المدن العربية والتجربة "الكوزموبوليتانية"

تاريخ الإضافة الإثنين 3 حزيران 2013 - 6:51 ص    عدد الزيارات 724    التعليقات 0

        


المدن العربية والتجربة "الكوزموبوليتانية"
بقلم سيار الجميل

 

كنت عالجت موضوع "كوزموبوليتانية" المدن منذ اكثر من عشر سنوات، وقد اوحى لي مؤتمر عن المدن العربية بالدوحة بإعادة طرح هذه "الافكار" من جديد خصوصا انها تقع في اطار بناء مستقبل جمالي لمجتمعاتنا كلها من خلال تطوير مدنها.

معنى "الكوزموبوليتانية" تمتّع بعض مدن العالم بالجمع بين مركزها السياسي وحيويتها الاقتصادية وفاعليتها الاجتماعية والثقافية  لتغدو اماكن جذب ساحرة للناس من كل اصقاع العالم، ومركزا تعشقه الحياة. وكان منها: جمهوريات المدن الايطالية، ومدن قلب اوروبا النابض بالحياة، ومدن غرب اوروبا وأميركا الشمالية، ومدن التنين الآسيوي اخيراً.
 في سنوات بعيدة مضت، ثمة اماكن عربية كان لها حيويتها وإشعاعها وتأثيرها سياسيا وثقافيا وهذا تحقق نوعا ما في القاهرة او بيروت او بغداد. ولكن تبقى الكوزموبوليتانية نوعا آخر من عبقرية المكان وسحره. وهذا ما لم تنله اي مدينة عربية باستثناء البصرة التي سميت فينيسيا الشرق ابان القرن 17، وبيروت في النصف الاول من القرن العشرين، ودبي في النصف الثاني منه ومن قبلها القاهرة ابان النصف الثاني من القرن التاسع عشر... وخصوصا امتلاك اكبر قدر من الجاذبية والسحر والاناقة الجغرافية!
فمن دواخل التجربة تخرج التصورات والمفاهيم التي تدلُّ حيويتها على الجديد في هذا العالم العربي الكسيح الذي لم يطّور من حياة مدنه ولم يسع الى ان يغدو مالكا لأكبر مراكز الجذب علما بأنه يمتلك اهم موقع جغرافي يتوسط الدنيا وفيه ما يكفي من المصايف والمشاتي. لقد انتعشت عبر تاريخ حضاري طويل كوزموبوليتانيات عربية عدة جاذبة في نظر العالم كله: مدن كانت وظفت عبقرية امكنتها وابتكرت نضوجا حضاريا، مثل: البصرة والاسكندرية وتونس وقرطبة ووهران وكازابلانكا والموصل وحلب ودمشق، وغيرها. اذ لعبت أدواراً أساسية في تغيير الذائقة الحضارية والاقتصادية العربية، وكان العالم كله يتعطّش لها بفارغ الصبر نظير قوتها الاقتصادية وتأثيرها في التجارة وصنع الحياة والثروات والبهجة والتقدم.
ان العرب – ويا للأسف الشديد - لم يولوا عنايتهم بمدنهم وجغرافياتهم كما لم يولوا اي عناية بتطور انتاجهم ونمو قوتهم الثقافية والحضارية. لقد انشغلوا بالهيجانات السياسية وبالانقلابات العسكرية والثورات الدموية والاحزاب والايديولوجيات واستيراد المفاهيم الفضفاضة التي لم يدركوا معانيها، وعاشوا طوباويات واحلاماً واخيلة لم تتحقق ابدا. وفشلوا منذ سبعين سنة امام اسرائيل، ونالت منهم الحروب الساخنة والصراعات الباردة التي فشلوا في ادائها، فاكتسحتهم الاوبئة السياسية والموروثات العقيمة وتخلفوا عن ركب العالم وحّلت الاوضار والمتاعب في مدنهم التي غدت عقيمة وبائرة وقبيحة ومكتظة وقذرة. ولم يعد من السهل مقارنتها بنظيراتها في العالم، بل لم يعد لها بريقُ الوهلة التاريخية الأولى. وكم كان رائعا لتلك المراكز الحضرية التي بقيت حية في الذاكرة العربية ان تغدو صورةً من صور الحرية بكل قواها الحية.
لقد كان للقاهرة وبيروت وبغداد ودمشق والقدس والجزائر وتونس وتطوان، ادوارها الرائعة في النصف الاول من القرن العشرين، ولكنها انتكست جميعها انتكاسات مريرة. في حين نضجت على مهل كل من الكويت ودبي وابو ظبي والعين وجدة ومسقط والمنامة والدوحة وغيرها من مدن الخليج العربي في النصف الثاني من القرن العشرين بفعل قوة الموارد والاستثمارات وتطور الحياة، لتغدو مدينة دبي اقوى مدينة كوزموبوليتانية عربية عند مطلع القرن الحادي والعشرين نظرا الى ما حققته من انجازات اقتصادية ومكاسب حضرية فضلا عن عواصم تلحق بها مثل ابو ظبي والدوحة. وكلها كوزموبوليتانيات تسودها اليوم الدهشة والرغبة في المغامرة فكراً وحياة وقوة اقتصادية وحركة استقطاب تجاري مؤثر، وستبقى هذه العواصم اماكن جذب حقيقي ليس للبشر حسب، بل لرؤوس الاموال والشركات المتعددة الجنسية وقوى الانتاج.
يمكنني القول أن المكان العبقري بتطوره وكوزموبوليتانيته بات جزءاً من الحياة الحقيقية، ولم يعد للمدن التعيسة الكئيبة والمختنقة أي وجود، ولا دور في وقائع الحاضر. وهنا لابد ان ادعو كل البلدان العربية ان تأخذ بتجارب متقدمة في العالم مع مدن برزت بفضل التخطيط والحكمة في توظيف عبقرية المكان ليغدو جاذبا مراكز المحيط. ان كوزموبوليتانية اية مدينة عربية مؤهلة لذلك سيحقق نجاحا باهرا كقوة جذب حقيقية لكل الموارد الحضارية والقوى الاقتصادية. ستكون لكل من المدن العربية المرشحة شخصيتها المتميزة، وستتفوق تفوقا نوعيا وستصنع من امكنتها جذبا حقيقيا للعالم وخلال فترة زمنية قياسية لا يمكن ان تقارن ابدا مع اعمار دول المدن الاخرى في التاريخ. فهل استوعب العرب في كل مكان دروس الابداع في كوزموبوليتانيات المدن الجاذبة؟
انني اسأل الآن دولاً عربية كبيرة وثرية مثل العراق ومصر والجزائر وسوريا وليبيا: ما الذي جعل مدنها اليوم بائسة ووسخة ومتأخرة وهي لم تحافظ حتى على ما خلفه المستعمرون فيها منذ خمسين سنة؟ علما بأنها تقع في دول غنية ومتمكنة ولها قوتها البشرية وتمتلك مواقعها العبقرية؟ ما الذي ابقى بيروت مركزا كوزموبوليتانيا رائعا على امتداد القرن العشرين مع مجابهتها لكل التحديات والانقسامات والحرب الاهلية والاحتلال؟ ما الذي يخّلص مدن العرب اليوم قاطبة من فجائعها المقبلة سواء من سوء هوائها او من اكتظاظ سكانها، او من بشاعة مناظرها، او من بؤس شوارعها، او من كون بناياتها الكسيحة القديمة علب سردين محشوة بالناس البائسين؟ ما الذي تتطلبه حاجات هذا القرن وضروراته من العرب؟ انني انادي بثورة مدينية عربية حقيقية من اجل اعادة الحياة لمدننا قاطبة والتي شهدت ادوارا عملاقة في التاريخ. ان العطب ليس في المكان بذاته، بل يكمن الخلل في الانسان والمجتمع والدولة. فهل سيبدأ العرب نهضة كوزموبوليتانية من اجل خلق مدن ساحرة جميلة رشيقة يعشقها العالم كله؟
ان الكوزموبوليتانية مستقبلٌ وحياة يخّلص مجتمعاتنا من كآبتها وسكونيتها وخمولها ومن بقاياها المعوّقة ومواريثها العقيمة! انها ستمتلك فرادة تاريخية لأنها في قلب العالم؟ وأنَّ أيَّ اكتشاف، مهما كان، لم يعد اليوم دهشةً ولا تغوّراً، لماذا بتنا وكأننا نعيش بلا مستقبل، وأسرى بهرجة الماضي، والحاضر كسيح وهو أشبه بمنظور نُطلُّ منه على غد جوّال؟ أنعيش، نحن العرب، على عكس المجتمعات الطبيعية، الأوروبية مثلا، التي حققت ماضيها على نحو تعيش معه حاضراً، بوصلتُه مستقبلٌ؟ الحنينُ، ليس نكوصاً! كيف كانت مدننا العربية تتحرك في الماضي؟ ولماذا هذه السيرورة إلى مستقبل مختوم بالشمع الاحمر، وليست سيرورة نحو الانفتاح على حقل معلوم من التجارب والعبر التي يزودنا بها العالم؟ فهل استوعبنا التجربة؟

Iran: Death of a President….....

 الأربعاء 22 أيار 2024 - 11:01 ص

Iran: Death of a President…..... A helicopter crash on 19 May killed Iranian President Ebrahim Ra… تتمة »

عدد الزيارات: 157,554,709

عدد الزوار: 7,071,791

المتواجدون الآن: 66