كردستان العراق: تمرد مزمن بانتظار الدولة المُنتظرة ..

تاريخ الإضافة الأحد 24 أيلول 2017 - 7:47 ص    عدد الزيارات 1246    التعليقات 0

        

كردستان العراق: تمرد مزمن بانتظار الدولة المُنتظرة ..

المستقبل...بغداد ــــــ علي البغدادي .. منذ أن أبصر العراق بشكله الحالي النور في 1921 على أنقاض الدولة العثمانية كان «التمرد» السمة الأبرز للأكراد، القومية ذات الثقافة والعادات المختلفة عن عرب العراق، في مسيرة تحقيق حلم الاستقلال بدولة لهم باتت بعد نحو قرن من الزمان على وشك التحقق من خلال اجراء استفتاء الانفصال في 25 أيلول الحالي، الذي أجج الاحتقان الداخلي والغضب الإقليمي والاعتراض الدولي في أبرز معالم مستقبل البلاد في مرحلة ما بعد تنظيم «داعش». ويبدو أن الكيل قد طفح بأكراد العراق من أخطاء سياسات الحكومات العراقية المتعاقبة على حكم البلاد منذ 97 عاماً، رغم أنهم في المرحلة الراهنة تركوا الباب موارباً ضمن سياسية «حافة الهاوية» مع حكومة حيدر العبادي أمام إمكانية التعامل مع نتائج الاستفتاء، في حال تقديم ضمانات دولية لهم بشأن آلية وطريقة الحكم وتوزيع الثروة وإعادة تقسيم الأراضي، ومنها محافظة كركوك الغنية بالثروات، ومن دون ذلك فإن «الاستقلال» سيكون العنوان الأبرز في الفترة المقبلة. وعلى مر السنوات وتبدل الأزمان وتغير الحقب العراقية من العهد الملكي إلى الجمهوري إلى مرحلة عراق ما بعد الغزو الأميركي في 2003، لم تخبُ حماسة الأكراد في المطالبة بالاستقلال عندما يستحضرون في كل معضلة مع الحكومة ببغداد القمع والغبن ضمن مسوغات ومبررات تشكيل الدولة المنتظرة التي تضمن مستقبلهم، وتتيح لهم بلورة واقع جديد قائم على أساس قومي لكنه مغلف بالعلمانية والمدنية بعيداً عن الصبغة الإسلامية المذهبية الطاغية على المشهد العراقي. وإقليم كردستان العراق يقع شمال البلاد، وتحده إيران من الشرق وتركيا في الشمال وسوريا إلى الغرب وبقية مناطق العراق إلى الجنوب، والعاصمة الإقليمية له هي محافظة أربيل. ويشكل اكراد العراق 15% من مجموع أكراد العالم وعددهم أكثر من 5 ملايين نسمة أي حوالى 14% من سكان العراق، ودمجوا مع العراق في سنة 1921 بموجب اتفاقية سايكس بيكو. وهم الأغلبية السكانية في محافظات دهوك وأربيل والسليمانية مع نسبة ثلث محافظة كركوك وكذلك لهم تواجد في محافظتي نينوى وديالى (شمال وشمال شرق العراق) بنسبة 10% لكلتيهما.

صراع كردي مع الأنظمة العراقية المتعاقبة

تعتبر قضية أكراد العراق الأكثر جدلاً وتعقيداً في أغلب القضايا الداخلية، كونها نشأت مع بدايات إقامة المملكة العراقية وتنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً في 23 آب 1921 بعد استفتاء أجري عقب الحرب العالمية الأولى. وكان «التمرد المسلح» الطابع الغالب على الصراع منذ بداياته، حيث تم استعمال القضية الكردية في العراق كورقة ضغط سياسية من الدول المجاورة، فكان الدعم وقطع الدعم عن الحركات الكردية يعتمد على العلاقات السياسية بين بغداد ودمشق وطهران وأنقرة، وكان الزعماء الأكراد يدركون هذه الحقيقة وهناك مقوله مشهورة للزعيم الكردي المشهور الملا مصطفى البارزاني مفادها: «ليس للأكراد أصدقاء حقيقيون». ومرت العلاقة بين بغداد والأكراد بخلافات عميقة أدت إلى حروب طاحنة كانت باكورتها حركة محمود الحفيد في السليمانية في مطلع عام 1930، التي تزامنت مع حركة كردية أخرى في منطقة بارزان بقيادة أحمد البارزاني الأخ الاكبر لمصطفى البارزاني بهدف نيل الاستقلال. واستمرت الحركة بعد ذلك بقيادة مصطفى البارزاني حتى اندلاع الشرارة الأولى لحرب فعلية في 1943 طالب الأكراد فيها بتشكيل ولاية كردية، تضم كركوك ومناطق بديالى والموصل، واعتبار اللغة الكردية لغة رسمية في تلك الولاية، ليتوقف القتال في 1945 بعد هرب البارزاني إلى الاتحاد السوفياتي. وبعد سقوط النظام الملكي في 1958 لم يتغير واقع حال العلاقة بين بغداد والأكراد، رغم وجود رغبة لدى الحكم الجديد وخصوصاً رئيس الوزراء الراحل عبد الكريم قاسم لإعطاء الأكراد بعض الحقوق القومية. لكن تطلعات البارزاني فاقت ما كان في نية قاسم إعطاءه لهم، ما أدى إلى صراع من خلال حملة عسكرية على معاقل البارزاني عام 1961 امتدت إلى عام 1970. وحتى بعد إطاحة قاسم في 8 شباط 1963 وتولي عبد السلام عارف الرئاسة في العراق ووصول حزب البعث للسلطة في تموز 1968 لم تحقق المفاوضات أي نتائج تُذكر. وفي 11 آذار 1970 تم التوقيع على اتفاقية الحكم الذاتي للأكراد بين الحكومة العراقية والبارزاني، وفيها اعتراف بالحقوق القومية للأكراد مع تقديم ضمانات لهم بالمشاركة في الحكومة العراقية واستعمال اللغة الكردية في المؤسسات التعليمية. ولكن لم يتم التوصل إلى حل حاسم بشأن قضية كركوك التي بقيت عالقة بانتظار نتائج إحصاءات لمعرفة نسبة القوميات في المدينة، إلا أن العلاقة بين الطرفين ساءت لتموت «اتفاقية آذار» سريرياً ولتندلع بعدها الحرب بين عامي 1974 و1975 ضد قوات الحزب الديموقراطي الكردستاني و«المتمرد» الملا مصطفى البارزاني. وكانت الفترة الأشد وطأة على الأكراد خلال الحرب العراقية - الإيرانية (1980 – 1988) عندما مارست حكومة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين سياسة مضادة للأكراد، وتم استخدام الأسلحة الكيماوية ضدهم في حلبجة، ما أسفر عن آلاف القتلى والجرحى، كما تم إطلاق حملة الأنفال التي تُعتبر «إبادة جماعية» منظمة على مرحلتين الأولى في عام 1982 والثانية التي كانت أكثر شمولاً وعلى نطاق واسع من 29 آذار 1987 حتى 23 نيسان 1989، إذ قام الجيش العراقي بتدمير آلاف القرى الكردية وقتل عشرات آلاف الأكراد. لكن في عام 1991 خرج الإقليم عن سيطرة الحكومة العراقية حتى الغزو الأميركي في 2003.

تجارب كردية فاشلة

خاض الأكراد تجارب فاشلة في مسيرة نضالهم للحصول على دولة مستقلة. فبعد دعم من الاتحاد السوفياتي شكل أكراد إيران عام 1945 أول جمهورية كردية في مهاباد في إيران. وخدم الملا مصطفى البارزاني وزيراً للدفاع في هذه الجمهورية التي كان عمرها قصيراً، فبعد 11 شهراً تم القضاء عليها من قبل حكومة طهران بعد انسحاب القوات السوفياتية من الأراضي الإيرانية التي دخلتها إبان الحرب العالمية الثانية. ومثلت «اتفاقية الجزائر» عام 1975 أكبر تنازل قدمته بغداد لطهران بالقبول بنقطة خط القعر في شط العرب كحدود رسمية بين العراق وإيران، بغرض إخماد الصراع المسلح للأكراد. وكانت الاتفاقية كفيلة بسحب دعم شاه إيران وقتها للحركة الكردية التي انهارت تماماً عام 1975 وانتهى المطاف بمصطفى البارزاني في الولايات المتحدة حيث توفي فيها عام 1979 ليتولى الزعامه نجله مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق حالياً.

كركوك «قدس الاقداس»

ومثلت كركوك (شمال شرق العراق) العقبة الأكبر أمام أي اتفاق بين الحكومة العراقية والأكراد كونها «قدس الأقداس» كما يعتبرها الأكراد، فضلاً عن كونها غنية بالثروات وبخاصة النفط والغاز، وفيها 5 حقول نفط واحتياطي يصل إلى 13 مليار برميل من النفط،كما يوجد فيها نسبة كبيرة من العرب السنة والتركمان وأقلية مسيحية، وهم يرفضون تفرد الأكراد بها وشمولها باستفتاء الانفصال الكردي. وأدى الخلاف بشأن مصير المدينة على مدى السنوات الطويلة إلى مشاكل كثيرة أبرزها لجوء الحكومة العراقية في آذار 1974 لإعلان الحكم الذاتي من جانب واحد، وهو ما رفضه الأكراد، لأن إعلان 1974 لم يعتبر كركوك وخانقين وجبل سنجار من المناطق الواقعة ضمن مناطق الحكم الذاتي للأكراد. وقامت الحكومة العراقية بالإضافة إلى ذلك بإجراءات إدارية شاملة كتغيير الحدود الإدارية للمدينة بشكل يضمن الغالبية العددية للعرب في كركوك، وأطلقت تسمية «محافظة التأميم» على المنطقة فضلاً عن سياسة «تعريب كركوك». لكن هذه الممارسات انتهت بسقوط نظام صدام في 2003 لتحل محلها سياسات شبيهة لكن من طرف الأكراد هذه المرة عبر ممارسة «تكريد كركوك» وطرد العرب الوافدين بعد تعويضهم مالياً، ليتحقق تغيير ديموغرافي لصالح الأكراد يحسمون من خلاله مستقبل المدينة في حال إجراء استفتاء سكاني، لا سيما أن الحكومة في بغداد على مدى 13 سنة ماطلت وعطلت مطالب إقليم كردستان بتطبيق المادة 140 من الدستور الخاصة بالمناطق المتنازع عليها ومنها كركوك، التي باتت ذات صبغة كردية وهو ما ترفضه تركيا التي ترى أنها وصية على المدينة لوجود مكون تركماني له جذور عميقة في المدينة. ويحظى مستقبل كركوك بحيز كبير من الأهمية في المنافسة القائمة في ما بين الأحزاب الكردية خصوصاً أن «الحزب الديموقراطي الكردستاني» (بزعامة مسعود البارزاني رئيس الإقليم) انتهز الفرصة واستولى على الحقول الرئيسة في عام 2014 عندما انهار الجيش العراقي في وجه هجوم «داعش» في حين تعتبر كركوك تقليدياً منطقة مؤيدة لـ«الاتحاد الوطني الكردستاني» (بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني) حيث يتمتع حزب البارزاني بدعم محدود لكن تبقى نتائج هذا التنافس رهناً بالوسائل التي يقرر الحزبان اعتمادها.

الممانعة الإقليمية والدولية حجر عثرة

وتظهر الممانعة الإقليمية حجر عثرة أمام مستقبل إقليم كردستان وتحوله لدولة مستقلة. فالموقفان التركي والإيراني ينطلقان من رؤية مختلفة لحقوق الأكراد، فكل دولة منهما لهما حسابات خاصة لكن أي قضية تتعلق باستقلال كردستان ستؤثر على الداخل في هاتين الدولتين كون رفع سقف مطالب أكراد تركيا وإيران سيعود بالضرر عليهما ويخلق واقعاً جديداً سيربك حساباتهما السياسية. فأنقرة لا تطيق سماع كلمة استقلال الأكراد رغم العلاقات الوثيقة التي تربطها بالبارزاني ورغم حصتها الأكبر من الاستثمارات الأجنبية في كردستان والتنازلات التي يقدمها الأكراد للأتراك بمجال استخراج وتصدير النفط من دون الرجوع إلى الحكومة في بغداد. ويتمتع البارزاني بعلاقات طبيعية مع طهران التي بذلت خلال الأسابيع الماضية جهوداً ووساطات سرية وعلنية لتسوية الأزمة، ولكن لم تؤتِ أكلها حتى وصلت على يد كبار المسؤولين الإيرانيين إلى حد التهديد بتدمير العلاقات وغلق الحدود. كما شكلت الولايات المتحدة حليفاً قوياً لحزبي البارزاني والطالباني منذ غزو العراق في عام 2003 لكن دعمها حالياً يتوقف على مدى إسهام هذين الطرفين في خدمة المصالح الأميركية الاستراتيجية خصوصاً أن أولويات واشنطن في المنطقة تتبدل، وهو تحول بدأه الرئيس السابق باراك أوباما ولا يزال متواصلاً حتى الآن مع الرئيس دونالد ترامب، وهو ما يجعل القادة الأكراد في قلق من مستقبل التعاطي الأميركي معهم في اليوم التالي لهزيمة «داعش» نهائياً. وكان برت ماكغورك مبعوث الرئيس الأميركي لدى التحالف الدولي المناهض لداعش واضحاً في تحذيره من أن «الاستفتاء بحد ذاته فيه مخاطر كثيرة وأن نتائجه لا يمكن لأميركا السيطرة عليها لأن هناك لاعبين كثراً» في مؤشر لإمكانية تحول إقليم كردستان لساحة حرب بالوكالة إذا حصل استفتاء يفتقر إلى الشرعية الدولية. ويدرك المراقبون والمسؤولون الأكراد، بحسب تقارير مراكز دراسات استراتيجية، بأن الاستفتاء لن يؤدي إلى الاستقلال على الرغم من حملة اللوبي المكثفة في واشنطن وأوروبا، بعد أن أخفقت حكومة إقليم كردستان في كسب الدعم الرسمي للاستفتاء أو للانفصال الكردي من جانب الأفرقاء الإقليميين والدوليين الأساسيين، مع أن كثيراً من الحكومات والمؤسسات تؤكد حق الأكراد في تقرير المصير، شأنهم في ذلك شأن جميع شعوب العالم، وتقر بالمساهمات المهمة التي قدمتها البشمركة الكردية في المعركة ضد «داعش» لكنها تبقى متمسكة بوحدة الأراضي العراقية وسيادة الدولة. فحتى الكونغرس الأميركي حيث يتمتع الأكراد العراقيون بتأثير مهم، اشترط أن تبقى حكومة إقليم كردستان جزءاً من الدولة العراقية من أجل تقديم الدعم العسكري للبشمركة الكردية في المستقبل.

عقبات كردية

ويضع مسعود البارزاني على كاهله من جديد مسعى سار عليه والده الملا مصطفى منذ زمن طويل لتحقيق الاستقلال في المناطق الكردية. لكن كما يرى متابعون للشأن الكردي لم تعد شعارات الأحزاب القومية قادرة على تخدير السكان. كما لا يستطيع شعار «الموت من أجل الاستقلال» أن يحشد الناس كلما اقتضت «المظلومية السياسية» خصوصاً ما يتعلق باستحالة العيش المشترك في العراق، فيما العيش المشترك حتى في أدنى مستوياته السياسية غير موجود في إقليم كردستان بسبب الاستفراد وسوء استخدام السلطة والثروة. وظهرت صعوبات العيش المشترك بين الأكراد واضحة في فترة الستينات من القرن الماضي عندما طفت بوادر انشقاق وصراع داخلي في «الحزب الديموقراطي الكردستاني» بخلافات جوهرية تظهر بين إبراهيم أحمد وجلال الطالباني اللذين كانا أعضاء اللجنة المركزية للحزب من جهة وبين مصطفى البارزاني ومؤيديه من جهة أخرى، لينفصل إبراهيم أحمد وجلال الطالباني عن الحزب ويشكلا «الاتحاد الوطني الكردستاني». كما أن كردستان بعد عام 1991 خضعت لحكم الحزبين الكرديين الرئيسيين وكان لكل منطقة علمها الخاص ونشيدها الوطني، فضلاً عن أن الحزبين دخلا في حرب بين عامي 1994 و 1996 وهو ما يستدعي التوقف بعناية عنده بعد مرور كل هذه السنوات أمام دعوة البارزاني إلى الاستفتاء. فالبارزاني رغم انتهاء ولايته الرئاسية رسمياً منذ ٣٠ حزيران ٢٠١٥ لم يترك منصبه. هذا وقد شكل تجديد ولاية أخرى له عام ٢٠١٣ بناء على اتفاق بين حزبه والاتحاد الوطني الكردستاني العقبة الأولى أمام التحول الديموقراطي في الإقليم، كما أنه اتخذ قرار إغلاق أبواب البرلمان وتعطيل أعماله منذ تشرين الأول ٢٠١٥، وهو ما دفع حركة التغيير والجماعة الإسلامية المعارضتين إلى رفض الاستفتاء. ويبدو هدف الاستقلال رغم قربه نظرياً بعيد المنال عملياً، بسبب الانقسامات الثقافية واللغوية والسياسية العميقة بين منطقة «بهدينان» الخاضعة لسيطرة البارزاني وبين المنطقة المعروفة باسم «سوران» الواقعة في السليمانية. فأكراد «سوران» يؤيدون مبدئياً استقلال إقليم كردستان لكنهم عملياً لا يريدون أن يتم ذلك بقيادة البارزاني، علماً أن إقليم كردستان العراق يتميز بحكم ديموقراطي برلماني مع حكم برلمان إقليمي يتكون من 111 مقعداً والرئيس البارزاني انتخب في بداية عام 2005 وأعيد انتخابه في عام 2009.

الدور الكردي بعد الغزو الأميركي والمشاكل مع الحكومات

لعب أكراد العراق دوراً مهماً في عملية غزو العراق على يد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في آذار – نيسان 2003 حيث انخرطت الأحزاب الكردية في المواجهة ضد الحكومة العراقية. وكان للقوات العسكرية الكردية، المعروفة باسم «البشمركة»، دور رئيسي في إسقاط نظام صدام حسين، ليتم تمثيل السياسيين الأكراد في مجلس الحكم العراقي وما أعقبها من انتخابات برلمانية. كما أن بصمتهم حاضرة في «قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية» وفي كتابة «الدستور الدائم»الذي يستند اليه الأكراد في المطالبة بحق تقرير المصير استثماراً لما فيه من ثغرات. ودخلت علاقة الأكراد مع بغداد في نفق مظلم في عهد حكومة نوري المالكي لدورتين من 2006 - 2014. ويلقى على المالكي اللوم الأكبر من قبل الكثير من الشخصيات والأحزاب السياسية لاعتماده أساليب إقصائية لتهميش شركائه، سواء الأكراد أو العرب السنة، والالتفاف على الاتفاقات، الأمر الذي أثار غضب السنة واحتجاجهم، بموازاة انزعاج الأكراد من وقوفه ضدهم بعد إيقاف حصة الإقليم من الموازنة المالية والتي أدت إلى قطع الرواتب عن آلاف الموظفين الأكراد وتوقف أعمال التطوير والبناء في الإقليم، حتى جاءت النداءات الداخلية والخارجية لايجاد رئيس وزراء جديد، وهو ما كان عندما تولى حيدر العبادي منصبه بدلاً من المالكي. ومع مرور 3 سنوات من عهد العبادي وقدرته على تسوية المشاكل واستعادة الأراضي الواسعة من سيطرة «داعش» وخصوصاً كبريات المدن مثل الموصل والرمادي وتكريت، إلا أن سياسة الحكومة العراقية لم تتغير تجاه الإقليم. وربط دفع الموازنة بتسليم الواردات المالية من النفط الكردي المصدر إلى الخارج، وهو ما تتحفظ عليه أربيل التي تريد اتفاقاً يحقق لها دوراً في إدارة مواردها النفطية، لا سيما أن الأزمة الاقتصادية التي تواجه الإقليم خانقة إلى حد كبير وتحتاج إلى حلول جذرية ذلك أن الديون المترتبة على كردستان تصل إلى 30 مليار دولار. كما أن الحكومة العراقية تتعامل بإزدواجية فهي توفر المال والسلاح لميليشيات الحشد الشعبي لكنها شحيحة في التعامل مع البشمركة. وما زالت قوانين مهمة، ومنها مشروع قانون النفط والغاز بنسخه الثلاث، في أدراج البرلمان العراقي منذ عام 2007 بسبب امتناع الكتل الشيعية عن إمرار أي قانون يحقق مكاسب للأكراد. فيما تقلص التمثيل السياسي الكردي في حكومة العبادي إلى وزير واحد، هو وزير الثقافة فرياد راوندزي، بعد أن تم الاستغناء عن نائب رئيس الحكومة العراقية روز نوري شاويس، وتمت إقالة رئيس أركان الجيش العراقي بابكر زيباري. لكن الضربة السياسية الأشد وطأة تمثلت بسحب الثقة في البرلمان عن وزير المال العراقي هوشيار زيباري الذي كان حجر الزاوية في العملية السياسية عبر توليه منصب وزير الخارجية في الحكومات المتعاقبة منذ 2003، بالإضافة إلى كونه خال رئيس إقليم كردستان العراق، وهو ما جعل الأكراد أمام مفترق طرق أشعرهم بأن الشراكة مع بغداد انتهت ولم تعد قائمة وأن الحل يتم عن طريق الافتراق. ومن وراء الخطوة الكردية، أصبحت إعادة التفكير في شكل النظام السياسي العراقي الحالي مطلباً ملحاً للخروج من مأزق الأزمات التي تخيم على العراق لفشل القوى السياسية في بناء دولة قائمة على أساس الدستور والقانون وحماية حقوق الإنسان والتعامل بعدالة مع المكونات الأخرى، وكبح جماح الميليشيات الشيعية المسلحة. وباتت الأوساط السياسية العراقية تتداول، في معرض حديثها عن الخروج من الأزمات التي تطحن البلاد منذ سنوات، معادلة قيام دولة على أسس كونفدرالية تجمع إقليم كردستان وإقليم الجنوب والوسط وأغلبه من الشيعة وإقليم يضم العرب السنة قبل أن يتفكك العراق إلى دويلات متناحرة في حال عدم الوصول إلى حل. ومع أن التاريخ الحديث يشير إلى أن الأكراد واجهوا العديد من الانتكاسات والإخفاقات في مسيرتهم للحصول على دولة، فإن انعكاسات الاستفتاء قد لا تختلف عن سابقاتها من نكسات، مع أن تقرير المصير يُعد حقاً مشروعاً للشعوب التي لا تملك دولاً في حال كانت المتغيرات الدولية مؤاتية، وإلا فإن الحماسة الوطنية والشعور العاطفي اللذين يخيمان على الإقليم قد يجعلا منجزات الأكراد منذ العام 1991 في مهب الريح.

 

جهود الأردن لإغاثة قطاع غزة في مرمى «القصف» والتشكيك..

 الأحد 17 آذار 2024 - 5:24 ص

جهود الأردن لإغاثة قطاع غزة في مرمى «القصف» والتشكيك.. حملات خارجية «موجّهة» بتهمة إطالة أمد الحص… تتمة »

عدد الزيارات: 150,156,002

عدد الزوار: 6,679,143

المتواجدون الآن: 100