تعليق تمويل «الأونروا»..يعمّق أوجاع فلسطينيي لبنان>>
«الراي» رصدتْ مخاوف من كارثة إنسانية وتداعياتٍ قد تهدّد استقرار المنطقة..
تعليق تمويل «الأونروا»... يعمّق أوجاع فلسطينيي لبنان
| بيروت - «الراي» |.... يخشى أبناء المخيمات الفلسطينية في لبنان، كارثةً إنسانيةً على خلفية قرار أكثر من 16 دولة وعلى رأسها الولايات المتحدة وكندا، تعليق مساعداتها المالية لوكالة «الأونروا»، عقب قرار المفوض العام فيليب لازاريني إنهاء عقود 12 موظفاً متهَّمين من إسرائيل بالمشاركة أو تأييد عملية «طوفان الأقصى» وقبل أن ينتهي التحقيقُ الداخلي معهم. ومردّ الكارثة تعود إلى أن غالبية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يعتمدون على مساعدات «الأونروا» وخدماتها الصحية والتربوية تحديداً، إذ إنهم محرومون من الحقوق المدنية والإنسانية في لبنان بعد سبعة عقود ونيف من نكبة فلسطين، ويتلقّون منذ أكثر من 4 أعوام تشظيات أسوأ أزمة معيشية واقتصادية تعيشها «بلاد الأرز» عقب الانهيار المالي والحجز على الودائع في المصارف. ويتّفق اللاجئون على مختلف مشاربهم وانتماءاتهم، على أن قرار الدول المانحة تعليقَ مساعداتها ليس وليدَ اليوم، بل يعود لأسباب سياسية، والهدف إنهاء عمل الوكالة وتصفية القضية الفلسطينية وشطْب حق العودة استمراراً لمحاولاتٍ سابقة وإمعاناً في ملاقاة الحرب التي يشنّها الاحتلال الإسرائيلي ضدّ قطاع غزة عبر تعميق الأزمة الإنسانية لكسر إرادة الصمود وإخضاع القوى الفلسطينية للأمر الواقع. في 2018، أعلنت الإدارة الأميركية وقف تمويل الوكالة لأسباب سياسية تتعلق بـ «صفقة القرن». وبعد عام، ونتيجة تقارير لمنظمات صهيونية، علّقت سويسرا وهولندا وبلجيكا ودول أخرى مساهمتها المالية بذريعة وجود فساد في الوكالة وبزعْم أن مناهجها تحرّض على العنف والكراهية، قبل أن تستأنف التمويل بعد تأكيدات الأمين العام للأمم المتحدة بعدم وجود فساد، وعدم صحة اتهامات إسرائيل. و«الأونروا» هي وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى. أسّستْها الجمعية العامة، عام 1949 وفوّضتْها بمهمة تقديم المساعدة الإنسانية والحماية للاجئي فلسطين المسجّلين في مناطق عمليات الوكالة والتي تشمل القدس الشرقية، قطاع غزة، الأردن، لبنان، وسورية، إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل ودائم لمحنتهم. وتساعد «الأونروا»، اللاجئين في مجالات التعليم، الرعاية الصحية، الإغاثة، الخدمات الاجتماعية، الحماية، البنى التحتية وتحسين المخيمات، التمويل الصغير، بالإضافة إلى المساعدات الطارئة. ويتم تمويلها بالكامل تقريباً من خلال التبرعات الطوعية. ويبلغ العدد الإجمالي للاجئين المسجلين على قيود «الأونروا» في لبنان 489 ألفاً و 292 شخصاً وفق احصائية مارس 2023، بينما أكدت لجنة الحوار اللبناني - الفلسطيني في إحصاء أجرته بالتعاون مع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني عام 2017 أن هناك ما مجموعه 174 ألف لاجئ. وتقدّر الوكالة أن ما لا يزيد على 250 ألف لاجئ من فلسطين يقيمون حالياً في لبنان. ووفق تقديرات غير رسمية، يعيش نحو 45 في المئة من اللاجئين في 12 مخيماً، إضافة إلى عشرات التجمعات، ويحصل نحو 200 ألف على خدمات «الأونروا» كل عام، من دون أن يبدّل ذلك في معدلات الفقر بينهم التي تبقى مرتفعة حيث تفيد التقارير بأن 80 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر الوطني اعتباراً من مارس 2023. وأكدت نماذج عن بيانات، أنه من دون توزيع المعونات النقدية الفصلية (بقيمة إجمالية قدرها 18 مليون دولار في جولتيْن منذ ديسمبر 2022)، فإن الفقر سيبلغ 93 في المئة. وتؤكد منظمات حقوقية عاملة في الوسط الفلسطيني، أن معدلات الفقر المرتفعة جداً بين اللاجئين هي نتيجة لعقودٍ من التمييز الهيكلي المتعلق بفرص العمل والحرمان من حق التملك، والتي تفاقمت بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية والنقدية الأخيرة في لبنان، وهذا يؤثّر على الجيل الرابع وأبنائه غير القادرين على تجميع الثروة المتولدة والمحافظة عليها والدخول في فئاتِ دخْل الطبقة الوسطى بمعزل عن فرص عمل الوكالة. واليوم، جاء قرار قطع تمويل «الأونروا» ليقطع الطريق على مطالبة الوكالة برفع موازنتها لسنة 2024 في ظل الاحتياجات الإنسانية الهائلة والتي تتطلب دعماً استثنائياً من الدول المانحة، حيث يتوقع أن تبلغ أكثر من ملياري دولار للبرامج، الطوارئ والمشاريع، لتلبّي حاجات اللاجئين وتداعيات الحرب على غزة، بعدما بلغت العام 2023 نحو مليار و600 مليون دولار. كما أن هذا القرار أتى ليحرف الأنظار والاهتمامَ السياسي عن قرار محكمة العدل الدولية التي أعطت البُعد الإنساني أهميةً استثنائيةً لجهة تأكيدها ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية للسكان في قطاع غزة. في عيون القوى السياسية واللاجئين في المخيمات، فإن «الأونروا» أصبحت أكثر من أي وقت المرجعَ الرئيسي للمساعدات الإنسانية والخدمات الأساسية خصوصاً لجهة المساعدات النقدية وتغطية الاستشفاء وتوفير التعليم. ويشدّد مسؤول «جبهة التحرير الفلسطينية» في لبنان يوسف ناظم اليوسف، على «أن تعليق المساعدات لا يمكن أن نقرأه إلا بهدف سياسي وهو ممارسة ضغط على اللاجئين وعلى الأونروا معاً لتمرير مخططات ومشاريع سياسية على تماس مباشر مع الأهداف المعلنة من إسرائيل بتصفية وكالة الغوث وخدماتها». وأكد لـ «الراي»، أن إنهاء عمل الأونروا «حلم إسرائيلي قديم وهو يتجدد الآن، ولكننا سنتصدى له بكل قوة، والسلطة الوطنية ودائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية المعنية بشكل مباشر وبالتنسيق مع وزارة الخارجية الفلسطينية تتواصل مع الدول لشرح وجهة النظر الفلسطينية وتحييد وكالة الغوث وخدماتها وتوفير الحماية السياسية لها وشرْح التداعيات الخطيرة المترتبة على القرارات». ويقول مدير هيئة 302 للدفاع عن حق العودة علي هويدي لـ «الراي» إن واحدة من أهداف تعليق المساعدات المالية «انتزاع المزيد من المواقف الداعمة للاحتلال من الأونروا مقابل التمويل، وهو ما تحدثتْ عنه صراحة مندوبة أميركا في الأمم المتحدة»، متسائلاً «كيف لهذه الدول أن تتخذ مثل هذا القرار ولم ينته التحقيق الداخلي بعد؟ وكيف تقبل بالعقاب الجَماعي الذي يتزامن مع الإبادة في غزة»؟
ويؤكد مسؤول دائرة الغوث في الجبهة الديموقراطية عضو المكتب السياسي فتحي كليب لـ «الراي»، أن المخاطر المحدقة بالوكالة «تتطلب تحركات شعبية في الضفة الغربية وبلدان اللجوء والمهاجر لإيصال رسالة موحدة في ما خص التداعيات الخطرة للقرار على الأوضاع الحياتية والمعيشية للاجئين أولاً وعلى حالة الاستقرار برمّتها في المنطقة خصوصاً في ظل القناعة الفلسطينية بأن بعض الدول اتخذت قرارها عمداً لتشارك في مخطط تصفية القضية وإبادة شعبنا عبر أشكال مختلفة، يشكل الضغط الاقتصادي والاجتماعي نقطةً مركزية فيها».