إذن بالقتل...

تاريخ الإضافة الإثنين 26 تشرين الأول 2020 - 5:31 م    عدد الزيارات 1032    التعليقات 0

        

إذن بالقتل...

أرميناك توكماجيان...

مركز كارنيغي... لا تنفك قواعد السلوك السياسي المقبول تتغيّر في سورية، ما يؤدي إلى عواقب وخيمة....

تختلف معايير السلوك السياسي المسموح به في المناطق السورية الخاضعة إلى سيطرة نظام الأسد اليوم عما كانت عليه قبل العام 2011. وقد بدّلت فصول النزاع السوري أيضاً مكانة ونفوذ الوسطاء بين النظام والمجتمع الذين لعبوا في الكثير من الأحيان دوراً أساسياً في التوسّط نيابةً عن مواطنين تجاوزوا الخطوط الحمر التي حدّدها النظام.

فَقَد الكثير من السوريين، خصوصاً الذين عاشوا خارج المناطق الخاضعة لسيطرة النظام خلال الحرب، قدرتهم المُلفتة على التحرّك ضمن خطوط حمر غادرة. وخسرت شخصيات كانت نافذة في السابق قدرتها على التوفيق بين الدولة من جهة وأبناء مجتمعاتهم المحلية من جهة أخرى.

أتقن السوريون لعقود خلت فنّ التحرّك ضمن الحدود الخفية التي تؤطّر السلوك المسموح به سياسياً. فقد كان التذمّر من الفساد ممكناً، لكن انتقاد الرئيس خط أحمر. وكان يُسمَح بمواجهة موظّف حكومي يرفض إنجاز معاملة إلا مقابل رشوة، لكن فعل ذلك مع مسؤول أمني أشد خطراً بكثير. إذاً، طوّر السوريون، الذين عاشوا قسطاً كبيراً من حياتهم في ظل دولة بوليسية، القدرة على التماس الفروق الدقيقة للتمييز بين المسموح والمحظور، ما سمح لهم بعدم تجاوز الحدود الخفية. مع ذلك، انتُهكت هذه الخطوط الحمر تارةً سهواً، وطوراً عمداً لتحدّي ما أدخله النظام في خانة المحظور. وعلى الرغم من عدم تسامح النظام تاريخياً مع كل ما يعتبره تهديداً لوجوده، لم تنتهِ هذه الانتهاكات دائماً بالعنف، ذلك أن الوسطاء الذين ربطتهم علاقات جيدة مع النظام غالباً ما تدخّلوا نيابةً عن المواطنين الذين تجاوزوا الخطوط الحمر، فساهموا في إصلاح الضرر. شهدت بدايات الحربين الأهليتين السوريتين - الأولى ضد الإخوان المسلمين التي بلغت ذروتها عند وقوع مجزرة حماة في العام 1982، والثانية هي الانتفاضة التي اندلعت في العام 2011 - أمثلة عدة على ذلك.

أما اليوم، فالحدود المرسومة داخل مناطق النظام مبهمة للغاية ولا تنفك تتغيّر، في ظل تراجع دور الوسطاء القدامى. تقدّم روايتان شهدتهما مدينة دير حافر الواقعة بالقرب من حلب خير دليل عن هذا التحوّل في العلاقات بين الدولة والمجتمع. الأولى حدثت مع راعٍ والثانية مع أحد الوجهاء العشائريين.

القصة الأولى هي عن رجل سيء الحظ عاد مؤخراً إلى دير حافر من مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، وتظهر كم أصبحت الخطوط الحمر التي وضعها النظام مبهمة ولامركزية. هذا الرجل الخمسيني الذي يعمل راعياً إنما شغفه الأول هو الغناء، لم ينخرط قط في أي نشاط سياسي. ولقدر ما كان واثقاً من "سجلّه النظيف"، قرّر العودة إلى دياره بعد أن كان نازحاً داخلياً، وتمكّن من العبور إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام قرب مدينة الباب، ما يشير بأنه غير مدرج على لائحة المطلوبين لدى النظام، فنجح في العودة إلى مسقط رأسه. لكن بعد مرور بضعة أيام، استدعته قوات الأمن المحلية، ولم يُسمع عنه شيء. بيد أن سبب استهدافه لا يزال مجهولاً. فهل تجاوز خطاً أحمر؟ أم أن المسؤول الأمني المحلي تصرّف من تلقاء نفسه؟ أم أن أحداً أبلغ عنه لتصفية حساب شخصي؟ هذا اللايقين يجعل الحدود التي رسمها النظام وأتباعه المحليون مبهمة للغاية. وهذا هو الوضع الذي يعيشه تحديداً الأشخاص الذين غادروا مناطق النظام خلال النزاع، وبالتالي لم يضطرّوا للتكيّف مع القيود الجديدة المفروضة على ما يمكن قوله أو فعله.

هل يمكن لوسيط تربطه علاقات جيدة مع السلطات المحلية ويعرف ما جرى للراعي أن ينقذه؟ ربما، فسياسات الوساطة غير الرسمية تشكّل سمة أساسية في سورية اليوم، على الرغم من تغيّر الكثير من الوسطاء وبروز آخرين جدد. اختبر هذا التغيير شخصياً أحد وجهاء دير حافر الذي يملك تاريخاً حافلاً من الأنشطة الموالية للنظام. فقد كان بحكم منصبه كشيخ عشيرة شخصية مهمة في دير حافر قبل العام 2011، بيد أنه لم يعد كذلك اليوم على ما يبدو.

بعد أن استعاد النظام دير حافر من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2017، توسط الشيخ مع السلطات من أجل عودة شقيقه من إحدى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. وكانت الخطة تقضي بأن يعود شقيقه، ويحل مشاكله الأمنية مع سلطات الأمن المحلية، ثمّ يعود إلى حياته الطبيعية. كانت هذه العملية ممكنة للغاية في سورية قبل العام 2011، وبخاصة بعد تدخل وسيط مؤثّر. بيد أن تحوّلاً مريعاً طرأ على الخطة، إذ اعتُقل شقيق الشيخ فور عودته، وتعرّض لتعذيب شديد، وسرعان ما توفي متأثراً بجروحه في إحدى مستشفيات المنطقة.

في الخلاصة، قليلة جدّاً هي الأمور التي يمكن اعتبارها من المسلّمات في سورية اليوم. فأعمال العنف التي نفذّتها الدولة في سورية قبل العام 2011 شكّلت ظاهرة مروعة وحدّدت سلوكيات كل مواطن بطريقة أو بأخرى. لكنها كانت خاضعة إلى منطق ما، وعرف معظم الناس العاديين حدودها وما يجب عليهم التقيّد به. أما اليوم فبات عنف الدولة أبشع من قبل ومتعدد الرؤوس. وهو غالباً لا مركزي وغير خاضع للرقابة، ومتفلّت أحياناً من أي منطق يمكنه مساعدة السوريين على تكييف سلوكهم معه.

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,424,229

عدد الزوار: 6,949,767

المتواجدون الآن: 75