الأمن النفطي السوري: تراجع مزدوج
آنا فيفيلد
("فايننشال تايمز" ترجمة نسرين ناضر )
لقد فاجأ التراجع في أسعار النفط الخام الدول المنتجة للنفط، لكن قلة سوف تتأثر بقدر سوريا التي تواجه هبوطاً سريعاً في العرض. للضربة المزدوجة تداعيات ضخمة على الاقتصاد.
يقول نبيل سكر، وهو خبير اقتصادي يرئس المكتب الاستشاري السوري "الطاقة مشكلة، قدرتنا على توليد الطاقة هي دون الطلب، واحتياطي النفط لدينا يتراجع، في حين أن احتياطي الغاز لم يتطور بالسرعة الكافية". غالباً ما يشير المحللون إلى أن الموارد السورية المتناقصة هي أحد الأسباب الأساسية وراء حاجة البلاد إلى إنهاء عزلتها الدولية، وقد انطلقت هذه الآلية مع تحسين العلاقات مع أوروبا. لقد زار وزير الخارجية البريطاني، ديفيد ميليباند، دمشق هذا الأسبوع [الأسبوع الماضي] في أحدث مؤشر عن الانفراج في العلاقات بين الغرب وسوريا.
بينما كانت سوريا تواجه ضغوطاً من الولايات المتحدة ودول غربية أخرى على خلفية اتهامها بالتدخل في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية، كافحت من أجل الصمود الاقتصادي.
يشكّل قطاع الطاقة جزءاً كبيراً من اقتصادها، وكانت العائدات النفطية تموّل ربع النفقات في القطاع العام الضخم في البلاد. قبل خمسة أعوام، كان النفط يشكل أكثر من نصف الدخل السوري البالغ 29 مليار دولار، أما العام الماضي فلم يساهم سوى بـ3.8 مليارات دولار من العائدات التي بلغ مجموعها 22 مليار دولار.
يقول صندوق النقد الدولي إن دمشق سوف تواجه عجوزات غير مستدامة في الموازنة بحلول سنة 2015 إلا إذا وجدت مصادر دخل جديدة.
الهبوط في الإنتاج النفطي – تراجع بمعدل 6.5 في المئة ليصل إلى 394 ألف برميل في اليوم العام الفائت ومن المتوقع أن ينخفض أكثر – سوف يلقي بثقله أيضاً على النمو الذي بلغ متوسطه 4.5 في المئة في الأعوام الثلاثة الماضية، بفضل النفط في شكل أساسي.
تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن القطاعات غير النفطية في الاقتصاد تقلّصت بنسبة 7.3 في المئة العام الماضي، أي أسوأ من نسبة الـ 6.4 في المئة التي سُجِّلت قبل عام. ويعاني القطاع الزراعي السوري في شكل خاص من أسوأ جفاف يصيب البلاد منذ 40 عاماً، والذي عرّض مليون شخص لخطر سوء التغذية وتسبّب بخسارة أكثر من مئة ألف مزارع لنصف مواشيهم.
غير أن تحفيز القطاع غير النفطي وتطوير مصادر جديدة للنمو سوف يكون صعباً إلا إذا وُجِد حل للنقص في الطاقة، إذ تفتقر سوريا إلى إمدادات الطاقة لتشغيل صناعات جديدة.
والقطاعات الأساسية للتصنيع – مثل الإسمنت والفولاذ – هي من القطاعات التي تلقّت الضربة الأسوأ بسبب النقص في الطاقة. وتفرض الحكومة الآن على كل من يريد بناء مصنع يستهلك الكثير من الطاقة، إنشاء معمل لتوليد الطاقة الكهربائية، وهذا استثمار ضخم يمنع البعض من التوسّع في الوقت الذي تحتاج فيه سوريا إلى مثل هذه المنتجات في قطاع البناء.
محطات الطاقة الكهربائية التي تعمل في شكل أساسي على النفط والغاز الطبيعي، غير قادرة على تلبية الطلب. يجري بناء مصانع جديدة، بما في ذلك بعض محطات الطاقة الشمسية التي تموّلها استثمارات خليجية. غير أن الخطط التي وضعتها سوريا لتوليد ثلاثة آلاف ميغاواط إضافية من الطاقة الكهربائية بحلول سنة 2010 تعاني من التأخير.
يرى بعض المحللين في أزمة الطاقة فرصة لإجراء إعادة تنظيم جذرية للاقتصاد وتسريع إعادة الهيكلة. يقول نسيب غبريل، رئيس قسم الأبحاث في بنك بيبلوس في لبنان "إنهم يعون تماماً الحاجة إلى زيادة العائدات غير النفطية، واتّخذوا سلسلة من الإجراءات في هذا الاتجاه. وهكذا من شأن الهبوط المفاجئ في أسعار النفط العالمية أن يساهم في تسريع تطبيق الإصلاحات".
وقد بدأ السياسيون المحبِّذون للإصلاح يستعملون الحاجة إلى التغيير في قطاع الطاقة لتطبيق أفكار حساسة في "اقتصاد السوق الاجتماعي" في سوريا.
يلفت عبدالله الدردري، نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، إلى إنه يتعين على القطاع الخاص أن يؤدّي دوراً أكبر في تأمين الكهرباء. يقول "نحن في صدد وضع سياسة للشراكة مع القطاع الخاص من أجل جلب استثمارات في قطاع الطاقة. الأسعار الصحيحة هي الشرط المسبق الأساسي للحصول على سياسة مستدامة في مجال الطاقة".
يشار إلى أن الكهرباء والنفط مدعومان بقوة من الحكومة منذ عقود. وتتوقع الحكومة إنفاق سبعة مليارات دولارات على دعم الطاقة هذه السنة.