في ظل غياب الأهداف الممكن تحقيقها أميركا تحاول إنقاذ إسرائيل بوقف الحرب..

تاريخ الإضافة الثلاثاء 14 أيار 2024 - 4:05 ص    التعليقات 0

        

في ظل غياب الأهداف الممكن تحقيقها أميركا تحاول إنقاذ إسرائيل بوقف الحرب..

الراي.. | بقلم - إيليا ج. مغناير |.... يطلق رئيسُ الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو النارَ في جميع الاتجاهات فلا يصيب أهدافاً إستراتيجية يمكن تحقيقُها. إذ لا تُقاس حساباتُ الربح والخسارة من الناحية العسكرية وعلى صعيد الإنجازات الإستراتيجية من خلال تدمير المدن أو قتْل المدنيين أو تجويعهم حين تفشلُ القيادةُ في تحقيق أهدافها الأساسية التي رسمتها للحرب ومَن سيحكم بعد ذلك.

فالحربُ هي أسلوبٌ سياسي مختلف، لا تُسَجَّل فيه الانتصارات مِن خلال تدمير البنية التحتية إلا إذا استسلم العدو وخَسر المعركةَ برفْعه الراية البيضاء أو أوقف القتال وسيطر المُهاجِم على الدولة أو المدينة أو المدن التي يهاجمها وأنهى العمليات العسكرية تماماً. وحتى ولو بقيت مقاومة صغيرة تملك قدرات بدائية أو قوة صغيرة، فهي لا تغيّر في الواقع العسكري المستحدَث في حال إنهاء المعركة برابح وخاسر. وهذا ما لم يحصل بعد أكثر من سبعة أشهر من المعارك الشرسة والدمار غير المسبوق في غزة.

ولكن المشكلة الكبرى التي يواجهها أقوى جيش (إسرائيلي) في الشرق الأوسط - الذي وصفه وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن بـ «المحترف» ويتلقى التدريبات المستمرة ويقوم بمناورات سنوية متعددة فردية ومشتركة مع حلفائه الغربيين، ويلقى الدعم المادي والعسكري اللا محدود من دول عظمى وأخرى صناعية أوروبية غنية - هي الفشل المتواصل في جميع المدن التي احتلها وخرجتْ منها قواته ليتحضّر للعودة إليها بأعذار متعدّدة وغير مُقْنِعة.

ويراقب العالمُ باهتمام بالِغٍ فشلَ هذا الجيش - الذي أثار الدهشة بأدائه الضعيف واللا أخلاقي في أرض المعركة - لأخْذ العِبر واستخلاص النتائج المهمة من حرب غزة المتواصلة لتحديد الأخطاء الفادحة التي صدمت العالم ودفعتْ جيشاً «محترفاً» لتحويل غضبه نحو المدنيين.

وبعيداً عن المواقف العاطفية، تُقاس حرب غزة من منظارِ ما يحدث على أرض المعركة بعد دخول الاشتباكات شهرها الثامن. فقد اعتقدت الحليفة الأولى لإسرائيل، أميركا، أن جيش الاحتلال سيُنهي المعركةَ خلال ثلاثة أشهر على أبعد تقدير. وقد بدأت الإدارة الأميركية برفْع الصوتِ حول أداء جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد أكثر من خمسة أشهر عملتْ خلالها إسرائيل على ارتكاب أبشع الجرائم التي يدينها العالم المتحضّر دون تحقيق الأهداف المعلنة.

إذ احتلت إسرائيل شمال غزة في أكتوبر ونوفمبر بفرقتين 252 و 162 ودمّرت أكثر من 70 في المئة منه. ثم انتقل جيش الاحتلال إلى الجنوب من دون أن يفتح أي ممر للمساعدات الغذائية لمدة أشهر طويلة بعد قطع الماء والكهرباء والوقود أثناء وعقب العمليات العسكرية في الشمال والجنوب.

ثم عاد جيش الاحتلال إلى الشمال من جديد ليشتبك مع المقاومين حول منطقة مجمع الشفاء لمدة أسبوعين ليَخرج من جديد منه. وأعلن وزير الدفاع يوآف غالانت قبل أربعة أشهر إنهاء العمليات العسكرية في الشمال وكذلك في الجنوب وإنشاء منطقة عازلة حول غزة وشقّ طريق عُرف بـ«ممر نتساريم» يقطع الشمال عن الجنوب لمنع عودة المهجرين الذين خرجوا من الشمال بحثاً عن مناطق أكثر أمناً جنوباً إلى ما تبقى من منازلهم ومناطقهم المدمرة.

ولكن جيش الاحتلال لم يتوقف يوماً عن قصف المناطق التي أخلاها. وها هو يعلن أنه يحرك البوصلة من جديد نحو الشمال، وتحديداً إلى مخيم جباليا - الذي لم يستطع دخوله أصلاً - لأن «المقاومة عاودت تنظيم صفوفها من جديد». فكيف تعاود المقاومة تنظيم وتسليح نفسها إذا كانت جميع الطرق بين الشمال والجنوب مقطوعة وغزة محاصَرة بالكامل؟ هذا يدلّ على أن «حماس» لم تُهزم في غزة وأنها تملك المبادرة العسكرية والقدرة على إعادة تنظيم صفوفها والتأقلم مع تكتيكات جديدة لضرب العدو. بالإضافة إلى ذلك، يُعد الهجوم على جباليا كجهد ثانوي إلهائي عن الجهد العسكري الأساسي في رفح.

وتَزامَنَ إعلان الجيش الإسرائيلي عن خطته المقبلة للعودة إلى الشمال مع خبر قتل خمسة ضباط وجنود من جيش الاحتلال ينتمون إلى الكتيبة 931 من لواء ناحال، وسقوط 60 جريحاً في الاقتحام الثالث لحي الزيتون، جنوب القطاع. وفي اليوم نفسه قصفت المقاومة بئر السبع، أكبر ثاني مدينة في فلسطين المحتلة بعد القدس، والتي تبعد 40 كيلومتراً عن غزة، ومستوطنات في غلاف غزة، وكذلك قصْف عسقلان من شمال غزة.

وهذا يدلّ على قدراتٍ للمقاومة لم تنتهِ وقيادات متجددة لم تُقتل، بل على العكس، فقد اتبع الفلسطينيون سياسة التقنين في استخدام القدرات لتوفيرها لمعركة دفاعية في مناطقِ عملياتٍ قد تدوم لأشهر طويلة مقبلة، وخصوصاً أن المقاومة تهاجم أهدافاً عدة بقواتٍ صغيرة جداً بهدف استنزاف العدو المتوغل في أنحاء عدة من غزة وإزعاج قواته في مواقع مختلفة.

ا بدء عملية رفح حيث يوجد نحو مليون ونصف المليون لاجئ، فقد أجبر نحو 300.000 فلسطيني على الخروج إلى الجنوب غير الآمن، وهذا يُعد تطهيراً عرقياً. فقد دفعتْ قواتُ الاحتلال المهجّرين للعودة إلى دير البلح وخان يونس المكتظين بالسكان من دون توفير أبسط مقومات الحياة والأمان، وذلك تحت عيون المجتمع الدولي العاجز عن وقف نتنياهو.

من ناحية أخرى، فان انخفاض عدد المدنيين في رفح يقدّم فرصة تستفيد منها المقاومة لتعمل بأريحية لضرب العدو حتى في الأماكن المفتوحة التي تتكون منها منطقة رفح التي لا تتعدى مساحتها 35 كيلومتراً مربعاً من أصل 365 كيلومتراً مربعاً هي مساحة غزة الإجمالية.

وما يثير الدهشة أنه رغم القدرات اللا محدودة التي تتمتع بها إسرائيل والأسلحة المتقدمة جداً والإمكانات الإلكترونية والتنصت والتعقب والمسيّرات وأسلحة الطيران والبحرية والمدفعية، فإن كل هذا، بالإضافة إلى 180.000 جندي وضابط محترف وكذلك 350.000 من قوات الاحتياط (ليس جميعهم زُجوا في المعركة ضد القطاع طبعاً) لم يمكّن قيادة الأركان الإسرائيلية من التعامل مع هذه المقاومة. بل أكثر من ذلك، استفادت قوات الاحتلال من السماح الدولي لجميع الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والإبادة الجماعية والعقاب الجَماعي الذي تقوم به من دون أن يحاسبها أحد من خلال المظلّة التي تقدّمها لها أميركا.

واستفادت إسرائيل أيضاً من أكثر من 350 شحنة أسلحة قدّمتها أميركا وألمانيا لتلبي احتياجاتها من الذخائر وتعيدَ ملء مخازنها. ومع ذلك، يرى العالم من المنظار العسكري، الاخفاقات التي يُمنى بها جيش الاحتلال، ليس لأنه وَضَعَ أهدافاً عسكرية يستحيل تحقيقها وغابت عنها الأهداف السياسية، بل لغياب أي هدف عسكري إستراتيجي يمكن تحقيقه مقابل قوة صغيرة غير نظامية تتمتع بروحية قتالية عالية وتصميم على مواصلة القتال، وأُضيفت إليها قدرة تحمّل فقدان الأهل والأقارب وقلة الطعام، ومعرفةُ الأرض وطبيعة العدو وروحيته الضعيفة للقتال في معركةٍ على أرض لا يملكها.

وهذا ما سيشكّل علماً جديداً في الحروب المقبلة وكيفية قيادتها وحدود ما يمكن تحقيقه. فالمقاومة في غزة لا تملك سوى أسلحة محلية بعددها الأكبر، ولكن بخبرات قتالية مهمة وروح معنوية تفوّقتْ على أقوى الجيوش أو على الأقل صمدت في وجهه، ومازالت تحارب بعد 220 يوماً بالزخم نفسه، الذي حاربت فيه منذ اليوم الأول للمعركة. وها هي إسرائيل تسيطر على جميع المعابر وتغلقها لتعود إلى سياسة التجويع الفاشلة التي لم تَهزم المقاومة سابقاً. وتُظْهِر إسرائيل أنها تقود حرباً غير مدروسة، فلا أهداف إستراتيجية تستطيع تحقيقها ولا خطة لديها لِما بعد الحرب، ولذا تذهب نحو الاقتصاص من غير المحاربين والأطفال والنساء. إلا أن هذا الفعل من شأنه كشْف عجز إسرائيل - وليس قوتها - الذي ظَهّرَه السابع من أكتوبر. وما تحاول أميركا فعْله هو إنقاذ إسرائيل من نفسها ومن خسارتها، وليس معاقبتها من خلال إقناعها بوقف الحرب، فتواجَه بعنجهية نتنياهو وحكومته الذين لم يقتنعوا بأن عليهم تقبل الإهانة التي منيوا بها في السابع من أكتوبر، والاكتفاء بمَن قتلوا وما دمّروا.

ملف روسيا..الكرملين يعترف بأزمة ديموغرافية «كارثية» ويدعو لزيادة المواليد..

 الجمعة 26 تموز 2024 - 6:39 م

الكرملين يعترف بأزمة ديموغرافية «كارثية» ويدعو لزيادة المواليد.. موسكو: «الشرق الأوسط».. لفت الكر… تتمة »

عدد الزيارات: 165,327,454

عدد الزوار: 7,419,748

المتواجدون الآن: 110