السعودية وسوريا: حقائق التفاهم والخلاف الرياض تريد إنقاذ الأسد من "العقدة اللبنانية"

تاريخ الإضافة الجمعة 25 أيلول 2009 - 7:02 ص    عدد الزيارات 3716    التعليقات 0    القسم محلية

        


"ترفض السعودية التوصل الى شركة مع سوريا حول لبنان او تقاسم النفوذ معها في هذا البلد او تقديم اي نوع من الدعم لسوريا كي تستعيد دورها المهيمن على الساحة اللبنانية، كما ترفض التوصل الى تفاهمات محددة مع نظام الرئيس بشار الاسد يتم اقناع الافرقاء اللبنانيين بها او فرضها فرضا عليهم بوسائل الضغط والتأثير المختلفة. فالحوار بين الرياض ودمشق يهدف اساسا، من وجهة نظر القيادة السعودية، الى اطلاق حوار جدي سوري – لبناني في رعاية سعودية وعربية ودعم دولي من اجل اقامة علاقة جديدة وسليمة ومستقرة بين هذين البلدين تقوم على اساس الاحترام المتبادل وامتناع دمشق عن التدخل سلبا في الشؤون اللبنانية، وتقوم ايضا على ضمان حقوق اللبنانيين ومصالحهم المشروعة في تعاملهم مع النظام السوري".
هذا ما اكدته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية وعربية في باريس في ضوء ما سمعته من مسؤولين سعوديين ومصريين وعرب في ضوء اطلاعها على مضمون الاتصالات السعودية – السورية وتفاصيلها خلال الاشهر الاخيرة والتي تركزت خصوصا على الملف اللبناني.
وافادت هذه المصادر ان مسؤولا سعوديا رفيع المستوى ابلغ ادارة الرئيس باراك اوباما ومسؤولين فرنسيين واوروبيين منذ شباط الماضي، اي لدى معاودة الحوار السعودي – السوري، "ان لبنان موضع خلاف جوهري ومهم بين السعودية وسوريا وان الحوار مع نظام الاسد سيتناول بشكل اساسي القضية اللبنانية في جوانبها المختلفة وان طريقة التعامل السوري مع لبنان ستنعكس سلبا او ايجابا على مسار العلاقات بين الرياض ودمشق". ولقي هذا الموقف السعودي دعما عربيا واوروبيا واميركيا واسعا. وتقول المصادر ان المسؤولين المصريين دعموا الانفتاح السعودي المشروط على سوريا، لكنهم اكدوا في الوقت عينه لجهات عربية ودولية ان "من الخطأ" توقع حصول تغيير في السياسات الاقليمية لدمشق يدفعها الى اعتماد سلوك ايجابي في تعاملها مع لبنان كما تتمنى الرياض.
واوضح مسؤول عربي بارز مطلع "ان الرئيس الاسد كان منذ البداية مرحبا بالانفتاح السعودي عليه متحفظا في المقابل عن المطالب المحددة المتعلقة بلبنان خصوصا والمرفقة بهذا الانفتاح". وقد بدأ التلاقي السعودي – السوري بعد نحو اربع سنوات من التوتر والجفاء حين اطلق الملك عبدالله بن عبد العزيز في قمة الكويت الاقتصادية في كانون الثاني الماضي واثر حرب غزة مبادرة دعا فيها الى طي صفحة الماضي وتجاوز الخلافات بين الدول العربية، بل دفنها من اجل تنقية الاجواء وتحقيق المصالحة العربية. وانعقدت نتيجة هذه المبادرة قمة في الرياض بين الملك عبدالله والاسد في آذار نوقشت خلالها القضايا الاقليمية الاساسية ومنها لبنان. ثم تعزز هذا التلاقي، ظاهرا على الاقل، في القمة العربية التي انعقدت في الدوحة في نهاية آذار.
وذكر المسؤول العربي ان خلافا اساسيا وغير معلن برز بين الجانبين السعودي والسوري منذ بداية التلاقي. فالسعودية تريد مصالحة عربية حقيقية وجدية تقوم على قواعد محددة وواضحة وتؤدي الى توحيد الموقف العربي في التعامل مع القضايا الاقليمية بما يخدم المصالح العربية العليا، كما تؤدي الى توحيد الموقف العربي في التعامل مع اسرائيل، وكذلك وخصوصا في التعامل مع ايران لمواجهة مساعيها الهادفة الى فرض هيمنتها على المنطقة ولوضع حد لتدخلاتها السلبية في شؤون العراق ولبنان وفلسطين ودول اخرى. ولم يبد الاسد حماسة لهذا المطلب السعودي ولم يظهر اي رغبة في استجابته، ولذلك طرح الرئيس السوري مفهوما آخر للمصالحة العربية يقوم على الاكتفاء بالتفاهم على "ادارة الخلافات العربية" بطريقة ودية ومن دون خصام او مواجهة وبحيث تحتفظ كل دولة بمواقفها الاساسية من القضايا الاقليمية والدولية المطروحة من غير ان ينعكس ذلك سلبا على العلاقات بين الدول العربية.
 

ماذا تريد السعودية من سوريا؟

وقال المسؤول العربي ان السعودية ادركت تماما ان الاسد يريد الحد الادنى من المصالحة اي التقارب مع الرياض من دون اجراء تغييرات جوهرية اساسية في سياساته وتوجهاته الاقليمية. ولذلك ركزت السعودية جهودها في تعاملها مع الاسد على الملف اللبناني وارادت استخدام حوارها المتجدد معه لمصلحة لبنان واللبنانيين. وضمن هذا الاطار طلبت القيادة السعودية من دمشق ومنذ آذار الماضي التزامين محددين:

 

الاول: الحرص على ابقاء الوضع مستقرا في لبنان، مما يعني ضمنا امتناع السوريين عن القيام باي اعمال او نشاطات تهدد الامن والاستقرار في هذا البلد سواء مباشرة او عبر حلفائهم.

 

والثاني: الامتناع عن عرقلة الانتخابات اللبنانية بحيث تجري في موعدها المحدد، اي السابع من حزيران، في هدوء ومن دون اعمال عنف.

 

وقد احترم الاسد هذين الالتزامين، لكن ذلك لم يكن كافيا لاقامة علاقات جديدة سليمة وصحيحة بين لبنان وسوريا وهو ما تسعى اليه السعودية من خلال حوارها مع السوريين.

 

واكدت المصادر الديبلوماسية الاوروبية والعربية المطلعة على ان القيادة السعودية "لم تفتح حواراً" مع نظام الاسد في شأن لبنان من اجل اضعاف القوى الاستقلالية وتعزيز مواقع حلفاء المحور الايراني  - السوري، بل من اجل تعزيز الوحدة الوطنية التي تضمن الاستقرار الداخلي في لبنان.

 

ولم تفتح السعودية حوارا مع دمشق من اجل دفع الغالبية النيابية وزعيمها سعد الحريري الى تقديم تنازلات للسوريين على حساب استقلال لبنان وسيادته، او على حساب المحكمة الخاصة بلبنان، او من اجل تأمين تغطية لعودة النفوذ السوري المباشر الى هذا البلد، بل انها فتحت حوارا من اجل تحقيق الاهداف الاساسية الآتية:

 

اولا -  دفع نظام الاسد الى تقبل لبنان المستقل السيد كواقع شرعي مدعوم دوليا وعربيا، وهو ما يتطلب من هذا النظام ان يمتنع عن التدخل سلبا في شؤونه او عن تحريض حلفائه على استخدام العنف والسلاح من اجل محاولة تأمين مطالبهم وتحقيق اهدافهم.

 

ثانيا – اقناع نظام الاسد بضرورة الابتعاد عن المشروع الايراني الخطر في لبنان والهادف الى نسف اتفاق الطائف وصيغة المناصفة بين المسلمين والمسيحيين من اجل اعتماد صيغة المثالثة التي تهدد التعايش السلمي بين الطوائف وتبدل صورة لبنان وطبيعة تركيبته.

 

ثالثا – اقناع نظام الاسد بالتوقف عن استخدام لبنان ساحة مواجهة مفتوحة مع اسرائيل، ودول اخرى خدمة للمصالح السورية الايرانية، لان ذلك يهدد بتفجير حرب جديدة مدمرة وبزعزعة الاستقرار في هذا البلد وفي المنطقة عموما. وضمن هذا الاطار تدعم السعودية المطلب اللبناني الشرعي موافقة النظام السوري على تأكيد لبنانية منطقة شبعا رسميا من اجل تسهيل استعادتها من اسرائيل مع ما تبقى من اراض لبنانية محتلة بالوسائل الديبلوماسية كما يفعل النظام السوري منذ 1974 لمحاولة استعادة الجولان المحتل بالوسائل السلمية والديبلوماسية.

 

رابعا – انهاء حال التوتر والتشنج بين لبنان وسوريا ودعم العلاقات الطبيعية بينهما وتشجيعها على اساس المساواة والندية واحترام استقلال كل من البلدين وسيادتهما بما يؤمن المصالح الحيوية للشعبين، الامر الذي يتطلب خصوصا من نظام الاسد ان يحترم السلطة الشرعية فعلا لا قولا وان يمتنع عن تجاوزها وان يحترم ايضا ارادة الناخبين اللبنانيين وان يوافق على التعجيل في عملية ترسيم الحدود وان تتم معالجة مختلف القضايا العالقة بين البلدين بالحوار والتعاون والتفاهم وليس بالقوة والضغوط.

 

خامسا – التعامل مع المحكمة الخاصة بلبنان على اساس انها مسؤولية دولية وتحديدا مسؤولية مجلس الامن مما يعني استبعاد اي صفقة حولها ومما يتطلب من النظام السوري التعاون معها لكشف الحقيقة وتأمين العدالة ومعاقبة قتلة الرئيس رفيق الحريري ورفاقه وقتلة شخصيات وطنية اخرى، وهو ما يضع حدا لمنهج الاغتيالات السياسية وللافلات من العقاب ويعزز تاليا الامن والاستقرار والسلم الاهلي في لبنان.

 

سادسا – استخدام الحوار السعودي – السوري من اجل اقامة علاقات طبيعية بين لبنان وسوريا على اسس سليمة وصحيحة وبما يؤمن المصالحة الحقيقية المطلوبة بين هذين البلدين وشعبيهما بهدف تعزيز استقلال لبنان وسيادته وليس بهدف اخضاع هذا البلد مجددا للهيمنة.


 

الخلاف على نتائج الانتخابات

وأعلنت المصادر الديبلوماسية الاوروبية والعربية المطلعة ان الاسد رفض الاستجابة تماما وجديا لـ"العرض السعودي السخي" بل انه تصرف مع الانفتاح السعودي المشروط عليه كما تصرف مع الانفتاح الاميركي المشروط عليه، ذلك انه اقنع نفسه وحلفاءه "بان السعودية والأميركيين يتحاورون مع القيادة السورية من اجل ارضائها ودعم مطالبها وسياساتها وتوجهاتها"، في حين ان هذا الانفتاح يهدف الى احداث تغييرات جذرية في سياسات دمشق حيال لبنان وقضايا اقليمية اخرى في مقابل تطوير العلاقات السعودية – السورية والعربية – السورية والاميركية – السورية وتعزيزها.

 

وكما قال ديبلوماسي اوروبي مطلع "ان ثمة فارقا كبيرا وجوهريا بين تمسك النظام السوري بمنطق الهيمنة المباشرة او غير المباشرة على لبنان، وحرص السعودية على تصحيح العلاقات اللبنانية – السورية على اساس ان لبنان ليس جزءا من سوريا ولم يكن جزءا منها وانه ليس من حق النظام السوري تاليا طرح اي مطالب تتعلق بلبنان تهدد استقلاله وسيادته وتكون مرفوضة لدى الغالبية الواسعة من اللبنانيين وتتناقض مع مصالحهم الحيوية".

 

وقد تركز الخلاف السعودي – السوري الصامت وغير المعلن على طريقة التعامل مع نتائج انتخابات السابع من حزيران. والواقع ان النظام السوري لم يتدخل في هذه الانتخابات لانه كان واثقا من فوز حلفائه فيها ولانه كان يدرك ان تأثيره في المناطق الخاضعة لنفوذ القوى الاستقلالية ضعيف جدا او شبه معدوم. لذلك شكل فوز فريق 14 آذار وحلفائه في الانتخابات صدمة كبيرة لدمشق. ومذذاك اهتز التفاهم السعودي – السوري، ذلك ان نظام الاسد رفض تقبل فوز القوى الاستقلالية ورفض الانفتاح عليها واخذ يعمل مع حلفائه على الغاء نتائج الانتخابات او على تقليص تأثيرها الى ادنى حد من خلال طرح شروط تعجيزية للموافقة على تأليف حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري تضم الغالبية، والمعارضة معا. وكان هدف هذا التشدد هو دفع السعودية الى التراجع عن مطالبها المتعلقة بلبنان وتقبل التوجه السوري وهو ليس واردا اطلاقا، بل ان المطلوب سعوديا وعربيا واميركيا ودوليا هو تخلي النظام السوري عن مطالبه غير المشروعة المتعلقة بلبنان.

 

ورأى ديبلوماسي اوروبي مطلع "ان السعودية تريد انقاذ نظام الاسد من عقدته اللبنانية ومن رغبته في التسلط والهيمنة على لبنان لان هذا التوجه ألحق اضرارا بسوريا ولم يحقق لها اي مكاسب منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى اليوم. وفي المقابل يريد نظام الاسد المحافظة على علاقة جيدة مع السعودية، لكنه يريد استخدام هذه العلاقة لمصلحته ولمصلحة نفوذه وليس لمصلحة لبنان المستقل. ولذلك فان النظام السوري ليس مستعدا حتى الآن لان يعتاد التعايش والتعاون مع لبنان المستقل السيد المتحرر من قبضته، وهو لا يزال يعتقد انه قادر على تحقيق اهدافه في هذا البلد من خلال الاعتماد على استراتيجية الاذى والتخريب وزعزعة الامن والاستقرار فيه.

 

هذا الرهان خاطئ كليا وخطر ولن يؤدي الى تحقيق اهدافه في لبنان بل انه سيجلب له مزيدا من المشاكل وسيساهم في تأزيم علاقاته مع الدول التي ابدت استعدادا للانفتاح المشروط عليه".


بقلم عبد الكريم أبو النصر


المصدر: جريدة النهار

ملف فلسطين وغزة..في ذكرى 7 أكتوبر..

 الإثنين 7 تشرين الأول 2024 - 5:03 ص

الغزّيون ملّوا الحروب ويحلمون بحياة تشبه الحياة.. لا يهمهم مَن يحكم القطاع بعد وقف القتال..والهجر… تتمة »

عدد الزيارات: 172,983,989

عدد الزوار: 7,720,296

المتواجدون الآن: 0