برلين... عالم جديد وافد من أوكرانيا يحمل بصمات بوتين...

تاريخ الإضافة الجمعة 20 أيار 2022 - 5:53 م    عدد الزيارات 1115    التعليقات 0

        

برلين... عالم جديد وافد من أوكرانيا يحمل بصمات بوتين...

«الشرق الأوسط» زارت الجدار القديم في قارة تتخوف من الجدار الجديد...

برلين...غسان شربل... الصحافيون كحفاري القبور. يعتاشون من مآسي العالم. يحلمون بالحضور عند المنعطفات. ومن عادة هذه الأحداث الكبرى أن تكون مبللة بالدم وباهظة للاقتصاد ومنجبة للاجئين. يبتهج الصحافيون بالكتابة من مسرح الزلازل. وها أنا أفعل. بعد قليل من وصولي إلى برلين شممت «نهاية حقبة». ختام فصل من عمر أوروبا والعالم. وولادة فصل يحمل بصمات القيصر الجالس على عرش لينين. قبل ثلاثة وثلاثين عاماً، أوفدتني «الشرق الأوسط» إلى هذا المكان. شهدت مع جيش من الصحافيين احتضار أشهر جنرالات النصف الثاني من القرن الماضي. كان اسمه جدار برلين. وتقول التجارب إن الصحافيين يحنّون إلى مسارح الهزات العنيفة كما يحن المرتكب إلى مسرح جريمته. ربما لهذا اصطحبت حقيبتي إلى تلك المدينة. ولعلني كنت مدفوعاً بالرغبة في مشاهدة نهايات العالم الذي ولد من انهيار ذلك الجدار. ..... ...

حين نمت قرب الجدار في 1989، لم أكن أعرف اسم الرجل الذي يقولون اليوم إنه قتل عالَماً وأعلن ولادة آخر. ولم يكن ثمة ما يبرر أن أعرف اسمه. كان رجلاً مجهولاً يعمل في جهاز غامض ويعيش باسم مستعار. وكانت مهمته شائكة. كشف جواسيس وتطويع جواسيس. وكان مدرباً على نشاطات حساسة. الإفلات من الرقابة أو الملاحقة. والكتابة بالحبر السري. والقدرة على تسديد ضربات موجعة إذا اقتضى الأمر. كان الكولونيل يقيم في درسدن، أي في بلاد «الرفاق» في ألمانيا الشرقية. وحين تداعى الجدار أحرق بعض الأوراق وغادر عائداً مع خيبته لينتظر التوجيهات الجديدة من رؤسائه في إمبراطورية «كي جي بي». وستُضاف إلى الخيبة جروح عميقة حين تطل روسيا من الركام السوفياتي وتخونها جمهوريات كثيرة كانت تقيم في قبضة الحزب. كان اسم الكولونيل المجهول فلاديمير بوتين، وسننفق في القرن الجديد آلاف الساعات في رصد خطواته والبحث عن بصماته. في أيام الزلزال القديم كان من الصعب تخيل العواقب بدقة. التهمتني الأسئلة. الجدار حدود دولة وحدود إمبراطورية. ويصعب تخيل انتحار إمبراطورية كاملة من دون حرب عالمية أو وجبة دموية هائلة. قبل ثلاثة أعوام من ذلك الموعد، وتحديداً في 1986، تيسر لي أن أعاين أركان الإمبراطورية مع أوسمتهم وهالاتهم تحت سقف واحد هو سقف الكرملين. ذهبت لتغطية أعمال المؤتمر الـ27 للحزب الشيوعي السوفياتي، الذي كان مقرراً أن يشهد إطلالة ميخائيل غورباتشوف الأولى على الإمبراطورية والعالم. كان الدخول إلى قاعة المؤتمر محظوراً على الصحافيين، لكن قيادياً فلسطينياً يسارياً أعارني بطاقته فتسللت إلى حيث احتشد أكثر من ألفي مندوب. جلست قلقاً من أن أطرد إذا اكتُشف أمري. لكن الحدث كان يستحق. كان مشهد المنصة مهيباً. في الوسط جلس غورباتشوف وقربه بعض الأركان بينهم أندريه غروميكو، ثم قادة أوروبا الشرقية وقادة الدول الصديقة. صفق الحاضرون بإجلال لرجلين، الأول غورباتشوف والثاني فيديل كاسترو، الذي جاء مع تاريخه ولحيته وثيابه الزيتونية. وفي تلك الجلسة، ألقى الزعيم السوفياتي قنبلتين ستنفجران ببلاده، وهما «البيريسترويكا» و«الغلاسنوست»، أي إعادة البناء والشفافية. وفي تلك الأيام لم يكن أحد يتحدث عن الضابط المجهول الذي يحب أفلام جيمس بوند. في السنة الأولى من تسعينات القرن الماضي سيتطاير لحم الاتحاد السوفياتي، وفي اليوم الأخير من العقد سيطل فلاديمير بوتين من الكرملين حاملاً مشروع ثأر يقولون إنه طبخ في الغرفة العسكرية - الأمنية التي هالها إذلال روسيا وبتر أطرافها السوفياتية. ولد مشروع الثأر الكبير من معاناة ومشاهد. التدهور الاقتصادي وانخفاض الروبل. وإقدام ضباط «الجيش الأحمر» على بيع بزاتهم مع أوسمتها في شوارع المدن. وترنح حكم بوريس يلتسين على أنغام الفساد. وشعور روسيا بالإذلال والحصار بعدما بات السفير الأميركي الرجل الأقوى في البلاد، واعتبر أن من حقه مطالبة بلاد لينين باعتناق النموذج الغربي الذي هزمها. كان لا بد من العودة إلى برلين. أعلن زلزال الجدار ولادة عالم جديد. عالم القوة العظمى الوحيدة والانتصار الأميركي الفاحش. وثمة من يرى أن الزلزال الأوكراني يعلن اليوم احتضار ذلك العالم وولادة عالم جديد يحمل بصمات بوتين.

أطلق النار على «القرية الكونية»

برلين مكان حساس لقراءة عبء الحرب الروسية في أوكرانيا. ومن المبكر التكهن بما ستؤول إليه المغامرة الروسية. واضح أن بوتين سدد ضربة شبه قاتلة إلى العالم الذي بني على ركام الاتحاد السوفياتي. ثمة من يعتقد أن اجتياز الدبابات الروسية الحدود الدولية مع أوكرانيا أعلن نهاية الاستقرار الذي حمله عالم ما بعد سقوط الجدار. فالحرب الروسية في أوكرانيا أخطر بكثير من التحديات الدموية التي شهدها العالم في العقدين الماضيين. ما فعله بوتين أخطر بما لا يقاس مما فعله أسامة بن لادن، حين نقل حرب الإرهاب إلى الأرض الأميركية. وأخطر بكثير مما فعله أبو بكر البغدادي حين أطل من الموصل فاتحاً الباب لـ«دولة الخلافة» والتجربة الدموية التي أعقبتها. الاجتياح الروسي لأوكرانيا أخطر أيضاً من حرب أميركا في أفغانستان والعراق. والسبب بسيط. لقد هزت حرب بوتين في أوكرانيا دعائم النظام الدولي. فبعد هذه الحرب لن تكون أوروبا ما كانت عليه، ويصدق الأمر نفسه على العالم بأسره. نحن في الطريق إلى عالم جديد. يراهن كثيرون أنه سيكون عالماً متعدد الأقطاب، لافتين إلى أن حرب أوكرانيا ما كانت لتقع لولا تزايد الشعور ببدايات غروب العصر الأميركي. وهناك من يرى أن أميركا باتت عاجزة عن لعب دور الشرطي على امتداد العالم. ويضيف هؤلاء أن أميركا لم تعد قادرة أيضاً على الادعاء أن النموذج الغربي هو الممر الوحيد والإلزامي للتقدم التكنولوجي ومكافحة الفقر بعد تجارب الصين ودول أخرى. لقد أطلق بوتين النار على مرتكزات «القرية الكونية».

الأكيد هو أن الحرب في أوكرانيا فرضت تعديلاً كبيراً على لائحة الأولويات الغربية. كانت أميركا تتحرك لتركيز سياستها وقدراتها على احتواء الصعود الصيني. بدأ الحديث جدياً أن الحزب الشيوعي الصيني هو المنافس الأخطر إذا تم تفادي تسميته العدو الأول. فجأة دقت أجراس الإنذار في عواصم حلف الأطلسي. الخطر الروسي يقرع الأبواب الأوروبية ويعيد إيقاظ أشباح كانت القارة القديمة اعتبرت أنها دفنتها إلى غير رجعة. أصاب المشهد الأوروبيين بالذهول. ملايين اللاجئين الأوكرانيين يتوزعون على البلدان الأوروبية المجاورة. مشاهد غير مألوفة لم تعرف أوروبا مثيلاً لها حتى في ذروة الانفجار اليوغوسلافي. ذهب الرئيس الروسي في الحرب إلى حد يتعذر عليه العودة منها من دون إنجاز انقلاب يفوق قدرة الغرب على الاحتمال. لا يستطيع بوتين أن يرجع خاسراً. ولا يستطيع الغرب رؤيته منتصراً. وقع العالم في فخ كبير. يراقب الأوروبيون بقلق قيام دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن بفرض جراحة قسرية على خريطة دولة أوروبية مستقلة. الحرب الحالية في أوكرانيا أخطر بكثير من استعادة روسيا القرم في 2014. أخطر بكثير أيضاً من التدخل العسكري الروسي في سوريا في السنة التالية. عالم متعدد الأقطاب. لكن ماذا لو أدمت العقوبات الغربية غير المسبوقة الاقتصاد الروسي؟ وفي هذه الحال هل يتراجع موقع روسيا لتتكرس ثنائية التنافس الأميركي - الصيني؟ وهل سيضطر بوتين إلى أن يكون الأخ الأصغر في التحالف الروسي - الصيني؟

السائق الألماني لا يريده أن ينتصر

أسئلة أخرى. هل يمكن أن تحقق الحرب عكس ما أراده بوتين؟ هل تؤدي التجربة الدموية في أوكرانيا إلى تجديد شباب حلف «الناتو» وتوسيع حضوره بانضمام السويد وفنلندا إلى صفوفه؟ وهل ستنخرط روسيا في سباق تسلح كذلك الذي أنهك الاتحاد السوفياتي؟ لقد تغيرت أوروبا. دولها تزيد إنفاقها الدفاعي. وألمانيا التي أقامت طويلاً تحت مظلة التردد والحذر كسرت حاجز الخوف. أرسلت أسلحة إلى أوكرانيا، وأقرت مبلغ مائة مليار يورو كإنفاق دفاعي إضافي. وأمام السخاء الأميركي الواضح في دعم أوكرانيا، عاد الأوروبيون إلى الاعتقاد أن لا غنى لهم عن الجنرال الأميركي حين تحدق بأوروبا أخطار كبرى. كنت أقلب هذه الأسئلة حين قررت القيام بجولة ليلية في برلين. سألني السائق إن كنت سائحاً، فتذكرت أن الصحافيين هم من أسوأ أنواع السياح. كلما نزلوا في مدينة يحاولون التعرف على أوجاعها ومكان الخطر في حياتها. استوقفني أنه ألماني وأنه يراهن دائماً على نقل السياح. ولأن السائق هو عادة دفتر المدينة قلت أسأله عن الموضوع الذي جئت من أجله. اسمه ديتر غروسمان. لم يكن يتوقع على الإطلاق أن يرى تدفق مئات آلاف اللاجئين الأوروبيين على بلاده. يتذكر تدفق مئات آلاف اللاجئين السوريين «لكنهم جاؤوا من منطقة بعيدة». ربما كان يقصد أنهم جاؤوا من عالم آخر يصر على إنجاب اللاجئين. قال: «نحن تجربتنا مريرة. كنت أعارض إرسال أسلحة ألمانية إلى أي بقعة في العالم. لا أريد أن تنخرط ألمانيا في نزاعات. يكفيها كم دفعت في القرن الماضي. لكنني اليوم أؤيد إرسال أسلحة إلى أوكرانيا بعدما شاهدت على الشاشات ما تفعله القوات الروسية هناك. طبعاً من دون الانخراط مباشرة في المواجهة العسكرية». وأضاف: «الحقيقة هي أنني خدعت كما خدعت معظم الدول الأوروبية. كنت ساذجاً. اعتقدت أن بوتين يريد استعادة قوة بلاده لكن ضمن حدودها، وأنه سيركز جهده على تنمية اقتصادها. لدي قناعة راسخة أن بوتين يجب أن يخسر الحرب. لا نريد العيش في عالم يقوده أمثال بوتين و(رجب طيب) إردوغان. يجب أن يخسر كي لا يكرر التجربة في مكان آخر. لم أكن مؤيداً لزيادة الإنفاق على التسلح لكنني الآن غيرت موقفي تماماً». قال ديتر إنه «يكن تقديراً عميقاً للمستشارة السابقة أنجيلا ميركل. كانت فترة حكمها الطويلة فترة استقرار وازدهار. كانت صاحبة موقع مميز أوروبياً ودولياً وكانت نزيهة وتحظى بتأييد واسع. استغرب أن لقاءاتها المتكررة مع بوتين لم تمكنها من قراءة نياته الحقيقية. أنا يحق لي أن أكون ساذجاً لكن لا يحق للحاكم أن يكون كذلك. لقد تركت ألمانيا تعتمد بنسبة تزيد على ستين في المائة على الغاز الروسي وهو حيوي للتدفئة والصناعة. لا يجوز ترك مصير ألمانيا في عهدة رجل أظهرت حرب أوكرانيا أنه مريض وشديد الخطورة. ها نحن نعود إلى القلق. والفواتير ترتفع. وقد تكون مشكلة ألمانيا أقل من مشاكل بولندا ودول البلطيق». وأضاف: «أنا أكره الحرب. دفعنا الثمن غالياً. والدي قاتل في القرم وسانت بطرسبرغ في أيام هتلر. وعانى جيلنا طويلاً من الاتهامات والإرث. لا نريد الحرب لكنني أشعر أن أوروبا لن تكون آمنة إذا انتصر بوتين. العالم نفسه لن يكون آمناً». لم ينكر وجود انقسام في الرأي العام الألماني حول درجة دعم أوكرانيا بالسلاح. وختم: «فوجئت بالصلابة التي أبداها الأوكرانيون. يستحقون الدعم. وفاجأني أن يقف الرئيس زيلينسكي بشجاعة وبراعة في وجه الرئيس الروسي وآلته العسكرية والإعلامية».

صورة السيد الرئيس

على مسافة مئات الأمتار من الفندق يرفرف علم أوكراني. فاجأني وجود صور لبوتين ملقاة أرضاً وعلى مقربة منها سيدة ترفع لافتة تندد بقتل الأطفال والنساء في أوكرانيا. خلتها أوكرانية للوهلة الأولى. وحين سألت قالت إنها متطوعة ألمانية تتحرك بمبادرة فردية ضد «الجريمة التي تنفذ على أرض أوكرانيا». استفسرت عن صور بوتين فأجابت: «هذا مكانها الطبيعي في ضوء تصرفاته. إنه رجل شديد الخطورة على العالم. السكوت يعني تكرار التجارب التي قتلت شعوباً بكاملها». لم أكن أتوقع أن تبادر سيدة ألمانية إلى إلقاء صور بوتين في الشارع لتعريضها لإهانات من قبل العابرين. فاجأ بوتين كل الذي راهنوا على براعته في تفادي توريط بلاده وتوريط العالم معها. اعتقدت أسوة بكثيرين أنه سيحرك قواته على حدود أوكرانيا لإثارة الخوف من حرب لن تقع ولن يقع فيها. وأنه سيرجع من المناورات ببعض المكاسب والتطمينات.

أحزان الزائر الأوروبي

على شرفة الفندق المقابلة لبوابة براندنبرغ نزل الليل لطيفاً. كنت أراجع ما سمعته أثناء النهار. لفتني رجل يجلس قريباً مكتفياً بالتحديق في البوابة والعابرين. وحين تسلل شيء من البرد إلى الطقس طلب كأساً جديداً ليحتمي منه. ولأن الصحافي مزعج بطبيعته قلت أخترق عزلته وأطرح عليه الأسئلة نفسها. فوجئ السيد هنري بمبادرتي. قال إنه أمضى العمر مجهولاً ولم يشاهد اسمه أو صورته في صحيفة ولن يغير عادته. ثم استدرك أنه لا يمانع أن نتبادل الحديث كنزيلين في الفندق نفسه. قال: «أنا فرنسي لكنني أوروبي بالقدر نفسه. أحب برلين وأزورها بين وقت وآخر. لهذه الزيارة طعم مختلف. أعتقد أننا نتجه إلى أيام أوروبية سيئة. المسألة أكبر من ارتفاع أسعار السلع الغذائية وفواتير التدفئة. فكرة أوروبا نفسها مطروحة على الطاولة. كانت دول القارة تستعد لإنفاق المزيد على جهود البيئة والمناخ والتعليم والابتكار، وها هي تقرر إنفاق المزيد على الدبابات والمسيّرات والصواريخ. هذا تغيير كبير جداً». وأضاف: «لم أكن يوماً معجباً بالسياسة الأميركية. وأعتقد أنه كان من واجب أميركا أن تدس بعض الماء في نبيذ نشوتها بانهيار الاتحاد السوفياتي، وأن تراعي مشاعر روسيا الطبيعية منها والمصطنعة. لم تفعل. ربما لذلك كان لدي قدر من التعاطف مع بوتين. لم أتوقع أبداً أن يتسبب في هذه المأساة. أعتقد أن اقتصاد بلاده سيدفع غالياً ثمن مغامرته. ستزداد حياة الروس صعوبة وستتخلف بلادهم عن ركب التقدم التكنولوجي، وستترسخ كراهية الغرب في نفوسهم وهي موجودة أصلاً. إننا لا نتحدث عن كوريا الشمالية أو إيران. إننا نتحدث عن أمة عظيمة اسمها روسيا فرضت الجغرافيا على أوروبا أن تتعايش معها». ورأى أن «نجاح بوتين في تحطيم أوكرانيا لا يعد انتصاراً في المدى البعيد. أعتقد أن الصين قد تكون الرابح الكبير إذا استمرت في إدارة موقفها من الأزمة من دون الوقوع في الاستقطاب. كان على بوتين أن يفكر ملياً لماذا لم تحاول الصين استرجاع تايوان بالقوة. أنهكت (كورونا) العالم وها هي الحرب في أوكرانيا تضاعف مآسيه». وختم قائلاً: «أنا متشائم فقد تكون الأيام الأوروبية الجميلة انتهت. وعلينا ألا ننسى أننا فيما نتكلم على شرفة فندق جميل، هناك أم أوكرانية تبكي على ابنها أو بيتها. وهناك أم روسية استقبلت جثمان ابنها الجندي العائد في نعش من أوكرانيا. هذه المشاهد ستغير أوروبا وتغير معها العالم». ما أصعب النوم قرب المكان الذي توارى منه جدار برلين. وما أصعب التكهن ما إذا كانت الحرب الروسية ستؤدي إلى قيام جدار يقسم أوكرانيا على غرار ما فعله الجدار السابق بألمانيا. إذا كان صحيحاً أن الغرب اتخذ قراراً حاسماً بمنع بوتين من الخروج منتصراً من حربه الحالية، فإننا سندفع بالتأكيد ثمن الاستنزاف المتسارع في أوكرانستان.

برلين... حقائب أوكرانية ومرارات سورية وخيط روسي

«الشرق الأوسط» زارت الحضن الألماني حيث يلتقي اللاجئون باللاجئين

(الشرق الأوسط)... برلين: غسان شربل... كانت المدرسة قريبة من المخيم فأخذونا إليه. تدربت باكراً على أوجاع اللاجئين. شاهدت المسنين الذين ضاعف التهجير التجاعيد في وجوههم. شممت رائحة يأسهم من فرط الانتظار. عاينت العائلات المحتشدة في غرف مرتجلة تشبه الخيام. ورأيت الأولاد يلعبون في الأزقة حيث تتدفق مياه غير صحية. قرأت حسرة الأمهات يكابدن لإسكات جوع الصغار وينتظرن الإعاشة من المنظمات الدولية. واستمعت إلى روايات الذين احتفظوا بمفاتيح المنازل التي هجروها حالمين بالعودة إلى تحريك المفاتيح في أقفالها. قبل ثلاثة أعوام عدت إلى المخيم الفلسطيني المقيم على أطراف صيدا في جنوب لبنان. أكل الصدأ المفاتيح واغتال حلم العودة. أجيال تراكمت حزينة في وطن صغير اسمه المخيم. الشبان الذين عثروا على فرصة للنجاة منه ألقوا بأنفسهم في بلاد الله الواسعة. ومن لم يجرؤ على المغامرة يهدر أيامه في المخيم بعدما أقلع عن الرهان على الضمير العالمي وقرارات الأمم المتحدة. لا غرابة أن تلازم هذه المشاهد الموجعة الصحافي الوافد من الشرق الأوسط الرهيب وهو منطقة منجبة للاجئين. وشاءت المهنة أن ألتقي لاحقاً بلاجئين فروا من أفغانستان أو العراق أو سوريا أو إثيوبيا. فروا من وطأة قساة الداخل أو قساة الخارج. وفروا من الجفاف والعطش والحروب الأهلية التي لا تنتهي. في سبتمبر (أيلول) 2015، تدفق السوريون عبر حدود ألمانيا. اتخذت المستشارة أنجيلا ميركل قراراً تاريخياً شجاعاً. شرعت الأبواب أمام الذين تركوا كل شيء وجاءوا. تركوا السقوف التي ترد المطر. والجدران التي تحمي. والأرض التي كانت ترد الجوع. ذهبت يومها إلى برلين واستمعت إلى قصص راعبة. لا أستطيع نسيان ما قاله لي شاب سوري استقل أحد «قوارب الموت» للوصول إلى الأرض الأوروبية. سألته عن شعوره بعدما استقبلته ألمانيا، فقال: «الوضع ممتاز... ثلاث وجبات ولا بعث هنا ولا داعش». ما أوجع أن يحتفي هارب من وطنه بثلاث وجبات يوفرها مركز اللجوء في بلاد بعيدة وغريبة. لا غرابة أن تضخ دولنا الفاشلة وبلداننا المتصدعة سيلاً من اللاجئين في عروق العالم. لكن لم نكن نتوقع أن تستيقظ أوروبا ذات يوم وتنهمك بإيواء قوافل من اللاجئين الأوروبيين أطلقها الجرح الأوكراني الذي هز القارة المستقرة وأيقظ شياطينها القديمة. دفعني الفضول الصحافي إلى العودة إلى برلين للقاء اللاجئين الجدد ومن دون تناسي أبناء الموجة السابقة. في المحطة المركزية للقطارات في برلين تنتظم صفوف الواصلين حديثاً. يجدون في استقبالهم عدداً من الموظفين والمتطوعين. أغلبية المنتظرين من النساء والأولاد. اكتفى عدد من الرجال بإيصال العائلات إلى مكان آمن واختاروا العودة إلى أوكرانيا للقتال أو «المساهمة في تعزيز صمود السكان».

لا يبقى إلا حقيبة

قافلة لاجئين وقافلة حقائب. ما أصعب أن لا يبقى لك من بلادك إلا حقيبة وأن تلقي بنفسك معها في بلاد أخرى منتظراً أن يتكرم المضيفون عليك بعنوان، وإن مؤقتاً. مشهد الحقائب يكسر القلب. كأن الحقيبة نعش يحمل جثة الوطن ورائحة التراب ورماد الذكريات. تذكرت الشاعر الكبير محمود درويش الذي كان يذهب في غنائيته ومخيلته إلى حيث يتعذر الذهاب. «وطني ليس حقيبة، وأنا لست المسافر». في الرحلة الأوكرانية لا وجود لقوارب الموت. القطارات هي وسيلة الفرار. أبرز المحطات بولندا ومنها بالقطار إلى عناوين أخرى بينها ألمانيا. في عيون المنتظرين قلق من لا يعلم ما ستحمله الأيام. ابتعدوا عن الصواريخ والقنابل الروسية لكنهم لا يعرفون كم سيطول الغياب وماذا تخبئ أيام الغربة. يحاولون إقناع أنفسهم أن هذه الرحلة القسرية لن تطول. بينهم من يراهن على تطور دولي يفرض وقف الحرب. وبينهم من يتزايد اقتناعه أن حرباً طويلة قد بدأت وأن أبواب العودة لن تفتح ما لم تخسرها روسيا. يفضل معظم الأوكرانيين الوافدين البقاء في برلين. لكن ذلك غير متاح لأن السلطات الألمانية مهتمة بتوزيع العبء على مناطق مختلفة لضمان توافر الخدمات والتسهيلات. الخائفون من حرب طويلة يحلمون بتعليم أبنائهم باللغة الأوكرانية لكن ذلك صعب. يتساءلون عن مصير السنوات الدراسية إذا ألحقوا صغارهم بمدارس ألمانية. طلبت المسؤولة عن المركز عدم الاتصال بالوافدين ثم اكتفت بمنع تصوير الفيديوهات. أحد المتطوعين المعنيين باستقبال اللاجئين لفت إلى أن عدد الواصلين إلى أوكرانيا اقترب من ستمائة ألف لاجئ. قال إن معدل الواصلين يومياً يتراوح ما بين ألف وألفين في حين كان ارتفع في بدايات الحرب إلى عشرات الآلاف يومياً. أضاف أن معظم الذين وصلوا يعتقدون أن إقامتهم ستكون قصيرة بانتظار عودتهم إلى بلادهم، لكن التجارب السابقة تؤكد صعوبة الجزم في هذه المواضيع، خصوصاً إذا تبين لاحقاً أن حجم الأضرار التي لحقت بالأماكن السكنية والبنية التحتية واسع كما يتردد. أكد أن السلطات تبذل كل ما في وسعها لتوفير الإيواء والغذاء والعناية الطبية، مشيراً إلى ارتفاع عدد المقيمين في برلين وميونيخ وكولون. ولفت إلى صعوبة إضافية تتمثل في أن العملة الأوكرانية غير قابلة للتحويل في الوقت الراهن. في قاعة قريبة وبانتظار التوجه إلى مراكز الإيواء يتوزع الواصلون على طاولات ويتناولون الطعام والمشروبات. صوفي شابة في الحادية والعشرين. جاءت من مدينة خيرسون الواقعة على البحر الأسود في جنوب أوكرانيا. لم تصدق في البداية أن الحرب ستنشب وستطول. قالت إنها انتظرت في الأيام الأولى مراهنة أن يتدخل العالم لوقف الاجتياح الروسي. روت كيف أن القنابل «لم تستهدف فقط المراكز العسكرية، بل انهمرت في كل اتجاه، ما جعل الحياة جحيماً». لا ماء ولا كهرباء واندلعت حرائق كثيرة في الأبنية. نفدت كميات الغذاء وصارت الشوارع مقفرة ولم يبق غير الفرار. وهذا ما حصل. تقول صوفي إنها تشك في احتمال عودة قريبة «لأن العيش في ظل الاحتلال الروسي مستحيل». تنهمر دموعها وتستخدم في وصف الجنود الروس عبارات مفرطة في القسوة بينها «وحوش». لارينا، رفيقة صوفي في جامعة خيرسون وفي رحلة اللجوء، تقول إن العودة إلى أوكرانيا حتمية، مشيرة إلى أن الأوكرانيين لن يستسلموا، ويعدون أنفسهم لمقاومة واسعة لإرغام الروس على المغادرة. تقول إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «خدع العالم بأسره» وتصفه بأنه «إرهابي يسعى إلى تركيع أوكرانيا مقدمة لتركيع دول أخرى. وعلى العالم أن يوقفه». تحمل بشدة على الجنود الروس وتتهمهم بارتكاب «فظاعات في حق النساء والأطفال». وتقول إن الطيران الروسي قصف مستشفيات ومدارس لأنه أراد جعل المناطق غير صالحة للحياة. تبدو لارينا كأنها تتمسك بخيط أمل، حين تؤكد أن «الجنود الأوكرانيين يقاتلون بشجاعة لكن ليس لديهم ما يكفي من الأسلحة». أشادت بالدعم الغربي لبلادها وقالت إنها تتطلع إلى المزيد منه، وشكرت ألمانيا على المساعدات التي تقدمها للاجئين وحسن المعاملة. قبل أن تعود لتؤكد أن الأوكرانيين لا ينوون الاستسلام «مهما كان الثمن»، لافتة إلى أن بلداناً أخرى ستواجه مصير أوكرانيا إن لم يردع العالم الرئيس الروسي «الذي يحن إلى أيام الاتحاد السوفياتي». تبتسم حين تسألها عن «النازيين» الذين جاء الجيش الروسي لاجتثاثهم، وتقول: «هذا التضليل هدفه تبرير الحرب. في أوكرانيا، كما في بلدان أوروبية، مجموعات من اليمين المتطرف ليست موجودة في الحكم أو القرار. لم تبادر أوكرانيا إلى شن الحرب. روسيا هي التي بدأت وحسابات بوتين أبعد من أوكرانيا».

بكاء وصلاة وفرار

جاءت إيرينا كوفالينكو إلى برلين مع ابنتها وأمها وخالتها. كانت في كييف لدى انطلاق الحرب. توهمت أن القصة قد تنتهي سريعاً. انتقلت إلى قرية خارج العاصمة لتنتظر وقف الحرب. أمضت ثمانية أيام «في البكاء والصلاة والصراخ والهروب إلى الأماكن التي يعتقد أنها آمنة. استولى علينا الرعب حين رحنا نشاهد الأبنية المهدمة والبيوت المحروقة والشوارع الخالية وسط دوي الصواريخ والغارات. هرب النوم من عيوننا وانتابتنا مشاعر لا يمكنني التعبير عنها. مشينا على مدى ثلاثة أيام إلى أن تيسر لنا الانتقال إلى بولندا وسط الخوف من احتمالات الموت على الطرقات». تقول إن الحزن كان مخيماً على الأوكرانيين الذين احتشدوا في القطارات بحثاً عن بلاد بعيدة عن القنابل. تبكي إيرينا وتلملم دموعها. فقدت «البيت والطمأنينة والبلاد الجميلة والغنية». تريد مدرسة لابنتها وتريد لها تعليماً بالأوكرانية. يخيفها أن المستقبل غامض. مستقبلها ومستقبل بلادها. لا تصدق أن أوكرانيا كانت مصدر تهديد لروسيا. تتحدث عن «أهوال ارتكبها الجيش الروسي»، وتقول إنها لن ترجع إلا بعد انسحابه.

«شارع الشمس»

تركت اللاجئين الأوكرانيين مع أوجاعهم وحقائبهم وقلت أزور، مع الزميلة راغدة بهنام، «شارع الشمس» الذي طغى عليه في السنوات الأخيرة الطابع السوري بعد تراجع طابعه التركي. تكاد تشعر أنك في دمشق. حلويات وفلافل وشاورما ولحم حلال وملوخية ومحلات ثياب وبسطات لبيع الخضر. يقصد السوريون هذا الحي للتبضع لأن أسعاره أفضل من الأحياء الأخرى. لافتات بالعربية وعمال يرحبون بالعابرين. جاء إيهاب سحاري من إدلب في «نوع من اللجوء». يقول: «كان المحل تركيا وصار ملكنا أنا وشقيقي. ماشي الحال. هناك من السوريين من عثر على عمل مستقر وهناك من ينتظر. الصغار الذين ولدوا هنا لا يتكلمون العربية إجمالاً. هربنا من الحرب. المهم أن لا تلحق بنا إلى هنا بسبب أوكرانيا». أضاف أن «الحرب في أوكرانيا رفعت الأسعار. اشتد الطلب على الطحين والزيت والسكر. أتعاطف مع الأوكرانيين، فقد ذقنا مرارة أن يخسر المرء بلاده وتدمر. حين قلنا إن الطيران الروسي دمر بلادنا لم يكن هناك من يريد أن يسمع. أولاد عمي قتلوا بفعل الغارات الروسية التي استهدفت أيضاً المدارس والمستشفيات وحتى الميدانية منها. مسؤولية ما لحق بسوريا تقع على عاتق إيران وروسيا وحزب الله. لا أفكر حالياً في العودة خصوصاً أنني من إدلب. النظام الحالي مجرد واجهة لإرادة روسيا وإيران. أتمنى أن لا يصل الأوكرانيون إلى ما وصلنا إليه». شعر بالامتنان تجاه البلد الذي استضافهم. قال: «كتر خيرهم (الألمان). ليسوا سيئين. أعطونا ما لم نحصل عليه في بلادنا. أعرف ما يذكر في وسائل التواصل الاجتماعي عن أن ألمانيا تعامل الأوكرانيين أفضل مما عاملت السوريين. أنا لا أستغرب إذا حصل شيء من ذلك. الأوكرانيون أقرب إلى الألمان في الثقافة والدين والجغرافيا. شيء طبيعي. لو كنا مكانهم لفعلنا الشيء نفسه». تابعنا جولتنا في الحي العربي. من نافذة مطعم «الدمشقي»، يطل حسام زيدان تشاركه رائحة الشاورما. فلسطيني من مخيم اليرموك. جاء في 2015 بعدما عاش عامين في المخيم المحاصر. سلك طريق تركيا واليونان وانتهى به المطاف في ألمانيا. قال: «أنا عامل في المطعم. الشغل جيد. لا أفكر في العودة. المخيم دمر تماماً. وكل أقاربي باتوا هنا. يتعرض الأوكرانيون لظلم شبيه بالذي لحق بالسوريين. قلبياً أتمنى أن ينتصر الأوكرانيون. روسيا كانت لها يد فيما حدث في سوريا والآن في أوكرانيا. هناك كلام عن معاملة أفضل للأوكرانيين، لكننا لا ننسى أن هذه البلاد استقبلتنا». في طريق العودة إلى الفندق، شاهدت علماً أوكرانياً يرفرف. شاب أوكراني يجلس على مقربة منه. لا يريد نشر اسمه أو صورته. والسبب بسيط أنه عائد إلى بلاده بعدما عثر على مكان آمن لأمه وشقيقته. والده رفض المغادرة. قال إنه لا يقبل أن يترك أرضه ويفضل أن يموت فيها. وهو عائد للمشاركة في مقاومة يتوقع أن تكون شرسة ومكلفة. يرى أن العالم مسؤول عما حل بأوكرانيا لأنه لم يتصرف بحزم حين استرجع بوتين القرم في 2014. يصف الرئيس الروسي بأنه «ستالين هذا القرن» و«شديد الخطورة» على بلاده وجيرانها والعالم. يتحدث عن «ضربات موجعة» وجهها الجيش الأوكراني إلى الجيش الروسي. يقول إنه إذا قبل العالم بتفكيك أوكرانيا، فإن دولاً أخرى ستصبح لقمة سائغة أمام جيرانها الأقوياء. قال الشاب إن المنطق الذي يستخدمه بوتين مخيف. يتذرع بمخاوف لا أساس لها ليملي على دولة مجاورة مستقلة السياسات التي يجب أن تنتهجها. يستغرب «كيف يسمح بوتين لنفسه أن يعتبر أوكرانيا دولة غير موجودة». أعرب عن اعتقاده أن حلف «الناتو» لا يرغب أصلاً في ضم أوكرانيا إلى صفوفه بسبب نزاعها مع روسيا حول القرم والمناطق التي أعلنت استقلالها عن سلطة كييف. واعتبر أن روسيا «لا تريد أوكرانيا مستقلة بل تابعة لها. وبعدما فشلت في ترتيب انقلاب داخلي للمجيء بسلطة موالية لها، لجأت إلى الحرب لزعزعة استقرار أوكرانيا والاستيلاء على بعض أراضيها». في المقهى، سألني العامل التركي إن كنت سائحاً فاغتنمت المناسبة للتحدث إليه. قال إنه يقيم في برلين منذ ثمانية عشر عاماً ويزور بلاده الأصلية بين وقت وآخر. استوقفني قوله إنه شكر الله أن الاحتكاكات التي حصلت في سوريا لم تؤد إلى اشتباك بين روسيا وتركيا لأنه كان يمكن أن يكون أخطر من المواجهة الروسية - الأوكرانية. أبدى تعاطفه مع المدنيين الهاربين من نيران الحرب وختم حديثه بالقول إن «المشكلة الكبرى في هذا العالم هي أن تكون ضعيفاً وجاراً لقوي». نزل الليل على برلين المنشغلة ليس فقط باستقبال اللاجئين، بل أيضاً بالمشهد الأوروبي الجديد. عاد الخوف إلى القارة. لم يعد الإرهاب هو المشكلة هذه المرة مصدر الخوف هو روسيا التي لا تستطيع ألمانيا الاستغناء عن الغاز الوافد منها. فجأة ترددت في أرجاء الفندق أصوات مواويل عربية. خرجت لأستطلع فرأيت عروساً بثوبها الأبيض وقربها العريس والأقارب. عرس سوري على بعد أمتار من بوابة برندنبرغ، أي قرب المكان الذي كان فيه جدار برلين قبل أن يتوارى. فجأة انعقدت حلقة الدبكة وانطلقت الزغاريد. مشهد يشبه تماماً تلك المشاهد التي تتكرر في دمشق، لكنه عرس في المنفى لسوريين استقالا من بلدهما أو استقال منهما. في السنوات الأولى لوصولهم إلى بلد اللجوء، يعاند الواصلون محاولين الاحتفاظ بتراثهم وأغانيهم وأسلوب حياتهم الذي اعتادوه في البلدان التي أرغموا على تركها. تصبح هذه التقاليد الجسر الأخير الذي يربطهم ببلادهم السابقة. لكن الوقت يبدل كل شيء. غداً يذهب أطفالهم إلى المدارس ويتعلمون بلغة أخرى ويحفظون مواويل البلد الجديد وينخرطون في أسلوب حياة مختلف. هذا يصدق على السوريين وسيصدق لاحقاً على الأوكرانيين.

جيان عمر: القرار الأوروبي سهّل الاحتضان الألماني للأوكرانيين

جيان عمر شاهد لا بد من اللجوء إليه في الحديث عن برلين واللاجئين. جاء الشاب الكردي السوري المولود في القامشلي في 1985 طالباً إلى ألمانيا. في 2012، تحول إلى لاجئ، بعدما رفضت السفارة السورية تجديد جواز سفره بسبب نشاطه السياسي المعارض للنظام في دمشق. يعيش منذ أكثر من عشر سنوات في برلين، وهو اليوم عضو في برلمانها، والمتحدث في حزب «الخضر» عن قضايا الهجرة واللجوء والتجنيس. قال جيان إن المجتمع الألماني تعامل بانفتاح كبير مع موجة النزوح الأوكرانية، وأشار إلى أنه شاهَدَ في الأيام الأولى عدداً من الألمان يعرضون على الواصلين الإقامة في بيوتهم بانتظار العثور على مقر ثابت. ذكر أيضاً أن بعض العائلات الألمانية حملت مساعدات لتستقبل بها الفارّين من الحرب الروسية. ولفت إلى أن قرار الاتحاد الأوروبي باستقبال الأوكرانيين، وفق معايير الهجرة الجماعية من دول الحرب، سهّل منح الإقامات للوافدين، علاوة على تسهيلات أخرى. ولفت إلى أن القرار الأوروبي اتُّخذ بالإجماع، في حين أن بعض الدول، وبينها بولندا والمجر، عارضت هذه الصيغة حين طُرِحت بشأن تدفق اللاجئين السوريين في 2015. لاحظ أن بعض وسائل التواصل الاجتماعي أوردت انتقادات لما اعتبرته تفضيلاً للاجئين الأوروبيين على الوافدين من الشرق الأوسط، لكنه لاحظ أيضاً أن نشطاء سوريين وأوكرانيين نظموا مظاهرات مشتركة ضد الحرب والدور الروسي في سوريا وأوكرانيا. ولفت إلى قلق الأوروبيين من عودة الحرب إلى قارتهم، وإلى انقسامات في الرأي العام حول المدى الذي يمكن الذهاب إليه في تسليح أوكرانيا من دون الانخراط مباشرة في النزاع

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,773,509

عدد الزوار: 6,914,288

المتواجدون الآن: 113