من حقيبة "النهار" الديبلوماسية

معلومات أوروبية: جنبلاط باق مع الاستقلاليين المعارضة فخورة بهزائمها والغالبية خجولة من انتصاراتها

تاريخ الإضافة الجمعة 7 آب 2009 - 5:22 ص    عدد الزيارات 2437    التعليقات 0

        


"رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط باق مع القوى الاستقلالية وقراره تغيير طبيعة علاقاته مع فريق 14 آذار ودعوته الى عدم استمرار هذا الفريق كما هو ليسا نابعين فحسب من حرصه عل أمن الجبل بعد احداث 7 أيار 2008 وعلى حمايته من اي فتنة شيعية – درزية، بل ان هذا التوجه جزء من انقلاب في المشهد السياسي اللبناني ناتج من ثلاثة عوامل اساسية هي الآتية:
1 – ان حاجة نظام الرئيس بشار الاسد الحيوية الى التقارب مع أميركا وفرنسا والسعودية ومصر وغيرها من الدول البارزة والمؤثرة تجعله يعطي الاولوية لمحاولة تقبل مطالب هذه الدول الداعمة للبنان المستقل والمستقر والتجاوب معها، وليس لمحاولة استعادة نفوذه السابق والواسع في لبنان بالقوة وبالتعاون مع حلفائه. وهذا ما ساعد على تعزيز اجواء الحوار ومناخاته والتقارب والاسترخاء بين الافرقاء اللبنانيين، وما ساهم إلى حد ما في تشجيع جنبلاط على اتخاذ هذا الموقف.
2 – ان نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة احدثت "صدمة" في صفوف المنتصرين والمهزومين معاً، وهي انتخابات أدت الى هزيمة فريق 8 آذار وانتصار فريق 14 آذار وحلفائه. هذه الصدمة دفعت الفريق الخاسر، وبصورة غير معلنة، الى اعادة النظر في حساباته وفي تقويمه لمسار الاوضاع في البلد، ما جعل قائده "حزب الله" يميل الى التعامل بمرونة أكبر مع مسألة تأليف حكومة وحدة وطنية برئاسة سعد الحريري والى التخلي عن الثلث المعطل. في المقابل فإن البعض في فريق 14 آذار، ومنهم جنبلاط اصبح يميل الى الاعتقاد بعد هذا الانتصار ان معركة الاستقلال الاساسية مع النظام السوري قد انتهت لمصحلة الاستقلاليين، وان المحكمة الدولية اصبحت قراراً دولياًخارج التأثير اللبناني او الاقليمي، وان المرحلة المقبلة يجب ان تتركز خصوصاً على معالجة مشاكل كل الداخل المتعددة الهائلة بالتعاون الوثيق بين مختلف الافرقاء، كما يجب ان تتركز على ضرورة اقامة علاقات جديدة مع سوريا خارج اطار الهيمنة والمواجهة بالتوازي مع الحرص على تعزيز علاقات لبنان العربية والدولية لتأمين استمرار الدعم والحماية له ولاستقلاله وسيادته.
3  - الازمة الداخلية الكبرى التي  تهز النظام الايراني سياسياً ودينياً وشعبياً بشكل ليس له سابق منذ قيام الجمهورية الاسلامية عام 1979، والتي تدفع حلفاء طهران، وعلى رأسهم حزب الله، الى الابتعاد وإن في هذه المرحلة عن اعتماد الخيارات القصوى، كما تدفع خصوم طهران الى الرهان على تقلص قدرات ايران على مواجهة الانظمة والقوى العربية المعتدلة وعلى زعزعة الأمن والاستقرار في عدد من الساحات الاقليمية بالتعاون مع المتشددين. وهذا التطور يساهم في تحقيق الانفراج في الساحة اللبنانية بين الافرقاء المتخاصمين".
هذا ما اكدته لنا مصادر ديبلوماسية اوروبية في باريس معنية مباشرة بالملف اللبناني. واوضحت استناداً الى المعلومات التي تلقتها من بيروت وعواصم اخرى، ان المشهد السياسي الجديد في لبنان يتميز بأربع حقائق اساسية هي الآتية:
اولاً، التيار الاستقلالي السياسي والشعبي ليس محصوراً في فريق 14 آذار، بل انه اوسع واكبر منه. اذ انه يضم اساساً هذا الفريق اضافة الى قوى وشخصيات مستقلة. ويضم ايضاً وخصوصاً الرئيس ميشال سليمان الوطني الاستقلالي التوجهات كما عكسته بوضوح تام مواقفه  وممارساته واعماله منذ خطاب القسم، وهذا الوضع مختلف جذرياً عن واقع فريق 8 آذار وعما كان عليه الحال في عهد الرئيس السابق اميل لحود المرتبط ارتباطاً وثيقاً بسوريا وحلفائها. وهذا يعني ان اي دعم للرئيس سليمان هو دعم للقوى الاستقلالية في مجملها.
ثانياً، فريق 14 آذار تحالف سياسي وشعبي واسع ديموقراطي الأطر ومنفتح التوجهات قادر على استيعاب الآراء والمواقف المختلفة والمتنوعة بين افرقائه ولكن في اطار التزام تفاهمات حول القضايا الجوهرية والمصيرية المتعلقة خصوصاً باستقلال لبنان وسيادته ودور الدولة ومؤسساتها الشرعية وطبيعة العلاقة مع المجتمع الدولي والمجموعة العربية، واولوية تأمين المصالح اللبنانية الحيوية. وقرار جنبلاط الخروج من الاطار التنظيمي لفريق 14 آذار ليس معناه التخلي عن الاقتناعات الاساسية التي تربطه بهذا الفريق، بل انه قرار ناتج من رهانه على ان المرحلة الجديدة في لبنان هي "مرحلة ما بعد الغالبية وما بعد المعارضة"اي مرحلة خلط الاوراق وحدوث تغييرات عدة في التحالفات السياسية في البلد. وجنبلاط يتفق في ذلك مع رئيس مجلس النواب نبيه بري. لكن هذا الرهان ليس دقيقاً او صحيحاً كلياً، اذ ان قرار جنبلاط هذا لن يلغي وجود غالبية ومعارضة، ولو كانت الغالبية متحركة والمعارضة غير واضحة المعالم تماماً كما كانت الحال في مرحلة ما قبل الانتخابات. ففريق 14 آذار و8 آذار لن يذوبا في فريق واحد، ولن يختفيا عن الساحة اللبنانية لمصلحة فريق ثالث او افرقاء آخرين، اذ ان لكل من هذين الفريقين الاساسيين سياساته وتوجهاته واقتناعاته وحساباته ومصالحه وارتباطاته، ولن يؤدي قرار جنبلاط الى ازالة الخلافات الاساسية بينهما او الى تعزيز موقع فريق على حساب الآخر.
 

باق مع الاستقلاليين

ثالثاً - قرار جنبلاط ليس هروباً من الهزيمة، اذ ان فريق 14 آذار ليس مهزوماً بل انه الفريق الذي حقق انجازات وانتصارات سياسية كبرى، آخرها الفوز في الانتخابات، ويلقى دعما واضحاً من الغالبية الواسعة من اللبنانيين. كما ان قرار جنبلاط ليس ناتجاً من اقتناعه بتوجهات المعارضة وسياساتها، ولذلك فهو لن ينضم اليها.


بل ان ما يطمح اليه جنبلاط هو ان يشكل مع تكتله وانصاره قوة مستقلة ثالثة تتحرك بين فريق 14 آذار و8 آذار داخلياً وخارجياً، "مراهناً على ان ذلك يمنحه قدرة أكبر على التأثير في مجرى الاحداث وعلى تحقيق المكاسب له ولقاعدته الشعبية وعلى تأمين الحماية لطائفته" وفقاً لما قاله لنا ديبلوماسي اوروبي مطلع. لكن الواقع هو ان جنبلاط لن يتمكن من القيام بدور حقيقي فاعل ومؤثر في الحياة السياسية اللبنانية، اذا لم يكن، وبطريقة ما، مرتبطاً بتحالف اوسع يضم قوى تمثل طوائف اساسية وافرقاء مهمين، وعلى رغم ملاحظاته على عمل فريق 14 آذار وانتقاداته لبعض حلفائه، فإن جنبلاط يظل اقرب، في ما يتعلق بالقضايا الاساسية والجوهرية، الى تحالف القوى الاستقلالية منه الى فريق 8 آذار. كما ان قاعدته الشعبية تتعاطف مع قاعدة الاستقلاليين وتنسجم معها أكثر مما تنسجم مع قاعدة "حزب الله" وحلفائه. اضافة الى ذلك، فإن جنبلاط لن يستطيع ان يتحرك في فراغ، فاذا كان يريد مع نبيه بري مدّ جسور التقارب والتفاهم بين الفريقين الاساسيين في البلد، فيجب ان تكون علاقته جيدة مع حلفائه في فريق 14 آذار بمقدار ما ان علاقة بري جيدة مع حلفائه في فريق 8 آذار.


رابعاً - يرجح ديبلوماسيون اوروبيون معنيون بالملف اللبناني ان يكون جنبلاط قرر، بخروجه عن الاطار التنظيمي لفريق 14 آذار، القيام بعملية اختبار لفترة زمنية معينة لمعرفة ما اذا كان من الأفضل والأنسب له التحرك كقوة ثالثة مستقلة، واذا كان ذلك سيعزز موقفه التفاوضي مع الافرقاء اللبنانيين ومع جهات اقليمية ودولية. لكن هؤلاء الديبلوماسيين يؤكدون ان جنبلاط، في اي حال، باق مع الاستقلاليين في ما يتعلق بالقضايا الاساسية والمصيرية وانه لن يتحمل مسؤولية اضعاف الاستقلاليين والموقف اللبناني الاستقلالي السيادي، سواء في ما يتعلق بالتعامل مع سوريا خارج منطق الهيمنة والتسلط على اللبنانيين وعلى اساس الاحترام المتبادل لاستقلال البلدين ولضمان مصالحهما الحيوية، او ما يتعلق بقضايا الحرب والسلم، وبدور الدولة ومؤسساتها الشرعية، وبموقع رئيس الجمهورية، او ما يتعلق بمصير السلاح غير الشرعي وبالعلاقة بين المقاومة والدولة، او ما يتعلق برفض تحويل لبنان ساحة مواجهة مفتوحة مع اسرائيل ودول اخرى مما يلحق اضراراً هائلة بمصالح اللبنانيين، او ما يتعلق بضرورة المحافظة على علاقات لبنان العربية والدولية الوثيقة وعدم التضحية بها للارتباط بالمحور السوري - الايراني وحده، او ما يتعلق بضرورة المحافظة على السلم الأهلي وصيغة العيش المشترك وبرفض استخدام السلاح في الداخل، او ما يتعلق بالمحكمة الدولية وبضرورة تحقيق العدالة وليس استخدامها لاغراض سياسية. وقد تحصل بين جنبلاط وفريق 14 آذار خلافات حول قضايا اقتصادية واجتماعية ومعيشية وداخلية اخرى، لكن هذه الخلافات لن تطول او تمس القضايا الجوهرية الاساسية التي يرتبط بها مصير لبنان.


ويمكن القول، باختصار، ان قرار جنبلاط لم يبدل موازين القوى السياسية والشعبية في لبنان، ولم ينسف نتائج انتخابات السابع من حزيران. وهو، في اي حال، ليس في حجم القرار الذي اتخذه العماد ميشال عون بعد اشهر قليلة من فوزه في انتخابات عام 2005 حين انتقل من معسكر الاستقلاليين الى التحالف مع "حزب الله" والمعارضة الوثيقة الصلة بسوريا وايران. فجنبلاط لم ينتقل اساساً من فريق الى آخر، ومن موقع الى آخر، بل انه لا يزال في قلب المعسكر الاستقلالي وفي صلب معركة الدفاع عن لبنان المستقل المنفتح عربياً ودولياً، وان تكن طبيعة هذه المعركة ومقوماتها قد تبدلت الى حد كبير عما كانت في السنوات الاربع الماضية.



الهزائم والانتصارات

وقد أكد لنا ديبلوماسي اوروبي معني بالملف اللبناني "ان فريق 8 آذار لديه ثقة مفرطة في قدراته ويمنح نفسه حجماً أكبر من حجمه الحقيقي ويميل إلى المبالغة في الحديث عن انتصاراته. اما فريق 14 آذار فيميل الى التقليل من نفوذه وقوته الحقيقية ويمنح نفسه حجماً أصغر من حجمه الحقيقي". واضاف: "ان ثقة فريق 8 آذار المفرطة في "ذاته وقدراته تتناقض مع الوقائع والحقائق، اذ ان المعارضة حصدت مجموعة هزائم ونكسات خلال السنوات الاربع الماضية. فهي، بعد حصولها على الثلث المعطل في الحكومة اثر احداث 7 ايار 2008 واتفاق الدوحة، لم تتمكن من قلب موازين القوى السياسية والشعبية لمصلحتها عبر استخدامها السلاح، بل خسرت الانتخابات، وفشلت في تقليص دور الاستقلاليين وفي تعطيل عمل المحكمة الدولية، كما انها عجزت عن اجراء التغييرات الجذرية التي تريدها في تركيبة النظام وفي توجهات لبنان العربية والاقليمية والدولية، وعجزت أيضاً عن اعادة ربط هذا البلد بسوريا. وفي المقابل فان فريق 14 آذار واجه موحداً موجة الاغتيالات وعمليات القتل والترهيب التي استهدفت قياداته وقواعده الشعبية، وحقق انجازات ومكاسب كبرى بل تاريخية ابرزها: انهاء هيمنة سوريا على لبنان عبر اخراج قواتها من اراضيه، وذلك بالتعاون مع الدول الكبرى، منع نظام الأسد من استعادة لبنان، تأمين تشكيل اول محكمة دولية في تاريخ المنطقة لمحاسبة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وشخصيات وطنية اخرى، تأمين دعم دولي وعربي ليس له سابق لاستقلال لبنان وسيادته، ايجاد رأي عام استقلالي من مختلف الطوائف في مواجهة سلاح "حزب الله" ادى الى فوز فريق 14 آذار وحلفائه في الانتخابات، تأمين انتخاب رئيس للجمهورية وطني واستقلالي غير مرتبط بالمحور السوري – الايراني، اعطاء شرعية لبنانية للضغط الدولي والعربي على النظام السوري من اجل دفعه  الى تغيير سياساته وتوجهاته الاقليمية، ووضع حد لتدخلاته السلبية في الشؤون اللبنانية".


وذكر هذا الديبلوماسي الاوروبي الذي زار لبنان مراراً: "نستطيع اختصار الوضع بالقول ان المعارضة تبدو فخورة بهزائمها وتريد بمختلف الوسائل تحويل هذه الهزائم انتصارات، بينما تبدو الغالبية خجولة من انتصاراتها وهي انتصارات حقيقية وملموسة وتخدم مصلحة لبنان المستقل".

بقلم عبد الكريم أبو النصر

المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,152,051

عدد الزوار: 6,757,397

المتواجدون الآن: 143