أخبار وتقارير... الدعم الدستوري والمدني للتحوّلات العربية اليوم...تنصّت على هاتف أردوغان يضعه في صلب فضيحة الفساد ورئيس الوزراء يتّهم خصومه السياسيين بـ"التلفيق المشين"...."الإسكوا" في تقرير "التكامل العربي": لا تتحقق المقوّمات في دول مجزّأة.....سيناريو الإطاحة بيانوكوفيتش يطارد روحاني وخامنئي..."الاسد" قد يشن حربا على السعودية...والثورة كشفت قناع النظام "الفاشي"....موسكو قلقة من الجبهة الجنوبية لسوريا السعودية "تمنّت" عزل الإبرهيمي....لافروف: روسيا قلقة على مصير مسيحيي الشرق الأوسط

جنوب السودان وصراع المصالح الإقليمية والدولية...الدور الإقليمي الإيراني يتعاظم ...أوكرانيا تحاول بالثورة التخلّص من عبء تاريخ وجغرافيا وبنية...«أجواء تهدئة» بين موسكو وبروكسيل لمحاولة الاتفاق على مستقبل أوكرانيا

تاريخ الإضافة الخميس 27 شباط 2014 - 7:18 ص    عدد الزيارات 1832    القسم دولية

        


 

لافروف: روسيا قلقة على مصير مسيحيي الشرق الأوسط
 يو بي أي
أعرب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، عن قلق بلاده الجدّي على مصير مسيحيي الشرق الأوسط، حيث يلاحظ خلال الآونة الأخيرة هجرتهم الجماعية من المنطقة.
ونقلت وسائل إعلام روسية عن لافروف قوله إن «مصير الأقليات يثير لدينا قلقاً كبيراً، قبل كل شيء وضع المجتمعات الأرثوذكسية في سوريا، وفي غيرها من الدول».
وأضاف: «نلاحظ خروجاً جماعياً للمسيحيين من المنطقة الذين وعلى مدى قرون، ألفي سنة فعلياً، هم جزء لا يتجزأ من فسيفساء الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن «موسكو تقف بحزم ضد أي مظهر للتطرف يهدد بنسف أسس التعايش في تلك المنطقة المتعددة الأديان».
 
موسكو قلقة من الجبهة الجنوبية لسوريا السعودية "تمنّت" عزل الإبرهيمي
النهار..العواصم الوكالات... نيويورك - علي بردى
أمهل زعيم "جبهة النصرة" في سوريا الموالية لتنظيم "القاعدة" ابو محمد الجولاني، تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" (داعش) خمسة ايام للاحتكام الى "شرع الله"، متوعدا في حال رفضها، بقتالها في سوريا والعراق. وحذرت روسيا السعودية من امداد المعارضين السوريين بصواريخ مضادة للطائرات تحمل على الكتف في سياق "الهجوم الربيعي" الذي تعد له المعارضة السورية انطلاقاً من الحدود الجنوبية مع الاردن، وقالت ان خطوة كهذه ستعرض الامن في ارجاء منطقة الشرق الاوسط وغيرها من المناطق للخطر.
سوريا مكان افغانستان
واعلنت الامم المتحدة ان السوريين الفارين من الحرب الاهلية في بلادهم باتوا تقريبا اكبر مجموعة من اللاجئين في العالم اذ اقتربوا من تجاوز عدد اللاجئين الافغان. وفي كلمة القاها عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، رسم المفوض السامي للامم المتحدة لشؤون اللاجئين انطونيو غوتيريس امام الجمعية العمومية للامم المتحدة صورة قاتمة للازمة الانسانية الناجمة عن ثلاث سنوات من النزاع في سوريا. وقال ان نحو 2,5 مليوني سوري باتوا مسجلين الان لدى المفوضية السامية على انهم لاجئون في دول مجاورة لسوريا في الشرق الاوسط. واضاف انه “قبل خمس سنوات كانت سوريا الدولة الثانية الاكبر تؤوي لاجئين في العالم. اما الآن، فقد اوشك السوريون على اخذ مكان الافغان كاكبر مجموعة من اللاجئين في العالم”.
وأفاد ان عبء اللاجئين على البلد الصغير لبنان، على سبيل المثال، يماثل تدفق نحو 15 مليون لاجئ على فرنسا، و32 مليونا على روسيا، و71 مليونا على الولايات المتحدة. واشار الى ان صندوق النقد الدولي يقدر ان معدل البطالة في لبنان قد يتضاعف في نهاية السنة وان الازمة السورية قد تكلفه 7,5 مليار دولار. وتحدث عن تأثير النزاع في سوريا على القتال في محافظة الانبار بالعراق وزيادة العنف في لبنان.
وتجدر الاشارة الى ان اكثر من خمسة ملايين لاجئ افغاني فروا من الحرب والقمع والفقر، معظمهم الى ايران وباكستان خلال العقود الثلاثة الماضية. ولا يزال هناك 2,55 مليونا لاجئ افغاني، استناداً الى موقع المفوضية للامم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.
العرب لا يريدون الابرهيمي
على صعيد آخر كشف ديبلوماسيون في نيويورك لـ”النهار” أن السعودية ودولاً أخرى تمنت على الأمين العام للأمم المتحدة بان كي - مون تعيين بديل من الديبلوماسي الجزائري المخضرم الأخضر الابرهيمي لمهمة الممثل الخاص المشترك للامم المتحدة وجامعة الدول العربية في سوريا، علماً أن الأخير لن يقدم أي إحاطة الى أعضاء مجلس الأمن قبل نهاية الأسبوع الأول من آذار المقبل.
وأوضح ديبلوماسي عربي أن هذا “التمني” لم يرد قط في مراسلات رسمية مع الأمانة العامة للأمم المتحدة، بل في محادثات شفهية أجريت قبل أسابيع قليلة بين المندوبين الدائمين لدول في الخليج العربي، في مقدمها السعودية والإمارات العربية المتحدة، وبان كي - مون الذي “لم يقطع أي تعهد في هذا الشأن”. وقال ديبلوماسي دولي أن "الوضع سيىء بين الابرهيمي وجامعة الدول العربية وأمينها العام نبيل العربي”، ملاحظاً أن “العلاقة بين الطرفين شبه مقطوعة. الابرهيمي لم يعد عملياً ممثلاً للجامعة على رغم أنه لا يزال يحمل صفتها”. وبرر ذلك بأن “تغيير صفة الابرهيمي سيعطي انطباعاً خاطئاً عن خلاف بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية. لذلك لن تدخل (المنظمة الدولية) في أي عملية لتغيير الصفة الرسمية للابرهيمي”. وأكد أن بان "يحاول حل المشكلة القائمة بهدوء”.
وأوضح مصدر وثيق الصلة بملف محادثات مؤتمر جنيف الثاني، الابرهيمي ان رفض حتى الآن تعيين بديل من نائب الممثل الخاص ناصر القدوة، معتبراً أن “لا حاجة الى ذلك”، ومقترحاً أن يضطلع بهذا مدير مكتبه في دمشق مختار لماني. واستبعد أن يحدد أي موعد للجولة الثالثة من مؤتمر جنيف قبل الإحاطة التي سيقدمها الابرهيمي الى أعضاء مجلس الأمن، مرجحاً ألا يصل الممثل الخاص المشترك الى نيويورك قبل نهاية الأسبوع الأول من آذار.
وأكد ديبلوماسي غربي أن “الوقت الآن غير مناسب للتخلي عن خدمات الابرهيمي”، معتبراً أنه “على نقيض ذلك، ينبغي أن يرى أعضاء مجلس الأمن الصيغة الفضلى لدعم مهمة الابرهيمي للانتقال الى المرحلة الجديدة من محادثات جنيف”. ورفض التكهن منذ الآن بصيغة الدعم التي يمكن أن يقدمها مجلس الأمن للعملية السياسية، لكنه حذر من ان “الحديث الآن عن التخلي عن الابرهيمي سيعني تلبيسه فشل النظام السوري في الانخراط في العملية السياسية. هذا غير وارد الآن”.
وشرح ديبلوماسي عربي آخر أن الابرهيمي “يتصرف بناء على معطيات، يفيد أولها أن الولايات المتحدة وروسيا هما اللاعبان الرئيسيان اللذان ينبغي الاعتماد عليهما لحل الأزمة السورية. وهو يعتقد ثانياً أن جامعة الدول العربية تحولت جزءاً من المشكلة”. وأضاف أن الابرهيمي “يعمل ثالثاً من أجل تحقيق انجاز لشخصه وليس لأي جهة أخرى”.
 
"الاسد" قد يشن حربا على السعودية...والثورة كشفت قناع النظام "الفاشي"
الجمهورية..
في الوقت الذي لا زال فيه المجتمع الدولي منقسما حيال ما يدور في سوريا، وعاجزا عن اتخاذ قرار حاسم ينهي الصراع في هذه الدولة التي مزقها القتل والتهجير، القى خبير في شؤون الإرهاب والمحلل الساسي السابق في السفارة السعودية بالعاصمة الأمريكية، واشنطن فهد ناظر ، الضوء على ما يدور في خُلدالرئيس السوري بشار الأسد، إلى جانب الخطوة الجريئة التي من الممكن أن يقدم عليها كحل أخير وكيف تمكن من البقاء في السلطة حتى الآن.
واشار ناظر الى ان دول المجتمع الدولي التي تمانع اتخاذ اجراءات لمعاقبة الأسد عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الاحتمال القوي بأنها قد تكون مجبرة على مواجهته في موعد بالمستقبل القريب عندما يتحدى الأسد قوانين العلاقات الدولية ويشن حربا على دولة يُحملها مسؤولية ما يحصل في بلاده من أزمة،لافتا الى انه وفي هذه الحالة فإن المرشح الأكبر يكون " المملكة العربية السعودية".
ولفت ناظر الى ان من يتبنى فكرة بقاء الأسد في السلطة باعتبار أنه أقل الشريين مقارنة مع وصول المتشددين إلى السلطة، عليهم أن لا يخضعوا لوهم أن هذا الخيار هو انتقاء نظام "فاشي،" حيث أن هدف القضاء على الأعداء الداخليين والخارجيين مستمرة ولن تهدأ،وقال:"من يستبعدون قيام الأسد بمثل هذه الخطوة عليهم السماع مرة أخرى لتصريحات الرئيس السوري الأخيرة حول "الوهابية،" وضرورة "اقتلاعها من جذورها،" وإصراره على إطلاق مصطلح "الإرهاب" على خصومه، مستغلا بذلك التوجه الدولي نحو محاربته، انظروا إلى ما فعله نظام صدام حسين البعثي السابق في العراق، وما قام به من حرب ضد إيران باعتبار أنها سبب كل المصائب ثم عاد ليشن هجوما على الكويت فيما بعدها."
وفي هذا الاطار، اعتبر ناظر ان السنوات الثلاثة الماضية من عمر الثورة السورية تكشف القناع عن نظام الأسد الفاشي الذي وفي سبيل استعادة السيطرة على سوريا فإنه قد يشن هذا الهجوم على أحد خصومه، في خطوة جريئة تهدف إلى تعزيز ثقة مناصريه وإعادة البعض الآخر من المعتدلين إلى رايته باستخدام شعار الوطنية.
واشار ناظر الى ان عقيدة الدولة الفاشية تتلخص في الحفاظ على أمن الدولة واستقرارها ووحدتها ضد الأعداء سواء في الداخل أو الخارج، معتبرا أن الاعتداء على "القائد" يعتبر اعتداء على الدولة، وقال:"بالنظر إلى قيام الجيش السوري بقتل عشرات الآلاف والآلاف الآخرين ممن لم يحسبوا إلى جانب تشريد الملايين من السوريين وتسوية عشرات المدن بالأرض، وتقليص حجم الاقتصاد السوري إلى جزء بسيط مما كان عليه في السابق وتحويل البلاد إلى مقصد للمتشددين الإسلاميين، وكل ذلك في سبيل الحفاظ على شخص في السلطة.. هنا لابد لمن يفكر بفتح صفحة جديدة مع الأسد بعد هذه المعلومات أن يتوقف للحظة ويعيد النظر".
الى ذلك، يؤكد ناظر ان الاسد مُثل صدام حسين، يقوم بلعب دور الأمن الداخلي وتقديمه على باقي الأولويات وخلق ثقافة الخوف وحالة عدم اليقين وانعدام الثقة بين أفراد الشعب السوري، في سبيل السيطرة على المواطنين نفسيا من خلال أجهزة الاستخبارات وقوى الأمن وفرق التجسس،لافتا الى غرف التعذيب التي تم اكتشافها بعد إسقاط نظام صدام حسين في العام 2003 فإن المعلومات والصور والوثائق حول قيام الأسد بما هو أفظع من ذلك يتم اكتشافها بشكل يومي ولعل أبرزها الصورة المسربة من قبل قناة الجزيرة حول حالة السجناء والمعتقلين المزرية، حيث أعادت هذه الصور ذاكرة أسوء نظام فاشي عرفه التاريخ "ألمانيا النازية."
وسأل ناظر:"ولكن كيف يفعل الأسد ذلك؟ كيف يتحكم بولاء جيشه؟" معتبرا ان الإجابة على ذلك تأتي وفقا للقوانين المعمول بها في الأنظمة الفاشية، واشار الى أن الأسد يسيطر على وسائل الإعلام والمناهج المدرسية ويلعب على وتر "الوطنية والقومية،" من جهة وتنمية مشاعر البغض لكل أعداء سوريا من جهة اخرى.
 
سيناريو الإطاحة بيانوكوفيتش يطارد روحاني وخامنئي
التجربة الأوكرانية تختمر في إيران
إيلاف...أشرف أبو جلالة
مع التطورات في أوكرانيا، تربط تحليلات بين السيناريو الأوكراني وبين سيناريو مشابه من الممكن أن يحدث مستقبلًا في إيران.
أشرف أبوجلالة من القاهرة: بينما تتوجه الأنظار صوب التظاهرات الشعبية الجريئة التي شهدها ميدان الاستقلال في العاصمة الأوكرانية كييف، يتلمس البعض تشابهًا مثيرًا للاهتمام ربما يختمر تحت السطح في تلك الأثناء، وقد يطيح في النهاية بالرئيس حسن روحاني وآية الله علي خامنئي.
ليست منفتحة
رغم أن الاتفاق المؤقت الذي تم إبرامه أواخر العام الماضي مع إيران بخصوص ملفها النووي أدى لإقدام مجموعة شركات على تجديد شراكات أعمالها مع طهران، إلا أن مسؤولين أميركيين كبار حاولوا كبح جماح تلك الحماسة التي تولدت تجاه الاقتصاد الإيراني. ويكفي ما قاله أخيرًا وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن أن إيران ليست منفتحة على الأعمال.
ونقلت مجلة فوربس الأميركية عن منتقدي الاتفاق المؤقت قولهم إن هذا الاحتفاء السوقي بإيران هو كسب مفاجئ لطهران، سينتقص من الموقف التفاوضي لمجموعة 5+1 في جولة المفاوضات الحالية. ولفت المنتقدون كذلك إلى أن هذا الإقبال المتزايد من جانب الشركات العالمية على إيران سيضع ضغوطًا على الحكومات المتحالفة من أجل القبول بصفقة سيئة لصالح أرباح الشركات ونمو الوظائف.
قوة الطموح
يكمن الخطر بالنسبة للمسؤولين الإيرانيين في الحقيقة التي اكتشفها الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، وهي المتعلقة بالقوة الكبرى لطموحات وتطلعات الشعب المتنامية. فالمشكلة الكبرى التي قد تحدث في إيران هي التي قد تنجم عن انهيار طموحات الشعب الإيراني حال فشل المفاوضات الجارية مع الغرب، وبدء انصراف كبرى الشركات العالمية عن التعاون مع نظيرتها الإيرانية في مختلف المجالات.
فنفس هذه التجربة المحبطة هي التي مر بها الشعب الأوكراني، وأيقظت بداخلهم روحًا ثوريةً، قادتهم في الأخير إلى النزول بأعداد كبيرة في الشوارع للمطالبة برحيل النظام الحاكم.
فبعدما تطلع الأواكرنيون لمستقبل أكثر رخاءً وازدهارًا من خلال التكامل اقتصاديًا وثقافيًا بشكل أكبر مع الاتحاد الأوروبي، وتقليل الاعتماد على علاقة البلاد القديمة بروسيا، كما كانوا يتمنون، لم يكلل حلمهم بالنجاح، ما أدى لتفجر طاقات الغضب لديهم.
جولة اعتذار
وتشدد فوربس على ضرورة أن ينتبه المسؤولون الإيرانيون لما حدث في أوكرانيا، وأن يراقبوا كل التطورات هناك عن كثب، خشية أن تتحول انتصارات روحاني الأخيرة إلى جولة اعتذار.
وأكدت المجلة أنه بعد سنوات من العزلة الاقتصادية والسياسية، ومن تقلص قوتهم الشرائية، وتراجع آمالهم في مستقبلهم، قد يصاب المواطنون الإيرانيون بصدمة كبرى حال انصراف الشركات العالمية عن الاستثمار في بلادهم.
ومع ارتفاع سقف تطلعاتهم، يتعين على روحاني وخامنئي أن ينظرا للتجربة الأوكرانية ويتعلما منها، خصوصًا أن المواطنين لن يرضوا بعد ذلك بالعودة لحياة العزلة التي عاشوها لفترة طويلة.
 
"الإسكوا" في تقرير "التكامل العربي": لا تتحقق المقوّمات في دول مجزّأة
النهار...
وضعت لجنة الامم المتحدة الاقتصادية لغرب آسيا "الاسكوا" رؤية استراتيجية للتكامل العربي، وذلك في تقرير عنوانه "التكامل العربي: سبيلا لنهضة انسانية". واكدت اللجنة ان مقومات التكامل العربي "لا تتحقق في دول مجزأة" ورأت ان "العمل المشترك حماية للمصلحة العامة وضمانة للسيادة الوطنية".
والرؤية التي يطرحها التقرير هي حصيلة جولة على محطات مرت بها "مسيرة التكامل العربي" في الاقتصاد، والسياسة، والمجتمع والثقافة، والتضامن الشعبي، وعرض لمقومات التكامل الكثيرة في المنطقة وللفرص الضائعة التي افسحت في المجال لتوسع مشاريع بديلة "كرست التشرذم والتطرف والفرقة" وفوتت الكثير من الفوائد التي يمكن ان تكون في متناول المنطقة اذا سارت مجتمعة في مشروع للتكامل "ينطلق من ارادة سياسية صلبة" وتشارك الشعوب في بنائه بما تملكه من تجارب وطاقات ورؤى. وفي ضوء التحديات المزمنة والمستجدة التي يشهدها الوطن العربي، يختصر التقرير مغزى "النهضة الانسانية" بغايات رئيسية ثلاث: صون الحرية والكرامة الانسانية للجميع، وهذا يستلزم اقامة حكم ديموقراطي صالح وتحرير الوطن العربي من جميع اشكال الاحتلال والنفوذ الاجنبي؛ وانشاء بنية انتاجية عربية قوية ومتنوعة دائبة النماء والارتقاء، وإحياء الثقافة ذات الفاعلية الابداعية "باحياء افضل مزايا الحضارة العربية الاسلامية واثرائها بأفضل منجزات الحضارة الانسانية".
ويرى التقرير مقومات هذا النهوض في ارادة مستقلة لجماعة الاحرار، وعلم مبدع يخلق معارف جديدة، وقدرة فعلية هي نقيض القدرة الوهمية، وحياة دائمة التجدد تتوافر شروطها بمشاركة الجميع، وقيام ذاتي يتحقق عندما ينهض كيان فاعل يلتقي افراده حول رسالة معينة.
ويؤكد التقرير "ان هذه المقومات لا يمكن تحقيقها في الدول المجزأة، حيث تتعذر حماية المصالح العامة، ويصعب اكتساب المناعة الضامنة لشروط السيادة والاستقلال، وتشييد بنى اقتصادية تتاح فيها للجميع فوائد التكامل الشامل". لذلك جاء طرح مشروع التكامل العربي من جديد، "شرطاً اساسيا للنهضة والتنمية الانسانية المتواصل في كامل المنطقة العربية"، التكامل الذي يفضي الى اقامة منطقة المواطنة الحرة العربية، حيث يتمتع كل مواطن بحقوق المواطنة في اي دولة عربية.
ويقترح التقرير مجموعة من التوجهات الاستراتيجية للتكامل الداعم للنهضة، توجهات تعبر بالوطن العربي من التشتت الى التكامل ومن الاستباحة الى المواطنة الحرة والنهضة الشاملة. وترتكز هذه التوجهات على ثلاثة اركان: تعاون سياسي يدعم اقامة الحكم الديموقراطي الصالح؛ وتعميق التكامل الاقتصادي باستكمال تنفيذ الاتفاقات القائمة واسترجاع مشروع الوحدة الاقتصادية، والاصلاح الثقافي والتربوي الذي يكوّن اشخاصاً مبدعين قادرين على بناء مجتمعات المعرفة.
ويتضمن التقرير مجموعة اقتراحات للدراسة والنقاش بين القوى الحيّة في الوطن العربي للبحث في السبل الكفيلة بتطوير هذه الاستراتيجية وانفاذها ومتابعتها وتصويبها عند الاقتضاء. "فحتى يسير مشروع التكامل من أجل النهضة من حيز الأفكار الى حيز الواقع المعيشي، لا بد من قرار يدعمه اقتناع بالمفهوم وارادة وامكان للتنفيذ".
والاصلاح الذي يدعو اليه التقرير على محاور عدة لا يستثني الاصلاح الثقافي بما فيه النهوض باللغة العربية واصلاح الفكر الديني. وقد بات هذا الاصلاح ضرورة "لاستنباط حلول تساعد على التخلص من التبعية من حيث هي بنية فكرية وثقافية، فتخرج الأمة من الصراع السطحي المتردد بين الرفض الانفعالي والتقليد الانفعالي لما ابدعته الحضارات الأخرى أو حتى للماضي الذاتي أو الاثنين معاً"... فالاسلام، بحسب التقرير، "يتخلى عن خصائصه الثورية ما لم يكن اصلاحاً دائماً يتجاوز سطح الأقوال والأفعال للوصول الى معانيها العميقة".
وما يُقرأ في الاصلاحات التي يقترحها التقرير في السياسة والاقتصاد والثقافة والدين، دعوة ملحة الى انهاء الصراع المتصاعد بين دعاة التحديث ودعاة التأصيل، وقد انتهج الطرفان نهج إلغاء الآخر، وأغرقا الأمة العربية في صراع مقيت حاد بها عن مسار البناء الجديد. أما الحل فيراه التقرير فقط في العزوف عن المقابلة بين الحداثة والأصالة، وعن المغالاة في هذه وتلك، للانتقال الى الحداثة الأصيلة التي هي عينها الأصالة الحديثة، وتعني توافقاً تاماً بين حقوق الانسان ومقاصد كل شرع لا تتنافر قيمه مع قيم العقل".
 
تنصّت على هاتف أردوغان يضعه في صلب فضيحة الفساد ورئيس الوزراء يتّهم خصومه السياسيين بـ"التلفيق المشين"
النهار.. (و ص ف، رويترز)
رد أمس رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بعنف على نشر تسجيل محادثة هاتفية له تجعله موضع شبهات في صميم فضيحة الفساد التي تطاول حكومته، مندداً بما اعتبره "هجمة وضيعة".
وهذا التسجيل، الذي نشر مساء الاثنين على الانترنت والذي لم يؤكد صحته مصدر مستقل، هو المؤشر الاول لتورط اردوغان شخصياً في الفضيحة، وقد أدى الى تكثيف دعوات المعارضة الى استقالته.
واغتنم رئيس الوزراء كلمته الاسبوعية، امام نواب حزب العدالة والتنمية الذي يرأسه، ليصف التسجيل بأنه "تلفيق مشين" و"هجمة وضيعة". وقال: "لن نرضخ أبداً"، وسط تصفيق وهتافات نواب حزبه. وأضاف: "الشعب وحده، ولا أحد غيره، يمكنه ان يقرر ازاحتنا"، في اشارة الى الانتخابات البلدية المقررة في 30 اذار. ومساء الاثنين، رد مكتب اردوغان بقوة على الاتهامات نافياً اياها نفياً قاطعاً ومنتقداً في بيان "تلفيقاً لا اخلاقياً".
وكما هو متوقع، هاجم اردوغان مجدداً من غير ان يسميه الداعية فتح الله غولن واتهمه بأنه وراء هذه الهجمة من خلال "اختلاق مسرحية لا اخلاقية". وشدد على انه "لا مزاعم لسنا قادرين على الرد عليها"، وانه "لا يخاف شيئاً" وتوعّد بملاحقة المسؤولين عن عملية "التلفيق" هذه أمام القضاء.
ومنذ منتصف كانون الاول 2013، يتهم اردوغان جمعية غولن باستغلال التحقيقات الجارية في الفساد في اطار مؤامرة تهدف الى تشويه سمعته قبل الانتخابات البلدية في اذار والرئاسية في آب.
"بنيّ..."
وفي التسجيل الذي حمل تاريخ 17 كانون الاول ونشر مساء الاثنين ينصح رجل قدم على انه اردوغان لآخر قدم على انه نجله البكر بلال الذي استمع اليه المدعون في قضية الفساد بصفة شاهد، بطريقة التخلص من نحو 30 مليون أورو. وحصل ذلك بعد ساعات من حملة اعتقالات شنتها الشرطة واستهدفت عشرات المقربين من النظام.
وقال الصوت الذي نسب الى اردوغان: "بني، ما أريد ان أقول، هو ان عليك اخراج كل ما لديك من عندك، حسناً؟". ورد الصوت الآخر: "ماذا قد يكون هناك لدي؟ ليس لدي الا المال العائد اليك".
وما ان بث التسجيل الهاتفي الوارد بعد سلسلة مشابهة تصف الضغوط المباشرة التي مارسها اردوغان على وسائل اعلام، حتى اشتعلت شبكات التواصل الاجتماعي التابعة للمعارضة والتي تندد منذ أسابيع بفساد النظام الاسلامي المحافظ الحاكم منذ عام 2002.
وقال خلوق كوتش نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، ابرز قوة معارضة، في ختام اجتماع طارئ ليل الاثنين: "على الحكومة ان تستقيل على الفور، لقد فقدت كل شرعيتها". وأضاف: "على رئيس الوزراء ان يستقيل فوراً. لا يمكن تركيا ان تستمر على هذا المنوال".
وتبعه رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي الذي رأى ان "النهاية المطلقة والاكيدة لاردوغان باتت وشيكة... على القضاء فتح تحقيق فوراً".
ووصف غولن من خلال محاميه اتهامه بالتواطؤ بأنه ظالم ويساهم في اشاعة اجواء "الكراهية والعداوة" في المجتمع التركي.
فتح تحقيق
وفتحت نيابة انقرة تحقيقاً في هذه القضية وكلفت الشرطة المتخصصة في الانظمة المعلوماتية الملف، استناداً الى وكالة "دوغان" للأنباء.
وسواء أكان ذلك مصادفة ام لا، نشر التسجيل بعد ساعات من نشر صحيفتين مقربتين من النظام معلومات تتهم قضاة مقربين من جمعية غولن بالتنصت على آلاف الاشخاص، بينهم اردوغان.
وسعياً الى استعادة السيطرة على الأمور، نفذ حزب العدالة والتنمية الذي يملك اكثرية واسعة في مجلس النواب، حملات تطهير غير مسبوقة في الشرطة والقضاء واستصدر قوانين مثيرة للجدل تشدد الرقابة على الانترنت وتحكم سيطرة السلطة على القضاء.
كما طرح مشروع قانون مثير للجدل يرمي الى توسيع سلطات وكالة الاستخبارات التركية التي يديرها هاكان فيدان الذي يثق به اردوغان. ويتوقع التصويت على المشروع قبل نهاية الاسبوع.
وأضر الغموض السياسي المتنامي الذي يحيط بالحكومة ورد فعلها على التسجيلات الصوتية بالاسهم التركية وسط ضعف أوسع نطاقاً في الاسواق الصاعدة.
وأطلقت قوى الامن قنابل الغاز المسيل للدموع ومدفع مياه لتفريق بضع مئات من الأشخاص غالبيتهم طلاب تجمعوا للاحتجاج على بناء طريق سريع، لكن الاحتجاج تحول تظاهرة مناهضة للحكومة ردد خلالها الطلاب هتافات تطالب باستقالة الحكومة وتتهم اردوغان باللصوصية.
 
إرجاء تأليف حكومة في أوكرانيا ومخاوف من نزعات انفصالية
النهار.. (و ص ف، رويترز، أ ب)
تحاول السلطات الاوكرانية الجديدة بصعوبة شق طريقها وسط مشهد سياسي واقتصادي معقد، مطلقة حملة الانتخابات الرئاسية المقررة في 25 أيار، ومرجئة تأليف حكومة جديدة الى الخميس، مع سعيها الى الحصول على مساعدة مالية عاجلة من الغرب لانقاذ اقتصادها من الغرق، وقت تعهدت موسكو عدم التدخل في هذا البلد بعد اطاحة الرئيس الموالي لها فيكتور يانوكوفيتش
وتسود البلاد مخاوف من نزعات انفصالية وأعمال انتقامية، وخصوصاً في ظل تحركات مناهضة للسلطات الجديدة في شبه جزيرة القرم الناطقة الروسية، واطلاق النار على مساعد كبير ليانوكوفيتش يمقته المحتجون الموالون لاوروبا.
والتقت الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الامنية كاثرين آشتون الرئيس بالوكالة الموالي للغرب الكسندر تورتشينوف وعددا من اعضاء البرلمان الذي دعا الى محاكمة يانوكوفيتش امام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
وتعتبر زيارة اشتون جزءا من المحادثات الحثيثة التي تجرى وراء أبواب موصدة بين ديبلوماسيين اوروبيين وروس واميركيين في شأن اوكرانيا التي طلبت مساعدة مقدارها 35 مليار دولار (25 مليار أورو) لتجنب افلاس البلاد.
وبعدما ردت روسيا بغضب على التغيرات السياسية المتسارعة في اوكرانيا، متهمة القيادة الجديدة بـ "عصيان مسلح"، خفف وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف حدة الخطاب الروسي، قائلا إنه يجب عدم اجبار اوكرانيا على الاختيار بين روسيا والغرب، وإن يكن رفض اجراء انتخابات رئاسية في 25 أيار.
 
«أجواء تهدئة» بين موسكو وبروكسيل لمحاولة الاتفاق على مستقبل أوكرانيا
الحياة..موسكو – رائد جبر
كييف - أ ف ب، رويترز – دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الغرب إلى المساعدة في «إعادة الأمور إلى الاطار القانوني في أوكرانيا»، فيما طمأنت أوروبا موسكو إلى «اهتمامها بعلاقة متينة بين أوكرانيا وروسيا».
وانطلقت في أوكرانيا بورصة الانتخابات الرئاسية المقررة في 25 أيار (مايو) المقبل. وأعلن زعيم حزب «اودار» (الضربة) الملاكم السابق فيتالي كليتشكو انه سيخوض السباق، ما اثار تكهنات حول اتفاقه مع رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموتشينكو التي أفرج عنها بعد إطاحة الرئيس فيكتور يانوكوفيتش السبت الماضي على دعمه، في مقابل تعيين قوى أحد رموز حزبها «الوطن» رئيساً للوزراء بصلاحيات واسعة بموجب الدستور الجديد. ودخل محافظ خاركوف ميخائيل دوبكين على خط السباق الرئاسي، مؤكداً وجود دعم قوي لترشحه في الأقاليم الشرقية.
إلى ذلك، طالب البرلمان الأوكراني المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بملاحقة الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفتيش وجميع المذنبين في جريمة قتل أكثر من مئة متظاهر وجرح حوالى ألفين في كييف الأسبوع الماضي، فيما ركع أفراد من شرطة مكافحة الشغب الأوكرانية السيئة السمعة والمعروفة باسم «بيركوت» للاعتذار للشعب عن أعمال ضرب محتجين وقتلهم.
وكثفت موسكو وبروكسيل تحركاتهما لتهدئة الوضع في أوكرانيا، ومحاولة الاتفاق على سيناريو لمستقبل البلاد. ودعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف «الشركاء الدوليين إلى التأثير على القوى السياسية في أوكرانيا لتهدئة الوضع»، منتقداً «محاولات فرض خيارات على الأوكرانيين بصيغة إما معنا أو ضدنا. ونحن معنيون بأن تكون أوكرانيا جزءاً من العائلة الأوروبية».
وأبدى الوزير الروسي في مؤتمر صحافي عقده مع وزير خارجية لوكسمبورغ جان آسيلبورن «قلق موسكو العميق من التطورات غير البناءة في أوكرانيا»، محذراً من «محاولات تحقيق مكاسب أحادية عبر استغلال الوضع الحالي». واعتبر أن المرحلة تتطلب «إجراء حوار وطني وإعادة الوضع إلى الأطر القانونية»، منتقداً عدم التزام البرلمان الأوكراني تطبيق اتفاق إنهاء الأزمة الذي وقعته المعارضة مع الرئيس المعزول يانوكوفيتش، واتخاذه قرارات «مسيئة» بينها إلغاء قانون سابق جعل اللغة الروسية رسمية في نصف مقاطعات البلاد. وأعلنت موسكو أنها ستسلم الأوروبيين شريط فيديو يثبت تورط المعارضة الأوكرانية في أعمال عنف واسعة شهدتها البلاد.
وأفادت وكالة «فيتش» للتصنيف المالي بأن «أزمة أوكرانيا قد تؤثر على مصارف روسية بينها «فنيشيكونوم بنك» و «غازبروم بنك» و «في تي بي» التي تبلغ إجمالي قروضها في أوكرانيا 28 بليون دولار».
في المقابل، وجهت وزير خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون من كييف رسالة تطمين إلى موسكو، إذ شددت بعد لقائها تيموتشينكو والقائم بأعمال الرئيس ألكسندر تورتشينوف على «أهمية الحفاظ على سلامة أوكرانيا ووحدة أراضيها».
وأفادت وكالة «تاس» للأنباء الروسية بأن «موضوع منح مساعدات مالية لأوكرانيا، ومسألة توقيع اتفاق شراكة تجارية معها ستكون على أجندة قمة الاتحاد المقررة الشهر المقبل»، علماً بأن وزراء الدفاع للدول الـ28 الأعضاء في الحلف الأطلسي سيلتقون وفداً أوكرانياً في بروكسيل غداً لبحث الوضع في أوكرانيا، والمساعدة التي قد يقدمها الحلفاء لإصلاح قواتها المسلحة.
في روسيا، استبعد نائب رئيس البرلمان فلاديمير فاسيلييف تكرار سيناريو أوكرانيا في بلاده، واعتبر ذلك «أمراً مستحيلاً». وقال: «شهدت أوكرانيا نشاطاً لمتطرفين خلقوا جواً من الرعب عبر إشعال الحرائق وضرب أشخاص وقتلهم للوصول إلى السلطة». وزاد أن «رئيس أوكرانيا لم يؤد واجبه، بينما لدينا في روسيا رئيس ومجتمع مختلفان، وقوى سياسية ناشطة».
 
أوكرانيا تحاول بالثورة التخلّص من عبء تاريخ وجغرافيا وبنية
الحياة...محمد سيد رصاص ...* كاتب سوري
تعني «أوكرانيا» باللغة الأوكرانية «أرض الحدود»، وفي اللغة الروسية تلفظ «أوكرايينا» التي تعني «الأطراف».
في كييف ولدت أول دولة روسية في عهد فلاديمير العظيم (980-1015) وهو الذي أدخل المسيحية وربطها بكنيسة بيزنطة عام 988. وأدى تدمير كييف بأيدي المغول عام 1340 إلى جعل الأرض الأوكرانية الحالية مجالاً لحكم الليتوان ثم البولنديين خلال قرون ثلاثة لاحقة. بالنتيجة، مع تدمير دولة كييف الروسية، نمت الروسية، لغة ودولة وقومية، في موسكو (موسكوفي)، مع إعلان ايفان الرهيب نفسه قيصراً عام 1547، فيما تطورت الأوكرانية، وهي شقيق سلافي لغة وعرقاً، تحت سيطرة الليتوان والبولنديين بمنحى خاص.
عندما حصلت الانتفاضة الأوكرانية ضد الحكم البولندي عام 1648 لم يكن الخيار هو الاستقلال وإنما اختار (الرادا) الأوكراني، أي المجلس، الحكم الموسكوفي عام 1654، وعندما هزمت روسيا بولندا أدت «معاهدة السلام الأبدي» في 1685 إلى ضم أوكرانيا إلى روسيا فيما اقتطعت بولندا الغرب الأوكراني الواقع غرب نهر الدنيبر، وعندما جرى تقسيم بولندا في 1772 و1793 و1795 بين روسيا والنمسا وبروسيا فإن الروس كانوا يقتطعون شرق الدنيبر بينما تقتطع النمسا غربه، وهو ما جرى أيضاً بين لينين والبولنديين عامي 1920-1921 فهو الذي أعطى بولندا «حق تقرير المصير» في 1917 قبل أن يغزو الشرق الحاكم البولوني الجديد، أي الماريشال بيلسودسكي، فيما حسم ستالين المسألة الأوكرانية بعد معاهدته مع هتلر في آب (أغسطس) 1939 عندما أدى تقسيم بولندا بينهما إلى اقتطاع موسكو الغرب الأوكراني الحالي الذي يضم غاليسيا الشرقية وفولهينا، ثم اقتطع سيد الكرملين عام 1940 بيسارابيا وبوكوفينا الشمالية من رومانيا، مشكلاً الإطار الجغرافي - الديموغرافي لأوكرانيا الحالية.
كان بطرس الأكبر (1682-1725) مدركاً الفوارق الروسية- الأوكرانية، مما جعله يفضل اللامركزية في التعامل مع كييف والأوكرانيين قبل أن يختار خلفاؤه المركزية الصارمة في 1775، وهو ما كان مترافقاً مع تقسيم بولندا واختفائها.
في فترة السيطرة النمسوية على الغرب الأوكراني في غاليسا الشرقية وفولهينا اختارت فيينا رعاية الشعور القومي الأوكراني واللغة الأوكرانية ضد الروس، بينما تولى الكثير من الأوكرانيين في حكم القياصرة الروس مناصب رفيعة في الدولة والكنيسة، وكانت الروسية أسرع نمواً كلغة من الأوكرانية بين الأوكرانيين، وعندما ضعفت السلطة المركزية الروسية، مع نشوب الحرب الأهلية إثر الثورة البلشفية في تشرين الأول (أكتوبر) 1917، فإن كثيرين من الأوكرانيين لم يقفوا مع إعلان الدولة الأوكرانية المستقلة بعد ثلاثة أشهر، مفضلين الخيار السوفياتي بكل ما عناه من حل المسألة الزراعية ومن حداثة وذوبان موعود للفوارق القومية، ومنها سياسة الترويس، وفعلاً فإن العشرينات شهدت انتعاشاً كبيراً للغة والأدب الأوكرانيين، قبل أن يأتي ستالين، الجيورجي، ويفرض منذ 1929 بسياسة ترويس كبيرة ترافقت مع مركزية الكرملين الإدارية، وهو ما تزامن مع سياسة التجميع الزراعي 1929- 1932 التي قمعت الكثير من الفلاحين (الموجيك) الأوكرانيين مجبرة إياهم على الانضمام إلى الكولخوزات. مع ذلك فإن الاحتلال النازي لأوكرانيا بعد غزو 22 حزيران (يونيو) 1941 أظهر وقوف غالبية أوكرانية كبرى مع ستالين ضد هتلر فيما تركز المتعاونون الأوكرانيون مع النازيين في الغرب الذي ضمته بولندا. كان خليفة ستالين بعد وفاة الأخير عام 1953، أي خروتشوف، من دماء روسية - أوكرانية، وكان مسؤولاً عن الحزب الشيوعي الأوكراني، ثم كان الخليفة الثاني، أي بريجنيف، أوكرانياً، وعملياً فإن النمو الاقتصادي السوفياتي في فترة 1950-1975، كان لأوكرانيا حصة كبرى فيه في مجالات الصناعة الثقيلة والهندسية والعسكرية، وقد تركز هذا في الشرق الأوكراني، عند خاركوف ودونتسك، حيث تمازج الروس والأوكرانيون سكانياً، ويلاحظ في تلك الفترة كيف كانت الروسية الأكثر استعمالاً ونمواً من اللغة الأوكرانية في عموم جمهورية أوكرانيا السوفياتية في الحياة اليومية للمواطنين، وفي فترة البيريسترويكا (نيسان/ أبريل) 1985- آب/ أغسطس1991) كان الأوكرانيون أقل ميلاً للتمرد على الكرملين من الجيورجيين وجمهوريات البلطيق، وكان الشيوعيون الأوكرانيون أكثر ميلاً للاتجاه المحافظ من قربهم من غورباتشوف، ولم ينحوا نحو التمرد على الكرملين كما فعل بوريس يلتسين مسؤول موسكو للحزب ثم منذ أيار (مايو) 1990 رئيس جمهورية روسيا السوفياتية.
في مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفياتي في الأسبوع الأخير من عام 1991 أضيف عبء البنية مع الجغرافية والتاريخ ليلقى الثقل المثلث على أوكرانيا: انقسمت الكنيسة الأرثودكسية الأوكرانية بين بطريركية موسكو وبطريركية جديدة انشقت عنها في كييف عام 1992 يتبعها (وفق «روزنامة العالم لعام 2010»، إصدار نيويورك، ص 848) 50 في المئة من السكان، فيما يتبع موسكو 26 في المئة، والكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية المستقلة 7 في المئة. هذا الانقسام الأرثوذكسي الطائفي يتوازى معه توزع أوكرانيا، ولو أنه ليس انعكاساً حرفياً، بين أوكرانيين بنسبة 77 في المئة وروس 17 في المئة. الروس كلهم في أوكرانيا يتبعون بطريركية موسكو وغالبيتهم العظمى في الشرق والجنوب، ليتراكب الانتماء القومي مع الديني مع المناطقي، وهو ما ينطبق على الغرب الأوكراني حيث تجتمع الكاثوليكية، 8 في المئة من السكان، مع تبعية دينية لروما ولو مع طقوس دينية شرقية بدأت تأخذ منحى لاتينياً متزايداً في القرن العشرين، مع ارتباط تاريخي بوارسو وفيينا يأخذ في القرن الواحد والعشرين تفضيلاً سياسياً للارتباط مع الغرب الأوروبي - الأميركي واقتصادياً لارتباط شراكة مع الاتحاد الأوروبي في بروكسيل بدلاً من الارتباط الاقتصادي مع روسيا.
في الوسط الأوكراني عند كييف يأتي الشعور القومي الأوكراني من الأرياف والمدن والبلدات المحيطة بالعاصمة، التي هي منقسمة بين مدينتي لفوف الكاثوليكية الأوكرانية (مع كثير من السكان من القومية البولندية) في الغرب، ودونيتسك الأرثوذكسية ذات الغالبية من الأوكرانيين الروس في الشرق، ولو أن غالبية كبرى من سكان كييف سبق أن أعطت في عامي 2006 و2010 أصواتاً كثيرة لحزب الأقاليم الموالي لروسيا، بدأت في عام 2014 تبتعد عن الشرق الروسي كما كان الأمر في الحقبة السوفياتية، وتأكد ذلك من خلال ما جرى للرئيس فيكتور يانوكوفيتش في 21 و22 شباط (فبراير) 2014 إذ أصبحوا مع الخيار الغربي وضد ما يقدمه فلاديمير بوتين، وهو ما جعل الميزان يميل ضد الرئيس الأوكراني الموالي لموسكو.
بين ثورتين في عامي 2004 و2014 ظهر أن التردد، الذي عبرت عنه انتخابات برلمانية عام 2006 ورئاسية في 2010 باتجاه النكوص عن «الخيار البرتقالي» الذي قدمته ثورة 2004، قد انتهى إلى انتصار الخيار الغربي عند غالبية الأوكرانيين. كان ما جرى في كييف ضد يانوكوفيتش ضربة كبرى لبوتين وأول تراجع روسي منذ صعود موسكو في عالمها السوفياتي السابق مع الحرب الروسية - الجيورجية في آب (أغسطس) 2008 التي أوقفت وأنهت تراجعات روسية بدأت عام 1990 في المجال السوفياتي.
وعلى الأرجح فإن هذا التراجع الروسي لن يكون فقط في المجال السوفياتي السابق وإنما سيؤثر في المد الروسي عالمياً، وهو ما يمكن تلمسه في ما جرى في نيويورك بعد ساعات قليلة على أحداث كييف إذ تنازلت روسيا ووافقت على القرار 2139 المتعلق بالموضوع السوري بعد مقاومة أبداها الكرملين منذ فيتو 4 تشرين الأول 2011 ضد حيثيات يريد من خلالها الأميركيون الإمساك بخشبة الموضوع الإنساني للوصول إلى قضايا سياسية - عسكرية.
 
الدور الإقليمي الإيراني يتعاظم
 الحياة...كيهان برزكر..
* استاذ جامعي، عن موقع «تابناك» الايراني، 19/2/2014، اعداد محمد صالح صدقيان
إثر اتفاق جنيف النووي، وجدت القوی الاقليمية المناوئة لإيران نفسها امام تحدٍ حقيقي يرمي الى جبه تعزيز دور ايران الاقليمي. ووزن واشنطن راجح في الشرق الاوسط، وإبرام اتفاق شامل مع طهران يقوض نفوذ الجبهة الاقليمية المناوئة لها.
وثمة مؤيدون لهذا الاتفاق ومعارضون له في الداخل الايراني. لكن يجب ألا ننسى أن اتفاق جنيف هو اتفاق في اطار العلاقات الايرانية – الاميركية. والسياق هذا يجعله بالغ «الحساسية» والاهمية. فهذه العلاقات يحكمها التاريخ المتشنج بين البلدين والتباين الايديولوجي، وقضايا متعلقة بالتسلط في هذه المنطقة. وعلينا ألا نقوِّم هذا الاتفاق في ميزان «الربح والخسارة» بسبب وجود حسابات اخری، ابرزها الدور الايراني الاقليمي. وتؤثر المفاوضات الايرانية - الاميركية في اطار مجموعة 5+1 سلباً في دور حلفاء الولايات المتحدة الاقليميين وترجّح كفة الدور الايراني. والاتفاق هذا يكرس دور لاعبين بارزين في هذه المنطقة، هما ايران والولايات المتحدة. وعلی رغم نأي واشنطن عن الشرق الاوسط، تسعی الى ادارة شؤونه من طريق التعاون مع حلفائها التقليدين. ويؤذن اي اتفاق اميركي مع طهران بهزيمة الائتلاف المعارض لها، وبدوران الدور الاميركي في فلك الاتفاق النووي الشامل مع ايران.
ولا ريب في ان المشارفة على إبرام مثل هذا الاتفاق تهمّش سياسة اشعال فتيل الازمات الاقليمية امام ايران. ولطالما نظرت الولايات المتحدة الى المنطقة من النافذة الدولية والاهمية الاستراتيجية واستندت الى رؤية تسلطية - استعمارية من دون ان تلتفت الی القيم والهوية التاريخية لشعوب المنطقة.
وتعاظم الدور الايراني ينسحب علی ثلاثة مستويات. فالعلاقة الايرانية مع دول الجوار تحسنت بعد توقيع الاتفاق، فقويت اواصر العلاقة مع تركيا وروسيا والصين وعدد من الدول العربية والخليجية، على وجه التحديد. وزادت قدرة طهران على المناورة في الازمات الاقليمية على نحو ما حصل في الازمة السورية، في وقت انحسر دور المعارضين لإيران. وأصبحت هذه الدول تقيم وزناً لطهران بسبب ادراكها مترتبات العلاقات الايرانية الدولية المستقبلية. ومحور العلاقات الدولية في الشرق الاوسط هو المصالح الجيوسياسية. ودول الجوار لا ترغب في التضحية بمصالحها. وإيران لا تشذ عن هذه القاعدة.
وأتاح الاتفاق لإيران مجالاً اوسع للمشاركة في حل الازمات الاقليمية. وساهم التعاون الايراني - الروسي على نزع السلاح الكمياوي السوري في استبعاد الحرب علی سورية من جهة، وتصدّع الجبهة الاخرى، من جهة اخرى. وفي الازمة العراقية، أدى التقارب الايراني – العراقي الى مواجهة التكفيريين والسلفيين. في الازمة الافغانية، تمس حاجة اميركا الى سحب قواتها الامن من الاراضي الافغانية. وإيران مؤهلة لأداء دور في مواجهة المتطرفين والمتشددين في باكستان وأفغانستان.
وساهم الاتفاق في دعم الحركات الصديقة لإيران في الشرق الاوسط. وتحسن وضع «حزب الله» افضل بسبب استبعاد اي هجوم اميركي او غربي عليه إثر التفاهم الايراني - الاميركي. وصار في وسع الجماعات العراقية الشيعية التعاون مع الولايات المتحدة وإيران. ويندرج الدور الايراني الاقليمي في سياقين: الموقع الجغرافي الذي يتصل بالنظام الامني والسياسي في المنطقة، والهوية الايديولوجية. والتزام ايران الاعتدال يرسي فضاءات امنية وسياسية وأيديولوجية ويقوي دور اصدقائها ويحقق مصالحهم. وعليه، يجب ان ننظر الی الاتفاق من زاوية دخول ايران في مفاوضات مع دولة كبری. وهذه الدولة تسعى من غير شك، وراء مصالحها. لكننا نحاول تقليل أخطار السعي الاميركي هذا علی المصالح الايرانية. والإجماع الداخلي الايراني على المفاوضات ضروري، علی رغم ان القلق من نتائجه لم يتبدد.
وتبرز الحاجة الى التمييز بين الدول الغربية. فالغرب لا يقتصر على الولايات المتحدة فحسب. وثمة مصالح متشابكة بين الدول الغربية والولايات المتحدة. ولا يستخف باللاعبين الاقليميين. وإبرام اتفاق نووي شامل هو الجسر الى دور قوي وفاعل علی الصعيد الدولي يقوض دور القوی الاقليمية المعارضة للمصالح الايرانية.
 
جنوب السودان وصراع المصالح الإقليمية والدولية
الحياة...مصطفى سعد ... * كاتب مصري
دولة جنوب السودان الحلقة الأولى في سلسلة إعادة الفك والتركيب لإنتاج ما يسمى الشرق الأوسط الجديد - طبقاً لوجهة نظر أميركية - والذي يتمثل جوهر مفهومه في التخلص من الحدود الحالية لدوله، وإعادة تقسيم تلك الدول على أسس مختلفة، منها ما هو ديني وما هو مذهبي وما هو عرقي وغيرها. والهدف هو التخلص من الكيانات الكبرى في منطقة الشرق الأوسط بتقسيمها إلى دويلات صغيرة، بما يساهم في إضعافها أمام كيانات أخرى مطلوب تعظيم دورها سعياً لتبوؤ الأخيرة مكانة إقليمية تمكنها من قيادة المنطقة، ولقد استند انفصال جنوب السودان عن شماله - مدعوماً وبقوة من الولايات المتحدة والقوى الغربية وبعض القوى الإقليمية - إلى اختلاف الديانة بين الشمال العربي المسلم والجنوب الأفريقي المسيحي. وعلى رغم التعدد القبلي في جنوب السودان، إلا أنه في إطار سعيه إلى الانفصال عن الشمال اجتمعت القبائل الجنوبية وتوحد هدفها المتمثل في الانفصال. وما إن تحقق الانفصال الذي لم يكمل بعد عامه الثالث، حتى رأينا تلك الدولة الوليدة تتعرض لأزمة كبرى قد تعصف بكيانها وتبدد حلم الجنوبيين في العيش في وطن آمن. ويتلخص جوهر الأزمة في الصراع على السلطة بين رئيس الدولة سلفاكير ميارديت ونائبه السابق رياك مشار. وعلى رغم اتفاق الطرفين على وقف الأعمال القتالية، إلا أن الاتفاق واجه خروقاً من الطرفين، بعدما أودت المواجهات بحياة 10 آلاف شخص، وشردت حوالى 860 ألفاً آخرين، واحتاج حوالى 3.7 مليون شخص مواد غذائية، وطبقاً لتقديرات الأمم المتحدة فإنه للتعامل مع الأزمة يلزم توفير 1.3 بليون دولار.
وجاءت التفاعلات الإقليمية والدولية معبِّرة عن أهداف أصحابها ودوافعهم، فعلى الصعيد الإقليمي يبرز الدور الإثيوبي الذي يعزز يوماً بعد يوم من محورية تلك الدولة وتأثيرها القوي في دول مجالها الحيوي، ويبرز الرغبة الإثيوبية في تبوؤ مكانة إقليمية لا يدانيها فيها أحد، حيث كانت إثيوبيا من أوائل الدول التي اهتمت بالأزمة، فزار وزير خارجيتها جنوب السودان، غير مرة، كما زارها رئيس الوزراء الإثيوبي. وإثيوبيا أيضاً هي حاضنة مفاوضات سبل التوصل إلى حلول سياسية للأزمة بين وفدي طرفيها. أما أوغندا، فإن حضورها في الأزمة يعد أكثر قوة مع مشاركة قواتها إلى جانب الرئيس سلفاكير، ويرتبط الحضور الأوغندي القوي في الأزمة برغبتها في الحفاظ على مصالحها مع جنوب السودان، حيث يعد استقرار الأخيرة الضمانة الرئيسة للحفاظ على تلك المصالح والتي تتمثل في صادرات أوغندية لجنوب السودان بلغت حوالى 1.3 بليون دولار عام 2012، فضلاً عن عمل الكثير من الأوغنديين بالتجارة عبر الحدود مع جارتهم الشمالية.
أما السودان فقد أبدى دعماً لسلفاكير ضد مشار، بغرض الحفاظ على تدفق نفط الجنوب عبر أراضيه والذي يمثل أحد المصادر الرئيسة للدخل السوداني، وكذا لمواجهة الاضطرابات الداخلية الناجمة عن تدهور الحال الاقتصادية، فضلاً عن رغبة البشير في إضعاف الحركة الشعبية - قطاع الشمال المناوئة لحكمه بتجفيف منابع الدعم الذي تحصل عليه الأخيرة من دولة الجنوب من خلال تقاربه مع سلفاكير الذي يرى أن استقرار الجنوب مرهون بالتوافق مع السودان، عكس مشار الذي يرى ضرورة استمرار التحالف مع الحركة الشعبية - قطاع الشمال.
وبالنظر إلى التفاعلات الإقليمية مع الأزمة نجد غياباً مصرياً عن المشهد الذي تتصدره كل من إثيوبيا وأوغندا بتوجيههما المناهض للمصالح المصرية في قضية مياه النيل، ومن ثم فإن دورهما تجاه الأزمة يعزز استقطاب جنوب السودان تجاههما، بالتالي فإن أي تسوية مستقبلية لأزمة مياه النيل لن تتم بمعزل عن مصلحة الدولتين ارتباطاً بحصولهما على دعم باقي دول الحوض ومنها جنوب السودان.
أما على الصعيد الدولي فيبدو الموقف الأميركي من الأزمة محيراً، حيث كانت الولايات المتحدة الداعم الرئيس لانفصال دولة الجنوب، وكذا فهي أكبر جهة مانحة لها منذ انفصالها عام 2011. وفي الأزمة الحالية نجد تغيراً في السياسة الأميركية تجاه جنوب السودان بدعم عناصر التمرد، إذ أحجمت واشنطن عن وصف الحدث الرئيس المسبب الأزمة باعتباره انقلاباً عسكرياً (وفقاً لإعلان سلفاكير)، كما طالبت بالإفراج عن المعتقلين السياسيين - من خلال مجلس الأمن والذي تؤثر فيه واشنطن بقوة - تأييداً لطلب رياك مشار الذي التقاه مبعوث واشنطن في جنوب السودان. ويمكن تفسير الموقف في ضوء رغبة واشنطن في إبقاء دولة الجنوب شوكة في ظهر جارتها الشمالية، ومعادلة الوجود الصيني في جوبا واستئثارها بالنصيب الأكبر من نفط تلك الدولة، وذلك بدخول شركات أميركية بعقود غالباً ما تكون ظالمة للدول المنكوبة بالحروب كما حدث في العراق. غير أن مسؤولية واشنطن تجاه دولة جنوب السودان ورغبتها في نجاح عملية الانفصال عن الشمال، سيجعل أميركا تقف حائلاً ضد انزلاق دولة الجنوب نحو الهاوية، حيث يأتي موقفها الحالي من الأزمة في إطار ممارسة الضغوط على النظام الحاكم لتحقيق المصالح الأميركية، بالتالي ستتدخل واشنطن بقوة لإنهاء الأزمة - في حال استمرار النزاع - في مرحلة تالية بعد تحقيق مصالحها.
 
 الدعم الدستوري والمدني للتحوّلات العربية اليوم
النهار...انطوان مسرّه
كيف نستعيد ذاكرة وثيقة الوفاق الوطني - الطائف لاستخلاص العبر وتجنب آلية التكرار؟ وما العمل في سبيل ادارة التحول الديموقراطي وصوغ الدساتير في المجتمعات العربية في اطار المستجدات وبروز الشارع العربي؟
وفرت الندوة التي عقدتها المؤسسة اللبنانية للسلم الاهلي الدائم ومؤسسة كونراد اديناور(¶) حول موضوع: "صياغة الدساتير في التحولات الديمقراطية: الخبرة العربية والدولية من منظور مقارن" مدخلاً منهجياً وخطة عمل.
الموضوع مطروح اليوم بحدة لانه مرتبط بالسلم الاهلي في مجتمعات مُهددة بانقسامات داخلية وتدخلات خارجية (عصام سليمان). وهو مطروح لانه يمكن تجنب المخاطر في الاستفادة من الخبرة اللبنانية المتعددة الجانب والخبرات المقارنة.
مشاركة مؤسسة كونراد اديناور في الورشة ذات مغزى لان "كونراد اديناور هو من اهم الشخصيات التي اعادت ترميم المانيا بعد الحرب واعادتها الى الديموقراطية" (انطوان سيف). ويتخذ الموضوع أهمية قصوى لأن الاوضاع تتصف بدرجة كبيرة من التعقيد والضبابية وتتأثر بعوامل داخلية وخارجية. تتصف الحالات العربية بمعطيات متشابهة في بعض الشؤون ومتمايزة حيث "كل حالة عربية هي قائمة بذاتها".
انطلاقًا من عشرة عناصر عُرضت خلال الندوة حول "الشروط الملائمة وغير الملائمة في التحول الديموقراطي وصياغة الدساتير"، يمكن تبيان عناصر القوة والضعف في التحول الديموقراطي. يستخلص من الاوراق والمناقشات ستة توجهات رئيسة.
1 - ذاكرة الطائف: يستحيل دراسة وثيقة الوفاق الوطني - الطائف دون استعادة ذاكرتها المليئة بالعبر. سبقت هذه الوثيقة حوارات وطنية لا تحصى ونقاشات ومداولات مضنية. ليس لبنان اليوم تالياً في مرحلة انتقالية تأسيسية وقد انجز بناؤه على مستوى الصياغة الدستورية.
عُرضت شهادات حول صياغة الطائف خلف الكواليس، مما يُساهم في حسن تطبيق الاحكام (بهيج طباره). يضاف الى ذلك كثافة الوثائق المنشورة حول جذور الدستور اللبناني سنة 1926 وجذور وثيقة الوفاق الوطني - الطائف.
ما يرد في مقدمة الدستور اللبناني هو ثمرة سجالات واختبار حول نهائية الوطن اللبناني. يقتضي تاليًا اعتماد قول الرئيس رشيد كرامي سنة 1976 عندما تعالت اصوات حول موت ميثاق 1943: "لنعمل لما يغنيه ولا يلغيه". تكمن الخطورة اليوم في استراتيجية خارجية تسعى لإعادة لبنان الى مرحلة تأسيسية استنفدت وانجزت. الحاجة تاليًا الى "عدم التلطي وراء اصابعنا ووضع المجلس النيابي امام مسؤولياته" (ادمون رزق) وان "نحتاط لمختلف حالات الفراغ" (داود الصايغ).
وصفت اعادة لبنان المفتعلة الى مرحلة تأسيسية بأنها "ضرب من المؤامرة لا يستطيع احد التحكم بنتائجها وهي مشروع حرب لا يستطيع احد ايقافها وستؤدي الى فيديرالية لبنان والقضاء على لبنان الموحد، بدلاً من العودة الى الوفاق الوطني وتوفير نموذج ناجح للبنان" (عباس الحلبي).
تثبت المعطيات المستعادة الى الذاكرة ان "المطلوب اليوم هو ان يكون اللبنانيون في المبادرة وليس في التنظير وليس المطلوب تعديل اي شيء، بل رجال دولة في الحكم في احلى وطن واستعادة دينامية ثورة الارز ومقاومة الذين يتربصون لوضع اليد على لبنان والعودة الى الميثاق والدستور" (ادمون رزق). افضل الدساتير هو مجرد وعاء ناظم يتطلب من القيِّمين على الحكم التقيد بقواعد اللعبة "ضمن الرقعة الجغرافية الوطنية وعدم اللعب خارجها: المشكلة الحالية في اللاعبين" (انطوان حداد).
2 - المبادئ الحقوقية الاساسية والتأصيل: يجب ان تتضمن الدساتير، بخاصة في مقدماتها، مبادئ حقوقية اساسية اجمعت عليها الشرعات الدولية لحقوق الانسان واستقر عليها الضمير العالمي. قد تختلف آليات تطبيق المبادئ العالمية حسب المجتمعات. يتصف التحول في اسبانيا بأنه كان اصلاحيًا ووثاقيًا transition pactée وبدون انسلاخ عن الماضي (سفيرة اسبانيا في لبنان Milagros Hernando). وتم التشديد على ان "الاستعارة لا تحل محل الاصالة" (واصف الحركه). ما يواجه المجتمع اللبناني اليوم ضرورة التقيد بالميثاق الذي هو الدستور الحي (خالد قباني) والاقرار بحقوق الانسان في شموليتها. نفتقر غالبًا الى منهجية علمية ومقارنة في تصنيف النظام البرلماني اللبناني التعددي. تُبين العودة الى ذاكرة الحوارات اللبنانية المساعي الايجابية في التوفيق بين التوازن بين السلطات والفصل بين السلطات.
3 - حماية النسيج التعددي العربي: من ابرز مقتضيات التأصيل حماية النسيج التعددي العربي من الصهينة التي هي الترادف بين مساحة جغرافية ودين مُحدد. تتمتع المجتمعات العربية بتراث عريق طوال قرون في ادارة تعدديتها نقضته انظمة استبدادية عربية انطلاقًا من مفهوم ضيق الافق للقومية والاندماج. جاء في احدى المداخلات قول مسؤول عربي رفيع في بلد مجاور لأحد اللبنانيين: "لدينا طائفية اكثر منكم بكثير ولكننا نعرف كيف نقمعها!"
4 - بناء المجتمع: يتطلب البناء الديموقراطي ثقافة ديموقراطية اندماجية inclusive democracy (سفير مصر في لبنان، اشرف حمدي) وبنية علاقات لا تقوم على القوة والنفوذ فلا تكون سلطة لأحد بل تفاوض في اطار القانون (Peter Rimmele). بدون مجتمع فاعل يصعب تحقيق ديموقراطية (سفيرة اسبانيا في لبنان Milagros Hernando). يتطلب تاليًا التحول الديمقراطي على مستوى المجتمع التوجهات التالية:
- نشر الثقة بدلاً من التشاؤم حول الوضع القائم (طوني عطالله). ومن يساهم في تعميم التشاؤم اعلاميون واكاديميون بعيدون عن هموم الناس فيدعمون بذلك ارباب الانظمة السلطوية القديمة.
- صحافة حرة ومستقلة وداعمة للمسار.
- تعزيز المواطنية، بخاصة من خلال بناء ذاكرة وطنية مشتركة (شفيق المصري، سعيد صناديقي...).
- حوارات وطنية لمعالجة التناقضات التي عملت الديكتاتوريات على اخفائها وقمعها (ميشال سماحه).
- تفعيل دور النقابات التي توفر البوصلة حول قضايا الناس اليومية (سفير مصر في لبنان، اشرف حمدي).
- التمييز بين التعبئة mobilisation التي قد تنتشر بفضل وسائل التواصل الاجتماعي وبين المشاركة المواطنية participation الواعية والملتزمة والهادفة.
- فضح اساليب التلاعب بخاصة من خلال خبراء في السياسة الطائفية وليس "الطائفية السياسية" كما هو متداول.
5 - مواجهة الفوضى من خلال مقاومة مدنية: تتصف مرحلة ما بعد الديكتاتوريات بحالة من الفوضى يقتضي العمل على مواجهتها من خلال مقاومة مدنية. هل نعيش اليوم نهاية المثقفين؟ بدلاً من تشجيع الحراك العربي ينساق مثقفون في تحليلات اكاديمية تشاؤمية وكأن لا دور ولا علاقة لهم بالمجتمع. ورد في احدى المداخلات ان في المنطقة العربية اكثر من فولتير Voltaire ولكن لم يتحول ذلك الى تيار فولتيرية voltairianisme.
6 - الحكمية الدستورية: كيف تدار مرحلة ما بعد الدسترة؟ يوفر لبنان مثالاً، مع بعض الاستثناءات الايجابية، لسوء ادارة ما بعد مرحلة وثيقة الوفاق الوطني - الطائف. أما النموذج الامثل لإدارة مرحلة الدسترة وما بعدها فهي اسبانيا.
ترتبط فاعلية القوانين بخمسة عناصر غير القانون الوضعي: القيادة الحاكمة، وتوازن القوى في المجتمع، ووضع القضاء، والثقافة السياسية السائدة، والقدرات الادارية والمالية. افضل الدساتير هو تاليًا مجرد وصفة طبية وليس العلاج. يكمن العلاج في الاستعمال الفعلي للدواء وطريقة استعماله. هل نعيش الحقوق الاساسية ونحترم المبادئ؟
(Peter Rimmele). المشاكل في لبنان اليوم ليست في الدستور، اذ لدينا نصوص ممتازة اما التطبيق فهو في مكان آخر. والدستور هو خريطة ومنهجية (خالد قباني). يقتضي تاليًا "دسترة الجمهورية" (سفير تونس في لبنان حاتم الصائم) والعمل على التطبيق الفعلي للدستور وليس تعديل نصوص حيث ان التطبيق هو المحك.
ما حصل بعد وثيقة الطائف هو انفراد القيادة وتبعيتها ووضع اللعبة السياسية بيد اربعة اشخاص او خمسة (عباس الحلبي) والتلاعب بالقواعد الدستورية لجعل النظام غير قابل للحكم الا من خلال باب عال.
يقتضي في عملية الدسترة ارساء العدالة الدستورية لسببين على الاقل: اولاً بسبب احتمالات التواطئ بين الاكثرية النيابية والاقلية لعدم الطعن بدستورية قانون، وثانيًا بسبب التحولات في فاعلية تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات.
* * *
في البحث عن التحولات والاصالة يُستخلص من الندوة اهمية الخبرة اللبنانية، في سلبياتها وايجابياتها، والخبرات المقارنة، وضرورة بروز يقظة وطنية شاملة وعلاجية لمأسسة الوضع في "لبنان الرسالة التي نحن مؤتمنون عليها" (عباس الحلبي)، حيث من "حجارة لبنان يمكن ان نبني قصرًا" (انطوان سيف).
 
 
 

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,733,233

عدد الزوار: 7,001,827

المتواجدون الآن: 79