اليمن : مبادرات سياسية وحدوية على إيقاع

مطالب انفصالية في الجنوب

تاريخ الإضافة الخميس 18 حزيران 2009 - 6:54 ص    عدد الزيارات 4947    التعليقات 0    القسم عربية

        


تكثفت التحركات السياسية والشعبية في اليمن في محاولة للجم التوتر الذي تصاعد أخيرا من الجنوب وصار يهدد بتفكيك كيان دولة الوحدة، وهو التوتر الذي أخذ زخماً أكبر بعد الظهور المفاجئ لنائب الرئيس السابق علي سالم البيض الذي دعا إلى"فك الارتباط بين الشمال والجنوب" على أساس حل تعود الأمور بموجبه إلى ما كانت عليه قبل إعلان قيام دولة الوحدة العام 1990 .
وفي إطار المساعي السياسية الجديدة التي بدأت السلطات الرسمية بذلها لحلحلة الأزمة التي مست بحياة اليمنيين سلبيا، بعد موجة من القلق والاضطرابات التي رافقت التطورات السياسية الأخيرة، بدأت السلطة في عقد المؤتمرات الفرعية للمجالس المحلية في مختلف مناطق البلاد، وهي المؤتمرات التي من المفترض أن تعالج قضية الحكم المحلي الكامل الصلاحيات.
وفي الإطار نفسه، قدم حزب رابطة أبناء اليمن "رأي" قبل أيام قليلة، مبادرة جديدة لإنقاذ اليمن ترتكز على إقامة دولة اتحادية فدرالية وتشكيل حكومة وحدة وطنية، بالإضافة إلى تشكيل لجنة حوار وطني يتولى الرئيس علي عبدالله صالح رئاستها تشمل كافة أطراف العمل السياسي بمن فيهم الداعون للانفصال .
ويرى مراقبون أن هذه التحركات جاءت استشعاراً من القوى السياسية من أن الأوضاع في البلاد تتجه نحو التأزيم. فما يحدث على الأرض وخاصة في المناطق الجنوبية من البلاد، يعزز الاعتقاد من أن المستقبل يكتنفه الكثير من الغموض. فالجنوب منذ عامين يشهد مزيداً من الاضطرابات، لكنها أخذت تأخذ خلال الأسابيع القليلة الماضية منحى أكثر خطورة بمواجهات شاملة وشبه يومية بين أنصار الحراك الجنوبي وقوات الأمن .
وجاءت هذه التطورات في أعقاب الخطاب الذي ألقاه نائب الرئيس السابق علي سالم البيض بعد خروجه من صمت دام 15 عاماً ، وهو الخطاب الذي أعطى للحراك الجنوبي قوة إضافية كبرى للمطالبين بالاستقلال وحق تقرير المصير، حيث بدأت ساحة المواجهات تتسع لتشمل معظم المناطق الجنوبية من البلاد .
ومع أن السلطة تحاول التقليل مما يحدث في المناطق الجنوبية من البلاد من توترات صار إيقاعها يتزايد يومياً، وتعيد ذلك إلى حرص اليمنيين في شمال البلاد وجنوبه على التمسك بالوحدة، إلا أن القلق يلف مؤسسات صنّاع القرار، إذ أن استمرار المواجهات مع الجماعات المطالبة بالانفصال في الجنوب سوف يكلف البلاد الكثير من الموارد وسينهك قواها في مواجهة هذه المطالب، الأمر الذي سيفتح البلاد أمام سيناريو مخيف فحواه "يمن موحّد بأوضاع مهلهلة"، وهو سيناريو يحذر منه الكثير من القوى السياسية وحتى الشخصيات القبلية التي ترى فيما يحدث شراً لابد من احتوائه قبل وقوعه.
من هنا فإن أصواتاً من داخل الحزب الحاكم بدأت ترتفع للمطالبة بوضع حد لحال التدهور الذي يسود الساحة السياسية واتخاذ قرارات شجاعة من شأنها التخفيف من حدة الاحتقان، وخاصة أن سقف المطالب التي بدأت قوى الحراك الجنوبي ترفعها تزيد من تعقيد الأوضاع يوماً بعد آخر، فعوضاً عن "إصلاح مسار الوحدة" الذي تبناه تيار داخل "الحزب الإشتراكي اليمني" بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب الأهلية العام 1994 ، وهوجم حينها بشدة من داخل الحزب الإشتراكي نفسه، ناهيك عن السلطة، ثمة اليوم شعار واحد لدى قوى الحراك الجنوبي مرتكز على المطالبة بـ "الإستقلال" و "حق تقرير المصير" للجنوب، وهي مطالب لم يكن لأحد أن يتخيلها قبل سنوات خمس مثلاً .
ويقول أحد رموز هذا التيار، وهو محمد حيدرة مسدوس إن "من يفكر بتفكير موضوعي وينطلق من ثنائية اليمن ويسلّم بأن اليمن لم يكن يمناً واحداً وإنما كان يمنين بدولتين وهويتين هما : اليمن الجنوبية واليمن الشمالية ، كما كان في الواقع ، وكما هو معروف لدى المنظمات الدولية ، سيدرك منذ البداية بأن الأمور ستصل بشكل حتمي إلى ما هي عليه الآن، لأن الحرب ألغت الوحدة في الواقع وفي النفوس وأسقطت شرعية ما تم الاتفاق عليه وخلقت واقعا جديدا لا علاقة له بما تم الاتفاق عليه".
ويبدو أن الرجوع إلى دعوة تيار إصلاح مسار الوحدة قد بدأ يخفت خلال الأيام القليلة الماضية وخاصة في المناطق الجنوبية من البلاد، وبدا أن تكريس دعوة الانفصال بدأت تكبر لدرجة أن السياسيين الجنوبيين المنتمين إلى تيارات وأحزاب سياسية جهوية وحدوية صاروا يلتقون مع أصحاب مشروع الانفصال أو على الاتفاق على تشخيص الأزمة في الجنوب .
من هنا بدأ بعض الأصوات يتعالى في الأوساط السياسية لرفع سقف الحوار لمواجهة التطورات التي تعتمل في الساحة السياسية اليوم، بما في ذلك العناصر التي بدأت ترفع شعارات مناهضة للوحدة. وفي هذا الصدد يقول الأمين العام للحزب الإشتراكي اليمني ياسين سعيد نعمان إن "أمام القوى السياسية والثقافية والفكرية مهمة فتح قنوات اتصال وحوار هادئ مع كل القوى الفاعلة في الحراك السلمي أياً كانت الشعارات المرفوعة دون مواقف مسبقة ، والتوجه معاً نحو جذر الأزمة الذي أنتج هذا الوضع والمتمثل في نظام سياسي فشل في إنشاء دولة الشراكة الوطنية في الحكم والثروة وتحقيق العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية".
أما رئيس الكتلة البرلمانية لحزب "التجمع اليمني للإصلاح" عبد الرحمن بافضل فإنه دعا الحزب الحاكم واللقاء المشترك إلى الحوار، محذراً مما أسماها "المماطلة والتسويف والتي قد تغرق اليمن في بحر من الأزمات" ، مؤكداً في السياق ذاته على ضرورة الإسراع إلى الانتقال إلى الحكم المحلي كامل الصلاحيات الذي يتبناه بعض الشخصيات السياسية في الحكم وخارجه.
ويرى عضو الدائرة السياسية لحزب "المؤتمر الشعبي العام" الحاكم عبدالله أحمد غانم، أن المشكلة لدى دعاة الانفصال " أنهم لم يستطيعوا التفريق بين الوطن ونظام الحكم ، فنظام الحكم يمكن أن نختلف حوله ونتحاور حول الاختلافات والتباينات تجاهه والوصول إلى قناعات مشتركة لما ينبغي أن يكون عليه ، لكن مشروعية الاختلاف حول نظام الحكم لا يعطي الحق لأي كان حول وطن توحد وإلى الأبد. فالوطن ووحدته لا يمكن مطلقا أن يكون مرتهنا بنزوات سياسية عابرة ، مرة هنا ومرة هناك ، وليس مرهونا بفساد شخص أو مجموعة أشخاص وليس مرهونا بمزاج شخص أو عدة أشخاص أو بحزب مهما كبر أعداد أعضائه".
خيارات مفتوحة
تبدو الساحة حبلى بالمشاريع السياسية التي تطرح بدائل مقبولة لتعديل النظام القائم ، تعديل ينسجم مع طروحات المطالبين بالإصلاحات السياسية الجذرية مع الاحتفاظ بخيار بقاء الوحدة كمكتسب سياسي واجتماعي لكافة اليمنيين .
ويرى بعض الأطراف السياسية أن الوحدة التي مضى عليها 19 عاماً يمكن الحفاظ عليها وصيانتها عن طريق إصلاح نظمها وقوانينها لتكون قادرة على الحياة والاستمرارية.
وعلى الرغم من أن مطالب الحراك السلمي في الجنوب تبدو مفزعة لقطاع واسع من اليمنيين، إلا أن الكثير من المراقبين يعتقدون أن سقف هذه المطالب يمكن أن ينخفض لو أن الدولة بادرت إلى تنفيذ إصلاحات سياسية عميقة في جسد الدولة الموحدة التي أصابها الوهن بسبب غياب الشراكة الحقيقية بين القوى السياسية الفاعلة في البلاد ، وخاصة تلك التي كان لها دور مهم في ميلاد دولة الوحدة، وإن كانت الشراكة لا تعني عودة السياسيين إلى الحكم، لكن في تفعيل القوانين التي تحوّل هذه الشراكة بين أبناء الوطن الواحد شمالاً وجنوباً إلى واقع ملموس.
ويشير عبد الكريم الإرياني ، مستشار الرئيس صالح، إلى أن إصلاحات دستورية قادمة يمكنها أن تقف في وجه الدعوات المنادية بالانفصال. ويؤكد في هذا الصدد أن "ثمة قوانين تعيق الحكم المحلي كامل الصلاحيات، وهذه يجب تعديلها خلال العامين المقبلين، وأقول الحكم المحلي الذي استخدمه الرئيس في عدن، لأنه أصبح هناك جدل بين حكم محلي واسع الصلاحيات وحكم محلي كامل الصلاحيات". كما يطرح الإرياني تعديلات دستورية ضرورية، هي موجودة في البرنامج الانتخابي للرئيس صالح الذي خاض به الانتخابات الرئاسية العام 2006. ويقول "هذه التعديلات مطلوبة من أجل تحقيق ما تم الاتفاق عليه مع الأحزاب الممثلة في مجلس النواب " .
أما ملتقى التشاور الوطني الذي عقد في العاصمة صنعاء بين يومي 21 و22 أيار (مايو) ، ويضم أحزاباً سياسية معارضة وشخصيات سياسية وقبلية مختلفة، فإنه يدعو إلى " ضرورة الشروع في إعادة صياغة عقد اجتماعي جديد يؤسّس لبناء مؤسسات هذه الدولة على أسس صحيحة تتوافر فيها ضمانات كافية لإقامة دولة مؤسسية حقيقية تعمل وفق مشروعية دستورية وقانونية ، ووفق مبدأ الفصل بين السلطات ، ويسمح نظامها بالتداول السلمي الفعلي للسلطة ، ويحول دون انفراد فرد أو أسرة بالسلطة ويجعل محاسبة الحكام أمراً ممكناً ، ويجسّد الشراكة الوطنية بصورة حقيقية بما فيها الشراكة العادلة في السلطة والثروة ، ويوفر أسساً واقعية لإقامة حكم لامركزي يجسد الشراكة الوطنية الحقيقية ويحترم الفرد ويجسد مبدأ المواطنة المتساوية ويضمن الحقوق والحريات".
ويبدو أن السلطة بدأت تميل إلى تطبيق مشروع الحكم اللامركزي الذي يتيح لمجالس المحافظات فرصة إدارة أمورها بنفسها، وتخفيف قبضة المركزية التي ستعمل على تخفيف منسوب الاحتقان، وهو مطلب سيمر عبر بوابة المؤتمرات الفرعية التي بدأت في مختلف محافظات البلاد ، حيث يرافقها حوارات جادة من قبل كافة ممثلي السلطة المحلية للخروج برؤية موحدة حيال الأزمة القائمة.


المصدر: جريدة المستقبل

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 156,031,352

عدد الزوار: 7,012,469

المتواجدون الآن: 61