مبادرة الحريري.. أكبر من التحريض!

تاريخ الإضافة الثلاثاء 21 كانون الثاني 2014 - 7:01 ص    عدد الزيارات 244    التعليقات 0

        

 

مبادرة الحريري.. أكبر من التحريض!
بقلم صلاح سلام
اللحظة التاريخية التي حددتها انطلاقة المحكمة الدولية، لنهاية زمن الإفلات من العقاب، واكبها موقف وطني وتاريخي كبير، أطلقه الرئيس سعد الحريري، مؤكداً ارتفاعه فوق آلامه الشخصية والعائلية، وما تحمله من مشاعر الثأر، ومتجاوزاً جراحه الوطنية والسياسية، وما تختزنه من دوافع الانتقام، ومعلناً بكل شجاعة وثبات استعداده للمشاركة في حكومة ائتلافية مع «حزب الله»، كحزب سياسي «من أجل الاستقرار للبلد».
الواقع أن تجليات مبادرات الرئيس الشهيد كانت حاضرة في هذا الموقف الوطني الكبير، بالقدر نفسه الذي كانت فيه ألوان العدالة ساطعة في جلسات المحكمة الدولية.
ولم يكن سهلاً على وريث الزعامة الحريرية أن يدير ظهره للانقسامات والصراعات الداخلية، لولا إدراكه حجم المخاطر المحدقة بالبلد، والذي أوصلته الخلافات السياسية إلى شفير الهاوية، فكان أن قرّر سعد الحريري أن يُقدّم المزيد من التضحيات، لعبور هاوية الفتنة المذهبية، وإنقاذ لبنان من الوقوع في أتون حرب أهلية جديدة.
هكذا كان يتصرّف الزعيم الراحل رفيق الحريري، وهذا ما أقدم عليه حامل الأمانة اليوم، بكل جرأة وإقدام!
* * *
المفارقة الغريبة، أن بعض الأطراف التي تقتات من مستنقعات الخلافات السياسية والحزبية، حاولت التشويش على موجة الارتياح التي عمّت البلاد والعباد، استبشاراً بالانفراج الذي طال انتظاره، فحاولت تلك الأطراف ممارسة التحريض هنا، وإثارة غُبار الانتقادات هناك، وكأن المطلوب هو الإبقاء على خطاب التصعيد، والإمعان في تسخين أجواء التوتير، وصولاً إلى الانفجار الكبير!
لقد أدرك سعد الحريري بحسه الوطني، ومن خلال مروحة اتصالاته العربية والدولية الواسعة، أن البديل عن سياسة اليد الممدودة، والارتفاع فوق الحزازات والحرتقات والخلافات، هو مشروع حرب أهلية، تنطلق شرارتها من الفتنة المذهبية، ثم تمتد نيرانها إلى مختلف مكونات النسيج اللبناني.
فهل المطلوب الخوض بمغامرة خطيرة بهذا المستوى، مع كل ما تحمله من تهديد للمستقبل والمصير؟
وسياسة اليد الممدودة ليست خياراً جديداً في السياسة الحريرية، وخاصة بالنسبة لسعد الحريري بالذات، الذي كان سبّاقاً بمد اليد للشركاء الآخرين، وخاصة حزب الله، وما يمثل من ثقل شيعي، لتجاوز تداعيات أحداث السنوات السوداء التي أعقبت جريمة اغتيال والده الشهيد، ورفاقه الأبرار، على أمل التوصل إلى توافق يحفظ البلد من الانهيار.
صحيح أن سياسة اليد الممدودة، تتعارض أحياناً، مع خطابات السقوف العالية التي تصدر عن أطراف في 14 آذار، ولا سيما بعض نواب المستقبل، ولكن الأصح أيضاً أن قوى 8 آذار، وخاصة حزب الله، ما انفكت تعتمد الخطابات العالية النبرة، والتي تستوجب ردوداً على مستواها، وفق ما تقتضيه اللعبة السياسية على الأقل، فضلاً عن أن خطابات 14 آذار بمعظمها، هي ذات طابع دفاعي، بعكس حملات الفريق الآخر الهجومية!
* * *
النقاش السياسي حول أية مبادرة أو موقف سياسي، يبقى ظاهرة صحية للممارسة الديمقراطية، حتى داخل الفريق الواحد، والحزب الواحد. ولكن ثمة فارق كبير بين النقاش السياسي الهادف للتوضيح، أو للتصحيح، وبين الكلام المشكك والحاقد، والذي ينطوي على كثير من الإثارة والتحريض.
ولعل المشككين والمحرضين يُدركون أكثر من غيرهم، أن الاستمرار بالتسليم لواقع الانقسامات والصراعات الحالية، من شأنه أن يقود إلى السيناريو الأسوأ للبلد، ولكل اللبنانيين المراهنين والمتعلقين بمشروع الدولة، والمتلهفين للأمن والاستقرار، بعد سنوات مريرة من التخبّط ، وعدم الاستقرار، وما أدت إليه من ضياع لفرص ذهبية، على مشاريع النمو والاستثمار، وعلى خطط التقدّم والازدهار.
والسيناريو الأسوأ، الذي يعيش اللبنانيون كوابيسه منذ استقالة الحكومة الميقاتية، وما سبقها من تمديد لمجلس النواب، يفترض استمرار تعطيل عملية تأليف الحكومة العتيدة، وصولاً إلى موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية اللواء ميشال سليمان، وخلق الظروف اللازمة لعدم إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري، وبالتالي وقوع الدولة بكاملها في حالة من التعطيل والفراغ الدستوري القاتل، بعدما تكون الحلقة الجهنمية قد اكتملت بتعطيل كل المؤسسات الدستورية من مجلس نواب ومجلس وزراء ورئاسة جمهورية!
هل كان المطلوب من سعد الحريري، بما يُمثل من زعامة وطنية، وثقل إسلامي، وعلاقات عربية ودولية، أن يمشي و«يُطنّش» على سيناريو يقضي على آخر مكونات الدولة الوطنية، في وقت يتصاعد فيه لهب النيران السورية في الداخل اللبناني، وكابوس التفجيرات والاغتيالات يقضّ مضجع كل لبناني؟
* * *
في ذروة الظلام الدامس الذي يلف المنطقة، ويُلقي بظلاله السوداء على لبنان، منذراً بأوخم العواقب.
وفي دوّامة التكهنات والتوقعات المقلقة حول تداعيات انطلاقة جلسات المحكمة الدولية، لمحاكمة المتهمين بجريمة الاغتيال النكراء للشهيد الكبير ورفاقه الأبرار.
في هذه الأجواء الملبدة بغيوم الانفجار الكبير، أقدم سعد الحريري على إضاءة شمعة لإعادة النور إلى الطريق التي تقود إلى نهاية هذا النفق الطويل.
لم يُجهّز السيّارات المفخخة،
ولم يمتشق رجاله الأحزمة الناسفة،
ولم يلجأ إلى أساليب القتل والاغتيال،
بل عمد بقناعة المؤمن بربه ووطنه، إلى لملمة جراحه، وكتم آلامه، وبادر إلى رسم طريق الإنقاذ والنجاة أمام اللبنانيين، للخروج من دوّامة هذه الأزمة المتمادية، قبل أن تُطبق نيرانها على الجميع!
مبادرة سعد الحريري لم تطلق صافرة تأليف الحكومة وحسب، بل فتحت طريقاً واسعاً أمام مصالحة وطنية افتقدها سلام الطائف، وغابت عن طاولة الحوار!

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,850,483

عدد الزوار: 7,005,917

المتواجدون الآن: 73