الصحافة الإسرائيلية: إيران مشكلة للعالم

تاريخ الإضافة الجمعة 11 تشرين الثاني 2011 - 5:13 ص    عدد الزيارات 2060    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

الصحافة الإسرائيلية: إيران مشكلة للعالم
حلمي موسى
شعرت إسرائيل أن تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية أنصفها أمام العالم، وباتت تتحرك وكأنها تقول: ألم أقل لكم؟ هاكم تعلمون أن إيران تبني قنبلة نووية!
وهكذا انطلقت صحفها اليومية بعناوين مدوية. «يديعوت احرونوت» اختارت عنوان «قنبلة ـ وكالة الطاقة الذرية، وألقوا القنبلة ـ بات رسمياً: طهران تتقدم بخطوات هائلة نحو السلاح النووي». أما «معاريف» فعنونت «إيران تطور سلاحاً نووياً» و«قرائن الإدانة» و«تبرير قانوني للهجوم». واختارت «هآرتس» عنوان «إيران تطور سراً قنبلة نووية». أما «إسرائيل اليوم» المقربة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو فعنونت صفحتها الأولى بعنوان «التقرير عن القنبلة» و«نهاية عصر الغموض».
ورغم البهجة البادية في تلقف الصحافة الإسرائيلية لتقرير المنظمة الدولية إلا أن الخيبة لم تغب عن الأنظار. فالمسؤولون الإسرائيليون لاحظوا أن شيئاً لم يتغير تقريباً في أداء العالم فاحتجوا على صمته. وبدا جلياً حنق الإسرائيليين على الإدارة الأميركية التي قررت أنها «ستدرس التقرير»، في إشارة واضحة إلى أنها تمنح نفسها مهلة لدراسة آثار العقوبات الشديدة التي قد تفرض على إيران من قبل اقتصاديات العالم عموما وأميركا خصوصاً. وهناك إشارات إلى احتمالات ارتفاع أسعار النفط في حال حدوث أي توتر كبير في منطقة الخليج العربي جراء الأزمة مع إيران.
في كل حال عبر كبير معلقي «يديعوت» ناحوم بارنيع، في مقالته «نهاية الغموض»، وكتب أنه «رغم اللهجة الحذرة، المتحفظة، رغم ميل محرري التقرير للحديث بتعابير الاحتمالية وليس بالحقائق القاطعة، فإن الصورة العامة واضحة: إيران تفعل كل ما في وسعها كي تطور سلاحاً نووياً وكي تركبه على رؤوس الصواريخ التي في حوزتها. النفي الإيراني كاذب. التهديد حقيقي».
وبعد أن يظهر بارنيع التحدي الذي يضعه التقرير أمام كل من الإدارة الأميركية والاتحاد الأوروبي، يشير إلى أن التقرير غير مريح البتة لحكومتي روسيا والصين اللتين عرقلتا «كل محاولة لجعل العقوبات فاعلة. قادة روسيا والصين ربما لا يشعرون بالحاجة إلى رفع التقارير إلى شعوبهم، ولكنهم حساسون جداً لمكانتهم في الساحة الدولية. نشر التقرير يلزمهم بأن يحسموا- هل يتعاونون مع المساعي النووية الإيرانية، بالعمل أو عدمه، أم أنهم يفضلون أن يروا إيران بلا نووي. هم لا يمكنهم أن يواصلوا الإمساك بالعصا من الوسط».
وذهب بارنيع إلى أثر التقرير على مصر التي عليها، حسب رأيه، أن توجه الأسئلة للمدير السابق للوكالة الدولية للطاقة النووية محمد البرادعي. وسأل: «هل عرف البرادعي في أثناء ولايته بحجم البرنامج النووي الإيراني، ولماذا نفى وكبت. أولم يخن المصلحة العليا لدولته».
ويشير بارنيع إلى أن التقرير يؤكد المشكلات في حكومة إسرائيل ومؤسستها الأمنية. ويرى أنه «ليس في إسرائيل جدال، لا حول النوايا الإيرانية ولا حول الحاجة إلى صدها. ولكن نشر التقرير يعيد الكرة إلى الساحة الدولية. إسرائيل ليست وحيدة. هذا هو الوقت للعودة إلى التمسك بالسياسة التي بلورها ارييل شارون عندما كان رئيساً للوزراء: عرض إيران كمشكلة للعالم، مشكلة يمكنها أن تحل من خلال الأسرة الدولية، بطريقة دبلوماسية، اقتصادية أو عسكرية».
وغمز بارنيع من قناة نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك. وكتب أنه «لا حاجة للخروج بأقوال متبجحة عن نتائج خطوة حربية إسرائيلية حيال إيران مثل تلك التي اطلقها أمس وزير الدفاع. الحكومة لا يمكنها أن تشكو من وجود نقاش جماهيري عندما يحرص قادتها على أن يلوحوا المرة تلو الأخرى بشريط أحمر في وجه الثور الإيراني. فليقرروا، إما صمت مطبق أو ضجيج يومي. حتى هم لا يمكنهم أن ينحنوا في الاتجاهين في نفس الوقت».
وفي «يديعوت» أيضاً كتب المعلق العسكري أليكس فيشمان تحت عنوان «وحيدون في المعركة» أن ما نشرته الوكالة النووية «تعرفه أجهزة الاستخبارات في الغرب منذ سنتين تقريباً». وأشار إلى أن التقرير «يتكون عملياً من معطيات سلمت للمنظمة من عشر دول على الأقل. وهذه هي المأساة العالمية. إذا كان تقرير الوكالة يروي لنا ما عرفه العالم منذ قبل سنتين ـ فمسموح لنا الافتراض بأن الوضع اليوم أكثر خطورة مما سرب أول أمس».
واعتبر أن هذا أحد دوافع العصبية في إسرائيل إزاء الموضوع الإيراني. وقال إن العالم بات يعرف أن «القنبلة النووية الإيرانية تسارع وتقف منذ الآن في المحطة الأخيرة. لإيران توجد قدرة على بناء سلاح نووي، بشكل مستقل، من دون تعلق بأي جهة خارجية. لديها المعرفة، لديها معظم العناصر، وليس لها سوى أن تقرر. اذا كان هذا هو السطر الاخير، الصلب، لتقرير الوكالة الذي يصف وضع التطوير العسكري النووي في ايران قبل نحو سنتين فأين هو اليوم؟».
وشرع فيشمان يتحدث بعصبية إسرائيلية عن الدرس المستخلص: «الحضارة الغربية فشلت حيال إيران الشيعية، الأصولية. عندما تسعى دولة دكتاتورية بحجم ايران الى نيل السلاح النووي - يتبين أنه لا يمكن لأي ضغط دبلوماسي أو اقتصادي معتدل أن يمنعها». وينتقل بعد ذلك للحديث عن النشاط الإسرائيلي في محاولة لإقناع العالم بالخطر الإيراني منذ 15 عاماً. وأشار إلى أن الاهتمام الدولي بالمشروع النووي الإيراني لم يبدأ إلا في عام 2007 حين بدأ في فرض عقوبات. وأشار إلى أن الإنجاز الإسرائيلي في محاربة المشروع الإيراني كان جزئياً وأنه عرقل جدوله الزمني لفترة معينة.
وأشار إلى المخاوف الإسرائيلية من تساهل العالم مع إيران. فكتب أن «من يصدق أن نشر التقرير سيغير صباح غد، بشكل جوهري، موقف الدول المركزية في العالم من النووي الإيراني فإنه يعيش في الأوهام. كل جهة استخباراتية جدية تعرف جيداً الكثير، وفي آخر المعلومات، عما نشره تقرير الوكالة. إذن ماذا. هل رأيتم أن احداً في العالم خرج حتى اليوم عن طوره؟».
وبعد أن يصف نوعية العقوبات التي تريد إسرائيل من العالم أن يفرضها على إيران لشل حركتها، يشير إلى أن احتمالات فرض هذه العقوبات ليست عالية، و«عليه فإن المنطقة والعالم يجب أن يستعدا لواحد من سيناريوهين: إما ان تنتهي القصة بخطوة عسكرية ما تؤدي الى تأخير المشروع النووي الايراني؛ أو ان الايرانيين ـ بإرادتهم الحرة ولأسباب يحتفظون بها لأنفسهم ـ سيوقفون مشروعهم النووي. في كل الاحوال يجدر بدولة اسرائيل أن تستعد لأيام التهديد النووي في المنطقة».
وفي «هآرتس» أيضا شكك المعلق الأمني يوسي ميلمان في قدرة الغرب على إحباط المسعى الإيراني نحو الذرة. وكتب أن التقرير «ليس مسدساً مدخناً بل صاروخ يستطيع حمل رأس ذري. هكذا يمكن أن نلخص النتائج الشديدة الوقع التي تتبين من تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهذه النتائج، برغم أنها تبحث جوانب تقنية وهي مكتوبة بلغة دبلوماسية لينة شيئاً ما، فإنه لا لبس فيها. وهي تشير بأوضح لغة استعملتها الوكالة الذرية الى ان ايران تعمل بدأب منذ عقد من الزمان على تطوير قنبلة ذرية. وقد نجحت ايران في تنفيذ تجارب تقربها من القدرة على انتاج سلاح ذري، ومن تصغير حجم الرأس الذري على صاروخ شهاب وتنفيذ تجربة ذرية لفحص هذه القدرة».
وبعد أن يشيد بشجاعة الأمين العام الياباني للوكالة الدولية يوكيا أمانو يلقي باللوم على الأمين السابق المصري محمد البرادعي. فأمانو لم يخف من روسيا والصين وإيران. ويعترف ميلمان بأن الغرب بزعامة أميركا يقف خلف أمانو الذي تلقى فعلاً منه المعلومات الواردة في التقرير. وقال إن بالوسع الافتراض «ان الاستخبارات الاسرائيلية أسهمت بنصيبها في أدلة إدانة ايران».
ومع ذلك يخلص ميلمان إلى القول إنه «يشك كثيرا في ان تفضي مادة الإدانة الى النتائج المرجوة في اسرائيل والولايات المتحدة والغرب. إن أملهم هو ان تقنع المعلومات قادة روسيا والصين بأنه لم يعد من الممكن التعامي وجر الأقدام في فرض عقوبات جديدة أشد وأوسع على ايران. إن العقوبات التي فرضت منذ 2006، بموافقة روسيا والصين، لا تمنع ايران عن السير نحو القنبلة».
وفي «هآرتس» أيضا كتب مراسل الشؤون العربية تسفي بارئيل أن إسرائيل تواجه معضلة: «اذا أثمر تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية وطوفان التقارير الصحافية عن نية اسرائيل مهاجمة ايران وجبة جديدة من العقوبات على طهران، فستضطر اسرائيل الى أن تحسم أمر هل تكتفي بذلك أم عليها ان تهاجم رغم ذلك».
وأشار إلى أنه «اذا صعب على الامم المتحدة في المقابل ان تتخذ قراراً بفرض عقوبات ذات شأن، بسبب معارضة روسيا والصين، فستواجه معضلة فظيعة، لأنها اذا لم تهاجم ايران فستخسر الثقة بها تماماً. لأنه كم مرة سيستطيع العالم بعدُ الاقتناع بتهديدات باطلة؟ وإذا استقر رأيها على الهجوم بذريعة ان الجماعة الدولية لا تفعل ما يكفي، فستجعل المشكلة الايرانية مشكلة اسرائيلية، وهكذا ستمنح الجماعة الدولية إعفاءً من علاج ايران».
وأوضح ان «الثرثرة الاسرائيلية المدبرة لا تنجح فقط في صرف مركز الاهتمام والرعب عن الذرة الايرانية الى الخوف من رد اسرائيلي، بل تحول مسألة الرد الاسرائيلي عن معضلة استراتيجية الى معضلة منطقية. وهي معضلة ليست الأسئلة المركزية فيها هل يوجد لإسرائيل قدرة على الهجوم وهل تعلم أين تهاجم، وهل هي قادرة على تحمل هجوم ايراني مضاد وماذا ستكون الآثار السياسية؟ إن السؤال المركزي الآن يتقلص الى تساؤل هو هل من المنطقي ان تهاجم اسرائيل، أي هل تعمل مثل دولة مجنونة لا تحسب حساباً البتة لنتائج أفعالها».
وخلص إلى أن هذا السؤال يجعل اسرائيل في موقف مشابه لموقف ايران. لأن التساؤل المركزي عنها منطقي ايضاً، وهو: هل تكون إيران مستعدة لتحمل انهيار اقتصادي وإضرار عظيم بالأرواح من اجل ان يوجد مشروعها الذري فقط؟ ان الجهد الدولي لفرض عقوبات اخرى على ايران أو لإقناعها بالترغيب بالكف عن تطوير قنبلة، يعتمد على افتراض ان الحديث عن دولة عقلانية وأنها لذلك سترضى في نهاية الامر. فإذا وُجد التصور الاسرائيلي برغم ذلك والذي يقول إن ايران ليست عقلانية بل هي دولة منتحرين، فإنه لا داعي حتى لفرض عقوبات اخرى عليها، لأنها لن تستطيع أصلا إقناع مجانين بتغيير سياستهم.

المصدر: جريدة السفير

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,580,386

عدد الزوار: 6,956,006

المتواجدون الآن: 64