دير شبيغل" و"حزب الله" و..نحن
الثلاثاء 26 أيار 2009 - 7:14 ص 5363 0 محلية |
فارس خشان
بغض النظر عن صحة ما ورد في مقالة "دير شبيغل" الألمانية عن اتجاهات التحقيق الفعلية في ملف اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإن الردود على صدورها تُسجل، بذاتها، حدثا مهما في الحياة السياسية اللبنانية.
كيف ذلك ؟
الردود تمحورت حول نقطة مركزية أساسية، مفادها أن مضمون هذه المقالة من شأنه أن يجر البلاد الى حرب أهلية، على اعتبار أن توجيه التهمة لمجموعة من "حزب الله"، هو الفتنة بعينها.
وهذا الموقف، بغض النظر عن صحته أو عدمه، خطر للغاية، لأنه يُعطي طرفا لبنانيا "حصانة الصمت" التي لا تبدو متوافرة لغيره من الأطراف اللبنانية الأخرى.
وفي هذا السياق، يحاول "حزب الله" أن ينسب المقالة الى "طرف لبناني"، ليحمّله مسؤوليتها، في حين يحاول حلفاؤه نسبها للوبي الصهيوني من أجل منع أي كان، تحت طائلة اتهامه بالتعامل مع العدو، من التفاعل مع المعلومات الواردة فيه.
وهنا بالذات تبرز المفارقة، إذ إن أحدا لم يُبد مخاوفه على السلم الأهلي من الفتنة:
1- عندما نشر سيمور هيرش، صديق بشار الأسد وقيادات "حزب الله" مقالاته الشهيرة في "نيويوركر" الأميركية التي ربط فيها "فتح الإسلام" بـ"تيار المستقبل"، وسارعت وسائل إعلام النظام السوري و"حزب الله" و"التيار الوطني الحر" الى الترويج لهذه المقالات على أوسع نطاق، سامحة لسياسيي هذه الفئات ومحلليها بتحميل فئة لبنانية تبعة الدماء الزكية التي سفكها لبنانيون أبرياء قبل شهداء الجيش اللبناني.
2- عندما سارعت مجموعات "حزب الله" في أثناء حرب تموز وبعدها الى اتهام فئة لبنانية بأنها هي التي طلبت من إسرائيل أن تشن حرب تموز، وهي التي تجسست على قيادات "حزب الله" وأعطت العدو الصهيوني إحداثيات أدت الى استشهاد عشرات الأبرياء هنا وهناك في لبنان.
3- عندما ثابرت مجموعات "حزب الله" على اتهام مجموعة من الشخصيات اللبنانية بأنها "فبركت شهود الزور" من أجل توجيه التهمة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري الى النظام الأمني اللبناني-السوري.
4- وعندما رعى "حزب الله" مدوّنة "فيلكا إسرائيل" وشهرها، واعتمدها كمرجعية، موهما اللبنانيين بأن "ترّهاتها" إسرائيلية المصدر، وكل ذلك من أجل تبرير أخطر حملة يمكن أن تستهدف مجموعات لبنانية أخرى.
وهذه المفارقات التي تبرز في الأمثلة التي جرى ذكرها، لم تجعل أي قيادي لبناني أو أي محلل لبناني أو أي نائب لبناني أو أي سياسي لبناني، يتحدث عن الفتنة والحرب الأهلية.
طريقة الردود التي واكبت هذه "المفارقات" كانت صحيحة، لأنها لا تعبّر من جهة أولى عن الحقيقة، ولأنها، من جهة ثانية، وهذا الأهم، لا تستهدف مجموعات تملك السلاح والقدرة على استعماله والذهاب الى 7 أيار، بالفعل تارة وبالتهديد تارة أخرى.
أما طريقة الردود على مقالة "دير شبيغل" فهي تعبّر عن حالة نشاز كبرى في لبنان، ليس لأنها تعبّر عن الحقيقة (فذلك لا نستطيع أن نقوله طالما هناك محكمة مختصة بمجال إعلان الحقائق الرسمية)، بل لأنها تُعطي النموذج عن الحق الذي يمنحه "حزب الله" لنفسه ولحلفائه باستهداف الجميع من دون ضوابط وعن الحق الذي يحرّمه على الآخرين حتى إن هم قرأوا مقالا أو تفاعلوا معه أو اعتبروه حدثا كبيرا لا بد من الرد على معطياته، بجدية وبطريقة تحترم عقول الآخرين.
نعم، كان على "حزب الله" ألا يقبل باعتماد سلوكية التخويف من أجل تجاوز مضمون مقالة "دير شبيغل"، بل سلوكية المنطق، خصوصا أن ما ورد في الخط العام لمقالة "دير شبيغل" يتلاقى مع الشعارات التي أطلقها "حزب الله" عند إطلاق سراح الجنرالات الأربعة.
وفي هذا السياق، لا بد من العودة الى علي فياض عندما قال لـ"صوت لبنان" إن "حزب الله" يشعر بأن هناك من يعمل لكي يطال التحقيق في المحكمة "حزب الله"، وعندما أعلن السيد حسن نصرالله في "خطاب الجنرالات" أن المحكمة لا تزال تصغي لأشخاص يقيمون في لاهاي ويعملون ضد "حزب الله ".
وهنا، لا بد من العودة الى الأشخاص الثمانية الذين طلبهم التحقيق الدولي وقيل إن "حزب الله" لم يوافق أن يستمع فريق بلمار لإفاداتهم.
وهنا أيضا، لا بد من إجراء مقارنة بين الطريقة الحاسمة التي اعتمدها المدعي العام دانيال بلمار في نفي المقالة التي ظهرت قبل أشهر في "الانوار" وفيها أن لدى بلمار 128 مشبها به، وبين الطريقة التي اعتمدها حاليا في التعليق على مقالة "دير شبيغل".
وهنا أيضا وأيضا، لا بد من معرفة الخلفية الحقيقية التي جعلت "حزب الله" يستعمل "الثلث المعطل" ليحول دون تمكين الحكومة من الموافقة على مذكرة التفاهم بين مكتب المدعي العام في المحكمة الدولية وبين مكتب المدعي العام اللبناني.
هكذا عادة تُحترم العقول ...
ولأن العقول لم تحترم، إسمحوا لنا بافتراض سيناريو آخر للجهة التي تقف وراء مقال "دير شبيغل"... ألا يُعقل أن تكون جهة تعرف بعض الوقائع وتُقدّم لبلمار، ومن خلاله للمجتمع الدولي، نموذجا صغيرا عما يمكن أن يحصل في لبنان في حال ذهب التحقيق نحو "حزب الله".
سيناريو لا يمكن الإنقضاض عليه بسرعة... لأن السيد حسن نصرالله سبق له واعتمده في "خطاب الجنرالات".
في ذاك الخطاب، أوقف نصرالله مسار "الإستغلال السياسي" لقرار إطلاق سراح هؤلاء وأطلق مسارا جديدا، هو مسار التحذير من أن تمس المحكمة "حزب الله".
مسار إكتمل بردود الفعل على ما أوردته "دير شبيغل"، أليس كذلك؟.
ا |
المصدر: موقع لبنان الأن