تقارير...رداً على فلاديمير بوتين: نظام الحكم في روسيا فاسد...."مؤتمر جنيف2" ومسؤولية المعارضة السورية..أصوات إسرائيلية تفضّل بقاء النظام السوري...ما بعد الكيماوي...الدروس المستفادة من سوريا للتعامل مع محادثات إيران النووية

الجهاد عام 2020: تقييم خطة تنظيم «القاعدة» لـ 20 عاماً...هل هي نهاية للأزمة؟

تاريخ الإضافة الأربعاء 25 أيلول 2013 - 7:45 ص    عدد الزيارات 2146    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

رداً على فلاديمير بوتين: نظام الحكم في روسيا فاسد
النهار.....جون ماكين
"البرافدا".... ترجمة نسرين ناضر
بعدما نشرنا نص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي خاطب فيه الشعب الأميركي عبر مقال في صفحة الرأي في صحيفة "نيويورك تايمز"، هنا نص الرد الذي كتبه السيناتور الأميركي الجمهوري والمرشح السابق للانتخابات الرئاسية الاميركية جون ماكين في مقال عبر صحيفة "البرافدا" الروسية.
عندما عرض عليّ رئيس تحرير Pravda.ru، دميتري سوداكوف، نشر مقالي، وصفني بأنني “سياسي ناشط مناهض لروسيا منذ سنوات كثيرة". أنا على يقين من أنها ليست المرة الأولى التي يسمع فيها الروس كلاماً ينعتني بأنني خصم لهم.
بما أن هدفي من هذه السطور هو دحض الأضاليل التي يلجأ إليها الحكّام الروس للتمسّك بالسلطة وتبرير فسادهم، لا بد لي أولاً من أن أبدأ بدحض تلك المغالطة المنافية للحقيقة. لست مناهضاً للروس، بل أنا مؤيد لكم. أنا مؤيد لكم أكثر من النظام الذي يسيء حكمكم اليوم.
أقول هذا الكلام لأنني أحترم كرامتكم وحقّكم في تقرير مصيركم. أنا أعتبر أنه عليكم أن تعيشوا بحسب ما يمليه عليه ضميركم وليس حكومتكم. أنتم تستحقّون، في رأيي، فرصة تحسين حياتكم في اقتصادٍ ذي دعائم متينة قادرة على الاستمرارية، اقتصاد يحقّق المنافع لشرائح واسعة، وليس لحفنة قليلة من أصحاب النفوذ والسلطة. يجب أن تكون الكلمة الفصل لسيادة القانون التي ينبغي أن تكون واضحة وعادلة وأن تُطبَّق بصورة مستمرة ومن دون تحيّز. أقول هذا الكلام لأنني أؤمن بأن الخالق أنعم على الروس، تماماً كما أنعم على الأميركيين، بالحق في الحياة والحرية والسعي إلى السعادة، وهذه حقوق غير قابلة للتصرّف.
لا يستطيع المواطن الروسي أن يقول مثل هذا الكلام في العلن. لا يؤمن الرئيس بوتين ومعاونوه بهذه القيم. لا يحترمون كرامتكم أو يقبلون بأن تكون لديكم سلطة عليهم. يعاقبون المعارضين ويسجنون الخصوم. يزوّرون انتخاباتكم. يسيطرون على وسائل إعلامكم. يضايقون المنظمات التي تدافع عن حقّكم في تقرير مصيركم، ويهدّدونها ويحظرونها. ومن أجل الإبقاء على سلطتهم، يشجّعون على تفشّي الفساد في محاكمكم واقتصادكم، ويمارسون الترهيب على الصحافيين الذين يحاولون فضح فسادهم، وصولاً حتى إلى اغتيالهم.
يضعون قوانين تجيز التعصّب ضد الأشخاص على خلفية توجّهاتهم الجنسية. يزجّون بأعضاء فرقة تؤدّي موسيقى الـ"بانك روك"، في السجن بتهمة الاستفزاز والبذاءة والتجرؤ على الاعتراض على حكم الرئيس بوتين.
لم يكن سيرغي ماغنيتسكي ناشطاً حقوقياً. كان محاسباً في إحدى شركات المحاماة في موسكو. كان روسياً عادياً حقّق إنجازاً استثنائياً. فقد فضح إحدى أكبر عمليات سرقة الأصول الخاصة في التاريخ الروسي. كان يؤمن بسيادة القانون وبأنه يجب ألا يكون أحد فوقها. من أجل معتقداته هذه ومن أجل شجاعته، اعتُقِل في سجن بوتيركا من دون محاكمة، حيث تعرّض للضرب، وتوفّي بعد إصابته بالمرض. وبعد وفاته، أجريت له محاكمة صورية تعيدنا بالذاكرة إلى حقبة ستالين، ولا حاجة إلى ذكر النتيجة، فقد وُجِد بالطبع مذنباً بالتهم المنسوبة إليه. لم تكن جريمة بحق سيرغي ماغنيتسكي فقط، بل بحق الشعب الروسي وحقّكم في حكومة نزيهة - حكومة تليق بسيرغي ماغنيتسكي وبكم.
يزعم الرئيس بوتين أن هدفه هو استعادة عظمة روسيا في الداخل وبين دول العالم. لكن كيف أعاد إليكم عظمتكم؟ أعطاكم اقتصاداً يستند بصورة كاملة تقريباً إلى حفنة قليلة من الموارد الطبيعية التي تتأثّر صعوداً أو هبوطاً بحسب السلع الاستهلاكية. لن تدوم ثرواتها. كما أنها ستظل في قبضة القلّة الفاسدة والنافذة. تخرج الرساميل من روسيا التي تُعتبَر مكاناً محفوفاً بالمخاطر للعاملين في مجال الاستثمار وريادة الأعمال، وذلك بسبب غياب سيادة القانون وافتقار البلاد إلى اقتصاد واسع النطاق. لقد أعطاكم منظومة سياسية قائمة على الفساد والقمع، وليست قوية بما يكفي لتقبّل المعارضة.
كيف عزّز مكانة روسيا في العالم؟ عبر التحالف مع بعض الأنظمة الاستبدادية الأكثر إساءة وتهديداً. عبر دعم النظام السوري الذي يقتل عشرات الآلاف من أبناء شعبه ليبقى في السلطة وعبر تعطيل الأمم المتحدة ومنعها حتى من إدانة هذه الفظائع. عبر رفض النظر في المجازر بحق الأبرياء، ومعاناة ملايين اللاجئين، وفي الخطر المتزايد بتمدّد الحريق لتلتهم نيرانه بلداناً أخرى، وهذه مسألة تستحق أن يعيرها العالم اهتماماً شديداً. هو لا يعزّز سمعة روسيا على الساحة الدولية، بل يدمّرها. لقد جعل منها صديقةً للطغاة وعدوّةً للمظلومين، كما أنها ليست موضع ثقة من الدول التي تسعى إلى بناء عالم أكثر أماناً وسلاماً وازدهاراً.
لا يؤمن الرئيس بوتين بهذه القيم لأنه لا يؤمن بكم. لا يؤمن بأنه عند ترك الطبيعة البشرية على سجيّتها، بإمكانها أن تسمو فوق نقاط ضعفها، وتبني مجمتعات عادلة وسلمية ومزدهرة. أو على الأقل، لا يؤمن بأن الروس قادرون على ذلك. إنه يحكم عبر استغلال نقاط الضعف تلك، ومن طريق الفساد والقمع والعنف. يحكم من أجل تحقيق مآربه الشخصية، وليس من أجلكم.
أنا أؤمن بكم. أؤمن بقدرتكم على تقرير مصيركم، ورغبتكم في العدالة والحصول على الفرص. أؤمن بعظمة الشعب الروسي الذي عانى الأمرّين وناضل بشجاعة في وجه المحَن الشديدة لإنقاذ أمّتكم. أؤمن بحقّكم في صنع حضارة تليق بأحلامكم وتضحياتكم. إذا كنت أنتقد حكومتكم، فالسبب ليس أنني مناهض للروس. بل لأنني أعتبر أنكم تستحقّون حكومة تؤمن بكم وتكون مسؤولة أمامكم. وأتطّلع إلى اليوم الذي سيتحقّق فيه ذلك.
 
"مؤتمر جنيف2" ومسؤولية المعارضة السورية
النهار...ماجد كيالي.... كاتب فلسطيني
لا أعرف إن كان "مؤتمر جنيف2" سينعقد أم لا، ولا استطيع التكهّن بنتائجه في حال انعقاده، فهذا يعتمد على موازين القوى، ولاسيما على إرادات الفاعلين الدوليين والإقليميين، بعد أن انتقلت الحالة من الصراع في سوريا إلى الصراع عليها.
مع ذلك يجدر التعاطي مع مؤتمر كهذا، من قبل المعارضة السورية، بخاصّة أنها غير قادرة على فرض ماتريده بقواها الخاصّة، وأنها بحاجة إلى تعاطف الآخرين، بل دعمهم لها.
والقصد أن المعارضة معنية بإبداء مرونة تقتضيها أبجديات العمل السياسي، لاسيما أنها لم توضّح كيفية إسقاط نظام الأسد، مع ضعف امكاناتها، أو تصوّرها للنظام السياسي البديل، بعد ثلاثين شهراً على اندلاع الثورة، رغم كل تضحيات السوريين ومعاناتهم.
وكانت هذه المعارضة ممثلة بـ"الائتلاف الوطني"، رفعت شعار "إسقاط النظام" وتوقّفت عنده، كأنّها أصيبت بعدوى "الخطاب الخشبي"، الذي عرف به النظام الأسدي، ما أضرّ بصورتها وبصدقية طروحاتها لدى السوريين، وفي الرأي العام العالمي، فاقم منه تصدّر جماعات "القاعدة"، وخطاباتها المتطرّفة، المشهد السوري.
الآن، وبحسب الأخبار المتداولة، يبدو أن رئيس "الائتلاف"، احمد الجربا، أحدث خرقاً في هذا المشهد، بتقديمه رسالة إلى مجلس الأمن الدولي تؤكد استعداد المعارضة للمشاركة في "مؤتمر جنيف2"، باعتباره يتضمن تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة، تؤدّي إلى رحيل نظام الأسد. وكان "الائتلاف"، قبل أيام، أقدم على خطوة أخرى لاتقل أهمية عن هذه، بإصداره بيان أكد فيه خروج تنظيم "القاعدة" ("داعش") من إطار الثورة، وتناقضه مع المبادئ التي تسعى إليها، رغم أنها خطوة تأخّرت كثيراً.
لم يعد خافياً على أحد أن ثورة السوريين تعاني كثيراً جراء الافتقاد للقيادة وللاجماعات الوطنية، والضعف الناجم من تصدّع البني المجتمعية، ومن التقتيل والتدمير في الجسم السوري، ما يجعل من مسؤولية المعارضة البحث عن اية فرصة لوقف هذه المسارات الكارثية.
قد لايرضي هذا الكلام بعض المعارضة، التي تعيش على التوهمات والرغبات، بعيداً عن الواقع، والتي لاتنتبه إلى موازين القوى، والمعطيات العربية والدولية، وللحال المأسوية التي وصل اليها السوريون. ولعل ما ينبغي أن يدركه هؤلاء أن استنقاع الوضع السوري ليس في مصلحة الثورة ولا شعبها، وأن مجرد رفض أية تسوية يساهم في إطالة عمر النظام، وإطالة أمد معاناة السوريين، ويعزل الثورة، بخاصّة إنها لا تستطيع اسقاط النظام بقواها الذاتية. وما ينبغي ان يدركه هؤلاء، أيضاً، أن السوريين اثبتوا ماعليهم اثباته، فقد انتهت حقبة "سوريا الأسد" إلى الأبد، وبات من مسؤولية المعارضة، في غضون ذلك، أن تتأكد أن لايسقط "النظام" على رؤوس السوريين.
 
أصوات إسرائيلية تفضّل بقاء النظام السوري
المستقبل...ماجد الشيخ
على الرغم من التقليل من تصريحات السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة مايكل أورين، التي قال فيها إن إسرائيل تريد أن تشهد نهاية حكم النظام السوري، فقد انسجمت تصريحات أورين مع الموقف الواضح لقائد الجيش الإسرائيلي في لواء الشمال (يائير جولان) الذي عبر عنه خلال مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قائلا "أنصح بألا يجربنا أحد، ونظام الأسد سيبقى لسنوات طويلة قبل أن تقسم سوريا إلى دويلات"، لكنه أعرب عن أمله أن يختفي الأسد عن العالم سريعا.
في هذا الوقت استبعد مدير مركز موشي دايان للدراسات الإستراتيجية (آيال زيسر)، أن تكون تصريحات أورين، تغييرا في موقف إسرائيل الرسمي، حيال الحرب الدائرة بسوريا، لافتا إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، أوعز للخارجية بتوبيخ السفير أورين على تصريحاته "التي لا تعبر حتى عن موقف علني أو رسمي لتل أبيب".
وقد تتابعت تصريحات مماثلة، إلى حد بدأ العديد من الإسرائيليين يجاهر، أو ربما يغامر بالقول أن من الأفضل بقاء النظام الحالي في سوريا، لأن سقوطه واختفاءه من حلبة دول الجوار المحيطة بإسرائيل، قد يؤدي لسيطرة "القاعدة" وما يسمى "تنظيمات الجهاد العالمي". ولهذا فإن إسرائيل والشرق الأوسط عموما، يعيشان في ذروة واقع معقد توجد فيه الكثير من التحديات، بما في ذلك تهديدات على أمن إسرائيل، وهذا الواقع يمكن أن يؤدي إلى انقلابات وانتكاسات تاريخية، وإلى فرص لن تعود ثانية، بحسب يعقوب بيري وزير العلوم والتكنولوجيا الإسرائيلي الذي شغل في السابق منصب رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك).
من جانبه رجح قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي، الميجور جنرال يائير جولان بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في منصبه لسنوات قادمة، رغم أنه أكد أنه "كان يتحتم عزله". ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عنه القول في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن "المعارضة السورية لم تتمكن بعد من خلق بديل للنظام السوري"، معربا عن توقعه أن تظل سوريا مصدراً للاضطراب الإقليمي فترة طويلة.
وعلى خطى أقلية إسرائيلية غير مؤثرة في القرار السياسي، قلل من خطورة التهديد الذي تمثله التنظيمات الجهادية الناشطة في سوريا، واصفاً إياها "بعدو شرير ولكن بدائي نسبياً، خاصة وأنه غير مدعوم من أي قوة إقليمية". أما حزب الله، فرأى جولان أن أمينه العام حسن نصر الله يدرك جيداً أن "لبنان سيلحق به دمار هائل في أي مواجهة قادمة مع إسرائيل"، واصفا نصر الله بأنه "خصم جاد لا يجوز التهاون به".
وبالعودة إلى بيري، فقد حذر من تغير الوضع الأمني على الحدود مع مصر، قائلا إن عدم الاستقرار في مصر، يشكل خطرا آخر على أمن إسرائيل، مضيفا أن الموضوع المركزي الذي تواجهه إسرائيل كان وما زال وسيبقى، هو التهديد الإيراني والخطر النووي الإيراني لم يختف بعد. وفي كلمة له أمام المعهد المتعدد المجالات في مدينة هرتسيليا، تطرق بيري إلى الهزة الإقليمية التي تعم منطقة الشرق الأوسط، وقال إن عدم الاستقرار في مصر يشكل خطرا حقيقيا على إسرائيل، بحسب ما أفاد موقع صحيفة "هآرتس".
وأكد الوزير بيري على أن وجود أنظمة مستقرة داخل دول الجوار، يصب بلا شك في مصلحة إسرائيل، وحذر رئيس الشاباك الأسبق في سياق كلمته من انفجار منطقة الشرق الأوسط نتيجة للثورات المستمرة، وحالة عدم الاستقرار التي عصفت برئيسين مصريين في غضون عامين، مشيرا إلى أن سقوط نظام الرئيس السوري، ستتبعه عواقب خطيرة على أمن إسرائيل مستقبلا، وأضاف إن بقاء نظام بشار الأسد يصب في مصلحة إسرائيل بدون أدنى شك، مضيفا أن الرئيس الذي سيخلف الأسد في حالة سقوطه في أعقاب العملية التي تنوي ربما الولايات المتحدة تنفيذها خلال الأسابيع المقبلة، سيكون بمثابة الخيار الأسوأ لإسرائيل.
وأوضح الوزير الإسرائيلي أنه من المرجح سيطرة أعضاء الجهاد العالمي وتنظيم القاعدة على سوريا، وهو سيناريو غاية في السوء على حد تعبيره، إن تحقق، مشددا على رغبة إسرائيل في تولي نظام مُنظم ومستقر يُدير شؤون البلاد داخل سوريا. وقارن بين الأحداث التى شهدتها مصر وتأثيرها على إسرائيل، وبين ما يحدث الآن في سوريا، وقال إن النظام المُستقر للدول المجاورة هو حلم إسرائيل المنشود، فقد كنا بطبيعة الحال في السابق ضد "الإخوان المسلمين" وضد محمد مرسي في مصر، ولكن كان هناك نظام تستطيع التعامل معه والتحدث إليه، ولكننا الآن أمام مجموعة من الثوار الغاضبين وحالة من عدم الاستقرار، مما ينذر بأن علاقتنا مع مصر ستكون أكثر سوءا وصعوبة مستقبلا. واعترف بتدخل إسرائيل في سيناء للقضاء على ما أسماها بالبؤر الإرهابية التي تهدد أمنها.
وفي حوار له مع صحيفة "معاريف" قال بيري ردا على سؤال حول أهمية الاستقرار في مصر بالنسبة لإسرائيل، وما إذا كانت إسرائيل لعبت دورا في الإطاحة بنظام الإخوان: صحيح، نحن لا نتدخل، ليست لدينا القدرة على قلب أنظمة، ولم نحاول خلال العقود الأخيرة العمل في هذا الاتجاه. نريد نظاما مستقرا يحافظ على السلام، ونحن مضطرون للحفاظ على سيناء نظيفة. نقوم هناك بخطوات استباقية لمساعدة الجيش المصري في مواجهة التنظيمات الإرهابية السلفية والتابعة للقاعدة.
وأضاف: نحن بشكل طبيعي كنا ضد محمد مرسي و"الإخوان المسلمين"، ولكن كان لك جار تستطيع أن تتحدث معه، الآن نقف أمام حفنة من المتمردين ومثيري الشغب، ومن المتوقع أن يصبح وضعنا أكثر سوءا. وأضاف أنه في حالات معينة لمصلحة إسرائيل أن يبقى الأسد في السلطة، فلا نعلم ماذا يحدث بعد سقوطه أو اختفائه من الخريطة السياسية، وأوضح الوزير أن هناك وزراء وسياسيين آخرين تحدثوا عن أن سقوط الأسد هو المستوى الاستراتيجي الحاسم الذي ينبئ بانهيار إيران وسوريا وحزب الله، وهذا له آثار بعيدة المدى من حيث التهديدات لإسرائيل، وزاد قائلا: لا نستطيع القول علنا إن الأسد قاتل وغير إنساني، وما حدث من مجزرة كيميائية لا يغتفر، ومستعد لخنقه شخصيا، ولكن سقوطه سيسبب لنا مشاكل في بعض الحالات. كما أشار إلى سياسة رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، ووزير الأمن، موشيه يعالون، بأنها تتمتع بانعدام التصريحات العدائية والاستفزازات، وهذه سياسة ضبط النفس.
علاوة على حالة ضبط النفس تلك، فمن المؤكد أن إسرائيل غير معنية بالإطاحة بالنظام الحالي في سوريا، وإن كانت تطمح عمليا لتقليص نفوذ إيران وحزب الله في المنطقة، وهي لذلك تسعى إلى دعم الغرب في مهمة تجريد الجيش السوري من أسلحة الدمار الشامل، ومن ضمنها الأسلحة الكيميائية، وكل الأسلحة غير التقليدية التي ترى فيها تهديدا إستراتيجيا. لذلك يبدو الموقف الإسرائيلي الأقرب إلى المنطق الدائم الذي يقود ويترسم خطوات صناع القرار السياسي، أن تبقى الحرب الداخلية مشتعلة، كي تستنزف قوى وإمكانات الأطراف المتصارعة جميعها؛ كضمانة لعدم التعرض للأمن الإسرائيلي.
 
ما بعد الكيماوي
المستقبل...عبدالحسين شعبان... باحث وحقوقي عراقي
على خلفية اتهام الولايات المتحدة لدمشق باستخدام السلاح الكيمياوي في الغوطتين الشمالية والشرقية في 21 آب (أغسطس) الماضي، اتّخذ الرئيس الأميركي باراك أوباما قراره وحسم أمره بعد تردّد بخصوص "معاقبة" سوريا. وحبس العالم كلّه أنفاسه بانتظار الوقت المعلوم لبدء العلميات العسكرية ضدها. وعلى الرغم من انتظار أوباما موافقة الكونغرس ليضفي على قراره شرعية أكبر، جاءت المبادرة الروسية بوضع السلاح الكيمياوي السوري تحت تصرّف المجتمع الدولي كتطور جديد، بهدف نزع الفتيل والحيلولة دون الضربة العسكرية، وأعلنت سوريا على الفور قبولها بالمبادرة الروسية، وأبدى الرئيس السوري بشار الأسد استعداده لتسليم جميع أسلحته الكيمياوية للمجتمع الدولي خلال أسبوع.
وتبلورت المبادرة الروسية بعد سلسلة من التطورات السريعة: منها القرار الذي اتخذه مجلس العموم البريطاني بعدم الترخيص لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون للدخول بالحرب ضد سوريا وإعلان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند انتظار نتائج بعثة التحقيق الدولية بخصوص استخدام السلاح الكيمياوي بعد أن كان متحمساً للحرب، أما السيدة أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، فقد علّقت المشاركة بالحرب، على نتائج البعثة الدولية بخصوص استخدام الأسلحة الكيمياوية، وشهد الكونغرس الأمريكي انقسامات ونقاشات من شأنها إضعاف قرار الرئيس توجيه ضربة عسكرية محدودة ومحدّدة.
وإذا ما عرفنا أن أوباما هو الذي قرّر إنسحاب القوات الأميركية من العراق، سندرك صعوبة قراره بالحرب ضد سوريا، حتى بضربات عسكرية، وتعهّدٍ بعدم إرسال قوات برية، ولعلّ ذلك هو الذي دعاه للتصريح أن الإطاحة بنظام الأسد سيضع على عاتق الولايات المتحدة مسؤوليات بخصوص النظام الذي يليه، ولأنه يقدّر أن الفوضى ستكون عارمة والعنف سيكون شاملاً، خصوصاً بصعود النزعات الإستئصالية والانتقامية، لهذا لم يرغب الخوض في المستنقع السوري، حتى وإن تم قصف المنشآت والمرافق الحيوية، ولا سيّما القدرات العسكرية من البحر والجو بصواريخ توماهوك وكروز .
هكذا تبدو المشكلة في السلاح الكيمياوي دون إكتراث بالواقع المأسوي الذي يعيشه السوريون، سواء في الداخل حيث هناك أكثر من 4 ملايين نازح، أو في الخارج حيث زاد عدد اللاجئين المسجّلين على مليونين، وما ستتركه الضربة العسكرية من مضاعفات جديدة، حتى وإن استمرّ الوضع السوري المتفجّر إلى ما هو عليه لأشهر وربّما لسنوات، مثلما حصل في التجربة العراقية، فبعد قضم تدريجي، طويل الأمد، وحصار دولي استمر ما يزيد عن 12 عاماً، اتخذت واشنطن قرارها للاطاحة بالنظام وحلّ الجيش، بعد انهاك طويل وحرب ناعمة مضنية استمرت لسنوات.
قد تكون آلة القضم تفعل فعلها في سوريا، لكن الأمر يحتاج إلى فترة أطول لإضعاف وتفكيك الجيش السوري، سواء بتوريطه بأعمال عنف أو إنهاكه بمواجهات أقرب إلى معارك الشوارع، بعد حرب أهلية ناعمة طويلة الأمد، وفي ظل أوضاع اقتصادية غاية في السوء والقسوة، خصوصاً بهشاشة الوضع الأمني، ووقوع مناطق ومدن في الأطراف مثل حلب وإدلب ودرعا، بيد المعارضة وتدمير حمص في الوسط، وتمزيق النسيج الاجتماعي، لا سيّما ما تعرّضت له المجاميع الثقافية، الدينية والإثنية والسلالية وغيرها، وخاصة بارتفاع منسوب العنف الداخلي وردود الأفعال الموازية له طردياً، حتى أن الكثير من المنظمات الدولية أدانت الانتهاكات السافرة والصارخة من جانب الحكومة، دون أن تنسى انتهاكات الجماعات المسلّحة، وخصوصاً القوى التكفيرية، المتطرفة والمتعصّبة.
ولكن ماذا لو سلّم النظام السوري أسلحته الكيمياوية بالكامل؟ أي سيناريو يمكن أن يتحقق؟ هل ستتوقف احتمالات الضربة العسكرية؟ وماذا عن الضحايا الذين زاد عددهم عن ألف واربعمائة ضحية في الغوطتين جرّاء استخدام السلاح الكيمياوي؟ وبعد ماذا عن سقوط أكثر من 100 ألف ضحية بسبب سلاح آخر غير الكيمياوي، وما الفرق بين القتل بالكيمياوي أو بغيره، وكما قال الشاعر ابن نباتة السعدي قال " من لم يمت بالسيف مات بغيره تعددت الأسباب والموت واحد". وما هو السبيل لوضع حدّ للمأساة السورية المستمرة؟ ولماذا تخشى واشنطن من وجود سلاح كيمياوي لدى سوريا؟
كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري واضحاً عندما أعلن عن خشيته من استخدام سوريا السلاح الكيمياوي ضد "إسرائيل" أي أن استخدامه ضد شعبه ليس سوى الذريعة، وربما كان هذا وراء استهداف صدام حسين والنظام العراقي بعد إعلانه عن "الكيمياوي المزدوج" في العام 1989 وقبلها الاستخدامات المحدودة التي اتهم فيها في حلبجة وغيرها في العام 1988 ومن ثم مغامرته بغزو الكويت العام 1990 التي اعتبرت عبوراً للخطوط الحمراء، وقد يكون ذلك مقتلاً للنظام السوري ذاته، ولعلّ هذا أحد الأهداف الأساسية للحملة الأميركية المعلنة، التي تريد إجهاض المشروع النووي الإيراني والقضاء على حزب الله وتدمير الجيش السوري، بغض النظر عن معاناة الشعب السوري من الاستبداد الطويل الأمد ورغبته في انجاز مشروع التحوّل الديمقراطي المنشود.
وإذا كانت الأسلحة الكيمياوية التي تفتك بآلاف البشر ممنوعة من الاستخدام ومحظورة دولياً، فلماذا يتم امتلاكها أولاً، ولماذا يتم تسليمها ثانياً، خصوصاً إذا كانت ضرورة لما سمّي للتوازن الاستراتيجي، وهي "قنبلة الفقراء" مقابل القنبلة النووية، وهو ما يذكّر بالسيناريو العراقي، فبعد تشدّد ومزاودات اضطرّ للقبول بتفتيش غرف النوم العراقية، بما فيها القصور الرئاسية، وكان الشعب هو الذي دفع الثمن باهظاً من قوته وصحته وتعليمه وتنميته.
وقد تم تحريم الأسلحة الكيمياوية بعد الحرب العالمية الأولى وذلك في بروتوكول جنيف العام 1925 والذي اعتبر تطوّراً مهماً للقانون الدولي الإنساني وقد تبعته إعلانات واتفاقيات جديدة في العام 1972 والعام 1993 بتقرير منع تطوير الأسلحة الكيمياوية وانتاجها وتخزينها ونقلها، وكانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد وصفت الأسلحة التي استخدمت في الحرب العالمية الأولى "بالأسلحة الهمجية" و"الإجرامية".
وقد انضمت إلى الاتفاقيات الدولية التي تمنع استخدام الغازات السامة أو ما شابهها من الأسلحة الكيمياوية والبيولوجية الغالبية الساحقة من دول العالم، وصدّق عليها 162 دولة حيث وافقت على حظر تحديث وانتاج وتخزين واستعمال الأسلحة الكيمياوية أو نقلها بصورة مباشرة أو غير مباشرة. وأكدت الاتفاقية على ضرورة سن تشريعات وطنية من أجل إنفاذ الحظر المنصوص عليها فيها.
وتعتبر اتفاقية العام 1993 الخاصة بالأسلحة الكيمياوية تطوّراً قانونياً جديداً لتوسيع الحظر، وتتولّى منظمة حظر الأسلحة النووية التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، تنفيذ إجراءات التحقق من تنفيذ الاتفاقية، وهي التي شاركت بقرار من مجلس الأمن في دراسة الحالة السورية، لا سيّما ما حصل في الغوطتين.
ثماني دول لم تنضم إلى اتفاقية العام 1993، وهي أنغولا وكوريا الشمالية والصومال ومصر وسوريا (أعلنت استعدادها على الانضمام بعد المبادرة الروسية) ومينامار وجنوب السودان والأخيرتان تأسستا حديثاً و"إسرائيل" التي تحتفظ بترسانة سلاح كيمياوي وبيولوجي وبما يزيد على 100 قنبلة نووية منذ إنشاء مفاعلها الأول في ديمونا بمساعدة الفرنسيين العام 1955.
والسؤال ماذا بعد الكيمياوي: هل سيتم نزع صاعق التفجير أم أن خطة الحرب الناعمة ستستمر لفترة طويلة؟ وهل بالإمكان الحصول على ضمان دولي بعد توافق أميركي روسي بانتقال سلمي للسلطة وفقاً لجنيف 2؟ أي ترجيح الخيار السلمي، لكن ذلك لا يعني غلق الباب أمام الخيار العنفي، وهو ما عبّر عنه أوباما بأنه خيار قائم إذا فشل الخيار الدبلوماسي، وأكّده جون كيري بإعطاء مهلة شهر لتسليم كل ما يتعلق بالسلاح الكيمياوي، طالما كان الهدف عقوبة سورية وملاحقة نظامها امتثالاً لقواعد العدالة الدولية التي يتم الحديث عنها من جانب واشنطن بصورة انتقائية، فضلاً عن إزدواجية المعايير؟
لعلّ هذا الأمر في غاية التعقيد والإشكال، فمن جهة يوجد الفيتو الروسي والصيني، لمنع صدور قرار من جانب مجلس الأمن بتوجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، ومن جهة أخرى، فإن الاحالة للمحكمة الجنائية الدولية غير ممكن، بفعل الفيتو نفسه والانقسام الدولي، ناهيكم عن أن نتائج البعثة الدولية بشأن الأسلحة الكيمياوية لم تقرر بعد فيما إذا استخدم النظام السوري هذه الأسلحة كما تتهمه واشنطن والقوى الغربية عموماً وجامعة الدول العربية، أو المعارضة المسلحة كما يقول النظام السوري وتؤيده في ذلك روسيا وإيران، أو أن كليهما استخدماها، ولهذا فإن مرحلة ما بعد الكيمياوي، ستتضمن الأسئلة الأصعب، خصوصاً وإن واشنطن مصرّة على معاقبة النظام السوري، مهما كلّف الأمر، سواء بالعقوبات الناعمة " الحصار" أو بالوسائل الخشنة، أي عبر ضربة عسكرية محدودة، لكنها مؤثرة، وقد تكون متواصلة حتى وإن بدت متقطعة، وذلك لكي يتخلخل ما تبقى لديه من عناصر قوّة !
 
هل هي نهاية للأزمة؟
پاتريك كلاوسون... پاتريك كلاوسون هو مدير الأبحاث في معهد واشنطن.
فورين بوليسي
لقد أوشكت لحظة الصدق. إذ تشير جميع المؤشرات القادمة من طهران - حتى من المرشد الأعلى علي خامنئي - إلى أن إيران تكثف جهودها في محاولة جديدة للتوصل إلى حل لمشكلة برنامجها النووي. وإذا تعذّر القيام بذلك خلال الأشهر القليلة المقبلة، فسوف يصعب رؤية فرصة أخرى تكون فيها الفرص جيدة بهذا القدر مرة أخرى.
ومع ذلك فإن التشكك حول قدرة الرئيس الايراني الجديد حسن روحاني على إنجاز اتفاق له ما يبرره بكل تأكيد. فالرؤساء الإيرانيون يمتلكون صلاحيات أقل بكثير - وخاصة في الشؤون الخارجية و الأمن - من تلك التي يمتلكها المرشد الأعلى خامنئي. ومما لا شك فيه كذلك أن تصريحات خامنئي العلانية الأخيرة لا يزال يكتنفها الريبة والشك والعداء تجاه الغرب. بيد يبدو وكأن خامنئي يريد أن يبعث بمؤشرات حول رغبته في إيجاد نهاية للأزمة النووية. ففي اجتماع له مع كبار قادة "الحرس الثوري" في 17 أيلول/سبتمبر، خاطبهم حول موضوع "الليونة" بقوله: "حتى المصارع الفني بإمكانه أن يبدي الليونة أحياناً، إلا انه لا ينسى من هو خصمه وما هو هدفه الأساسي".
وبالفعل، كان المرشد الأعلى دون مستوى النقد اللاذع الذي يتسم به عندما يتعلق الأمر بسياسة الولايات المتحدة تجاه سوريا. ففي خطاب آخر له في 11 أيلول/سبتمبر كان مجاملاً بصراحة حيث قال: "إذا كان [الزعماء الأمريكيين] جادين في نظرتهم الأخيرة، فهذا يعني أنهم تراجعوا عن الإجراءات المتهورة والخاطئة التي اتخذوها خلال الأسابيع القليلة الماضية."
وفي الوقت نفسه، منذ توليه منصبه شن روحاني حملة علاقات عامة هجومية موجهة إلى الغرب والإصلاحيين في بلاده. وجاء آخر وابل من الهجوم في مقابلة له مع شبكة "إن بي سي نيوز" قال فيها إنه يتمتع بكامل الصلاحيات لإبرام اتفاق نووي مع الغرب. وقد تبادل أيضاً رسائل في الآونة الأخيرة مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وأشرف على الإفراج عن 11 سجيناً سياسياً، وحذر "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" الإيراني بشكل حذر من التورط في الساحة السياسية. وعندما يسافر إلى مدينة نيويورك في الأسبوع الأخير من أيلول/سبتمبر لحضور افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة، سوف تكون لدى روحاني احتمالية تحويل هذا الذوبان في العلاقات إلى فرصة دبلوماسية حقيقية.
وإذا كان التاريخي السياسي الحديث لإيران لا يزال سارياً، فإن أمام روحاني فرصة فريدة للحصول على تخفيف للعقوبات. فقد تمكن الرؤساء الإيرانيين الثلاثة الأخيرين الذي تولوا المسؤولية قبله من التأثير على السياسة في عامهم الأول قبل أن تتلاشى صلاحياتهم. فقد جاء كل منهم إلى السلطة وهو يحمل أجندة قوية. فقد كان هدف علي أكبر هاشمي رفسنجاني هو تحرير الاقتصاد، بينما كان هدف محمد خاتمي هو الانفتاح الثقافي، فيما سوّق محمود أحمدي نجاد لرسالة شعبوية. وقد نجح الثلاثة جميعاً في تحقيق تقدم في بداية فترات ولايتهم - رغم أنهم جميعاً واجهوا مقاومة قوية من قبل المرشد الأعلى مع استمرار فترة ولايتهم، الأمر الذي أدى إلى عكس سياساتهم.
وربما يكون روحاني في وضعية أفضل من سابقيه لكي يترك تأثيراً حقيقياً. فهو يحظى بدعم شريحة واسعة من الطيف السياسي الإيراني - من المتشددين إلى الإصلاحيين - ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الدروس التي استفادها كل معسكر من المستجدات في مختلف أنحاء المنطقة. ويدرك المتشددون أن "سياسة المقاومة" التي نادي بها الفريق السابق لم تفلح جيداً. فلم تجلب المقاومة سوى المزيد من العقوبات على إيران، وقادت الرئيس السوري بشار الأسد إلى حافة الكارثة، كما أدت إلى خسارة «حزب الله» للتأييد الشعبي الواسع الذي كان يتمتع به ذات مرة في جميع أنحاء المنطقة. ويرى هؤلاء المتشددون أن استراتيجية روحاني هي بمثابة النهج الجديد الذي يصب نحو نفس الأهداف، وأنهم على استعداد لتجربتها.
أما بالنسبة للإصلاحيين في إيران، فهم ينظرون إلى القاهرة ويرون ما حدث للرئيس المصري المخلوع محمد مرسى ويفسرون ذلك باعتباره درساً يحث على توخي الحذر تجاه ما كان يمكن أن يحدث في إيران لو نجحوا في الهيمنة على الأوضاع في عام 2009. وبعبارة أخرى، لو قامت مواجهة حادة مع النظام القديم وقوات الأمن التي يسيطر عليها، لكان ذلك قد أحدث وبسرعة انقلاباً بحكم الواقع.
كما أن روحاني استغل الدعم الذي يحظى به بشكل جيد. ورغم أن انتخابه كان بنفس المفاجأة التي حملها فوز الرئيسيين السابقين له مباشرة، إلا أنه نجح خلال فترة وجيزة في تجميع فريق رائع من التكنوقراط الذين يشاطروه الرأي ويتمتعون بدرجة عالية من الكفاءة والفعالية - ومعظمهم مقبولين من قبل المتشددين. كما أن أسلوبه في الحكم يقوم على الابتسامة وليس الزمجرة، مما يضعف النقاد الذين اعتادوا على الخطاب الشعبوي السابق المبالغ فيه.
ولا يثير الرئيس الإيراني الجديد معارك لا حاجة إليها مثلما كان يفعل أحمدي نجاد، سواء كان ذلك مع الأجانب بشأن المحرقة أو الشباب الإيرانيين فيما يتعلق بموقع التواصل الاجتماعي تويتر. إن قيام روحاني بإرسال تهنئة بمناسبة عيد رأس السنة اليهودية الجديدة من حساب شبه رسمي على موقع تويتر لا يعكس سوى أسلوبه - وقد تمت صياغة تلك التهنئة لتنال إعجاب الأجانب، إلا أنه صاغها كذلك بمصطلحات دينية لم تمنح المتشددين المتحمسين لانتقاده سوى القليل مما يقولونه. إن كتاب روحاني "الأمن القومي والدبلوماسية النووية" - الذي أوضح فيه أن الاتفاقات التي تم التفاوض حولها مع القوى الأوروبية في عامي 2003 و 2004 حافظت على خيارات إيران فيما أحبطت الضغوط الدولية - ربما يكون نسخة أولية لاستراتيجيته الحالية.
وسوف تكون خطوة ذكية من جانب خامنئي - في الواقع تفوق ذكاءً سلوكه المعتاد - أن يبعث روحاني لمعرفة نوع الاتفاق النووي الذي يمكن أن يحصل عليه من الولايات المتحدة. ومن وجهة نظر خامنئي، فإن ذلك السيناريو سوف يحقق الفوز للجميع: فإذا استطاع رئيسه إنجاز اتفاق جيد يحفظ الخيارات النووية لإيران، فإن ذلك أمراً لا بأس به. وإذا تعذّر التوصل إلى اتفاق، فسوف تكون إيران قد كسبت أشهراً عديدة يمكن أن يتقدم خلالها برنامجها النووي.
هذا ويصعب معرفة الطريقة التي أثرت بها المستجدات الأخيرة حول سوريا على تفكير خامنئي. ومن الممكن أن يكون قد أسقط من حساباته بالفعل احتمالية توجيه ضربة أمريكية على إيران، وفي تلك الحالة فإن التردد الأمريكي الواضح في استخدام القوة ضد سوريا ربما لا يمثل أية مفاجأة له. ومن ناحية أخرى، كان قد أصر منذ فترة طويلة على أن الأزمة النووية ما هي إلا ذريعة تستخدمها الولايات المتحدة لتحقيق هدفها الحقيقي وهو تغيير النظام في إيران، وبالمثل كان قد قال بأن المخاوف الإنسانية التي أعرب عنها الغرب بشأن سوريا هي ليست سوى مجرد غطاء لهدفها الحقيقي المتمثل في إزاحة الأسد عن سدة الحكم. وربما يعيد خامنئي حساباته في ظل الرغبة الواضحة من جانب إدارة الرئيس باراك أوباما في التركيز بشكل حصري جداً على السيطرة على أسلحة الدمار الشامل لدرجة أنها كانت مستعدة للتضحية بالمعارضة السورية وتجاهل مخاوف حقوق الإنسان إلى حد كبير.
وفي خطابه في 17 أيلول/سبتمبر أشار خامنئي إلى فقرة في كتاب كان قد ترجمه قبل 40 عاماً حول معاهدة الإمام الشيعي الثاني الحسن رضي الله عنه مع مؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان - وهي معاهدة تشبه المعاهدات التي تعهد خامنئي ذات مرة بأنه لا يمكن مطلقاً إجبار إيران للقبول بها مرة أخرى. وكانت تلك المعاهدة قد أُبرمت تحت ضغط وإكراه كبيرين. وقد وافق الحسن عليها عندما واجه قوات تفوقه عدة وعتاداً في ميدان المعركة. وكانت نتائجها مختلطة في أحسن الأحوال: فقد تم حفظ السلالة ( كان الحسن حفيد النبي محمد)، ولكن الحسن تنازل عن الإمامةعلى المجتمع الإسلامي لمعاوية وبعد عدة سنوات كان من المؤكد أنه قد تم تسميمه بأوامر معاوية. ولكن في خطابه في 17 أيلول/سبتمبر، عرض خامنئي وجهة نظر أكثر تفاؤلاً من اتفاق السلام في القرن السابع: "أنا أتفق مع ما أطلقت عليه منذ سنوات بـ ' الليونة البطولية '، لأن هذه الحركة تكون جيدة جداً وضرورية في بعض الأحيان، طالما نتمسك بمبادئنا الرئيسية".
وفي ظل هذا الاحترام الجديد لمعاهدة الحسن، فإن خامنئي كان يبعث بمؤشرات بأن شخصاً آخر مثل الحسن - ألا وهو حسن روحاني - قد يكون بنفس الدرجة من المرونة في مواجهة قوى تفوقه حتى لو كانت النتائج مختلطة.
 
 
الجهاد عام 2020: تقييم خطة تنظيم «القاعدة» لـ 20 عاماً
هارون ي. زيلين... هارون ي. زيلين هو زميل ريتشارد بورو في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
وورلد بوليتيكس ريفيو
منذ اندلاع الانتفاضات العربية قبل عامين ونصف، توسعت الحركة الجهادية العالمية وانتشرت في مجموعة من الأماكن الجديدة في جميع أنحاء العالم العربي، كانت آخرها في سوريا وليبيا وسيناء وتونس. وفي حين فاجأت هذه الاضطرابات الكثيرين في المنطقة، إلا أن تنظيم «القاعدة» كان قد توقع حدوث مثل هذه النتائج حين صاغ خطة استراتيجية أمدها 20 عاماً (2000-2020) كانت قد انكشفت عام 2005. وقد تطور ذلك المخطط حتى الآن وفقاً لخطة [معينة]، وإن كان ذلك بسبب وجود قوى خارجية وهيكلية أكثر من جهود الجهاديين أنفسهم. ونتيجة لذلك، كانت الحركة في وضع جيد يؤهلها الاستفادة من التطورات الجديدة.
وفي كتابه "الزرقاوي؛ الجيل الثاني للقاعدة"، يوضح فؤاد حسين تفاصيل خطة «القاعدة» لـ 20 عاماً، تشمل سبع مراحل، ويشكل فيها عام 2013 بداية المرحلة الخامسة. وفيما يلي وصفاً للكيفية التي يصور فيها تنظيم «القاعدة» - الذي سرب الخطة لحسين - طريقة عمل كل مرحلة:
المرحلة الأولى: "الإفاقة"، 2000-2003. كان الهدف من هجمات 11/9 هو استفزاز الولايات المتحدة من أجل إعلان الحرب على العالم الإسلامي، وبالتالي "إفاقة" المسلمين. وكان تنظيم «القاعدة» يأمل أيضاً بأن تساعد الهجمات على بث رسالته لجمهور عالمي. وعندما أَجرى كاتب هذه السطور بحوث ميدانية في تونس في شباط/فبراير الماضي، سمع أعضاء من الجماعة الجهادية "أنصار الشريعة" يكررون هذا الشعور. وقال له أحدهم، مشيراً إلى هذه الفترة، "لقد أصبح الكثيرون أكثر تثقيفاً في هذا المجال". وأضاف، "حتى لو خسرنا [بعض] المتعاطفين، حصلنا على أنصار جدد".
المرحلة الثانية : "فتح العيون"، 2003-2006. في هذه الفترة، كان يأمل تنظيم «القاعدة» أن يحوّل نفسه من منظمة إلى حركة أوسع نطاقاً، فضلاً عن نشر قاعدته إلى بلدان عربية أخرى. ووفقاً لهذه الخطة يكون العراق مركز الجهاد لإعداد الكوادر للميادين المستقبلية.
هناك دلائل على أن هذه المرحلة أتت بثمارها أيضاً. فـ "جماعة التوحيد والجهاد" أصبحت تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين» (العراق) في عام 2004. وبعد ذلك بعامين، أنشأت مجموعة من السجناء اليمنيين الهاربين تنظيم «القاعدة في اليمن»، والذي أصبح فيما بعد تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية» عندما اندمج مع الفرع السعودي في عام 2009. وفي أوائل عام 2007، انضمت المنظمة الجهادية "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" والتي مركزها في الجزائر إلى حظيرة الجهاديين أيضاً، متعهدة بـ "البيعة" لأسامة بن لادن وغيرت اسم الحركة إلى تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
المرحلة الثالثة : "النهوض والوقوف على القدمين"، 2007-2010. إن هذه المرحلة - التي كانت ستشهد المزيد من التركيز على بلدان المشرق العربي وعلى سوريا على وجه التحديد، ولكنها شملت أيضاً شن هجمات على إسرائيل وتركيا و الأردن - كانت فشلاً ذريعاً. فقد أُطلقت بعض الصواريخ على إسرائيل ولكنها لم تلحق أضراراً كبيرة، حتى مع قيام «حماس» بأعمال قمع شديدة ضد الجهاديين في غزة. وفي الأردن، نفّرت القضية الجهادية الأردنيين وسُجن العديد من كبار أعضاء الحركة في أعقاب التفجير الذي وقع في حفل زفاف في عمان عام 2005. وفي غضون ذلك، تم احتواء حملة إرهابية مدعّمة على مستوى منخفض ضد نظام الأسد في سوريا وهزيمتها.
المرحلة الرابعة : ["استعادة العافية وامتلاك القوة القادرة على التغيير"] 2010-2013. توقع تنظيم «القاعدة» بأن تشهد هذه الفترة الزمنية سقوط الأنظمة العربية الطاغية فضلاً عن قيام أعمال الإرهاب السيبراني ضد الاقتصاد الأمريكي.
وعلى الرغم من كون تنظيم «القاعدة» محظوظاً كما يُحتمل، إلا أنه كان أيضاً بعيد النظر تماماً فيما يتعلق بمعايير الاستدامة الكامنة للأنظمة العربية. فلم يلعب الجهاديون أي دور في الانتفاضات التي أسقطت الأنظمة في تونس والقاهرة وصنعاء وطرابلس، والتي أدت إلى الحرب الدائرة في سوريا، بيد، تمكنت الحركة من الاستفادة بصورة كبيرة من الاضطرابات. فمن خلال برنامج "الدعوة" في البلدان التي انفتحت أبوابها أمام الجماعات الجهادية، كانت هذه الحركات - بما في ذلك المنظمات الجديدة المعروفة بـ "أنصار الشريعة" في شمال أفريقيا - قادرة على نشر رسائلها وتوسيع قواعدها من كونها في طليعة [المنظمات الجهادية إلى تحوّلها] إلى حركات اجتماعية.
وقد أظهرت الحركة الجهادية بأنها قد تعلمت أيضاً من إخفاقاتها في العراق. ففي مناطق الحرب مثل سوريا، حاولت حشد الدعم لها من خلال توفيرها الخدمات الاجتماعية. كما حاولت أيضاً تجنب تنفير السكان السنة عن طريق استعمال العنف المفرط، والتركيز بدلاً من ذلك على اختيار أهدافها ضد القوات العسكرية والأمنية وضد المسلمين من غير السنة أيضاً.
وفي حين كانت الحركة الجهادية العالمية قد تعثرت وتأخرت في مرحلة واحدة، إلا أنها فتحت جبهة في سوريا بحلول عام 2013، وحصلت على قاعدة لوجستية تُسهل قيامها بعمليات في جنوب تركيا. كما أقامت وجود جهادي صاعد في شمال سيناء لبسط الإرهاب في إسرائيل، ولا يزال تنظيم «القاعدة في العراق» - الذي استعاد نشاطه - يحتفظ بعلاقات وثيقة مع السلفيين في الأردن. لذلك، فإن الحركة ككل بنت نفسها جيداً نحو المراحل المقبلة من خطتها الأوسع.
المرحلة الخامسة : ["إعلان الدولة"] 2013-2016. يأمل تنظيم «القاعدة» بإقامة دولة إسلامية أو خلافة في السنوات الثلاث المقبلة، وذلك بفضل تراجع النفوذ الغربي في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى ضعف إسرائيل. وقد تم بالفعل تقلص نفوذ الولايات المتحدة والغرب في المنطقة، كما يتضح من عجز واشنطن في الآونة الأخيرة على صياغة الأحداث في مصر وسوريا. ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بوجود عسكري كبير في المنطقة فضلاً عن حفاظها على علاقاتها مع الدول العربية. ونظراً لعدم الاستقرار القائم في جميع أنحاء المنطقة، ضمنت إسرائيل لنفسها تفوق عسكري نوعي أكثر مما تمتعت به من قبل.
المرحلة السادسة : "المواجهة الشاملة"، 2016-2020. بحلول هذه الفترة، يتوقع تنظيم «القاعدة» اندلاع حرب شاملة مع الكافرين، الأمر الذي سيؤدي إلى الوصول إلى المرحلة السابعة والأخيرة - "الانتصار النهائي" في عام 2020 - التي من شأنها أن تؤدي إلى هزيمة الكفار ونجاح الخلافة.
تبدو هاتان المرحلتان الأخيرتان خياليتان إلى حد ما، وذلك بسبب العقبات الرئيسية المتبقية في مسار تنظيم «القاعدة» في الفترة المقبلة. أولاً، في الوقت الذي يعاني فيه الغرب بالفعل من صعوبات اقتصادية ويتقلص نفوذه نسبياً، إلا أنه لا يواجه أزمة وجودية، كما توقع تنظيم «القاعدة». وإسرائيل هي الأخرى لا تواجه أزمة كهذه. ثانياً، إن سجل الجهاديين الحافل في مجال الحكم ضعيفاً، خاصة عندما يبدأون بتطبيق تفسيراتهم الضيقة للشريعة؛ ويشمل فشلهم المعروف بشكل كبير كل من أفغانستان والعراق والصومال واليمن ومالي، وذلك بسبب الوحشية البالغة والسعي إلى تطبيق الأعراف الاجتماعية التي هي أكثر تحفظاً إلى حد كبير من تلك القائمة بين السكان المحليين. ولذلك، فمن المرجح أن تكون هناك ردة فعل معاكسة ضد أي مشاريع جديدة في سوريا أو في أي مكان آخر.
ومع ذلك، فإن استمرار عدم الاستقرار في المنطقة الأوسع يعني أنه من المرجح أن تستمر الحركة الجهادية - الماهرة جداً والتي تتعلم من تجاربها الماضية - في البحث عن متعاطفين. ومن غير المعقول جداً أن يحقق الجهاديون "نصراً نهائياً" ويقيموا خلافة تفرض سيطرتها على السكان المسلمين بأجمعهم. بيد، لن يختفي تنظيم «القاعدة» عن الوجود في أي وقت قريب. وعلى الرغم من أن المراحل الأخيرة من خطته الاستراتيجية لا تزال بعيدة المنال، إلا أن «التنظيم» أمراً واقعاً ومن المرجح أن يواصل الصمود في العقود المقبلة.
 
 الدروس المستفادة من سوريا للتعامل مع محادثات إيران النووية
مايكل سينغ... مايكل سينغ هو المدير الإداري لمعهد واشنطن.
فورين بوليسي
إن الرأي المتعارف عليه حالياً هو أن إيران هي الفائز الأكبر من الجهود الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن سوريا. ويقيناً، هناك الكثير مما يروق لطهران في هذا التعثر للسياسة الخارجية على وجه الخصوص، ويشمل ذلك: تردد الولايات المتحدة في تطبيق خط أحمر أو استخدام القوة، واستعداد الغرب للتركيز بصورة ضيقة على أسلحة الأسد الكيميائية وتجاهل التهديدات الأوسع نطاقاً التي يشكلها الأسد وحلفاؤه، والانقسام العام بين الولايات المتحدة وبعض الحلفاء الإقليميين الرئيسيين مثل "مجلس التعاون الخليجي" وتركيا، ومعاودة ظهور روسيا - حليفة إيران - كلاعب في المنطقة.
ولكن سيكون من الخطأ الاعتقاد بأن النتيجة ليس لها أي تأثير على إيران.
يبدو أن الهدف الرئيسي لروحاني من وراء المحادثات النووية المرجح استئنافها قريباً هو ضمان تخفيف العقوبات الاقتصادية بأقل تكلفة على الخيارات النووية لإيران. وتحقيقاً لهذه الغاية، تشير تقارير وسائل الإعلام إلى أن روحاني سوف يقترح أن تحتفظ إيران بمعظم قدرات التخصيب ومرافق إعادة المعالجة وأن يتم إعفاؤها من اثنين من التهديدات الرئيسية التي تواجه النظام وهي - العقوبات الاقتصادية والتهديدات العسكرية. وفي المقابل، تفيد التقارير بأن إيران ستقدم مجموعة من إجراءات الشفافية والتحقق، مثل تنفيذ "البروتوكول الإضافي" لمعاهدة حظر الانتشار النووي، الأمر الذي يفترض أن يعمل على توسيع نطاق وصول مفتشي "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" إلى المواقع النووية الإيرانية.
ومع ذلك، فإن اتفاق الأسلحة الكيميائية مع سوريا سوف يعقِّد من هذا النهج. لقد أكدت إدارة باراك أوباما وكثيرون في الكونغرس الأمريكي أن الاتفاق لم يتحقق إلا بسبب التهديد الجدي باستخدام القوة. وهذا التوضيح سطحي؛ فقد تبخرت مصداقية تهديد الرئيس عندما بات واضحاً أن الكونغرس لن يوافق على استخدام القوة وأن الإدارة لن تتصرف بدون تلك الموافقة. وفي الواقع، فنظراً لأن الرئيس حصر نفسه في زاوية ضيقة من خلال عملية سياسية معيبة وغير منظمة، فلم يعد له خيار سوى قبول المناورة الروسية.
ومن المفارقات، أن هذا الانهيار للمصداقية بشأن سوريا قد يدفع إلى اتخاذ إجراء يُعزز من مصداقية الولايات المتحدة حول مسألة إيران. ونظراً لأن التفسيرات البديلة لسلوكها غير مستساغة إلى حد كبير، فإن إدارة أوباما ملتزمة الآن بمبدأ أن التهديدات الجادة تسهل حدوث انفراجات دبلوماسية. كما أن شركاء الإدارة، بدءً من الكونغرس وانتهاءً بالحلفاء الخارجيين، قد يكونوا متحمسين للتعاون في أي جهد لتعزيز مصداقية التحذيرات العسكرية الأمريكية لإيران، بعد أن أثبتوا أنفسهم ترددهم في دعم استخدام القوة ضد سوريا.
وعلاوة على ذلك، إن نجاح الاتفاق بشأن سوريا يعتمد على تعاون الأسد مع مفتشي الأسلحة، مثلما أن أي اتفاق نووي مع إيران سوف يعتمد على تسهيل طهران لعمليات التفتيش التي تقوم بها "الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
لكن هناك احتمال كبير بأن الأسد - الذي أنكر حتى قبل أيام فقط وجود برنامج للأسلحة الكيميائية، مثله مثل إنكار ايران بأنها تقوم بتطوير برنامج للأسلحة النووية - سيعيق عمل المفتشين، ومن المحتمل أن تحرض موسكو الرئيس السوري على ذلك. لقد أخفق الأسد باستمرار في الوفاء بوعوده أو الارتقاء إلى مستوى الاتفاقات الدولية، وسوف يحاول على الأرجح الاحتفاظ ببعض أسلحته الكيميائية كضمانة ضد الانتفاضة التي لا تزال مستعرة.
وهكذا، فإن نظام التفتيش بالنسبة لسوريا، بحكم توقيته وتحالف إيران الوثيق مع الأسد، سوف ينظر إليه حتماً على أنه اختبار لقيمة إجراءات الشفافية في مواجهة التهديدات باستخدام أسلحة الدمار الشامل وبناء الثقة الدبلوماسية. إن سوء تصرف سوريا لن يفسد اتفاق واشنطن وحلفائها بشأن سوريا فحسب، بل سيجعل إدارة أوباما أيضاً قلقة من قيمة المراقبة والتحقق كبدائل للحدود بعيدة التأثير على الأنشطة النووية الإيرانية. ومن المؤكد أن روحاني سوف يتطلع إلى مكان آخر بحثاً عن مثل أعلى للامتثال.
وأخيراً، تمثل سوريا دراسة حالة في نجاح تكتيكي يعكس رغم ذلك انتكاسة استراتيجية. وحتى لو تخلى الأسد عن أسلحته النووية بما يتعارض مع كافة التوقعات، فإن احتمالات بقائه وتغلبه على الانتفاضة بل وتعزيز قبضته على السلطة - رغم إصرار أوباما والعديد من زعماء العالم الآخرين بأن عليه أن يتنحى - قد ازدادت.
وعلى نحو مماثل، فإن إنجاز روحاني الأكبر أثناء أول مهمة [سابقة] له عندما كان المفاوض النووي لإيران تمثَّل في تفادي التبعات الخطيرة في أعقاب الكشف عن أنشطة التخصيب وإعادة المعالجة التي كانت لا تزال سرية حتى ذلك الحين، بتكلفة منخفضة تتمثل في تعليق تلك الأنشطة إلى حين انحسار التهديد بتوجيه ضربة أمريكية في عام 2005. لقد تم استدعاء روحاني مرة أخرى لإخراج إيران من مأزق، ومن المتوقع أن يحاول - مثله مثل الأسد، وعلى غرار ما قام به روحاني نفسه قبل عقد من الزمن - تأمين النصر من خلال التراجع.
وبالنسبة لإدارة أوباما، ينبغي أن تعمل سوريا كأداة تنبيه بينما تدخل الإدارة مرحلة أكثر خطورة من الدبلوماسية النووية مع إيران. لقد أقام البيت الأبيض - عن غير قصد تماماً - شراكة مع الكونغرس لصياغة سياسة تجمع بين ممارسة الضغط الهائل وتكرار التواصل وهو الأمر الذي ربما دفع إيران الآن إلى النظر في تغيير مسارها. لكن إلى حين أن تفعل طهران ذلك بشكل كامل وعلى نحو مستدام، لا يجب فقط أن تواصل الولايات المتحدة دبلوماسيتها لكن عليها كذلك أن تحافظ على الضغط وتعززه حيث أنه هو الذي أوصلها إلى هذا الحد، لئلا تفسح مكاسبها التكتيكية المجال لإخفاق استراتيجي...

المصدر: مصادر مختلفة


السابق

الحوار اليمني يتعثر أمام «عدد الأقاليم الفيديرالية»... ومخاوف من «سيناريو» سوداني..تصاعد الاحتجاجات في المغرب على السياسة الاقتصادية لحكومة بن كيران...قيادات في «النهضة» التونسية تنتقد «ديكتاتورية الأقلية»...العنف بين مشرّعي الأردن يهدّد استقرار البرلمان وواقعة «الكلاشنيكوف» تدفع الملك إلى التلويح بحلّه...المستشفى الميداني المغربي في باماكو يعيد الفرحة للمرضى الماليين ....«أطباء بلا حدود» في الأردن بدأت بمعالجة الجرحى العراقيين..

التالي

مقاتلو المعارضة يحاولون «كسر الحصار» عن ضواحي دمشق.....أوباما يحض على حماية المؤسسات السورية: الأسد غير قادر على البقاء

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,934,755

عدد الزوار: 6,972,455

المتواجدون الآن: 77