القوات اللبنانية....مؤسسة
الثلاثاء 7 تموز 2009 - 4:05 م 4762 0 محلية |
مارلين خليفة
بناء قدرات عبر «الجامعة الشعبية» يستقطب مئات من الشباب المسيحي وورشة فكرية وتنظيمية تخوضها «القوات اللبنانية» لتلميع صورتها وتوسيع رقعة انتشارها
تخوض «القوات اللبنانية» منذ خروج رئيس هيئتها التنفيذية سمير جعجع من السجن عام 2005 معركة تغيير صورة عنيفة رسختها الحرب في الأذهان في ما يعتبرها القواتيون «ظالمة بحقهم». لذا تجهد «القوات» لإقناع خصومها السياسيين بأنها غيّرت جلدتها، كما تسعى الى «تلميع» هذه الصورة في المجتمع المسيحي عبر استراتيجية علمية ومنهجية منظمة، تساعدها على تقوية شعبيتها. التأسيس لصورة أخرى بدأته «القوات» فعلياً فكرياً وتنظيمياً وسياسياً.
ورشة بناء القدرات.... على المستوى الفكري، يقع بناء القدرات في صلب الانشغالات التي يقوم بها رئيس الهيئة التنفيذية للقوات سمير جعجع منذ عام 2005، وينكبّ «القواتيون» اليوم على إعداد «عناصر التغيير» عبر تعزيز أداء المناصرين والحزبيين وتزويدهم بمهارات، كل بحسب مستواه وكفاءته، عبر استراتيجيتين. الأولى هي التعبئة الاجتماعية الهادفة الى بلوغ شرائح وقطاعات واسعة عبر إشراكها في العمل الحزبي «القواتي» لإنشاء بيئة صديقة وفاعلة في آن، والثانية عبر التمكين، أي زيادة قدرة «القواتي» على اكتساب المعرفة وتحديد السبل الفضلى لخدمة مصالح جماعته. هذا ما تقوم بها «الجامعة الشعبية» التي بدأ التخطيط لإنشائها منذ خروج جعجع من السجن، وبدأ تنفيذها العملي منذ عامين ونصف العام، وهي تتطور بشكل تدريجي.... في مقرّها في منطقة المعاملتين ترى خلية نحل من الشباب والصبايا يأتون للخضوع لدورات تدريبية، وتلحظ في الصفوف المختلفة رجالاً ونساءً في منتصف العمر يدرسون على ايدي متخصصين، استقدمتهم القوات خصيصا لنشر الوعي والثقافة بين جمهورها وكوادرها على مختلف الصعد، ومنها الإعلامي، حيث يشير مدير الجامعة الدكتور طوني حبشي في جولة الى استديو تلفزيوني هو قيد الإعداد، هدفه تدريب الكوادر على كيفية التخاطب عبر وسائل الإعلام.
إنه التواصل الاستراتيجي إذن الذي تبني عليه «القوات» عملها الحزبي المتجدد لترميم صورتها السابقة، «تحولت «القوات» الى تنظيم مؤسساتي بعد اتفاق الطائف وترسخت قناعتها بقيام الدولة التي ترعى كل فئاتها وتحرص على التعددية الثقافية» يقول حبشي.
هكذا يتحدث القواتيون اليوم عن الديموقراطية والتعددية والتعاون المسيحي الإسلامي ويشرحون بأن الفيديرالية التي نادوا بها لا تعني التقسيم، بل تعني اللامركزية الإدارية التي تحدّث عنها اتفاق الطائف، «والتي تتيح للجماعات المحلية قدرة تنمية ذاتها بسرعة اكبر»، بحسب تعبير حبشي.
الجامعة الشعبية هي جزء من منظومة تعمل عليها القوات وهي تضم 3 إطارات، الأول معهد الإعداد الفكري، يستقبل طلابا جامعيين بين السنتين الثانية والرابعة يتلقون مستويين من المعرفة، الأول يحوي مداخل عامة لكافة الشؤون السياسية والفكرية وتاريخ لبنان والأحزاب والطوائف، وتقنياً يتلقنون أمورا تتعلق بالعمل الحزبي الجماعي، ودور الإعلام وتقنياته وحل النزاعات، مدة هذه الدورة 5 أشهر. الطلاب البارعون ينتقلون الى مستوى متقدم يتعمق في المواضيع ذاتها، خرّج المعهد لغاية اليوم 80 طالباً، «يتــعلم هؤلاء كيفية إمرار الإطار السياسي من العاطفة الى العقل فيدركون بالمعرفة والعلم ماهية حركتهم الحزبية وكيفية التلاقي مع سواهم، فيتعاطون السياسة باحتراف».
المعهد الآخر هو معهد الكوادر السياسة، ويضم أشخاصا يحملون شهادات جامعية. دورة الكوادر الأولى هي 7 أشهر، وتتكوّن من محاور عدّة: المفاهيم السياسية، الدولة الديموقراطية، النظام السياسي وتاريخ لبنان، والطوائف والدستور وتاريخ «القوات اللبنانية». تخضع الكوادر لورش عمل تقنية بحدود 25 ساعة في التدريب الإعلامي والتفاوض، ويدوم المستوى الثاني سنة وشهرين، قد بدأت الدورة حديثا وتضم 180 كادراً.
المستوى الثالث يتمثل بـ«الجامعة الشعبية» وهي «إطار للتواصل الديموقراطي مع الناس جميعهم عبر لقاءات مناطقية حيث يقدم محاضرون متخصصون محاضرات في شتى المواضيع على مستويين عادي ومعمق وهذ الجامعة جالت في مناطق عدة.
وهل يعني هذا الحراك الأفقي أن «القوات اللبنانية» تسعى الى أدلجة المجتمع المسيحي؟ وهل تتحول الى «حزب الله» مسيحي؟ ينفي حبشي هذا الأمر قائلا: «إن مصدر السلطة في مفهومنا السياسي هو الشعب وهو الله عند «حزب الله»، الذي لديه نظام ديني لا ادري كم يحوي مساحات من الحرية الفردية».
كم سيتقبل المجتمع المسيحي الصورة المرممة «للقوات» وهو يحفظ في لاوعيه صورة مخيفة بعض الشيء عن الميليشيا الحربية المسلحة؟ يجيب حبشي: «لا عــلاقة لهذه الصورة بالواقع، قد يكون فيها شــيء من الحقيقة في الحرب لكنـني أذكّر بأن «القوات» كانت مجموعة طلاب تركوا جامعاتهم واضــطروا للدفاع عن وجودهم».
تنظيم الهرمية الحزبية..... هذه «النهضة القواتية» لا تقتصر على الجانب الفكري بل تنطلق منه الى الحزبي، ما جعلها في الانتخابات النيابية الأخيرة تثبت حضورا ملموساً في دوائر عدة أبرزها زحلة وبيروت الأولى والبترون والكورة وحتى في جبيل وكسروان، والسؤال هل انتعاش الحالة القواتية مبني على استقطاب مؤيدين جدداً أم أنه انتعاش حصل بفعل النهضة التنظيمية التي بدأها الدكتور سمير جعجع منذ خروجه من السّجن في تموز 2005؟
يجيب المحامي ندي غصن بأن للتنظيم دوره الأساسي ولكن أيضا الخطاب السياسي.
«التنظيم المحكم ظهر جليا في قداس الشهداء الذي نظمته «القوات اللبنانية» في أيلول 2008 في الملعب البلدي في جونيه، وفيه حشدت آلاف المناصرين من أنحاء لبنان «وقد أظهر القدّاس أن «القوات» هي طرف اساسي في المجتمع المسيحي». لكن على الرغم من الحضور «القواتي» وخصوصا شمالا إلا أن جعجع لم يتمكن بعد من استعادة قلب الجبل المسيحي أي كسروان وجبيل، يقول غصن: «لم ترشح «القوات» في جبيل بل اكتفت في دعم ترشح الدكتور فارس سعيد لكن الماكينة الانتخابية عملت بتنظيم فاق بأشواط تنظيم ماكينة سعيد وناظم الخوري معاً، والأمر سيان في كسروان حيث دعمت القوات لائحة منصور البون وحلفائه».
يلحظ منسق جبيل شربل أبي عقل بأن «الحالة القواتية تنمو في شكل ملحوظ جبيلياً، ويرصد الأمر من خلال التعاطي الودّي من الأفراد والمؤسسات ويستنتج بأن «ثمة تغيير في المجتمع المسيحي بحيث ان كثيراً من المواطنين مؤيدون لخطابنا السياسي لكن الحالة «القواتية» تحتاج بعد الى وقت لتنتظم وتنتشر أكثر وهذا ما نعمل عليه». زهاء 10 آلاف شخص شكلوا الماكينة الانتخابية للقوات اللبنانية على الأراضي كل اللبنانية، وهذا الرقم يعطيه المحامي غصن مؤكدا «بأنه تقريبي ويفوق ذلك بقليل».
في هذا الإطار، يرى الخبير الإحصائي ربيع الهبر بأن «القوات اللبنانية» «كانت عقب انتخابات 2005 مجموعات منفصلة ومشتتة إنتخابيا لا تعمل بشكل مركزي. إرتفعت شعبية القوات بشكل ملحوظ من 5،7 في المئة في 6 شباط 2006 الى 23 في المئة اليوم، وهي استقطبت من جيلي الشباب والكهول، وتمكّنت من التقدم في مناطق مثل الكورة والبترون وزحلة، وباتت القوة التجييرية الأقوى في هذه المناطق بعد التيار الوطني الحرّ، بالإضافة الى كونها أكبر قوة تجييرية في جبيل وكسروان والمتن».
يضيف الهبر: «انتقلت «القوات اللبنانية» في انتخابات 2009 من القوة المبعثرة الى القوة المركّزة وبرز حضورها شمالا، وتجدر الإشارة الى نشوء شعبية قواتية في قضاء زغرتا، وهي حالة داعمة للزعماء المحليين المناهضين للمعارضة». انتخابيا يشير الهبر الى أن «القوات اللبنانية» «أثبتت قدرة تنظيمية على الرغم من افتقارها الى الكوادر المتفرّغة، ولديها قدرة لوجستية مكنتها من أن تكون لديها ماكينة سليمة ومنظمة، وقدرة تواصلية منضبطة بشكل يتيح لها العمل دونما خطأ، وبأن يقوم كل شخص بمهماته بحيث توجد مستويات من التخصصية».
يشبّه الهبر حالة «القوات اللبنانية» بحالة الطاشناق و«حزب الله» حيث لدى أعضائها التزام كامل بمبادئـها وتوجيــهات قائدها، تصل الى نسبة 91 في المـئة، في ما نزل مستوى الالتزام بتوجيهات قائد التيار الوطني الحر من هذا المستوى عام 2005 الى 77 في المئة عام 2009».
إنفلاش عبر القطاعات المهنية..... تسعى «القوات اللبنانية» في عملية تقوية حضورها الى الانتشار في أنحاء لبنان كلّه، لذا تفتتح مكاتب في المناطق اللبنانية المختلفة وهي في طور الإعداد لمشاريع صحية وتأمينية، وبدأت في تنظيم وجودها في القطاعات الاجتماعية والمهنية كلّها من: أساتذة المدارس والجامعات الى الطلاب ونقابات المهن الحرة والمغتربين والرياضة والكشافة والبيئة والإعلام وكافّة القطاعات المتخصصة». هل عادت لتنظيم ذاتها أمنيا كما يتردّد؟! يجيب المحامي ندي غصن: «قطعا لا، لأننا دعاة بناء الدولة وهي مسؤولة عن الوضع الأمني وهذا هو صلب نضالنا اليوم».
بعد خروجه من سجن دام 11 عاماً وجد رئيس الهيئة التنفيذية في القوات سمير جعجع حزبا شبه مهترئ مؤسساتيا بسبب حلّه وملاحقة مناصريه. «بدأ العمل بحسب حاجة كل مرحلة، بدءا من الانتخابات الجامعية، اهتمّ بالمغتربين فأجرى حملة تعيينات لمسؤولين قواتيين في عواصم مختلفة في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وإفريقيا وأوستراليا والدول العربية، أنشأ قطاع المعلمين، وأسس أفواجا عدّة من الكشافة في المناطق اللبنانية، وأسس فريقا كبيرا مختصا بالشؤون البيئية كما طوّر قطاع الأطباء، فبعد أن كان جميع الأطباء منتظمين في قطاع واحد، بات لكلّ اختصاص قطاعه المستقل، ونظم قطاع المهندسين علما بأن هذه القطاعات كلها تجتمع بشكل دوري.
المؤتمر التأسيسي..... الى جانب العمل الفكري والتنظيم الحزبي المناطقي تهيئ «القوات اللبنانية» حاليا لمؤتمرها التأسيسي الذي سينعقد قبل نهاية السنة الحالية بحسب غصن وهدفه الرئيسي هو : «مأسسة القوات عبر إقرار نظام داخلي، وتثبيت الهرميّة، وطبيعة العلاقة بين القاعدة والهيئة التنفيذية، وبالتالي نحن متّجهون نحو حزب نموذجي، مع الأخذ بالاعتبار، تجارب الأحزاب اللبنانية، وثمة قرار في الحزب بتثبيت الانتخابات على مستويات عدّة، من الرئاسة الأولى في الحزب وحتى منسّق البلدة».
من الأمثلة التنظيمية في المناطق نموذج العاصمة بيروت، بحيث قسمّت «القوات اللبنانية» مدينة بيروت الى 5 مناطق هي الأشرفية الرميل الصيفي المدوّر والمرفأ والى بيروت الثانية التي تضم المناطق البيروتية الأخرى. يقول منسّق بيروت في «القوات اللبنانية» عماد واكيم «لكل منطقة منسقها الخاص مع مجموعة عمل وتقسّم كل منطقة الى قطاعات مناطقية ولكل منطقة بدورها منسقها الخاص ومجموعة عمله. في بيروت 12 مكتبا قواتيا والقطاعات المهنية تهتم بكوادرها ضمن العاصمة. بلغ مجــموع الماكينة القواتية انتخابيا 500 شخص بينهم 400 عملوا في الدائرة الأولى.
المصدر: جريدة السفير