النساء أمام تحديات الربيع العربي

تاريخ الإضافة الأحد 19 أيار 2013 - 5:31 ص    عدد الزيارات 762    التعليقات 0

        


النساء أمام تحديات الربيع العربي
بقلم فهمية شرف الدين . أستاذة جامعية

 

النقاش الدائر اليوم حول الدولة المدنية يقع في صلب التغيرات التي يتمخض عنها الربيع العربي، ويحمل هذا النقاش الكثير من الالتباسات فهو في نظر اكثرية المنتفضين  يعني فصل الدين عن الدولة، ومؤدى ذلك في نظرهم ونظرنا اصلاح السياسات السياسية والاجتماعية من منظار حقوقي وضعي يرتكز على اعلان حقوق الانسان بالدرجة الاولى.

هو منظار يتضمن حكماً المساواة في المواطنة بين افراد المجتمع اقليات واكثريات و خاصة بين الرجال والنساء. كما يتضمن اتاحة الفرصة للافراد لممارسة حقوقهم والدفاع عنها بواسطة القانون. من جهة اخرى ترفع التيارات الاسلامية شعار الدولة المدنية باعتبارها نقيضا للعسكرية، وبالتالي فإن فهماً كهذا يجعل الالتفاف على الحقوق المدنية امراً سهلاً وممكناً. واذا كانت حقوق الاقليات لا تزال تحضى بالدعم من المجتمع الدولي، فإن الحقوق الاخرى وخاصة حقوق النساء يتم اخضاعها الآن وعلى المستوى الدولي لما يسمى بالخصوصيات الثقافية.
هكذا نرى ان مكتسبات النساء اصبحت معرضة للتراجع في ظل "الصمت المريب" الذي تنتهجه القوى العالمية والمؤسسات الدولية والذي يرافق تصريحات السلطات الانتقالية حول الخصوصية الثقافية (الكلام عن تعدد الزوجات على سبيل المثال) وقد يذكرنا هذا الصمت بالصمت الذي رافق التغيرات التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية وقيام دولة اسرائيل حيث تم ربط المطالب الاجتماعية والسياسية بالاولويات التي حددتها الدول الاستقلالية آنذاك وفي مقدمها الصراع العربي الاسرائيلي. وقد أدى شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" الى تراجع النضالات الاجتماعية التي كانت تهدف الى تحسين الممارسات الحقوقية والسياسية، فهل تستعيد السلطات التي افرزها الربيع العربي هذه المقولة لقطع الطريق امام مطالب النساء؟
نعم إن ما نراه اليوم  وما نسمعه لا يوحي بالتفاؤل في المدى القصير: فالقلق المرافق لصعود التيارات الاسلامية الى واجهة السلطة يضع الحركات الاجتماعية الجديدة التي تحدث عنها اندره غاندر فرانك وماريا فونتس (حركات النساء/ الشباب/ البيئة)، يضعها جميعها في مأزق نظري. ان جِدّة الحركات التي قادت الربيع العربي هي انها قامت على مثلث نظري غائم بعض الشيء، لكنه فاعل جداً: الحقوق، حقوق الانسان بالدرجة الاولى وما يتضمنها من حقوق النساء والاطفال والمسنين... الضلع الثاني الحرية باعتبارها الشعار الاكثر تعبيراً عن رفض وقائع الاستبداد وثقافة الاقصاء والتهميش التي مارستها الانظمة السياسية، اما الضلع الثالث فهو "الديمقراطية" التي تم توزيعها بواسطة ثورة الاتصالات ويتم استخدامها الآن كوسيلة مختصرة للانتقال عن طريق صندوق الاقتراع.
لكن وصول الحركات الاسلامية الى السلطة من طريق الممارسة الديموقراطية يطرح الآن اسئلة حقيقية حول ترتيب الاولويات. وقد يكون السؤال الاكثر تعبيراً هو عن قدرة جماهير مجتمعاتنا العربية، حيث ان 40% منها لا يزال غارقاً في الامية، والمرأة لا تزال تعتبر تابعة للرجل، قدرتها على ممارسة الخيار المناسب.

 

ما العمل؟

لن تتغير وجهة العمل التي مارستها الحركات النسائية حتى الآن، اذ ان اقصاء النساء وتهميشهن لا يزال ساري المفعول، واذا كانت المعلومات الرقمية توحي بأن النساء قد حققن بعض التقدم على صعيد الاعتراف المجتمعي بامكاناتهن وقدراتهن، الا ان هذا الاعتراف لم يقترن بتغير نوعي لمكانتهن في المجتمع. ثمة طريق طويل اذن وهو طريق محفوف بالمخاطر التي ترتبها ارباكات مراحل الانتقال.
لقد رسمت المرأة طريقها القائم على مبدأ تحقيق المساواة في ظل انظمة ودول تعتبر الحقوق منحاً للافراد وليست حقاً لهم، ونعلم جميعاً كما كان مضنياً الطريق التي سلكته المطالبات التي ظلت عصية على الحل: القانون المدني للاحوال الشخصية، القوانين التي تحمي النساء من العنف او القوانين التي تكرس مواطنية المرأة الكاملة كقانون الجنسية، او تلك القوانين التي استحقتها النساء كحق الانتخاب والترشح الذي لم يأخذ طريقه الصحيح الى التطبيق في ظل المصاعب والعقبات التي تنتجها النظرة الدونية الى المرأة في المجتمعات العربية وهيمنة النظام الابوي.
لقد علّمنا الفيلسوف هيغل ان الثورات والمنعطفات التاريخية هي فرص للتغيير وها نحن الآن في قلب هذه الفرص، فهل نستطيع الافادة منها؟ على المرأة اذن ان تجعل من مفهوم التغيير الميدان الأساسي لحركتها، فهل هذا ممكن؟
لقد خرجت النساء كما الرجال، وكانت الشابات في طليعة الاحتجاجات شاركن في المتظاهرات وتصدين لكل اشكال التهديد والوعيد، كان خروجهن تأكيداً لاستقلالهن، ولم يكن دعوة من زوج أو أب أو أخ، قبلن التعرض لأبشع انواع العنف القائم على النوع الاجتماعي.
اين هن الآن؟ هل نستطيع ان نبني على ما انجزن؟ فلنقل اذن ان خروج النساء هذه المرة مختلف عن خروجهن في تظاهرات الاستقلال أو غيرها، هذه المرة النساء من مختلف الطبقات والمناطق والمذاهب والطوائف، خرجن ليؤكدن ان الأوطان ليست للرجال فقط، وان الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة شعارات للنساء والرجال.
واذا كان الأمر كذلك، فان اعادة النظر في الوسائل النضالية التي دأبت النساء على استخدامها منذ عقود لا بد ان يتغير، فلا يكفي بعد اليوم أن نرفع لائحة مطالب النساء فقط، فالعنف ضد المرأة لا يؤذي فقط كرامة النساء، بل ان كلفته المادية العالية على الدولة والمجتمع، تجعل من تجريم العنف القائم على اساس الجنس هدفاً للمجتمع بأكمله.
وليست التنمية الاقتصادية موضوعاً ذكورياً، فمشاركة النساء في الحياة الاقتصادية مسألة تهم المجتمع بأكمله. ولا يجوز أن تبقى النساء بمنأى عن أي نقاش او مسعى لتحسين فرص النمو وتقرير النظام الاقتصادي المطلوب والمناسب.
وهل الديموقراطية مسألة تهم النساء، واذا كانت كذلك فلا بد من مشاركة فعلية للنساء في النقاش الدائر حول كل ما يتعلق بقوانين الانتخاب، وتدعيم حكم القانون.
الذي نحتاجه اذن ليس تغيير الرؤية القائمة على المساواة، وانما تغيير الأساليب المؤدية اليها. ان الانخراط الموضوعي الذي أنجزته النساء في الحراك المجتمعي لا بد ان يكمل طريقه في تفعيل مبدأ المشاركة في اعادة تكوين السلطة وفي عمليات الدسترة والتشريع وصياغة القوانين.
على النساء والحركة النسائية أيضاً أن تفيد من التجارب السابقة، فتؤكد الدرس الابتدائي الذي يكتسبه المدافعون عن الحقوق. وهو بناء الشراكة مع الفئات المتضررة في المجتمع.
نحن الآن أمام ظاهرة جديدة في معظم بلدان العالم العربي، وهي حرية تكوين الأحزاب، فهل سيكون للمرأة دور في هذه الظاهرة وهل ستشارك في تكوين وادارة هذه الاحزاب؟ ان المشاركة السياسية التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من مطالب النساء تبدأ من هنا، ليس بصفتها هدفاً وانما بوصفها وسيلة لاقتحام السقف الزجاجي الذي يفصل بين المرأة والسياسة.

¶ قسم من دراسة طويلة

 

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,510,082

عدد الزوار: 6,993,952

المتواجدون الآن: 61