابه في "تويتر"، لمح كبير القادة العسكريين لـ"لواء التوحيد" عبدالقادر صالح الى المجموعة باسم "التحالف الاسلامي"، وهي تعبير قد يكون توصيفاً لها أكثر منه اسماً رسمياً.
وبدوره، كتب محمد علوش من "لواء الاسلام" المقرب من السعودية على "تويتر": "انتظروا الاعلان عن الجيش الجديد".
"داعش" الغائب الأكبر
ومع أن المجموعات المتمردة تمثل شريحة مهمة من المعارضة المسلحة، وتضم افضل مقاتليها، لا شك في أنها ليست المعارضة المسلحة كلها، فثمة عشرات وربما مئات من المجموعات الصغيرة الاخرى التي لم تنضم الى هذا القرار. كذلك، لا تزال ثمة مجموعات كبيرة أخرى موالية لـ"الجيش السوري الحر" وتالياً للائتلاف، مثل "كتائب أحفاد الرسول" و"كتائب الفاروق". أما الغائب الابرز فهو "الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام" (داعش) المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، احدى اكثر الجماعات تشدداً في سوريا والتي اشتبكت أخيراً مع مجموعات اخرى ذات توجه اسلامي معتدل.
ومهما يكن من أمر، فإن التحالف الجديد لا يشكل أي تهديد لـ"الدولة الاسلامية"، لا بل يمكن أن يصب في مصلحتها كونه يضعف المعسكر الذي يحظى بدعم الغرب ويكسب المطالب الاسلامية ثقلاً اضافياً. ومع أن المعارضة السورية تعاني التشرذم والخصومات منذ بدء الانتفاضة على الاسد قبل سنتين ونصف سنة، يقول الخبير في مركز "آي اتش اس جينز" للارهاب والتمرد تشارلز ليستر إن القرار الأخير يفرغ المعارضة المسلحة من عدد من مكوناتها الابرز، الأمر الذي "سيكون له تأثير ملموس على قدرة هيئة الاركان على اعتبار نفسها نواة المعارضة المسلحة".
وقال الخبير في مركز "كارنيغي" الشرق الاوسط يزيد صايغ لـ"وكالة الصحافة الفرنسية": "صحيح ان المعارضة لم تكن تحرز تقدماً (سياسياً)، لكن فقدانها التأثير سيفرض تحديات اضافية، وقدرتها التمثيلية ستصير مشكلة اساسية".
 
ما الجديد الذي أراد نصرالله أن يرسّخه في خطابه الأخير؟
النهار...ابراهيم بيرم
من بوابة الأمن في الضاحية الجنوبية ولج الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في كلمته أول من أمس، عتبة مرحلة عناوين جديدة في الوضع السياسي الداخلي، والإقليمي عموماً.
لم يثبت سيد الحزب نفسه كلاعب اساسي في الملعب الاقليمي، فهذا صار ثابتاً لا يمكن ضرب الصفح عنه أو نكرانه، وبالتحديد منذ أفصح عن تدخله المباشر في مواجهات الميدان العسكري السوري، محققاً انجازات مهمة تقلب الموازين والمعادلات الميدانية في كل معركة يبرز فيها عناصر النخبة في الحزب، بل ان نصرالله، بحسب اقرار مقربين من دوائر القرار في الحزب، يرسم فعلاً آفاق مرحلة جديدة في السياسة والعسكر والشعار لافتته العريضة انقضاء الكلام على ضربة عسكرية غربية لسوريا، وبالتالي تكشّف الميدانين السياسي والعسكري عن قواعد لعبة مختلفة صار فيها بقاء نظام الرئيس بشار الاسد في دمشق ثابتة، وصارت فيها روسيا – بوتين، ومن سار في ركبها السياسي نجمة المرحلة التي لا يمكن الاستغناء عنها أو اقصاء دورها واعتبارها كأنها نسياً منسياً على غرار ما حصل منذ السقوط المدوي للكتلة الاشتراكية في مطالع عقد التسعينات من القرن المنصرم.
وأكثر من ذلك، ثمة مرحلة جديدة ايضاً في العلاقة بين طهران والغرب قوامها مسارعة هذا الغرب الى تلقف فرصة لاحت مع انتخاب حسن روحاني رئيساً جديداً للجمهورية الاسلامية في محاولة دؤوبة لفتح قنوات الاتصال معها، توطئة لبناء جسور علاقة راسخة. انها محاولة ما زالت في بدايات تكوّنها لكنها تنم ضمناً عن رغبتين مشتركتين تعتمل بهما نفوس المسؤولين في العاصمة الايرانية واذهان المسؤولين في واشنطن لطي صفحة من القطيعة والعداوة استمرت عقوداً. وفي ميدان يوميات المواجهات العسكرية في سوريا لا شك في ان أمام السيد نصرالله صورة باتت أجلى من أي وقت مضى، وهي أن عامين ونصف عام من "حرب كونية" شنت على النظام الحليف بغية اسقاطه وهز جذوره قد صارت في طور الانتهاء، بعدما اصبح عنوان المرحلة عسكرياً أن تلتهم المجموعات المعارضة نفسها بعدما انتهت المهمة - الوظيفة التي أوكلت اليها وزج بها وقوداً في معركة شديدة الضراوة.
لذا لم يكن غريباً أن يبدأ السيد نصرالله خطابه من الحدث الأمني في الضاحية الجنوبية، ليدخل عبر هذه البوابة الى الفناءات والمواضيع الاوسع مساحة، فحدث الضاحية هو تكثيف رمزي للاداء المرتقب للحزب في المرحلة الجديدة.
رُبَّ قائل ان دوائر القرار العسكرية والأمنية في الحزب قد اصابها التعب من جراء هذا الدور الكبير الذي تنكبته مدى أكثر من ثلاثة أشهر وبالتحديد قبل نحو شهرين من حدوث انفجار الرويس وصولاً الى الامس، فالحزب اضطر في هاتيك الحالة الى أن يزج بأكثر من ثلثي جهازه الأمني في مسألة ترصّد الوضع الأمني في منطقة مكتظة بأكثر من 600 ألف نسمة، انبرى خلالها الى اداء ادوار وممارسة وظائف لم يألفها من قبل، خصوصاً لجهة التعامل المباشر على الحواجز مع العابرين والمارين عدا ما جرّته هذه المهمة من حملات اعلامية عليه. لكن الاكيد ايضاً، بحسب المعلومات الاولية، ان الحزب ما كان ليترك هذه المهمة الشاقة والحساسة طائعاً مختاراً، إلا بعدما حقق مكاسب وانجازات مضمرة من عناوينها العريضة:
- ان ثمة اطمئناناً نسبياً على أن تجربة السيارات المفخخة ليست أمراً يمكن تكراره بسهولة خصوصاً بعد ما حصل في طرابلس، إذ رست "معادلة رعب" حقيقية يمكن أن تبدأ، ولكن لا يمكن أحداً أن يتكهن بنهاياتها وتداعياتها.
- ان الحزب صار يملك منظومة معلومات موثوقاً بها تتصل بالمجموعات التي خططت ونفذت لانفجاري بئر العبد والرويس واماكن وجودها ومدى تحركاتها إلى درجة ان ثمة من يؤكد انها صارت بين يديه وان مرحلة تصفية الحساب معها قد بدأت.
- ان الحزب صار له بحكم التجربة مساحة مشتركة من التعامل مع اجهزة الدولة الأمنية، وصار يأمن لها ولديه القدرة على التكيّف مع حضورها. وبناءً على هذه المعطيات والوقائع فان الحزب يتصرف على اساس أن ثمة مخاطر قد زالت الى حد بعيد، وان ثمة محاولة جادة جرت لتكريس واقع شبيه بالواقع العراقي ثبت بالدليل العملي لأصحابها انه يستحيل تكرارها وتطبيقها في مناطق معينة من الساحة اللبنانية، وجعلها مادة اساسية في اللعبة الداخلية اللبنانية المتداخلة والمعقدة.
وهذا الواقع الأمني – الميداني الذي نجح الحزب مدى اكثر من سبعة اشهر في تفكيكه واستنفاد اغراضه انتقل ايضاً الى حيز المعادلة السياسية الداخلية.
فالسيد نصرالله أوحى في خطابه أول من امس، ولا سيما الجزء المتصل بهذا الموضوع، انه بالامكان الانطلاق الآن نحو مراحل اخرى جديدة خلافاً للمرحلة السابقة التي كانت عبارة عن تجميد للأمور ومنها ولا شك أمر التشكيلة الحكومية.
فمن الواضح ان نصرالله تعمد رسم خطوط عامة وتفصيلية في الشأن الحكومي ووضع شروطاً وسقوفاً وضعت حداً لكثير من التكهنات التي راجت سابقاً. فهو أعاد التمسك بالتفويض المعطى للرئيس المكلف تمام سلام لكنه وضع حداً نهائياً امام محاولاته لتقديم نفسه على اساس انه خارج دائرة قوى 14 آذار وانه في دائرة الوسطيين، وأعطى هذه الصفة للرئيس ميشال سليمان وللنائب وليد جنبلاط، محدداً ضمنا مستقبل العلاقة معهما.
واذا كانت ظروف العلاقة مع جنبلاط فقط، قد صارت معروفة المعالم والأبعاد، فالجديد ان يقبل الحزب بالرئيس سليمان وسطياً ويكرسه في هذا الموقع وهو ما يمكن ان يبنى عليه لاحقاً خصوصاً بعد مرحلة من الالتباس والتوتر سادت علاقة الحزب بالرئيس سليمان في اعقاب "هجماته" الثلاث المتكررة على سلاح المقاومة وعلى تدخل الحزب في سوريا.
ولم يعد خافياً أنه راج في الاوساط السياسية والاعلامية اخيرا اقتناع أولي مفاده ان ثمة تطبيعاً خفياً لحدود العلاقة بين الرئاسة الاولى والحزب.
وفي كل الأحوال سد نصرالله بكلامه أفق اي تفكير في حكومة الثلاث ثمانيات ووضع حداً لما قيل ان امرها صار ناجزاً فور عودة سليمان من نيويورك. وعليه فان ثمة من يرى ان نصرالله رسم معالم المرحلة المقبلة داخلياً في ضوء الجديد الذي انطوت عليه مرحلة ما بعد التفاهم الاميركي – الروسي وما يمكن ان يندرج تحته من عناوين تفصيلية ستظهر تدريجاً في قابل الأيام.
أما على المستوى الاقليمي، فالواضح ان نصرالله افصح كثيرا وتوسع في هذا المجال خلافاً للمرات السابقة، ولا سيما وقد سمّى الاشياء بأسمائها منطلقاً من ثابتة اساسية وهي سقوط كل الرهانات السابقة، السياسية منها والعسكرية في سوريا، وبالتالي فتح نصرالله ابواب الدعوة الى مرحلة جديدة في علاقة الآخرين معه او في رهاناتهم السابقة على اقصائه داخلياً ومحاصرته على مستوى المنطقة، خصوصاً أنه جعل في طيات كلامه المعركة واحدة بدءاً من العراق مروراً بسوريا وصولا الى لبنان.
وثمة من يرى ان في طيات كلام نصرالله ايضاً جملة شروط وسقوف لمن يعنيهم الامر وبالتحديد السعوديين اذا كانوا راغبين فعلاً في الانفتاح على ايران، وفي مقدمها الكف عن السعي الى اسقاط النظام في سوريا ومن ثم العزوف عن محاولات محاصرة الحزب على المستوى اللبناني.
ومهما يكن من امر فما كان لنصرالله ان يطل اعلامياً ويتحدث على نحو ما تحدث به لو لم يكن يملك معطيات جديدة تظهر له على الأقل ان حساباته وخياراته هي التي نجحت.
 

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,889,243

عدد الزوار: 6,970,552

المتواجدون الآن: 89