قراءة في السياسة الأميركية بسوريا ولبنان

تاريخ الإضافة الأربعاء 19 آذار 2014 - 6:28 ص    عدد الزيارات 711    التعليقات 0

        

قراءة في السياسة الأميركية بسوريا ولبنان
روبرت غيتس: البيت الأبيض و«مجلس الأمن القومي» نجحا في حصر السياستين الخارجية والدفاعية في يد أوباما بشكل لا سابق له
حسين عبد الحسين
قدم أحد المغردين على موقع «تويتر» رابط المقالة المشتركة التي نشرها الرئيسان الأميركي باراك أوباما والفرنسي فرنسوا هولاند في صحيفة «واشنطن بوست»، بمناسبة زيارة الأخير إلى العاصمة الأميركية، وجاء فيها: «لقد مهد تهديدنا باستخدام القوة الطريق لخطة نزع أسلحة سوريا الكيماوية». وأضاف الرئيسان: «الآن، على سوريا الوفاء بالتزاماتها»، ما دفع المغرد المذكور إلى التعليق: «على سوريا الوفاء بالتزاماتها وإلا فماذا؟ نذهب إلى جنيف 15؟».

التغريدة تختصر السياسة الأميركية تجاه سوريا منذ اندلاع الثورة المطالبة بإنهاء حكم الرئيس السوري بشار الأسد في مارس (آذار) 2011. وهي سياسة متمحورة حول الكلام والتصريحات. بعضها حازم، وبعضها الآخر غامض، وكلها قلما تقترن بأفعال أو رؤية عامة متناسقة أو متماسكة.

وفي وقت لم يكن معروفا، في الأشهر الأولى للثورة، من يضع هذه السياسة، بدا جليا في وقت لاحق أن أوباما نفسه هو المسؤول الأول والأخير عنها، أو هذا هو الوصف الذي قدمه وزير دفاعه السابق روبرت غيتس، الذي قال في كتاب مذكراته الصادر حديثا إن البيت الأبيض، و«مجلس الأمن القومي» خصوصا، نجحا في حصر السياستين الخارجية والدفاعية الأميركية في يدي الرئيس بشكل لا سابق له، وإنه منذ أن انخرط غيتس في عالم السياسة في أوائل السبعينات وعمل في الإدارات المتعاقبة، لم يسبق أن رأى مركزية في القرار كالتي عايشها تحت حكم الرئيس الحالي.

يضرب غيتس أمثلة متعددة على احتكار أوباما الكامل لقرارات السياسة الخارجية الأميركية بالقول إنه في موضوع تسليح المعارضة السورية، كان هو ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، ومدير «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي آي إيه) السابق ليون بانيتا يؤيدون التسليح، لكن أوباما لم يكن يستمع إلى وزيري دفاعه وخارجيته ومدير استخباراته، بل كان يصر على عدم التسليح.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حلقة حوارية في ولاية تكساس شارك فيها غيتس وبانيتا، قال الرجلان إنهما لو كانا في مركزيهما لكانا قدما نصيحة للرئيس بتوجيه ضربة لقوات الأسد، من دون الذهاب إلى الكونغرس طلبا لموافقة استخدام القوة العسكرية، عقابا للأسد على شنه هجوما بالأسلحة الكيماوية في ضاحية دمشق في 21 أغسطس (آب) الماضي.

سبتمبر 2013 شهد أيضا استدارة أوباما الشهيرة على نفسه، فهو بعدما ركن أربع سفن حربية مقاتلة قرب الشواطئ اللبنانية والسورية، خرج إلى العلن فجأة، وكان يوم سبت وهو اليوم الذي تفرض فيه عطلة نهاية الأسبوع شبه حظر على النشاط السياسي في العاصمة الأميركية، ليبلغ الأميركيين أنه ارتأى أن يحيل قرار توجيه الضربة في سوريا إلى الكونغرس الذي يسيطر الحزب الجمهوري المعارض على غالبية مجلس الممثلين فيه، فيما يحتفظ حزب أوباما الديمقراطي بغالبية مجلس الشيوخ.

وفيما اعتقد المتابعون في بادئ الأمر أن أوباما اتخذ قراراه بعد استشارة زعماء الكونغرس من الحزبين وحصوله على موافقتهم، اتضح فيما بعد أن الرئيس الأميركي لم يكن قد طلب مشورة أحد، ولا حتى كبار أركان إدارته، إذ أشارت التسريبات اللاحقة إلى أن أوباما اتخذ قراره منفردا وبالتشاور فقط مع رئيس موظفي البيت الأبيض دينيس ماكدنو، ثم جمع في وقت لاحق القياديين في «فريق الأمن القومي» ليعلمهم بقراره، لا ليستشيرهم، وكذلك فعل مع وزيري خارجيته ودفاعه جون كيري وتشاك هيغل اللذين بلغا الخبر من الرئيس عبر الهاتف.

عدم اكتراث أوباما بالشأن السوري، ولا بنصائح كبار أركان إدارته حول ضرورة تسليح الثوار وتوجيه ضربة لقوات الأسد، أكدته فيما بعد صحيفة «نيويورك تايمز» في مقالة نشرتها في أكتوبر (تشرين الأول) وشارك في كتابتها مايكل غوردن، وهو معروف بقربه من البيت الأبيض، وجاء فيها أنه «حتى في الوقت الذي اكتسب فيه النقاش حول تسليح الثوار أهمية استثنائية، كان يندر أن يعبر السيد أوباما عن آراء قوية أثناء اجتماعاته مع كبار موظفيه».

ونقلت الصحيفة عن كبار المسؤولين الحاليين والسابقين قولهم إنه لطالما كانت «لغة جسد أوباما في هذه الاجتماعات معبرة؛ فهو كان يبدو غالبا غير صبور وغير منخرط أثناء استماعه للنقاش، وكان أحيانا يتناول جهازه البلاكبيري أو يمضغ العلكة».

* سوريا تهدد أمن أميركا في ظل احتكار أوباما قرارات السياسة الخارجية، وفي ظل غياب حماسة أوباما تجاه سوريا كان من الطبيعي أن تتراوح سياسة واشنطن تجاه الأزمة السورية بين المرتبكة والمتضاربة، فعلى عكس ما حدث في مصر حيث لم يمر الكثير من الوقت قبل أن يتخلى أوباما عن حليف أميركا الرئيس الأسبق حسني مبارك ويقول له إن مغادرته اليوم تعني الأمس، تأخر أوباما كثيرا في اتخاذ موقف تجاه عدو أميركا بشار الأسد، إذ مضت خمسة أشهر على اندلاع الثورة السورية قبل أن يطلق الرئيس الأميركي، في 17 أغسطس 2011، تصريحا قال فيه إن «مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري، لكن الرئيس بشار الأسد يقف في الطريق»؛ لذا «من أجل مصلحة الشعب السوري، حان الوقت للرئيس الأسد أن يتنحى جانبا».

قبل ذلك، وفيما كانت قوات الأسد تطلق النار على المتظاهرين السوريين السلميين وتقتل منهم وتعتقل وتعذب، التزمت واشنطن الصمت باستثناء إصدار وزارة الخزانة ثلاثة قرارات عقوبات مالية طالت مقربين من الأسد.

على أن مطالبة أوباما الأسد بالرحيل لم تتعد كونها موقفا خطابيا لم يقترن بأي سياسات معينة داخل العاصمة الأميركية، فلم يجرِ رصد أي أموال لدعم الثوار أو تدريبهم، ولا جرى تخصيص شحنات أسلحة لتسليحهم، ورفض أوباما التهديد باستخدام القوة الأميركية من أجل إجبار الأسد على الرحيل. على العكس، تمادت الإدارة الأميركية في حبس دعمها المادي عن الثوار، وأرسلت عاملين في استخباراتها إلى الدول الحليفة المجاورة لسوريا، وراح هؤلاء العملاء يتفحصون كل عمليات التسليح التي قامت بها دول مؤيدة للثوار، وراحوا يمنعون تزويد الثوار بأي أسلحة نوعية.

وداخل واشنطن، راح أوباما يعقد الاجتماعات المتوالية لفريق الأمن القومي، برئاسته، من أجل التباحث في تطورات الشأن السوري. ولأن أوباما حافظ على صمته وعدم اكتراثه، تحول النقاش بين أفراد فريقه إلى نقاش حامي الوطيس، خصوصا بين كيري، المؤيد لضربة أميركية «تجعل الأسد يقرأ الكتابة على الحائط» ويدرك أن لا سبيل له للبقاء أو لحكم سوريا مجددا، وهيغل الذي يعارض الضربة العسكرية ويعتقد أن أفضل الحلول هو التوصل إلى تسوية مع إيران تتضمن سوريا.

وفي إحدى الجلسات، تفاقم النقاش بين كيري وهيغل إلى حد دفع أوباما إلى الطلب منهما ترتيب لقاء بينهما في اليوم التالي لتبريد الأجواء.

* تنظيم القاعدة وحزب الله اللبناني على أن الرأي الأبرز الذي خرج من هذه الاجتماعات إلى العلن كان رأي رئيس الأركان الجنرال مارتن ديمبسي، الذي كرر سرا وعلنا اعتقاده أن لا مصلحة أميركية في استخدام القوة العسكرية في سوريا. وكرر ديمبسي، أثناء لقاءات فريق الأمن القومي، أن في سوريا حربا بين طرفين هم بمثابة إرهابيين وأعداء لأميركا: تنظيم القاعدة وحزب الله اللبناني، وأنه كلما طالت المعركة بين هذين الطرفين، استنزفا قوتيهما، وكانت المواجهة في مصلحة واشنطن التي ليس لها مصلحة، في هذه الحالة، في التدخل لمصلحة أي منهما.

وتبنى نظرية أن مصلحة أميركا في استمرار الحرب بين «القاعدة» وحزب الله عدد من أصحاب القرار والخبراء الأميركيين، وخصوصا من أصدقاء إسرائيل.

إلا أن المسؤولين والخبراء الأكثر حنكة كانوا يدركون أن استمرار المواجهة في سوريا لم يكن في مصلحة أميركا، وقال هؤلاء إن الحرب السورية تقدم مسرحا ملائما للإرهابيين للاستقطاب، والتنظيم، والتدريب، والتسليح، وإقامة شبكات تمويل. وأضاف هؤلاء أنه عندما تنتهي الحرب السورية، سيعود الإرهابيون إلى منازلهم، ولكنهم سيحتفظون بتدريبهم وبعلاقاتهم مع الشبكات الإرهابية، وقد يستخدمون الخبرة التي اكتسبوها في سوريا لشن عمليات إرهابية في دول غربية، منها الولايات المتحدة.

في هذا السياق، قال وزير الأمن القومي الأميركي جيه جونسون إن مسؤولي الاستخبارات الأميركيين «يعرفون أشخاصا من أميركا الشمالية وأوروبا في طريقهم إلى سوريا حيث سيجدون أنفسهم تحت تأثير نفوذ راديكاليين متطرفين، وربما يعودون إلى بلدانهم فيما بعد (في الغرب) مع نية القيام بأذى».

وقال جونسون، في خطاب في مركز وودرو ويلسون في واشنطن في شهر فبراير (شباط) الماضي، إن «سوريا أصبحت شأنا مرتبطا بالأمن القومي» للولايات المتحدة، وهو تصريح يشبه تصاريح مماثلة أدلى بها مسؤولون أميركيون كبار حول خوفهم من أن تتحول سوريا إلى ملتقى للإرهابيين الذين يتلقون التدريب ثم يعودون إلى بلدانهم، مثل أميركا، فيهددون أمنها.

* أوباما: سوريا حرب الآخرين الأهلية.. ولبنان تابع التضارب في آراء المسؤولين الأميركيين ليس حديثا، فمنذ اندلاع الثورة السورية والمسؤولون هنا يقدمون مواقف ورؤى متضاربة، فتصريحات جونسون وأمثاله حول الخطر الذي تشكله الحرب السورية على الأمن القومي الأميركي هو رأي يتناقض تماما مع تصريحات أوباما المتكررة، التي غالبا ما تكون مرتبكة ومتناقضة.

وبلغ الارتباك في رؤية ومفهوم أوباما تجاه سوريا ذروته ليل العاشر من سبتمبر أثناء توجيهه خطابا إلى الشعب الأميركي حول الأزمة السورية. وقتذاك، قال أوباما للأميركيين: «الليلة، أريد أن أتحدث إليكم عن سوريا، ولماذا تهمنا». وبعدما سرد الرئيس الأميركي تاريخ الثورة السورية، وقال: إن قمع الأسد للمظاهرات السلمية حولها إلى حرب أهلية، واتهم حكومة الأسد بشن هجوم كيماوي أدى إلى مقتل أكثر من ألف سوري، ما خرق «مفهومنا للإنسانية»، قال أيضا إن «ما حدث لهؤلاء الناس (لهؤلاء الأطفال) ليس فقط اختراقا للقانون الدولي، بل هو أيضا خطر على أمننا». ثم عاد ليصف الوضع في سوريا بأنه «حرب الآخرين الأهلية» التي لا يمكن حلها باستخدام القوة الأميركية.

في خطاب أوباما ذاك حول سوريا تناقض واضح، إذ هو من ناحية عدها «حرب الآخرين الأهلية» التي لا مصلحة لواشنطن في التدخل فيها، ومن ناحية أخرى عدها «تهديدا للأمن القومي» الأميركي الذي يفرض اهتماما أميركيا. وفي وسط التناقض في مواقفه، يقف أوباما متفرجا حتى اليوم.

على أن الرئيس الأميركي جدد اعتقاده أن الحرب في سوريا هي «حرب الآخرين» في مقالته المشتركة مع هولاند، التي جاء فيها: «وفيما تهدد الحرب في سوريا استقرار المنطقة، بما فيها لبنان، على المجتمع الدولي أن يزيد من مجهوده للعناية بالشعب السوري، وتقوية المعارضة السورية المعتدلة، والعمل من خلال عملية جنيف 2 باتجاه انتقال سياسي يمكنه أن يخلص الشعب السوري من الديكتاتورية والإرهاب».

إذن، عاد أوباما إلى مقولة إن الحرب في سوريا تهدد أمن المنطقة، ولبنان، فيما هو لم يعدها تهدد الأمن القومي الأميركي. هكذا، يصبح الحل في سوريا ولبنان، مرتبطا بتوصل السوريين إلى حل سياسي خلال «عملية جنيف».

واستخدام كلمة «عملية» لوصف مؤتمر جنيف هو عادة درج عليها المسؤولون الأميركيون منذ مطلع هذا العام، لإدراكهم أن المؤتمر لا يمكنه التوصل إلى حلول قريبة، ولتبريرهم استمرار عملية القتل المستمرة في سوريا فيما المجتمع الدولي يقف متفرجا بقولهم إن «الانتقال السياسي» في سوريا هو عملية تستغرق وقتا، وإنها لن تجري بسرعة، ما يبرر الموقف الدولي المتفرج.

على أن ما يثير القلق في موقف أوباما، الذي يبدو أنه ألبسه لهولاند كذلك، هو اعتقاد الرئيس الأميركي أن لبنان هو مجرد تابع لسوريا، وأن أي اهتزاز لاستقراره هو بسبب الحرب السورية. كما يشي قول أوباما إن الحل الوحيد للتخلص من الديكتاتورية والإرهاب في سوريا هو عملية انتقالية سياسية بين السوريين باعتقاده أن الإرهاب اليوم هو في سوريا فقط، مع العلم أن وزارة الخارجية الأميركية تضع حزب الله اللبناني على قائمتها للتنظيمات الإرهابية، وكذلك يفعل الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني أنه إذا كانت سوريا لا تثير قلق أوباما، الذي يعتقد أن لا دور لبلاده للحل فيها، فإنه لن يثير لبنان قلق الرئيس الأميركي، رغم وجود حزب الله، السابق لاندلاع الثورة السورية، والذي يواجه أعضاؤه عددا من المحاكمات الدولية والمحلية في دول أوروبية وآسيوية بتهمة التفجير، كما في بلغاريا في عام 2012. أو التخطيط للقيام بعمليات إرهابية، كما في قبرص العام الماضي.

* الولايات المتحدة وحزب الله: عدو عدوي صديقي في يونيو (حزيران) 2013. كتب آندرو أكسوم، مسؤول ملف لبنان السابق في مكتب وزير الدفاع الأميركي، تغريدة جاء فيها: «أعجب كيف يحث حزب الله اللبنانيين على دعم الجيش». وأضاف متوجها بسؤال إلى الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله بالقول: «إذن نحن الآن نتفق على أن على الدولة احتكار العنف يا أبو هادي؟».

وقتذاك جاء التلاقي في المواقف بين أميركا وحزب الله على دعم الجيش اللبناني، وفي حالة الحزب المذكور ربما القتال إلى جانب الجيش أو حتى توريطه في معركة مع رجل الدين أحمد الأسير في مدينة صيدا الجنوبية. والأسير كانت تحيطه مجموعة من عشرات المؤيدين، بعضهم مع أسلحة خفيفة، ولكن الشيخ المذكور ومجموعته لم يرقيا في الغالب إلى مستوى المجموعات المسلحة التي يمكنها أن تهدد أمن اللبنانيين أو حكومتهم.

والأهم أن وزارة الخارجية الأميركية لا تضع الأسير ولا مجموعته على لائحة التنظيمات المصنفة إرهابية، ما يعني أن أي مواجهة تخوضها القوى الأمنية اللبنانية مع الأسير هي من باب حفظ الأمن، وأنها لا تدخل في إطار «الحرب على الإرهاب»، ولا تتطلب حتى مشاركة الجيش اللبناني في القتال.

إلا أن الحكومة الأميركية لم تكترث لتفاصيل الأسير، بل جددت دعمها للجيش اللبناني، ووجدت نفسها في ذلك في موقع مطابق لموقع حزب الله، فيما خلت البيانات والتصريحات الأميركية من أي إشارة تطالب الجيش اللبناني بفرض سلطة الدولة على الأرض اللبنانية كاملة، بما في ذلك المناطق التي يسيطر عليها حزب الله، الذي تعده واشنطن تنظيما إرهابيا.

التطابق بين الولايات المتحدة وحزب الله اللبناني لم يأت في إطار توافقهما على «الحرب على الإرهاب» في لبنان فحسب، بل في سوريا كذلك، إلى درجة أنه لم يدلِ أي مسؤول أميركي بتصريح يعد فيه أن وجود الحزب في سوريا، للقتال إلى جانب الأسد، هو إرهاب، بل تدلى التصريحات الأميركية على اعتقاد واشنطن أن الإرهاب في سوريا مصدره المجموعات المناهضة للأسد وحزب الله فقط.

ويأتي كذلك اعتبار أوباما، في مقالته مع الرئيس الفرنسي، أن لبنان هو ضحية الحرب السورية، من دون أن يعد أن لبنان هو (قبل حرب سوريا) ضحية حزب الله الذي تصنفه واشنطن إرهابيا، ليؤكد التفكير الأميركي أن الولايات المتحدة لم تعد ترى في حزب الله عدوا، بل ترى فيه في الغالب حليفا أو صديقا، حتى وإن بشكل غير رسمي، وعلى قاعدة «عدو عدوي صديقي».

التقارب الأميركي مع حزب الله في لبنان وسوريا يأتي في وسط الانفراجات بين واشنطن وطهران في ملف إيران النووي، والتوصل إلى «اتفاقية إطار» مؤقتة في جنيف في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. كذلك نشرت وسائل إعلام أميركية وأوروبية وعربية مختلفة مقالات أكدت فيها وجود قنوات حوار غير مباشر بين واشنطن والحزب اللبناني، وهو أمر لاقى نفيا تامّا من الطرفين.

لكن «لا دخان من دون نار»، حسب القول المأثور، فمع حلول العام الحالي، أطل سعد الحريري رئيس أكبر كتلة في «مجلس النواب» اللبناني ورئيس الحكومة الأسبق المناوئ لحزب الله والأسد ليعلن قبوله الدخول في حكومة «وحدة وطنية» مع الحزب وحلفائه، بعدما رفض الحريري هذا الأمر على مدى عشرة أشهر، مطالبا بانسحاب مقاتلي الحزب من سوريا كشرط لقبوله تأليف حكومة من هذا النوع.

ولكن رغم موافقة الحريري على تشكيل حكومة وحدة برئاسة النائب في كتلته تمام سلام، برزت عقبات وضعها حليف حزب الله النائب ميشال عون. يعتقد الكاتب والتر راسل ميد أن الدول الآسيوية تقول اليوم عن الرئيس أوباما ما كانت تقوله بالضبط عن الرئيس السابق جورج بوش، بأنه «رغم التزام أميركا اللفظي بآسيا، ابتلع الشرق الأوسط السياسة الخارجية الأميركية». وتأتي شكوى حلفاء أميركا في آسيا، رغم تكرار المسؤولين الأميركيين لمقولة «الاستدارة» من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى: «في وقت يدل على اتساع دور الصين وتزايد قوة الردود اليابانية على اعتقاد الدولتين أن واشنطن ليست مهتمة بشؤون منطقتهم، وهو ما يعني أن الأوضاع تصبح أكثر خطورة» في غياب قوة ناظمة للعلاقات المتدهورة بين دول هذه المنطقة.

«هذه ليست مشكلة آسيا أو الشرق الأوسط أو أي حي من العالم تشعر الإدارة بأنها ترغب في الاستدارة نحوه»، يكتب ميد، ويضيف: «إنها مشكلة انفصال بين ما تقوله الإدارة وبين ما تفعله، وهو ما يدفع الناس إلى السؤال: هل تعني إدارة أوباما ما تقوله؟».

ويتابع الكاتب الأميركي أن «كارثة الخطوط الحمر في سوريا»، أي أنه عندما هدد أوباما الأسد بأن استخدام الأسلحة الكيماوية سيكون بمثابة تخطي الخطوط الحمراء ويجبر أميركا على التدخل عسكريا: «مزق مصداقية الإدارة حول العالم»، وهو ما يجعل الجميع عصبيين، في حال كنا نستدير نحوهم أو لا، فكل ما تقوله الإدارة الآن يبدو، وللأسف، وكأنه خط أحمر جديد في سوريا.

ويختم ميد أنه لا يمكن حل مشاكل إدارة أوباما للسياسة الخارجية بالاستدارة من منطقة إلى منطقة، فآسيا تحتاج إلى المزيد من الانتباه الأميركي، وكذلك الشرق الأوسط، وكذلك (كما بدا واضحا في أوكرانيا) أوروبا، إذ إن «ما تحتاجه إدارة أوباما فعلا هو استدارة نحو العالم، واستدارة نحو سياسة خارجية جدية ومتناسقة تقول فيها ما تعنيه وتعني ما تقوله».

* صحافي وكاتب لبناني مقيم في الولايات المتحدة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,479,298

عدد الزوار: 6,993,115

المتواجدون الآن: 71