تقارير..لا عزاء في القرب: السوريون في لبنان....الفوضى في سيناء: هل ستكون قوات حفظ السلام الدولية هي الضحية القادمة؟

ما بعد أحمدي نجاد....خريطة الحملة الانتخابية الإيرانية: منافسة بين أصوليين «واقعيين وإصلاحيين»

تاريخ الإضافة الإثنين 27 أيار 2013 - 6:46 ص    عدد الزيارات 1950    القسم دولية

        


 

ما بعد أحمدي نجاد
مهدي خلجي... مهدي خلجي هو زميل أقدم في معهد واشنطن.
لن يتمكن خليفة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد المفضل اسفنديار رحيم مشائي من خوض الانتخابات التي ستجري في 14 حزيران/يونيو، وهو الأمر بالنسبة للرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني. إن استبعاد كلا الرجلين يبعث برسالة قوية من المرشد الأعلى آية الله علي حسيني خامنئي. ولتوضيح الأمور ببساطة، لن يتسامح خامنئي مع أي تحجيم لسلطته كما أنه عاقد العزم على تجنب ذلك النوع من الاحتكاكات التي اتسمت بها علاقاته مع الرؤساء السابقين، ولاسيما أحمدي نجاد.
ويوضح استبعاد مشائي ورفسنجاني، مرة أخرى، مدى الشقاق المتأصل في صميم الهيكل السياسي الإيراني من قبل السلطة التنفيذية المزدوجة المتمثلة بالمرشد الأعلى والرئيس. فعندما دعم خامنئي بشكل علني إعادة انتخاب أحمدي نجاد في انتخابات عام 2009 المثيرة للجدل، لم يكن أحد يتوقع هذه التوترات غير المسبوقة التي ستطل برأسها لاحقاً بين السلطتين الرئيسيتين في البلاد.
بيد، اتضح أن قرار خامنئي بدعم أحمدي نجاد، كان مكلفاً له -- وللجمهورية الإسلامية. فبدلاً من اصطفاف الرئيس الإيراني مع خامنئي، كما هو متوقع، بدأ أحمدي نجاد بالترويج لأجندة قومية معادية لرجال الدين مع الاستخدام الفعال لمصادر خامنئي من أجل تحدي سلطة المرشد الأعلى فضلاً عن إقامة شبكته الاقتصادية ومناطق نفوذ خاصة به.
على مدى السنوات الأربع الماضية، حاول أحمدي نجاد مراراً وتكراراً تقويض سيطرة رجال الدين على القرارات السياسية وتلك المتعلقة بالسياسة العامة. ففي عام 2011، حاول أحمدي نجاد عزل حيدر مصلحي، أحد حلفاء خامنئي، من منصبه كوزير للاستخبارات غير أن ذلك القرار ألغي على وجه السرعة. كما قلل أيضاً من حجم الموارد الموجهة إلى بعض المؤسسات الدينية وساعد بعض المقربين له على تأسيس مصارف خاصة عن طريق تسهيل بعض الإجراءات، بالإضافة إلى تحديه لـ "فيلق الحرس الثوري الإسلامي" -- أقوى المؤسسات الاقتصادية والعسكرية في إيران.
بيد أنه في الوقت الذي زادت فيه الفجوة بين خامنئي وأحمدي نجاد، انخفض الدعم للرئيس بشكل ملحوظ، لدرجة أن وسائل الإعلام الرسمية أشارت إلى الموالين لأحمدي نجاد بـ "دائرة المنحرفين". وعلاوة على ذلك، وخلافاً لما هو الحال أثناء فترة ولاية أحمدي نجاد الأولى، تُوجه الآن وسائل إعلام غير رسمية انتقادات علنية لأجندته الاقتصادية والسياسية.
وحيث تقترب ولاية أحمدي نجاد الثانية والأخيرة من نهايتها بسرعة، ليس من المرجح أن يتخلى الرئيس سيء السمعة الذي لا يحظى بشعبية عن جهوده لزعزعة استقرار المؤسسة الحاكمة في إيران. وفي الواقع، كان أحمدي نجاد قد روج لفترة طويلة لصالح مشائي كخلف له، ولكن خامنئي قلص من جهوده غير القانونية -- ووضع الآن حداً لترشيح مشائي كلية.
ويعتبر مشائي من بين الرموز الأكثر إثارة للجدل في إيران حيث يتعرض لحملات تشويه واسعة من بين زعماء التيار المحافظ بسبب وجهات نظره الإصلاحية المعادية لرجال الدين. وفي عام 2009، وبعد رفض خامنئي قرار أحمدي نجاد بتعيين مشائي نائبه الأول، قام الرئيس الإيراني بصفاقة بتعيينه رئيساً للأركان وهي خطوة أغضبت خامنئي بشدة.
يُذكر أن أحمدي نجاد ليس المسؤول الأول رفيع المستوى في إيران الذي يتحدى المرشد الأعلى. فقد كان من المفترض أن يصبح آية الله العظمى حسين علي منتظري، أحد أكبر رجال الدين في إيران، نفسه مرشداً أعلى لولا خلافه مع آية الله العظمى روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، وذلك قبل وفاته بشهور قليلة.
وباعتباره أحد أكثر الشخصيات تأثيراً في إيران خلال العقد الأول من الجمهورية الإسلامية، قدم منتظري تبريرات كثيرة للسلطة المطلقة للمرشد الأعلى التي اعتبرها العديد من رجال الدين بدرجة آية الله أنها هرطقة. ولكن سرعان ما بدأ يتحدى القيادة المتشددة للجمهورية الإسلامية واستمر في اتباع هذا النهج حتى وفاته عام 2009.
وقد طعن منتظري -- الذي منحته مكانته كآية الله العظمى (أعلى سلطة بين علماء الدين المسلمين الشيعة) سلطة دينية أكبر من تلك التي تمتع بها خامنئي -- في مؤهلات خامنئي لإصدار فتاوى أو خلافة الخميني في منصب المرشد الأعلى. وقد وُضع منتظري تحت الإقامة الجبرية لمدة ست سنوات وتم قمع المظاهرات التي خرجت لدعمه بالإضافة إلى اعتقال أو قتل العديد من تابعيه وأصدقائه المقربين أو أُجبروا على الفرار من البلاد.
وبالمثل، وقع أبو الحسن بني الصدر الرئيس الأول للجمهورية الإسلامية في خلاف مع الخميني حول اقتسام السلطة. وتم خلعه من منصبه عام 1981 بعد سنة فقط من توليه السلطة وهرب إلى فرنسا حيث ما يزال يقيم فيها. وأسفرت اشتباكات عنيفة وقعت في الشوارع بين أنصار بني الصدر ومعارضيه إلى مقتل بعض الأشخاص من كلا الجانبين.
ومن نواح عديدة، تتشابه قصة أحمدي نجاد بقصة بني الصدر. فكلاهما لم يكن معروفاً نسبياً قبل رئاستهما وكلاهما اعتمد على دعم المرشد الأعلى للوصول إلى السلطة وكلاهما فقد تدريجياً هذا الدعم لأنهما حاولا الحد من تأثير تراتيبية هيئة كبار رجال الدين و "الحرس الثوري الإسلامي". والأهم من ذلك، كلاهما فشل في خلق مؤسسة خارجية يمكنهما الاعتماد عليها إذا ما فشلت الحماية الرسمية.
وتعكس الحقيقة القائلة أن أحمدي نجاد قد سُمح له بإكمال فترته الرئاسية الثانية -- وهي نتيجة غالباً ما تشككت فيها وسائل الإعلام -- الأهمية التي يوليها خامنئي في الحفاظ على صورة إيران المستقرة. بيد أن تحقيق هذا الهدف سيتطلب من خامنئي أن يضع في اعتباره أنه من الصعب توقع ما يمكن أن يفعله أحمدي نجاد.
ونظراً لعدم وجود ما يخسره، قد يقرر أحمدي نجاد أن يعمل على زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية إذا ما رأى ذلك ضرورياً لنجاته. وفي واقع الأمر، والآن وقد استبعد "مجلس صيانة الدستور" مشائي من سباق الرئاسة، فإن استياء أحمدي نجاد ربما يتجلى في السلوك الذي ينتهجه قبل الانتخابات وبعدها مثل الكشف عن معلومات بشأن فساد عالي المستوى. كما أنه ربما يتصدى لخامنئي بشكل مباشر، مجسداً نفسه على أنه شخصية وطنية مناهضة لكبار رجال الدين. إلا أن هذا النهج قد يحمل مخاطر كبيرة؛ بل من ناحية أحمدي نجاد قد يكلفه حياته في النهاية.
إن هذا النوع من النزاعات الحزبية التي طويلاً ما أصابت عملية صنع السياسة الإيرانية بالشلل سيظل قائماً بعد الانتخابات. لكن الجمود بشأن السياسة النووية الإيرانية قد يكون لها عواقب خطيرة. وفي الواقع، إن غياب حكومة قوية وموحدة قادرة على تشكيل إجماع وطني تجعل من المستحيل حتى على خامنئي أن يغير المسار، وستترك إيران دون أي خيار سوى الاستمرار في مواجهتها الدبلوماسية مع الغرب.
 
خريطة الحملة الانتخابية الإيرانية: منافسة بين أصوليين «واقعيين وإصلاحيين»
الحياة...طهران – محمد صالح صدقيان
بعدما أعادت مفاجأة استبعاد رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني من الانتخابات الرئاسية الإيرانية ترتيب خريطة المرشحين القادرين على جذب اتجاهات القوی الفاعلة في الساحتين السياسية والأمنية، كشفت مصادر مع بدء الحملة الانتخابية أول من أمس أن التيار الأصولي يفكر جدياً في دعم مرشّح «يستطيع استيعاب الأخطاء التي ارتكبها الرئيس محمود أحمدي نجاد، تمهيداً لمعالجة المشاكل والملفات العالقة».
وينقسم هذا التيار بين تأييد ثلاثة مرشحين، هم علي أكبر ولايتي مستشار المرشد للشؤون الدولية، ومحمد باقر قاليباف رئيس بلدية طهران، وسعيد جليلي أمين مجلس الأمن القومي. لكن أحمد سالك عضو اللجنة المركزية لجماعة «علماء الدين المناضلين»، الهيئة السياسية الأهم في التيار الأصولي، صرّح بأن «الجماعة ستختار مرشحها بعد غد الثلثاء ضمن لائحة ثلاثية تضم ولايتي وقاليباف والنائب غلام علي حداد عادل»، من دون أن يذكر جليلي.
واستبعدت المصادر أن يكون جليلي مرشح التيار الأصولي «لأنه لا يملك تجربة تنفيذية واضحة، ولا تختلف آراؤه كثيراً عن آراء الرئيس نجاد في الشؤون الداخلية والخارجية»، ولكنه يعتبر أحد أكثر المرشحين تمسّكاً بقيم الثورة التي تستهوي المتشددين باعتبارها تكفل مواجهة الأخطار المحدقة بإيران، وتضمن دعم جهاز «الحرس الثوري» وقوات التعبئة الشعبية «الباسيج» .
مصادر مقربة من الحملة الانتخابية لعلي أكبر ولايتي أبلغت «الحياة» أن «الأخير قد يحصد أصواتاً أقل من قاليباف في طهران، فيما ستصب أصوات باقي المدن والفاعليات الدينية والاقتصادية والتجارية في مصلحته مستفيداً من حسن اختيار أعضاء حملته الانتخابية، عبر تكليف علاء الدين بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية مسؤولية الإشراف السياسي على الحملة، ومحمد نهاونديان رئيس الغرفة التجارية والصناعية مسوؤلية متابعة شؤونها الاقتصادية.
أما الإصلاحيون، فلا يزال موقفهم غامضاً من دعم مرشّح محدد، على رغم أن مرشّحهم الوحيد على لائحة السباق الانتخابي هو محمد رضا عارف، مساعد الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي.
ولاحظ مراقبون عدم اكتراث الإصلاحيين بالانتخابات بعد رفض ترشّح رفسنجاني، وتركيزهم علی حجم المشاركة بعيداً من اسم المرشح، خصوصاً أن عارف وحسن روحاني لا يستطيعان تحقيق «ملحمة سياسية» بسبب افتقادهما الإثارة السياسية والذاتية، علماً أن شائعات سرت باحتمال إنسحاب عارف لمصلحة روحاني.
ولم تحدد «جبهة الاستقامة» المؤيدة لرجل الدين المتشدد محمد تقي مصباح موقفها من المرشحين، بعد استبعاد مرشّحها وزير الصحة السابق كامران باقري لنكراني. وتوقع كثر أن تدعم الجبهة جليلي، لكن ذلك لم يحصل بسبب عدم زيارة الأخير مصباح يزدي خلال وجوده في مدينة قم الأسبوع الماضي.
وتعتقد المصادر الأصولية بأن التنافس في الانتخابات المقبلة لن يحصل بين الأصوليين والإصلاحيين، بل بين «الأصوليين الواقعيين» و «الأصوليين الإصلاحيين»، وهي تركيبة حاول الأصوليون إيجادها بعد إبعاد الإصلاحيين من الساحة السياسية. لكن مراقبين يعتقدون بأن هذا التصنيف لن يخلو من تجاذبات سياسية في المستقبل.
 
الفوضى في سيناء: هل ستكون قوات حفظ السلام الدولية هي الضحية القادمة؟
ديفيد شينكر... ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
تم في مطلع الأسبوع الماضي الإفراج عن سبعة أفراد من قوات الأمن المصرية بعد اختطافهم من قبل رجال القبائل البدوية في سيناء الذين احتجزوهم كرهائن لمدة أسبوع. وقد كانت عمليات الاختطاف هذه هي الأحدث في سلسلة من عمليات مماثلة وهجمات مسلحة منتشرة حالياً في سيناء التي تبرز التدهور الأمني في تلك الرقعة الصحراوية. ورغم أن معظم تلك الهجمات استهدف المصريين، إلا أن قوات حفظ السلام في سيناء -- "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" -- يرجح أن تكون الهدف التالي على قائمة المستهدفين. إن حالة الانفلات الأمني المتزايدة في تلك المنطقة التي يسودها الاضطراب بشكل متصاعد، إلى جانب جماعة «الإخوان المسلمين» الحاكمة في القاهرة والمعادية بشكل علني لإسرائيل، يمكن أن يمثلان اختباراً لقوة معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل في عام 1979.
لقد تم نشر "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" في عام 1982 لمراقبة بنود إرساء الأمن في سيناء التي تضمنتها معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، لكن هذه القوات تعرضت على مدار العامين الماضيين لهجمات متكررة من المقاتلين البدو والإسلاميين المحليين المنتسبين لـ تنظيم «القاعدة». ففي الشهر الأخير فقط، اختطف رجال القبائل البدو جندي مجري يعمل ضمن قوات قوات حفظ السلام. وقد تم الإفراج عن ذلك الجندي لاحقاً، لكن مسار هذه التطورات لا يبشر بالخير.
ومما لا شك فيه أن قوات حفظ السلام الدولية كانت مستهدفة قبل 2011 -- فعلى سبيل المثال، اصطدمت مركبة تابعة لـ "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" بقنبلة مزروعة على جانب الطريق في عام 2005، -- لكن الإيقاع العملياتي للإجراءات العسكرية ضد القوات آخذ في التزايد. ففي آذار/مارس 2012، حاصرت مجموعة من رجال القبائل المسلحين معسكر تابع لـ "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" في الجورة لمدة ثمانية أيام، مطالبين بالإفراج عن بدو سُجنوا لضلوعهم في تفجيرات طابا عام 2004 وشرم الشيخ عام 2005. وبعدها بشهر، احتجزت مجموعة من البدو مركبة تابعة لـ "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" بين نقطتي تفتيش. والأمر الأكثر قلقاً أنه في شهر أيلول/سبتمبر الماضي هاجم عشرات من البدو المعسكر الشمالي لـ "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" وتسللوا إليه واجتاحوه، وأطلقوا عليه نيران الأسلحة الآلية وقذفوه بالقنابل اليدوية وجرحوا أربعة من قوات حفظ السلام قبل أن يجري التفاوض على الانسحاب.
إن أسلحة المقاتلين الإسلاميين والبدو معاً موجهة صوب "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون". وبحسب ما ورد في صحيفة الأهرام المصرية اليومية، اعترف أعضاء من خلية إسلامية يجري استجوابها بعد محاولة تفجير منشأة عسكرية في رفح الشهر الماضي بأن أهدافهم هي طرد قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من سيناء.
وفي ضوء هذه الأخطار المحدقة، ليس من المفاجئ أن ترافق أرتال عسكرية مصرية دوريات "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون". وفي خضم هذه البيئة الأمنية المتردية، ربما لا تكون المراقبة المحجمة والتركيز الكبير على الحفاظ على تلك القوات كافيين لحمايتها. وإذا تكبدت الدول الإحدى عشر إلى جانب الولايات المتحدة والتي تسهم بقواتها ضمن "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" لخسائر، فإنها قد تتعرض للاستنزاف. ففي ظل هجمات مماثلة في مرتفعات الجولان على مدار العام الماضي، قررت ثلاث من الدول الست المساهمة بقواتها في "قوة مراقبة فض الاشتباك" التابعة للأمم المتحدة التي تفصل بين إسرائيل وسوريا منذ عام 1973 سحب وحداتها.
وعلى عكس "قوة مراقبة فض الاشتباك"، فإن إنهاء تواجد "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون" ليس وشيكاً على الإطلاق. بيد أنه يصعب التكهن بكيفية دعم تلك البعثة في ظل الظروف الراهنة. ولا ترتبط المشكلة بحالة الانفلات الأمني الفعلية في سيناء فحسب، والتي تذكر التقارير أنها أدت إلى خفض حركة الشحن في قناة السويس هذا الأسبوع بشكل مؤقت، وإنما تتعدى ذلك لتشمل انتقال عدوى العنف إلى إسرائيل على غرار ما حدث في هجمات آب/أغسطس 2011 الإرهابية العابرة للحدود. فبعد مقتل عدد من حرس الحدود المصريين عن طريق الخطأ أثناء مطاردة حامية قامت بها إسرائيل ضد مرتكبي العملية الإرهابية (الذين كانوا يرتدون زي جنود مصريين)، تعرضت السفارة الإسرائيلية للاجتياح وتم بشق الأنفس منع وقوع كارثة ربما كانت قد سطرت نهاية لمعاهدة السلام.
لا شك أن الهجمات الإرهابية العابرة للحدود تحدث ما بين الدول الصديقة، ولا يترتب عليها بالضرورة عداءات بين الدول. لكن عداء جماعة «الإخوان المسلمين» الحاكمة لإسرائيل تزيد من مخاطر تدهور الأوضاع على الحدود. إن الجماعة لم تشرع بعد في مناقشة علنية لإلغاء معاهدة السلام مع إسرائيل، لكنها لا تخفي عداءها لجارتها.
فقد كثر مؤخراً حديث قادة «الإخوان المسلمين» عن إسرائيل. ففي 10 أيار/مايو، قاد محمد البلتاجي الأمين العام لـ "حزب الحرية والعدالة" -- الحزب السياسي التابع لـ «الجماعة» -- مظاهرة معادية لإسرائيل في "الجامع الأزهر" في القاهرة حُرقت خلالها الكثير من الأعلام الإسرائيلية، وأعلن فيها البلتاجي أن "إسرائيل عدونا". وفي مقابلة مع موقع "المونيتور" نُشرت في 16 مايو/أيار، قال رشاد البيومي، نائب المرشد الأعلى لـ «الجماعة»، "إننا في جماعة «الإخوان» نرفض اتفاقيات [السلام التي وقعت] في كامب ديفيد، ولم نغير موقفنا في هذا الأمر مطلقاً". وفي اليوم ذاته أصدر رئيسه المرشد الأعلى محمد بديع بياناً يقارن فيه وضع إسرائيل بوضع فرنسا الاستعماري في الجزائر ووضع إيطاليا في ليبيا، وتنبأ باختفاء الدولة اليهودية مثلما اختفت المستعمرات الأوروبية في الشرق الأوسط.
ومن حسن الحظ، وإن في الوقت الحالي على الأقل، أن الجيش -- الداعم الرئيسي في مصر لاتفاقية السلام مع إسرائيل -- يحتفظ بالسلطة على أمور الأمن القومي ويواصل العمل عن كثب مع إسرائيل في سيناء. بيد أن سياسات «الجماعة» المعادية لإسرائيل -- مثل دعواتها إلى مُراجعة الملحق الأمني لاتفاقيات كامب ديفيد بشكل أحادي -- قد تجعل هذا التعاون معقداً. وهذه الدعوات تجعل استمرار تواجد "القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون"، التي اضطلعت في السنوات الأخيرة بدور في مراقبة الحدود، أكثر أهمية عن أي وقت مضى.
 
لا عزاء في القرب: السوريون في لبنان
مجموعة الأزمات الدولية... Middle East Report N°141 13 مايو 2013
الملخص التنفيذي
يستمر الصراع في سورية في جر البلدان المجاورة إليه وبشكل يبلغ أقصى درجات خطره في لبنان. سياسة بيروت المعلنة في "النأي بالنفس" ـ أي السعي، من خلال الإحجام عن الوقوف إلى جانب أيٍّ من الطرفين، إلى المحافظة على مسافة بينها وبين الحرب الدائرة هناك ـ سياسة صحيحة نظرياً لكن يعتريها الكثير من الشكوك من الناحية العملية. إن الحدود القابلة للاختراق، وتهريب الأسلحة، وتنامي انخراط الإسلاميين السنة المناهضين للنظام السوري من جهة وحزب الله المؤيد للنظام من جهة أخرى، والمناوشات التي تجري عبر الحدود، إضافة إلى تدفق أعداد هائلة من اللاجئين، عوامل تؤدي مجتمعة إلى انغماس لبنان بشكل أكثر عمقاً من أي وقت مضى في الصراع الدائر في البلد المجاور. قد لا يكون من الواقعي توقّع تراجع اللاعبين اللبنانيين؛ إذ يشعرون بأن مصير سورية هو مصيرهم، وأن الرهانات مرتفعة إلى درجة يصعب معها الوقوف موقف المتفرج. لكن ينبغي أن لا يكون من غير الواقعي توقّع أن يتبنوا ـ مع شركائهم الدوليين ـ مقاربة أكثر تطلعاً إلى الأمام حيال أزمة لاجئين تخاطر بتمزيق النسيج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لبلدهم، وإشعال صراع داخلي جديد لا تستطيع دولة لبنانية ضعيفة ومنطقة شديدة التقلب تحمّله.
هذه حكاية تشكل الأرقام أفصح راوٍ لها؛ فهناك أكثر من مليون سوري في لبنان، لاجئون مسجلون وغير مسجلين، إضافة إلى العمال المهاجرين وغيرهم. هذا الرقم الذي يشكل أكثر من ربع سكان لبنان الذين يقدر عددهم بنحو أربعة ملايين نسمة هو في ارتفاع مستمر ومن المرجّح أن يحلّق إلى ارتفاعات أكبر إذا تم الانخراط في معركة دمشق، أو عندما يحدث هذا الانخراط، بشكل كامل. هذا رقم مهول في أي مكان، لكنه مخيف فعلاً بالنظر إلى الهشاشة المؤسساتية للدولة، ومواردها الشحيحة، وربما الأكثر من ذلك، التوازن الطائفي بالغ الحساسية. من غير المفاجئ أن الحكومة ـ التي تعاني من الانقسام والاستقطاب حول هذه القضية كما حول معظم القضايا الأخرى ـ تتصرف ببطء وعدم فعالية.
إن الأثر الذي يحدثه ذلك على مجريات الحياة اليومية هو أثر ملموس. يمكن رؤية التغيرات الديموغرافية في جميع نواحي الحياة تقريباً، من سماع اللهجة السورية في كل مكان، إلى تفاقم الاختناقات المرورية، إلى ارتفاع أسعار المنازل وزيادة معدلات الجنوح. إلاّ أن اللاجئين لا يشكلون مشكلة إنسانية فقط؛ فقد دفع وجودهم إلى استقطاب سياسي عميق إذ إن غالبية هؤلاء هم من السنة الذين يدعمون الانتفاضة. ومعظم اللبنانيين ينظرون إلى الصراع من منظور مذهبي، وبالتالي فإن موقفهم حيال اللاجئين تأثر منذ البداية بالاعتبارات المذهبية، وكذلك بالآثار الأمنية المحتملة وتداعيات ذلك على السياسات الداخلية المستقبلية.
لقد توجه اللاجئون إلى المناطق ذات الأغلبية السنية التي رحبت بهم. لكن حتى هناك، فإن الصبر بدأ بالنفاد. تبقى الكراهية للنظام السوري حادة وتفوق ما عداها من المشاعر. رغم ذلك، هناك غضب متزايد حيال حقيقة أنهم يتعرضون للنيران السورية بسبب تقديمهم الملاذ والغطاء للمتمردين على النظام السوري. إضافة إلى ذلك، ثمة تاريخ من الأشكال النمطية المتفاعلة، إذ إن السوريين، وكما يراهم العديد من اللبنانيين، يقعون في تصنيفين واسعين: عمال مياومين ومجرمين غير متعلمين وذوي دخول متدنية أو جنود وعناصر أمن يمارسون الانتهاكات. تساق الشكاوى في كلا الاتجاهين: من اللبنانيين الذين يحمّلون ضيوفهم مسؤولية إحداث درجة أكبر من انعدام الأمن، إلى السوريين الذين يتهمون اللبنانيين بعدم احترامهم، أو استغلالهم أو حتى الاعتداء عليهم. وثمة نزعة متصاعدة من الحوادث الإجرامية والشجار في الشوارع. يمكن تلمّس درجة أكبر من العداء والشكوك في أوساط الشيعة والمسيحيين. في المناطق ذات الأغلبية الشيعية التي تشهد الآن وصول أعداد من اللاجئين، يعبّر العديد من السكان المحليين عن مخاوفهم من أن الأعداد يمكن أن ترتفع، في حين يخشى حزب الله من أن تشكّل مشاعر اللاجئين المعادية للنظام مقدمة لحراك ضد الحزب نفسه. العديد من المسيحيين باتوا يشعرون أنهم أكثر هشاشة ويشعرون بالرعب حيال التوازن الديموغرافي الذي يزداد رجحاناً ضدهم. تعيدهم الموجة البشرية الراهنة إلى تجربتهم مع اللاجئين الفلسطينيين الذين تحوّل استقرارهم قصير الأجل نظرياً إلى وجود عسكري كبير، وطويل الأمد، وسني على الأغلب. كما يغذي هذا اعتقاداً عاماً بأن الطائفة السنية في لبنان ـ خصوصاً الإسلاميين فيها ـ يحظون بمزيد من التمكين، ويركبون مداًّ إقليمياً تصعب مقاومته.
تعتبر قضية اللاجئين وجهاً واحداً فقط من تحدٍ أوسع يواجهه لبنان نتيجة الصراع السوري. إن الديموغرافيا السياسية للمنطقة التي تضم البلدين تشهد تحوّلاً مع زيادة قابلية الحدود للاختراق. المنظمات الإسلامية اللبنانية التي تشكلت لمساعدة السوريين تشكّل أيضاً أداة للتعبئة الاجتماعية، حيث تهدد بإنتاج جيل راديكالي من السوريين، وذلك بزرع أفكار متشددة ومعادية للشيعة والعلويين في أوساطهم. يقوم المتشددون الإسلاميون السنة في لبنان بتهريب الأسلحة والانضمام إلى صراع أخوتهم السوريين، والذي أصبح المقصد المفضل للجهاديين. وهناك دائماً مخاطرة نشوء مسار عكسي؛ فحالما ينتهي عمل هؤلاء في سورية، قد يتوجهون بأنظارهم مرة أخرى إلى وطنهم.
أما انخراط حزب الله فهو أكثر حدّة. ما بدأ بوصفه مساعدة متواضعة نسبياً للنظام تنامى واتسع بمرور الوقت إلى ما يبدو أنه أصبح حالياً دعماً عسكرياً مباشراً، وشاملاً، وكاملاً وغير مخفي على نحو متزايد. الغارات الجوية الإسرائيلية الأخيرة (غير المؤكدة رسمياً) ضد أهداف في سورية ـ والتي يقال إنها استهدفت شحنات أسلحة إيرانية موجهة إلى الحزب الشيعي ـ والخطاب التصعيدي لحزب الله تعكس احتمالات متزايدة لتشابكات إقليمية يكون لبنان طرفاً فيها. بشكل عام، وحتى مع تمسك بيروت بسياسة النأي بالنفس، فإن اللاعبين خارج أجهزة الدولة بالكاد يشعرون بأن ذلك يقيّدهم. لقد تم تجاهل آمال لبنان بأن يكون منيعاً على الصراع من قبل أطراف داخلية تعتبر حصيلة هذا الصراع بالنسبة إليها ذات أهمية شبه وجودية.
تاريخياً، ارتبط مصير لبنان دائماً، وأكثر بكثير من مصير أي جار آخر، وبعمق، بمصير سورية. مع توجه سورية وبشكل أكثر ثباتاً نحو الكارثة، فإن هناك كل ما يبرر شعور اللبنانيين، على اختلاف مشاربهم، بالقلق على بلدهم، وضرورة أن يفعلوا شيئاً حيال ذلك. للأسف، قد يكون الأوان قد فات على إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء والعودة إلى سياسة عدم التدخل في الحرب السورية. لكن إذا كانت القوى السياسية المختلفة في البلاد لا تستطيع الاتفاق على ما ينبغي القيام به في سورية، فإن في وسعها على الأقل الاتفاق على مقاربة عقلانية حيال مأساة اللاجئين. إن تدفق هذا العدد الهائل من الناس سيشكل مشكلة جسيمة في أي مكان من العالم. أما في لبنان ـ بمؤسساته وبنيته التحتية الهشة؛ وتوازناته السياسية والمذهبية الدقيقة؛ ونسيجه الاجتماعي المتوتر؛ واقتصاده المتراجع؛ وهي عوامل أدت أزمة اللاجئين إلى مفاقمتها جميعاً ـ فإن هذه المشكلة تصبح كابوساً.
التوصيات:
إلى الحكومة اللبنانية القادمة:
1. التركيز على أزمة اللاجئين وذلك من خلال:
 أ. جعلها أولوية للبرنامج الوزاري القادم؛
 ب. السعي للحصول على تمويل غربي وعربي إضافي.
2. القيام فوراً بتخصيص أية موارد مالية أو بشرية متاحة لمعالجة تدفق اللاجئين، حتى مع انتظار وصول مثل تلك المساعدة.
3. التأكيد على الالتزام بسياسة لبنان الترحيب باللاجئين.
4. وضع خطة طوارئ للتعامل مع تدفق جديد للاجئين، خصوصاً من دمشق، وذلك من خلال:
أ. التخطيط مع جميع الأحزاب السياسية لإقامة مخيمات لاجئين صغيرة؛
ب. تخصيص مناطق بعيدة عن الحدود يمكن أن تقام مثل تلك المخيمات عليها؛
ت. استكشاف وسائل ضمان سلامة المخيمات مع السلطات الأمنية والعسكرية من دون فرض إجراءات مفرطة في التدخل بشؤونهم؛
ث. التنسيق مع السلطات المحلية والمجتمعات المحلية المضيفة بشأن إقامة هذه المخيمات وتخصيص الأموال لتحسين البنية التحتية في المدن والبلدات المعنية.
إلى حلفاء النظام السوري:
5. الامتناع عن إطلاق التصريحات السياسية المعادية للاجئين.
6. الموافقة من حيث المبدأ على إقامة مخيمات اللاجئين.
إلى حلفاء المعارضة السورية:
7. الموافقة على معالجة التداعيات الأمنية المحتملة لمخيمات اللاجئين.
إلى مجتمع المانحين:
8. تزويد لبنان، ووكالات الأمم المتحدة وشركائها بنحو مليار دولار أميركي، وهو المبلغ الذي قدرت هذه الجهات بأنه ضروري لمعالجة أزمة اللاجئين حتى كانون الأول/ديسمبر 2013.
إلى بلدان الخليج، والولايات المتحدة والدول الأوروبية:
9. تسهيل إجراءات منح تأشيرات الدخول للسوريين الهاربين من الصراع من أجل تخفيف الضغوط على البلدان المجاورة، وخصوصاً لبنان.
إلى وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية:
10. منح المساعدات الإنسانية للأسر اللبنانية الأكثر حرماناً في مناطق الوجود المكثف للاجئين والأسر التي تستضيف اللاجئين، من أجل منع مزيد من التدهور في العلاقات بين اللاجئين والمجتمعات التي تستضيفهم.
11. إشراك المجتمعات المحلية اللبنانية في دعم اللاجئين السوريين وذلك بتنظيم برامج الإغاثة التطوعية.
بيروت/بروكسل  أيار/مايو 2013

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,651,074

عدد الزوار: 6,959,081

المتواجدون الآن: 61