تقارير ...«النهضة» والسلفيون: طلاقٌ في العلن .. زواجٌ في الخفاء؟..قضيـة «البـدون».. قنبلـة كويتيـة موقوتـة!...البسطويسي لـ«الحياة»: وزير الدفاع سيكون مدنياًوالإسلاميون مؤهلون للقيادة التوافقية

الحملة الانتخابية الجزائرية... خطاب فارغ وعقلية مناطقية..في أنطاكيا حاضنة اللاجئين السوريين... سجال «طائفي» وسباق استخباراتي وأحلام مؤجلة

تاريخ الإضافة السبت 12 أيار 2012 - 7:05 ص    عدد الزيارات 2337    القسم عربية

        


الحملة الانتخابية الجزائرية... خطاب فارغ وعقلية مناطقية
الحياة..الجزائر - عاطف قدادرة

تحولت الحملة التي سبقت الانتخابات التشريعية التي تقام اليوم في الجزائر، والتي تصفها السلطات الجزائرية بـ «المصيرية»، إلى مدعاة لسخرية كثير من الجزائريين، فراحوا يصفونها بأنها «النكتة» الأولى في يومياتهم المثقلة بهموم السكن والبطالة. ويرفض محللون متابعة الظاهرة من باب «الاستخفاف» بقدر ما يرون فيها أزمة سياسية خانقة تسببت بها «ميوعة» العمل السياسي والحزبي بعد عقدين من التعددية السياسية.

هل الجزائر أمام أزمة سياسية حقيقية امتدت تشعباتها إلى جمهور المتلقين؟ يبدو الجواب واضحاً من خلال مظاهر الحملة التي كانت باهتة ولا تستهوي الجزائريين. لكن هل الأمر مجرد أزمة سياسية تتصل بالعمل الحزبي فحسب، أم أنها ترتبط بطبيعة منظومة الحكم؟

في الواقع، لم يجد رؤساء الأحزاب المتنافسة على مقاعد البرلمان، طريقة لجذب انتباه 21 مليون ناخب مسجل في القوائم الانتخابية، فقد سارت الأمور على نحو واحد خلال أسبوعين من الحملة، بل تراجعت الحماسة تدريجاً كلما مضت أيام الحملة على رغم محاولات قادة سياسيين «تسخين» الخطاب اعتماداً على «اتهامات إيديولوجية» بين معسكري «الإسلاميين» و «الديموقراطيين».


«الثورة الزراعية»

يتساءل مراقبون عن سبب «عزوف» الناس عن مجرد سماع خطاب المرشحين. والحقيقة أن كثراً لا يرون ما سيستجد بعد الانتخابات، فثمة أحزاب كبرى ظلت شريكة في الحكم سنوات طويلة، و «حزمة» أحزاب توصف بأنها «مجهرية» أريد لها أن تغذي الخطاب المستهلَك، لكنها ساهمت في «تمييعه» وفق مراقبين، ويعاب عليها قبولها دخول المنافسة قبل بضعة أسابيع من الاستحقاق، فكانت القوائم الحزبية بالتالي مدعاة نفور واسع.

يضاف إلى ذلك أن شكل الحملة الانتخابية نفسه لم يكن عامل جذب، ويشعر متابعون بأن لا فرق بين الحملة الانتخابية الحالية وتلك التي أجريت في 2007 أو حتى في 2002، ليس من حيث الوجوه والخطابات فقط، المصرّة على أن الجزائر بعيدة من «أحداث الربيع العربي»، بل أيضاً من حيث الشكل الذي يوصف بأنه «لا يفتح الشهية». والسبب أن الأحزاب لم تبدع بطبيعتها ولم تسع خلف خدمات المبدعين في مجال الإعلام والاتصال.

وعلى رغم أن هذه التشريعات هي الخامسة منذ اعتماد التعددية السياسية والحزبية، وعلى رغم القفزة في مجال تكنولوجيا الاتصالات والانترنت، فإن هذا الرصيد لم يفضِ إلى تحسين الحملات الانتخابية للأحزاب التي لا تزال تتصرف كأن الجزائر لم تبرح عهد الأبيض والأسود وفي كل شيء، سواء في البرامج الموزعة أو في اللافتات الملصقة على الجدران أو في القاعات المحددة لتنشيط التجمعات الشعبية. ويستهزئ إعلاميون بمشاهد الحملة الانتخابية ويكتبون أنها تذكر بعهد الثورة الزراعية والتسيير الاشتراكي للمؤسسات، ولا توحي بأن البلاد تعيش فترة انفتاح على اقتصاد السوق.

ويعاب على كثير من المرشحين للانتخابات، اختزال دور البرلمان في مشاريع محلية تقترب كثيراً من رؤساء المجالس المحلية على مستوى البلديات والولايات، بدل اقتراح مشاريع سياسية تتصل بالمهمة الأولى التي ستوكل الى البرلمان المقبل، وهي مراجعة دستور البلاد. وهذه ثقافة تتحملها «منظومة الحكم» في ممارساتها للسلطة التنفيذية واختزال السلطة التشريعية في «غرفة تسجيل»، فبرلمان 2007 لم يسنّ قانوناً واحداً، فاستحوذت الحكومة على صلاحية التشريع فيما احتفظ الرئيس الجزائري بصلاحياته في التشريع بـ «أوامر رئاسية» في فترات ما بين الدورات البرلمانية. ولعل جزءاً من مسؤولية هذه الممارسة تتحمله ثلاثة أحزاب شكلت لسنوات تحالفاً رئاسياً، هي: جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديموقراطي، وحركة مجتمع السلم (انسحبت في كانون الثاني/يناير الماضي)، فقد تحولت إلى أحد مراكز السلطة بدل الاضطلاع بدور السلطة المضادة وممارسة الرقابة على أداء الجهاز التنفيذي.

هكذا سنّت الحكومة 72 قانوناً خلال الولاية البرلمانية المنقضية، فيما لم يتمكن النواب من سنّ أي قانون، علماً أن كتلاً برلمانية تقدمت بعشرة مقترحات قوانين وُئدت في منتصف الطريق داخل مكتب المجلس الشعبي الوطني الذي يهيمن عليه حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديموقراطي.

هزال وخواء

يقول الكاتب الصحافي العربي زواق لـ «الحياة» إن «الحملة الانتخابية التي شهدتها الجزائر، ولم يتابعها الجزائريون، هزيلة وبإجماع المراقبين بمن في ذلك رجالات السلطة الذين يقرون في مجالسهم الخاصة بأن خطاب الحملة فارغ وخاوٍ من أي معنى أو مداليل». ويرى أن «السبب لا يرجع بطبيعة الحال إلى خواء الخطاب الحزبي، لأن هناك أحزاباً وإن كانت قليلة وتعد على الأصابع لها رؤى وتصورات محترمة قادرة على إثراء الساحة، لكنها ضاعت وذابت في فراغ الخطاب العام للأطروحات المتداولة».

ويتحدث زواق عن «إفلاس طبيعي» ناجم عن «انفتاح لم يكن طبيعياً. بل نتج من عملية قيصرية ولّدها الخوف من تداعيات الربيع العربي على الجزائر». ويضيف: «لقد أغلقت الأبواب في وجه الفاعلين والناشطين الجزائريين منذ مجيء الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة إلى الحكم عام 1999، وفتحه المجال أمام نخب مهترئة يعود فكرها إلى فترة الحرب الباردة. وعندما انفجر الوضع العربي بالصيغة المعروفة فتح النظام الجزائري الأبواب أمام كل من هبّ ودبّ، لا إيماناً بالديموقراطية وإنما خوفاً من انفجار الأوضاع، فكانت النتيجة هذه الساحة المائعة الفارغة التائهة والمفتوحة على كل الاحتمالات».

ويلفت زواق إلى أن السلطة «جمدت لسنوات حركة المجتمع خوفاً مما لم يكن منتظراً، وغير المنتظر هذا هو الربيع العربي... فُتحت الأبواب أمام الجميع قبل شهرين من التشريعيات والنتيجة هذا الاستخفاف الذي نعيشه». ويختتم أن «ما تعيشه الجزائر هو أزمة نظام بلغ نهايته من دون أن يحضّر نفسه للرحيل أو يحضر غيره لخلافته».

لكن، ما الذي يجعل من الحملة الانتخابية مدعاة «للسخرية»؟ إنه الخطاب «الساذج» أحياناً من أغلب المتنافسين على مقاعد البرلمان، من وعود بتوفير الغاز والماء وتعبيد الطرق وتوفير السكن والقضاء على البطالة، وهي مقترحات بليدة تفتح علامة تعجب كبيرة وتدفع المواطنين الى التساؤل: «إذا كان هذا هو دور النائب، فما هو دور المنتَخبين في المجالس البلدية والولائية عن هذه الأحزاب المتنافسة نفسها؟»... يحدث هذا مع أن الدستور حدد بوضوح أن مهمة النائب وطنية لا محلية، لكن ماذا يرجى من نائب يريد دخول البرلمان ولا يعرف أصلاً مهمته؟

والأمر نفسه ينطبق على الملصقات الإعلانية التي تحمل صور مرشحي الأحزاب والتي غابت عنها كل أنواع الإبداع والجمالية. وإذا كان الشكل الرديء لم يتغير في الملصقات واللافتات الحزبية خلال هذه الحملة، فإن المضمون الذي يحمله الخطاب السياسي لقيادات الأحزاب لم «يتعصرن» هو الآخر، بحيث ما زالت العناوين تتكرر والأطروحات السياسية والاقتصادية تتردد، وكأن الجزائر لم تتزحزح من مكانها في السنوات التي تلت انتخابات 2007. فمن جهة الأحزاب تقول إن لديها أفكاراً وتطلق وعوداً لكسب الناخبين، ومن جهة يلتقي معظمها سواء من المعارضة أو من التحالف الرئاسي على الترويج لبرنامج بوتفليقة، وهو ما يعني أن الطبقة السياسية لم تعد تنجب أفكاراً من رحمها وأصيبت بداء العقم.

وخلافاً لما كان متوقعاً من أن تعمد قيادات الأحزاب الى رفع درجة الحرارة في خطاباتها مع مرور أيام الحملة الانتخابية وتسارع العد التنازلي ليوم الاقتراع، ظلت الساحة السياسية على مدار أيام تجتر الأفكار نفسها وتكرر التوجهات التي تراها ذات أولوية، وظهر التنافس خالياً من الأطروحات السياسية الدسمة ومن الملفات الكبرى.

حملات مضادة

في المقابل، لم يكتف جمهور المتلقين بالعزوف عن التجمعات الشعبية لقادة أحزاب متنافسة، بل توسع الأمر الى حملات «مضادة» من مواطنين حاولوا منع عقد تجمعات ومزقوا ملصقات انتخابية. وشهدت الأيام الماضية رفع ملصقات «بديلة»، يحمل بعضها صور «مجانين»، وعُدّلت في بعضها الآخر صور مرشحين إلى أشكال ساخرة لتعلق أمام عامة الناس.

ولعل هاجس «العزوف» الذي يعد بانتكاسة كبرى للنخب الحاكمة، يجعل من ممارسات اللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات محل انتقاد، فاللجنة التي يراد لها إنجاح الحملة بضبط الأمور التنظيمية من دون تظلم من أحد، وجدت نفسها «غير راغبة» في فرض عقوبات على كثير من المرشحين على رغم الخروق المسجلة. وقد أعلنت اللجنة أن صلاحياتها لا تتيح لها التدخل في حالات توظيف الدين ووسائل الدولة في الحملة الانتخابية، واعتبرت أن الذين يستعملون الدين في الحملة غير جديرين بتمثيل الشعب في البرلمان.

وسبق للسلطات أن وضعت «خطوطاً حمراً» أمام المرشحين المحتملين، بمنع تلقي تمويل أياً كان نوعه من هيئات أجنبية، وحظر استغلال أماكن العبادة في الدعاية السياسية. وفي قائمة المحظورات، ما يمنع من استعمال «اللغات الأجنبية في الحملة»، ما يعني فرض خطاب منطوق باللغتين العربية أو الأمازيغية. أكثر من ذلك، تفرض السلطات بناءً على مواد في قانون الانتخابات، أن يُرفَق بكل إيداع ترشيح البرنامج الانتخابي الذي يتعين على المرشحين احترامه أثناء الحملة. 051023b‭.jpg ومن الممنوعات أيضاً، استطلاع نيات الناخبين للتصويت وقياس شعبية المرشحين قبل 72 ساعة من الاقتراع، وقبل خمسة أيام للمقيمين في الخارج.

وحُيّدت المساجد وكل أماكن العبادة والمؤسسات والإدارات العامة ومؤسسات التربية والتعليم عن الحملة بمنع استعمالها لأغراض الدعاية الانتخابية بأي شكل من الأشكال. أما بالنسبة الى شخص المرشّح فطلب منه «الامتناع عن كل سلوك أو موقف غير قانوني أو عمل غير مشروع أو مهين أو شائن أو لا أخلاقي أو الاستعمال السيئ لرموز الدولة».

كذلك وُضعت ضوابط لتمويل الحملات الانتخابية، فأعلن تقنينها من طريق «مساهمة الأحزاب السياسية أو مساعدة محتملة من الدولة تقدم على أساس الإنصاف أو مداخيل المرشح». وحُدّد سقف نفقات الحملة الانتخابية لكل قائمة في الانتخابات التشريعية بحيث لا يتجاوز «حداً أقصاه مليون دينار لكل مرشح».

 

 

 

 

البسطويسي لـ«الحياة»: وزير الدفاع سيكون مدنياًوالإسلاميون مؤهلون للقيادة التوافقية
الحياة..القاهرة – أحمد مصطفى
 

يسعى المرشح الرئاسي المستشار هشام البسطويسي إلى تقديم نفسه رئيساً قادراً على قيادة «توافق» وطني. فالرجل الذي شغل منصب نائب رئيس محكمة النقض وخاض معارك طاحنة مع النظام السابق بسبب رفضة تزوير الانتخابات البرلمانية عام 2005، رفض السير على درب القوى المدنية في الهجوم على التيار الإسلامي، بل على العكس، اعتبر أنهم الفصيل الوحيد «المؤهل لقيادة العمل الوطني» لكن في إطار توافقي. كما دافع عن سياسات المجلس العسكري، عازياً أخطاءه إلى «غياب الخبرة السياسية»، وشدد على ضرورة الحوار مع جنرالات الجيش من أجل وضع ضوابط لعلاقة الجيش بالدولة في المستقبل، وإن يكن يقدم مقترحاً قد لا يجد قبولاً لدى عسكر مصر، إذ أنه يفضل أن يكون وزير الدفاع مدنياً. البسطويسي يدعو إلى توافق وطني شامل للخروج من معضلة انتخاب الرئيس من دون كتابة الدستور، فهو يرى أنه من دون توافق قد يظهر «دكتاتور» جديد، يسرق البلاد والثورة، لمصلحة تيار سياسي معين.

وفي ما يخص السياسة الخارجية لمصر، أكد القاضي السابق في حديث الى «الحياة» ضرورة أن تستعيد مصر دورها الإقليمي، مشدداً على أن أمن الخليج مرتبط بأمن مصر. وتعهد «إعادة التوازن إلى اتفاقية السلام» بين مصر وإسرائيل.

وهنا نص الحديث:

> من معركة استقلال القضاء إلى معركة بناء الدولة ماذا لديك لتقدمه للمصريين؟

- في البداية حشد القوى الوطنية كلها وإزالة الخلافات بينها خلف برنامج وطني يتفق عليه الجميع لتحقيق أهداف الثورة. نحتاج إلى بدء مرحلة انتقالية جديدة. المرحلة الماضية اعتبرها مرحلة ثورية وليست انتقالية، والمفترض أن نبدأ مرحلة انتقالية جادة تحقق أهداف الثورة، تبدأ بتطهير مؤسسات الدولة من الفساد، وإعادة هيكلتها كلها. نحتاج أيضاً إلى إنشاء هيئة مستقلة تشرف على الاستحقاقات التي ستمر بالبلاد خلال المرحلة اللاحقة، على أن تتصف بالديمومة لكي تكون محل ثقة من الجميع. نحتاج إلى رفع معاناة المواطن، من إعادة الأمن والانضباط إلى الشارع، كما أننا نحتاج إلى إعادة هيكلة القضاء والإعلام. أطرح فكرة الديموقراطية التشاركية، والتنمية الاقتصادية التشاركية، لكي يتفاعل المواطن مع الأحداث ونجعله أكثر تأثيراً.

> كيف تدبر مصادر تمويل حملتك الانتخابية؟

- ليس لدي مصادر تمويل لحملتي الانتخابية. فتحنا حساباً مصرفياً لتلقي التبرعات لكن رصيدي صفر. من البداية قلت إنني لن أقبل أموالاً من رجال أعمال، أو جمع تبرعات من المواطنين الذين يحتاجون إلى الدعم. المفترض إني أخوض الانتخابات لرفع معاناتهم وليس للحصول على أموالهم.

> لكن حملة انتخابية تحتاج إلى نفقات.

- بالتأكيد، لكن المفترض أن تكون في الحدود المنطقية. أحد مكاتب الدعاية قال لي إن أقل حملة دعائية تكلف 4 ملايين جنيه، فقلت له لو معي هذا المبلغ أنشئ مشروعاً خيرياً لأطفال الشوارع والمشردين.

> ماذا عن تشكيل «الفريق الرئاسي» الذي دعا إليه كثيرون؟ لماذا لم يكتب له النجاح؟

- تناول الموضوع يتم بطريقة خاطئة، فكلما أثير الأمر يجري البحث في الأسماء ما يؤدي إلى الفشل، إذ أن كل مرشح يرى أنه الأجدر والأكفأ. أنا اقترحت أن نشارك كل الفصائل السياسية في عمل جبهوي وفق برنامج عمل وطني واحد تشارك فيه كل القوى السياسية. عندها، يمكن الاتفاق على شخص يخوض الانتخابات الرئاسية لتنفيذ هذا البرنامج، على أن يتعهد أمام الشعب تشكيل فريق رئاسي يضم أربعة نواب رئيس، يمثل كل منهم يمثل فصيلاً سياسياً، على أن تكون القرارات بغالبية أصوات هذا المجلس. كما يُنشأ مجلس آخر من المساعدين يقوم على شباب الثورة، فيجري تدريب هؤلاء على العمل السياسي والتنفيذي. إذا تحقق هذا نكون نقلنا الثورة ومصر إلى مرحلة جديدة نؤسس فيها لنظام ديموقراطي بتوافق بين كل القوى السياسية. وبعد إنجاز المرحلة الانتقالية التي ستستغرق دورة رئاسية كاملة (4 سنوات) نختلف في ما بيننا، وتبدأ القوى السياسية التنافس، لأن الواضح أن انتخاب الرئيس سيحصل من دون وضع دستور يحدد الصلاحيات والاختصاصات، ومن ثم سيكون لدى الرئيس المقبل صلاحيات واسعة، قد تؤدي إلى خروج دكتاتور جديد، يستطيع أن يسرق البلاد كلها لمصلحة تيار سياسي معين، وهو أمر بالغ الخطورة، ويعطي حالة من عدم الثقة وعدم الأمان. لكن عندما يكون الأمر في إطار عمل جبهوي ومشاركة بين كل القوى السياسية، يتوافر نوع من الضمانة للمواطن بأن أحداً لن يخطف الثورة ويتحول إلى دكتاتور جديد، وسيكون لدينا قواعد ديموقراطية تحكم الجميع.

> هل من فرصة لكتابة الدستور الجديد قبل تنصيب الرئيس؟

- بالتأكيد كان من الأفضل الانتهاء من صياغة الدستور قبل الرئاسيات، لكن لا يجوز أن نبكي على اللبن المسكوب. قطعنا شوطاً في المسار الرئاسي، ولن تُقبل فكرة إرجاء الانتخابات الرئاسية، لكن علينا أن نبحث عن ضمانات تطمئن الناس إلى أن الرئيس الذي سينتخب من دون دستور جديد لن يستخدم الصلاحيات الواسعة التي ستتاح له وأن يتحول إلى دكتاتور. لذلك لا بد للقوى الوطنية أن تتفق على عمل جبهوي وعلى وثيقة تضمن أن الرئيس المقبل سيلتزم مضمونها ولن يفرض سطوته ويغير المسار لمصلحته أو لمصلحة التيار الذي يمثله.

> مصر تعيش استقطاباً سياسياً منذ رحيل النظام السابق. هل في ظل مناخ كهذا يمكن الاتفاق على ما تطرحه؟

- الأخطار المتوقعة من إجراء الانتخابات الرئاسية قبل وضع الدستور كافية جداً لجعل الجميع يراجعون أنفسهم، ويلحقون بركب التوافق الوطني ونسيان كل الماضي. علينا أن نتحد ونتوافق فوراً، وإذا لم يحدث ذلك سنضع البلاد أمام أخطار شديدة جداً.

> كيف ستكون علاقتك بالإسلاميين في حال وصولك إلى سدة الحكم؟

- ليس لدي مشكلة مع تيار الإسلام السياسي، خصوصاً أن بدايتهم في العمل السياسي كانت جيدة، إذ سعوا إلى توافق وطني والى «المشاركة» و «ليس المغالبة». إنما هناك قوى في صفوفهم لديها رأي آخر وبدأت تفرض وجهة نظرها وتدفع تيار الإسلام السياسي إلى محاولة السيطرة على المشهد و «المغالبة». وأنا أعتقد أن هذا التيار اكتشف أنه كان متسرعاً في قراره، وأنه أخطأ في هذا القرار، وهذا يُحمد لهم. أنا أرى أن الإسلاميين بدأوا التراجع عن أفكار السيطرة والاستحواذ وبدأوا عرض التوافق مرة أخرى، لكن ما ينقصهم هو الخطوات العملية... كان لدي أمل في أن تيار الإسلام السياسي باعتباره التيار الحائز الغالبية النيابية هو المؤهل لقيادة العمل الوطني في إطار توافق وطني مع كل القوى السياسية، خصوصاً أننا مقبلون على مرحلة انتقالية جديدة، وهذا ليس وقت بدء صراعات سياسية والمغالبة. يجب في البداية الانتهاء من المرحلة الانتقالية، وبعدها نختلف.

> إلى أي مدى أثر استبعاد عمر سليمان وخيرت الشاطر في خريطة التوازنات السياسية؟

- الناس كان لديهم فزع غير مبرر من خوض سليمان المعركة الانتخابية لأن الشعب أثبت من خلال الانتخابات البرلمانية أنه لا يمكن أن ينتخب من ينتمي إلى النظام القديم، بعدما أسقط هذا النظام. لم أكن أرى أنه من المهم استبعاد سليمان، لكني في المقابل أرى أن أهمية استبعاده تكمن في حصول الناس على «ثقة بأنفسهم»، كون الثورة حققت أهدافها، لأنه عندما يُسمح بخوض رجال النظام السابق الانتخابات يكون ذلك بمثابة إساءة إلى الثورة. كان يجب على رجال النظام السابق تجميد نشاطهم السياسي لفترة انتقالية حتى تستقر الأمور، وكنت أتمنى حصول ذلك، لكن عندما لم يحصل ذلك كان طبيعياً أن تلجأ قوى الثورة إلى قانون العزل السياسي وهذا جائز في الثورات، وكل الثورات تتبعها قوانين كهذه.

العلاقة مع العسكر

> ما طبيعة علاقتك بقادة المجلس العسكري؟

- ليس لدي علاقات بجنرالات الجيش، فلم التقِ أحداً منهم ولم أشارك في جلسات نقاش معهم.

> هل كنت تقاطع دعوتهم؟

- لم تسمح الظروف بأن التقيهم، هم لم يدعوني للقائهم وأنا لم أطلب لقاءهم. غير أني سجلت في الأسابيع الأخيرة تطوراً في أداء المجلس العسكري وانحيازاً إلى مطالب الثورة.

> ولماذا هذا التطور في الأداء في اللحظات الأخيرة؟

- أعتقد أن المجلس العسكري فوجئ بالموقف من البداية ولم يكن على استعداد لتولي إدارة شؤون البلاد، ولم يكن مؤهلاً سياسياً ولا مستعداً. كما أننا يجب أن نعترف بأن المجلس العسكري ينتمي إلى النظام القديم في الفكر السياسي، وعندما فوجئ بتحركات القوى السياسية، لم يكن لديه الثقة بهذه القوى حتى يسلمها السلطة أو يشركها في صناعة القرار، وهو ما أدى إلى ارتباك كبير في صناعة القرار. كان يجب الدخول في حوار معمق بين المــجلس العسكري والقوى السياسية حتى نتفق على الخريطة الانتقالية.

> كيف ترى علاقتك بالمؤسسة العسكرية إذا فزت بالمنصب؟

- الجيش جزء من مصر، والمؤسسة العسكرية شأنها شأن كل مؤسسات الدولة هي مؤسسة وطنية لها دور محدد يجب أن تقوم به، ويجب تمكينها من أن تقوم به، لمصلحة الوطن كله. لكن هذا يجب أن يحصل في إطار ضوابط قانونية نتوافق عليها من خلال الحوار الوطني. الكل يريد مصلحة الوطن، ومصلحة القوات المسلحة، والكل يريد تماسك الجيش وابتعاده عن السياسة. يجب أن نزيل حالة الشك بيننا من خلال حوار صريح بين القوى السياسية وجنرالات الجيش.

> هل تعني أن الرئيس هشام البسطويسي سيدخل في حوار مع العسكر لتأسيس هذه العلاقة؟

- طبعاً، لكن لا يجوز أن أقوم بهذا الدور بمفردي، بل بمشاركة القوى السياسية. وإذا فزت في الانتخابات أول قرار سأتخذه، هو تشكيل مجلس رئاسي يضم أربعة نواب، كل نائب يمثل فصيلاً سياسياً. وستكون القرارات في هذا المجلس بالغالبية، وسيدخل المجلس في حوار مع المجلس العسكري لوضع المحدّدات والضوابط التي يجب أن تكتب في الدستور.

> في هذا الإطار نفسه كيف يعيَن وزير الدفاع؟

- إذا كان نظاماً مختلطاً يكون من يؤلف الحكومة هو حزب الغالبية، والرئيس لا يحق له التدخل إلا في حدود. أتصور أن وزير الدفاع يجب أن يكون مدنياً خصوصاً أنه سيكون هناك فصل في الاختصاصات.

> هل ترى أن الجيش يقبل بهذه النقلة السريعة؟

- هذا سيأتي من خلال الحوار الذي سيحدد اختصاصات وزير الدفاع، وأرى أن الأمور العسكرية من تدريبات وتجهيزات عسكرية لن يكون للوزير شأن بها، وستوكَل تلك المهمة إلى رئيس الأركان والمجلس الأعلى للقوات المسلحة. أما في الشؤون السياسية فسيكون هناك وزير مدني يتعامل مع هذه الأمور بعيداً عن الأمور العسكرية. هذا الفصل سيضمن عدم دخول الجيش في الأمور السياسية والتحزب والخلافات السياسية.

> نريد تفسيراً لشكل العلاقة بين وزير الدفاع والمجلس العسكري.

- ستكون هناك اختصاصات منفصلة تماماً بين وزير الدفاع «المدني» والمجلس العسكري الذي سيتولى الأمور العسكرية، ولن يتغول أي من الطرفين على اختصاصات الطرف الآخر. لن تكون هناك علاقة بين الجانبين، فالقوات المسلحة لديها موازنتان، الأولى: خاصة بالتسليح والقوات المسلحة، وهو ما سيختص بشؤونه المجلس العسكري، والرقابة ستكون عبر آلية محددة في إطار مجلس الدفاع القومي، ويجب إحاطتها بضمانات للسرية يحددها الدستور والقانون. أما النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية فيكون من اختصاص وزير الدفاع وخاضعاً لرقابة الحكومة والأجهزة الرقابية. كل هذه الأمور ستكون مطروحة للحوار، ومن خلال الحوار يجري الاتفاق بما أن الجميع يبتغون المصلحة الوطنية.

> ما مساحة اللقاء بينك وبين حزب «التجمع» اليساري، الذي تبنى ترشيحك؟ هل هناك أفكار مشتركة بينكما أم حاجة لكل طرف إلى الآخر؟

- هناك نقاط اتفاق بيني وبين حزب التجمع في مسألتي الديموقراطية والعدالة الاجتماعية، ومساحة الاختلاف محدودة جداً حول كيفية إدارة العملية الاقتصادية، وهذا المقدار من الاختلاف مقبول.

السياسة الخارجية

> ماذا عن علاقات مصر الخارجية؟ لدينا مثلاً نزاع مسلح بين دولتي السودان، كيف ستكون قراراتك في هذا الملف؟

- مصر بحكم موقعها وبحكم تاريخها عليها مسؤوليات. وعندما تكون قادرة على الوفاء بتلك المسؤوليات لا تقع نزاعات من هذا النوع. أعتقد أن مصر تستطيع أن تقوم بدور لحل المشكلة بين الشمال والجنوب، والسبب في المشكلة أنه عندما حصل الانفصال لم يحدث اتفاق على ترتيبات تنظم العلاقة في الأمور العالقة وتتحسب للمشاكل التي قد تقع. ويبدو أن المسائل العالقة تُركت عمداً، وأن شمال السودان لم يسعَ إلى حسم تلك الملفات حتى يكون لديه مرتكز لاستعادة الجنوب، وجنوب السودان هو الآخر لم يفتح تلك الملفات باعتبار أنها منطلق لتوسيع مساحات أرضه... هناك دوافع كثيرة جداً، وتدخل على خط تلك الخلافات قوى أجنبية لعدم وجود نظام حاكم للمنطقة يؤمن مصالح دول هذه المنطقة. المفترض أن واجب مصر الأساسي هو تأمين الاتفاق على نظام أمني ونظام للتكامل الاقتصادي بين مصر ودول حوض النيل كلها، ويجب إعادة تحديد أولويات الأمن القومي المصري وعلاقته بالأمن القومي العربي، كما يجب وضع حد للتهديدات الإيرانية في منطقة الخليج، فأمن الخليج مرتبط بأمن مصر.

> وماذا عن إسرائيل؟

- العلاقات المصرية - الإسرائيلية تحكمها معاهدة السلام، وفي هذه ثغرات يجب إعادة النقاش حولها، لأنه يجب أن تدرك إسرائيل أن السلام لا تصنعه الحكومات ولا الأنظمة ولا الاتفاقات بل الشعوب. فمن المستحيل أن يكون لدينا سلام حقيقي مع شعور المصريين بالانتقاص من حقوقهم، لذا لا بد من إعادة التوازن إلى هذه الاتفاقية.

> لكن الاتفاقية بين طرفين، والطرف الآخر مستفيد من هذا الوضع؟

- الفائدة الحقيقية هو أن يكون لدينا ســـلام حقيقي واستقرار حقيقي وعلاقات طبيعية، وهو ما لا يمكن أن يحدث وهناك خلل في الاتفاقية. يجب أن تستعيد مصر سيادتها الكاملة على سيناء، عبر إعادة الحوار حول بنود الاتفاقية وإقناع الطرف الآخر بأن التعديلات في مصلحته ومصلحة أمنه.

 

 

في أنطاكيا حاضنة اللاجئين السوريين... سجال «طائفي» وسباق استخباراتي وأحلام مؤجلة
الحياة...أنطاكيا - يوسف الشريف
 

يونس وأبو فارس جاران في قرية حاجي باشا التركية على الحدود مع سورية. أبو فارس يستضيف أقرباءه السوريين الذين وصلوا الى القرية قبل سبعة أشهر فارين من بلادهم بعدما اجتاح الجيش السوري قريتهم. ويروي على لسان ضيوفه قصصاً مرعبة عن استهداف المدنيين من دون تمييز، حتى أن طلقات الرصاص لاحقت ضيوفه أثناء رحلة الهرب: «كانوا يرون أن معنا اطفالاً ونساء ومع ذلك استمر اطلاق النار علينا». أما يونس فلا يخفي امتعاضه من استيقاظه يومياً على مشهد مخيم اللجوء الذي أقامته السلطات التركية أمام بيته ومزرعته، يقول: «منذ جاؤوا الى هنا ونحن في أزمة اقتصادية. كنا نهرّب المازوت والسكر عبر الحدود قبل الأزمة، ولم نكن نرى جندياً سورياً أو تركياً يمر من هنا، أما الآن فالجيش السوري على الحدود والجندرمة التركية ايضاً». ينقطع الحديث مع وصول إحدى عربات البث الفضائي لإحدى القنوات الإخبارية العربية. ينزل منها رجلان يدخلان المخيم، بعد دقائق يصرخ صوت عبر الميكروفون بأهالي المخيم: «الرجاء الخروج في تظاهرة تنديداً بالانتخابات البرلمانية، القناة (...) ستبث التظاهرة على الهواء مباشرة».

لا ينتهي المشهد في قرى مدينة أنطاكيا الحدودية التي يتقاسم العلويون والسنّة والمسيحيون تركيبتها السكانية، بل يمتد الى المحافظ المتهم بعدم التعاون الكامل مع اللاجئين على رغم قرارات الحكومة التركية الحازمة في هذا الشأن، وهو يعبر بذلك عن انزعاج الطائفة العلوية في المدينة – المتعاطفة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد – من سياسة الحكومة التركية في هذه الازمة ومن تدهور العلاقات بين البلدين. ودفع بعض الاحتكاكات على خلفية طائفية بين الضيوف وأقربائهم في انطاكيا، وبين علويي المدينة الى بناء مخيم كبير للاجئين في مدينة كيليس شرقاً ونقل معظمهم إليه للفصل بينهم وبين العلويين.

ازدهار السياحة

صحيح أن تجارة التهريب توقفت، لكن السياحة ازدهرت في انطاكيا، سياحة الناشطين والمخابرات من كل لون ونوع وانتماء. ففي فندق «نارين» في المدينة تستمع الى حديث يتكرر كل يوم بين ناشطين شباب من المعارضة السورية، وضيوف خليجيين محوره الظلم الذي يمارسه نظام بشار الأسد، وسبل تقديم الدعم المالي للاجئين ومساعدتهم. وينزلق الحديث فجأة الى «العداء» الطائفي والدعم الإقليمي الإيراني له. على طاولة أخرى في الفندق يجد صحافي ياباني صعوبة – على رغم وجود مترجم – في فهم مشكلة الخلاف الطائفي الذي يتحدث عنه شباب المعارضة السورية الى الصحافة، يسأل ببراءة: أليس العلويون في سورية مسلمين أيضاً؟ لماذا يكره المسلم المسلم الى حد القتال؟ فيما صحافي بريطاني يقيم في الفندق ذاته يقول مازحاً: «أول مرة أشهد كيف ان انتشار المخابرات في المكان يمكن ان تكون له فائدة، بالأمس نسيت هاتفي في بهو الفندق، فاتصل موظف في الفندق بغرفتي بعد ساعتين، وقال لي ان رجلاً تركياً أحضر هاتفاً خليوياً وأبلغه انه للصحافي البريطاني فلان المقيم في غرفة كذا!».

ضباط «الجيش الحر» يقيمون في مخيم خاص وسط حراسة، ولا يخرجون إلا بحماية الأمن والمخابرات التركية وفي حدود ضيقة جداً، خوفاً من وجود عملاء للنظام السوري. أحد هؤلاء يقول إن تركيا تقف الى جانب الشعب السوري ولم تقصر في إغاثته، لكنه يسترسل في طرح تساؤلات تحيّره ولا يجد إجابة عنها: «انهم يتعاملون معنا من خلال مترجمين علويين، وهؤلاء يضمرون الشر لنا ويحاولون تحريف الترجمة أحياناً. نبلغ المسؤولين الاتراك لكنهم لا يفعلون شيئاً. يعدّون علينا أنفاسنا، قبل شهرين اعتقلوا ضابطاً منشقاً أثناء عبوره الحدود الى تركيا ومعه مسدسه الخاص، وحتى الآن لم نفلح في إطلاقه. الحكومة التركية تتعامل معنا بلطف وكرم، لكن بعض البيروقراطيين لا يسمعون منا ونفاجأ بتصرفاتهم، وبيننا من بدأ يتساءل: «لماذا نحن هنا طالما حركتنا مقيدة في هذا الشكل»؟

واضح أن آمال الضابط وأحلامه بالدور التركي تحطمت على صخرة الواقع عندما خطا أولى خطواته الى انطاكيا: «نقول للمخابرات التركية إن رجال الأسد يصولون ويجولون في انطاكيا ويشترون الأراضي بأسماء العلويين الأتراك ويجنّدون رجالاً لهم، لكن الحكومة التركية لا تحرك ساكناً بينما يزرع نظام الأسد الألغام البشرية بين العلويين الأتراك في انطاكيا». أجبته بأن هؤلاء مواطنون أتراك، والدولة التركية لا تتعامل مع مواطنيها على أساس انتمائهم الطائفي، فردّ غاضباً «لكنهم يوالون نظاماً في دولة أخرى يعادي حكومة بلدهم». يشير هذا المسؤول في «الجيش السوري الحر» – من دون أن يعرف - الى الانقسام بين «الحكومة التركية» و «الدولة التركية» على الأزمة السورية. بين «الحكومة» التي حسمت قرارها بضرورة رحيل الأسد ونظامه، وبين «الدولة» وأجهزتها التي تتمسك بضرورة عدم انزلاق سورية الى دوامة الفوضى والحرب الأهلية، وضرورة عدم تفجير الملفين الكردي والعلوي في تركيا، نتيجة تداعيات الأزمة في سورية، مع ورود تقارير أمنية موثقة تفيد بأن النظام السوري بدأ يتعاون استخباراتياً وتنظيمياً مع حزب العمال الكردستاني مجدداً، ومع جماعات علوية موالية له في تركيا من خلال اللعب على الوتر الطائفي.

«مؤامرة»

في انطاكيا أيضاً، وفي منطقة جبل سمان ضاغ ذات الغالبية العلوية يتحدث الأهالي عن «المؤامرة الكونية» ضد الرئيس بشار الأسد الذي لا يخفي بعضهم إيمانهم بالروايات القائلة ان جذور عائلة الأسد تمتد الى سمان ضاغ وأن جد قائد الأركان السوري حسن تركماني ولد فيها أيضاً، ليتحول الحديث عما يحدث في سورية الى سجال بين «رجالنا ورجالهم، جماعتنا وجماعتهم» وتكتشف أن «رجالنا وجماعتنا» لا تعني النظام السوري بل عائلة الأسد تحديداً. بينهم من يقول ان النظام في سورية يجب أن يتحول الى الديموقراطية، ويعتبر أن ما ينفذه الأسد من اصلاحات أمر جيد فـ «الديموقراطية لا تتحقق في يوم وليلة». ويرى أن من الخطأ تدخل تركيا في ما يحصل في سورية لأنه «شأن داخلي». ثم يتشعب الحديث ويتشابك ليصل الى شك بعضهم في نظرة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الى العلويين عموماً، فيقول أحدهم «ألم يطلب أردوغان من الناخبين عدم التصويت لغريمه المعارض كمال كيليجدار أوغلو لأنه علوي»؟

بعيداً من أنطاكيا بنحو 160 كيلومتراً كان مخيم كيليس للاجئين السوريين يتأهب لزيارة أردوغان، زيارة كان أُعلِن عنها مسبقاً لكنها تأجلت أكثر من مرة، وأتت بعد إطلاق الجيش السوري النار على المخيم، وإصابته سوريين وأتراكاً في خرق فاضح للحدود التركية.

مخيم كيليس زُوِّد بكل ما يمكن من وسائل العيش والإغاثة من مرافق، ولم تبخل حكومة أردوغان في الإنفاق لتسهيل حياة ضيوفه السوريين. لكن حياة المخيم تبقى حياة لجوء ونزوح كما يقول ساكنوه الذين يعبّرون عن امتنانهم للحكومة التركية. وفي المخيم تُروى قصص الرعب في كل مكان عما ارتكبه الأمن السوري من خطف وتعذيب وقتل، وعن القصف العشوائي للجيش. قصص تتجاوز الإنسانية هي تحديداً ما جاء أردوغان للحديث عنه في كيليس. يشد رئيس الوزراء على جرح بلاده الاقتصادي النازف بسبب الأزمة السورية، فرعاية 40 ألف نازح مكلفة، والتجارة مع سورية توقفت، وعبور الشاحنات التركية الى الخليج عبر سورية توقف أيضاً، لكن أردوغان يقف متماسكاً أمام الآلاف من اللاجئين السوريين وإلى جانبه زوجته أمينة وسبعة وزراء.

الصورة في حد ذاتها تحمل معاني انسانية كثيرة، بالتعاطف والدعم والتأييد لقضية هؤلاء النازحين. يعتذر اردوغان لجمهوره عن اي تقصير أو سوء في المعاملة غير مقصود، ويوجّه قذائف نارية الى نظام الأسد، مختتماً بأن «النصر قريب». تنهمر دموع احد الكهول السوريين وهو يستمع الى هذا الحديث العاطفي، يقول: «أنا أصدقه، لم يقف أحد إلى جانبنا مثله، تركيا ستفعل كل شيء من أجلنا». ومع انتهاء كلمة اردوغان، يستدرك هذا الكهل فجأة ويتذكر أنه ســـمع هذا الكلام من رئيس الوزراء التركي ثلاث مرات على مدى سنة. فيعود الى بيته البلاستيك في المخيم، مجرجراً وراءه أحلامه التي لا تنتعش إلا عندما يرى أحفاده الصغار يلعبون في أزقة المخيم.

 

 

 

الكويت وهواجس السياسة والمجتمع.. والتمركز الخليجي
قضيـة «البـدون».. قنبلـة كويتيـة موقوتـة!
جريدة السفير..هيفاء زعيتر
«جدي وُلد في الكويت وأبي وُلد في الكويت وأنا ابن الكويت..عندي خمسة أطفال جميعهم وُلدوا في الكويت.. لكنني لم أستطع استصدار شهادات ميلاد لهم، ولا حتى إدخالهم المدارس.. ولا يقبل أحد توظيفي أو منحي رخصة قيادة أو حتى التعامل معي كإنسان.. هل راتبي عبء على الدولة، هل أنا منتم لتنظيم خطير، أين أذهب، ماذا سيحلّ بي؟؟»..
لا يجد خالد لأسئلته جواباً، يتحدث إلى «السفير» عن «قهر» جاثم على صدره، كما على صدور 135 ألفاً من «البدون» أمثاله.. يشكو ظروف حياته المجحفة في واحد من أغنى البلدان النفطية، أما المسؤولية فيلقيها كاملة على عاتق «الحكومة التي تمعن في تسويف القضية».
كلام خالد لم يخلُ من الحدّة، فهو كان عائداً من تظاهرة للبدون في تيماء في منطقة الجهراء، حيث اعتقلت السلطات أكثر من 40 مشاركاً وقمعت الباقين مجبرة إياهم على الانسحاب. الاعتقالات، وفقاً لخالد، مشهد طبيعي يرافق التظاهرات التي تتكرر بشكل دوري من دون أن تملّ المطالبة بالحصول على أبسط الحقوق الإنسانية: جنسية وطن «ولدوا فيه وعاشوا على أرضه وضحوا من أجله».
وفي التعريف،»البدون» هم فئة سكانية تعيش في الكويت من دون أن تمتلك الجنسية، وهو الاسم المختصر لتوصيف «بدون جنسية». عمر قضية «البدون» في الكويت عشرات السنين، ومن جيل إلى جيل كان التأجيل عنوانها الأبرز... حتى تحولت اليوم إلى ما يشبه القنبلة الموقوتة التي تهدّد بالانفجار في أية لحظة، في وقت بدأ المسؤولون يتخوفون من سخونتها المتزايدة، علماً أنها أصبحت مثاراً للخلاف على أعلى مستويات الحكم.
وتعتبر قضية «البدون» من أكبر التحديات التي تواجه المجتمع الكويتي على الصعد الاجتماعية والأمنية والاقتصادية، وما يزيد من تفاقم المشكلة هو الآلية التي تتعامل بها الحكومة معها، بدءاً من تغيير شبه دائم لتسمية هذه الفئة بما يتوافق وتبديل مواقفها (من «البدون إلى المقيمين بصورة غير شرعية)، مروراً بحرمان تلك الفئة من الحقوق المدنية الطبيعية خلافاً لبعض مواد الدستور التي تكفل حقوق كل من يعيش على أرض الكويت، وانتهاء بعزلهم عن النسيج الكويتي ورفض تجنيسهم تناقضاً مع قانون الجنسية الكويتية.
وفي عودة إلى التاريخ السياسي للكويت، يظهر أن الشعب الكويتي يتشكل أساساً من خليط من قوميات متعددة وأعراق مختلفة نزحت إلى هذه المنطقة من المناطق المجاورة في الجزيرة العربية والعراق وإيران والشام وبعض الأقليات من مناطق أخرى، ولذلك يبدو من الصعب فصل «البدون» عن النسيج الاجتماعي لسكان الكويت كونهم ينتمون إلى الأعراق والقوميات نفسها التي جاء منها غالبية المواطنين.
ولكن ما الذي يجعل قضية بهذا الحجم وتلك الخطورة تُرحّل على امتداد أربعة عقود من دون حلّ؟ الأسباب جمة منها السياسي ومنها المذهبي والاقتصادي.. وصولاً إلى الطبقي.
من يخدم الكويتيين
إذا جُنّسنا؟
الأسباب التاريخية لهذه المشكلة ما زالت حاضرة في النقاش، وإن كانت استبدلتها اليوم أسباب ومعوقات أخرى أكثر راهنية وتعقيداً.
في الأسباب التاريخية هناك حديث عن قصر الفترة التي حددتها الحكومة للإعلان عن التقدم إلى طلب الجنسية في وقت لم يواكب هذه الدعوة أي حملة إعلامية لتوعية السكان بأهمية الحصول على الجنسية، كما عن قصر فترة عمل اللجان المولجة إجراء اللقاءات مع المتقدمين، واعتبار الإقامة في الكويت عامي 1920 و1950 شرطا للحصول على الجنسية بمختلف درجاتها، فضلاً عن الأمية المنتشرة في أوساط غالبية سكان الكويت من القاطنين خارج المدينة آنذاك، وتباطؤ الحكومة في إيجاد حلّ طوال فترة الستينات والسبعينات.
... واليوم تعود قضية «البدون» إلى الواجهة، حيث تعمل لجنة تابعة لوزارة الداخلية برئاسة النائب صالح الفضالة على دراسة الحالات التي يبلغ تعدادها الرسمي، وفقا للحكومة، 100 ألف حالة. وقد صرّح الفضالة مؤخراً بأن اللجنة ستمنح الجنسية لحوالي 34 ألفاً من البدون، كما ستعمل على تسوية الملف في غضون خمس سنوات.
وقد لفت رئيس اللجنة إلى تمييز المشمولين بالقانون ببطاقات ملونة تفرّق بينهم بحسب مدة استحقاقهم، وهو الأمر الذي أثار سخطاً في أوساط المعنيين الذين وصفوا القرار بأنه مجرّد «قوس قزح» إعلامي يهدف الفضالة من خلاله إلى المماطلة وتوجيه رسالة بـ«إنسانيته» إلى العالم.
وعن عمل اللجنة يتحدث أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت شملان العيسى إلى «السفير» قائلاً إن «الفضالة معروف بتشدده في قضية البدون»، متوقعاً أن تكون «آلية التجنيس بطيئة للغاية». كما أشار العيسى إلى «45 ألفا من البدون ممن لديهم جنسيات سورية أو إيرانية أو سعودية، كما إلى ما بين 10 آلاف و20 ألفا ممن لديهم إقامة دائمة».
بدوره يقول المعارض الكويتي أحمد الصراف لـ«السفير» إن «القصة إنسانية بحتة، حيث يملك هؤلاء حق العمل والطبابة والسكن والتعليم.. وحتى لو صحّ كلام الحكومة بأن أعداداً كبيرة منهم هم من السعودية وإيران وسوريا، إلا أنهم ولدوا وعاشوا على هذه الأرض».
يشير الصراف إلى أسباب سياسية تقف وراء عرقلة الحلّ، فـ«عدد البدون الكبير مقارنة إلى عدد الكويتيين يغيّر المعادلة السياسية إذا ما جنّسوا، وهذا ما يدفع السياسيين إلى وضع العصي في دواليب بعضهم البعض خوفاً من أن يقطف أحد الأطراف أصوات البدون إذا نجح في تجنيسهم».
وفيما يشير الصراف إلى أن الشريحة الأوسع من «البدون» هم من الإسلاميين السنة والشيعة، يلفت إلى عدم تعاون سعودي مع لجنة الفضالة أثناء عملها على مطابقة الأسماء لمعرفة من يستحق الجنسية، فـ «في النهاية لا مصلحة لها بأن يعود هؤلاء إلى أحضانها».
أما في المخاوف الإقليمية، فيتحدث المتابعون للقضية عن تريث الكويت في الحل نتيجة تخوفها من انعكاسات التجنيس وتأثيره على تركيبتها السكانية، خصوصاً أن هناك الكثير ممن ينضوون تحت لواء «البدون» ينتمون لدولة غير عربية في المنطقة لها مخططاتها ومشاريعها المناهضة لدول الخليج، في إشارة إلى إيران على وجه التحديد.
وفي هذا الإطار، تبرّر الحكومة ما وصلت إليه القضية ببعد سيادي يجعلها تقدّم أمنها القومي على حساب البعد الإنساني. في المقابل، ترتفع أصوات مناقضة تعطي كل الحق للدولة بالحفاظ على سيادتها التي «لا تتعارض مع الحق في التوظف في مؤسسات القطاع العام والقطاع الخاص، والحق في الحصول على الوثائق الثبوتية كعقود الميلاد والزواج والطلاق والوفاة، وبطاقات مدنية، والحق في التنقل بحرية داخل البلاد، والحق في السفر، والحق في التعليم لأبنائهم وفي الرعاية الصحية».
كما يأخذ المتابعون على لجنة الفضالة إدراجها مسألة تجنيس أبناء الكويتيات المطلقات والأرامل ضمن عملها، فهذه الفئة تنظم مسألة تجنيسها المادة الخامسة في قانون الجنسية التي تنص على الآتي: « يجوز منح الجنسية الكويتية بمرسوم بناء على عرض وزير الداخلية للمولود من أم كويتية المحافظ على الاقامة فيها حتى بلوغه سن الرشد اذا كان أبوه الأجنبي أسيراً أو طلّق أمه طلاقاً بائنـاً أو توفي عنها».
وعليه يستغرب هؤلاء إقحام هذه المسألة مع قضية «البدون»، في وقت يردون ذلك إلى محاولة الفضالة إقناع المجتمع الدولي بأن آليات التجنيس ناشطة في الكويت.
وفي النهاية، قد يبقى السبب الأهم، أو الأكثر حساسية، ما قاله خالد عن عنصرية طبقية لدى الكويتيين أنفسهم، فـ«البدون الذين يرتضون العمل في أدنى الوظائف لن يكونوا كذلك إذا ما جنسوا، وحينها إلى من سيلجأ الكويتيون ليخدمهم؟»

 

 

«النهضة» والسلفيون: طلاقٌ في العلن .. زواجٌ في الخفاء؟

جريدة السفير...
في تشرين الثاني 2011، قبل اقل من عام على خلع الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، هاجم رجال ملتحون ونساء منقبات كلية الاداب في جامعة منوبة قرب العاصمة تونس، رافعين لافتة «النقاب حريتي». حاول 50 شابا سلفياً «احتلال» منوبة حتى نهاية كانون الثاني 2012، في خطوة داعمة لمنقبتين منعتا من حضور الحصص الدراسية ما لم ترفعا النقاب... منذ تلك اللحظة، تطورت المشادات بين العلمانيين والليبراليين من جهة والسلفيين من جهة اخرى، قبل ان تعمد حكومة «النهضة» الاسلامية الى احتواء اللوم الذي وُجه اليها على اعتبار انها لم تقم بالكثير حيال ما استفز الليبراليين عموما والنساء خصوصا، فاعلنت رفضها تنصيص الشريعة كمصدر للتشريع في المادة الاولى من الدستور. اجراء وضعت به «النهضة» نفسها على مسافة سياسية من السلفيين مفضلة ان تظهر بصورة الحزب الضامن لاستقرار البلاد. لكن هل يعني هذا الخيار فعلاً طلاقاً بين «النهضة» والسلفيين؟
لم يكن ما جرى في منوبة الحادثة الوحيدة التي ضخمت التوتر السلفي-العلماني، بل ساهمت مقاضاة مالك قناة «نسمة» التلفزيونية نبيل قروي في ذلك ايضا، اثر محاكمته بتهمة «انتهاك القيم المقدسة» بعيد بثه فيلم الرسوم المتحركة الإيراني الفرنسي ‘’برسيبوليس’’ الذي قال متشددون دينيون إنه تضمن ‘’تجسيدا للذات الإلهية’’. وخلال محاكمة القروي، هاجمت مجموعة من السلفيين طلبة وصحافيين أرادوا مساندة القروي قبيل الجلسة، الامر الذي قوبل من جانب رئيس الحكومة حمادي الجبالي بالتنديد، فيما لم تُتخذ اجراءات عملية لمعاقبة المهاجمين. اكثر من ذلك، اغاظ تعدي احد الشبان السلفيين على العلم التونسي المرفوع امام جامعة منوبة عددا كبيرا من انصار العلمانية، الا ان اكثر ما استفز هؤلاء كان خروج السلفيين في تظاهرة في 25 آذار الماضي حاملين اعلامهم السوداء لينادوا بتطبيق الشريعة... محطات عدة زادت من انتقاد العديد من التونسيين لفشل «النهضة» في تضييق الخناق على السلفيين.
هل يحدد قرار «النهضة» بشأن المادة الاولى من الدستور علاقة الحركة بالسلفيين؟ من المبكر الاجابة على هذا السؤال بالرغم من تلقي العلمانيين والليبراليين النبأ بايجابية. فالاجدر طرحه الان هو التالي: من هم هؤلاء السلفيون التونسيون؟
يطبق السلفيون التفسير المتشدد للفقه الإسلامي.. القرآن والسنّة. خلال عهد نظام بن علي، «عاد خريجو الجامعات الاسلامية السعودية التونسيون إلى وطنهم، وانطلقوا في نشر تفسير محافظ للاسلام» وفقا لعالم الاجتماع في «مركز الدراسات السياسية الاوروبية» سمير امغار. اما اليوم، فازداد عدد السلفيين في البلاد بفضل الفضائيات السلفية التي تلقي برسائلهم مباشرة في المنازل التونسية... ليسوا منظمين في احزاب سياسية بل في جمعيات دينية وخيرية، كما يسيطرون على عدد من المساجد.
في كتابه «السلفية اليوم»، يوزّع امغار السلفيين الى 3 فئات رئيسية: المجموعة «الصامتة» او «الهادئة» التي ينضوي فيها السلفيون الرافضون للعمل السياسي، المجموعة «الناشطة» التي تشمل العناصر السلفية المنخرطة في السياسة، والمجموعة «الجهادية» التي تمثل أولئك الذين يلجأون الى العنف لتحقيق أهدافهم. ومع ذلك، يبقى من الصعب رسم خطوط واضحة للتفريق بين هذه المجموعات...
في الواقع، بعد نجاح السلفيين في الانتخابات في مصر، فقد «الهادئون» وعلى راسهم بشير بلحسن، الأرضية السياسية. أما «الجهاديون»، فيقول كثيرون انهم اصحاب مواقف اقرب الى تلك التي يتبناها تنظيم «القاعدة»، الا ان احد قادتهم الشيخ ابو عياض قال مؤخرا في مقابلة مع صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بأن «تونس ليست أرضا للجهاد بل للتبشير الديني». ما يزيد المشهد تعقيدا، هو «حزب التحرير» الذي يقول معلقون انه تنظيم ناشط في تونس وجزء من التيار السلفي، بالرغم من نفي الناطق الرسمي باسمه، رضا بلحاج، للمعلومات مؤكدا ان هدف حركته هو إقامة الخلافة الإسلامية فقط...
لا شك ان رفض «النهضة» تنصيص الشريعة مصدرا للتشريع في الدستور التونسي خطوة اوضحت المسافة الايديولوجية بين الحركة الاسلامية و«الجهاديين» السلفيين. ففي حديث الى «لوموند» الفرنسية، وصف وزير الداخلية وعضو حركة «النهضة» علي العريض، العناصر السلفية «الجهادية» بـ«الخطر الاكبر» في تونس اليوم و«المجموعة التي تحتاج الحكومة الى محاربتها»، في وقت صرح ابو عياض لـ«لو تان» الفرنسية معتبرا الحكومة الحالية اشبه بـ«دكتاتورية من نوع جديد.. لان التونسيين مسلمون والنهضة عدوة الاسلام».
وفيما تعطي استراتيجية عزل المتطرفين «النهضة» شرعية أكبر على مستوى المجتمع الدولي، كحزب ضامن للاستقرار ومناهض للراديكالية، تبقي الحركة الاسلامية الباب مفتوحاً امام السلفيين «الصامتين» لجذبهم باتجاه الانخراط في اللعبة السياسية.
شجع زعيم «النهضة» راشد الغنوشي السلفيين «الهادئين» لفترة طويلة على تطبيق اجندتهم من خلال الوسائل القانونية، سواء كان ذلك عبر الجمعيات أو الأحزاب. وخلال وجودهما في واشنطن، شدد عضوا الهيئة التأسيسية للجمعية الوطنية، أسامة الصغير والصحبي عتيق، على أن النهضة تسعى للحفاظ على حوار مفتوح مع السلفيين «المعتدلين»، لإقناعهم بإنشاء حزب والمشاركة في الانتخابات المقبلة، مضيفين ان حزب الغنوشي ينتهج استراتيجية شاملة لاشراك جميع الفاعلين الاجتماعيين في الحوار. هذا ما ظهر في شباط الماضي، يوم دعا الرئيس منصف
المرزوقي بعض شيوخ السلفية، من بينهم بلحسن، إلى القصر الرئاسي، وكان «الحوار عقلانيا» على حد وصف «تونس لايف». الا ان صلابة العلاقة بين السلفيين و«النهضة» بدت من خلال تصريحات بلحسن الى «لو تان»، حيث اكد ان قرار «النهضة» من المادة الاولى من الدستور احزنته، مبررا في المقابل موقف الغنوشي: «من السابق لأوانه تطبيق الشريعة.. لا يزال التونسيون يعانون من الأمية الدينية».
على الرغم من مظاهر التباين بين «النهضاويين» و«السلفيين» المتشددين، يتحدث مراقبون عن تقارب وثيق بينهما. ويقول أمغار ان النهضة والسلفيين «الصامتين» ليسا على خصومة بل هما وجهان لعملة واحدة. «قد يكون هناك انقسام في المهام بينهما، فيتخذ السلفيون مواقف تعجز النهضة عن تبنيها في العلن مراعاة لنظرة الغرب». من هذا المنظار، ان دعوة الغنوشي لاشراك السلفيين في الحوار لا تعدو كونها خطوة للسيطرة عليهم. هذا ما رات عالمة الاجتماع التونسية علياء علاني انه استراتيجية «نهضاوية» اساسية «فبعدم الرد بشكل حاسم على عدوانية السلفيين، تدعم النهضة حُكماً تحول المجتمع التونسي الى مجتمع محافظ»...
(عن «مجلس سياسة الشرق الاوسط» بتصرف)

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,565,628

عدد الزوار: 6,996,238

المتواجدون الآن: 82