غســان ســلامــة يـقـرأ تـحـديــات العــالــم من «داعش» إلى عودة سياسة «بناء الج

تاريخ الإضافة الأحد 22 كانون الثاني 2017 - 6:50 ص    عدد الزيارات 1149    التعليقات 0

        

 

غســان ســلامــة يـقـرأ تـحـديــات العــالــم من «داعش» إلى عودة سياسة «بناء الجدران» وانفلاش أزمة اللاجئين حتى وصول ترامب إلى البيت الأبيض
المستقبل..باريس ــــــ جورج بكاسيني
في زمن التحديات من «داعش» إلى عودة سياسة بناء الجدران، مروراً بانفلاش أزمة اللاجئين حتى وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يبقى «اللجوء» إلى غسان سلامة المثقّف والأكاديمي والخبير في السياسات الدولية وتحوّلاتها، وصفة ينصح بها خبراء «حائرون» بين الوقائع وبين «انعدام اليقين» الذي أصاب معظم زعماء العالم. غسان سلامة المبعوث والمستشار الرسمي لأمناء عامين متعاقبين في الأمم المتحدة، وغير الرسمي لكثير من وزراء خارجية العالم، يستعينون به في الأزمات والمؤتمرات الدولية وآخرها مؤتمر باريس. مهماته الرسمية، وآخرها في ميانمار، «حقول تجارب» لثقافته الواسعة ولأبحاثه التي لا تنفكّ تسعى إلى فكّ شيفرات أزمات الشعوب. في هذا الحوار مع «المستقبل» يقرأ وزير الثقافة السابق تحديات العالم الذي يمرّ في حال الغسق «بين أفول نظام عالمي وبين نظام بديل لم تتّضح معالمه بعد»، على أنقاض «ثقة متبادلة ضعيفة بين زعمائه». ويتحدّث عن أزمة العيش المشترك الذي أصبح «تحدياً عالمياً»، وعن التنوُّع الذي أصبح القاعدة بينما صار النقاء العرقي والمذهبي «وهماً»». غسان سلامة يفنّد المتغيّرات الدولية من موقع القَلِق على تداعيات ثورة الاتصالات على الديموقراطية الكلاسيكية، ومن احتمال أن يحكم ترامب بشعاراته الانتخابية نفسها بما يقود إلى موجات شعبوية مماثلة وصدامات بين الدول: من نصدّق تغريدات الرئيس أم وزراءه؟» تفصيل وحيد «يريح» سلامة في هذا المشهد القاتم والمتمثّل بالتسوية اللبنانية الداخلية التي طوت صفحة الفراغ وأتت بميشال عون إلى قصر بعبدا وبسعد الحريري إلى السراي الكبير «لأننا استعدنا المؤسسات».

هنا نص الحوار:

[ لماذا غسان سلامة بعيد عن الأضواء في هذه الأيام؟

ـــ في الواقع إني مهتم بصورة أساسية منذ أيلول الماضي بموضوع المآسي الحاصلة في ميانمار ولا سيما بعد وقوع المئات من القتلى وعشرات ألوف النازحين وانفجار الوضع في غرب البلاد بين الراخين البوذيين والروهينجا المسلمين. تألفت لجنة دولية برئاسة كوفي أنان وعضويتي وآخرين لمحاولة البحث عن حل لهذه القضية الملتهبة. لذلك أمضي جزءاً غير قليل من وقتي هناك وبالذات في منطقة القلاقل ومخيمات النازحين وأنا على وشك زيارة النازحين في دول أخرى الأسبوع المقبل لا سيما في بنغلادش. وآمل في أن نصل الى حل قبل مهلة العام التي أعطينا إياها لاقتراح حل على الحكومة والمجتمع الدولي. وهذا سبب عدم انغماسي كما في السابق في شؤون لبنان والمنطقة. هذا الصراع له علاقة بتاريخ جنوب شرق آسيا حيث تتعدد الأعراق والديانات بطريقة تكاد لا تعرفها منطقتنا من تعددية؛ ويجد جنوب شرق آسيا نفسه أمام تحدٍ نعرفه تماماً في لبنان، وهو تحدي تعايش الفئات المختلفة دينياً أو عرقياً، وهو بات تحدياً عالمياً لأن ما يسمّى بسياسات الهوية تسمح أحياناً بحصول هوة بين الفئات وتنافر قد يؤديان إن لم يعالجا في الوقت المناسب الى حالات من الاقتتال، أو كما هو حاصل في عدد من البلدان الى حالات تشبه التطهير العرقي والنزوح الجماعي ووضع السكان في مخيمات مقفلة ومنع الأفراد من الانتقال ضمن بلدهم، وكتمان الجنسية عن مئات الألوف من الناس وكل ما يستتبعه عدم احترام أسس العيش المشترك».

[ إذاً، العالم يواجه صراع هويات؟

ـــ «في العالم كله ولسوء الحظ تجنح ميول الإنسان دائماً نحو النرجسية، بمعنى أنه ينظر الى مشكلته وكأنها خاصة أو فريدة من نوعها، بينما نعيش في عالم يشهد تمزقاً تاماً للمجتمعات في أكثر من 50 دولة حالياً، وأعداداً من اللاجئين وصلت الى حدّها الأقصى أي نحو 65 مليون لاجئ في العالم. عالم نشهد فيه عجزاً مالياً متفاقماً لإطعام وإسكان وحماية النازحين واللاجئين. وأخطر من ذلك كله أصاب نوع من الإرهاق المجتمعات الثريّة فلم يعد هناك قدرة على الاستمرار في تمويل المنظمات التي تسعى لإنقاذ أو حماية النازحين واللاجئين، بالإضافة الى نوع من الانعزالية التي تكبّل الديبلوماسية وتؤدي الى نوع من اللامبالاة بمآسي الآخرين بينما منذ 20 سنة مثلاً كان هناك اهتمام عالمي استفدنا منه في لبنان بإنهاء الحروب الأهلية وبالتوصل الى حلول وتمويل العمليات الإنسانية في العالم. نحن نرى الآن نمواً متجدداً في المشاكل الإنسانية الكبرى لكن يتزامن مع نمو أيضاً في الأنانية في المجتمعات المتقدمة».

التنوّع هو القاعدة والنقاء العرقي والمذهبي صار وهماً [ أزمة «العيش المشترك» صارت عالمية؟

ـــ من أصل 193 دولة في العالم هناك أكثر من 170 فيها على الأقل أقلية تتجاوز نسبتها 15 بالمئة من السكان. و150 دولة فيها أقلية تتجاوز 20% من السكان، ما يعني أن التنوّع الثقافي هو القاعدة والنقاء الديني أو العرقي أو المذهبي لم يعد فقط هو الاستثناء بل أصبح وهماً. النقاء وهم. هناك اختلاط واسع بسبب الهجرات المتتالية من قارة الى أخرى ومن بلد الى آخر بحثاً عن العمل أو ظروف حياة أفضل واستقرار دائم، وموجات جديدة من اللاجئين والنازحين والمهجرّين بسبب النزاعات. كل ذلك يؤدي الى تبدلات ديمغرافية واسعة في العالم يلعب عليها الشعبويّون لكي يبنوا نوعاً من الجدران حول بلدانهم. ولكننا نرى أن هذه الجدران لم تعد تكفي. لقد قتل أكثر من 6 آلاف شخص عام 2016 خلال عبورهم البحر المتوسط من الجنوب الى الشمال، وعلى الرغم من ذلك نرى كل يوم محاولات جديدة للآلاف لعبور المتوسط. لا خطر الموت ولا خطر عبور الصحراء ولا خطر الأمواج يوقف طموح الشباب الى حياة أفضل أو الى الخروج من حالات الاستبداد السياسي أو الهروب من حالات التقاتل. نحن في عالم تساهل كثيراً مع انتقال المعلومات والبضائع ورؤوس الأموال والأفكار بل شجعها وجعلها ممكنة بفضل الثورة التكنولوجية التي نمر بها، لكن في المقابل صار عاجزاً عن تنظيم انتقال الناس. أكبر نموذج للأنانية هو أن تكون مع التجارة الحرة ومع الانتقال الحرّ للرساميل وأن تكون مع الضبط المطلق وبناء الجدران عندما يتعلق الأمر بالناس أنفسهم.

[ سقوط الاتحاد السوفياتي أطاح جدار برلين ما الذي يعيد إقامة الجدران اليوم؟

ـــ أعتقد أن خطأ تاريخياً جسيماً حصل بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين وهو أن الكارثة التي أصابت الاتحاد السوفياتي وأدّت الى انهياره اعتبرها الغرب نصراً مبيناً له ولأفكاره وخصوصاً لمصالحه، فعوض أن يلتقط الغرب تلك الفرصة التاريخية لتعزيز المنظمات العالمية ولتعزيز مبادئ القانون الدولي ولتعزيز فكرة السيادة الوطنية، اعتبرها بالإجمال فرصة مناسبة لكي لا يحتفظ فقط بالحلف الأطلسي بل ليوسّع رقعته، ولكي لا يحافظ على النظام الرأسمالي بل ليحاول فرضه على كل الدول، ولا ليحمي نظام السوق بل ليعتبره دين القرن الواحد والعشرين، ولا ليحترم سيادة الشعوب الأخرى بل ليسعى لتغيير الأنظمة فيها. إن تصرّف المنتصر لم يكن فقط خطأً في التحليل والتشخيص، بل كان نوعاً من سوء تقدير في الغرب، خصوصاً في الولايات المتحدة، لقدرتها على إعادة صياغة العالم وفق مشيئتها. لذلك عندما حاولت روسيا العودة الى الساحة الدولية كطرف فاعل فيها واكتسبت الصين نفوذاً استراتيجياً إقليمياً ومالياً عالمياً، وعندما بدأت الدول الإقليمية المتوسطة بالتفلّت من هيمنة الدول الكبرى كانت ردة فعل الغرب وخصوصاً أميركا التعجّب. لم يصدّق أحد في أميركا أن نحو 20 ألف متمرّد قادرون على هزيمة الجيش الأميركي في العراق. لم يتصوّر أحد في واشنطن أنه رغم مرور 15 عاماً على هزيمة طالبان ما زالوا قادرين على تهديد كابول. كما لم يتصوّروا أن الاتحاد السوفياتي الذي كان ضحية انهيار داخلي غير مسبوق في تاريخ الدول الكبرى قادر أن يعيد إنتاج نفسه على يد فلاديمير بوتين، وبالتالي فإن الوهم الذي حَكَم قادة أميركا بعد سقوط جدار برلين لا سيّما بيل كلينتون وجورج بوش الابن، والذي لم يشترك فيه لا بوش الأب ولا باراك أوباما، هذا الوهم هو الذي يضعنا اليوم في نظام عالمي جديد حيث قدرة الغرب على التحكم بالسياسة الدولية باتت أضعف بكثير. لكن المشكلة هي أن القوى الصاعدة مثل الصين والهند أو القوى العائدة مثل روسيا، لا تجتمع على مفهوم بديل للنظام الدولي الذي كان الغرب قد أرساه، وبالتالي فنحن في حالة الغسق بين أفول لنظام أخذ قروناً من الزمن لكي يستقرّ ونظام بديل لم تتضحّ ملامحه بعد. من هنا انعدام اليقين عند كل اللاعبين السياسيين وغير السياسيين. التقيت بالأمس مع مصرفي أوروبي كبير، يملك أكثر من 40 عاماً من الخبرة في عالم المصارف، قال لي لم تتجمّع رساميل في مصرفنا في تاريخه كما هي الحال اليوم، لكننا لا نعرف أين نوظّفها وكيف. نحن في حالة انعدام يقين، وينطبق الأمر أيضاً على السياسة. لم نمرّ بمرحلة من الشك والتشكيك بين قادة الدول العظمى كما هي الحال اليوم. وهذه الحال من انعدام اليقين وضعف الثقة المتبادلة بين زعماء الدول الكبرى هو الذي يسمح بتفاقم مشكلات محلية على يد فئات متطرفة تستفيد من حالة الارتباك التي تضرب النظام الدولي حالياً لكي تنمو وتنتعش وأحياناً تتوسّع.

[ هل عاد العالم الى عصر الشعبوية؟ هي ردّة في الغرب كما هي حال الردّة عند العرب؟

ـــ عندما تصاب الشعوب بالارتباك فإن الصفات الشخصية للقيادات تصبح أساسية، في حالات كهذه تشعر الشعوب بحاجة أكبر لقيادة لديها بوصلة واضحة وبرنامج عمل واضح. المشكلة أنه في البلدان الديموقراطية ما يتطلبه الانتخاب ليس بالضرورة ما يستدعيه الحكم، بمعنى أنك تحتاج في حملاتك الانتخابية الى خطاب والى مفردات ووسائل إن بقيت هي أدوات الحكم لديك فإنك تهدّد بلادك ولا تسعفها. الآن بسبب الارتباك يلجأ مرشحون وأحزاب في أميركا، والآن في ألمانيا وفرنسا وهولندا، الى الشعبوية والى سياسات الهوية والى العداء للآخر. إذا بقيت هذه القيادات أسرى هذه الشعارات بعد وصولها الى الحكم فنحن أمام معضلة كبرى، وبالذات إذا حكم دونالد ترامب أميركا بنفس شعاراته الانتخابية التي أوصلته الى البيت الأبيض فإننا أمام مشكلة كبرى لأنه يكون قد عرف طريق البيت الأبيض لكنه لم يأخذ في الاعتبار أنّ موجات شعبويّة مماثلة ستنشأ في الدول الأخرى بالعالم وستؤدي الى صدامات بين هذه الدول، وهي يمكن أن تكون تجارية بسبب نظام الحماية التي يدعو إليها ترامب والتي فتحت مشكلة كبيرة مع الصين، أو لأسباب استراتيجية مثل السيادة على بحر الصين الجنوبي الذي حصلت فيه 3 أحداث خطيرة خلال الشهر المنصرم.

ثنائية العالم الجديدة: هل يهمني مَن أنت أو بماذا تفكّر؟.. [ ما هي الثنائية الجديدة التي تحكم عالم اليوم بعد ثنائية «الرأسمالية والشيوعية» وثنائية الخير والشّر..؟

ـــ العالم ينقسم حول ثنائية أساسية اليوم هي ثنائية السؤال الأساس: هل يهمّني مَن أنت أو بماذا تفكّر؟ دعاة «من أنت» يقسّمون العالم الى قوميات ومذاهب وأديان ولون بشرة وطول الأنف وقصر القامة ومكان الولادة، أي كل العناصر التي ترتبط بالطبيعة البدائية. بينما دعاة «بماذا تفكر» ينظرون الى الناس وفق نظرتهم للعالم. فبينهم من يقتنع بفكرة التقدّم ومن هو أسير الماضي، ومنهم من يحترم رأي الآخر ويقصيه. ومنهم مَن يدعو للمساواة ومَن هو مقتنع بالتفوّق العرقي. أعتقد أن أخطر ما هو قائم الآن في العالم تصنيف الناس وفق هوياتهم وليس وفق أفكارهم وكأنهم أدوات أو أشياء وليسوا بشراً. بينما ما يميّز العنصر البشري هو أنّ الهوية أمر لزج بمعنى أنّك في كل صباح تعيد تركيب عناصر هويتك كما تشاء فقد تعتبر أنّ عنصراً فيها هو أهم من غيره، وذلك ذكر أو أثنى، طبيب أو مهندس، شيخ أو شاب. في كل هوية عناصر عديدة والحرية أو تحديدها في عالم اليوم تكمن في حرية كل فرد بأن يعيد تركيب عناصر هويته مع طلوع كل شمس وفق ما يشاء، وبذلك هو قادر على رفض التصنيف المسبق الذي يحاول الشعبويون فرضه عليه.

[ أزمة العيش المشترك كانت لبنانية أو إقليمية، وأصبحت عالمية، هل ينعكس ذلك على الديموقراطيات؟

ـــ ثورة الاتصالات هي أكبر خطر على الديموقراطية الكلاسيكية لأنها تهدّد مبدأ التمثيل. فلكل ناخب صوت ويمكن أن يعبّر عنه وأن يسحب التمثيل غداة الانتخابات. فهناك ضرورة لإعادة النظر في أسس الديموقراطية لكي لا تقضي ثورة الاتصالات عليها بالكامل. مثلاً: كل إيديولوجيات حقوق الإنسان الغربية كانت قائمة على حقوق الإنسان الفرد بمعنى أنّ للفرد حقوقاً لا يحق للنظم الاستبدادية أن تدعس عليها. اليوم لا يمكن الاكتفاء بهذا التحديد لأنّ من حق كل فرد أن يُشهر انتماءه لجماعة وأن يقول إن حقوقي الفردية مهمة ولكن حقوق جماعتي مهمة أيضاً لي. لا أريد أن أنجو فقط بنفسي بل أن أنجو بعائلتي وقومي. هذا الأمر لم تأخذه إيديولوجيا حقوق الإنسان في الاعتبار. أي أهمية الحق بالانتماء لجماعة بالنسبة للفرد. لماذا؟ لأنه عندما تنهار الدول وهناك الآن نحو خمسين دولة منهارة في العالم، أي عاجزة عن تأمين سلامة الفرد، يلجأ الفرد الى جماعته وقبيلته وطائفته لكي تحميه عند انهيار الدول. هذا عطش لوجود الدولة وليس استياء منها بل خوف من غياب الدولة وليس خوفاً من سطوتها. الأكثرية في أفريقيا يؤيدون مزيداً من الدولة وليس نقصاناً فيها. لكن إيديولوجيا حقوق الإنسان نشأت في مواجهة الدول المتسلّطة في شرق أوروبا فأدّت الى إحياء المجتمع الأهلي على حساب الدولة المتسلّطة. بينما في جنوب الكرة الأرضية ليست المشكلة في وجود دولة قادرة بل بوجود دولة منهارة وعاجزة عن تأمين الحقوق الأساسية للمواطنين.

[ إذاً، تفكّك الدول ينذر بأن عمر ظاهرة الإرهاب طويل؟

ـــ «داعش» ظاهرة لا يفسّرها إلا انهيار الدول. هناك دولة تعثّرت في سوريا ودولة تعثّرت عملية إعادة بنائها في العراق. فحصل فراغ جغرافي واسع يبدأ في الرمادي وينتهي غرباً في تدمر ملأته حركات متنوّعة بينها «داعش». لو كانت هناك دول قادرة على تأمين حاجات الناس القاطنين في هذه المساحة لما نشأت حركة إرهابية في وسطهم. ولو كانت هناك ثقة بين قادة الدول الإقليمية والعالمية لما استمرت الحركات الإرهابية في هذه المساحة. هو ضعف الدول المحلية وكثرة الشك بين الدول الكبرى اللذان يسمحان لحركات مثل «داعش»، أو «بوكو حرام» بالنشوء ثم بالاستمرار. لذلك المسألة ليست عسكرية وإنما نوعية الحكم الذي سيتولى إدارة المناطق التي تسيطر عليها «داعش» الآن. أي نظام سياسي يجب أن ينشأ في سوريا لكي لا يشعر أحد بالإقصاء؟ وأي نظام سياسي يجب أن ينشأ في العراق لكي يعتبر ابن الموصل نفسه ممثلاً في بغداد؟ هذه هي الأسئلة التي ليس هناك من جواب نهائي عليها بعد. وعندما نصل الى الجواب فإن المعركة العسكرية تصبح أسهل والقضاء على هذه الحركات يصبح ممكناً بسهولة. مثلاً هل أن المبادرة التي طرحتها الأحزاب الشيعية في العراق منذ شهر لاقت صدىً مناسباً عند أبناء الموصل والأنبار لكي يفكّوا أي ارتباط لهم بـ«داعش» ويلجأون الى الدولة العراقية؟ أليس بالإمكان تطوير هذه المبادرة لتصبح مقنعة؟ هل هناك وعي في بغداد الى أن احتضان السنّة في العراق شرط لاستقرار الدولة العراقية؟ هذه هي الأسئلة التي تسمح بالقضاء على «داعش». إن تحويل الحرب على الإرهاب الى مسألة أمنية مبدأ قاصر، هو الأمر الذي اشترك فيه بوش الابن مع الأنظمة في منطقتنا. المعالجة الأمنية لحركة طالبان منذ 16 عاماً لم تقضِ عليها. والمعالجة الأمنية لظاهرة «داعش» لن تقضي عليها. المعالجة نفسها لبوكو حرام لن تقضي عليها. وحده المشروع السياسي الاحتضاني وليس الإقصائي هو الذي يسمح بالقضاء التام على هذا النوع من الإرهاب.

[ يواجه العالم تحدياً جديداً يتمثل بوصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض. كيف تقرأ مرحلة ترامب من جهة، وصعود بوتين من جهة مقابلة، وهل هو فعلاً على حساب نفوذ إيران في المنطقة؟

ـــ في حقيقة الأمر، إن روسيا لم تعتبر نفسها يوماً قوة عظمى خارجية عندما يتعلق الأمر بمنطقتنا. من يستمع للقياصرة وللسوفيات ولبوتين يجد الكلام نفسه. إذا كانت أميركا أو الصين دولة كبرى تفكّر أو لا تفكر بالتدخّل في الشرق الأوسط، فروسيا أمر مختلف فهي جزء من الشرق الأوسط. فعندما يتعلق الأمر بمنطقتنا يعتبر الروسي المنطقة جزءاً من إطاره الجغرافي الأوسع وليس منطقة خارجية. لذلك يعتبر أن عليه حقوقاً وعليه واجبات في المنطقة تختلف عن دول أخرى مثل أميركا أو الصين. لذا روسيا في وضع هجين وفي الوقت نفسه دولة كبرى تقارع أميركا، لكن في المنطقة هي دولة إقليمية مثل إيران أو تركيا فتهتم بالطوائف ولديها قواعد عسكرية. بالغنا منذ زمن بأهمية الدور العربي في كل من شمال سوريا والعراق. هناك كان الدور الإيراني ودور تركيا أعظم فاعلية من الأدوار العربية لا سيما بسبب القرب الجغرافي والحدود المشتركة، وأهمية المسألة الكردية بالنسبة الى كل من إيران وتركيا بينما يتجاهلها معظم العرب. روسيا دخلت ثالث الثلاثة في مسألة شمال العراق وسوريا إن في معركة حلب أو في معركة دير الزور أو في التفاهمات المتوازية التي تصيغها موسكو مع كل من طهران وأنقرة بطريقة متدرجة بحيث تحاول ألا يسيء التقارب مع أنقرة الى الغرب وطهران وبحيث تكون موسكو على مسافة متساوية بين طهران وأنقرة. نجح بوتين الى حد كبير في ذلك. هذا الأمر قد لا يعجب واشنطن والأطراف المعنية وخصوصاً العرب لكنه حالياً هو نقطة الجذب الأساسية في حل مشكلة العراق وسوريا. هناك في أميركا من لا يزال يعتقد أن روسيا قادرة على التأثير ولكن ليس على البناء في الوضع السوري. وصحيح أن إعادة بناء سوريا أمر يستدعي بالضرورة التفكير بالغرب وبالخليج وبالصين وبالدول القادرة، ولكن من الناحية السياسية والعسكرية ليس من حلّ ممكن من دون موسكو. السؤال هل هناك حلّ من خلال موسكو؟ أعتقد أن ذلك ممكن لأسباب عديدة أولها عدم وجود اهتمام غربي يوازي الاهتمام الروسي بالمنطقة، وثانيها العلاقات القوية التي نسجتها موسكو مع طهران وأنقرة، وثالثها الضعف الذي أصاب تركيا مؤخراً والذي حمل قيادتها على التحوّل من إسقاط طائرات حربية روسية الى السعي للتفاهم مع روسيا من ضفة الى أخرى. إذاً، هناك إمكانية، أضف الى ذلك أن هناك أكثر من 30 مليون مسلم في روسيا وهم في أكثريتهم الساحقة على المذهب السني، وبالتالي فإن موسكو ما زالت بحاجة لأن تبقى منفتحة على دول يغلب عليها المذهب السنّي لكي لا تعود وتنفجر بوجهها معضلات من نوع الشيشانية التي كلّفتها الكثير».

مَن نصدّق تغريدات ترامب أم وزراءه؟ [ ماذا تنتظر من ترامب؟

ـــ كل ما نراه من ترامب حتى الساعة أمرين: الأول هو انعدام الانسجام بين مقولاته ومقولات من اختارهم لحكومته، بحيث لدينا الآن رئيس لا يريد التفاهم مع بوتين ووزير دفاع معيّن لدى هذا الرئيس يعتبر روسيا خطراً. ولدينا رئيس شتم الاتفاق النووي مع إيران ووزراء عيّنهم مؤخراً دعوا للإبقاء على هذا الاتفاق. إذاً، ما نراه اليوم ربما للمرة الأولى بتاريخ أميركا هو وصول فريق الى الحكم لم يكن أعضاؤه يعرفون بعضهم بعضاً، ولم يأتوا من بيئة واحدة وينقصهم الانسجام في المواقف بدرجة لم أرها خلال الأربعين سنة الماضية. لذلك هناك نوع من الضرب بالرمل: هل نصدِّق تغريدات الرئيس أو تصريحات وزرائه أم من؟ ما نفهمه هو أن لديه نوعاً من الميول الإيجابية نحو روسيا وقدراً من السلبية نحو الصين وإيران وأيضاً نحو بعض حلفائه الأوروبيين مثل ألمانيا وجارته المكسيك. لكن ماذا سيبقى من كل هذا؟ من الأكيد أن الرأي العام له ثقة أكثر بمن يعرف المنطقة أكثر، وبالتالي إذا كانت تغريدات الرئيس تثير الارتباك فإن معرفة وزيري الدفاع والخارجية العميقة والقديمة بالمنطقة توحي ببعض الثقة، ولكن هل سيسمع رأيهما؟ هل سيتفرّد الرئيس ويختلف معها ومع غيرهما؟ ليس من سابقة واحدة لمجموعة تأتي الى الحكم على هذا المستوى من قلّة الانسجام بل ومن التنافر.

[ في سياق قراءة تحديات العالم والإقليم كيف تقرأ المتغيّر اللبناني الأخير الذي أنهى مرحلة الفراغ؟

ـــ لم أغيّر رأيي يوماً بالنسبة الى الوضع اللبناني. قلت دائماً إن فراغ المؤسسات وتعطيلها واهتراءها هو مقدمة للاقتتال. وحدها المؤسسات الفاعلة هي التي تحمي لبنان. لم يعد للبنانيين حماية أخرى غير المؤسسات. وكنت دائماً وما زلت أتذمّر من استسهال التلاعب بالمؤسسات وبإفراغها وبالمواعيد الانتخابية، ولذلك فأنا ممتنٍ وأشعر بالارتياح لأنه انتُخب رئيس وأقفلت مرحلة من الفراغ في قمة الهرم، وتم تأليف حكومة ونحن على أبواب انتخابات تشريعية. إنّ تفعيل المؤسسات من رئاسات ومجالس وإدارة هو ما يبقى لنا. لذلك أنا أؤيّد التفاهم الذي حصل والذي أدّى الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وسعد الحريري رئيساً للحكومة. وأحذّر اللبنانيين من استسهال الوقوع في الأخطاء نفسها مجدداً لأننا استعدنا المؤسسات ولكننا لم نقضِ على الأخطار المحيقة بالبلاد. المنطقة ما زالت مشتعلة، الإرهاب ما زال حياً، ثقل النزوح ما زال ثقيلاً، ثقل الدَين العام ما زال يتنامى، ثقة اللبنانيين بمؤسساتهم ما زالت ضعيفة وبالتالي فإنه ليس مسموحاً لنا أن نكتفي بالملء الشكلي للمؤسسات الدستورية بل علينا أن نجعلها فاعلة في إدارة البلاد وفي درء الأخطار المحيطة بلبنان.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,644,719

عدد الزوار: 6,998,597

المتواجدون الآن: 78