كازاخستان... نقطة تقاطع المصالح وساحة مواجهة بين اللاعبين الخارجيين..

تاريخ الإضافة السبت 29 كانون الثاني 2022 - 7:03 ص    عدد الزيارات 1721    التعليقات 0

        

قاسم توكاييف... من «رئيس في الظل» إلى صاحب القبضة الأقوى في كازاخستان..

دبلوماسي هادئ برزت «أنيابه» في وجه الاحتجاجات..

الشرق الاوسط... موسكو: رائد جبر... يسخر الساسة أحياناً، من الأسئلة الافتراضية التي تبدأ بعبارة «ماذا لو»؟ لكن السؤال ما كان ليبدو غريباً، إذا طرح حول الرئيس الكازاخي قاسم جومرد توكاييف، الذي تعرّف عليه العالم «فجأة» أثناء الاحتجاجات الدامية التي شهدتها بلاده في الأيام العشرة الأولى من العام الجديد. ماذا لو لم تنفجر كازاخستان بشكل مفاجئ في بداية العام؟ يبدو الجواب بسيطاً ومباشراً: ما كان قدّر للرئيس الذي ظل منذ توليه السلطة في ربيع العام 2019 متوارياً خلف «الأب المؤسس» والقائد الفعلي للبلاد، نور سلطان نظرباييف. يبدو توكاييف المنتصر الأول في معركة دامية لم يلعب دوراً في إطلاقها، لكنه نجح في توظيفها لصالحه سريعاً. ليتحرر من قيود سلفه، ويطلق العنان لسياساته الخاصة. تحول قاسم جومرد توكاييف، الدبلوماسي المخضرم المعروف بهدوئه الشديد، إلى زعيم فولاذي برزت أنيابه بقوة، وهو يأمر بفتح النار من دون إنذار مسبق على المحتجين الذين وصفهم بأنهم «قطاع طرق». بيد أنه في الوقت ذاته، أدار بمهارة نتائج المواجهة بعدما استتب الأمن وسيطر على الأوضاع، حتى بدا وكأنه يتحرك استجابة لـ«إرادة الجماهير».

- صعود سياسي سريع

ولد قاسم جومرد توكاييف في العام 1953 وفي فمه ملعقة من ذهب كما يقال. فهو ابن كمال توكاييف، الكاتب الكازاخي المعروف، وأحد أبطال بلاده في الحرب العالمية، الذي أمضى سنوات عمره متنقلاً في دوائر السلطة السوفياتية وختمها عضواً في هيئة رئاسة مجلس السوفيات الأعلى لكازاخستان السوفياتية (البرلمان). ويعني هذا بمعايير ذلك العهد، أنه كان قيادياً في الحزب الشيوعي وحصل طوال حياته على امتيازات واسعة جداً. كذلك، كانت والدته تورار شاباربايفا، أيضاً من «أبطال العمل» وفقاً للمفهوم الذي كان سائداً، وعملت لسنوات طويلة في معهد ألما آتا (ألماتي) للغات الأجنبية. لذا؛ لم يكن صعباً أن ينطلق توكاييف الابن إلى موسكو فور تخرّجه في المدرسة، وهناك قبل في «معهد العلاقات الدولية» المرموق التابع للخارجية السوفياتية في ذلك الوقت. ومن هنا وضع الشاب، الذي سيقضي كل سنوات حياته اللاحقة في دهاليز السياسة، أقدامه على طريق النجاح. لكن «الواسطة» لم تعلب الدور الأساسي في مسيرته الناجحة؛ إذ قاد تفوقه في الدراسة إلى إرساله سريعاً في بعثة إلى بكين وهو ما زال في سنة دراسته الخامسة، وفي الصين حصل كمتدرب في سفارة الاتحاد السوفياتي على أول خبرات عملية مهدت طريقه سريعاً إلى قمة النجاح. ثم في عام 1975، التحق توكاييف بوزارة الشؤون الخارجية لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية وأُرسل للعمل في السفارة السوفياتية في سنغافورة. ثم عاد بعد أربع سنوات موظفاً في الخارجية حتى اواسط ثمانينات القرن الماضي. وعندما كان الرئيس السوفياتي ميخائيل غورباتشوف يطلق سياسة «الانفتاح والتغييرات الواسعة» في البلاد، كان توكاييف قد بدأ يترقّى سريعاً في المناصب في سفارة بلاده لدى بكين حتى غدا مع حلول العام 1991 مستشاراً برتبة سفير. وهناك راقب من بُعد انهيار البلد الذي يمثله. ليعود في العام التالي على الانهيار. ولكن ليس إلى موسكو هذه المرة، بل إلى الدولة الفتية في كازاخستان، التي سرعان ما عيّن فيها في العام 1992 نائباً لوزير الخارجية. غدا توكاييف، منذ تلك اللحظة، جزءاً من النخبة السياسية الأولى في البلاد، وفي عام 1993 أصبح النائب الأول لوزير الخارجية، ليتقلد الوزارة في العام التالي. وبقي في منصبه حتى ربيع 1999، عندما حصل على ترقية جديدة غدا معها نائباً لرئيس الوزراء، وهي خطوة مهدت لتعيينه في خريف العام ذاته رئيساً للحكومة. إلا أن الدبلوماسي المحترف لم يتمكّن من الصمود في منصب يحمله مسؤولية الأحوال المعيشية والاقتصادية للبلاد، فقدم استقالته في بداية 2002، ليستعيد حقيبة وزارة الخارجية التي ترضيه وتجنبه مواجهة السياسات الداخلية. العام 2007 شكّل لتوكاييف بداية الانتقال الواسع إلى رأس هرم السلطة. ففيه عيّن رئيساً لمجلس الشيوخ في البرلمان، وهو شغله لسنوات قبل أن يجد «زعيم الأمة» نور سلطان نظرباييف نفسه مضطراً إلى مغادرة مقعد الرئاسة في 2019، ويومها لم يجد أفضل من الرجل الذي حاز ثقته طوال سنوات لينقله إلى سدة الرئاسة في إطار صفقة ضمنت لنظرباييف أن يبقي مفاتيح القرار السياسي والاقتصادي في يديه إلى الأبد.

- «رجل السلام» ونزع السلاح النووي

بصفته وزيراً للخارجية لسنوات طويلة، لعب توكاييف دوراً نشطاً في مجال حظر انتشار الأسلحة النووية. وكانت له بصمات أساسية في التوقيع عام 1996، على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. لكنه احتاج إلى عشر سنوات أخرى تقريباً ليوقع على معاهدة مهمة تتعلق بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في آسيا الوسطى. في المقابل، نجح كوزير للخارجية إلى تحويل بلاده إلى منصة لإطلاق مبادرات مهمة بينها ـ في العام 2003 - مبادرة تهدف إلى دعم البلدان النامية غير الساحلية. وقاد مؤتمراً نظّم في ألماتي أسفر عن وضع خريطة طريق لتعزيز هذا المسار. ولم يهمل الدبلوماسي المخضرم الجانب الأكاديمي في مسيرته، بل تعمد أن يدافع في العام 2001 عن رسالة الدكتوراه في المعهد الدبلوماسي الروسي نفسه، حيث ذات يوم. وحملت رسالته مضموناً يعكس اهتماماته كوزير للخارجية، فقد وضع تصوراته فيها حول «السياسة الخارجية لجمهورية كازاخستان أثناء تشكيل النظام الدولي الجديد». وكان من الطبيعي للدبلوماسي المحترف ألا يقتصر نشاطه على بلاده. وفي عام 2008 انتُخب نائباً لرئيس الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا كرئيس لمجلس الشيوخ في برلمان كازاخستان. ثم، بعد ثلاث سنوات، عيّنه الأمين العام للأمم المتحدة نائباً له، وغدا المدير العام لمكتب الأمم المتحدة في جنيف، والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في مؤتمر نزع السلاح. وهو منصب حافظ عليه لسنتين قبل أن يعود إلى مقعد رئاسة مجلس الشيوخ في بلاده.

- رئيس في الظل خلف «زعيم الأمة»

مع حلول ربيع العام 2019 كان نظرباييف، الرئيس «التاريخي» لكازاخستان، أمام استحقاق تجديد الولاية أو البحث عن مخرج يمكّنه من المحافظة على مفاتيح القرار في البلاد. وهنا اختار سيناريو «الخليفة الموثوق» وأعلن للشعب أنه يرشح للرئاسة «الرجل المناسب لهذا المنصب». قال نظرباييف في حينها، في خطاب للشعب «لقد عمل بجواري منذ الأيام الأولى لاستقلال كازاخستان. أنا أعرفه جيداً. إنه شخص أمين ومسؤول. يدعم النهج الذي سارت عليه البلاد بالكامل داخلياً وخارجياً، لقد تم تطوير جميع البرامج واعتمادها بمشاركته. أعتقد أن توكاييف هو الشخص المناسب الذي يمكننا أن نعهد إليه بإدارة كازاخستان». هكذا رُسمت ملامح انتقال السلطة: توكاييف إلى مقعد الرئاسة. ونظرباييف إلى مقعد أعلى قليلاً. إذ نصّت «الصفقة» على أن يتولى الزعيم التاريخي منصب رئيس مجلس الأمن القومي، وأن يبقى المشرف الأعلى على سياسات البلاد. وكان لافتاً لاحقاً، أنه أثناء جلسات البرلمان، كان رئيس البلاد يجلس إلى جانب رئيس المجلس أمام الأعضاء، بينما أعدت مقصورة خاصة، تعمد مهندسوها أن تكون مرتفعة ليجلس فيها نظرباييف. أيضاً، كانت إحدى أولى خطوات توكاييف في رئاسة الجمهورية إعادة تسمية العاصمة آستانة لتغدو «نور سلطان» تكريماً للرئيس السابق، وجرى دعم الاقتراح من قبل برلمان كازاخستان بالإجماع. وصدر المرسوم الرئاسي رقم واحد بمنح نظرباييف أعلى تقدير حكومي هو «النجمة الذهبية». لكن خلف هذه المظاهر اللافتة، تبلور العنصر الأهم في آلية إدارة كازاخستان. وكان واضحاً أن نظرباييف انتقل من مقعد الرئاسي إلى مقعد «المرشد العام» للجمهورية بصفته الرمزية التاريخية وبسبب أنه يُحكم السيطرة مع أفراد عائلته وعدد من المقربين إليه، على كل مقاليد الاقتصاد والسياسة في البلاد. لذا؛ عندما وقعت الأحداث الدامية في بداية 2022 تحدث كثيرون من الخبراء الكازاخيين عن استفحال مشكلة ازدواجية السلطة، وكيف أن توكاييف فشل في تمرير ولو جزءاً من سياسات إصلاحية وعد بها خلال الحملة الانتخابية الرئاسية. وبالتالي، كانت النتيجة أن التحركات الاحتجاجية سرعان ما رفعت شعارات تطالب بـ«رحيل الختيار» وهو التعبير الذي تطلقه الأوساط الشعبية على نظرباييف. المثير أن كل أصدقاء كازاخستان وحلفائها الخارجيين كانوا يتعاملون مع واقع إدارة الأمور في البلاد، وهو أمر كان واضحاً في طريقة تعامل الكرملين مع توكاييف ومع نظرباييف. ولم يشفع للرئيس الجديد في كازاخستان أنه تعمد أن تكون موسكو وجهته في أول زيارة خارجية بعد توليه المنصب. لم تقنع هذه الحركة الدبلوماسية الرئيس فلاديمير بوتين الذي فضّل أن يواصل خلال السنوات الثلاث اللاحقة، التعامل مع الشخص الحقيقي الذي يدير أمور كازاخستان. وهذا الأمر ظهر بوضوح قبل أسابيع قليلة من الاحتجاجات التي غيرت كل المعادلات. فخلال اجتماع لرؤساء «رابطة الدول المستقلة» عقد في بطرسبرغ في 28 ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي، جاء من كازاخستان رئيسان لحضور القمة. وكان لافتاً أن بوتين أجرى جولة مباحثات مع نظرباييف، على هامش أعمال القمة، في حين اكتفى بإعلان أنه «سيلتقي قريباً توكاييف في زيارة رسمية إلى موسكو». وتعكس هذه الحادثة، طبيعة توازن القوى واليات تعامل «الحلفاء» مع كازاخستان عشية الاحتجاجات التي اندلعت بعد أقل من أسبوع على هذه الواقعة.

- نهاية عهد نظرباييف

احتاج توكاييف إلى ثلاثة أيام لتقييم الموقف بعد اندلاع الاحتجاجات الواسعة في كازاخستان، قدم خلالها بعض التنازلات للمحتجين الذي نزلوا إلى الشوارع بمطالب اقتصادية تتعلق بتحرير أسعار الغاز المسال المستخدم كوقود للسيارات؛ ما أسفر عن رفع سعره بمعدل الضعفين. وسرعان ما اتخذت المطالب منحى سياسياً، من خلال رفع شعارات تدعو إلى إنهاء «نفوذ الختيار» وقام محتجون بتلطيخ تماثيل «زعيم الأمة» المنتشرة في البلاد. لقد استخدم توكاييف العنف الذي استخدمه متظاهرون قاموا بإحراق مبانٍ حكومية وسيطروا على منشآت حيوية، بينها مطار ألماتي والقصر الرئاسي في هذه المدينة التي تعد العاصمة التاريخية للبلاد ليطلق سياسة متشددة في الخامس من يناير (كانون الثاني). إذ أعلن أن البلاد تواجه حملة إرهابية منظمة، وأمر الوحدات الأمنية باستخدام القوة المفرطة لتفريق الاحتجاجات، بما في ذلك عن طريق إطلاق النار من دون إنذار مسبق. يومها بدا واضحاً أن السلطات مستعدة لدخول حرب شاملة لمنع الاستيلاء على السلطة. وسرعان ما نجح الرد القوي للسلطات في قمع الاحتجاجات وتقويض فرص اتساعها لتشمل مناطق أخرى بينها العاصمة «نور سلطان»، مع أن غالبية المدن شهدت عملياً تحركات تضامنية مع المحتجين تراوحت في حجمها وأدواتها. ولكن في العاشر من يناير نجحت السلطات بإخماد التحرك نهائياً، وبات توكاييف يقف أمام استحقاق الاستخلاصات الرئيسية، وآلية إدارة الوضع في مرحلة ما بعد الأزمة. وسرعان ما اتضح أن النتيجة الأساسية للأزمة تمثلت في انتهاء حقبة الازدواجية في السلطة، وطي صفحة نظرباييف نهائياً. إذ حمل قرار إقالة الرئيس التاريخي للبلاد الذي كان يوصف بأنه أحد الرموز الخالدة لكازاخستان المعاصرة من منصب «رئيس مجلس الأمن القومي» دلالة خاصة. ودلت الخطوات اللاحقة من خلال إقالة كل أفراد عائلة الرئيس السابق من مناصبهم المهمة، أن المرحلة المقبلة ستشهد سحباً تدريجياً لصلاحياته نظرباييف، وامتيازاته مع أفراد عائلته. وهذا سيكون له تأثير مهم على الوضع الداخلي، في إطار إعادة توزيع صلاحيات وقدرات الشخصية الأقوى في البلاد، على طائفة جديدة من أصحاب القرار. وبدا أن الرئيس توكاييف نجح في استغلال الأزمة لصالحه في هذا المسار بعدما فشل في فرض رؤاه في القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بسبب ازدواجية السلطة. طبعاً، من المبكر الحكم كيف ستكون الأمور بعد إنهاء نفوذ العهد السابق وتأثيرات ذلك على الحياة الاقتصادية والسياسية؛ لأن كثيرين من النخب الحالية ما زالوا يدينون بالولاء للرئيس السابق ما يزيد من صعوبة مهمة توكاييف. وهذا، مع أن توكاييف يبدو حالياً الكاسب الأكبر من التطورات، بعدما نجح في استغلال المزاج الشعبي لتعزيز قبضته بشكل قوي، تجعله قادراً على إدارة البلاد وفقاً لسياساته الخاصة للمرة الأولى منذ توليه الحكم.

كازاخستان... نقطة تقاطع المصالح وساحة مواجهة بين اللاعبين الخارجيين

موسكو: «الشرق الأوسط»... تعد كازاخستان أكبر دول آسيا الوسطى رقعة بمساحة 2.7 مليون كيلومتر مربع، مع العلم أن عدد سكانها قليل نسبياً مقارنة مع المساحة (نحو 18 مليوناً عام 2018). وهي دولة غنية بالموارد الطبيعية، وخاصة الغاز الطبيعي واليورانيوم، وغيرهما من الثروات. واقتصادها يعتمد بشكل أساسي على استخراج الثروات الباطنية وتصديرها وخاصة الغاز والنفط (أكثر من 56 في المائة من الناتج المحلي). ورغم أنّ الأرقام الحكومية والدولية تقول بأنّ هناك نمواً مستمراً في كازاخستان خلال السنوات العشرين الماضية، فإن البلاد تعاني، وفقاً لتقييمات مؤسسات بحثية، من مستويات عالية من الفساد، ويتسم النهج الاقتصادي بأنه ضعيف الإنتاجية. وفي الوقت نفسه، عملت السلطات طوال ثلاثة عقود على التضييق على الحريات السياسية. على صعيد آخر، لكازاخستان حدودٌ طويلة مع كل من الصين وروسيا، وهذا الأمر يشكل أهمية خاصة لموسكو؛ بحكم أن الحدود بين البلدين تصل إلى نحو 7500 كيلومتر، وهي أطول حدود بين بلدين في العالم. فضلاً عن ذلك فإن نحو عشرين في المائة من سكان كازاخستان هم من الروس الذين هاجروا إلى هذا البلد إبان الحقبة السوفياتية للعمل والإقامة. ولكن، خلال السنوات الثلاثين الماضية تراجع الحضور الروسي في التركيبة السكانية إلى الـ20 في المائة من 40 في المائة عند انهيار الاتحاد السوفياتي. ومن جهة أخرى، تعد كازاخستان ممرا أساسياً وجزءاً بالغ الأهمية في مشروعَي «الحزام والطريق» الصيني وبرنامج «التكامل الأوراسي» الذي تقوده روسيا؛ ما يمنحها وزناً متميزاً بكل ما يخص أي تطور في منطقة آسيا الوسطى كلها. وبالإضافة إلى ذلك، تمرّ أقصر طريق برّية من الصين إلى أوروبا عبر كازاخستان، التي تكتسب أهمية استراتيجية في حالة الحصار البحري على الصين من قبل الولايات المتحدة. ومن هنا، سرعان ما ظهرت نظريات في الصحافة الروسية تقول إنه بإمكان واشنطن عبر تشجيع انفلات أمني في كازاخستان أن تضرب عصفورين بحجر واحد: إغلاق هذه الطريق، إضافة إلى دق إسفين بين موسكو وبكين، حيث سيؤدي إدخال قوات روسية إلى كازاخستان إلى تغيير ميزان القوى بين روسيا والصين في آسيا الوسطى، ويثير غيرة بكين. في أي حال، نجح نور سلطان نظرباييف منذ توليه الحكم في 1991 في إقامة توازن دقيق هدف لإرضاء جميع القوى المؤثرة في المنطقة. إذ حافظ على علاقات ممتازة مع موسكو، كما بنى صلات جيدة مع الصين في مجالات التجارة والنفط والغاز، حيث يجري تطوير خط أنابيب بين البلدين. أما الولايات المتحدة فقد فازت بحصة مهمة في الاقتصاد؛ إذ وظفت شركة «شيفرون» العملاقة 37 مليار دولار لاستثمار «حقل تنغيز» النفطي الضخم الذي يتوقع الخبراء أن يظل نشطاً لعشرات السنين المقبلة. والجدير بالذكر، أن خطوط نقل نفط الحقل المذكور ستمرّ في روسيا وتصب في البحر الأسود ما يبقي موسكو راضية عن المشروع. تركيا أيضاً تعد لاعباً أساسياً في كازاخستان؛ إذ نجحت في إشراك مئات الشركات الكبرى في عجلة الاقتصاد الكازاخي، فضلاً عن توظيف سياسة الدبلوماسية الناعمة من خلال استخدام الصلات التاريخية والثقافية (الشعب الكازاخي من الشعوب التركية) لفتح المدارس ودعم التعليم وعشرات من المشاريع الاجتماعية التي توّجت بتحويل كازاخستان إلى قاطرة أساسية لمشروع «الأمة التركية» الذي أطلقته أنقرة لضم البلدان الناطقة بلغتها أو التي ترتبط معها بعلاقات تاريخية. وما يستحق الإشارة هنا، أن الرئيس السابق نظرباييف كان أحد أبرز المبادرين لتأسيس «المجلس التركي» الذي تحول لاحقاً إلى «الاتحاد التركي»، وهو يضم جمهوريات في آسيا الوسطى وجنوب القوقاز. ولقد نظرت موسكو لتحركاته في هذا المجال بنوع من التحفظ؛ بسبب أنها خشيت من أن يكون هذا المسار بديلاً عن فكرة «التكامل الأوراسي» الذي تقوده روسيا. واستطراداً، كان من الطبيعي أن تثير مسارعة موسكو إلى إرسال «قوات الرد السريع» التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي إلى كازاخستان مخاوف غربية اقترنت بحال ترقب أعلن عنها مسؤولون في الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو). وعزز هذا التحرك احتمالات إطلاق موسكو آلية نشطة لتعزيز حضورها العسكري الواسع في كازاخستان في استغلال مباشر للأزمة التي تفاقمت في هذا البلد. واللافت أن هذه تعد أول عملية عسكرية للقوات الجماعية للدول الست التي تنضوي في إطار منظمة الأمن الجماعي، (روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وتاجيكستان وأرمينيا وبيلاروسيا)، وهي المنظمة التي أسست قبل 20 سنة، لكن نشاطها لم يتجاوز منذ ذلك الحين القيام بأعمال تدريبات وإطلاق نشاطات دعائية.

 

 

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 154,048,518

عدد الزوار: 6,932,279

المتواجدون الآن: 74