الترامبية والقدس ... تفعيل المعادلة الصفرية..

تاريخ الإضافة السبت 26 أيار 2018 - 7:07 ص    عدد الزيارات 543    التعليقات 0

        

الترامبية والقدس ... تفعيل المعادلة الصفرية..

الحياة...محمد حسين أبو العلا ..

ليست هي اللحظة التي نستشهد فيها بحقائق التاريخ ولا بتضاريس الجغرافيا ولا بالعديد من المعطيات الأركيولوجية لنتضرع أمام العالم محاولين انتزاع أي اعتراف أو تأييد أو مناصرة ممن هم على يقين– ربما يسبقنا- بعروبة القدس وإسلاميتها! وكذلك ليست هي اللحظة التي نبرهن فيها للآخر على صدق عقيدتنا أو شرف تراثنا، وإنما هي اللحظة الفارقة التي يجب أن تقتحمنا فيها القناعة والإيمان بضرورة تغيير آليات المواجهة تجاه كل الحقوق المسلوبة، لا سيما وأن المنعطف الأخير للقضية قد أخذ منحنى استراتيجياً يعمل على إبادتها بعد جولات زمنية في زحزحتها وتغيير مسارها. وليست هذه الحقوق تكمن في اغتصاب أرض وطمس معالمها، وإنما في محو هوية تاريخية أصيلة ومحراب مقدس للأديان. على ذلك فليست قضية القدس في تحوراتها هي قضية حقوق تاريخية فحسب، وإنما هي قضية استلابية يعد المقياس الفاصل فيها هو كفاءة القوة الطائشة وطبيعة توظيف هذه القوة في مجتمع دولي مترنح مبتذل سحقت فيه الأعراف الإنسانية والثوابت القانونية والمواثيق الدولية، وباتت الشرعية مفهوماً يمثل منطق القهر والقمع والتعسف، فبعد أن خاضت الترامبية بتوجهاتها الشاذة مسلك معاداة الكتلة الشرق أوسطية والعالم الإسلامي بأسره معلنة نقل السفارة الأميركية إلى القدس باعتبارها عاصمة للدولة العبرية، وهبّت على أثر ذلك عواصف التظاهر والتنديد والشجب والمعارضة العربية، ثم سكنت واستقرت إلى دوائر الغفلة لتستيقظ ثانية على كابوس مروع داع لاحتشاد العديد من الدول لنقل سفارتها إلى القدس في غضون أيام قلائل، نظير مصالح وقتية على الصعيد الاقتصادي والعسكري. إنها لغة المعادلة الصفرية في إطار سيادة مبدأ الاستحواذ الذي تتساوى خلاله مكاسب طرف متجبر بخسائر طرف آخر ضعيف، لكنها في الآن نفسه تعد بالنسبة للجبهة العربية في إطار سيادة مبدأ استعادة الحقوق ركيزة من ركائز الصراعات والانقلابات، بل أنها من أبرز أسباب الحروب مهما اختلفت موازين القوى وتفاوتت وضعية الدول، إذ تظل هناك تكنيكات اختراق وتفكيك ذات فاعلية، وهي أفضل كثيراً من استراتيجية المهادنة والاستسلام. قضية نقل السفارة ظلت قابعة منذ أمد بعيد في أضابير الإدارة الأميركية ودهاليز البيت الأبيض، ولم يقو رئيس على طي الاعتبارات والمحاذير المرتبطة بها، لكن الترامبية آثرت أن تنهض بدور الفارس المغوار الذي يوجه لطمة أبدية للعرب تتويجاً للذكرى السبعين لقيام دولة الاحتلال، التي يحاول أقطاب العالم استرضاءها، بل ربما التبعية لها مهما تكن النتائج مخزية فاضحة!!

إلى غير ذلك من الترهات السياسية التي اختتمها لفيف من الكتاب والفلاسفة والفنانين والرموز الفرنسية، يتقدمهم «فيليب فال» المدير الأسبق لمجلة «شارلي إبدو»، بدعوة تطالب بتغيير بعض آيات القرآن المتجاوزة لنحو سبعة وعشرين آية، ذلك إرضاء لليهود وسرعان ما تحولت تلك الدعوة إلى بيان تحريضي مثير حاد. تم تضمينه في كتاب «معاداة السامية الجديدة في فرنسا»، والذي تعتمد فلسفته على التأكيد على أن اليهود هم أؤلئك المعذبون في الأرض من قبل المسلمون الأشرار المتطرفين، وأن اليهود الفرنسيين هم دائماً أكثر تعرضاً للهجوم وممارسات العنف السياسي والديني، وهو ما يجدد لديهم عقدة الاضطهاد. وعلى ذلك كله تتكشف منظومة التساؤلات التي شغفت الكتّاب والمحللين وخبراء الاستراتيجية والتي منها: هل ساوى رد الفعل العربي في ثقله وقيمته اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما ترتب على هذا الاعتراف من ممارسات جائرة؟ وما هي الوضعية الجيوبوليتيكية للشرق الأوسط إثر ذلك في المستقبل القريب والبعيد؟ وهل يطوي ذلك تاريخاً قديماً للعرب أم يشق لهم طريقاً جديداً نحو سبل المغامرة المحسوبة في العلاقات الدولية؟ وما هو المعنى الضمني الذي لم ينتفع به العرب وراء مطالبتهم دفع أموال جباية مقابل الإبادة الأميركية للتنظيم الداعشي؟ وكيف بلغت السياقات الفوضوية مداها حين تتبنى كوريا الجنوبية فكرة حصول ترامب على جائزة نوبل للسلام، بينما الجبهة الأميركية لديها رؤية أخرى أوجزها «بوب كوركر» مؤداها أن كل ما سيذكره التاريخ عنه هو كم الأكاذيب والإهانات وانحطاط الأمة في عهده؟! وكيف تسنى لترامب أن يؤكد أن لديه فكرة عظيمة عن الشؤون العسكرية، ورؤية خاصة في شأن سورية أفضل كثيراً ممن يطلقون على أنفسهم عباقرة عسكريين. بينما تتجه رؤية قادة العالم نحو كونه يعد تاجراً محترفاً يدير أميركا باعتبارها شركة تجارية وليس بكونها دولة عظمى؟! وكيف غاب عنه معنى الكينونة الأميركية بطاقاتها الحضارية؟

ولعل ذلك لا يعنينا بقدر ما يعنينا أن الوضع المستقبلي العربي لا بد أن يغاير الحاضر بل يناقضه، لأنه لا أحد يختلف حول طبيعته وظرفياته وسقطاته ورجعياته، لكن منطق التاريخ يؤكد دوماً أنه حين تكون في القاع فليس أمامك إلا أن ترتفع، ومن ثم لا تصبح القضية هي كيف ترتفع، بل إنها تبدأ بالإصرار على حتمية الارتفاع والارتقاء، بعدها تأتي الكيفية التي تنحصر في اعتماد منطق المكاشفة القائل: إن ضياع القدس لا يعني إلا أن تلفظ القضية العربية أنفاسها الأخيرة، معلنة عن الهزيمة الساحقة للشوط التاريخي في تلك العلاقة الصراعية العتيقة بين الشرق والغرب!

* كاتب مصري

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,098,313

عدد الزوار: 6,752,581

المتواجدون الآن: 98