أخبار وتقارير... سرّ أثواب البعث الكثيرة..الإيقاع اللبناني... في ضرورة الطائفية..مراقبون: انجرار واشنطن إلى المستنقع السوري حاصل لا محالة...القاعدة تخلت عن داعش فشاعت الفوضى بين الجهاديين البريطانيين

أوروبا تُبدي استعدادها لدعم إصلاح دستوري في أوكرانيا ... «غولن» المعتكف في الخارج يمثل أكبر خطر على إردوغان وحركة «خدمة» دولة داخل الدولة التركية.... المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: الطائرات من دون طيار متوفرة لمن يريدها ...40 ألفاً من الشيعة الاجانب يقاتلون في سورية: جيش عابر للأوطان بقيادة «الحرس الثوري»...مفردات الطائفية

تاريخ الإضافة الجمعة 7 شباط 2014 - 7:21 ص    عدد الزيارات 1979    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

مفردات الطائفية
هارون ي. زيلين و فيليب سميث
هارون ي. زيلين هو زميل ريتشارد بورو في معهد واشنطن ومؤسس موقع Jihadology.net. فيليب سميث هو باحث في جامعة ميريلاند وصاحب المدونة Hizballah Cavalcade.
فورين بوليسي
في ظل استمرار انتشار الصراع في سوريا إلى بلدان المشرق العربي وتبنيه نغمة طائفية أوسع نطاقاً - مع وجود السلفيين السُّنة من جهة والإسلاميين الشيعة المدعومين من إيران والمتأثرين بأيديولوجيتها من جهة أخرى - من المهم أن نعرف كيف ينظر الفاعلون الرئيسيون إلى بعضهم البعض. فعلى عكس التصريحات خلال حرب العراق (2003)، تجد اللغة الطائفية بين الجانبين طريقها إلى الحوار السائد. فالقتال بين السُّنة والشيعة عاد بقوة في العراق ويتصاعد ببطء في لبنان ووقعت حوادث في أستراليا وأذربيجان وبريطانيا ومصر.
إن استخدام هذه الكلمات بلغة متشددة وفي خطابات الملالي يعكس تحولاً أوسع نطاقاً وينذر بمزيد من الخطر: اشتعال حرب طائفية وتبني استراتيجية لنزع الصفة الإنسانية عن الطرف المقابل. وهذا لا يمثل فقط أحقاد قبلية تافهة أو انعكاس بسيط على الحرب في سوريا، بل قضية إقليمية ودينية ضخمة. وإذا كان الخطاب مؤشراً على الطريقة التي سيتطور بها الصراع ورؤية المشاركين فيه، فهناك عدد من المصطلحات الأساسية التي يجب فهمها.
لقد استخدم الإسلاميون السنة، لا سيما السلفيون، ستة مصطلحات رئيسية لوصف أولئك الذين يدعمون نظام الأسد، أو يقفون إلى جانبه، أو يقاتلون معه وهي: نصيريون، رافضة، مجوس، صفويون، حزب اللات، وحزب الشيطان. وقد اعتمد خصومهم الإسلاميون الشيعة أيضاً ألقاب خاصة بهم تجاه معارضيهم السنة، وتشمل بعض المصطلحات الرئيسية : ناصبي، تكفيري، أموي، ووهابي. وبالنسبة لكلا الجانبين، تستخدم هذه المصطلحات لتصوير الأعداء على أنهم ليسوا أكثر من كفرة عازمين على تدمير الإسلام. ومن ثم، لا يمكن أن تكون هناك سوى عقوبة واحدة وهي: القتل.
عندما يستخدم الإسلاميون السُّنة كلمة "النصيري" فهم يشيرون إلى أبو شعيب محمد بن نصير، مؤسس الديانة العلوية خلال القرن الثامن. وتستخدم هذه الكلمة لتصوير الطائفة العلوية على أنها تتبع رجلاً وليس الخالق ومن ثم ليست لها أصول سماوية. وعلى الرغم من استخدام الجهاديين العالميين لمصطلح "نصيري" قبل سنوات عديدة كمصطلح يُسيء لنظام الأسد والعلويين بشكل عام، إلا أن غالبية السوريين، ناهيك عن أهل السنة في بلد آخر، لم يشاركوا في استخدام هذا المصطلح. بيد أنه أصبح شائع الاستخدام في صفوف الثوار وخارجهم بين دوائر علماء الدين وغيرهم.
ومن السهل العثور على أنصار لـ «الجيش السوري الحر» يستخدمون مصطلح "نصيري" عند الحديث عن الناس الذين يقاتلونهم. وعلاوة على ذلك، في حزيران/يونيو عام 2013، قال حسن عبود، زعيم «أحرار الشام»، أقوى فصيل في «الجبهة الإسلامية»، في مقابلة على قناة الجزيرة العربية: "إن ما يحدث في سوريا هو أن الدولة حُكِمت بفكرة نصيرية، وهي جماعة شيعية صعدت إلى سدة الحكم وبدأت بالتمييز ضد السُّنة. فقد منعتهم من ممارسة شعائرهم الدينية ورسمت صورة للإسلام بعيدة كل البعد عن معنى الإسلام، مع تقاليد وممارسات ليست إسلامية على الإطلاق. وأرادت أن تمسح الإسلام الحقيقي من البلاد".
إن ما زج حقاً بمصطلحات مثل النصيرية في الحوار العام الأوسع نطاقاً هو استخدامه من قبل علماء دين كبار، غالباً ما يوسمون بـ "معتدلين"، من أمثال يوسف القرضاوي. ففي مؤتمر عقد في القاهرة في حزيران/يونيو 2013 (ودعا إلى الجهاد في سوريا وحضره فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر)، قال القرضاوي إن النصيريين أكثر كفراً من اليهود أو المسيحيين. وتلك الأمثلة تُبرز كيف أنه عند مستويات مختلفة من هذا الصراع يروج عدد من الفاعلين لهذا الخطاب من أجل إزكاء التوترات الطائفية وتشويه العدو. وقد يكون ذلك أحد الأسباب وراء تدفق مثل هذا العدد الكبير من المقاتلين السُّنة الأجانب إلى سوريا.
والنتيجة الأخرى لجهود نزع الإنسانية عن الطرف المقابل هي الجرائم التي ارتكبتها قوات الثوار، من بينهم غير السلفيين، ضد الإنسانية والتي وثقتها منظمة "هيومن رايتس ووتش"، ضد المدنيين العلويين في شهر آب/أغسطس 2013. وفي تجسيد لجاذبية هذا الخطاب، حدث الهجوم على اللاذقية بدعم كامل من قبل العديد من الجهات المانحة الكويتية.
كما تورطت جماعات إسلامية شيعية في جرائم حرب محتملة. ففي مقطع فيديو من شهر تشرين الأول/أكتوبر تم بثه على موقع يوتيوب، قام مقاتلون بإعدام ما تفيد التقارير بأنهم ثوار سوريون تم أسرهم وذلك تحت مزاعم وتبريرات دينية. وأثناء عمليات الإعدام قال أحد الرماة المنفذين للإعدام "إننا نؤدي تكليفنا ولا نسعى لثأر شخصي".
وهناك مصطلح آخر أصبح أكثر شعبية في المعجم الإقليمي وهو "الرافضة" في إشارة إلى الشيعة الإثنا عشرية - أكبر طوائف الشيعة. وعلى عكس النصيريين، لم تكن الرافضة مجموعة مهمشة قبل النزاع السوري لأنها كانت قد استخدمت في الاتجاه العام للخطاب الديني السعودي فضلاً عن التعليم.
وكلمة الرافضة تشير إلى الشيعة، لأنه وفقاً لأولئك الذين يستخدمون هذا المصطلح، لا يعترف الرافضة بـ أبو بكر وخلفائه بأنهم كانوا الحكام الشرعيين بعد وفاة النبي محمد عليه السلام. وفي السياق السوري، استخدُمت الرافضة للدلالة على إيران (وهو بلد ذات غالبية شيعية) بسبب دعمها لنظام الأسد.
وفي أواخر 2012، عندما تم إحراق "معبد" شيعي (لاحظ أن مجرد استخدام مصطلح "معبد" يأتي في محاولة لنزع صلة الشيعة بالإسلام)، استخدم الثوار السوريون مصطلح الرافضة بشكل متكرر. كما حاول الجهاديون السنة في سوريا غرس هذه الرؤية المناهضة للشيعة في السكان المحليين من خلال الجداريات في القرى والمدن التي استولوا عليها. وقد أظهرت إحدى لوحات جماعة «الدولة الإسلامية في العراق والشام» في حلب ما يلي: "قتال المرتدين النصيرية والرافضة هو واجب". كما استغل قادة وجماعات داخل «الجبهة الإسلامية» هذا المصطلح في سياق الحرب الدينية ضد الشيعة. وفي حالة واحدة، في تموز/يوليو 2013، صرح القائد العسكري لـ «الجبهة الإسلامية» وزعيم «جيش الإسلام» زهران علوش قائلاً: "سوف يغسل مجاهدو الشام أقذار الرافضة والرافضة من الشام، سوف يغسلونها إلى الأبد، بإذن الله، إلى أن يطهروا بلاد الشام من أقذار المجوس الذين حاربوا دين الله. لذا انطلقوا يا مجاهدين لدعم إخوتكم، انطلقوا لدعم إخوتكم، نحن، في «لواء الإسلام» [الاسم السابق لـ «جيش الإسلام»]، نرحب بالمجاهدين من جميع أنحاء العالم ليكونوا عوناً ودعماً لنا، للقتال في صفوفنا، صفوف السنة [تقاليد الرسول محمد عليه السلام]، وسنة رسول الله، الذي رفع راية التوحيد عالية، إلى أن يتم إذلال المجوس والقضاء عليهم، والذين هم أعداء الله".
ورغم ذلك، فكون الرافضة مصطلح مشين يستخدم بشكل متكرر للإشارة إلى الشيعة لا يعني أن الجهاديين الشيعة وأنصارهم لم يجدوا سبلهم الخاصة للتعامل مع هذا اللقب. فقد تبنوا في بعض الأحيان شكلاً من أشكال إعادة الاستخدام، حيث أخذوا مصطلح الرافضة واستخدموه بطريقتهم. وهذا يعكس كيف أن بعض الجماعات حولت الألفاظ المسيئة إلى ألفاظ أكثر إيجابية أو شكل من أشكال الهوية الذاتية. فعلى مواقع التواصل الاجتماعي المهتمة بالعديد من الإسلاميين الشيعة المدعومين من إيران والعاملين في سوريا، يضع بعض مدراء المواقع مقابض تستخدم مصطلح الرافضة كعلامة على تحدٍ ساخر لأعدائهم. وفي إحدى الرسائل من قبل صفحة مرتبطة بموقع التواصل الاجتماعي لـ «عصائب أهل الحق»، جماعة شيعية عراقية تدعمها ايران ولها قوات في سوريا، قام شخص بتصنيف المقاتلين من قبلها على أنهم رافضة. وهناك حتى "وكالة أنباء الرافضة".
وإذا كان مصطلح الرافضة شائع الاستخدام بين صفوف الإسلاميين السلفيين السُّنة، فإن مصطلح "الناصبي" (الجمع "نواصب") مفضل في اللغة السياسية الشيعية لوصف أعداء الشيعة من السُّنة. والكلمة ذاتها موصف لأولئك الذين يكرهون عائلة النبي محمد عليه السلام. ووفقاً لما أورده الباحث في الإسلام الشيعي كريستوف مارسينكويسكي، فإن من يوصفون بأنهم نواصب في الفقه الشيعي "يعتبرون غير مسلمين". بيد أنه على عكس تبني الشيعة لمصطلح الرافضة، فإن العديد من الإسلاميين السُّنة يختلفون بشدة مع هذا اللقب.
كما أن استخدام هذا المصطلح يعكس أن الشيعة الذين يقاتلون في سوريا يتبعون فتاوى دينية تدعو إلى شن حرب دينية مقدسة، والتي تأتي في المقام الأول من رجال الدين المدعومين من إيران. وفي 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، أصدر آية الله العظمى الحائري فتواه الأولى المتاحة للجمهور يصف فيها الثوار السوريين بأنهم "كفار" ويدعو فيها أتباعه إلى قتالهم في الجهاد. بيد تبرز فتوى الحائري تعارضاً مثيراً للسخرية. والمصطلح الآخر الشائع المستخدم من قبل الجهاديين الشيعة تجاه أعدائهم السنة هو "التكفيريين". والتكفيري هو مسلم يعلن أن مسلماً آخر كافراً. ويسمح هذا الإعلان بقتل المتهم بهذا اللقب.
لقد دأب رئيس «حزب الله» اللبناني سيد حسن نصر الله على استخدام هذا المصطلح بصورة منتظمة لوصف جماعات حاولت مهاجمة «حزب الله» وحلفائه الذين يقاتلون في سوريا. وترجع الرواية وراء هذا المصطلح في جزء منها إلى محاولة إظهار الجماعات الإسلامية المدعومة من إيران على أنها تؤمن بالوحدة الإسلامية الحقيقية وليس الاقتتال الداخلي. ورغم ذلك، فإن المصطلح يستخدم بانتظام بالاقتران مع الصورة المرسومة للشيعة ومع الرسائل الطائفية الموجهة للشيعة بشكل علني.
إن اتهام الأعداء بكونهم تكفيريين سمح أيضاً للمنظمات الإسلامية الشيعية المدعومة من إيران بتدعيم روايتها التآمرية. فالإدعاء الأكثر شيوعاً وتكراراً هو أن إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية والتكفيريين يتحدون لتدمير «حزب الله» وسوريا والإسلام.
وبالإضافة إلى النقد اللاذع الذي وُجه لنظام الأسد وإيران لأسباب دينية، فإن العديد من الإسلاميين السُّنة انتقدوا «حزب الله»، حيث أطلقوا عليه "حزب اللات" و "حزب الشيطان". وهذا الأخير لا يحتاج إلى تفسير، في حين يشير الأول إلى إلهة عربية قبل الإسلام كانت تُعرف باسم اللات، والتي كان يسود اعتقاد بأنها ابنة الله، وهذا يعني وصف «حزب الله» بأنه جماعة من الملحدين وليس مؤمنين حقيقيين، لذا يتعين سحقهم على غرار تجطيم الأصنام في عهد النبي محمد عليه السلام.
وفي الدوحة في أواخر ربيع 2013، أجاز القرضاوي بقوة الجهاد في سوريا ووصف «حزب الله» في وقت لاحق بأنه حزب الشيطان: "يأتي زعيم حزب الشيطان لمحاربة أهل السنة... نحن الآن نعرف ما الذي يريده الإيرانيون... يريدون مواصلة المجازر لقتل السَّنة... كيف يمكن لـ 100 مليون شيعي [في جميع أنحاء العالم] أن يهزموا 1.7 مليار [سني] ؟ فقط لأن [السنة] المسلمين ضعفاء". وفي وقت لاحق تمت الإشادة بهذا البيان من قبل مفتي المملكة العربية السعودية عبد العزيز آل الشيخ.
وعلاوة على ذلك، فإن بعض هذه المصطلحات توطد في ثقافة الحرب حتى أن هناك أناشيد تستخدم كصيحات حشد ضد الأعداء. وفي حزيران/يونيو أصدرت شركة إنتاج الأناشيد على الإنترنت "مسامع الخير للإنشاد" نشيداً مناهضاً لـ «حزب الله» باسم "هذا حزب اللات ناد للقصير يتمادى". كما ظهرت الأناشيد في الكاريكاتير السياسي. فقد أعاد البعض صياغة اسم نصر الله إلى نصر اللات، بمن فيهم رجل الدين الكويتي الشيخ شعبية الشافعي العجمي. بل إن أعداء نصر الله جسدوه على أنه مصاص دماء إسرائيلي، الأمر الذي يبرز الطبيعة التآمرية للطريقة التي ينظر بها الأفراد إلى التحالف الشيعي غير القائم مع إسرائيل ضد المسلمين السُّنة.
كما أن الإشارة إلى "إمبراطورية بني أمية" التي كانت قائمة بين القرنين السابع والثامن تعد موضوعاً آخر لكلا الجانبين. فقد ورد في خطاب علوش دعوته بأن "مجد الأمويين سيعود إلى الشام على الرغم منكم [على الرغم من أنوفكم] والأمر ليس متروكاً لكم لكي تسمحوا بذلك أم لا". ولا يشعر الجهاديون الشيعة بحنين للوطن عندما يتعلق الأمر "بمجد بني أمية". وهم غالباً ما يستخدمون مصطلح "أمية" أو "بني أمية" للإهانة.
وبالنسبة لهؤلاء المقاتلين، فإن ذكريات المظالم التاريخية الماضية التي تعرضوا لها على يد بني أمية تمثل جزءً جوهرياً لمبرر وجودهم ومشاركتهم في سوريا. وقد جاء الإعلان الأول لتواجد المقاتلين الشيعة المتشددين في سوريا متدثراً في الادعاء بأن القوات كانت تدافع عن ضريح السيدة زينب الواقع في جنوب دمشق. وشعارهم، "لن تُسبى زينب مرتين" يتذكر قصة زينب، حفيدة النبي محمد عليه السلام وابنة علي، أول إمام شيعي. فبعد "معركة كربلاء" المحورية في القرن السابع، قام يزيد بكشف حجابها وإرغامها على السير حافية. ويُنظر إلى المعركة نفسها على أنها لحظة أخذ فيها الانقسام بين السنة والشيعة منحنى خاصاً. فقد كان يزيد أول قادة بني أمية ويراه الشيعة تجسيداً للشر والخداع.
وهناك صورة منشورة لجماعتان نشطتان على الفيسبوك هما «منظمة بدر» و «عصائب أهل الحق»، تزعم بأن الشخص الوارد فيها ذهب إلى "مسجد بني أمية [الواقع في دمشق حيث كان يوجد بلاط يزيد في الماضي] وأكال لهم الشتائم" بينما كان حاملاً لما يقال إنه علم «حزب الله».
والطريقة الأخرى التي صور بها الإسلاميون السُّنة الإسلام الشيعي على أنه يمثل معتقدات إسلامية غير صحيحة هي إطلاق اسم "المجوس" عليهم. ويشير هذا المصطلح إلى الزرادشتية (كما تسمى أحياناً بعبادة النار)، التي تتبنى المذهب الشيعي كقناع لدين منحرف في الماضي. وقد استخدم علوش هذا المصطلح أيضاً، على الرغم من أنه لم يصبح شعبياً كمصطلحات أخرى.
والمصطلح الآخر الذي يُستخدم أحياناً هو "الصفوي"، الذي يشير إلى السلالة الصفوية التي حكمت إيران في الفترة 1501-1736. وهو أكثر شهرة بسبب كونه السبب في تشيّع إيران، التي كانت تعيش فيها مجموعة من السكان السُّنة. وأحياناً يستخدم هذا المصطلح بصورة تعبير جديد هو صهيوني صفوي للدلالة على أن هناك مؤامرة بين إسرائيل وإيران ضد المسلمين السنة.
ويشير الفيديو الأول لـ «أحرار الشام» الذي نُشر في نيسان/أبريل 2012 - والذي منذ ذلك الحين أُزيل من على الانترنت، ولكن تم وصفه من قبل «مجموعة الأزمات الدولية» - إلى طبيعة ومخاطر الانتفاضة ضد نظام الأسد. وقد "وصفت جماعة «أحرار الشام» بأن الانتفاضة هي جهاد ضد مؤامرة صفوية لنشر المذهب الشيعي وإقامة دولة شيعية من إيران عبر العراق وسوريا إلى لبنان وفلسطين. وادعى البيان بأنه إذا نجحت المؤامرة لتحقيق ذلك، فسيكون الأمر انتصاراً للصهيونية، 'لأنه من المعروف جيداً أن الرافضة لا يقاتلون العدو؛ هم فقط يشهرون سيوفهم ضد السنة' "
وبالمثل، في آب 2012، صرح عضو البرلمان البحريني عبد الحليم مراد، لدى زيارته للواء «صقور الشام» في سوريا - والذي لم يكن في ذلك الوقت في معسكر السلفيين وكان يدعو لقيام دولة مدنية ونوعاً من الديمقراطية - أنه من الممكن الانتصار بمساعدة «صقور الشام» عن طريق ذبح الصفويين "الحاقدين". ويبرز ذلك مدى استشراء الطبيعة الطائفية الموسعة للصراع السوري، في حين يُنظر إلى جماعة مثل «صقور الشام»، التي كانت مناهضة علناً لـ «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (التي أذكت حقاً جذوة الطائفية في العقد الماضي)، على أنها تلعب دوراً مهماً رئيسياً في المعركة للقضاء على محاولة إنشاء "الهلال الشيعي".
لقد تبنى الإسلاميون الشيعة نوع الرد الخاص بهم على التهمة الموجهة إليهم بأنهم ليسوا أكثر من صفويين يتشدقون بالحداثة حيث أطلقوا على أعدائهم "وهابيين". والكلمة مرتبطة بشكل مباشر بأولئك الذين يتبعون تعاليم السُّني السلفي محمد بن عبد الوهاب، عالم الدين الرائد الذي أثّر على أيديولوجية المملكة العربية السعودية - عدوة إيران عبر الخليج العربي. إن استخدام لفظ وهابي كلقب سلبي ليس بالأمر الجديد. فعقب الهجوم الإرهابي في مدينة زهدان في إيران عام 2010، ذهب المرشد الإيراني الأعلى آية الله خامنئي إلى حد إلقاء اللوم على "الأيادي الآثمة والشريرة للوهابيين المغرضين والمضلًّلين". ومع انفجار الأوضاع في سوريا ووجود تدخل سعودي وإيراني مباشر واضح للعيان، فإن هذا اللقب يساعد على وسم جميع خصوم الشيعة من السنة بأنهم ليسوا أكثر من وكلاء أيديولوجيين انشقاقيين تابعين للرياض.
إن طبيعة هذه الألقاب والجماعات التي تتبناها يجب أن تقدم صورة كاشفة ومثيرة للقلق عند محاولة فهم تفاقم الصراع السوري. ويبرز ذلك المخاطر بالنسبة للعديد من الفاعلين الرئيسيين داخل سوريا وخارجها الذين هم ليسوا حتى من بين الجهاديين العالميين. ويتّبع العديد من الفاعلين استراتيجية طويلة الأجل لنزع الإنسانية عن الطرف المقابل لأنهم يرون ذلك معركة دينية كونية وجودية بين السلفية السنية والشيعية الخمينية، مما يشير إلى أن مؤتمرات السلام ليس من المرجح أن تحل المشكلة السورية.
 
 40 ألفاً من الشيعة الاجانب يقاتلون في سورية: جيش عابر للأوطان بقيادة «الحرس الثوري»
الحياة..دبي – رياض قهوجي ** باحث في الشؤون الاستراتيجية
أجمعت آراء خبراء ومسؤولين أمنيين، عرب وأفارقة وأوروبيين، التقوا في منتدى مراكش الأمني الشهر الماضي، على أن الخطر الأكبر الذي ينتظر دول شمال أفريقيا والساحل وأوروبا يشكله من بات يسمون بـ «العائدون من سورية». وهم المتشددون الذين يقاتلون حالياً في سورية، والذين من المتوقع أن يعودوا إلى بلادهم بعد انتهاء القتال هناك، أو في حال تجنيدهم للعمل في مجموعات أو خلايا أخرى لتنظيم «القاعدة» أو مجموعات أخرى شبيهة به، مثل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش).
ويرجح مسؤولون أمنيون من دول شمال أفريقيا أن عدد الذين توجهوا إلى سورية للقتال خلال الشهور الـ18 الماضية من كل من تونس وليبيا والجزائر والمغرب، يراوح بين ستة آلاف وثمانية آلاف مقاتل، القسم الأكبر منهم من ليبيا. كما أن هناك ما يناهز خمسة آلاف مقاتل قدموا من دول أوروبية عدة. ويذكر أن دولاً عربية وغربية عانت من تهديدات إرهابية من مقاتلين انضموا إلى المجاهدين الأفغان ضد القوات السوفياتية، وعرفوا لاحقاً بـ «العائدون من أفغانستان» أو «الأفغان العرب».
وترجح التقديرات أن هناك ما لا يقل عن عشرين ألف أجنبي في سورية يقاتلون إلى جانب المعارضة ضد النظام.
إلا أن ما أجمع عليه الخبراء أيضاً، هو أن عدد المقاتلين الشيعة إلى جانب النظام يصل إلى ضعف عدد المقاتلين السنة المؤيدين للمعارضة، ومرد ذلك إلى تسهيل النظام عملية نقلهم بطرق شرعية عبر مطاراته وطائراته وطائرات الخطوط الجوية الإيرانية وعبر المعابر الشرعية على الحدود اللبنانية. هذا في حين يدخل المقاتلون السنة إلى سورية عبر طرق غير شرعية، ما يحد من عددهم.
ويقدر الخبراء أن هناك نحو أربعين ألف مقاتل أجنبي إلى جانب النظام السوري، وهم جاؤوا من إيران والعراق ولبنان واليمن وبعض دول آسيا الوسطى، مثل أفغانستان وأذربيجان، وان هؤلاء تلقوا تدريبات على أيدي ضباط «فيلق القدس» التابع لـ «الحرس الثوري» الإيراني و «حزب الله» اللبناني.
وفي رأي الخبراء، سيؤدي غياب أي أفق لحل سياسي للأزمة السورية، التي باتت تتأثر اليوم بالصراعات الإقليمية والدولية، إلى طغيان الصراع المذهبي في سورية على مبادئ الحركة الاحتجاجية وأهدافها، وسيزيد من حجم التهديد للدول المجاورة لسورية، وتحديداً لبنان والعراق. وعليه، فإن غالبية الخبراء الأمنيين يحذرون من تبعات استمرار الأزمة السورية بشكلها الحالي، لما تحمله من تبعات أمنية خطيرة على دول عدة في العالم، خصوصاً مع تنامي ظاهرة «العائدون من سورية» وتهديدها الدول التي يستهدفها تنظيم «القاعدة».
أما بالنسبة إلى المقاتلين الشيعة، فما يلفت نظر المراقبين هو تمكن «الحرس الثوري» الإيراني من بناء جيش مكون من مقاتلين من دول عدة، يمكن استخدامه في أماكن أخرى في العالم، مثل باكستان وأفغانستان وحتى جنوب لبنان، اذا ما دعت الحاجة إلى ذلك. ولقد نظمت هذه المجموعات بتشكيلات قتالية قادرة على التنسيق في ما بينها في عمليات الهجوم والدفاع. ووضعت هيكلية قيادية لها وتم توفير خدمات عدة لعناصرها، مثل العناية الطبية وتعويضات لعوائل الشهداء وغيرها من الأمور التنظيمية. ومن المتوقع أن يؤدي ذلك مع الوقت إلى تنامي الشرخ المذهبي داخل بعض الدول الإسلامية وحتى بين بعض الدول الإسلامية أيضاً، ما يزيد من خطر البلقنة في المنطقة.
 
 المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: الطائرات من دون طيار متوفرة لمن يريدها والولايات المتحدة مصدر نحو 40 في المائة من الإنفاق العسكري في العالم

لندن: «الشرق الأوسط» .... أفاد تقرير نشره المعهد الدولي للدارسات الاستراتيجية أمس حول توازن القوى في العالم بأن انخفاض ثمن الطائرات دون طيار بفضل تقنيات التصغير كثف بشكل كبير استخدامها في القطاعين العسكري والمدني. ويجعل سقوط الحواجز التكنولوجية الواحد تلو الآخر هذه الطائرات دون طيار متوفرة لعدد متزايد من البلدان ولم تعد حكرا على القوات المسلحة في الدول الغربية.
ولخص دوغ باري الخبير في الطيران العسكري في المعهد لدى تقديم التقرير من 500 صفحة: «سنرى منها أكثر فأكثر، ستكثر الطائرات دون طيار سواء كانت الطائرة الصغيرة القابلة للتفكيك التي يمكن أن نضعها في حقيبة الظهر أو الطائرة القتالية ذات قوة الضرب القصوى».
وعلى الصعيد العسكري تحاول كل القوى الكبرى تدارك تأخيرها على الجيش الأميركي الذي يهيمن على السوق مع «غلوبال هاوك» وغيرها من طائرات دون طيار معروفة بـ«درون». وتريد عدة دول أوروبية تطوير طائرات دون طيار من طراز «مايل» (ارتفاع متوسط ومقاومة طويلة)، واتفق رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الأسبوع الماضي على مشروع طائرة مقاتلة فرنسية بريطانية من دون طيار.
وتمكنت الصين التي تواصل التسلح على غرار بقية بلدان آسيا من التوصل إلى تحليق أولى طائراتها دون طيار مقاتلة ومحجوبة عن الأنظار.
وأفاد تقرير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية بأنه «لا مجال للشك في أن مستقبل الطائرات دون طيار في ترسانة الجيوش المقبلة الأكثر قوة، مضمون»، لكنه لزم الحذر عندما يتعلق الأمر بمعرفة إلى أي حد ستعوض الطائرات دون طيار التي تعتبر اليوم مكملة للوسائل التقليدية، الطائرات ذات طيار.
وبحسب التقرير، ظلت الولايات المتحدة أكبر قوة عسكرية في العالم، متفوقة بفارق كبير، إذ أنفقت نحو 600 مليار دولار العام الماضي، أي نحو 38 في المائة من مجمل الإنفاق العالمي. وأضاف المعهد أن الإنفاق العسكري العالمي انخفض بشكل طفيف في عام 2013، لكنه زاد بشكل مثير في آسيا والشرق الأوسط. وازداد الإنفاق العسكري الصيني بنحو 40 في المائة منذ عام 2010 ليرتفع إلى ما يقدر بنحو 112 مليار دولار.
وأشار التقرير إلى أن نمو الإنفاق العسكري الصيني ساهم في سباق تسلح على نطاق أوسع في آسيا، حيث زادت اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام ودول أخرى إنفاقها. وأفاد التقرير بأن السعودية تفوقت على بريطانيا لتصبح رابع أكبر دولة في العالم إنفاقا على السلاح في عام 2013، مع تغير ميزان القوى العسكري العالمي نتيجة لخفض الإنفاق الدفاعي في الدول الغربية ونموه في آسيا والشرق الأوسط.
وقال التقرير إنه رغم توجه الولايات المتحدة «بشكل محوري» إلى إعادة تمركز قواتها في آسيا، فإن المحللين يقولون إن بعض الدول - لا سيما اليابان التي يتصاعد نزاعها مع بكين على الحدود البحرية - تشعر بقلق من أن واشنطن قد تتقاعس عن دعمها في أي صراع. وزاد إجمالي الإنفاق العسكري في آسيا بنسبة 11.6 في المائة في عام 2013 مقارنة بعام 2010.
 
 «غولن» المعتكف في الخارج يمثل أكبر خطر على إردوغان وحركة «خدمة» دولة داخل الدولة التركية

أنقرة - إسطنبول: «الشرق الأوسط» .. في مدرسة الإعداد التابعة لجامعة «إف اي إم» بضاحية أوسكودار في الشطر الآسيوي من إسطنبول يتلقى شبان في هدوء تدريبا متخصصا على مهارات اجتياز الاختبارات التي تفتح الباب أمامهم لتولي أهم الوظائف في تركيا. ولصاحب النظرة العابرة يبدو كل شيء عاديا.. فكما هي الحال في كل المعاهد والمدارس التركية، تطل من على الحائط في كل الفصول صورة مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة.. كما أن خطاب أتاتورك للشباب معلق على الحائط في مدخل الكلية.
وما من إشارة بادية للعيان للحركة الدينية التي تدير الكلية والمعروفة باسم «خدمة» أو إلى مؤسسها فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة منذ 14 عاما.. لكن جميع أعضاء طاقم التدريس من مريدي غولن.. شأنهم شأن كثيرين من الطلبة وأولياء أمورهم.
وتريد الحكومة إغلاق مثل هذه المعاهد، وموقفها الرسمي في ذلك أن هذه المؤسسات تقدم للدارسين ميزة غير عادلة على غيرهم وتشكل عبئا ماليا على الأسر التي تشعر بأن عليها سداد مصروفات التعليم فيها وإلا كان أداء أبنائها سيئا.. لكن مؤيدي غولن يرون في هذا الاقتراح أحدث محاولة من جانب رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان لتقييد حركة تتحدى هيمنته على البلاد.
ومن المعتقد أن أنصار غولن يسيطرون على ربع المعاهد التي تؤهل الدارسين للامتحانات في تركيا بما يمنح حركة دينية تبدو محمودة في ظاهرها دورا أكبر من حجمها في تشكيل آراء النخبة التي ستدير شؤون البلاد مستقبلا.
وقال طه رمضان سيسمان (18 عاما): «لقد وجهتني عائلتي للدراسة هنا. لم تشأ ذهابي إلى مدرسة إعداد أخرى، ولم أشأ أنا ذلك». وأضاف أنه ينوي الالتحاق بكلية الطب عندما يدخل الجامعة هذا العام، ثم يخدم الحركة بعد تخرجه، حسبما نقلت «رويترز».
ويتوقف تعريف «خدمة» على من يتلقى السؤال عنها.. فأنصارها يقولون إن الأعضاء أحرار في الانضمام إليها أو تركها ولا يتلقون أوامر من قيادة أعلى. وهم يصفون أنفسهم بأنهم مسلمون محافظون يؤمنون بأهمية التعليم والعمل الخيري.
أما بالنسبة لإردوغان صاحب الاتجاه الإسلامي الذي اعتمد في يوم من الأيام على دعم الحركة فقد أصبحت أكبر خطر يتهدد إمساكه بزمام الأمور في البلاد منذ 11 عاما وتحولت إلى «دولة داخل الدولة» لا مناص من التخلص منها.
وأصبح إردوغان وغولن عدوين لدودين منذ وضع تحقيق في قضايا فساد في أواخر العام الماضي رجال الشرطة والقضاة (كثيرون منهم من أتباع غولن) في مواجهة كبار الساسة ومعارف رئيس الوزراء في قطاع الأعمال من المتهمين بالكسب غير المشروع.
وندد رئيس الوزراء بالتحقيقات ووصفها بأنها مؤامرة خارجية. ولجأت السلطات إلى عزل مئات من رجال الشرطة بينهم كثيرون من أتباع غولن. وهاجم غولن الحكومة داعيا الله أن يلحق بمسؤوليها الخراب.
أما إردوغان الذي لا يذكر غولن بالاسم لكن استهدافه له واضح كل الوضوح، فقد توعد بالقضاء على خصوم البلاد في عرينهم واتهمهم بنصب «شراك الشر والظلام في بلادنا».
وفي النهاية، نالت تحقيقات الفساد والنزاع مع أنصار غولن من صورة إردوغان رغم ما كان يبدو عليه من منعة، وذلك بعد أن خرج دون أن يمسه أذى من مظاهرات ضخمة مناهضة للحكومة في العام الماضي.
وقال أوزر سنقر رئيس «متروبول للأبحاث»: «لحق بالحكومة ضرر جسيم.. فهذا تحد أكبر كثيرا من احتجاجات الصيف لأنه يتعلق بفساد، وسيتحدد سلوك الناخبين بناء على أسلوب إردوغان في التعامل مع الأزمة».
وإذا كان غولن يشكل الآن أكبر خطر على إردوغان، فهذا تحد شارك رئيس الوزراء نفسه في صنعه.. فحزب العدالة والتنمية الإسلامي الذي ينتمي إليه إردوغان كان يشجع أتباع غولن منذ فترة طويلة على السعي لتولي مناصب في جهاز الدولة بهدف إزاحة «الدولة العميقة» التي حكمت المؤسسة العلمانية المدعومة من الجيش تركيا من خلالها منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية.
وقال مسؤول على صلة وثيقة بمكتب رئيس الوزراء: «عندما تولى إردوغان السلطة عام 2002 لم يكن لديه الأفراد الذين يمكنهم شغل المراكز الرئيسة.. فالتيار الإسلامي الذي ينتمي إليه لم يستثمر حقا في المؤسسات الديمقراطية في الماضي، لكن (خدمة) قضت عشرات السنين في تدريب مهنيين في مدارسها ولذلك اعتمد عليهم».
وساعدت «خدمة» في تدعيم صعود نجم حزب العدالة والتنمية. ورأى كثيرون أن نفوذ الحركة في القضاء التركي الذي سجن ضباطا كبارا بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم كان عاملا حاسما في احتواء الجيش الذي أطاح بثلاث حكومات في أواخر القرن العشرين، بل وأبعد حكومة كان رؤوسها من الإسلاميين عن السلطة عام 1997. إلا أن أواصر زواج المنفعة هذا تقطعت فيما يبدو العام الماضي وخرج الخلاف إلى العلن بتحقيقات الفساد.
ويقول أنصار إردوغان إن نهم «خدمة» إلى النفوذ أصبح شديدا إلى الدرجة التي دفعت أعضاء في الحركة للمطالبة بالسيطرة على إدارات بأكملها في الدولة. وقال مسؤول حكومي طلب عدم ذكر اسمه: «الحركة لها بالفعل آلاف الأفراد في (هيئات) الدولة، لكنها تطلب المزيد على الدوام». وأضاف: «أنت تعين شخصا من الحركة في إدارة من الإدارات.. ثم اثنين آخرين، ثم خمسة غيرهم.. وفي اليوم التالي يشكون لماذا لا تكون الإدارة كلها من (خدمة)».
وقال مسؤولون كبار إن تحقيقا جنائيا سيبدأ قريبا في تشكيل «منظمة غير قانونية داخل الدولة» وهي تهمة يقول أتباع «خدمة» إنهم سيدافعون عن أنفسهم في مواجهتها.
وأول من أمس قالت مؤسسة الصحافيين والكتاب التي يشغل غولن منصب رئيسها الشرفي والتي دافعت من قبل عن الحركة: «إذا توافرت أدلة ملموسة وقاطعة.. فتجب إحالة هذه الأدلة إلى السلطات القضائية للتحقيق فيها»، وأضافت: «تكرار هذا السب مرة بعد أخرى دون إبراز أي أدلة أو اتخاذ إجراء قانوني يعد جريمة كراهية».
وقال رضا نور ميرال رئيس «توسكون»، وهي رابطة رجال أعمال «خدمة» التي تضم 54 ألف عضو يملكون 140 ألف شركة: «المبدأ الأساسي للحركة هو ألا يتوقع المرء شيئا ويعطي دائما أكثر مما يأخذ. و(الأنصار) عادة ما يتبرعون بجزء معين من دخلهم لمشروعات المسؤولية الاجتماعية». وأضاف: «ثمة مبدأ مهم بالفعل تعلمناه من خوجة أفندي، وهو أننا إذا حصلنا على فائدة دنيوية من عملنا الخيري فلا ثواب لنا في الآخرة. لذلك لا يلتفت (الأنصار) قط إلى العائد المادي».
ويصف قائد الشرطة السابق حنفي أوجي الحركة بأنها شبكة منظمة تنظيما منهجيا. وأوجي مسلم محافظ تخرج أبناؤه من معاهد «خدمة»، لكنه أودع السجن بعد أن كتب كتابا تحدث فيه عن أنشطة الجماعة داخل قوة الشرطة..
كتب أوجي: «في وحدات جمع المعلومات ومكافحة التهريب والجريمة المنظمة داخل قيادة الشرطة أغلب الفرق الفنية والإدارية أعضاء في «خدمة» أو ينفذون توجيهات من الجماعة». وأضاف: «هذا التنظيم لا يقتصر على قيادة الشرطة؛ فللجماعة هيكل في كل مؤسسة تقريبا مثل المخابرات والجيش والقضاء، بل والبرلمان».
واحتجز أوجي بعد أسابيع من نشر الكتاب عام 2010 وما زال مسجونا بتهمة الاتصال بمنظمة إرهابية يسارية.
وقال مسؤول قريب من الحكومة إن الاتصالات بين أعضاء الجماعة تحاط بالتكتم وتعتمد في الأساس على التلقين الشفهي. وأضاف: «تسمع المطالب نفسها أو وجهات النظر آتية من جنبات مختلفة وغالبا بالألفاظ نفسها فتدرك مصدرها».
ووصف مسؤول تركي كبير آخر هذا الأسلوب بأنه تدعيم للنفوذ «دون ترك بصمات». ويرى بعض مراقبي الأوضاع في تركيا أن هذا الهيكل غير الملموس ربما يجعل الحد من نفوذ «خدمة» أصعب على إدارة إردوغان حتى من تطويع الجيش.
وقال جيمس جيفري السفير الأميركي السابق لدى تركيا والزميل الحالي بـ«معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»: «إنهم أشد حذرا من الجيش فيما يتعلق بالكشف عمن هو منهم. وقد عملوا بجد على زرع أناس في الحكومة.. هم باقون».
 
أوروبا تُبدي استعدادها لدعم إصلاح دستوري في أوكرانيا واشنطن تحضّ على تسوية وموسكو تُطالب بإيضاحات
النهار.. (و ص ف، أ ب)
التقت الممثلة العليا للاتحاد الاوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الامنية كاثرين أشتون أمس في كييف الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، في اطار مسعى جديد لانهاء الازمة الاوكرانية، فيما دعت واشنطن الى تسوية، وطالبت موسكو كييف بايضاحات.
أبدت آشتون بعد لقائها يانوكوفيتش في كييف استعداد الاتحاد الاوروبي لدعم اصلاح دستوري في أوكرانيا، ومساعدة السلطات على التحقيق في العنف الذي سجل خلال الازمة السياسية التي تشهدها البلاد. وقالت: "لدينا القدرة على تقديم مثل هذا الدعم". الى ذلك، لفتت الى وجوب القيام بالمزيد من أجل انهاء الازمة السياسية المستمرة منذ أكثر من شهرين.
وكانت الناطقة باسمها مايا كوسيانيتش صرحت بان "أشتون ستناقش الجهود المبذولة للتوصل الى حل سياسي والطريقة التي تمكن الاتحاد الاوروبي من المساهمة في هذه الجهود".
وتناولت أشتون مساء الثلثاء العشاء مع الزعماء الثلاثة البارزين للمعارضة الاوكرانية، وقد تعقد لقاء جديدا معهم، بعد اجتماعها مع الرئيس الاوكراني.
وسبق لمكتب أشتون أن أفاد أن الاتحاد الاوروبي يبحث في تقديم مساعدة مالية لدعم الاقتصاد الاوكراني المتداعي، الا أن الزعيم المعارض أرسيني ياتسينيوك أبلغ "الاسوشيتد برس" أن تفاصيل محددة لم تكن موضع بحث في اجتماع الثلثاء.
وتواجه أوكرانيا منذ أكثر من شهرين ازمة لا سابق لها. فتظاهرات الاحتجاج التي فجرها أواخر تشرين الثاني 2013 تراجع الحكومة الاوكرانية عن اتفاق شركة كانت على وشك توقيعه مع الاتحاد الاوروبي، واختيارها سياسة التقارب مع موسكو، تحولت رفضاً للنظام الرئاسي الذي أقامه يانوكوفيتش.
ويحتل المعارضون وسط كييف مذذاك. وأوقعت صدامات أربعة قتلى على الاقل و500 جريح في كانون الثاني.
ودعا نائب الرئيس الاميركي جو بايدن مجدداً الثلثاء الرئيس الاوكراني الى "الحوار" والى "تسوية حول تأليف حكومة جديدة". وجاء في بيان للبيت الابيض ان نائب الرئيس الذي يتصل بانتظام بالرئيس الاوكراني منذ اشتداد تحركات الاحتجاج، دعاه مرة جديدة الى "اغتنام كل الفرص... لايجاد حل سياسي للأزمة".
وتعرب الاوساط السياسية الاوكرانية عن اعتقادها أنه لن يحصل أي تطور مهم في موقف السلطة قبل اللقاء المرتقب بين يانوكوفيتش ونظيره الروسي فلاديمير بوتين على هامش افتتاح دورة الالعاب الاولمبية الشتوية في سوتشي الجمعة.
وقد لمح رئيس الوزراء بالوكالة سيرغي اربوزوف الى ذلك بقوله ان "حدة التوتر تتراجع" في البلاد، وعزا هذا التطور الى الجهود التي يبذلها الرئيس والبرلمان، وخصوصاً الغاء قوانين تشديد القيود على التظاهرات وتحركات الاحتجاج.
وفي السياق عينه، رأى ممثل يانوكوفيتش في البرلمان يوري ميروشينتشنكو ان الحكم والمعارضة قادران على التوصل ابتداء من الاربعاء الى ارضية وفاقية، أو "خريطة طريق" لاجراء اصلاح دستوري. وتطالب المعارضة بالعودة الى دستور 2004 لتقليص الصلاحيات الرئاسية لمصلحة البرلمان والحكومة.
نقاشات حامية
ولم تمنع هذه التصريحات المتفائلة البرلمان الاوكراني من بدء نقاشات حامية في شأن الاصلاح الذي قال احد قادة المعارضة فيتالي كليتشكو ان الحاجة ملحة الى إجرائه، مشيراً الى أنه "يجب ان نعود اليوم الى دستور 2004 ثم نناقش بروية دستورا جديدا"، واذا تعذر التوصل سريعا الى اتخاذ قرار "سيحصل تصعيد جديد للاحتجاجات". وكان ميروشينتشنكو عرض تأليف مجموعة عمل لاعداد نص دستوري جديد. وتعتبر المعارضة ان هذه الطريقة ليست واقعية لأنها تستغرق وقتا طويلا.
ومهما يكن من أمر، يبدو من الصعب أن تعادل المساعدة الغربية عرض روسيا التي وعدت بقرض تبلغ قيمته 15 مليار دولار دفعت منها حتى الان ثلاثة مليارات وبخفض اسعار الغاز بنسبة 30 في المئة. وقد رفض مسؤولون اوروبيون الرأي القائل بوجود "مزايدة" بين بروكسيل وموسكو في هذه المسألة.
موسكو
وشدد الكرملين على ان استمراره في دفع المبالغ المتبقية لكييف رهن بالسياسة التي ستطبقها الحكومة الاوكرانية الجديدة. وقال أمس دميتري بيسكوف الناطق باسم بوتين أن "الدفعات الروسية المقبلة لكييف، في اطار المساعدة الممنوحة من موسكو، لن تدفع "قبل أن يتمكن رئيس الحكومة الجديدة من أن يشرح لموسكو الى أية درجة سيتبع سياسة الحكومة السابقة". وأبدى قلقاً متزايداً لبلاده من تأخر أوكرانيا في دفع فواتير الغاز.
 
سابقة أولى في تاريخ التنظيم الجهادي
القاعدة تخلت عن داعش فشاعت الفوضى بين الجهاديين البريطانيين
إيلاف...ترجمة عبدالاله مجيد
أشاع تبرؤ القاعدة من داعش بلبلة في صفوف الجهاديين البريطانيين، الذين يقاتلون في سوريا، وأوقعهم في مأزق، بعدما قيل لهم إنهم يقاتلون مع الفريق الخطأ.
نزل اعلان القيادة العامة لتنظيم القاعدة هذا الاسبوع أن لا صلة لها بجماعة الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) كالصاعقة على مئات الجهاديين البريطانيين، الذين انخرطوا في تشكيلات داعش، للقتال ضد قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
 وقال جهادي بريطاني، يستخدم اسم ابو خطاب، في حسابه على تويتر: "ان الجهاد أُصيب بالجنون، وتحولنا من اشقاء إلى اعداء بين ليلة وضحاها، لمجرد أن أميرك أو شيخك يقول ذلك".
أغفروا لنا
قال مهدي حسن (19 عامًا)، الذي قطع دراسته في مدرسة خاصة جنوبي انكلترا للالتحاق بداعش، إن جماعته لم تكن تريد القتال ضد قوات الجيش السوري الحر وجبهة النصرة، بل إن رفاقه قاتلوا دفاعًا عن أنفسهم.
وأضاف مستخدمًا الاسم المستعار ابو دجانة على تويتر: "نحن ما زلنا نحاول أن نبقى متحدين مع الأخوة الابرار في جبهة النصرة، إن صبرنا تعرض لامتحان عسير". ونقلت صحيفة تايمز عن جهادي بريطاني آخر من داعش قوله: "بالله عليكم اغفروا لنا اخطاءنا".
وشاعت الفوضى في صفوف الجهاديين البريطانيين في سوريا بعدما قرر زعيم القاعدة أيمن الظواهري طرد داعش لتجاهله مطالبه بعودة مقاتليه إلى العراق، وترك الساحة السورية لجبهة النصرة.
ليست فرعًا
وسرى النبأ كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الجهاديون البريطانيون لترويج أنشطتهم في سوريا، وتشجيع آخرين على التوجه إلى سوريا والالتحاق بداعش. ويُقدر عدد المقاتلين الأجانب في داعش بنحو 6000 جهادي.
وبعدما عُرف مقاتلو داعش بشدة بأسهم، بدأت اتهامات متزايدة تُوجه إلى التنظيم بسبب اساليبه الوحشية في التعامل مع خصومه، ومع المواطنين السوريين الذين لا يشاركون داعش فهمه لتعاليم الشريعة.
وانقلب على داعش حتى اسلاميون متشددون كما يتضح من رسالة الظواهري، التي قال فيها إن الدولة الاسلامية في العراق والشام ليست فرعًا من جماعة قاعدة الجهاد، ولا تربطها بها علاقة تنظيمية، وليست الجماعة مسؤولة عن تصرفاتها. وهذه أول مرة يقرر فيها تنظيم القاعدة طرد فصيل ينتمي اليه.
 
أصوات تطالب بسياسة خارجية أشد فاعلية
مراقبون: انجرار واشنطن إلى المستنقع السوري حاصل لا محالة
إيلاف...ترجمة عبدالاله مجيد
عادت نغمة التدخل الأميركي في سوريا إلى العلن، بسبب الخطر الذي يشكله الجهاديون على الولايات المتحدة، وتعلو أصوات تطالب الإدارة الأميركية بسياسة خارجية أشد فاعلية.
تحت وطأة الفشل الذي يواجه سياستها في سوريا، شرعت الادارة الاميركية في دراسة خيارات أخرى. وبعد التحذيرات التي وجهها مسؤولون كبار في البنتاغون والاستخبارات الاميركية من أن انهيار الدولة السورية يهدد مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، تناقش الادارة الأميركية طائفة من الخطوات التي يمكن أن تغير ميزان القوى على الأرض، لا سيما أن النزاع يتخذ منحى يتعارض مع حسابات الادارة، ابتداء من بقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة إلى تنامي قوة الجماعات التي ترتبط بتنظيم القاعدة، كما أكد محللون.
وذهب هؤلاء إلى أن تهديد القاعدة بلغ حدًا من المرجح أن يستدعي استخدام القوة حيث عجزت قضايا أخرى عن استدعائها، كالكارثة الانسانية وحتى استخدام النظام اسلحة كيماوية.
سياسة جديدة
نقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن زعماء في الكونغرس، دعوا منذ فترة إلى انتهاج سياسة أشد حزمًا تجاه الأسد، قولهم إن مسؤولين في الادارة لمحوا إلى أن اوباما وكبار مستشاريه يعترفون الآن بأن سياستهم في سوريا باءت بالفشل وانهم مستعدون للتحرك بفاعلية من أجل تغيير مآل الحرب المستعرة في سوريا.
وكشف الزعيمان الجمهوريان في الكونغرس جون ماكين ولندسي غراهام أن وزير الخارجية الاميركي جون كيري اعترف امام أكثر من 12 عضوًا في الكونغرس خلال اجتماع سري معهم بأن سياسة الادارة في سوريا فاشلة. ونقل ماكين وغراهام عن كيري تشديده في الاجتماع على تسليح المعارضة بما يؤدي إلى تغيير جذري على الأرض.
وقال غراهام للصحفيين في اعقاب الاجتماع المغلق مع كيري إن وزير الخارجية "اعترف بأننا وصلنا إلى مرحلة يتعين علينا معها أن نُجري تغييرا في الاستراتيجية، وهذا ليس مستغربًا لأن كيري أراد دائمًا تحركًا اشد حزمًا".
وقالت جين ساكي، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية: "نحن مستمرون في تدارس المزيد مما يمكن أن نفعله، لكن هذا ليس تغييرًا في الاستراتيجية". واضافت أن من التطورات التي دفعت كيري إلى التفكير في القيام بتحرك جديد هو تسويف الأسد في نقل اسلحته اليكماوية إلى الخارج.
وراء أبواب مغلقة
وقال ستيفن هادلي، مستشار الأمن القومي في ادارة الرئيس جورج بوش، خلال محاضرة القاها في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: "سنرى ما إذا كان هناك توافق في الادارة من أجل اعتماد سياسة جديدة". وايًا يكن ما قيل خلال اجتماع كيري بأعضاء الكونغرس وراء ابواب مغلقة، فإن ما لا شك فيه هو أن الادارة تبحث عن طرق لمعالجة جملة مشاكل ومخاوف تزداد تفاقمًا كلما طال أمد الحرب.
ومن هذه المشاكل الأزمة الانسانية ورفض الأسد السماح بإيصال مساعدات إلى المدن والأحياء المحاصرة. ومن الخيارات التي ظلت نائمة طيلة اشهر، وعاد الحديث عنها الآن، استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لإجبار الأسد على القبول بفتح ممرات انسانية.
ومن بواعث قلق الادارة الأميركية وخوفها تنامي قوة الجماعات المرتبطة بالقاعدة في سوريا، حيث يمكن أن تملأ فراغات في غياب سلطة الدولة أو المعارضة الوطنية لاقامة ملاذات آمنة، تنطلق منها لتنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة ودول غربية اخرى.
عدة تحديات
وفي افادة امام لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الاسبوع الماضي، قال رئيس الاستخبارات جيمس كلابر إن جماعة واحدة على الأقل، هي جبهة النصرة، تخطط لتنفيذ هجمات على الأراضي الاميركية.
واضاف أن ما يثير قلقًا شديدًا هو العدد المتزايد للمقاتلين الأجانب في سوريا. وكان كيري ابلغ اعضاء الكونغرس خلال الاجتماع المغلق معهم أن الادارة تدرك خطر هؤلاء المتطرفين، وليس داخل سوريا وحدها. وقال خبراء في الشؤون الخارجية إن صعود الجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة واحد من عدة تحديات تواجه الادارة الاميركية في سوريا، لكنه قد يكون التحدي الذي سيدفع اوباما في النهاية إلى انهاء ممانعته لقيام الولايات المتحدة بدور أكبر في الأزمة السورية.
وقال دنيس روس، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والذي امضى ثلاث سنوات مستشارًا خاصًا لشؤون الشرق الأوسط في ادارة اوباما، إن الارهابيين أنفسهم الذين شن اوباما حملة جوية ضدهم بطائرات من دون طيار في اليمن يقيمون الآن معاقل لهم في مناطق سورية.
تقاعد فورد
ونقلت صحيفة كريستيان ساينس مونتر عن روس قوله: "ان اوباما كان طول الوقت ينظر إلى الأزمة السورية على انها مشكلة ليس فيها خيارات صالحة تُذكر، لكن ما تسمعه الادارة الآن من حلفائها في المنطقة هو أن قرار الولايات المتحدة الابتعاد عن وضع سيئ لم يفعل سوى زيادته سوأ".
واضاف روس: "رفضت الادارة حتى الآن الانجرار إلى سوريا، لكن إزاء الاتجاهات التي نراها اليوم هناك فإننا سننجر في كل الأحوال". في غضون ذلك، نقلت صحيفة نيويورك تايمز عن مسؤولين في وزارة الخارجية الاميركية أن السفير الاميركي في دمشق والمسؤول عن تنسيق الاتصالات مع المعارضة السورية روبرت فورد يعتزم التقاعد، ومن المتوقع أن يتنحى عن منصبه في وقت قريب. ولم يقدم المسؤولون معلومات عمن سيخلفه.
 
الإيقاع اللبناني... في ضرورة الطائفية
محمود حداد ** مؤرخ وكاتب لبناني
أنقذنا الوزير جبران باسيل من الكلام المزدوج حول الطائفية والعلمانية في السياسة اللبنانية، فحدد لنا أن وزارة الطاقة التي تبيض ذهباً أسود وأصفر هي وزارة سيادية للمسيحيين ولا يمثل المسيحيين الحقيقيين الوازنين إلا شخصه المتربع عليها منذ سنوات. وهذا كلام جديد في فنون السياسة اللبنانية وجنونها. لكن الوزير الشاب كشف المستور وكان صريحاً أكثر من غيره. فقد كانت القاعدة التي ما برح السياسيون اللبنانيون يرددون أنهم يعملون بها منذ ما قبل الاستقلال هي معاداة الطائفية، وأنها أكثر الأمور الممجوجة لديهم، لكنهم اضطروا، لأسباب خارجة عن إراداتهم، إلى جعل «الميثاق الوطني» قائماً عليها، وإن لفترة محدودة، تصفو فيها النفوس ويقترب الشقيق من الشقيق. ولا يعني هذا أن المجتمع بريء تماماً من المرض الطائفي إلا أن الطبيب كان، على ما يبدو، يداوي الداء بالداء أكثر مما كان يداوي الداء بالدواء. واحتار الناس بين النظرية والتطبيق عند معظم الاتجاهات السياسية. فالكل، تقريباً، يقول بالعلمانية، بما في ذلك ما كان يُعرف بالأحزاب الإيديولوجية، إلا أنها في غالبيتها كانت تنحى إما منحى مناطقياً يحددها ويحدها طائفياً ويفرض عليها اللعـبة الشـعبوية المعروفة، وإما أنها كانت تسير على نهج طـائفي ظنـته مـسـتتراً عن فكر وبصيرة المواطنين. فأصبح لدينا أحزاب علمانية «مـسـيـحية» وأحزاب علمانية « إسلامية». وتطور الأمر لنصل إلى التعامل عملياً أيضاً مع أحزاب مذهبية - علمانية بالطبع - من كل اتجاه ومشرب وعائلة وجناح عسكري عشائري! وقد مكر النظام السياسي اللبناني مكراً شديداً. فأنت لا تستطيع أن تشير إلى سياسي لبناني يعلن أنه يمثل طائفته حصراً، وأنت في نفس الوقت تعرف أن الطائفية هي المحرك الأساس للنظام السياسي ومعظم الاجتماعي اللبناني. فإذا طالب نائب «علماني» مسلم بإعطاء حق الجنسية اللبنانية لأولاد الأم اللبنانية المتزوجة من غير لبناني، قام نائب «علماني» مسيحي، بالمقابل، برفض الاقتراح على أساس أنه يمهد لتوطين اللاجئين الفلسطينيين فكثير من اللبنانيات المسلمات متزوجات من فلسطينيين. أما معظم اللاجئين الفلسطينيين المسيحيين فقد جرى تجنيسهم لبنانياً دون ضجة منذ عقود وهم فاعلون في كل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية العليا. بالمقابل، يتخوف المسلمون العلمانيون من مطالبة المسيحيين العلمانيين بإعطاء حقوق المواطنة للمغتربين لأنّ المغتربين المسيحيين يفوقون المسلمين عدداً وعدة! وعندما يتحدث بعضهم عن ضرورة التمسك بالمناصفة السياسية التي أقرها اتفاق الطائف يأتي الرد بأن المناصفة العددية غير تمثيلية لأن العددية تحجب النوعية في الحالة اللبنانية. أما الطرف المقابل فيذكر أن المناصفة مكرمة من مكرماته بينما الديموغرافيا تحتم المثالثة لا المناصفة. أما على الجانب الثقافي، فإنك إذا استعرضت الصفحات أو الملاحق الأسبوعية غير السياسية في أكثر من صحيفة لبنانية لعلمت أن الحس الثقافي والذوق الفني المرهف مرتبط بطائفة راقية بعينها بينما البدائية الثقافية والأدبية والوحشة والتوحش الفني لا يبارح طائفة أخرى.
 النكاية كمفتاح سياسي
كان المؤرخ اللبناني الراحل كمال الصليبي يقول إن سياسات الطوائف في لبنان هي سياسات نكاية: طرف يطلب شيئاً فيرفض ذلك الطرف الآخر ويطلب عكسه لا لأنه يريد ذلك فعلاً، بل نكاية بالطرف المنافس. والسياسات اللبنانية الحالية خير دليل على ذلك: كان الناطقون باسم المسيحية السياسية يتهمون المسلمين بأنهم معادون للغرب دون اهتمام بالتحديث والحداثة، وكان الناطقون باسم الإسلام السياسي يقولون للمسيحيين أنهم متحالفون مع الغرب دون وازع من وطنية أو حس قومي. انقلب الأمر اليوم فأصبح المسلمون اليوم متهمين بصداقة الغرب والمسيحيون متهمين بمعاداته، لكن النكاية منتعشة عند الطرفين.
مع ذلك، لم يكن اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مثلاً، عملاً طائفياً محلياً فحسب، بل عملاً سياسياً يتعلق بالأوامر الطائفية الإقليمية التي صدرت لتصفيته. إذ كيف يمكن لأحد أبناء طائفة معينة أن يلعب الدور الأبرز في الوطن اللبناني والجوار حيث لكل طائفة سقف حركة لا يسمح لها بأن تتخطاه لا لبنانياً ولا إقليميا. وربما كان هذا هو السبب الأساس في اغتيال الرئيس رياض الصلح «العروبي» المشرب أيضاً قبل أكثر من نصف قرن. أما اتهامه بأنه كان وراء إعدام قائد الحزب السوري القومي فقائم على الشبهة لأن اللجنة التي قررت هذا القرار كانت برئاسة رئيس الجمهورية، بشارة الخوري لا برئاسة رئيس الوزراء المحدود الصلاحيات بوجود رئيس الدولة وقتها. ولم نسمع باتهامات توجه إلى الرئيس بشارة الخوري، بل على العكس هناك سكوت شبه تام عن دوره في الموضوع وعن دور المحرك الإقليمي الأساسي المعروف وهو قائد أول انقلاب عسكري في دمشق حسني الزعيم. ومن مهازل القدر أن بعض الذين ارتكبوا جريمة اغتيال الرئيس رياض الصلح وبعض الذين فجعوا بها حملوا مع الوقت نفس الثقافة السياسية المتحالفة مع ديكتاتورية الإقليم والتقوا من دون وعي أو قصد على الثأر النفسي وتنفسوا الصعداء لغياب الرئيس الحريري عن الساحة السياسية اللبنانية وكأنه كان نافسهم على زعامة فائتة على رغم أن الحريرية - إذا صحت التسمية - كانت في جزء منها على الأقل - استمراراً أو عودة لسياسة رياض الصلح الميثاقية التي كانت تؤكد الشراكة الإسلامية - المسيحية في إدارة لبنان ومصالحه. لكن شخصية كل من الزعيمين كانت من القوة والتأثير بحيث سرقت الأضواء وأثارت الفزع والغيرة غير المبررة واقعياً عند المتشددين المحليين وبعض مراكز الجوار في الإقليم. وكأن اغتيال الرئيس رفيق الحريري كان اغتيالاً للرئيس رياض الصلح مرة ثانية!
 الطائفية الإقليمية
أما الطائفية الإقليمية فتختلف في أساليبها في المشرق من مصر إلى العراق مروراً بسوريا حيث اكتشفنا ما كنا نشتبه به: بلطجية النظام هنا وشبيحة النظام هناك يقومون بإحراق الكنائس والمساجد وتأجيج الصراعات الطائفية من وراء ستار بينما تعلن الحكومات أنها لا تألو جهداً في حماية الأقليات من المجموعات السلفية والقاعدية والداعشية التي تقوم هي نفسها بتمويلها وتسليحها لتخويف الأقليات، ولو حاكمة، من الغالبية ولو محكومة وبالعكس وجعل المواطن عدو المواطن كي تظل تمثل دور الإطفائي المزعوم في مجتمع يُدفع بعضه إلى كره بعضه الآخر دفعاً إضافياً لا ضرورة له.
وكيف يمكن أنظمة المشرق من طهران إلى بيروت أن ترفد بعضها بعضاً إذا لم تعبئ الطبقات الشعبية طائفياً وترسلهم للقتال من جبهة إلى أخرى وهي التي تجاهر بأيديوجيات وطنية وقومية علمانية لا تسمح إلا بالتركيز على المصير والتاريخ والمستقبل الواحد المشترك؟
أصبح الاحتراب الطائفي، إذاً، ضرورة للأنظمة العربية التي فقدت كل شرعية. فهي تخلت عن أية إستراتيجية خارجية كانت أم داخلية سواء في السياسة أو في الاقتصاد، أو في العدالة الاجتماعية. ولقد قيل بعد حرب 1973 إنّ العواصم العربية التي ساهمت في الحرب ستركز بعد إعلان سلامها أو استسلامها للعدو «المهزوم» على الاقتصاد فتنعشه وتنعش الشعب الذي عانى أيما معاناة من حروب فرضتها عليه أيديولوجيات عروبية مفوتة. وكانت أن «سكتت المدافع» فعلاً على حد ما كتب الصحافي المصري الراحل محمد سيد أحمد ( ووُزع كتابه من قبل السلطات بثمن بخس على نطاق واسع في القاهرة وغيرها من مدن الكنانة) ولكن من جهة واحدة إذ سمحت لإسرائيل بإطلاق مدافعها على كل الجبهات الساكتة من العراق إلى فلسطين إلى لبنان. أما الاقتصاد، فبدلاً من إنعاشه فقد تم تدميره عبر إلحاقه - عبر الخصخصة الخاصة جداً - بالعائلات الحاكمة وبيوت المال العالمية. وأُلغيت شعارات الوحدة والحرية والاشتراكية - على عدم جديتها سابقاً - لمصلحة البلطجية والشبيحة على رؤوس الأشهاد ودون أي استحياء. واكتشفنا أنّ أعضاء هذه التنظيمات المسلحة يعدون بعشرات الآلاف ويمثلون جيوشاً رديفة لكتائب النظام المنتخبة انتخاباً دقيقاً.
 الغرب الطائفي أيضاً
ولم يكن الغرب بعيداً من هذه السياسات فعلمانيته التنويرية لم تمنعه من استخدام الأدوات الطائفية خارج حدوده بخاصة في بلادنا. فوفق المثقف السوري الكبير الراحل انطون مقدسي فإن برجنسكي ، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس كارتر، أعلن في الثمانينات صراحة وفي وصف لسياسة بلاده في أفغانستان « إننا - يقصد الأميركيين - سنلعب من الآن وصاعداً ورقة الطائفية». (الحياة 23 أيار 1994، ص. 16). وكان أن استولد أداة سياسية بشكل ديني أُسميت» القاعدة» التي يُتهم المسلمون اليوم بأمومتها. أما وسائل الإعلام الغربية فتركز حالياً على ان الصراع في الإقليم هو صراع شيعي- سني مذهبي لا دخل للسياسة فيه بهدف نزع هذه السياسة عن الصراعات لتبرئة الغرب وأبلسة العرب والمسلمين في المنطقة. فالمسألة المطلوب إشاعتها هي مسألة لا عقلانية الشعوب وتعصبها وليس تصرفات وسياسات الأنظمة المحلية والإقليمية والدولية.
وقد استخدمت الطائفية والمذهبية استخدامات متعارضة ومتناقضة عدة. فإذا كانت قد استخدمت في الثمانينات وما بعدها للتدخل في المنطقة، فإنها تُستخدم اليوم للانسحاب من المسؤوليات الدولية والإنسانية في ما أصبح يطلق عليه «حروب الآخرين». ولم يعد قتل الأطفال وسبي النساء ليثير غضباً في محفل الأمم المتحدة أو عند منظمات حقوق الإنسان التي تتصرف إعلامياً على أساس أنها تحارب العنف الموجه ضد المرأة إذا كان منزلياً فحسب! وكان الرئيس الأميركي باراك أوباما قد أعلن في خطاب ألقاه في 31 آب (اغسطس) 2013 : « أعرف اننا تعبنا من الحروب. لقد أنهينا الحرب في العراق ونعمل على انهاء حرب اخرى في افغانستان. ولدى الأميركيين الحس الجيد لمعرفة اننا غير قادرين على حل المشكلة الدائرة في سورية بواسطة قواتنا المسلحة. ففي ذلك الجزء من العالم هناك اختلافات مذهبية قديمة في التاريخ. وقد أدى الربيع العربي إلى اطلاق قوى تغيير لا بد أن تستغرق العديد من السنين لكي تحل المشاكل التي أطلقتها. لهذا، فإننا لا نفكر بوضع قواتنا في غمرة حروب الآخرين».
هكذا وبإفلاس الأنظمة المحلية والإقليمية وحتى الدولية من الفكر الجامع والأيديولوجيات الرابطة أصبحت اللعبة الطائفية هي اللعبة الوحيدة فوق الطاولة . أما ما تحتها فهو حسابات أخرى منها ماهو سلطوي ومنها ما هو عائلي ومنها هو مناطقي. وقد تجتمع كل هذه العوامل في اطار واحد يرفد بعضها بعضاً ويجمعها ما هو مصالح مالية في كل الأحوال.
 
 سرّ أثواب البعث الكثيرة
رستم محمود ** كاتب سوري
منذ بداية الثورة السورية، فأن الخطاب الدعائي - الثقافي - السياسي للنظام السوري يكاد يتطابق مع النزعة الأيديولوجية للحزب السوري القومي الاجتماعي، ويناقض جوهراً ركائز حزب البعث نفسه!!. فهو خطاب يعلي من شأن البيئة والخصوصية الثقافية الإقليمية المحلية السورية، في مقابل تقصد لـ «الحط» من مكانة باقي العرب، خصوصاً بيئة عرب الخليج العربي، فهي بحسب هذه النزعة الخطابية الجديدة للنظام السوري، «أقل» شأناً و «مكانة» من نظيرتها السورية «الحضارية»، وبات من المألوف أن يذكر خطباء النظام بأن جوهر الصراع في المسألة السورية، هو بين شكل من الإسلام السلفي العربي التقليدي، وبين البيئة «السورية» «الحضارية» التي تمتد إلى عمق التاريخ...الخ. حيث أن هذا بالضبط كان جوهر المخيال الأوسع للتصارع النظري بين القوميتين السورية الاجتماعية والبعثية العربية بعد الربع الأول من القرن العشرين، لكن خطاب النظام السوري راهناً، يتطابق مع الجبهة القومية السورية من ذلك التصارع التقليدي، على رغم انحداره التنظيمي من حزب البعث نفسه!!.
قبل الثورة السورية بسنوات قليلة، خلال السنوات الحامية للصراع الأهلي العراقي (2005-2008) كان خطاب النظام نفسه، يتراوح بين شكل من اليمينية البعثية القومية والإسلام السياسي السلفي «الجهادي»، فالنظام (ورأسه الحاكم) كان قد غرق في مواجهة مباشرة مع المشروع الأميركي في العراق، من خلال استقبال عشرات الآلاف من قيادات البعث العراقي، وتحويل الأراضي السورية معبراً وساحة لوجستية لعبور عشرات آلاف المقاتلين الأصوليين إلى الساحة العراقية. كانت ثمة ميول عميقة في خطاب النظام والسلوكيات الرمزية لنخبته، وقتها، لاعتبار سورية مركزاً قومياً ودينياً للأمة العربية والإسلامية في مواجهة الخارج الذي يحاول السيطرة عليها.
في آلية مشابهة، كان النظام السوري بُعيد هجمات 11 أيلول قد دخل في اتساق مع الخيارات الأميركية في محاربة الإرهاب، وقد اُستنفرت ماكينته الخطابية والإعلامية والسياسية وقتئذ في التحذير من خطورة التطرف والجماعات الأصولية المسلحة...الخ، وقد نشطت في تحويل سورية كمركز فعال في مكافحة الإرهاب وجميع الأشكال والظروف المرتبطة به. في عقد التسعينات كان النظام السوري قسّم نزعته إلى نصفين شبه متساويين، في بدايته كان جزءاً من الحملة والتحالف الدولي لإخراج صدام حسين من الكويت، وكل ما ترتب على ذلك من فروض سياسية وخطابية، وفي نصفه الثاني كواحد من الأنظمة التي تسعى إلى إعادة صياغة اقتصادها وسياستها وخطابها في مرحلة ما بعد الكتلة السوفياتية. في الثمانينات كان النظام السوري قد تماهى مع نفسه كطرف عميق في محاربة الإسلام السياسي في المنطقة من طرف، وكجهة مركزية لحفظ الاستقرار في المنطقة، من خلال تكامل دوره في قمع حركة الإخوان المسلمين مع دوره في ضبط الداخل اللبناني. في السبعينات راكب النظام السوري بين صورته كطرف قومي يساري عربي محارب لإسرائيل، ومن ثم كراع وحام لتحالف الأقليات المشرقية منذ دخوله المباشر في الحرب اللبنانية.
كانت الأجهزة الدعائية والإعلامية والسياسية مع جميع هذه التحولات، تستطيع أن تماهي بين كل هذا الطيف من الخيارات الثقافية والسياسية وبين مصالح النظام السوري، واستطاعت أن تسوقها جميعاً وكأنها جوهر وأيديولوجية النظام وحزب البعث الحاكم. وهو تطابق كان سيبدو متعثراً لولا ثلاثة عوامل متراكبة:
الطبيعة الجهازية للنظام السوري في جميع هذه التوازنات والتصارعات الإقليمية، فمنذ وصول حافظ الأسد إلى الحكم عام 1970، بدأ النظام السوري يستخدم الجوهر الأيديولوجي القومي لحزب البعث أداة رمزية لشرعنة حكمه من طرف، ومؤسسته الحزبية كأداة لضبط المجتمع السياسي الداخلي ليس إلا. حيث لم يستمر حزب البعث في تمركز حول الأيديولوجية القومية، كما كان في سنوات الحكم الأولى بعد انقلاب البعث الشهير (1963-1966)، ومن ثم كنمط لحزب اشتراكي (1966-1970). فحافظ الأسد حول مصالح النظام واستقراره إلى أيديولوجيا وحيدة للنظام.
الأمر الآخر يتجاوز العلاقة المختلة بين نواة النظام والحزب الحاكم، ليطاول الطبيعة القومية الفــــوقية لنزعة البعث تقليدياً، فهو تيار سياسي مبني على خطابية رمزية لجماعة متخيلة عابرة للكيـــان السوري نحو محيطه، تستطيع رمزيتها هذه وعـــبورها الحدود الوطنية وجوهرانيتها خلق جماعة عابرة للتفاصيل، تستطيع معها أن تتماهى مع شتى أشكال النزعات والمصالح السياسية، وأن تعتبر كل مرة بأن هذا الشكل هو التفسير الحق لرمزيتها، وإن كانت التفسيرات مختلفة ومتناقضة أحياناً كثيرة.
أخيراً يتعلق الأمر بمركز سورية الجغرافي والطبيعة الملونة والمركبة لمجتمعها، فنظام سياسي اخطبوطي كالذي تمركز في عهد آل الأسد، يستطيع أن يفكك ويعيد بناء الكثير من النزعات الأيديولوجية والسياسية والخطابية، ويستطيع على الدوام أن يجد ما يناسبها من قطاعات في متن المجتمع السوري الملون هذا، وكذلك أن يستعملها في مناوشاته مع محيطه السياسي الإقليمي. فالدولة السورية الحديثة، كانت ولا تزال مركبة من كيان بالغ الحساسية الجغرافية مع مجتمع بالغ التنوع، لذا كانت قابلة على الدوام لتغير هويتها ومهماتها في هذا المحيط.
 
 
 
 

المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,917,902

عدد الزوار: 6,971,822

المتواجدون الآن: 85