"ثورة 25 يناير": نظرة أكاديمية إسرائيلية

تاريخ الإضافة الجمعة 26 تشرين الأول 2012 - 5:50 ص    عدد الزيارات 825    التعليقات 0

        


 "ثورة 25 يناير": نظرة أكاديمية إسرائيلية
بقلم عمانوئيل سيفـان ...أستاذ جامعي ومن أبرز الخبراء الإسرائيليين في الشؤون العربية والإسلاميةترجمة أ. ش. عن العبرية

 

عندما يسمعني أصدقائي أقول عبارة "إنجازات الثورة المصرية"، فإنهم يهزون برؤوسهم قائلين "حقا! أية ثورة وأي ربيع؟ إن مصر غارقة في الفوضى، ويحكمها حلف غير مقدّس من الجنرالات والإخوان المسلمين، يتبنون مفاهيم غير ديموقراطية ويتنازعون في ما بينهم على توزيع الصلاحيات.

هناك متدينون متشددون يجوبون الشوارع ويفرضون لباسا محتشما على النساء، يضربون بقسوة بل يقتلون أزواجا مخطوبين يتعانقون علنا أو رجالا يحتسون الخمر في الأماكن العامة. في هذه الشوارع، وحتى في  الأحياء البورجوازية، تسود حالة من انعدام الأمن الشخصي (وخصوصاً بعد حلول الظلام) بسبب انهيار الشرطة الزرقاء. وفي الكثير من الأحياء يسيطر بلطجية يجبون أتاوات من الناس، فيما يتصاعد التوتر الطائفي، وتحرق الكنائس، وقد تعرض الأقباط لمذابح عدة. الوضع الاقتصادي أيضا في أسوأ أحواله، فرصيد العملات الأجنبية تناقص إلى حد غير مسبوق (15 مليار دولار، تضاهي نفقات الحكومة في مدة ثلاثة أشهر) وانخفضت السياحة إلى درك منقطع النظير، والاستثمارات الخارجية تكاد تكون معدومة فيما البطالة في تفاقم... فهل يمكن أن نسمي كل هذا إنجازات؟!".
على ذلك أجيب:
ثمة في كل هذه الادعاءات قدر غير قليل من الحقيقة.  لكن الأحداث الثورية التي وقعت بين 25 كانون الثاني  و11 شباط 2011 أفرزت بحكم طبيعتها واقعا متنازعا وحافلا بالتناقضات.  وسوف نعرف لاحقا في ما إذا كانت قد حدثت بالفعل ثورة حقيقية.  لم تنقض منذ ذلك الوقت سوى فترة 18 شهرا. بعد 18 شهرا من هدم (حصن) الباستيل كان الفرنسيون أيضا منقسمين في الرأي: هل هي ثورة، انتفاضة، تمرد بورجوازي، أو  تمرد فلاحين؟ لم يكن الملك قد أعدم بعد، ولم ينشأ بعد نظام الإرهاب... إلى آخره.
لذلك من الأفضل أن نلقي نظرة أيضا على إنجازات عدة للأحداث الثورية في مصر:
1 -  كُسر حاجز الخوف. فالإنسان ينهض في الصباح ويجد أنه مواطن يتحكم بمصير مجتمعه، له حقوق وواجبات.  ففي هذا المجتمع التراتبي الصارم، الذي يعود تاريخ نشوئه إلى 4500 سنة، ضاعت هيبة  السلطة أو هيبة الدولة. وكما تعنيه كلمة "هيبة" لدينا، فإن ثمة هنا مزيجا من الخوف (المادي  والمعنوي) وشعورا بالاحترام والتقدير لشرعية الحاكم.  لقد اختفى  الخوف والاحترام في ميدان التحرير.
2 - تشكل محاكمة (الرئيس المخلوع) حسني مبارك نقطة تحول، على غرار محاكمة تشارلز الأول ولويس السادس عشر.  لقد ثبتت بالمسامير مسؤولية الحاكم عن أعماله، أمام الملأ وعدسات التلفزيون، وطبق مبدأ المساواة أمام القانون.  وعلينا أن نتذكر أن المحاكمة تمت أمام محكمة مدنية (وليس أمام محكمة عسكرية) ووفقا لكل الأصول والقواعد. وقد حُكم على مبارك في النهاية بالسجن المؤبد، كتعبير عن سلطة القانون. ولكن بماذا يختلف مصير مبارك عن مصير حكام عرب طغاة آخرين؟. القذافي أُعدم من دون محاكمة، وصدام شُنق على يدي قوة عظمى محتلة، وزين العابدين بن علي هرب من تونس، وعلي عبد الله صالح نُفي من اليمن.
3 - في موازاة إقامة نظام متعدد الحزب، جرت ثورة إعلامية كبرى، إذ ظهرت، كالفطريات بعد المطر، صحف جديدة، تكتب وتنشر من دون رقيب أو عائق تقريبا، وأوجدت مدونات الكترونية مجموعات افتراضية، كما أخذت تنمو وتزدهر محطات تلفزة تجارية في مقابل قنوات التلفزيون الرسمية المصرية الخانعة والموالية للسلطة، وتبث القنوات الجديدة تقارير وتحقيقات وبرامج حوارية جادة يشارك فيها متحدثون باسم المعسكرات المتعددة، أو تنصب هذه الحوارات بشكل رئيسي على مسألتين مفصليتين تلاحقان  مصر منذ ما يربو على 200 عام، وهما: علاقات الجيش والدولة، وعلاقة الدين والدولة. هناك أيضا حرية كبيرة للتظاهر والاحتجاج وحتى لسد الطرق والشوارع وخطوط سكك الحديد.
4 - خلال ثورة 25 يناير التي استمرت 18 يوما قتل حوالى 850 شخصا، لكن منذ ذلك الوقت وقع حادثان احتجاجيان فقط: تظاهرة أقباط أمام مبنى التلفزيون (في 9 تشرين الأول 2011)، فيما حاول جمهور من الشباب في غالبيته في  2 أيار 2012 اقتحام وزارة الداخلية. وقد أسفرا عن سقوط 26 قتيلا في الأول و21 قتيلا في حادث الاحتجاج الثاني، وهي أرقام لا تذكر بالمقارنة مع ليبيا وسوريا.
5 - ما زال هناك فساد واسع في كل المستويات والمراتب، ولم يجر تطهير جهاز الدولة البيروقراطي من العناصر الفاسدة، إلا إنه حكم بالسجن على وزراء ومديرين عامين لفترات طويلة ليكونوا عبرة. إلى جانب ذلك ازدادت الشكاوى المقدمة من مواطنين بشأن الرشاوى والاعتقال التعسفي، ويلقى بعضها معالجة واهتماما (وإن كان بطيئا وغير ناجع).  كذلك ألغيت كما هو معروف حالة الطوارئ القائمة منذ العام 1981 وتم الإفراج عن غالبية السجناء السياسيين.
6 - كما هو متوقع في دولة دينية مثل مصر، فقد صاحب الأحداث مد ديني، لكن في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، التي جرت بمشاركة واسعة وبصورة حرة ونزيهة، وفقا لما أكده مراقبون أجانب، باستثناء رشاوى انتخابية محدودة، لم يفز مرشح الإخوان المسلمين، محمد مرسي، سوى بـ 24% من الأصوات، فيما فاز خصمه، رجل النظام القديم، أحمد شفيق بـ 23%، وفاز المرشح العلماني - القومي حمدين صباحي بـ 21%، والمرشح الإسلامي المعتدل أبو الفتوح بـ 18%. وقد فاز صباحي بالمكان الأول في التجمعات الحضرية الكبرى مثل القاهرة والسويس والإسكندرية (التي تعتبر معقلا للإخوان المسلمين). وفي الجولة الثانية بقي المرشحان الأول والثاني، وفاز مرسي بغالبية هزيلة. صحيح أنه توجد في مصر حركة سلفية متنامية، لكن حتى عندما انضم مؤيدوها إلى الإخوان المسلمين في التصويت لمصلحة مرسي في الجولة الأولى (وخصوصا في صعيد مصر) لم يفز هذا الأخير (مرسي) سوى بربع عدد الأصوات، وبالتالي ليس هناك ما يشير أو يؤكد أن مصر في طريقها للتحول دولة إسلامية أصولية.  
7 - وماذا بالنسبة لإسرائيل؟ في العشرين من أيار  2012، وعشية الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، تم تقديـم إجابة موثوقة على موقف الجيش، المسيطر دون منازع على مجالي السياسة الخارجية والأمن، وذلك في تصريح نشرته صحيفة "المصري اليوم"، وهي ثاني أهم صحيفة في مصر. ولم يكتف المتحدث، وهو اللواء عبد المنعم سعيد، رئيس قسم الاستخبارات العسكرية سابقا، ويترأس حاليا مجمعا صناعيا كبيرا، بصيغ فضفاضة تؤكد احترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية السابقة، بل حذر جميع المرشحين للرئاسة من التنافس في ما بينهم في دعوة ديماغوجية لطرد سفير إسرائيل، وإعادة فتح معاهدة "كمب ديفيد" أو تشجيع استفزازات السلفيين الذين رفعوا العلم المصري على نصب تذكاري لجنود إسرائيليين قتلى أقيم في مدينة العريش. وجاء في ما صرح به المتحدث ذاته: "إن النصب التذكاري جزء لا يتجزأ من اتفاقيات كمب ديفيد، والإسرائيليون يحافظون على النصبين التذكاريين اللذين أقيما لشهداء الجيش المصري في النقب. من يخلّ ببند واحد يقوّض كل اتفاقيات السلام. إن السلام مع إسرائيل هو مصلحة قومية عليا".  وقد تم استيعاب هذه الرسالة، إذ لم يظهر منذ ذلك الوقت موضوع إسرائيل في حملة الانتخابات.  
إن هذه النقاط السبع الإيجابية لا تقلل من خطورة العيوب والسلبيات التي تحدث عنها أصدقائي.
لم تعد الأمور كما كانت عليه، بل حدث تغيير.
أما إلى أين ستفضي هذه العملية، فهذا سؤال ستكون الإجابة عنه سابقة للأوان.

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,531,899

عدد الزوار: 6,994,647

المتواجدون الآن: 65