لبنان: رقص على مقربة من النار

تاريخ الإضافة الأحد 16 آب 2009 - 7:58 ص    عدد الزيارات 4514    التعليقات 0    القسم محلية

        


نسيم ضاهر
Related Nodes: 

يلتقي فريق نتانياهو- ليبرمان وقادة حزب الله على التحذير المتبادل من مغبّة التحرش بالآخر والانزلاق نحو الحرب. ثمة جانب تهويلي حاضر دوماً وراء الأكمة. لقد وسَّعت تل أبيب، دائرة الشبهات، ورفعت الهاجس الأمني إلى مصاف التهديد الكياني الوجودي، بالغة، بذلك، أعلى الدرجات. في المقابل، يبتعد حزب الله صراحة عن مفهوم المقاومة الهادفة الى الذود عن التراب الوطني حصراً والتصدي للاحتلال، وبات فصيلاًٍ متقدماً من منظومة إقليمية تقارع الاستكبار.

اختار الاجتماع السياسي في لبنان الحوار مدخلاً الى معالجة سلاح حزب الله، واستيعابه في أطر الشرعية وفقاً لمنطوق القرار الدولي رقم 1701، الموافق عليه بالإجماع. وإذا كان هذا النهج رأس الحكمة، فيما هو باعِث للسلم الأهلي، وحريص على مبدأ السيادة وتعزيز القدرات الذاتية في مواجهة عدو لا يتورَّع عن فرض الشروط وممارسة الصلف والعدوان، فقد جانبت المفكرة اللبنانية تحديد مواقيت زمنية لمعالجة المسألة الشائكة، تبعاً لمقاربة تعرفها وتعترف بها أمراً واقعاً، عصياً على دولة هشَّة تلمّ الشمل وتبحث عن تسويات. الحال، أن ما يبدو صائباً في الداخل، ويلقى «التجاوب» المشوب بالحيطة ضمن الأسرة الدولية، إنما يصطدم بالمعادلة الإسرائيلية الموازية بين الترسانة الصاروخية المملوكة من حزب الله، والخروج عن منطق القرار 1701، واعتبارها وجود السلاح، في حد ذاته وطبقاً لهوية حامله وغاياته، تهديداً وخطراً على أمنها، تستعجل استئصاله لوقوفها على مرماه.

جدير باللبنانيين التفكُّر بما تعنيه هذه الصورة، وتحمله من عواقب في ضوء فترة السماح المعطاة لإيران بالنسبة إلى الملف النووي، المقدر حلول أجلها في نهاية العام. للأسف، لا تبخل الديبلوماسية اللبنانية في اتباع المسالك الوعرة، على غرار شروحاتها اللولبية لحادثة خربة سلم، واختلاف روايتها جذرياً مع تقارير الأمم المتحدة بلسان الناطقين من ممثلي الأمانة العامة وقيادة القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان. في الحقيقة، ينزع لبنان الرسمي، في اللهجة والنبرة، الى مواكبة التطورات بلون من البيانات المتظلمة، الضعيفة في المسند، ويردّ الصاع الإسرائيلي صاعيْن، نزولاً عند مراعاة الطرف الممانع والاقتباس من أدبياته وقراءاته. فعلى خلفية الرفض المطلق للتدخل الإسرائيلي في شأن الحكومة العتيدة وتركيبتها، وإدانة إبداء الرأي في جواز مشاركة حزب الله أو عدمه، الأمر الطبيعي المحمود السيادي بامتياز، يجــري الخلط بين الواجب الوطني والانقياد الى تبني الخطاب القائل باستحالة العيش في ظل التهديدات، وبالتالي، إجلاس المواطن في دائرة الترقب وحبس الأنفاس، كأنمــــا القدرية نصيب الشعب اللبناني، ولا مـــفرّ مــــن توقع الأسوأ في قادم أسابيع ومرحلة دقيقة عنوانها المجهول.

يكاد لبنان أن ينسى حسنات ومفاعيل السياسات الحكيمة في الكُليّات، ويغرق في أجواء تشاؤمية أيّاً جاءت حصيلـــــة التقلبات الإقليمية النابعة من انعطاف أوباما نحـــو الحوار، ومعاودة المحادثات السورية/الإسرائيلـــية برعاية تركية وبمباركة واشنطن هذه المرة. ولئن كان من السابق أوانه الرهان على سير المفاوضات البينية والجماعية، فمن النافل أن ثمّة مــن يدفع نحو الظنّ المسبق بالمساعي والخواتيم، وإشاعة الخوف من أكلاف كتب على لبنان دفعها في الحرب والسلم وحصاد الغرم في كل الأحوال. فليس من يجهل أن خروج سورية من المعادلة العسكرية صار وشيكاً، وهو يؤرِّق جبهة الممانعة وأصحابها، الذين يرتابون من الانفراج، وليس بخاف أن فشل انطلاق الحوار الأميركي/ الإيراني (إضافة إلى ضبابية تطور الوضع الداخلي في طهران) ينذر بصعوبات ومضاعفات، قد تضع الجنوب ولبنان بأسره على فوهة بركان، إذا لم يفصح حزب الله عن نواياه، ويتخذ مسافة من الارتباط العضوي بالحرس الثوري وسيناريوات أركانه في حال نشوب النزاع.

تقوم القوات الدولية بمهماتها في نطاق المتاح، وتوآزر الجيش اللبناني في الحفاظ على هدوء نسبي جنوباً قدر المستطاع. لكن مفتاح الحل والربط بعيد من متناول السلطات اللبنانية الشرعية، وقرار الحرب والسلم مخطوف من يدها، إلى إشعار آخر، بتضافر النقيضين، إسرائيل في المقام الأول، والمنظومة الجهادية القائمة ذات العصب والرافعة الشعبية والباع. لذلك يُسأل عن جدوى الطمأنة في معرض انتفاء القدرة على البوح بالشواغل، واستبعاد غالب اللبنانيين عن موقع التأثير، أو المشاركة في صوغ المستقبل القريب. يحفل لبنان بالمحرّمات، من القاعدة إلى رأس الهرم، جرّاء انفراد قيادة حزب الله بتحديد المسموح والممنوع في المجال العام، وبالأخص في توصيف طبيعة الصراع مع إسرائيل، واختزاله عطفاً على مقولة الشر المطلق، مقدِّمة لرفض اتفاقية الهدنة وإسقاط مبادىء السلام على أساس الشرعية الدولية، وتأبيد النزاع. وعليه، يعود لمؤسسات الشرعيّة المنتخبة أصولاً مناشدة الممسك بالقرار الميداني، على سبيل التمنِّي والتعضيد، ويسحب منها الاطلاع على المجريات التي تستبطن أبعاداً مصيرية تطيح الموعود من إنماء وإعمار، فلا مظلة عربية تقي لبنان في أوقات الشدّة، ولا احتكام إلى دفاع مشترك يوضع قيد الإجراء.

ما زالت هناك كوابح قد تضبط انفلاش الأزمة وإيصالها الى طريق اللاعودة. بادئاًً، تمَّ دحر الاحتلال الإسرائيلي وجلاء قواته عن جنوب لبنان، بُعيْد المطالبة اللبنانية الناشئة بجيب مزارع شبعا، الى الغجر الشمالية حيث التمدد السكاني لأهالي القرية السوريين، والرافضين تقسيمها حتى هذا التاريخ. مذ ذاك، وخلا بعض القذائف التذكيريّة، أضحى هذا الملف في عهدة الديبلوماسية وقوات الأمم المتحدة، بالتوافق الضمني ولأجل غير مسمّى. الحاصل ان المطالبة باسترجاع الأرض، العزيزة بأي حجم وحال، تقلصت الى حد لا يستدعي مواجهة شاملة، عاجلة التنفيذ. ونتيجة تموز 2006، يرابض الجيش اللبناني على طول الحدود ومحورها، مُعزّزاً بقوات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان، ما يبعد فرص التهاب الجبهة بعامل أهلي، ويعطي شبيه شبكة أمان. كذلك تبدو حِدّة الصدام محصورة بالساحة اللبنانية، بخلاف السائد عربياً والمستشعر به لدى سائر دول العداء.

بين الكيان المستقل وساحة المشاغلة والمنازلة، يتأرجح لبنان، مدركاً احتمال الاشتباك لأسباب ومسوِّغات خارجة عن إرادة أبنائه، عالقاً في عنق زجاجة صنعها مشغل إقليمي. فكما اندلعت حرب تموز 2006 دون مقدّمات محلية مقنعة، قد تنطلق الشرارة من حدث طارىء ، بالوكالة أو بالتكليف، يسخِّن الجبهة فجأة، ويتقاطع مع استعداد إسرائيل المؤكد للمباغتة وتصفية الحسابات. الأدوات العسكرية جاهزة للتشغيل بعد إعداد ومناورات، في غياب ضوابط محكمة، والتباهي الظاهر بالقوة سيد التصرفات على الجانبين، فحذار من الخدر والنوم على حرير حكومة الوفاق الوطني الكفيلة بالمشاركة الحقيقية فقط في المحاصصة والجزئيات، دون المصيري الجامع والأولويات.


المصدر: جريدة الحياة

ملف فلسطين وغزة..في ذكرى 7 أكتوبر..

 الإثنين 7 تشرين الأول 2024 - 5:03 ص

الغزّيون ملّوا الحروب ويحلمون بحياة تشبه الحياة.. لا يهمهم مَن يحكم القطاع بعد وقف القتال..والهجر… تتمة »

عدد الزيارات: 172,892,762

عدد الزوار: 7,716,497

المتواجدون الآن: 0