إغتيال الحريري... من المحكمة إلى... المحاكمة

التحقيق الدولي يطيح «الجنرالات» على وقع استمرار الاغتيالات والذهاب إلى الأمم المتحدة «يزعزع» الحكومة في بيروت

تاريخ الإضافة الجمعة 1 تموز 2011 - 8:08 ص    عدد الزيارات 2580    التعليقات 0    القسم محلية

        


بيروت - من ليندا عازار
... من «السان جورج» إلى لايتشندام، اكثر من ست سنوات ستفصل بين دخول لبنان «قوس الخطر» من بوابة «البركان» الذي انفجر في 14 فبراير 2005 مع اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري، وبين انتصاب قوس العدالة الدولية وبدء المحاكمات في هذه الجريمة (متوقّعة في النصف الثاني من الـ 2011) التي لا تزال «حممها» تتطاير في أكثر من اتجاه منذرة بـ «حرائق» في السياسة والأمن.
... من الواجهة البحرية لمدينة بيروت، حيث هوى «دولة الشهيد» رفيق الحريري (وكان معه النائب باسل فليحان) في انفجار «مزلزل» وُضع معه لبنان على «خط الزلازل» الاقليمي ـ الدولي، إلى الضاحية الشمالية لمدينة لاهاي «القانونية الهوى» وعاصمة العدالة الدولية حيث يرتقب ان تبدأ الخريف المقبل المحاكمات في جريمة 14 فبراير 2005.
... من الساحل الشرقي للبحر المتوسّط وأمواجه التي لم تسترح منذ «المدّ الدموي» الذي بدأ مع محاولة اغتيال النائب مروان حماده في الاول من اكتوبر 2004 وصولاً إلى 25 يناير 2008 تاريخ تفجير الرائد في قوى الامن الداخلي وسام عيد، وما بينهما من اغتيالات ذهب ضحيتها ايضاً 8 شخصيات وقيادات سياسية وعسكرية وإعلامية، إلى جنوب غرب الساحل الهولندي على بحر الشمال حيث «رسا» ملف جرائم الاغتيال (التي يثبت ترابطها مع اغتيال الرئيس الحريري) منذ ان رفعت المحكمة ذات الطابع الدولي الخاصة بلبنان «أشرعتها» في الاول من مارس 2009 لتنطلق «سفينة الحقيقة» التي كانت أبحرت «شعاراً» من قلب «طوفان الناس» الذي غمر وسط العاصمة اللبنانية في 14 مارس 2005 التاريخ الذي دخل التاريخ تحت عنوان «ثورة الارز» او «انتفاضة الاستقلال» التي انفجرت بوجه سورية وحلفائها اللبنانيين.
... بين شعار «الحقيقة» في اغتيال الرئيس الحريري، وبين تَحوُّله حقيقة بعد نحو اربع سنوات (بدء عمل المحكمة) ودخوله الجولة «ما قبل الاخيرة» (عبر القرار الاتهامي) في رحلة الوصول إلى العدالة (مع المحاكمات المنتظرة)، «صولات وجولات» من «الكباش» السياسي الداخلي ومن لعبة «الرقص على حافة الهاوية» او في «قمّتها»، استحقّ معها لبنان الموضوع في «فم التنين» لقب «بلاد ما بين ناريْ» الواقع الاقليمي والدولي الذي «يغلي» في «عقر داره»، والوضع المحلي المصاب بـ «حمى الجوار» وبصراعٍ على السلطة بين فريقيْ 8 و 14 آذار يتخذ اللبوس السياسي ولكنه في واقع الحال ستار لـ «مصارعة» مذهبيّة بـ «قفازات»... متلوّنة.
نحو ستة أعوام من «الكرّ والفرّ»، اختصرها عنوان المحكمة الدولية الذي شقّ طريقه تباعاً، منذ وصول لجنة تقصي الحقائق الدولية بعد 11 يوماً على جريمة 14 فبراير 2005 و«توصيتها» بتشكيل لجنة تحقيقٍ دولية بدأت عملها في يونيو 2005، إلى قيام المحكمة ذات الطابع الدولي بالقرار 1757 الذي صدر تحت الفصل السابع في 30 مايو 2007، وما رافق هذه الولادة «القيصرية» وأعقبها من اهتزازت أمنية وسياسية لم يخرج معها لبنان من «فوهة البركان» الذي عاد ينذر بـ «فوران» جديد منذ ان خرجت إلى العلن أول المؤشرات «الإعلامية» إلى ان القرار الاتهامي سيوجّه «الإصبع» إلى عناصر من «حزب الله» باغتيال الرئيس الحريري، ما فتح «باب العواصف» مجدداً ووضع البلاد في قلب ازمة اختصرتها معادلة «رأس المحكمة» ورئاسة الحكومة، اي محاولة إسقاط المحكمة من المقلب اللبناني عبر سحب القضاة (للبنانيين) ووقف التمويل واسترداد البروتوكول الخاص بها، وقلب الطاولة داخلياً من خلال إقصاء زعيم «تيار المستقبل» و«الرأس» السياسي للطائفة السنية سعد الحريري عن رئاسة الوزراء، لتنتقل الأكثرية النيابية من ضفة إلى أخرى وتعود 14 آذار إلى «رحم» الانتفاضة وأمامها «المشوار» إلى الحقيقة والعدالة... فهل أصبح «حلم» الـ 2005 «حِمل» الـ 2011.

أول فصول حكاية التحقيق الدولي بدأ في 15 فبراير 2005، حين أصدر مجلس الامن آنذاك قراراً طلب فيه من الامين العام للأمم المتحدة (كوفي عنان) «متابعة الوضع في لبنان عن كثب ورفع تقرير عاجل حول مسببات هذا العمل الإرهابي (اغتيال الرئيس الحريري) وظروفه ونتائجه»، وسط غضبة عارمة، لبنانية من القوى المناهضة لسورية، ودولية وعربية «انفجرت» بوجه دمشق التي وُضعت منذ اولى لحظات جريمة 14 فبراير في «قفص الاتهام» السياسي الذي تُرجم في بيروت بشعار «نريد معرفة من قتل رفيق الحريري... نريد الحقيقة» الذي تصدّر «طلائع» ثورة الارز «جنباً إلى جنب» مع «ثلاثي» السيادة والحرية والاستقلال ومطلب انسحاب الجيش السوري من لبنان وإقالة «رؤوس النظام الأمني».
وفي 18 فبراير، وبالتزامن مع إطلاق القوى المناهضة لسورية في لبنان «انتفاضة الاستقلال» رسمياً مؤكدين «الاصرار على المطالبة بلجنة تحقيق دولية بإشراف الامم المتحدة لكشف مدبري جريمة اغتيال الرئيس الحريري ومنفذيها ومحاكمتهم»، اعلن الامين العام للمنظمة الدولية انه سيرسل بعثة تقصي حقائق إلى بيروت لجمع المعلومات اللازمة ورفع تقرير ضمن المهلة المحددة له.
وبعد تبادُل رسائل مع الرئيس اللبناني آنذاك اميل لحود، أُرسلت إلى بيروت البعثة في 25 فبراير 2005 برئاسة نائب رئيس الشرطة الايرلندية بيتر فيتزجيرالد وضمّت محققين ومستشاراً قانونياً ومستشاراً سياسياً، قبل ان يلحق بالبعثة في 6 مارس من العام نفسه وبالاتفاق مع السلطات اللبنانية خبراء بالمتفجرات والأسلحة الباليستية والحمض النووي وفحص مواقع الجرائم.
وفي النصف الثاني من مارس 2005، وفي أعقاب نحو شهر على عملها في غمرة التحولات السياسية الدراماتيكية التي شهدها لبنان ولا سيما محطة 14 مارس «المليونية» التي لم يسبق للبلاد ان شهدت مثيلاً لها في تاريخها، أصدرت بعثة تقصي الحقائق تقريرها الذي اشار إلى «أنَّ التحقيق اللبناني (باغتيال الحريري) يعاني عيوباً خطيرة ولا يملك القدرة ولا الالتزام الضرورييْن للتوصل إلى نتيجة مرضية وذات صدقية»، لافتاً إلى «أنَّ من الضروري تأليف لجنة دولية مستقلة، ذات سلطة تنفيذية ومؤهلات ذاتية في كل حقول الخبرة ذات الصلة، وذلك بهدف تركيز الضوء على كل أوجه هذه الجريمة».
وبعد موافقة الحكومة اللبنانية على قرار لمجلس الأمن الدولي بضرورة تشكيل لجنة تحقيق دولية وإعرابها عن الاستعداد للتعاون الكامل مع لجنة مماثلة ضمن نطاق السيادة اللبنانية ونظامها القانوني، أصدر مجلس الأمن القرار 1595 في السابع من أبريل 2005 القاضي بتأليف لجنة تحقيق دولية مستقلة، مقرها لبنان، «لمساعدة السلطات اللبنانية في تحقيقها في كل أوجه «العمل الارهابي»، بما في ذلك المساعدة في كشف المرتكبين والداعمين والمنظمين والشركاء».
وأشار القرار إلى «أنَّ من الضروري أن تحظى اللجنة بالتعاون الكامل من جانب السلطات اللبنانية، بما في ذلك الوصول إلى كل المعلومات والأدلة من وثائق وإفادات ومعلومات حسية متوافرة في حوزتها وتعتبرها اللجنة ذات صلة بالتحقيق»، لافتاً إلى «أنَّ لجنة التحقيق تملك سلطة جمع أي معلومات وأدلة اضافية، من وثائق ومعلومات وادلة حسية ومقابلة كل المسؤولين والاشخاص الآخرين في لبنان وتتمتع بحرية التنقل على كامل الاراضي اللبنانية، بما في ذلك الوصول إلى كل الاماكن والمنشآت التي تعتبر أنها ذات صلة بالتحقيق».
الاعتكاف
وترافق انطلاق عمل اللجنة الدولية رسمياً في 16 يونيو 2005 (ترأسها المحقق ديتليف ميليس) مع تغييرات في المشهد السياسي اللبناني الذي كان «انفجر» مع موكب الرئيس الحريري، بعدما أطاح اول غيث «انتفاضة الاستقلال» الحكومة التي كان يترأسها عمر كرامي الذي استقال في 28 فبراير 2005 ليكلَّف نجيب ميقاتي رئاسة «حكومة الانتخابات» في 19 ابريل من العام نفسه، وينسحب الجيش السوري في 26 أبريل 2005 وتنطلق الانتخابات النيابية في 29 مايو على اربع مراحل في ظل «التحالف الرباعي» (تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي و«حزب الله» وحركة «امل»)، وتنبثق من هذه الانتخابات حكومة برئاسة فؤاد السنيورة في 19 يوليو من العام نفسه.
ولكن مشهد «التلاقي» الذي أفرزته الانتخابات النيابية، سرعان ما دخل في نفق أفضى بعدها إلى «الطلاق» على خلفية ملف التحقيق الدولي الذي أطاح في نهاية اغسطس 2005 بـ «الجنرالات الاربعة» اللواء جميل السيد واللواء علي الحاج والعميد ريمون عازار والعميد مصطفى حمدان الذين اوقفوا بناء على توصية من ميليس في جريمة الرئيس الحريري، وكانوا يُعتبرون «رؤوس» النظام الامني اللبناني - السوري. علماً ان العنصر الأمني كان أطلّ بـ «رأسه» مجدداً خلال الاستحقاق النيابي مواكِباً بدء عمل لجنة التحقيق الدولية، حيث اغتيل الصحافي سمير قصير (في 2 يونيو 2005) والأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي (في 21 يونيو من العام نفسه)، واستُكملت «حلقات الموت» بعد الانتخابات اذ تعرّض وزير الدفاع الياس المر والصحافية مي شدياق لمحاولتيْ اغتيال في 12 يوليو و 25 سبتمبر 2005، ليُختتم «عام الاغتيالات» بتفجير النائب والصحافي جبران تويني (في 12 ديسمبر 2005)، وهي الجريمة التي فتحَت أزمة وزارية إذ قرر وزراء الطائفة الشيعية الاعتكاف عن حضور جلسات الحكومة، بعد إصرارها على استعجال طلب تأليف محكمة ذات طابع دولي من الأمم المتحدة لمحاكمة قتلة الحريري، وسط اتهام فريق « 8 مارس» الأكثرية بالتفرُّد في الحكم. ومن هنا بدأ مطلب «الثلث المعطّل» (الثلث زائد واحد) يُطرح تحت مسمى «المشاركة الفعلية في القرار».
ورفعت الحكومة اللبنانية، في رسالة وجهتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي انان في 13 ديسمبر 2005 طلباً إلى مجلس الأمن بمحاكمة مَن تُوجه اليهم التهم أمام محكمة ذات طابع دولي وتوسيع نطاق عمل لجنة التحقيق لتشمل كل الجرائم التي وقعت منذ محاولة اغتيال النائب مروان حماده (في 1 اكتوبر 2004)، الأمر الذي تلقفه مجلس الأمن الدولي عبر القرار الرقم 1644 في 15 ديسمبر 2005 الذي مدد عمل لجنة التحقيق حتى يونيو 2006 وأجاز للجنة تقديم مساعدة تقنية إلى السلطات اللبنانية في التحقيقات في سائر جرائم الاغتيال ابتداء من الاول من اكتوبر 2004. كما اورد القرار انه اخذ علماً بطلب الحكومة اللبنانية محاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس الحريري امام محكمة ذات طابع دولي، واناط بالامين العام للامم المتحدة آنذاك التشاور مع الحكومة اللبنانية حول المطلبين الاخيرين ورفع توصيات في شأنهما إلى مجلس الامن في الوقت المناسب.
وشدد الـ 1644، الذي شكّل الخطوة الأولى على طريق إنشاء «المحكمة الخاصة بلبنان»، على واجب سورية «ان تتعاون في شكل كامل ومن دون شروط مع اللجنة وطالبها بالتجاوب، على نحو لا لبس فيه، في المجالات التي يلتمس رئيس اللجنة التعاون فيها وأن تنفذ من دون تأخير أي طلبات تصدر عن اللجنة في المستقبل، طالباً منها تقديم تقرير عن التقدم المحرز في التحقيق كل ثلاثة أشهر».
وبالعودة إلى اعتكاف الوزراء الشيعة، فقد استمر سبعة أسابيع اتهمت خلالها قوى الرابع عشر من مارس دمشق بالوقوف وراء هذه الخطوة لمنع الأكثرية من الحكم من جهة ولتعطيل اي اتجاه لتشكيل محكمة دولية من جهة أخرى. وفي بداية فبراير 2006، انتهت مرحلة الاعتكاف، اذ قرر الوزراء الشيعة العودة إلى الحكومة بالتزامن مع إطلاق رئيس البرلمان نبيه بري مبادرة سياسية تقضي بوقف الاعتكاف وعقد جلسات حوار وطني ابتداء من اول مارس من العام نفسه لمناقشة القضايا السياسية الأساسية المطروحة، وأهمها أزمة رئاسة الجمهورية وموضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وسلاح «حزب الله» وتصحيح العلاقات اللبنانية ـ السورية عبر إقامة علاقات ديبلوماسية بين بيروت ودمشق.
وبعيْد انطلاق الحوار الذي ترأسه بري، والذي أقرّ بالإجماع وكـ «بند اول» موضوع إنشاء محكمة دولية لكشف قتلة الرئيس رفيق الحريري وبحضور الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، أصدر مجلس الأمن بتاريخ 20 مارس 2006 القرار الرقم 1664 الذي تضمّن طلباً إلى الأمين العام للأمم المتحدة للتفاوض مع حكومة لبنان على اتفاق يرمي إلى «إنشاء محكمة ذات طابع دولي لمحاكمة جميع من تثبت مسؤوليتهم عن التفجير الإرهابي الذي أدى إلى مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وآخرين استناداً لأعلى المعايير الدولية في مجال العدل الجنائي».
وقد تابعت الأمانة العامة للمنظمة الدولية مع الوفد القضائي اللبناني المفاوضات لهذا الغرض في نيويورك كما في بيروت حتى سبتمبر 2006. وبنتيجة هذه المفاوضات وُضعت عدة مسودات عُدلت تباعاً وآخرها مشروع الاتفاقية لإنشاء المحكمة الخاصة ونظامها الأساسي الذي أحاله الأمين العام بتاريخ 10 نوفمبر 2006 إلى رئيس الوزراء اللبناني آنذاك فؤاد السنيورة والذي أفضى إلى استقالة الوزراء الشيعة من الحكومة بذريعة عدم إعطائهم الوقت الكافي لإبداء ملاحظاتهم على المشروع.
وجاءت مرحلة «الانفجار»، بعد اشهر من «الغليان» الذي أفرزته «حرب الـ 33 يوماً» الاسرائيلية على لبنان في يوليو 2006 والتي تركت «ندوباً» عميقة في الحياة السياسية في البلاد اذ خرجت من «ملعب النار» إلى «حريق» سياسي تصاعد من «دخان» الاتهامات «بالعمالة» التي وُجهت إلى قوى 14 مارس التي ذهب الرئيس السوري بشار الأسد بعد اعلان «حزب الله» «الانتصار «الالهي» إلى حد وصفها بانها «منتج اسرائيلي».
كما لاحت مؤشرات «الصِدام» مع إبداء رئيس الجمهورية آنذاك اميل لحود اواخر اكتوبر 2006 ملاحظاته على مسودة الاتفاق بين الامم المتحدة والجمهورية اللبنانية في شأن تأسيس المحكمة الخاصة للبنان وعلى مشروع نظام المحكمة المؤرّخين في 18/ 10/ 2006، وهي الملاحظات التي اعتُبرت من 14 اذار «أطروحة مثيرة للريبة والشك ورفضا للمحكمة الدولية وتنفيذاً لأوامر اقليمية قلقة»، و«هرطقة تثبت بما لا يدع مجالا للشك عدم أهلية لحود في الموقع الذي يحتله»، مكررة الدعوة إلى استقالته.
وتحت وطأة تصاعُد التوتر، لجأ بري في مطلع نوفمبر 2006 مجدداً إلى «ديبلوماسية الطاولة» فدعا إلى جلسات للتشاور من أجل حسم الأزمة السياسية. إلا أنَّ التشاور، الذي امتدّ أربع جلسات، لم يُحرز أي تقدم بعد رفض قوى الأكثرية إعطاء المعارضة «الثلث المعطل» (الثلث زائد واحد) الذي اعتبرته «14 آذار» سلاحاً تريده «8 آذار» لقطع الطريق أمام إقرار نظام المحكمة ذات الطابع الدولي.
وبعد ساعات قليلة من إعلان فشل التشاور الذي تزامن مع تسلُّم الحكومة مسودة انشاء المحكمة الدولية، قدّم الوزراء الشيعة الخمسة في الحكومة استقالتهم في 11 نوفمبر 2006 وتبعهم الوزير المسيحي يعقوب الصراف القريب من الرئيس إميل لحود، وذلك قبل 48 ساعة من عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء لمناقشة واقرار مسودة مشروع المحكمة ذات الطابع الدولي (وضعه رئيس كتلة المستقبل آنذاك سعد الحريري على ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعيد استقالة الوزراء)، وهي جلسة كان رئيس الجمهورية آنذاك قرر مقاطعتها.
وأعلنت حركة «أمل» و«حزب الله» في «بيان الاستقالة»: «ان حركة امل وحزب الله اللذين تجاوبا مع دعوة الرئيس بري للتشاور بأعلى درجات الانفتاح والايجابية للوصول إلى تفاهم حول الالية التي تؤمن المشاركة الحقيقية وتساعد على حل ازمات البلد ومشاكله ويؤكدان ما أعلناه خلال جلسات التشاور من التزام بمقررات طاولة الحوار الوطني وما اجمع عليه المتحاورون لاسيما ما يتعلق بالمحكمة الدولية والموافقة المبدئية عليها. اننا امام اصرار البعض من قوى الاكثرية على وضع شروط ونتائج مسبقة للتشاور ورفضٍ مبدئي لصيغة المشاركة الفاعلة في حكومة وحدة وطنية ضامنة للجميع، ومع تأكيدنا الذي اعلناه في جلسات التشاور والذي عبر عنه دولة الرئيس بري باسم المتشاورين بان لا اسقاط للحكومة ولا تغيير او تبديل لرئيسها ولا بيان وزارياً جديداً او ثقة جديدة. اننا وافساحاً في المجال امام الاكثرية لممارسة ما تريد بحرية ودون ان نغطي ما لا نقتنع به والذي نرى فيه ضرراً على مستوى المصلحة الوطنية العليا وانطلاقاً من حرصنا على النظام الديموقراطي وحق كل الاطراف في التعبير عن موقفها وفقا للدستور والنظام ومع حرصنا الاكيد على الاستقرار والسلم الاهليين ومصالح جميع اللبنانيين التواقين إلى حياة سياسية افضل والى ما يضمن مستقبلهم وحياتهم، ومع الاصرار على ان تأخذ اللعبة الديموقراطية مداها الطبيعي فاننا نعلن : «استقالة ممثلينا من الوزراء في الحكومة الحالية، متمنين للاطراف المشاركة فيها كل الخير لما فيه مصلحة لبنان».
وقد فتحت استقالة الوزراء الشيعة جدلاً دستورياً حاداً حول شرعية الحكومة و«ميثاقيّتها» بعد انسحاب وزراء طائفة بكاملها منها، من دون ان يقفل باب الاتهام من فريق «ثورة الأرز» لسورية باستمرار السعي لـ «تفخيخ» طريق العدالة والعودة إلى الإمساك بزمام الأمور في لبنان.
ومع «تدشين» مرحلة ما وصفته «8 آذار» بالحكومة «الفاقدة الشرعية» و«المناقضة لميثاق العيش المشترك»، وعلى وقع رفض ملاحظات لحود، وغداة إبلاغ الأخير الرئيس السنيورة أن حكومته أصبحت فاقدة للشرعية والدستورية «وغير مؤهلة لاتخاذ قرار بالموافقة على مثل هذه المعاهدات الدولية التي تعتبر من المواضيع الأساسية والمهمة (اتفاقية المحكمة)»، وافقت الحكومة في جلستها المنعقدة بتاريخ 13 نوفمبر 2006 على مشروعيْ الاتفاق ونظام المحكمة الأساسي، وتم إبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة بذلك في اليوم نفسه.
وفي 14 نوفمبر 2006، وجّه الرئيس لحود رسالة إلى كوفي انان تضمّنت شرحاً «لوضع الحكومة غير الدستوري وللمخالفات الدستورية التي ارتكبتها هذه الحكومة»، وأعلمه بأن القرار بالموافقة على مشاريع وثائق الاتفاق الدولي «لا تلزم الدولة اللبنانية»، وأرفق كتابه بملاحظاته القانونية على المشاريع المذكورة.
وبتاريخ 15نوفمبر 2006 رفع الأمين العام تقريره حول إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان إلى مجلس الأمن وضم إليه رسالة الحكومة اللبنانية بالموافقة على مشاريع وثائق الاتفاقية ورسالة رئيس الجمهورية المشار إليها أعلاه مع مرفقاتها. وجرت المناقشة في مجلس الأمن الذي اطلع على كافة وثائق الملف، فوجَّه رئيس المجلس بتاريخ 21/ 11/ 2006 كتاباً إلى الأمين العام أبلغ اليه فيه بترحيب أعضاء المجلس بالاتفاقية التي توصلت إليها الأمم المتحدة مع الحكومة اللبنانية ونظام المحكمة الأساسي، ودعاه إلى الشروع مع حكومة لبنان وطبقاً للدستور اللبناني بالخطوات النهائية لعقد الاتفاق.
وكان وكيل الأمين العام للشؤون القانونية نيقولا ميشال قد أدلى أمام مجلس الأمن في جلسة المشاورات التي عقدت في 20/ 11/ 2006 بأن قرار الحكومة اللبنانية بدعم مشروع الاتفاق ومشروع النظام الأساسي لا يكفي باعتبار ان العملية الدستورية اللبنانية الهادفة إلى إبرام الاتفاق مع الأمم المتحدة لم تكتمل ولا تزال بحاجة إلى اتخاذ خطوات فيما يخص منح الحكومة موافقتها الرسمية على الاتفاق «وهي خطوة تمهيدية ضرورية لتوقيع المعاهدة وتقديمها إلى البرلمان ليقرها، وأخيراً لعملية التصديق نفسها».
وغداة تقدُّم مسار تشكيل المحكمة على مستوى مجلس الامن، عاد مسلسل الاغتيالات، وشكّل مقتل وزير الصناعة بيار الجميل في 21 نوفمبر 2006 صدمة قوية، سواء لناحية توقيته أو لناحية تنفيذ الجريمة في وضح النهار من مسلحين أمطروا الجميّل بالرصاص وكان يستقلّ سيارته «المموّهة» في احدى ضواحي بيروت الشمالية.
وفي تلك المرحلة، كثرت التفسيرات حول اغتيال الجميل، فالمعارضة قالت إن هذه العملية تضر بها، فيما اشارت «14 آذار» إلى أن الهدف هو تعطيل نصاب الحكومة مع استقالة ستة وزراء وقتل وزير فتصبح مستقيلة حكماً بفقدان أكثر من ثلث أعضائها.
وفي 25 نوفمبر، دعا السنيورة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء قاطعها رئيس الجمهورية آنذاك «لعدم شرعية الحكومة»، وعرض فيها رئيس الحكومة على المجلس المعاهدة المتعلّقة بالمحكمة لإبرامها، وفوَّض وزير العدل أو من يكلِّفه توقيع المعاهدة.
واستمر جو الأخذ والردّ حتى اطلاق المعارضة تحركها في الشارع، في الأول من ديسمبر 2006 وتدشين اعتصام مفتوح في ساحات وسط بيروت ومحاصرة القصر الحكومي


المصدر: جريدة الرأي العام الكويتية

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,505,284

عدد الزوار: 6,953,236

المتواجدون الآن: 74