كيف سقط اللبنانيون في فخ "مجموعات الثورة" والطبقة الحاكمة...

تاريخ الإضافة الأربعاء 21 تشرين الأول 2020 - 8:28 م    عدد الزيارات 571    التعليقات 0

        

كيف سقط اللبنانيون في فخ "مجموعات الثورة" والطبقة الحاكمة...

الحرة.... حسين طليس – بيروت.... "سننطلق الآن من ساحة الشهداء، سنتجه إلى الحمرا لنتوقف قليلا أمام مصرف لبنان، ثم سنعود إلى وسط بيروت وتنتهي المسيرة أمام المرفأ حيث سنضيء النصب التذكاري لشعلة الثورة"، هذا ما قاله أحد المشاركين في مسيرة "17 تشرين" في الذكرى السنوية الأولى لاندلاع الاحتجاجات الشعبية المناهضة للسلطة السياسية والطبقة الحاكمة في لبنان، بشأن ما كان يخطط له المتظاهرون في هذا اليوم. في السابق، لاسيما في التظاهرات المركزية وآخرها عقب انفجار مرفأ بيروت، لم يكن المحتجون يعلمون متى وأين وكيف ستنتهي المظاهرة، كانت تأتي الأجوبة على الاستفسارات حول نواياهم وقراراتهم لما هو قادم من يومهم على شكل "لن نخرج من الشارع قبل تحقيق مطالبنا، أو قبل اسقاط الحكومة أو قبل الدخول إلى مجلس النواب، أو محاكمة المسؤولين عن انفجار المرفأ..."، كانت تستمر التظاهرة إلى حين وصول الأوامر الأمنية بفضها عبر قوى مكافحة الشغب والغاز المسيل للدموع. هذه المرة كانت أوامر فض المسيرة متخذة ذاتيا من قبل المنظمين أنفسهم، حتى أنهم استحدثوا مجموعة من أصحاب السترات الصفراء ومهمتهم منع أي اشتباك او أعمال عنف وضمان عدم خروج المسيرة عن مسارها.. الفولكلوري كما يقول الكثير ممكن شاركوا فيها. وصلت المسيرة إلى المرفأ، بعد جولتها على محطات الانتفاضة، أضيئت الشعلة، واندلعت كلمات المجموعات المشاركة التي تنافست على ذكر اسمها من على المنصة، وعلى رفع الهتافات المرافقة لكل اسم، كل ذلك كان مسموعا عبر مكبرات الصوت. لم ينتظر الناس انتهاء الكلمات، غادروا خلالها، بعضهم إلى منازلهم وآخرون يبحثون عن اشتباك برائحة الغاز المسيل للدموع، أقرب إلى ذكرى 17 أكتوبر من رائحة الغاز التي انبعثت من مجسم "شعلة الثورة" قبل اشعالها، وقد نالوا ذلك. هكذا أراد المنظمون تظهير "الثورة" في ذكراها السنوية، أو أن هذه الصورة ظهرت رغماً عن إرادة الجميع، وعكست واقع الأمور التي وصلت إليه "الثورة" ومجموعاتها بعد سنة على انطلاقتها. شرذمة بين المجموعات التي اصطفت وفق انتماءاتها على طول المسيرة، أحزاب نجحت بركوب الموجة وانضمت إلى لائحة المجموعات المشكورة من على منصة "الثورة"، ومشاركة شعبية خجولة لم ترتق إلى حجم المعاناة التي يعيشها اللبنانيون، فيما بيروت تعيش يوماً عادياً آخراً إلا الشوارع التي عبرتها المسيرة، توقفت إلى حين مرورها، ثم تابعت يوماً آخر من يوميات "الانهيار".

ثورة أم انهيار؟

كان هذا السؤال الذي يؤرق غسان الذي يعمل نادلاً في أحد المقاهي في شارع الحمرا، كان يقف في الخارج أثناء مرور المسيرة في الشارع، استطلعنا رأيه على أنه أحد المشاركين، لم يكن منهم، شارك من قبل لكنه لم يفعل اليوم، "إذا توقفت عن العمل اليوم، سأخسر يوميتي وقد اطرد من عملي، هل كانت الثورة ستعطيني أجري أم تؤمن دواء والدتي المفقود؟" هي مقابلة وضعها غسان بين واقعين متنافسين على صدارة المشهد، الأول الثورة في الشارع، والثاني الانهيار الذي يضرب البلاد. يرى الكاتب والباحث في العلوم السياسية، وسام سعادة، أن المحتفلين بالذكرى السنوية لـ17 تشرين إما لديهم تصور بأن 17 أكتوبر هي المحور الذي تدور حوله في البلاد وهي المسار العام فيما "الانهيار" هو المسار الجانبي، أو أن المنتفضين اليوم في م والبلاد المنهارة في مكان آخر. يضيف سعادة: "هناك بلد يتحلل ونظام اقتصادي بات في مرحلة يرثى لها، وسط أزمة سياسية بين المكونات الداخلية وحصار من الخارج على قسم منها، إذ منذ 17 أكتوبر المسار العام هو الانهيار، انهيار الاقتصاد والنظام المصرفي وتحلل المنظومة السياسية القائمة وافتقاد مؤسسات الدولة للمعايير الدستورية في تعاملها، الناس استشعرت كل ذلك فكانت الانتفاضة في 17 أكتوبر 2019 محاولة شعبية لمواجهة هذا الكابوس وعكس مساره". "وبالتالي الانهيار هو الواقع القائم وأصل المشهد فيما الاحتجاجات جاءت فرعا من الأصل لمواجهته وهروبا شعبيا إلى الأمام في ظله، وعلى مجموعات 17 أكتوبر أن تقتنع بذلك وأن تطرح السؤال الحقيقي الذي من شأنه أن يحمل نتيجة بالإجابة عليه هو من يتحمل نتيجة هذا الانهيار، وأي طبقة اجتماعية أكثر من الأخرى وما هو النظام الذي يمكنه إخراج البلاد من مرحلة الانهيار، وقبل أن تطرح كل تلك الأسئلة هناك مشكلة كبيرة، فهم يظنون أن مجرد تسلمهم للسلطة واجراء انتخابات نيابية والإتيان بكفاءات سينهي الانهيار وهذا غير صحيح."، يضيف الباحث اللبناني. ويتابع سعادة، "حتى الناس ما عادت تقبل بهذا الطرح، ولو أن موجة شعبية كبيرة سارت بخطاب "سلمونا السلطة" وبات هناك أزمة ثقة وولاء بين الشعب وزعمائه التقليديين، لكن الناس اليوم بحالة لا تحسد عليها، فهم أيضاً ما عادوا يقتنعون بأن هذه الوجوه الجديدة، ومن خلال سلوكها في الانتفاضة، قادرة على إحداث تغيير وتأمين بديل وحل للمشاكل التي تواجههم، بل يشعرون بأنهم يستمعون إلى أناس مبرمجين على نفس الشعارات في كل السياقات والظروف والوقائع التي اختلفت وتقلبت كثيراً في عام واحد، وا هم ثابتون على الرؤية نفسها بأنهم يريدون السلطة بأي طريقة، دون أن يقدموا أي خطة عمل وهم يدركون أن هذا النظام لن يسلمهم السلطة ولا هم اثبتوا انهم قادرون على استلامها."

"الانتفاضة كان هدفها واضحا وهو إسقاط الحكومة ونجحت في ذلك، بعد ذلك استمرت حيوية الشارع في محطات كثيرة متقطعة،

ماذا تحقق بعد سنة؟

انتقادات واسعة طالت منظمي المسيرة ومن خلفهم المجموعات العاملة تحت مظلة 17 أكتوبر. تمييع التحركات والمشهدية الكرنافالية كانت أكثر ما أثار تلك الانتقادات، إضافة إلى الجمود في الخطاب والتكرار في الأفكار والمطالب المطروحة، وعدم ملامسة الواقع القائم والمزاج الشعبي في لبنان، وإلى جانب ذلك كان سؤال رئيسي يتكرر من الشارع إلى مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام، "ماذا تحقق من الثورة بعد سنة؟" سعادة يرى أن "الانتفاضة كان هدفها واضحا وهو إسقاط الحكومة ونجحت في ذلك، بعد ذلك استمرت حيوية الشارع في محطات كثيرة متقطعة، وفتحت الباب أمام احتجاجات عديدة في البلد لكن كورونا لعب الدور الأول بخفوت هذه التحركات أكثر من أي شيء آخر، كما حصل بالتزامن في العراق وتشيلي." "كسرنا حاجز الخوف وتوحدنا لأول مرة، عرينا السلطة الحاكمة وأسقطناهم شعبيا، أفهمناهم بأن الأمور لم تعد كما قبل وباتوا هم يتحدثون بخطابنا، أدخلنا مفهوم المحاسبة إلى القاموس السياسي لأول مرة في تاريخنا، باتت كل الأنظار متجهة إلى فسادهم في كل دول العالم"، هذه عينة من الأجوبة التي رد بها المتظاهرون على سؤال "ماذا تحقق بعد سنة على الاحتجاجات؟"، وهذا واقع صحيح بات قائماً في لبنان بعد 17 أكتوبر، لكن الشعارات التي رفعت منذ بداية الاحتجاجات كانت أكبر بكثير من الإنجازات المعنوية التي جاءت بها الأجوبة، شعارات بحجم "إسقاط النظام" ومحاسبة الطبقة الحاكمة "كلن يعني كلن" وانتخابات نيابية مبكرة والتحول نحو المدنية والعلمانية وإنهاء التحاصص الطائفي.

شعارات كبيرة لشارع صغير

كلها شعارات تكررت في الهتافات والكلمات خلال المسيرة الأخيرة أيضاً، لكنها لم تحمل الوقع نفسه الذي حملته ليلة السابع عشر من تشرين، حينما كانت الشوارع تطوف بالمحتجين الذين أطلقوها، يرددها اليوم مئات بعدما كانوا آلافاً في السنة الماضية. "المطالب والشعارات كأي شيء تطرحه في سوق فعندما تكون في الشارع مع مليون متظاهر بإمكانك رفع سقف المطالب حتى النهاية ولكن عندما يصبحون 100 لا يمكن طرح الشعارات نفسها واسقاط كل شيء والقول إن السلطة للشعب، يتحول ذلك إلى مثار للسخرية وانعدام الثقة الشعبية بجدية هذه الشعارات ومن يطرحها"، يقول سعادة الذي يرى أن هذه مشكلة سببها "غياب القيادات والأطر الثورية القادرة على التقدم والتراجع في الوقت نفسه، إذ ليس المطلوب فقط التقدم ورفع سقف الشعارات، مطلوب أيضا التراجع والمراوغة بحسب معطيات الشارع وتجاوب الشعب مع التحركات." ويضيف، "في الوقت نفسه لا يمكن لوم الناس والناشطين والثوريين، فالمشكلة أن ما جرى في 17 أكتوبر لم يكن وليد تراكم ثوري، صحيح أن البلاد شهدت حراكا في العام 2015، ولكن هناك فجوة زمنية بينهما، ولم يكن هناك تنامي وتطور للحركة الشعبية والثورية بل كانت التحركات عبارة عن رد فعل عفوي على ممارسات السلطة والحكومة، وسط غياب للوعي حول مسار الأمور المالية والاقتصادية في البلاد، فبينما كانت الناس تحرق المصارف وتحطم واجهاتها، كانت المصارف تسعى لتهريب رؤوس الأموال وهندسة أمورها المالية للتماشي مع الانهيار القادم." "لم تعبر الانتخابات النيابية منذ عامين فقط، زبائنية ومحسوبية وولاءات مطلقة فقط، بل كانت تعبر أيضا عن انقسام الشارع اللبناني بين الأطراف" "لم تعبر الانتخابات النيابية منذ عامين فقط، زبائنية ومحسوبية وولاءات مطلقة فقط، بل كانت تعبر أيضا عن انقسام الشارع اللبناني بين الأطراف"

خصوصية الوضع اللبناني

يرى جزء كبير من اللبنانيين اليوم أن 17 أكتوبر باتت جزء من انقسام البلد ومن روتينه السياسي، خاصة مع محاولات تحويلها إلى هوية سياسية، ويعتبر سعادة أن "هذا يخالف الواقع الذي كان في 17 أكتوبر 2019، حيث شارك كل الناس من هم مع 14 و8 اذار ومن هم خارج الاصطفافات السياسية في البلد، وهذا ما منح الانتفاضة هوية جامعة أبعد من تكون هوية سياسية، لذا يجب على مجموعات 17 تشرين أن تفهم ان البلد مقسوم وأنهم جزء منه، والناس ليست مجتمعة على المصالح نفسها والمطالب نفسها، وفي هكذا أوقات الناس تبدأ بالنضوج لمطالبها ومصلحتها الحقيقية ومن يمثلها، وفي الوقت نفسه تنضج لخلافاتها واختلافاتها على تلك المطالب والمصالح والأفكار والخطاب وعاجلا أم آجلا يجب أن يدركوا أن أحدا لن يستطيع ان يحكم منفردا أو يلغي الآخر في بلد كلبنان."

إضافة إلى ذلك، يمثل الإطار الديمقراطي الذي يعمل ضمنه النظام اللبناني صعوبة إضافية في أي عملية تغيير في البلاد، يصفها سعادة بـ "الديمقراطية المشوهة" ويؤكد أنها أكثر صعوبة من الأنظمة الديكتاتورية ذات الحزب الواحد: "النظام اللبناني مراوغ وشرس وصلف ولكن قانونياً هو نظام ديمقراطي يستمد شرعيته من الانتخابات والشعب، لديه طبيعة دستورية وشعبية و تعدد أحزاب".

"ويجب ألا ننسى أن البلد قد شهد انتخابات نيابية منذ عامين فقط، ولم تكن شكلية أو معلبة او مفروضة، ولم تكن النتائج تعكس زبائنية ومحسوبية وولاءات مطلقة فقط، بل كانت تعبر أيضا عن انقسام الشارع اللبناني بين الأطراف أضف إلى ذلك الانقسامات الطائفية والطبقية في المجتمع، وبالتالي لا يمكن التعامل مع الأطراف السياسية وكأنها مقطوعة من شجرة، وهذه مشكلة الأفكار لدى القوى التي تريد أن تحول 17 أكتوبر إلى "ثورة"، يضيف سعادة

يختم سعادة متفائلا بحيوية الشارع بالرغم من كل الأخطاء والمعوقات، متوقعا أن تستمر الحركة الاحتجاجية وأن تكبر وتخبو وفقاً للتطورات والظروف في البلد، لكنه يعبر عن خوفه من أن يخسر لبنان مشهد "المليونيات"، أي الحالة التي رافقت 17 أكتوبر في كل لبنان، والتي حملت "فكرة انبعاث البلاد ولبنان رح يرجع ولكن اليوم هناك صعوبة في تخيل هذا المشهد العرس وسط كل هذه الأزمات"...

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,211,286

عدد الزوار: 6,940,628

المتواجدون الآن: 112