مصـر وتركيـا: نحـو تحـالـف استـراتيجـي جـديـد؟(3)

تاريخ الإضافة الإثنين 19 آذار 2012 - 7:32 ص    عدد الزيارات 1111    التعليقات 0

        

 

مصـر وتركيـا: نحـو تحـالـف استـراتيجـي جـديـد؟(3)
مصطفى اللباد
سيناريو التعاون والتنسيق
يعني سيناريو التعاون والتنسيق رفع العلاقات المصرية - التركية إلى درجة أعلى من عصر مبارك، ولكن في الوقت نفسه أقل من درجة التحالف الاستراتيجي بين البلدين الكبيرين. وفي ضوء الرغبة التركية المعلنة بقيام تحالف استراتيجي بين البلدين، يجد هذا السيناريو أعلى درجات احتماله في حال تحجيم مشاركة «الإخوان المسلمين» في السلطة السياسية المقبلة، أو تصاعد الاختلافات الداخلية المصرية بينهم وبين المؤسسة العسكرية والتيارات السياسية المختلفة. وفق هذا السيناريو يتوقع أن تنعكس الاختلافات بين البلدين إلى حذر مصري يتأطر بأكبر اجتهاد ممكن للوصول إلى الضوابط المحققة لأكبر استفادة ممكنة من العلاقات المصرية - التركية، وفي الوقت نفسه منع العلاقات الثنائية من التدهور. وهذه الضوابط ربما تكون التالية:
1- تبديل الإطار الذي تتحرك فيه العلاقات الاقتصادية راهناً: من الصعب أن يؤدي ازدياد معدلات التبادل التجاري بين مصر وتركيا على النسق الراهن إلى تحقيق ميزات مصرية ممكنة، بل سيعكس في الأغلب - كما جرى حتى الآن - التفوق الاقتصادي التركي على نظيره المصري. من هنا فإن بقاء الوضع الراهن لهذه العلاقات الاقتصادية (تبادل كلاسيكي قصير الأجل للسلع والخدمات بين الطرفين مع إعفاءات ضريبية وحوافز للمستثمرين)، سيسبب توسعاً في إمكانات الاقتصاد التركي حسب حاجاته، من دون الوصول إلى أقصى استفادة مصرية ممكنة. ويتطلب ذلك من الجانب المصري بلورة تصور متكامل سياسي - اقتصادي - قانوني، بغرض تبديل الإطار الذي تتحرك فيه العلاقات المصرية - التركية راهناً، وبالتالي تغيير الآليات العاجزة عن بلوغ الممكن نظرياً من هذه العلاقات، وصولاً إلى الارتقاء بها لآفاق أوسع على قاعدة التناسب في المغانم بين الأطراف.
2ـ امتلاك تصور لتحويل الأخطار إلى فرص: يتوجّب على تخطيط السياسة الإقليمية المصرية تحويل الأخطار المتولدة عن اندفاعة تركيا في الإقليم إلى فرص. كانت السنوات الخمس الأخيرة فادحة على مصر التي تراجع وزنها الإقليمي بعلاقة عكسية مع صعود تركيا الإقليمي، وبالتالي لا يكفي تغيّر رأس النظام في مصر لتعديل التوازن في العلاقات المصرية - التركية، وإنما اجتراح تصور يعمل الخيال السياسي لفك الارتباط في هذه العلاقة العكسية، بحيث يجعل تركيا إضافة للرقم المصري في المعادلة الشرق أوسطية وليس خصماً منه بالضرورة.
3ـ أهمية «المنطقة الاقتصادية الخالصة» بين مصر وتركيا على البحر الأبيض المتوسط: تعدّ «المنطقة الاقتصادية الخالصة» أولوية مصرية فائقة الأهمية يمكنها - في حال اتخاذ القرار السياسي - أن تصبح ورقة مصرية هامة لتحفيز تركيا على المشاركة الفعالة في تحديث الاقتصاد المصري.
4ـ تفعيل آلية الحوار الاستراتيجي القائم - على الورق - بين الطرفين، لطرح وجهة النظر المصرية وضبط إيقاع العلاقات على قياس الأهداف المصرية كلما أمكن.
سيناريو التصادم
يصعب تصور حدوث سيناريو تصادمي للعلاقات المصرية - التركية، لصعوبة تكرار تجربة الخمسينيات والستينيات مرة أخرى، فالتوجهات العامة للسياستين المصرية والتركية لا تتشابه مع تلك الفترة بأية حال، كما أن القاهرة لا تملك - حالياً - الأيديولوجيا القادرة على منافسة تركيا. بدوره سيصعب انضواء البلدين في التحالف الدولي ذاته من ظهور السيناريو المتشائم؛ لأن هذا التحالف سيسارع إلى تطويق التدهور في العلاقات - إن حدث - على خلفية المصالح الدولية في المنطقة. ربما يمكن تصور حدوث السيناريو التصادمي فقط في حالة بقاء المؤسسة العسكرية المصرية في السلطة وعدم تسليمها للمدنيين، إذ أن حزب «العدالة والتنمية» في هذه الحالة لن يفقد حليفاً فقط ولكن سيواجه أيضاً خصماً محتملاً في ضوء تصاعد المواجهة بين «العدالة والتنمية» والمؤسسة العسكرية في تركيا.
الخلاصة
1ـ تناول هذا البحث العلاقات المصرية - التركية بغرض تقييمها في الفترة من 1952-2010، بالاستناد على نظرية «توازن القوى» في العلاقات الدولية؛ باعتبارها المحدد الأساسي لصعود وهبوط هذه العلاقات.
2ـ شكل التضارب في التحالفات الدولية، وتبني الطرفين أيديولوجيات متناقضة فضلاً عن علاقات تركيا مع إسرائيل، عائقاً كبيراً أمام تطوير العلاقات المصرية ـ التركية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.
3ـ فككت مصر منذ منتصف السبعينيات تحالفها مع الاتحاد السوفياتي السابق، ثم اشتركت مع تركيا في تحالفها الدولي؛ أي الولايات المتحدة الأميركية. ولكن تفكك الاتحاد السوفياتي السابق عام 1991 جعل الغطاء الدولي المشترك للبلدين يفقد بعضاً من أهميته. كما أن إبرام «معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية» عام 1979 جعل الطرفين يشتركان في علاقات رسمية مع تل أبيب. ولكن استظلال الطرفين بمظلة دولية واحدة واشتراكهما في علاقات رسمية مع إسرائيل لم يرفع نوعياً مستوى العلاقات بينهما بسبب غياب الرؤية المشتركة لمستقبل المنطقة، وعدم وجود أخطار مشتركة على الطرفين.
4ـ استمر البلدان في علاقات طبيعية طيلة الفترة الممتدة منذ 1991 وحتى نهاية 2008. ومع زيادة الانخراط التركي في الشرق الأوسط بدت ملامح التوتر قائمة بين القاهرة وأنقرة، بسبب تخوف النظام المصري السابق من مزاحمة تركيا على الملفات وأوراق النفوذ.
5ـ شكلت حرب غزة 2008/2009 نقطة تحول كبيرة في العلاقات المصرية ـ التركية، إذ أن تباين مواقف أردوغان ومبارك جعل العلاقات الثنائية تتدهور إلى مستويات الخمسينيات والستينيات. كما أن صعود تركيا الإقليمي المترافق عكسياً مع تدهور مصر الإقليمي، جعل الهوة بين البلدين مستعصية على التجسير دون تعديل في قيادة أي منهما.
6ـ لم تصعد العلاقات المصرية - التركية أبداً، إلى مستوى «الشراكة المميّزة» بينهما منذ تأسيس الجمهورية التركية عام 1923 وحتى نهاية 2010.
7ـ أيدت تركيا «الانتفاضة الشعبية» المصرية من بداياتها، وعززت من رصيد قوتها الناعمة لدى الشارع المصري. ومع تنحّي الرئيس السابق، بدت تركيا في مقدم الرابحين من التغيير السياسي في مصر. ولكن مبادرات أنقرة نحو القاهرة لتشكيل «تحالف استراتيجي» في خريف 2011 لم تلق جواباً مصرياً واضحاً رفضاً أو قبولاً، بسبب المرحلة الانتقالية التي تعيشها مصر وبسبب عدم تبلور تصور واضح للسياسة الإقليمية المصرية حتى الآن.
8 ـ تلعب التشابهات في أهمية الموقع الجغرافي والقدرات البشرية والتقارب الثقافي والتشارك في التحالف الدولي ذاته دوراً إيجابياً محفزاً في التقارب بين البلدين. وينطبق ذلك على تركيا ومصر سواء قبل «الانتفاضة الشعبية» أم بعدها.
9ـ يمثل التعاون الاقتصادي الدافع الأساسي مصرياً للتعاون مع تركيا، خصوصاً أن تركيا تملك الاقتصاد الأكبر في الشرق الأوسط - من دون الاعتماد على تصدير النفط مثل إيران والسعودية -، الأمر الذي يجعلها مؤهلة أكثر من أي دولة في الشرق الأوسط، للمشاركة في تطوير وتحديث الاقتصاد المصري.
10ـ يمثل التعاون الثنائي في شرق المتوسط أحد الدوافع الأساسية التركية للتعاون مع مصر، إذ أن المنافسة الإقليمية بين تركيا وإسرائيل تجعل أنقره في حاجة إلى مصر لتحجيم النفوذ الإسرائيلي في هذه المنطقة. كما أن إقامة منطقة اقتصادية خالصة بين البلدين من شأنه تحرير الجغرافيا التركية من إطلالتها المقيدة على البحر الأبيض المتوسط.
11ـ سيكون النظام الإقليمي الجديد في الشرق الأوسط، في ضوء التركيبة السياسية - الأيديولوجية المتبلورة بعد «الانتفاضات الشعبية» العربية، هو الأكثر منفعة لتركيا وطموحاتها الإقليمية منذ إقامة الجمهورية التركية عام 1923. وهنا سيلعب تحسين العلاقات مع مصر دوراً كبيراً في تعزيز وضعية تركيا الإقليمية الجديدة.
12ـ يمكن ملاحظة قاعدة منهجية في العلاقات المصرية - التركية بعد 25 يناير/كانون الثاني 2011، ومفادها، أنه نظراً لتشابه الفاعلين الرئيسيين بالنظام السياسي في كل من مصر وتركيا (المؤسسة العسكرية - الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية)، فإن اقتراب التوازنات الداخلية بين طرفي المعادلة في كليهما من التشابه سيشكل حافزاً على رفع مستوى العلاقات، والعكس بالعكس. بمعنى آخر أصبح «الإخوان المسلمون» ربّما أهم محددات العلاقات المصرية - التركية في المستقبل القريب.
13ـ تبدو السيناريوهات المرجّحة للعلاقات المصرية - التركية أقرب إلى التفاؤل، ويدخل سيناريو التحالف حيّز الإمكان مع انتقال السلطة من «المجلس العسكري» إلى حكومة مدنية منتخبة، إذ أن النتيجة التي أسفرت عنها الانتخابات البرلمانية المصرية وحصول حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسي لجماعة «الإخوان المسلمين»، على أكبر كتلة برلمانية، من شأنه المساهمة في ترجيح هذا السيناريو. في هذه الحالة سينفتح المجال أمام التدرج في العلاقات وصولاً إلى «التحالف الاستراتيجي»، لأن المنظومة القيمية التي يتبناها حزب «العدالة والتنمية» ستكون مقبولة ً- على الأرجح ـ من «الإخوان المسلمين».
14ـ يمكن ترجيح سيناريو التعاون والتنسيق (تطوير العلاقات بدرجة أكثر من عصر مبارك وأقل من التحالف الاستراتيجي) في حال تحجيم مشاركة «الإخوان المسلمين» في السلطة السياسية، أو تصاعد الاختلافات الداخلية المصرية بينهم وبين المؤسسة العسكرية والتيارات السياسية المختلفة.
15ـ لا يملك السيناريو التصادمي فرصاً جدية للتحقق، في ضوء عوامل التقارب والمستجدات الإقليمية، وعدم امتلاك مصر راهناً مشروعاً سياسياً - أيديولوجياً يتصادم مع تركيا.
([) رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية - القاهرة

 

 

مصر وتركيا: نحو تحالف استراتيجي جديد؟! (1)(2)

http://www.center-lcrc.com/index.php?s=4&id=4839

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,452,132

عدد الزوار: 6,991,985

المتواجدون الآن: 62