تركيا و«الإخوان المسلمون»: رهان غير مضمون النتائج!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 25 أيلول 2012 - 7:23 ص    عدد الزيارات 802    التعليقات 0

        

تركيا و«الإخوان المسلمون»: رهان غير مضمون النتائج!

مصطفى اللباد

ننشغل للمرة الثالثة على التوالي بموضوع تركيا و«الربيع العربي»، وذلك لأهميته الفائقة في سياق التحولات الجارية في المنطقة، ومحاولة كل الأطراف الإقليمية تعزيز حضورها السياسي والثقافي والاقتصادي والعسكري تحت عباءة ذلك «الربيع العربي». في هذا السياق الملتبس تختلط مصالح حزبية وأيديولوجية مع مصالح دول، وهو ما يصب في أنماط جديدة للتحالفات الإقليمية. وبدورها تستظل الأخيرة باصطفافات دولية، فتفيض معانيها أبعد بكثير عن حدودها السياسية. ومن شأن كل ذلك أن يسهم في تشكيل خريطة جديدة للشرق الأوسط، ويستمر صاعداً ليطال توازنات القوى الكبرى حيال بعضها البعض في النظام الدولي. على هذه الأرضية ينهض موضوع تركيا و«الربيع العربي» وكيلاً عن صراعات أيديولوجية محلية وتوازنات إقليمية جديدة لها امتدادها الدولي، وبالتالي يستحق الموضوع مساحة المقالات الثلاث وأكثر.

ابتدأ السجال في الموضوع مع مقالتنا (هل ربحت تركيا معركة «الربيع العربي»؟ «السفير» 10/9/2012)، حيث أبرزت المقالة الأسـباب التي تدعو إلى التدبر والتفكير في ما تردده وسائل الإعلام العربية والتركية والغربية من بديهية انتصار تركيا في معركة «الربيع العربي»، وصولاً حتى إلى طرح تساؤلات حول الموضوع باستخدام المقايسة بين صورة تركيا في الشارع العربي قبل «الربيع العربي» وبعده، ومن ثم الخروج بخلاصات لا تصب في حتمية فوز تركيا في المعركة. وكان أن وصلتني حصيلة من الرسائل جلها مؤيدة لما كتبت، عدا ردين من شخصيتين هامتين في مطبخ السياسة التركية الشرق أوسطية، تختلفان مع المقال، فأوردت الردين كاملين (قراءة مختلفة: بلى ربحت تركيا معركة «الربيع العربي» «السفير» 10/9/2012) بدون أي تدخل لا في الشكل ولا في المضمون؛ حرصاً على تعميم الفائدة من هذا النقاش الهام، وإن أحجمت عن ذكر اسميهما لأسباب مفهومة.

تمحور الرد الأول على تمسك بانتصار تركيا في موقعة «الربيع العربي»، وعلى مطالبتي بإبراز الدلائل على انحياز تركيا لجماعة «الإخوان المسلمين»، وأورد في النهاية إشارة إلى تعاون تركيا الوثيق مع دول الخليج في العديد من المسائل ومنها سوريا. وبالمقابل فقد ركز الرد الثاني على ثلاث نقاط رئيسية: الأولى نفي الانحياز لجماعة «الإخوان المسلمين» والمطالبة بالدليل على ذلك، والثانية أن العرب منحازون إلى صورة تركيا الجديدة التي يمثلها حزب «العدالة والتنمية» وليس إلى الصورة القديمة، والثالثة أن تركيا ليست طرفاً خارجياً وأنها تؤثر في وتتأثر بـ«الربيع العربي». تشير النقطة الثانية بذكاء إلى «تركيا الجديدة»، في محاولة لاستــبدال الإطار المرجعي لموضوع المساجلة بحيث لا تعود تركــيا و«الربيع العربي» كما كان. النقطة الثالثة ديبلوماسية للغاية، لأنها تقر بتأثير متبادل بين «الربيع العربي» و«تركيا الجديدة»، ثم تعود لتصب مرة أخرى في مقولة أن تركيا ليست طرفا خارجيا، وأن تحليل المقال الأساسي يستبطن فكرة أن تركيا طرف خارجي. تقتضي الأمانة هنا الاعتراف بأن هذا الجزء من الرد أصاب الحقيقة، إذ كنا وما زلنا نعتقد أن الدول العربية معنية أولاً بتقرير مصيرها وتحديد مستقبلها، وثانياً أن المنطقة بغالبيتها الواضحة جغرافياً وديموغرافياً ما زالت رغم كل شيء عربية.

لم يستطع الردان الإجابة عن تساؤلات مهمة في المقال الأساسي: أول التساؤلات أن التيارات الإسلامية، خصوصاً السلفية منها، استخدمت تركيا كحجة رئيسية في مساجلاتها السياسية مع النظم الديكتاتورية الحاكمة قبل «الربيع العربي»، فيما لم تعد ترى في تركيا نموذجاً يحتذى بعد تمكنها من السلطة في أعقاب «الربيع العربي»، أي أن تركيا تحولت إلى محض حجة ثانوية. ويترتب على ذلك نتيجة جيو-سياسية هامة مفادها أن التحالفات الممكنة لهذه القوى ستكون عند مربط خيلها الفكرية والسياسية، أي صحراء شبه الجزيرة العربية وليس تركيا. أما ثاني الحجج التي احتوى عليها المقال الأساسي للتدليل على التغير السلبي في صورة تركيا ولم يتطرق لها الردان، فكانت أن التيارات الليبرالية والقومية واليسارية لم تعد ترى تركيا بالكيفية التي رأتها بها قبل «الربيع العربي»، بسبب تحالف تركيا مع التيار الإسلامي، وكلا الردين يتجاوز هذه النتائج الهامة إلى مطالبتي بإظهار الدليل على انحياز تركيا إلى «الإخوان المسلمين» تحديداً، وهو ما سيأتي لاحقاً. أما ثالث النتائج فكان توسيع الفجوة الداخلية التركية (الأكراد)، بعد محاولة النظام السوري، الموغل في دم شعبه، معاقبة تركيا على مواقفها السورية بعد «الربيع العربي». وترتب على ذلك أن ظهرت تركيا بمظهر «القوة السنية» في المنطقة؛ وليس الدولة المدنية العصرية المنفــتحة على كل القوى في المنطقة، في انزياح واضح لصورة تركيا بعد «الربيع العربي». بعبارة أخرى، لم تعد تركيا تملك ذات الأفضلية المعـنوية في صراعات المنطقة الطائفية كما كان الحال قبل «الربيع العـربي»، وزاد الأمر تفــاقماً أن الدول العربية الخليجية تريد من تركيا قبل أي شيء أن تكون موازناً لإيران وامتداداتها، ولأجل ذلك الغرض ربما اضطرت تركــيا إلى الانخراط في الموضوع السوري بالأدوات الطائفـية المعـلومة في مواجهة آخـرين بأدوات طائفية مغايرة، وهو أمر غريب على صورة تركيا قبل «الربيع العربي».

يعفي السياق العام للوضع الجيو-سياسي الراهن من تقديم براهين محددة أو «إظهار دليل واحد على الانحياز التركي للإخوان المسلمين»، حيث يتمثل هذا السياق في تنسيق أميركي - إقليمي لتثبيت «الإخوان المسلمين» في السلطة بالتوازي مع اجتراح محاولات للاحتواء في الوقت نفسه. في هذا الإطار لم يأت أي من الردين على التنسيق والتعاون التركي - القطري الذي ورد في المقال الأساسي! وبالرغم من وضوح السياق الدولي - الإقليمي ذاته الذي قد يغني عن أي دلائل إضافية، أورد خمسة دلائل هامة، وليس واحداً فقط، جرياً على منطق المساجلة:

1- تتوالى الوفود الإسلامية على تركيا منذ «الربيـع العربي» لنقل التجربة التركية إلى الأحزاب الإسلامية، وتستضيف مراكز الأبحاث والجمعيات والمؤسسات الحزبية والمدنية الـتركية كوادر «الإخوان المسـلمين» من مصر و«حركة النهضة» من تونس وحزب «العـدالة والتنمية» من المغرب، (كلها ذات جذور إخوانية) لتدريب كوادر هــذه الأحزاب والحركات على استلام السلطة في بلادهم والسيطرة على المؤسسات. آخر هذه الزيارات كان منتصف شهر أيلول/سبتمبر الجاري، وذاع خبرها على أثر المشكلة البروتوكولية التي ظهرت بعد امتناع شباب السلفيين و«الإخوان المسلمين» المصريين عن زيارة قبر أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية، في زيارة وصفت في الإعلام المصري بأنها «لتحقيق التواصل السياسي والفكري والثقافي بين الأحزاب الإسلامية المصرية ونظيرتها التركية».

2- توقيع اتفاق توأمة بين حزب «العدالة والتنمية» التركي وحزب «الحرية والعدالة» الإخواني في العام الماضي وبالتحديد في مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول 2011 أي قبل الانتخـابات البرلمانية المــصرية التي فاز الإسلاميون بها. ومن المعلوم والمفهوم أن اتفاق التوأمة يغني عن الاستطراد في التدليل على الانحياز لفصيل سياسي بعينه في مواجهة باقي الفصائل.

3- كانت زيارة أردوغان إلى مصر في أيلول 2011 دالة على حجم التنسيق الإخواني - التركي، إذ كان على رأس مستقبلي أردوغان وفد من جماعة «الإخوان المسلمين» شكله المرشد شخصياً في انفراد من حزب سياسي بالتنظيم. ولأن الزيارة كانت في المرحلة الانتقالية، أي قبل إجراء الانتـخابات البرلمانية والرئاسية، فقد كان «الإخوان المسلمون» تيارا سياسيا من ضمن تيارات، وليسوا أغلبية بأية حال، ولم يكن لهم وزير واحد في التشكيلة الوزارية المصرية حينذاك. وبالتوازي مع احــتكار الإخوان المسلمين لاستقبال أردوغان في المطار، فقد احتـــشد شباب الجماعــة في المطار رافعين شعارات «مصر وتركيا خلافة إسلامــية»، «أردوغان يا أردوغان ألف تحية من الإخوان»، وكل هذه مسائل يمكن التثبت منها بعملية بحث بسيطة على الانترنت. وبالتوازي مع استقــبال المطار وحــشد الشباب الإخواني، فقد انتشرت صور ضخمة لرئيس الوزراء على أعمدة الإنارة ولافتات الإعلانات الضخمة في شوارع القــاهرة وعلى جسورها، بتنسيق وتدبير من «الإخوان المسلمين». أما «الكتائب الإلكــترونية» الشهيرة للإخوان المسلمين على مواقع التواصل الاجتماعي (الفايسبوك)، فقد أنشأت العديد من الصفحات لتنسيق حملة استقباله، وكل ذلك يمكن التثبت منه بسهولة كبيرة.

4- قامت شركة تركية مقربة من حزب «العــدالة والتنمية» التركي بمساعدة حــزب «الحــرية والعدالة» الذراع السياسية للإخوان المســلمين في الانتخابات البرلمانية، وذلك عبر تقديم الاستشارات والخبرات الإعلاميــة، وعــاد الأمــر ذاته ليتكرر مع المرشح الإخواني وقتها محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية المصرية، وفق مصادر صحافية تركية مطلعة.

5- يهيمن «الإخوان المسلمون» على التــعاون الاقتــصادي بين مصر وتركيا، فالجمعية المصرية لتنمية الأعمال تهيمن على هذا التعاون وتضم أبرز رموز «الإخــوان المسلمين»، إذ يرأس هذه الجمعية حسن مالك (المستشار الاقتصــادي لحزب «الحرية والعدالة» الإخواني ومنذ سنوات طويلة وكيل شركة الأثاث التركية الشهيرة والقريبة من حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا). أما نائب رئيس الجمعية فهو القيادي الإخواني عصام الحداد (مستشار محمد مرسي للشؤون الخارجية).

راهنت تركيا على صعود «الإخوان المسلمين» في المنطقة باعتباره رافعة أساسية لأدوارها الإقليمية، ووسيلة ممتازة لتجسير الفجوة القومية بينها وبين الدول العربية وصولاً إلى إعادة تشكيل المنطقة على قياسها وقيافتها وتحت عباءة «الإسلام المعتدل» العابر للقوميات. وبالمقابل استعمل «الإخوان المسلمون» الجسر التركي إلى الغرب في الحصول على الاعتراف الدولي بسلطتهم بعد «الربيع العربي». إلى هنا يبدو الأمر رهاناً مشروعاً من طرفين سياسيين، ولكن محاولة إنكار الانحياز التركي للتيار الإسلامي تعكس محاولة لا يمكنها الصمود أمام السياق العام والقرائن المحددة. وفي النهاية لم يكن موضوع المساجلة صوابية أو عدم صوابية السياسة التركية حيال «الإخوان المسلمين»، فهذا أمر تقرره تركيا وحكومتها المنتخبة لنفسها، وإنما طرح تساؤلات عن نتيجة الرهان؛ بالنظر إلى الأثمان التي دفعتها تركيا من صورتها في المنطقة، وهي نتيجة ليست مضمونة بأية حال!

 

رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية - القاهرة.

Iran: Death of a President….....

 الأربعاء 22 أيار 2024 - 11:01 ص

Iran: Death of a President…..... A helicopter crash on 19 May killed Iranian President Ebrahim Ra… تتمة »

عدد الزيارات: 158,174,912

عدد الزوار: 7,093,389

المتواجدون الآن: 141