لبنان
الحكومة أمام واحد من خيارين: إما تمويل المحكمة والبقاء أو الرفض والإستقالة
الجمعة 30 أيلول 2011 - 8:13 ص 3503 0 محلية |
المعارضة تراهن على تفجّر الحكومة من داخلها والموالاة تبحث عن مخرج لإلتزامات لبنان الدولية
الحكومة أمام واحد من خيارين: إما تمويل المحكمة والبقاء أو الرفض والإستقالة
<أعلن الرئيس سليمان أمام أكثر من زائر أنه سيبقى وسطياً حامياً للدستور وليس مع أي طرف>
تأمل قوى 14 آذار أن تطيح التناقضات الداخلية بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، فهي ترى أن هذه الحكومة ستتفجّر من الداخل، ولن تستطيع أن تصمد من الوقت إلا بضعة أشهر خلافاً لما أعلنه رئيس الحكومة بأن حكومته باقية ولن تسقط·
ميقاتي إلى دمشق بعد مجلس الوزراء الأسبوع المقبل
تمويل المحكمة بمرسوم يوقّعه الداعوق نيابة عن قرطباوي أحد أبرز الخيارات
إجراءات أمنية لـ10 أيام في محيط <الأسكوا> والبلدية تعترض
مع حلول شهر تشرين الاول غداً، وعشية جلسة مجلس الوزراء المتفق عليها الاربعاء المقبل، والتي لم يتبلغ بعد الوزراء بجدول اعمالها او تثبيت موعدها، وفقاً لما أبلغه احد وزراء الدولة لـ<اللواء> ليل امس، تراكمت مجموعة من الملفات، سواء منها المتعلقة بتصحيح الاجور التي يطالب بها الاتحاد العمالي العام، او سلسلة الرتب والرواتب لاساتذة الجامعة اللبنانية والدرجات الاربع لمدرسي مرحلة التعليم الاساسي، فضلاً عن السجال الدائر حول التعيينات الادارية وملء الشغور في المراكز الدبلوماسية، واجراء التشكيلات القضائية، الى جموح الوزير جبران باسيل الى فرض مشروع الطاقة على اول جلسة لمجلس الوزراء المتبقى منها اساساً 51 بنداً من الجلسات السابقة، الى الملف الحدودي بين لبنان وسوريا بجوانبه السلعية والامنية والقضائية والتبادل التجاري وحجز حركة التصدير و<الترانزيت> من والى سوريا.
يضاف الى كل ذلك ملف سياسي ثقيل يتصل بنتائج محادثات الرئيس نجيب ميقاتي وفريقه الدبلوماسي في نيويورك مع كل من الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ووزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون، والتي استقبلت ببرودة في دوائر عونية واخرى قريبة من حزب الله، لا سيما الجانب منها المتعلق بتكرار التأكيدات علىان الالتزام بالقرارات الدولية ليس مسألة انتقائية، وان رئيس الحكومة ابلغ كلينتون <انه سيسعى جاهداً لاقناع الافرقاء في الحكومة لتمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ولا احد عندما اتحدث عن مصلحة لبنان سيكون ضد هذه المصلحة من الشركاء في الحكومة>، فضلاً عن اثارة موضوع على غاية من الحساسية يتعلق بالمساعدات الاميركية للجيش اللبناني، في ضوء زيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي للولايات المتحدة المتوقعة في النصف الاول من تشرين المقبل، للاجتماع بالقائد الجديد لهيئة رئاسة الاركان المشتركة الجنرال مارتن دامسي، وهو الموضوع الذي بحثت ترتيباته خلال زيارة نائب مدير الشؤون السياسية والعسكرية لمنطقة الشرق الاوسط في هيئة رئاسة الاركان المشتركة الجنرال جون شارلتون لليرزة امس.
وشدّد ميقاتي، الذي يفترض أن يعود إلى بيروت في نهاية الاسبوع، في حديث لقناة <العربية>، على أن <لبنان ليس في عزلة، ولا أحد يستطيع أن يعزله، وهو دائماً موجود في المحافل الدولية>، مشيراً إلى أن اجتماعه بالوزيرة كلينتون كان <ايجابياً جداً>، وهو ما لمسه أعضاء الوفد الإعلامي الذي رافق رئيس الحكومة، والذي عاد مساء أمس إلى بيروت، بينما انتقل ميقاتي من نيويورك إلى عاصمة أوروبية، لم يكشف عنها لتمضية إجازة قصيرة.
اما موضوع المحكمة الدولية، الذي كان أحد المواضيع الرئيسية في محادثات رئيس الحكومة في نيويورك، والالتزامات التي اعلنها هناك هو ورئيس الجمهورية ميشال سليمان، فقد رأى مصدر في الأكثرية لـ <اللواء> انها لا تعبّر سوى عن رأي مطلقيها ولا تفرض التزامات على أحد في الحكومة، مشيراً إلى أن كل طرف في هذه الأكثرية أعطى رأيه في هذا الملف، وعندما يحين الوقت المناسب سوف تتم معالجة هذا الموضوع وفق آلية قانونية ومخرج يتفق عليه الجميع.
وأكّد المصدر المسؤول بأن المعالجة لا يمكن أن تتم الا وفق ثابتتين: واحدة دستورية تتعلق بإعادة النظر في شرعية المحكمة، وأخرى قانونية تتعلق بإعادة فتح ملف شهود الزور بكافة متفرعاته، في اشارة إلى احتمال مقايضة التمويل بتعديل البروتوكول الموقع بين الحكومة اللبنانية والمحكمة، عندما يحين اوان تجديدها في شهر آذار المقبل، علماً أن هذا التمديد قرار يتخذه الامين العام للامم المتحدة في <اجراء صامت> سواء طلبه لبنان أو لم يطلبه.
مخرج للتمويل وكشف مصدر وزاري مطلع لـ <اللواء> انه من بين المخارج المقترحة، إصدار مرسوم بدفع ما تبقى من حصة لبنان بتمويل المحكمة، والبالغة 33 مليون دولار، يوقع عليه الرئيسان سليمان وميقاتي ووزير المال محمّد الصفدي ووزير العدل بالوكالة وليد الداعوق، لأن وزير العدل الاصيل شكيب قرطباوي أبلغ المعنيين انه ملتزم بقرار تكتل الإصلاح والتغيير الذي أعلن رئيسه النائب ميشال عون انه لن يصوت على قرار التمويل، حتى لو صوت عليه <حزب الله>.
وأضاف المصدر أن أي قرار لم يتحدد بعد، بانتظار مشاورات بعيدة عن الأضواء سيجريها الرئيس ميقاتي، مع التكتلات السياسية المشكّلة للحكومة التي يرأسها، ولا سيما مع الرئيسين سليمان ونبيه بري و<حزب الله>، باعتبار أن رئيس جبهة <النضال الوطني> النائب وليد جنبلاط سبق أن أعلن تأييده لتمويل المحكمة، وأن تبادل الرأي مع النائب عون سيكون بلا جدوى.
وكشف المصدر أن الرئيس ميقاتي سيطلع مجلس الوزراء برغبته بزيارة قريبة إلى دمشق، يتوقع أن تتم في الأسبوع المقبل، حيث سيجري محادثات مع الرئيس بشار الأسد الذي استقبل أمس الرئيس عمر كرامي ونجله الوزير فيصل، بعدما كان استقبل قبل ذلك بيوم واحد الرئيس سليم الحص.
14 آذار في المقابل، كشفت مصادر مطلعة، أن اتصالات ومشاورات تجري بين قادة قوى 14 آذار لإعادة ترتيب منهجية العمل والتواصل بين قوى المعارضة نيابياً وحزبياً وسياسياً بهدف تفعيل الحركة السياسية للمعارضة، والتصدي لمحاولات تعطيل التزام لبنان تجاه المحكمة.
وعلمت <اللواء> أنه تقرر، في هذا الإطار العودة إلى عقد اجتماعات دورية لقادة 14 آذار وإعلان المواقف السياسية التي يتم التوافق عليها.
وأوضح مصدر في الأمانة العامة لـ 14 آذار أن الاتهام المباشر <لحزب الله> بالاغتيالات التي حصلت في لبنان، والذي وصف بأنه <نقلة نوعية> جاء من ضمن مقتضيات المواجهة مع الحزب بغرض الوصول إلى الحقيقة والعدالة، مشيراً الى أن هذا الاتهام رسم خطاً بيانياً للمواجهة، ولو أنه جاء متأخراً عن القرار الاتهامي للمحكمة والذي وجه الاتهام إلى أربعة عناصر من الحزب.
إلا أن المصدر لفت الانتباه إلى أن كل الخطوات مجمّدة حالياً بانتظار تمويل المحكمة، ولن نقبل إلا بأن تموّل من قبل الحكومة.
طرق <الاسكوا> على صعيد آخر، تقرر ان تقفل بدءا من اليوم الطرق المحيطة بمبنى <الاسكوا> في وسط بيروت، وهي عبارة عن طريقين: الاول شرق المبنى، والثانية وهو المعروف <بنفق الاسكوا> خلف المبنى، حيث سيتم تحويل السير الى الشوارع المحيطة لامتصاص ضغط حركة السيارات.
وجاء هذا القرار الذي اعلنه قائد سرية سير بيروت في قوى الامن الداخلي العميد محمد الايوبي، في اطار اجراءات حماية أمنية طلبتها الأمم المتحدة من رئيس الحكومة ووزير الداخلية مروان شربل، عبر الممثل الشخصي للامين العام للامم المتحدة في لبنان مايكل وليامز، على خلفية معلومات تبلغتها عن احتمال تعرض المبنى لخطر أمني، ربطاً بالاعتداءات التي تعرضت لها قوات <اليونيفل> في الجنوب.
ومع ان القوىالامنية، ابلغت وليامز انها لا ترى ان هذه المخاطر جدية في مستوى عال، بالاضافة الى ان الاجراءات التي طلبتها من شأنها ان تخنق المدينة، خصوصا وان هناك اشغالاً تجري حالياً في نفق بشارة الخوري، فإنها لم تمانع في اجراء تجربة لمدة اسبوع او عشرة ايام لاختبار مدى انعكاس هذه الاجراءات على حركة السير، علماً ان العاصمة لا تحتمل اقفال شريان حيوي، كالطرق المحيطة بـ <الاسكوا>، اذ ان السير القادم من فؤاد شهاب والمتجه الى نحو نفق سليم سلام سيتحول الى ساحة الشهداء وشارع ويغان، وصولا الى منطقة ميناء الحصن والالتفاف مرة جديدة باتجاه سليم سلام، وهذا الالتفاف سيغرق المنطقة بكاملها بزحمة سير خانقة.
وعلمت <اللواء> ان رئيس بلدية بيروت الدكتور بلال حمد ابلغ محافظ بيروت بالتكليف ناصيف قالوش احتجاجاً عبر كتاب رسمي ضمنه طلبا بابقاء جزء من الطريق مفتوحا للسير تسهيلاً لحركة الانتقال.
يرى مصدر في قوى 14 آذار أن الرئيس ميقاتي الذي ادّعى الوسطية بات منذ بداية تكليفه وإبلاغه تشكيل الحكومة من قبل أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، في أحضان الحزب خاضعاً لرغباته وتوجهاته، كما أن ميقاتي الذي راهن على تشكيل كتلة وسطية داخل الحكومة تضمه والصفدي إلى رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري والنائب وليد جنبلاط قد فشل ولم يعد هذا الرهان مطروحاً· فالرئيس بري لم يستطع أن يخرج من تحت عباءة السيد نصر الله وهو بات يغالي في دفاعه عن الحزب ودوره وسلاحه خاصة بعد نشر محاضر <ويكيليكس> في صحيفة <المستقبل>، هذا إضافة إلى استمرار الضغط السياسي عليه وما تقدمه إيران من أموال له ولحركته·
والنائب جنبلاط بات يغرّد وحيداً في خصوصية سياسية، باذلاً الجهود يومياً من أجل تأكيد أنه لم يترك قوى 14 آذار ليلتحق بغيرها، وأنه غير متمسك بالحكومة وأعلن أكثر من موقف غير ودّي تجاه شركائه في الحكومة وآخرها ردّه على موقف البطريرك مار بطرس الراعي حول دور سلاح حزب الله، فردّ جنبلاط على البطريرك الراعي كان واضحاً برفضه بقاء سلاح حزب الله الى الأبد· فهو صحيح أنه بردّه صوّب البندقية باتجاه البطريرك الراعي ولكن رصاصه أصاب حزب الله، والحزب تصرف بحرفية عالية فاستوعب الموقف·
وأضاف المصدر: أما الرئيس ميشال سليمان فقد أعلن أمام أكثر من زائر أنه لم ولن يدخل في أي محور، فهو ليس مع هذا الطرف ولا مع ذاك فهو مع الدستور أولاً ومع حكومة ميقاتي طالما بقيت محمية من الدستور، أي استمرارها مرتبط بالدستور، والرئيس سليمان لن يخالف الدستور، والحكومة طالما بقيت دستورية سيستمر في الدفاع عنها كما دافع عن دستورية حكومة الوحدة الوطنية·
ويرى المصدر أن حكومة ميقاتي لن تصمد أمام أي هزة داخلية تتعرض لها، فهذه الحكومة كغيرها، كل طرف مشارك فيها يستطيع أن يقيلها، حتى جنبلاط يستطيع أن يقيلها في مجلس النواب·
أما قوى 8 آذار، فهي ترى في ما يشيعه أطراف قوى 14 آذار لم يتعد الأحلام، فالحكومة باقية ومتماسكة، وأطرافها لديهم من القدرة و?<الحنكة> السياسية ما يمكنهم من التغلب على العقبات التي تعترض مسيرة بقاء الحكومة، وأن ما يشاع حول عقبة تمويل المحكمة الدولية فان القوى السياسية المشاركة في الحكومة ما زالت تبحث عن <مخرج> لهذه العقبة، وهي متفائلة بايجاده·
وترى أوساط مراقبة أن الحكومة في ما يخص تمويل المحكمة الدولية أمامها المخارج التالية:
- يمكن أن يكون التمويل بواسطة اقتراح قانون في مجلس النواب، واقتراح القانون هذا يمكن ان يحصل على الأغلبية في مجلس النواب مرفقاً باعتراض من نواب <حزب الله> وبعض نواب تكتل التغيير والإصلاح (أي الأغلبية مؤمنة)·
- ويمكن أن يتم دفع لبنان لحصته من تمويل المحكمة عبر مرسوم عادي موقع من رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة ووزيري العدل والمالية، وتوجد عقبة امام هذا الخيار هو موقف وزير العدل شكيب قرطباوي المنتمي الى تكتل التغيير والاصلاح، خاصة بعدما اعلن ميشال عون رئيس التكتل رفضه تحويل المحكمة، وهناك من يرى ان وزير العدل وهو نقيب محامين سابق، شخصية معتدلة وهو لم يعلن موقفه لغاية الآن فيمكن ان يجد مخرجاً <تحت حجة مصلحة لبنان من اجل عدم تعريضه لعقوبات دولية ومواجهة الامم المتحدة··>·
- ان يصدر قرار تمويل المحكمة من الحكومة مجتمعة بحجة تنفيذ الالتزامات الدولية التي وقعتها الحكومة السابقة في مذكرة التفاهم مع المحكمة الدولية <لان الحكم استمرار>، ولأن عدم موافقتها على التمويل يجعلها بحكم الممتنعة عن تنفيذ التزاماتها تجاه المجتمع الدولي، ويمكن ان يؤخذ القرار داخل الحكومة مقروناً بتحفظ وزراء حزب الله وعون·
ويبدو ان تنفيذ الحكومة لإلتزامات لبنان المالية تجاه المحكمة الدولية طريقها سالكة وآمن رغم ما اعلنه حزب الله بأنها محكمة اميركية - اسرائيلية، ورغم ما اعلنه ميشال عون من رفضه لهذا التمويل، خاصة بعدما اعلن كل من رئيسي الجمهورية والحكومة من على منبر الأمم المتحدة التزام لبنان بالقرارات الدولية ومنها المحكمة الدولية·
فحزب الله رغم موقفه السلبي من المحكمة من الصعب عليه ان يقدم على اي اجراء يمكن ان يضعف الحكومة او يجعلها في مواجهة المجتمع الدولي·
فالحكومة التي يتنازعها توجهان مختلفان ليس أمامها سوى واحد من خيارين لا ثالث لهما·
فهي إما ان تبقى على التزامات لبنان الدولية وبالتالي تستمر في ادارة البلاد كحكومة دستورية·
وإما ان ترفض تنفيذ الالتزام المالي تجاه المحكمة، وبالتالي تكون قد حكمت على نفسها بالاستقالة، ووقتها تتفجر من الداخل وينجح رهان قوى 14 آذار على عدم قدرتها على البقاء·
وهناك من يرى ويرجح بأن حزب الله تحديداً سيغض النظر عن اسرائيلية المحكمة وسيوافق <مواربة> على تمويلها من اجل الحفاظ على الحكومة التي يرى فيها انها حكومته·
اي الخيارين سترجح كفته هذا ما ستكشفه الاسابيع المقبلة فهناك اكثر من <سيناريو> يتم تداوله الخيارات كلها صعبة على الحكومة وعلى البلد·
حسن شلحة
المصدر: جريدة اللواء