متشددون من الاتحاد السوفياتي السابق يعطون «داعش» صبغة روسية
الثلاثاء 5 تموز 2016 - 7:00 ص 1571 0
متشددون من الاتحاد السوفياتي السابق يعطون «داعش» صبغة روسية
الحياة...بيركياني (جورجيا)، موسكو - رويترز -
في 2012، انطلق طرخان باتيراشفيلي من منزله في جورجيا - إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق - في رحلة مهّدت الطريق للهجوم الانتحاري الذي وقع الأسبوع الماضي في مطار إسطنبول. وقال والده تيمور (73 عاماً) لـ «رويترز» متذكراً قرار ابنه ترك قريته الشيشانية والتوجه إلى تركيا ثم إلى سورية: «قال لي: أبي يجب أن أشق طريقي في الحياة. هذه البلاد في غنى عني». وقال تيمور أنه فقد الاتصال بابنه بعد أن اتصل به مرة واحدة من سورية.
وقال مسؤولون في الأمم المتحدة ومسؤولون أميركيون أن باتيراشفيلي شكّل قوة من المقاتلين المتحدثين بالروسية تحت لواء تنظيم «داعش». ويرجّح أن المجموعة القادمة من الاتحاد السوفياتي السابق التي قتلت عشرات الأشخاص في مطار إسطنبول، يوم الثلثاء الماضي تفرّعت من هذه القوة. ويقول مسؤولون أتراك أن المهاجمين المشتبه بهم تربطهم صلات بتنظيم «داعش» وأنهم من روسيا وجمهوريتي الاتحاد السوفياتي السابق أوزبكستان وقرغيزستان. وذكرت وسائل إعلام تركية أيضاً أن أحمد شاتاييف وهو شيشاني الأصل يشتبه بأنه العقل المدبر للتفجيرات.
وكان هجوم مطار إسطنبول الهجوم الأكثر دموية الذي نفذه متشددون من الاتحاد السوفياتي السابق، خارج المناطق التي ينتمون إليها منذ تفجير ماراثون بوسطن في 2013 الذي نفذه شابان من أصل شيشاني هاجرت أسرتهما إلى الولايات المتحدة.
وقبل انفجارات إسطنبول بوقت، كان نفوذ باتيراشفيلي المكنى عمر الشيشاني وأتباعه القادمين من الاتحاد السوفياتي السابق محسوساً في المناطق التي يسيطر عليها «داعش» في سورية. وصار باتيراشفيلي الرجل الثاني في «داعش» إذ يشار إليه في قائمة أميركية لمطلوبين نقلت معلوماتها عن فيديو لـ «داعش» في 2014 باعتباره القائد العسكري للتنظيم. وليس بالإمكان الوصول إليه وليس واضحاً إن كان على قيد الحياة.
وجمع باتيراشفيلي حوله قادة من منطقة شمال القوقاز - التي تسكنها غالبية مسلمة في روسيا- ومقاتلين من آسيا الوسطى يؤدون مهمات كبيرة في التنظيم.
وتشير صور نشرت على الإنترنت إلى أن علامات الطرق في المناطق التي يسيطر عليها «داعش» مكتوبة أحياناً بثلاث لغات هي العربية والإنكليزية والروسية، وهو ما يشير إلى أهمية دور المتحدثين بالروسية. وفي كثير من الحالات تأثر هؤلاء المقاتلون بالانتفاضات الإسلامية في بلادهم التي تركوها تحت ضغط الحملات الأمنية وقد نالوا مكانتهم في «داعش» من خلال مهاراتهم العسكرية وقسوتهم.
رحلة باتيراشفيلي إلى «الجهاد» في الشرق الأوسط مهمة وذلك للدور القيادي الذي تقلده وكذلك لأنه نموذج لشبان الاتحاد السوفياتي السابق الذين صاروا متطرفين. نشأ باتيراشفيلي في وادي بانكيسي وهو منطقة نائية من جورجيا غالبية سكانها من طائفة كيست وهم شيشانيو العرق جاء أجدادهم إلى جورجيا ذات الغالبية المسيحية في القرن التاسع عشر.
وعندما انتفضت الشيشان في تمرد مسلح بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وقعت طائفة كيست بين المتقاتلين. ووصل آلاف اللاجئين من الشيشان إلى الوادي الذي استخدمه بعض المتمردين في إعادة التجمع والإعداد لهجمات.
باتيراشفيلي هو الأصغر من بين ثلاثة أشقاء ولدوا في قرية بيركياني. والده مسيحي ملتزم ووالدته كيتو ابنة لأب مسلم. وقال والد باتيراشفيلي لـ «رويترز» في القرية في أيار (مايو) في المنزل المتواضع الذي يعيش فيه بمفرده «لم تكن الديانة مشكلة في أسرتنا في أي وقت. دائماً كنت أصلي في الكنائس الجورجية».
انضم باتيراشفيلي للجيش الجورجي وخدم في وحدة للمخابرات الحربية. وشارك في حرب آب (أغسطس) 2008 عندما هاجمت القوات الروسية جورجيا. ولكنه مرض بالسل وقال والده أنه فُصل من الجيش بعد عامين من الحرب. وعاد باتيراشفيلي إلى وادي بانكيسي. وقال والده الذي يدخن السجائر ويشرب الخمر «حاول أن يجد وظيفة أخرى لكن ذلك كان صعباً».
وفي 2010، دهمت الشرطة الجورجية منزل الأسرة وعثرت على صندوق مليء بطلقات الخرطوش. وكانت الشرطة تشتبه بأن لباتيراشفيلي صلات بالإسلاميين المتشددين الناشطين في الوادي واتهم بحيازة أسلحة بشكل غير قانوني وقضى عامين في السجن وأفرج عنه بمقتضى عفو. وقال والده أن ابنه قال للأسرة بعد خروجه من السجن وعودته إلى البيت أنه لا يرى لنفسه مستقبلاً في جورجيا وأنه سيسافر إلى الخارج. وسافر إلى تركيا ومنها إلى سورية حيث انضم للإسلاميين الذين يقاتلون لإنهاء حكم الرئيس بشار الأسد.
ويستنكر الوالد نشاط ابنه المتشدد. لكن أفراد الأسرة الآخرين أشادوا به. وقالت خالته أسماء بورشاشفيلي: «خسرنا وطنياً كبيراً. ليس إرهابياً أبداً. هو بطل في نظر كثير هنا».
وبرز الشيشاني في القتال ضد قوات الأسد للسيطرة على مطار منغ العسكري وهو منشأة حربية مهمة في شمال سورية. وكان أحد قلائل القادة الإسلاميين أصحاب الخلفية العسكرية الاحترافية، وكان تحت إمرته في المعركة بضع مئات المقاتلين معظمهم من الاتحاد السوفياتي السابق.
وظلت مجموعة الشيشاني والمجموعات القتالية الأخرى تهاجم المطار عدة أشهر وفق مقاتل روسي اشترك في المعركة أضاف لـ «رويترز» أن عدداً من أصدقائه قتلوا. وقال المقاتل أن الهجمات شنت عشوائياً وكانت هناك خلافات بين القادة. ورغم ذلك، كسبت مجموعة الشيشاني ومعها المجموعات القتالية الأخرى المعركة في النهاية في منتصف 2013. وحوالى هذا الوقت انضم الشيشاني لـ «داعش». وكان الاستيلاء على المطار الذي ترك بعد ذلك للمقاتلين الأكراد أحد أكبر الانتصارات الأولى للمتشددين المتحدثين بالروسية وساعد «داعش» في كسب الأراضي.
وقال عدد من الجهاديين السابقين من روسيا لـ «رويترز» إنه في هذه المعركة وما تلاها من معارك في سورية والعراق قاتل المتشددون القادمون من منطقة شمال القوقاز - التي تضم الشيشان - بجانب مقاتلين من آسيا الوسطى. وكانت الروسية وسيلة تواصلهم ومن الطبيعي أنهم لم تكن لديهم حصيلة من العربية تكفي لفهم المقاتلين المحليين.
ويقول المقاتل الروسي السابق أن الشيشانيين لعبوا الأدوار الرئيسية في مجموعة الشيشاني. وقال «إذا لم تكن شيشانياً ولك صديق شيشاني فإنه سيظل صديقاً لك إلى أن يقابل شيشانياً آخر. بعد ذلك سينساك».
ووفق مذكرة أصدرتها الحكومة الأميركية التي عرضت ما يصل إلى خمسة ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تؤدي للإيقاع به، كبرت مجموعة الشيشاني لتصل إلى 1000 مقاتل بنهاية 2013. وربما يكون الشيشاني ساعد «داعش» في الاستيلاء على مدينة الموصل العراقية وهو النصر الذي جعل التنظيم أكبر تهديد أمني متشدد في الشرق الأوسط. وجاء في مذكرة الحكومة الأميركية، أنه وقت معركة الموصل أمر الشيشاني قوات «داعش» بالتوجه إلى العراق من سورية وأعلن تعبئة عامة لدعم الهجوم.
وتشير دلائل من أجهزة أمنية ومقاتلين إسلاميين إلى وجود متشددين من الاتحاد السوفياتي السابق في مدينتي الرقة والطبقة السوريتين ومحافظتي حلب وإدلب وكذلك عبر الحدود في الموصل.
وبالنسبة إلى المتشددين من الاتحاد السوفياتي السابق، القتال لـ «الجهاد» في سورية والعراق أفضل من البقاء في بلادهم. لقد دفعت حملة أمر بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شمال القوقاز المتمردين إلى الاختباء في الغابات الجبلية. وطبقاً لمعلومات جمعتها «رويترز» سهّل مسؤولون محليون في جزء من شمال القوقاز هو داغستان سفر المتشددين المعروفين إلى الخارج لينتهي بهم المطاف في سورية.
وبالنسبة للمتحدثين بالروسية الذين يريدون الانضمام إلى «داعش» تُعد تركيا نقطة تجمع مهمة. فلا يحتاج الأمر لتأشيرات دخول للروس والقادمين من آسيا الوسطى. واستقر البعض في تركيا وهم الذين لم يسافروا إلى العراق أو سورية أو قضوا بعض الوقت مع «داعش». وقال عدد من المقاتلين الإسلاميين السابقين لـ «رويترز» أن هناك في ضواحي إسطنبول جماعات من المتحدثين بالروسية ممن اضطروا لترك بلادهم بسبب ميولهم الإسلامية.
وليس واضحاً كم عدد المتشددين المتحدثين بالروسية في سورية والعراق، لكن بيانات رسمية تظهر أن تدفق المقاتلين القادمين من روسيا وآسيا الوسطى لم يتوقف.
وفي تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، قال بوتين أن ما بين 5000 و7000 متشدد من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق يقاتلون في الشرق الأوسط في صفوف جماعات متشددة.
وفي حزيران (يونيو) هذه السنة، رفع نيكولاي بوردوجا الأمين العام لتحالف عسكري يضم عدداً من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق هذا التقدير إلى عشرة آلاف متشدد.