تقارير..قطاع الأمن في مصر بين التحديات والتسييس

حرب سوريا قد تلهب الأوضاع في محافظة هاتاي التركية

تاريخ الإضافة الأربعاء 10 نيسان 2013 - 6:53 ص    عدد الزيارات 1940    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

حرب سوريا قد تلهب الأوضاع في محافظة هاتاي التركية
معهد واشنطن..سونر چاغاپتاي
رغم ابتعاد أنقرة الحاد عن بشار الأسد على مدار الحرب الأهلية في سوريا، إلا أن المضاعفات الداخلية حالت دون لعب تركيا دوراً قيادياً في الإطاحة به. فهناك العديد من العوامل الديموغرافية والسياسية والتاريخية الفريدة الفاعلة في محافظة هاتاي الحدودية التركية، الأمر الذي يزيد من مخاطر انتشار عدوى العنف الطائفي من البلد المجاور. إن كبح جماح هذا الاتجاه سوف يتطلب من واشنطن العمل بشكل وثيق مع أنقرة لإبعاد شبح المشاعر الطائفية عن سياستها تجاه سوريا.
هاتاي: بين تركيا وسوريا
محافظة هاتاي هي الأقصى بين محافظات تركيا في جنوب البلاد، وتقع بشكل اصبع بين سوريا والبحر الأبيض المتوسط. كما أنها فريدة من الناحية الديموغرافية، حيث تسكنها أكبر نسبة من العرب في البلاد (ما يقرب من ثلث سكان المحافظة البالغ عددهم 1.5 مليون شخص).
وكونها المحافظة الوحيدة التي انضمت إلى تركيا بعد تأسيسها عام 1923، تتفرد هاتاي من الناحية السياسية أيضاً. ففي عام 1921، وقّعت تركيا على "معاهدة أنقرة" مع فرنسا، التي كانت تسيطر على سوريا في ذلك الحين. وقد نصت المعاهدة على بقاء هاتاي -- التي كانت تسمى آنذاك "سنجق الاسكندرونة" -- ضمن حدود سوريا الفرنسية تحت نظام خاص. بيد، تغير هذا الوضع في عام 1936، عندما انتهى الحكم الاستعماري الفرنسي في البلد المجاور، ومارست تركيا ضغوطاً على باريس من أجل استقلال هاتاي. وقد رضخت فرنسا لتلك الضغوط، رغبة منها في عدم تنفير أنقرة ودفعها إلى أحضان المحور الناشئ تحت قيادة النازيين -- وحصلت المحافظة على الاستقلال عام 1938، وتم ضمها إلى تركيا عام 1939.
وبحلول ذلك التاريخ، كانت هاتاي قد تجنبت الحركة الكمالية القوية التي اجتاحت تركيا في ثلاثينيات القرن العشرين، والتي نشرت وعياً قومياً وعملت على تأصيل اللغة التركية بين الجماعات غير التركية. ونتيجة لذلك لا يزال العرب في هاتاي يختلفون عن الجماعات العرقية الأخرى في أماكن أخرى من البلاد اليوم، حيث يحافظون على هوية عربية قوية ويواصلون التحدث بالعربية حتى في أوساط النخبة المتعلمة.
كما أن هاتاي هي المحافظة الوحيدة التي تعكس الانقسام العرقي الجوهري في سوريا. فبالإضافة إلى سكانها من ذوي الأصول التركية، فهي موطن للعرب العلويين (من نفس الأصول الدينية لنظام الأسد)، والعرب السنة، والأكراد، والشركس، والأرمن، والمسيحيين العرب. وعلاوة على ذلك، هناك روابط عائلية وقبلية تربط بين العلويين والسنة العرب في هاتاي والعلويين والسنة السوريين.
ونظراً لتاريخها وديموغرافيتها، تتعرض هاتاي للمستجدات في سوريا بصورة أكثر مباشرة من محافظات تركيا الأخرى. ولو أصبحت الحرب عبر الحدود تأخذ طابع المواجهات الصريحة بين السنة والعلويين، فإن إخوة كل منهما في هاتاي قد ينقلبون ضد بعضهم البعض، سواء من حيث تصعيد التوتر السياسي الحالي أو إثارة العنف داخل تركيا أو المشاركة في الحرب في سوريا.
لقد ظهرت مؤشرات تحذيرية لهذا الأمر على مدار شهور. على سبيل المثال، تقوم الجماعات العلوية المحلية -- مثل "البرنامج ضد التدخل الإمبريالي في سوريا" -- بتنظيم مسيرات مؤيدة للأسد لبعض الوقت -- جرت أكبرها في أيلول/سبتمبر الماضي، وشارك فيها أكثر من عشرة آلاف شخص. وكما قال أحد العلويين خلال مقابلة مع قناة "الجزيرة"، "تحاول القوى الإمبريالية الغربية، جنباً إلى جنب مع الأنظمة التي يقودها السنة، الإطاحة بنظام شرعي في سوريا". كما تحدثت بعض التقارير عن قيام توترات طفيفة بين اللاجئين السنة من سوريا والعلويين في محافظة هاتي. كما يشكو رجال الأعمال العلويون وموظفي الخدمة المدنية من اللاجئين السوريين حيث يسألونهم عن هويتهم الطائفية، وهناك من يدّعي أن المهاجرين العرب السنة قد أعدوا لهم قوائم سوداء ويقومون بمضايقتهم.
هاتاي والمعارضة التركية
يتسم العلويون في هاتاي بطابع علماني قوي ومن ثم فإنهم يختلفون مع التوجه المحافظ -- بل والإسلامي أحياناً -- لـ «حزب العدالة والتنمية» الحاكم. ومعظمهم يدعم فصيل المعارضة الرئيسي في البلاد، وهو «حزب الشعب الجمهوري». وبعد أن بدأت أنقرة في توفير ملاذ آمن لجماعات المعارضة السورية والمتمردين المسلحين في خريف عام 2011، أصبح العلويون في هاتاي أكثر انتقاداً لسياسات «حزب العدالة والتنمية». كما أنهم لعبوا دوراً كبيراً لا يتناسب مع حجمهم في المسيرات المناهضة لـ «حزب العدالة والتنمية»، بما في ذلك مظاهرة جرت في 9 آذار/مارس جذبت ألفي شخص وكذلك أحتجاج في أواخر عام 2012 شارك فيها ما يقدر بثمانية آلاف متظاهر.
وينظر بعض العلويين في هاتاي إلى السُنيين السوريين الذين فروا إلى محافظتهم لا كلاجئين، بل كمتمردين كانوا قد قتلوا عائلاتهم في سوريا أو عرضوها للخطر. كما يصورهم آخرون على أنهم جهاديين يهددون العلويين على جانبي الحدود. على سبيل المثال، تحدث صاحب عمل مؤخراً عن سوري سأل صاحب محل في هاتاي إن كان من العلويين. وبعد علمه بأنه من العلويين، مضى السوري في حديثه قائلاً إن العلويين الأتراك سوف يلقون نفس مصير العلويين السوريين -- وهذا يعني بإيجاز أن دورهم سوف يحين. وكان يتوجب على قوات الأمن التدخل لتفريق الشجار الذي تلى ذلك.
وقد اتخذت أنقرة خطوات للحد من هذه المظالم. فمنذ أيلول/سبتمبر، ابتعدت عن توطين أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في هاتاي، بنقلها العديد منهم إلى المحافظات الداخلية. واليوم، لم يتبق منهم في هاتاي سوى14,500 من بين261,000 لاجئ مسجل في البلاد. ورغم ذلك، لا يزال لدى أنقرة ما يدعوها للقلق، حيث من المرجح أن يسفر انتشار النزاع الطائفي في سوريا إلى تدفق أعداد أكبر من اللاجئين إلى المحافظة، ويؤدي بدوره إلى انفجار الأوضاع المحلية بين السنة والعلويين.
وفي غضون ذلك، فإن العلويين الأتراك -- الذين يشكلون نحو 15 في المائة من سكان البلاد -- قد يعقدون الأمور أيضاً. ورغم أنهم يتشابهون في الاسم مع العلويين السوريين ولكن ليست لديهم علاقات عائلية معهم، إلا أنهم يتسمون أيضاً بطابع علماني قوي، ويعارضون سياسة «حزب العدالة والتنمية» تجاه سوريا، ويدعمون «حزب الشعب الجمهوري» بقوة. فقد أشار استطلاع أجراه مؤخراً برلماني من «حزب الشعب الجمهوري»، صباحات أكيراز، إلى أن 83 في المائة من العلويين الأتراك والعلويين السوريين دعموا حزبه في انتخابات 2011. ولو حشد العلويون السوريون في هاتاي مسيرات أكثر قوة ضد سياسة الحكومة، فسوف يحذو حذوهم العلويون الأتراك بشكل شبه مؤكد.
ومن جانبه، تبنى «حزب الشعب الجمهوري» منذ فترة طويلة موقفاً مغايراً بشأن الحرب. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2011، أرسل الحزب وفداً عبر الحدود بدعوة من "الاتحاد النسائي السوري". وبعد زيارته لدمشق وحماة واللاذقية لدراسة الأوضاع هناك أعلن الوفد معارضته للتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية السورية. ومؤخراً، زار نواب عن «حزب الشعب الجمهوري» الأسد في دمشق في أوائل آذار/مارس. وفي عمل من أعمال العلاقات العامة الجاذبة للأنظار، أضعفوا مكانة «حزب العدالة والتنمية» من خلال مزاعم بأن الشعب التركي "يرفض التدخل في سوريا ولا يريد شيئاً سوى قيام علاقات حسن الجوار" مع الأسد، وهو ما أجاب عليه الدكتاتور قائلاً: "أٌقدِّر موقف الشعب التركي والأحزاب السياسية التي تفضل الاستقرار في سوريا على عكس الحكومة التركية".
هذا ويرجح أن يواصل الحزب معارضته القوية لسياسة «حزب العدالة والتنمية» تجاه سوريا. ففي مناقشة برلمانية مؤخراً، تبجح أحد مسؤولي «حزب الشعب الجمهوري» أوميت أوزكوموز ضد وزير الخارجية أحمد داود أوغلو حيث قال له "إن مزاعم ارتكاب الأسد لمجازر، ما هي إلا محض أكاذيب!". إن موقف الحزب القوي حول هذه القضية يقوم جزئياً على موقفه المناهض للولايات المتحدة في سبعينيات القرن الماضي، وهو ما يقوده إلى المعارضة الفطرية للسياسات العسكرية الأمريكية (والعمليات العسكرية بشكل عام) لأسباب أيديولوجية. ولهذا السبب سوف يصبح الحزب أكثر عدوانية لو أقرت تركيا سياسة تعتمد على التدخل النشط أو إذا عملت مع واشنطن للوصول إلى نتائج مماثلة. إن القاعدة القوية من العلويين الأتراك التي يحظى بها «حزب الشعب الجمهوري» قد ترغمه على اتخاذ موقف أكثر تشدداً لو أثار النزاع السوري العداء بين العلويين الأتراك والحكومة.
دلالات لواشنطن
إن احتمال امتداد العنف من سوريا الى تركيا هو مجرد سبباً إضافياً يتوجب فيه على الولايات المتحدة أخذ زمام المبادرة بدلاً من الإنتظار لأنقرة. ينبغي على الولايات المتحدة في الوقت ذاته أن تشجع تركيا على إقرار سياسة صريحة غير طائفية تجاه سوريا، لا سيما فيما يتعلق بالتطهير العرقي. وهذا يعني إدانة الأعمال الوحشية التي يقوم بها السنة والعلويون على حد سواء، فضلاً عن بذل جهود خاصة لإغاثة المدنيين العلويين وفتح أبواب تركيا أمام اللاجئين المنتمين لذلك الفصيل، والإعلان عن هذه المبادرات. وهذا هو الطريق الوحيد لمنع أسوأ آثار الحرب من عبور الحدود بين البلدين.
سونر چاغاپتاي هو زميل باير فاميلي ومدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن
 
  
قطاع الأمن في مصر بين التحديات والتسييس
مركز بروكنغز..
تعتبر مسألة "الأمن" معضلة رئيسية فيما بعد الثورات العربية، سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن، أو –باعتبار ما سيكون– سوريا. فمن دون أمن لن تأتي الاستثمارات الخارجية، وهي ضرورة ملحة في مصر، إذ إن حكومة الرئيس مرسي ورثت ديونا داخلية تقدر بـ1.2 تريليون (ألف ألف مليون) جنيه مصري، أي أنها لا تملك الكثير لتستثمره في الداخل. وأيضا من دون أمن فلن يأتي السياح ولن تحقق العدالة الاجتماعية ولا الاستقرار السياسي.
"المشكلة سياسية يا سيادة الوزير"، جملة قالها أحد الصحفيين المشاركين في مؤتمر لوزير الداخلية المصري اللواء محمد إبراهيم يوم 10 مارس/آذار 2013. وكان اليوم الذي سبقه يوماً عصيباً على الجميع. فقد حُرِقَ نادي الشرطة ورُوِعَ رواده، وحُرِق اتحاد الكرة المصرية وسُرِقَتْ خزينته، وهوجمت فنادق سياحية عدة بوسط القاهرة من قَبَل محتجين على أحكام أصدرتها محكمة ابتدائية ضد متهمين بقتل ما يربو على السبعين مشجعا لكرة القدم في ملعب بورسعيد الرياضي في فبراير/شباط 2012.
"طيب اخرجني منها. أنا مش سياسي أنا مسؤول عن الأمن"، رد الوزير على الصحفي. "ما تكلم الرئاسة" أصر الصحفي. "يا سيدي أنا مش مكلف بالحوار مع الرئاسة، أنا رجل أمن... مسؤول عن أمن المواطن المصري.. ماتدخلنيش في السياسية"، رد الوزير مرة أخرى.
لعل الحوار يلخص أحد أركان أزمة قطاع الأمن في مصر. فبالإضافة لمحاولات تسييس القطاع الأمني وعملية إصلاحه، وهي عملية على رأس مطالب ثورة اندلعت قبل عامين يوم عيد الشرطة احتجاجاً على وحشية سلوكها مع المواطنين، فإن للأزمة جوانب أخرى.
فبطء عملية الإصلاح، بما تشمله من محاسبة ومراقبة وتطهير وتَمْدِين، مع قلة فاعلية وزارة الداخلية في احتواء التهديدات الأمنية اليومية، مع الصراعات الداخلية المتراكمة في الوزارة نتيجة أوضاع خاطئة أظهرتها الثورة، أدى كل هذا إلى وضع سياسي وأمني خطير في مصر، ربما تلخصه كلمة الوزير: "هل المخطط هو إسقاط الشرطة؟! خلاص! اعتبرونا انكسرنا وتصرفوا أنتم مع بعض".
منذ أسابيع لخص المفكر الكبير الأستاذ فهمي هويدي في إحدى مقالاته دراسة مقارنة كنت قد أجريتها عن إصلاح قطاع الأمن في مصر. والدراسة المشار إليها وغيرها من المبادرات سُلّمِتْ ونُوقِشَتْ بالفعل مع عدد من المسؤولين المصريين من مؤسسات عدة. وكان اهتمام المسؤولين بها واضحاً، أما قدرتهم على تنفيذ توصيات الدراسة والمبادرات فلم تكن كذلك.
تعتبر مسألة "الأمن" معضلة رئيسية فيما بعد الثورات العربية، سواء في تونس أو مصر أو ليبيا أو اليمن، أو –باعتبار ما سيكون– سوريا. فمن دون أمن لن تأتي الاستثمارات الخارجية، وهي ضرورة ملحة في مصر، إذ إن حكومة الرئيس مرسي ورثت ديونا داخلية تقدر بـ1.2 تريليون (ألف ألف مليون) جنيه مصري، أي أنها لا تملك الكثير لتستثمره في الداخل. وأيضا من دون أمن فلن يأتي السياح ولن تحقق العدالة الاجتماعية ولا الاستقرار السياسي.
بمعنى أكثر شمولاً سيعتمد نجاح أو فشل التحول الديمقراطي في مصر على مسألة الأمن وإصلاحاته. والسؤلان الرئيسيان المطروحان في هذا لإطار هما:
1- هل القطاع الأمني فعال في احتواء أو تحييد التهديدات الحقيقية لأمن المواطن المصري؟
2- هل يملك الشعب المصري -ممثلاً في مؤسسات الدولة المنتخبة- محاسبة القطاع الأمني إن تجاوز أو انتهك أو قصر؟ الإجابة معقدة، ولكنها أقرب للنفي منها للإيجاب.
الرئاسة وإصلاح القطاع الأمني
حتى الآن يمكن وصف طريقة تفاعل الرئاسة وحزب "الحرية والعدالة" وجماعة "الإخوان المسلمين" مع إصلاح القطاع الأمني بأنها حَذِرة، تدريجية، غير ثورية. فالرئاسة تفضل العمل في ظل قواعد النظام المعمول بها بدلاً من تغيير تلك القواعد ودفع تكلفة ذلك. ولكنها في الوقت ذاته لم تفوت بعض فرص التغيير عندما كانت الأجواء مُهيأة (أي عندما تكون تكلفة وخطورة الإصلاح منخفضة أو متوسطة).
ففي أعقاب مجزرة سيناء في أغسطس/آب 2012، أقال الرئيس ونقل عدداً من أقوى لواءات القطاع الأمني. فشملت تلك الحركة مدير المخابرات العامة اللواء مراد موافي، وقائد الحرس الجمهوري اللواء نجيب محمد عبد السلام، وقائد الشرطة العسكرية اللواء حمدي بدين، ومدير أمن القاهرة اللواء محسن مراد، وقائد قوات الأمن المركزي اللواء عماد الوكيل.
هذا بالإضافة للإطاحة بقيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وكان ما يجمع هؤلاء اللواءات هو الموقف المناهض لعملية التغيير، والإصرار على إبقاء الوضع على ما هو عليه، والرغبة في الحفاظ على عدد من سياسات وممارسات نظام مبارك. وقد تم اتهام اثنين من هؤلاء اللواءات، وهما بدين ومراد، من قبل العديد من التنظيمات الثورية والإصلاحية -من بينها "الائتلاف العام لضباط الشرطة"- بتنظيم حملة مُمنهجة لقمع الثوار.
وأما فيما يخص "عدم التغيير" فربما المثال الأبرز هو تعيين الرئيس للواء خالد ثروت مديرا لجهاز الأمن الوطني في أكتوبر/تشرين الأول 2012. فاللواء ثروت يأتي من قلب جهاز مباحث أمن الدولة المُنَحلّ. وكان يترأس إدارة "النشاط الداخلي"، وهي "الإدارة العامة" المسؤولة عن مراقبة والتحقيق مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام. وقد ترأس فيما سبق أيضا "مجموعة" "مكافحة النشاط الإخواني"، وهي "المجموعة" المسؤولة عن تحييد أو تقليص أو إنهاء نشاط "الإخوان" إبان حكم حسني مبارك. فبعيداً عن "أخونة الأمن" تم تعيين مسؤول سابق عن مكافحة "الإخوان" على رأس جهاز الاستخبارات الداخلية المصرية.
وبعيداً أيضاً عن الإصلاحات في تونس، حيث كان أول وزير داخلية بعد الثورة هو أحد ضحايا تعذيب وزارة الداخلية، كان أول وزير داخلية يعينه أول رئيس مدني منتخب بحق في مصر هو اللواء أحمد جمال الدين. واللواء جمال الدين مثير للجدل، يتهمه البعض بالولاء لوزير داخلية مبارك -حبيب العادلي- المُدان جنائياً. واتُهم أيضاً بالتشدد أثناء مفاوضات إطلاق سراح السجناء السياسيين بعد الثورة، وذلك من قبل بعض أعضاء اللجنة التي شكلتها الرئاسة للتفاوض بشأن الإفراجات. واتهم مرة أخرى بالتشدد أثناء المحادثات لأنهاء اشتباكات شارع "محمد محمود" الدموية التي وقعت في نوفمبر/تشرين الثاني 2011.
كما كان اللواء شاهداً في "محاكمة ضباط أمن الجيزة"، حيث تم توجيه الاتهام إلى سبعة عشر من رجال الشرطة بقتل وجرح المتظاهرين في يناير/كانون الثاني 2011. ولقد دافع عن رجال الشرطة مؤكداً أن الضحايا قُتِلوا في إطار الدفاع المشروع عن النفس. كما يتهمه أعضاء ائتلاف "ضباط ولكن شرفاء" -هو تنظيم شرطي إصلاحي غير رسمي- بكونه عضواً سابقا في فصيل قوي مناهض للإصلاح في الوزارة يُطلَق على أفراده وصف "رجال العادلي" (على اسم وزير داخلية مبارك حبيب العادلي).
إنجازات تحققت
وفي الإجمال يمكن تلخيص ما قامت به إدارة الرئيس محمد مرسي حتى الآن في ملف إصلاح قطاع الأمن كما يلي: 1- الاهتمام بالاطلاع على بعض الدراسات والمبادرات ومناقشتها. 2- نقل أو إقالة بعض القيادات الأمنية أو النيابية، خاصة السيئة السمعة أو المعادية لعملية التغيير و/أو الإصلاح. 3- تشكيل لجنة للإفراج عن المعتقلين السياسيين. 4- تعيين بعض الشخصيات الثورية أو الإصلاحية في مناصب عدلية، كوزير العدل المستشار أحمد مكي.
أما فيما يخص تنفيذ توصيات الدراسة والمبادرات، كالتشريعات الخاصة بمراقبة القطاع الأمني (عن طريق لجان برلمانية مثلاً كما هو الحال في معظم الديمقراطيات بدءاً بإنجلترا وكندا وانتهاءً بإندونيسيا وجورجيا)، أو "تمدين" المناصب القيادية الشرطية، أو صياغة برامج تدريب على وسائل مكافحة الشغب غير القاتلة، فلم يحدث شيء على تلك الأصعدة.
أي أن "الخطوات الكبيرة" على طريق إصلاح القطاع الأمني ما زالت مستقبلية، وإن كانت البيئة الحالية بما فيها من استقطاب حاد ومزايدات غير مجدية لعملية الإصلاح ومحاولات مستميتة لإقحام القطاع الأمني في الصراع السياسي خاصةً من قِبَل من هَزَمته الثورة (فلول النظام السابق) أو ممن لم تختره أغلبية الشعب.
فبعض الخاسرين في العملية الثورية أو في العملية الديمقراطية يريدون الاستقواء بمن يحمل السلاح في مؤسسات الدولة ليكون مطيتهم للقصر الجمهوري. وبغض النظر عن سذاجة الفكرة (التي اعتقدها حزب التحرير الإسلامي في الخمسينيات وتجاوزها بعد ذلك، وهي أن من يحمل السلاح سيخاطر بنفسه وضباطه ثم بعد نجاحه سيسلم الحكم لمدنيين جالسين في مكاتبهم، لا يملكون شرعية مانديلا ولا كاريزما أردوغان ولا مشروع روزفلت) فإن لها أثاراً سلبياً على عملية إصلاح قطاع الامن.
ولعل خطاب وزير الداخلية المصري في مؤتمره الصحفي المشار إليه يتضمن رسالة بأنه يفهم اللعبة ويتضمن مناشدة بأن تُخرج القوى السياسية جهاز الشرطة من تلك اللعبة ومن صراعاتها وحساباتها.
وقد احتوى خطاب سابق للوزير (بتاريخ 19 فبراير/شباط 2013) على ما يشبه صرخة استغاثة: "لدي 186 شرطيا مقتولا وأكثر من 800 مصاب.. بعض أفراد الشرطة الغاضبين يمنعون مديري الأمن من دخول مكاتبهم احتجاجا، وهناك من يحاول حرق القصر الرئاسي بشكل أسبوعي، وبعض الصبية أغلقوا مجمع التحرير (أكبر مجمع حكومي في البلاد) لأربعة أيام... متى سأجد الوقت لأصلح؟ عندما تنتهي هذه المهاترات السياسية".
معضلة وزارة الداخلية
ولا شك أن العنف السياسي والجنائي في الشارع ومحاولات استمالة قطاع الأمن والزج به في المعترك السياسي وبشكل عام حالة الاستقطاب الحاد في البلاد أثرت سلباً على مبادرات إصلاح قطاع الأمن في مصر.
فهناك سياسيون يدينون انتهاكات الشرطة ويدعون لإصلاحها على الفضائيات والبرامج الحوارية من ناحية، وفي الوقت نفسه يمدحون لواءات وقضاة معروفين بتأييدهم للانتهاكات، بل دعمها والتغطية عليها. ولسان حال هؤلاء السياسيين يقول: "إذا عُذِبت أنا وأنصاري فسنصرخ في الإعلام، وإذا عُذَبَ منافسي وأنصاره فسنصفق للجلاد!"، وهذا ما يزيد الأمر سوءاً.
فمن ناحية وزارة الداخلية مسؤولة عن تأمين مؤسسات الدولة (التي يملكها المواطن الدافع للضرائب المصري لا الحكومة المنتخبة من قبله) والدفاع عنها ضد من ينوي حرقها أو اقتحامها أو إغلاقها بالقوة.
ومن ناحية أخرى أية إصابات بين المهاجمين ستترجم على الفور بأنها وحشية شرطة، دون النظر في تفاصيل كل حالة. هذا بالإضافة إلى أن قوات الأمن المصرية محدودة الخبرة في أساليب وتكتيكات مكافحة الشغب غير القاتلة، ولم يكن لدى القيادة لا الوقت ولا الموارد لإعادة التدريب على أساليب مختلفة بمناهج جديدة (وهذا جزء رئيسي من عملية الإصلاح).
ويلخص لي أحد ضباط الأمن المركزي الذين شهدوا مواجهات قصر الاتحادية في يناير/كانون الثاني الماضي ما يتردد في داخل القطاع: "ما يقولوه لك (بعض النشطاء) كذب.. والله كله كذب.. نحن نُهاجم أحيانا بالمولوتوف وأحيانا أخرى بالخرطوش. لو هرب الضابط سيتهم بالجبن والإهمال وسيحاكم. ولو قاتل فقتل أو أصاب أحدهم فسيحاكم أيضاً. فماذا عليه أن يفعل بالضبط؟".
وفي كل الأحوال فإن المؤكد قطعياً هو أنه لا يكتمل تحول ديمقراطي دون القضاء على التعذيب، وإنهاء اللامحاسبة سواء فيما يخص الأجهزة الأمنية أو فيما يخص مرتكبي العنف غير المبرر، وذلك مع فرض رقابة مدنية فعالة على كل من القوات المسلحة والمؤسسة الأمنية.
وكما تُعلَمِنا تجارب الأمم الأخرى، لا سبيل لذلك إلا بإنهاء حالة الاستقطاب الحاد، وتقنين الصراع السياسي (ولو بشكل مؤقت) ليكون داخل المؤسسات الديمقراطية وخارج لعبة العنف، وبإنهاء تسييس واستغلال الأجهزة الأمنية وعملية إصلاحها، وبوحدة صف القوة السياسية فيما يخص مطلب الإصلاح، ليتم اعتباره مطلبا ثوريا ملحا وموحدا لن تقوم ديمقراطية في مصر دون تحقيقه.
 
تسييس إصلاح القطاع الأمني في مصر
مركز بروكنغز...الكاتب: عمر عاشور
قام المفكر المصري المعروف الدكتور فهمي هويدي منذ أسبوعين بتلخيص دراسة كنت قد أجريتها عنإصلاح القطاع الأمني في مصر. حاول الدكتور هويدي تسليط الضوء على حقيقة مهمة وهي أن: مصر تتوفر فيها "الخبرة والمعرفة" المتعلقة بإصلاح القطاع الأمني سواء في هذه الدراسة أو في مثيلاتها. غير أن ما قد لا يعلمه الدكتور هويدي هو أن هذه الدراسة وغيرها من المبادرات المتعلقة بهذا الأمر قد تم تقديمها من قبل إلى العديد من المسئولين المصريين. ومن المؤكد أن مثل هذه الدراسات/المبادرات قد حظيت باهتمام المسؤولين ولكن الاهتمام بهذه الدراسات/المبادرات شيء أما القدرة على تنفيذها فهي شيء أخر مختلف تمامًا.
من الثابت الآن أن السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة، والاستقرار السياسي، والعدالة الاجتماعية، وربما نجاح عملية الانتقال الديمقراطي في مصر، يعتمد على الأوضاع الأمنية في البلاد. والسؤالان اللذان يتم طرحهما عادة هما: هل يتسم القطاع الأمني بالفعالية في احتواء التهديدات الحقيقية؟ وهل هذا القطاع يمكن مساءلته أمام الشعب ممثلاً بمسئولين مدنيين؟ وحتى الآن فإن الإجابة عن هذين السؤالين في مصر هي على الأرجح "لا".
الأخونة
تتعامل الرئاسة مع مسألة إصلاح القطاع الأمني بطريقة تدريجية وغير ثورية إذ تفضل العمل في ظل قواعد النظام المعمول بها بدلا من تغييرها من الأساس. قام الرئيس مرسي بتعيين اللواء خالد ثروت مديرًا لجهاز الأمن الوطني في أكتوبر 2012، وشتان ما بين ذلك وبين "أخونة" جهاز الشرطة. جاء اللواء ثروت من قلب جهاز مباحث أمن الدولة سيء السمعة. وكان اللواء ثروت رئيسًا لإدارة "النشاط الداخلي" وهي إدارة عامة مسؤولة عن مراقبة والتحقيق مع منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية ووسائل الإعلام. وفي وقت ما، كان اللواء ثروت رئيسًا لمجموعة "مكافحة النشاط الإخواني".
علاوة على ذلك، وفي اختلاف جذري عن تونس التي كان فيها أول وزير داخلية بعد الثورة مدنيُا ومن ضحايا التعذيب وينتمي لحزب النهضة، كان أول وزير داخلية في عهد أول رئيس مصري مدني منتخب في التاريخ هو اللواء أحمد جمال الدين، وهو أحد الرموز المعرفة بولائها للمحكوم عليه في تهم جنائية، اللواء حبيب العادلي، وزير داخلية مبارك. تبنى اللواء جمال الدين موقفًا متشددًا خلال مفاوضات الإفراج عن السجناء السياسيين في أعقاب نجاح الثورة فضلاً عن تشدده خلال المباحثات التي أجريت لفض الاشتباكات المندلعة في شارع محمد محمود في شهر نوفمبر 2011. كان اللواء جمال الدين أيضًا من بين الشهود في قضية "محاكمة ضباط الجيزة" المتهم فيها 17 ضابطًا بقتل وإصابة المتظاهرين في يناير 2011. دافع اللواء جمال الدين عن الضباط مدعيًا أن الضباط قتلوا الضحايا وهم في حالة "دفاع شرعي عن النفس". وقد قام تحالف "ضباط لكن شرفاء"، وهو منظمة غير رسمية من ضباط الشرطة الذين يضغطون من أجل تحقيق إصلاحات داخلية، باتهام اللواء جمال الدين بأنه أحد أعضاء فصيل قوي في الوزارة يقاوم أي محاولات للإصلاح، وقد أطلقوا على هذا الفصيل اسم "رجال العادلي". وإجمالاُ، لم تقم إدارة مرسي بأي خطوات مؤثرة في إصلاح القطاع الأمني، ويرجع ذلك على الأرجح إلى حسابات سياسية تتسم بالحذر.
وقال وزير الداخلية الجديد، اللواء محمد إبراهيم، في 19 فبراير 2013 "لدي 186 ضابط شهيد وأكثر من 800 مصاب حتى الآن، والضباط الصغار يمنعون قادة الآمن من دخول مكاتبهم، ويقوم مائة طفل أو نحو ذلك بإشعال النار في قصر الرئاسة أسبوعيًا ... وتم إغلاق أكبر مجمع حكومي في مصر لمدة 4 أيام، متى إذن يمكن أن أجد وقتًا للإصلاح؟ ... عندما تنتهي هذه المهاترات السياسية.. كانت هذه هي إحدى المرات النادرة التي يتحدث فيها وزير داخلية علنًا عن عجز قوات الأمن وعن عملية الإصلاح. ومما يدعو لمزيد من القلق أنه لم يكن يكذب بشأن الحقائق أو الأرقام. وفي هذا الصدد يمكن أن يؤدي انهيار وزارة الداخلية في الوقت الحالي إلى عواقب وخيمة على مصر.
وزارة الداخلية في مأزق لا فكاك منه
أدت أعمال العنف المندلعة في الشوارع بالإضافة إلى تسييس إصلاح القطاع الأمني من جانب خصوم سياسيين إلى نتائج سلبية على عملية الإصلاح ومصداقيتها. ويطالب قادة المعارضة في البرامج التلفزيونية الحوارية وضع إصلاح القطاع الأمني موضع التنفيذ من أجل التخلص من وحشية جهاز الشرطة. وفي الوقت نفسه، تثني نفس هذه الرموز السياسية على لواءات الآمن والقضاة/وكلاء النيابة الفاسدين والمعروف عنهم تأييدهم للممارسات الوحشية لانتزاع الاعترافات وتلفيق التهم. ويصل الأمر ببعض السياسيين إلى مطالبتهم بالتدخل في العملية السياسية، من خلال سحق خصومهم. وبهذا المعنى فإن وزارة الداخلية في "مأزق لا فكاك منه". فمن ناحية، تتحمل الوزارة مسئولية الدفاع عن مؤسسات الدولة، التي تتعرض باستمرار للهجوم من جانب جماعات عنف ذات خلفيات مختلفة. ومن ناحية أخرى، إذا تم قتل أو إصابة أي من هؤلاء المتظاهرين، يتم اتهام وزارة الداخلية بالوحشية. أضف إلى ذلك نقص الخبرة فيما يتعلق بتكتيكات مكافحة الشغب التي لا تتسبب في القتل. وقد قال لي رائد بقوات الأمن المركزي، والذي شهد الهجمات التي تعرض لها القصر الرئاسي في يناير الماضي "كل ما يخبرونك [الناشطين] به عبارة عن أكاذيب ... ما يحدث عادة هنا هو أن الضابط يتعرض للهجوم بالبنادق وقنابل المولوتوف. وإذا ما حاول الهرب، يتم اتهامه بالتقصير في عمله ثم يتعرض للمحاكمة. أما إذا رد، يتم اتهامه بالوحشية ثم تتم محاكمته أيضًا. ما المفروض أن يفعله بالضبط؟..."
وفي جميع الأحوال، لن تكتمل عملية التحول الديمقراطي بدون استهداف سوء استخدام السلطة، والقضاء على التعذيب، ووضع حد للإفلات من العقاب في الأجهزة الأمنية، مع فرض رقابة مدنية فعالة ومجدية على القوات المسلحة والمؤسسات الأمنية. وما من شك أن هذه الأهداف كانت من صميم أهداف الثورة المصرية عام 2011. غير أن هذه الأهداف من المستحيل تحقيقها في ظل عملية الاستقطاب الحادة التي تشهدها مصر في الوقت الحالي أو في ظل محاولات مستمرة للتلاعب بالقطاع الأمني من جانب خصوم سياسيين. وكما تم عرضه في حالات مقارنة، ستكون وحدة القوى السياسية فيما يتعلق بهذا المطلب المحدد هي العامل الأساسي لنجاح القطاع الأمني والديمقراطية.

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,197,555

عدد الزوار: 6,982,549

المتواجدون الآن: 76