من أرشيف العلاقة الرمادية بين جماعات "المعارضة" "العونيون" و"السوريون القوميون": قصة "انتقام وغرام"

تاريخ الإضافة السبت 23 آب 2008 - 9:18 ص    عدد الزيارات 1232    التعليقات 0

        

جهاد عون

بين "العونيين" و"القوميين السوريين" قصة "غرام وانتقام" قلَّ ان شهد مسرح السياسة اللبنانية مثيلاً لها، خصوصاً حينما يتعمق المرء في البحث في جذور هذه العلاقة الهجينة. فرغم عنوان "المعارضة" العريض الذي يجمع الحزبين في مواجهة قوى 14 آذار وشعاراتها، إلا أن حزبيي الطرفين، وخصوصاً العونيين منهم يحاذرون الاقتراب من "السوريين القوميين" والتعامل العلني معهم، لأسباب شتى، في مقدمها الصلة الوثيقة التي تربط "السوريين القوميين" بالنظام السوري، وعدم رغبة العونيين وزعيمهم في التعامل علناَ مع رموز الهيمنة السورية على لبنان. الفرق كبير بين الطرفين، فالحزب "السوري القومي الاجتماعي" يؤمن بصرامة بالعقيدة "السورية القومية الاجتماعية" أو وحدة سوريا الكبرى التي أرسى فلسفتها مؤسس الحزب وزعيمه الوحيد انطون سعادة الارثوذكسي الآتي من بلدة ضهور الشوير في المتن، والذي وجد في العلمنة واقتراح عقيدة المدرحية ديناً لسورياه الموعودة، وهذه نظرية تقوم على الجمع بين المسيحية والاسلام واعتبار ان لا خطر على هذه "الامة السورية ووحدتها إلا اليهود" الذين يشدّد سعادة على كونهم أعداء الدين والوطن. وهكذا ذهب سعادة ومن بعده محازبوه الى مداخلات طويلة حول وحدة بلاد الشام ورفض الكيان اللبناني، رغم ان سعادة نفسه لم يجد مفرًّا من الاعتراف بخصوصية هذا اللبنان.
وعلى نقيض "الحزب السوري القومي" شديد التنظيم والولاء العقائدي والفكري، تجتمع في التيار العوني اتجاهات عدة من بقايا اليسار والقوميين العرب والقوميين اللبنانيين من بقايا حزب "حراس الارز" و"التنظيم اللبناني"، وحتى من الخارجين من "الحزب السوري القومي الاجتماعي" لأسباب مختلفة. لكن الفكرة الرئيسة التي يستند اليها "التيار" هي القومية اللبنانية التي وجدت في ادب الرحابنة ومسرحياتهم، اضافة الى الشاعر سعيد عقل والاديبة الراحلة مي المر، ضالتها في القومية اللبنانية التي تمجد طبيعة لبنان وفكرته وتنطلق منها الى التعامل مع التاريخ اللبناني كسياق متكامل لنشوء الامة اللبنانية التي تمثل هذا الوطن "العظيم".
لكن محاولات التيار العوني في التوصل الى سلم مبادئ واضح ينظم "ايديولوجيا التيار" على اسس واضحة لم تفلح ولم تصل الى نتيجة واضحة،، واقتصر الأمر على اعتماد خطاب النائب ميشال عون نموذجاً للاقتباس لدى جمهور المحازبين، لذا يردد العونيون حرفياً ما يعلنه قائدهم. فإذا تقرب من رأس الكنيسة المارونية في بكركي بادروا في اليوم التالي الى زيارة الصرح البطريركي وترداد عبارات التأييد. واذا أعرب عون عن حسن نوايا تجاه "حزب الله" وتوقيع مذكرة تفاهم مع الحزب الإلهي، خرج العونيون الى تمجيد فعلة القائد الملهم دون إعمال العقل كثيراً في أسباب ونتائج هكذا تفاهم ومردوده السلبي او الايجابي. أما الجهود المضنية التي بذلها "التيار العوني" لبلورة فكرة ما تجمع مناصريه من خلال مدرسة الإعداد الفكري والتي أوكل أمرها الى الدكتور بسام الهاشم الآتي من فرنسا، فقصرت عن تحقيق أي من اهدافها، واستغلها الهاشم لتعزيز موقعه في "التيار" استعداداً للترشح لانتخابات ربيع 2009.
إذاً، لا شيء يجمع في الأصل بين العونيين والقوميين. فمن جهة هناك فكرة قومية سورية متكاملة تريد إلغاء لبنان واستتباعه لسوريا في سبيل وحدة بلاد الشام والهلال الخصيب الموعود. وفي المقابل هناك شذرات فكر سياسي ـ طائفي يتمحور حول شخص القائد السابق للجيش، النائب ميشال عون وخطابه الذي يترنح بين أقصى القومية اللبنانية والطائفية. فهو يعلن لمناصريه في "يوم العودة" من المنفى سنة 2005 قائلاً :"اذا تحدثت طائفياً فانبذوني". لكنه بعد حين أخذ يكيل الانتقادات والاتهامات المذهبية للطائفة السنية متهماً اياها بالاعتداء على حقوق المسيحيين ومصادرة دورهم ومحاولة الهيمنة على البلاد والاستئثار بها.
وهكذا توحد العونيون والقوميون على التحرك معاً ضد السنة وتحديداً قائدهم "تيار المستقبل"، ونزل العونيون بأعلامهم البرتقالية و"السوريون القوميون" بأعلام الزوبعة معاً الى اعتصام ساحة رياض الصلح تحت شعار اسقاط حكومة فؤاد السنيورة وما تمثل. ونسي العونيون تماماً فعلة "الحزب السوري القومي الاجتماعي" الذي اراد اغتيال قائدهم التاريخي ميشال عون واسقاط طوافته العسكرية في قبرص اثناء ذهابه الى تونس. ونسي العونيون تماماً او تناسوا فعلة "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، الذي شارك في اجتياح المناطق المسيحية الواقعة تحت سيطرة الجيش اللبناني في 13 تشرين الأول 1990 وخصوصاً على محاور العيرون والدوار وبكفيا وعين التفاحة حيث تقدم "السوريون القوميون" مع جحافل الجيش السوري الغازي وقاموا باعتقال العسكريين الموالين لعون وتسليمهم الى السوريين. لكن الأهم ان العونيين وقائدهم نسوا تماماً فعلة ارسال "السوريين القوميين" عشرات السيارات المفخخة، الى المناطق المسيحية في الثمانينات من القرن الماضي، وقتل المئات ضحية الرغبة السورية في زعزعة امن المناطق المسيحية وخصوصاً اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل وابنته مايا وتفجيرات ساحل المتن الكثيرة. ويذكر قدامى العونيين جيداً افعالاً جرمية كثيرة اقترفها "الحزب السوري القومي" ضد الجيش اللبناني وقائده ميشال عون، لكنهم يقفزون عنها الى وقائع اخرى، منها، على سبيل المثال لا الحصر، التعاون بين "الحزب السوري القومي" والعونيين خلال "حرب الإلغاء" بين "القوات اللبنانية" ووحدات الجيش المؤيدة لعون. وذلك عندما تولى عميد الدفاع حينها في "الحزب السوري القومي" اسعد حردان تزويد قوات عون بالمؤن والامدادات وخصوصاً القذائف المدفعية الثقيلة من عياري 120 و103 ميلليمتر. هذا مع العلم ان هذه "المساعدة" كانت تهدف الى إذكاء نار الحرب المسيحية ـ المسيحية، بغية تدمير المجتمع المسيحي وتقويض مناعته الداخلية في مواجهة الاحتلال السوري.
وذهب عون آنذاك بعيداً في رد الجميل الى "الحزب السوري القومي الاجتماعي" ومن ورائه القيادة السورية بالإفراط في إظهار عبارات التأييد إلى حد الحديث عن إلغاء الحدود المصطنعة بين دول الشرق الأوسط، والتي رسمتها برأيه اتفاقية سايكس ـ بيكو بين الفرنسيين والانكليز عقب الحرب العالمية الأولى. وروى احد المستشارين السابقين ان العماد ميشال عون ذهب في احدى مراسلاته السرية مع الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد صيف 1988 الى اشتهاء ان يكون جندياً في جيش الشام العظيم، وكتب عون حرفياً: "إنني عسكري وبهذه الصفة فإنني أتمنى أن يعتبرني القائد الكبير حافظ الأسد ضابطاً صغيراً في جيشه (...). إنني أقدر كل التقدير ما قدمته دمشق للبنان عامة وللمسيحيين خاصة، وواجبي إذا ما حظيت بتأييد سوريا أن أرد لها الجميل، وعلى هذا أنا مستعد لأن اقدم أي تعهد يطلب مني لضمان أمن سوريا في لبنان(...). وأنا مستعد لعقد أي اتفاقات أمنية إضافة إلى تمتين العلاقات المميزة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. أعرف بحكم موقعي أن لسوريا خصوماً يناهضونها في لبنان وأنا على استعداد لقطع دابرهم (...)".
أفادت هذه الوقائع "الحزب السوري القومي الاجتماعي" الذي تحرك بعض أركانه لترتيب زيارات ممثلين عن التيار العوني إلى قيادة الاستخبارات السورية في عنجر. ومن المعروف أن رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية غازي كنعان كان قد حدد موعداً للقاء يتم مع ممثلين عن التيار العوني مثل بيار رفول ورفاقه صبيحة 13 تشرين الاول 1990. ولكن بدلاً من اللقاء حصل الاجتياح العسكري السوري، والمجازر والدمار وهرب عون الى السفارة الفرنسية لاجئاً كي لا يقع في قبضة القوات الخاصة السورية.
بعد استتباب الأمر للسوريين وإمساكهم الكامل بمقدرات السلطة، كان نصيب "الحزب السوري القومي الاجتماعي" كبيراً من المغانم، فتمكن للمرة الأولى في تاريخ لبنان من تشكيل كتلة نيابية مهمة. وتعاقب قياديو الحزب على تولي مناصب حكومية مؤثرة إضافة الى دورهم الكبير في تركيب بنى المؤسسات اللبنانية على نحو يخدم النظام السوري واهدافه. وترأس "السوري القومي" نصري خوري "المجلس الاعلى السوري ـ اللبناني" الذي انصرف الى وضع مشاريع الاتفاقات والقوانين التي تستتبع لبنان نهائياً الى النظام السوري وتزيله عن خريطة الكيانات، دستورياً.
وفي المقابل كان العونيون بين 1990 و 2005 يخوضون صراعاً عنيفاً بالتعاون مع معارضي سوريا في لبنان لمواجهة هذا الوضع. ولطالما اعتبر النظام الأمني السوري هذه المعارضة تهديداً له وحاول قمعها بأشكال عدة، ما أدى إلى اعتقال مئات العونيين والزج بهم في السجون، فيما كانت مديريات "الحزب السوري القومي" وفروعه ومنظماته الطلابية ظهيراً قوياً للاستخبارات السورية في التعامل بشدة مع العونيين. لكن هذه الاوضاع أخذت تتغير تدريجاً مع بداية التحولات الكبيرة في مواقف القيادات اللبنانية، السنية منها والدرزية، وتحديداً رفيق الحريري ووليد جنبلاط. وفي هذه الأثناء بادر السوريون إلى إطلاق خيار التعاون مع ميشال عون، وبادر ميشال سماحة وفايز القزي وإيلي حبيقة وإيلي الفرزلي الى تمهيد الطريق امام استعادة العلاقات الجيدة بين النظام السوري وعون. وفي هذا السياق أخذ انصار سوريا يرددون أنهم يفضلون الحوار مع خصم شريف (المقصود عون) على التعامل مع صديق غدار (المقصود الحريري وجنبلاط). لكن هذا الغزل لم ينسحب على "السوريين القوميين" الذين حافظ عون على مسافة منهم الى حين عودته إلى بيروت بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري.
رفض ميشال عون التحالف مع "السوريين القوميين" في انتخابات 2005 علناً، وذلك بعد حسابات بسيطة مفادها أنه يريد مواجهة الحلف الرباعي، وحصد نتيجة ذلك تأييداً كبيراً لدى المسيحيين الذين يخشون العودة السورية إلى لبنان ولو بواسطة حلفائها، لكن عون لم يجد بداً من التحالف مع "السوريين القوميين" في انتخابات 2007 الفرعية في المتن بعدما تراجعت نسبة مؤيديه بدرجة كبيرة، ولولا أصوات "السوريين القوميين" لكان عون مني بشر هزيمة امام منافسه اللدود ورئيسه السابق امين الجميل. أما اليوم فيجد ميشال عون نفسه امام جملة وقائع صعبة خصوصاً على المستوى الداخلي في "التيار" حيث نجح "السوريون القوميون" في التسرب الى بنيته التنظيمية في مناطق مختلفة وخصوصاً في جبل لبنان والكورة وعكار. ويردد أهالي المناطق المسيحية كثيراً أخباراً عن أن فلاناً كان "سوريًا قومياً" لكنه أصبح عونياً. ولا يتردد بعض مسؤولي "التيار" في الإعراب عن خشيتهم مما آلت إليه أمور تيارهم وتوزعه شيعاً ومراكز قوى تتبع التنظيمات الاخرى، وخصوصاً "السوري القومي" و"المردة" وانصار الوزير السابق الراحل ايلي حبيقة، لكن الخشية هي على مصير العونيين بعد قائدهم ميشال عون وتوزعهم شللاً متناحرة. والمشكلة الاكبر لدى عون، هي كيفية التعامل مع حليفه اللدود أي "الحزب السوري القومي" في انتخابات 2009 وماذا سيفعل العونيون اذا أصر القوميون على الحصول على مقعد نيابي في المتن مثلاً أو في عكار أو في مرجعيون حيث "يسن العونيون أسنانهم" للفوز بالتمثيل المسيحي عن هذه المناطق.
إنها قصة "انتقام وغرام" المؤكّد فيها أنّ "السوريين القوميين" لم يذهبوا الى العونييين ولا تبنوا نظرياتهم، بل ذهب عون بالعونيين الى تبني سياسات "الحزب السوري القومي" ورؤيته في الكثير من الأمور...

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,613,346

عدد الزوار: 6,997,724

المتواجدون الآن: 81