العرب الدروز في إسرائيل.. جذور الإحباط و"ثمن الولاء"..
العرب الدروز في إسرائيل.. جذور الإحباط و"ثمن الولاء"..
الحرة..ضياء عودة – إسطنبول... الدروز يشكلون حوالي 2 بالمئة من إجمالي السكان في إسرائيل..
بعد ثلاثة أسابيع من هجوم مسلحي حركة حماس في السابع من أكتوبر، كتب زعيم الطائفة الدرزية في إسرائيل الشيخ موفق طريف رسالة لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو قال فيها: "لقد حان الوقت لتأخذ الحكومة الطائفة وجنودها بعين الاعتبار.. وأولئك الذين سقطوا في المعركة". وبعدما أضاف أنه "حان الوقت للحكومة والكنيست لتعديل قانون الدولة القومية" طالب الشيخ طريف بضرورة "إصلاح الأخطاء التاريخية التي تخص الطائفة الدرزية مع ترسيخ حقوقها". عاد الشيخ طريف وسلّم نتانياهو "ورقة عمل" أخرى قبل أسبوع، حسبما يقول لموقع "الحرة"، موضحا أنها "تتضمن تفاصيل المشاكل التي تواجهها الطائفة الدرزية، والتي لا تخرج عن 3 قضايا ملحّة".
الأولى: ضرورة ترخيص كل البناء غير المرخص، والذي بني على أراضينا الخاصة، وإعطاء أصحابه الرخص اللازمة.
الثانية: إبطال جميع الغرامات المالية الباهظة جدا، التي فرضت على أفراد من المجتمع بسبب البناء غير المرخص.
الثالثة: إيصال الكهرباء إلى كل المنازل غير الموصولة بالشبكة، بسبب غياب الرخص اللازمة للأبنية المشيدة.
ورغم أن هذه القضايا "ملحة على نحو كبير"، يشير زعيم الطائفة الدرزية في إسرائيل إلى "قضايا المساواة والميزانيات وتعديل قانون القومية في 2018 وقانون كيمينيتس". وختم حديثه لـ"الحرة" بالقول: "يجب أن تنفذ ونأمل ذلك وخاصة في هذه الأيام الحرجة. لا يعقل بعد 70 عاما أن يكون هناك تقصير وإجحاف بحق أبناء الطائفة الدرزية".
"إحباط بعد دفع الدماء"
ومنذ بداية حرب غزة كان للدروز نصيب من الخسائر لكن على الطرف الإسرائيلي، حيث قتل عدد من الجنود والضباط المنخرطين في الجيش، وبينهم عليم عبد الله الذي كان "على وشك أن يتذوق طعم الحياة المدنية لأول مرة بعد أكثر من عقدين". وتنقل شبكة "سي إن إن" الأميركية عن أرملته منى تفاصيل الفترة التي سبقت مقتله وما بعدها، وتوضح أنها طلبت من سياسيين إسرائيليين خلال زيارتهم لها "العمل من أجل الشعب الدرزي"، وتعديل القوانين المتعلقة بالهوية الوطنية وأنظمة البناء. الشبكة أشارت إلى حالة من "الإحباط" باتت تخيّم على أفراد المجتمع الدرزي العربي في إسرائيل. ورغم أنها ربطت الأمر في البداية بما "دفعوه من دماء" لم تفصل المشهد عن أسباب قديمة كانت تعلو الأصوات لأجلها خلال فترات وتخفت. "لقد دفعنا الثمن الباهظ.. فقدان شخص كان على وشك أن يبدأ حياته الحقيقية ولكنه ضحى بها من أجل دولة إسرائيل"، حسبما تضيف منى، وتردف بالقول: "الأمة كلها معنا ولكن ليس الحكومة. إنه حقا مؤلم".
لماذا يشعر الدروز بالإحباط؟
بالعودة إلى الوراء وخلال الأشهر التي سبقت الحرب في غزة، تصاعد غضبٌ متزايد في الطائفة الدرزية ضد الحكومة الإسرائيلية. وكان المحفز في ذلك الوقت خطة مصادرة الأراضي من المزارعين الدروز في مرتفعات الجولان لبناء مزرعة لتوربينات الرياح. لكن جذور القصة ازدادت عمقا بسبب قضيتين رئيسيتين، الأولى ما يسمى بقانون "كيمينيتس" الذي يجعل من الصعب على الأزواج الشباب الدروز بناء منزل، وقانون "الدولة القومية"، الذي تم إقراره في 2018، ويصف إسرائيل بأنها "دولة يهودية". وعادت المطالب لتتجدد ووصلت إلى حد "الإحباط" مع الإعلان التدريجي عن سقوط قتلى من الجنود الدروز، سواء في حرب غزة أو على الجبهات التي تفصل إسرائيل عن جنوب لبنان. قبل أن تروي أرملة عبد الله قصته قال العقيد المتقاعد جدعون عباس، وهو جد قائد لواء المظليين 101 الرائد جمال عباس، بعد مقتله في غزة: "أشعر بالخجل من كل القوانين العنصرية في البلاد". ويضيف حسبما نقلت عنه صحيفة "جيروزاليم بوست" في نوفمبر 2023: "نحن نتقاسم نفس المصير، وليس فقط من اليوم. لقد حان الوقت لكي تنظروا إلينا مباشرة في أعيننا". وفي رده على أسئلة الصحفيين حول ما إذا كان سيوافق على مطالب الطائفة الدرزية بتعديل قانون "القومية"، كان نتانياهو غير ملتزم، واكتفى بالقول في نوفمبر: "إن الدروز طائفة ذات قيمة. يقاتلون. يسقطون. سنقدم لهم كل ما يستحقونه. سنجد الطرق للقيام بذلك؛ ومن الضروري"، وفق ذات الصحيفة.
من هم وأين يقيمون في إسرائيل؟
مثل عدد قليل من المجموعات العرقية الأخرى في الشرق الأوسط يعيش الدروز في عدة بلدان مختلفة، وتفصل فيما بينهم حدود تم إنشاؤها بعد تفكك الإمبراطورية العثمانية في أوائل العشرينيات من القرن الماضي. ويقدر عددهم الإجمالي بما يتراوح بين 800 ألف ومليون، ويعيش ما بين 80 إلى 90 بالمائة منهم في بلدين: سوريا ولبنان، كما يشير تقرير لصحيفة "هآرتس" العبرية. وتوضح الصحيفة أن حوالي 10 بالمئة منهم في إسرائيل، وبعدد يقترب من 149 ألف نسمة، أي حوالي 2 بالمئة من إجمالي السكان، كما تظهر بيانات المكتب المركزي للإحصاء لعام 2022. وتعيش الغالبية العظمى منهم في الشمال: عبر جبل الكرمل والجليل ومرتفعات الجولان. وبحسب تقرير لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" فإن الرجال الدروز هم الأقلية الإسرائيلية الوحيدة، باستثناء أفراد المجتمع الشركسي الصغير، الذين يتم تجنيدهم في الجيش الإسرائيلي. على مدى السنوات الماضية وصل العديد من أفراد المجتمع الدرزي إلى مناصب عليا في الجيش الإسرائيلي، و"مات المئات من أجل الدولة"، على حد تعبير "تايمز أوف إسرائيل". وتشير إلى قتيلين درزيين سقطا في حرب غزة وبعد هجوم السابع من أكتوبر، وكلاهما برتبة مقدم، وهي أقل بخمسة مستويات فقط من رئيس أركان الجيش الإسرائيلي. لكن ورغم "ولائهم واحتضانهم الدافئ لقطاعات كبيرة من الجمهور الإسرائيلي"، عانى المجتمع الدرزي من سلسلة من الضربات من المؤسسة السياسية، وخاصة في ظل الحكومات اليمينية في السنوات الأخيرة، وفق الصحيفة. شبكة "سي إن إن" الأميركية تشير إلى أن حالة السخط تعود لعام 2018، عندما تجمع عشرات الآلاف من المتظاهرين في تل أبيب للاحتجاج على قانون "الدولة القومية" الإسرائيلي المثير للجدل. ويقول المنتقدون إن القانون يركز بشكل شبه حصري على تكريس إسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي وتفشل في ذكر المساواة أو حقوق الأقليات. وفي غضون ذلك تزايد الغضب والاستياء بسبب قوانين التخطيط المتعلقة بالبناء على الأراضي الزراعية، حيث وصلت بعض الحالات إلى هدم الممتلكات العربية وفرض غرامات باهظة، وفق "سي إن إن".
ماذا يقول أبناء المجتمع؟
ما يميز المجتمع الدرزي المتماسك الذي لغته الأم هي العربية وبصرف النظر عن مجتمعات الأقليات الأخرى داخل حدود إسرائيل هو "فخرهم الوطني الشرس"، كما يورد تقرير شبكة "سي إن إن". ويشير إلى أنه تم تجنيد الرجال الدروز الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاما في الجيش الإسرائيلي منذ عام 1957، وغالبا ما يرتقون إلى مناصب رفيعة، بينما يبني العديد منهم حياتهم المهنية في الشرطة وقوات الأمن. الدكتور عنان وهبة وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا يوضح أن المجتمع الدرزي داخل إسرائيل "يكافح من أجل نيل حقوقه منذ زمن طويل"، لأنه اعتبر نفسه "جزءا من الدولة الحديثة ولم يعامل بالمساواة منذ بداية الطريق". ويقول لموقع "الحرة": "في كثير من الأمور المدنية مثله ككل عرب الداخل، مع وجود فرق وحيد هو الخدمة العسكرية الإجبارية التي تلزم أفراده بالانخراط في الجيش". وهبة يرى أن حالة السخط والإحباط موجودة بالفعل داخل أوساط الدروز. ويربط أسبابها بمواضيع هامة تتعلق بـ"الأرض والإجحاف بقانون التخطيط والبناء وسياسة مصادرة الأراضي التاريخية التي استمرت حتى الفترة الأخيرة". ويشير إلى "عقوبات اقتصادية تستهدف الشباب الدروز" على خلفية الأبنية غير المرخصة، وأن هذه النقطة تعتبر "محورية في علاقة المجتمع مع الدولة". وبينما يؤكد قفطان حلبي، وهو مؤسس ومدير "جمعية المحاربين القدامى الدروز" وجود حالة من الإحباط يرى أنها لا تقتصر على الدروز فحسب، بل على كل الإسرائيليين. وذلك بسبب "الملل التفكيري الذي ينتاب الناس في ظل وجود أبنائهم في غزة وبما فعلته حماس وحزب الله"، على حد تعبير حلبي. ويقول لموقع "الحرة": "الدروز جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل وقانون التجنيد الإجباري في جيش الدفاع يضعهم في نقطة أنهم ملتزمون لهذه الدولة.. الالتزام هنا يضع الجندي الدرزي كحالة الجندي اليهودي". "نحن دفعنا ثمن شباب كثر في الحرب لكننا جزء من دولة إسرائيل"، كما يتابع مؤسس "جمعية المحاربين القدامى الدروز". ويردف: "لدينا جنود في المراتب الأولى بالجيش الإسرائيلي وآخرين يصدرون قرارات لدولة إسرائيل وأشخاص في الكنيست، ونرى إسرائيل مكانا آمنا لأولادنا وللجيل القادم في ظل التضعضع الحاصل في الشرق الأوسط".
"وعود دون تنفيذ"
إلى الجولان المحتل حيث يقيم هناك 20 ألف آخرين من أبناء الطائفة الدرزية تختلف وجهات النظر والآراء حول إسرائيل والقضايا التي باتت تدفع المجتمع لمزيد من الإحباط. ووصل حتى الآن عدد قتلى الشباب الدروز في الحرب على غزة والمواجهات مع "حزب الله" في لبنان إلى 10 قتلى، كما يقول الناشط الاجتماعي المقيم في مجدل شمس نبيه حلبي. ويأتي ذلك بينما لم تنفذ الحكومة الإسرائيلية أيّ من الوعود التي أطلقتها بشأن "قانون القومية" وقرارات هدم البيوت. الناشط الاجتماعي يضيف أن "المنازل في الكرمل والجليل محاصرة بقوانين التضييق والبناء وعدم إعطاء تصاريح كحالة الفلسطينيين الموجودين في القدس الشرقية". ويشير في حديثه لموقع "الحرة" إلى "حارات بأكملها في القرى الدرزية غير موصولة بالكهرباء حتى الآن، كأحد أدوات الحصار المفروض". "كل الوعود لا يتم تنفيذها وتخرج تصريحات بين فينية وأخرى من عضو الكنيست الدرزي الوحيد حمد عمار ورجال الدين بأن الحكومة منافقة وكاذبة ولا تنصف الدروز"، وفق الناشط حلبي. ويتابع أنه "بعد 75 عاما ما زال أبناء المجتمع الدرزي يعانون من حصار وتضييق ومعاملة مواطن درجة ثانية". ورغم أن مؤسس"المحاربين القدامى الدروز"، قفطان حلبي يرى أن "الحكومات التي تعاقبت خلال السنوات الست الماضية كانت متعصبة وأحدثت تشققا في الشعب الإسرائيلي بين اليمين واليسار" يعتبر أن "أبناء الطائفة يعيشون بمكان آمن وجيد عند النظر إلى نظرائهم في لبنان وسوريا والأردن". ويضيف: "دولة إسرائيل مكان آمن. نحن في مكان مثل سويسرا. والتعصب الحاصل جاء من الإرهاب الخاص بحماس". ويردف بالقول: "الدولة تحترمنا. هناك نقص في الحاجيات اليومية للمجالس المحلية لكن الأمر يظل أفضل بكثير من أي مكان في العالم"، على حد وصفه.
"التفاف حول المرجعية"
ويظهر استطلاع أجراه موقع "واللا" عام 2018 أن 58 بالمئة من الإسرائيليين يؤيدون "قانون القومية" و34 بالمئة يعارضونه. ومع ذلك، وجد استطلاع شهري لمؤشر السلام أجراه معهد الديمقراطية الإسرائيلي في ذلك الوقت أن الأقلية - 45 بالمائة - قالت إنها إما "متأكدة" أو "تعتقد" أن هناك حاجة إلى القانون. وقال 47 بالمئة إنه لا توجد حاجة لذلك؛ وأضاف 62 بالمئة أنه كان ينبغي أن يتضمن إشارة إلى "المساواة". وفي هذا الصدد يوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا عنان وهبة أن "قانون القومية كان مفاجأة للجميع لكن شيئا فشيئا بات المجتمع يذهب باتجاه التركيز على القانون المتعلق بالتخطيط والبناء وإعطاء الرخص". ويقول: "موضوع الهوية راسخ وواضح بالنسبة للمجتمع الدرزي. لديه علمين الأول هو الدرزي والثاني هو علم الدول التي يعيش فيها ويحترمها ويتعايش فيها بسلام دون أن يهدد هويته الأولى". وعلى هذا الأساس يتفق المجتمع الدرزي ويلتف حول مصالحه المصيرية التي تتعلق بالأرض ومرجعية رجال الدين والسلم الأهلي والحفاظ على الهوية والصبغة. والمرجعية الدينية هي الشيخ موفق طريف، بينما تنقسم السياسية إلى جزئين الأول رؤساء المجالس المحلية والثاني بعض السياسيين في "الكنيست"، وفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا.
"صراع على الهوية"
من جانب آخر وكحالة مغايرة يشير إليه الناشط الاجتماعي نبيه حلبي إلى أن العشرات من الشبان الدروز أصبحوا "يلجأون لكل أساليب التخلص من التجنيد الإجباري عبر الاتجاه للدين كون الشيخ لا يجند". وبالإضافة إلى ذلك يقول إن آخرين "يحاولون جلب تقارير تثبت معاناتهم من خلل نفسي أو عقلي، وقسم ثانٍ يفضل السجن لعام أو عامين كي لا يقتل إخوانه في فلسطين". أبناء المجتمع الدرزي يجدون أنفسهم أقرب أكثر "إلى جيرانهم العرب والفلسطينيين ثقافيا واجتماعيا وحتى اقتصاديا"، كما يعتبر حلبي. ويقول أيضا إنهم ينظرون على أنفسهم من زاوية أنهم "يحملون نفس القضايا من قطع الكهرباء والتضييق على البناء والتمييز". لكن في المقابل تعتبر أطراف أخرى أن "الحكومة الإسرائيلية المستقبلية ستنصفها"، رغم أن "فترة اليمين العنصري الحالي تحرم أبناء الطائفة من الميزانيات سواء السابقة أو الحالية وتفرض حصارا وتتعامل بمنطلق عنصري". ويتابع حلبي: "مشكلة الدروز في الجليل والكرمل تختلف عن أبناء الجولان من ناحية الأفق السياسي المستقبلي"، ويرى أن أفراد الطائفة هناك "يعيشون نضالا حقيقيا وصراعا على الهوية". لكن قفطان حلبي مؤسس "جمعية المحاربين القدامى الدروز" يختلف بذلك. ويؤكد خلال حديثه بالقول: "نحن جزء من دولة إسرائيل. نحن جزء من هذه الدولة منذ عام 1956.. ولا ننظر للوراء".