مؤتمر "فتح": معركة الهيئات القيادية

تاريخ الإضافة السبت 1 آب 2009 - 7:19 ص    عدد الزيارات 4720    التعليقات 0    القسم عربية

        


شككت مصادر فلسطينية في إمكان عقد مؤتمر "فتح" في بيت لحم في موعده المحدد في الرابع من آب الجاري. وقالت إن الأمر لا يتعلق بالتحضيرات الداخلية، بل بتعقيدات برزت في ربع الساعة الأخير في كل من غزة ولبنان.
 

مشكلة غزة

 ففي غزة، كما بات معروفا، أعلنت حركة "حماس" رفضها السماح لأعضاء المؤتمر، والبالغ عددهم 400 عضو، السفر إلى الضفة الفلسطينية، ما لم يطلق سراح المعتقلين من أعضاء "حماس" في سجون السلطة الفلسطينية. وقد صرح أكثر من مسؤول في الحركة الإسلامية مؤكدا أن "حماس" لن تسمح لأعضاء "فتح" بحرية النشاط التنظيمي في القطاع، بما في ذلك السفر إلى الضفة لحضور المؤتمر، ما دام أعضاء "حماس" لا يتمتعون بهذه الحرية في أنحاء الضفة. وأكدت تصريحات قادة "حماس" على مبدأ المقايضة بين إطلاق سراح معتقلي "حماس" في سجون السلطة، والسماح لأعضاء مؤتمر "فتح" بالسفر من القطاع إلى بيت لحم.


بعض المراقبين رأى أن "حماس" سوف تمسك بهذه الورقة التفاوضية وبقوة ولن تقدم تنازلا لحركة "فتح"، خاصة أنها كثيرا ما شيعت أن فشل الحوار الثنائي في القاهرة مرده الاختلاف على قضية المعتقلين السياسيين.


ويضيف هؤلاء المراقبون أن ثمة أصواتا ارتفعت داخل "فتح" تدعو إلى "معالجة" الأمر مع "حماس" بما في ذلك التفاوض على إطلاق سراح دفعة من المعتقلين مقابل سماح الحركة الإسلامية لأعضاء "فتح" بالمشاركة في المؤتمر. غير أن بعض كبار المسؤولين في السلطة أبدوا ترددا إزاء هذا الاقتراح، ورأوا فيه استحقاقات كبيرة لا تقوى السلطة على تحمل تبعاتها، خاصة أن بعض المعتقلين هم من المطلوبين لقوات الاحتلال. ويزعم بعض كبار رجال الشرطة في السلطة الفلسطينية أن إخراج هؤلاء من السجن سوف يعرضهم لخطر الاعتقال، أو القتل على يد قوات الاحتلال، الأمر الذي سيحمل السلطة الفلسطينية، أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي مسؤولية سلامة هؤلاء، خاصة وأن السلطة متهمة من قبل خصومها السياسيين بأنها تنسق مع قوات الاحتلال، وأنها تتلقى كذلك توجيهات من قبل المندوب الأميركي الجنرال دايتون، في ما يتعلق بالموقف من عناصر "حماس" وقياداتها في الضفة الغربية.


"حماس" من جانبها ترفض مثل هذه الأعذار، وتعتبرها غير ذات قيمة وتتمسك بمبدأ المقايضة "فالحسنة بالحسنة، والسيئة تقابل بالسيئة" يقول قادة "حماس". القضية معقدة، يقول المراقبون، لكن ملفها لم يغلق بعد، وما زال البحث بشأنها جاريا، يراود أصحابها أمل بالوصول إلى توافق ما، يرضي الطرفين.



مشكلة الخارج

 أما في لبنان، بشكل خاص، وفي الخارج بشكل عام، فهناك أعضاء في المؤتمر لن تسمح إسرائيل بدخولهم الأراضي الفلسطينية المحتلة، فضلا عن أن بعض هؤلاء، لا يرغبون أصلا في الدخول. وإن كان المراقبون لا يملكون عددا محددا لهؤلاء، فإن الآراء تتفق على أن عددهم ليس قليلا، فضلا عن أن مواقعهم في الحركة مؤثرة، وبالتالي فإن غيابهم سيعكس نفسه سلبا على أعمال المؤتمر. غير أن مصادر فتحاوية توقعت أن تجري معالجة هذا الأمر، بعقد حلقة للمؤتمر في العاصمة الأردنية عمان، عبر نظام الفيديو كونفرنس، يحضرها من هم في الخارج، ولا يستطيعون، أو لا يرغبون في الدخول إلى الضفة. غير أن هذا الحل على بساطته، يحتاج إلى موافقة من السلطات الأردنية، وهذا أمر ما زال قيد البحث كما تقول المصادر وإن كانت استبعدت أن تعارض عمان مثل هذا الاقتراح أو ترفضه.



كتل وتكتلات

تتحدث أوساط "فتح" عن أن عدد أعضاء المؤتمر، وخلافا لكل المعلومات السابقة، قد وصل حتى الآن الى 1700 مندوب. وهو رقم غير ثابت، خاصة أن العضوية تتم بالتعيين وليس بالانتخابات الداخلية من أسفل إلى أعلى. وهي تقوم على المساومة والمقايضة، وعلى بناء تحالفات داخلية سيكون لها أثرها البارز في نتائج المؤتمر.


في هذا السياق، يقول المراقبون إنه تبلورت بين أعضاء المؤتمر كتلة هي الوحيدة التي يمكن القول إنها منظمة وتتحرك بشكل جماعي ووفقا لتوجيهات عليا. هذه الكتلة يرئسها محمد دحلان، العضو في المجلس التشريعي، والرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي في قطاع غزة وأمين السر السابق لمجلس الأمن القومي للسلطة الفلسطينية. وهو صاحب نفوذ قوي في قطاع غزة. يراوح عدد أعضاء هذه الكتلة ما بين 350 - 400 مندوب. وهو رقم كبير نسبيا، إذا ما قورن بعدد أعضاء المؤتمر، وإذا ما أخذ في الاعتبار أنهم يشكلون كتلة منظمة.


في المقابل لا يُلاحظ أن للآخرين كتلا مماثلة تستطيع أن تقف في مواجهة كتلة دحلان. لكن المراقبين يؤكدون أن الرئيس محمود عباس هو الأقوى في المؤتمر، وهو يمسك بكل خيوطه من خلال الأمن الوطني، والأجهزة الأمنية الأخرى، وكتلة المتقاعدين وممثلي الاتحادات الشعبية، والسفارات، وبعض الأقاليم التي باتت تدين بالولاء دون أي تردد لرئيس السلطة. لذلك، يقول المراقبون، إن عباس يدخل المؤتمر باعتباره الأقوى والأكثر قدرة على التحكم بمساره.



معركة

ويرى المراقبون أن المعركة في المؤتمر إذا ما اصطلح على تسميتها معركة، لن تكون حول التقارير أو التوجهات، أو البرنامج السياسي الذي سوف تتبناه حركة "فتح" ولا حتى حول النظام الداخلي للحركة. وهي كلها قضايا تحتاج بالضرورة إلى تطويرات جذرية، باعتبارها تنتمي في صيغتها الحالية إلى ما قبل مفاوضات مدريد، وما قبل اتفاق أوسلو. المعركة، يقول المراقبون، تدور حول انتخابات المجلس الثوري واللجنة المركزية للحركة. ويرى هؤلاء أن هذا الملف هو أكثر الملفات أهمية في المؤتمر. أما  بشأن اللجنة المركزية فإن عددا غير قليل من أعضائها الحاليين يتخوفون من النتائج، ويتوقعون أن لا يحالفهم الحظ في العودة إلى مقاعدهم. خاصة ان ثمة رأيا عاما يسود الحركة يحمل اللجنة المركزية مسؤولية ما وصلت إليه أوضاع الحركة من انفلاش واهتراء.


تمثل ذلك في انتخابات المجلس التشريعي الثاني (2006) وفي انقلاب حركة "حماس" في القطاع (2007). ويدعو أصحاب هذا الرأي إلى محاسبة اللجنة المركزية وتجديدها عبر ضخ دماء جديدة في عروقها.


من الأشخاص الذين يتم تداول أسمائهم باعتبارهم لن يعودوا إلى اللجنة المركزية، فاروق القدومي (أبو اللطف) أمين سر اللجنة المركزية ورئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية ويقال في رام الله إن أسهم القدومي قد هبطت كثيرا بعدما كشف عما سمّاه "محضر شارون - عباس - دحلان" لاغتيال الرئيس الراحل عرفات.


كذلك من بينهم هاني الحسن، الذي اعتبر لفترة زمنية غير قصيرة من أهم المحللين والمفكرين في الحركة (بعد رحيل شقيقه خالد الحسن - أبو السعيد). غير أن تطورات سياسية لاحقة رسمت مسافة بينه وبين رئاسة السلطة الفلسطينية اضطر بعدها إلى مغادرة رام الله نحو عمان حيث يستقر الآن ولا يفكر بالعودة.


وهناك أيضا صخر حبش، ومحمد جهاد، ونصر يوسف، ولكل منهم تعقيداته في العلاقة مع مؤسسة الرئاسة ومع أعضاء المجلس الثوري لحركة "فتح". وهم جميعا يقفون تحت الخط الأحمر، واحتمالات عودتهم إلى اللجنة المركزية تكاد تبدو شبه معدومة.


ويصف بعض المراقبين أعضاء آخرين في اللجنة المركزية لـ"فتح" بأنهم يقفون الآن في ما يسمى المنطقة الرمادية. وهؤلاء تتفاوت حظوظهم وتعلو أسهمهم مرة ثم تهبط مرة أخرى. من أبرز هؤلاء الحكم بلعاوي (وزير الداخلية السابق في السلطة) والطيب عبد الرحيم (أمين سر رئاسة السلطة) وعباس زكي (ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان) وأم جهاد الوزير (وزيرة الشؤون الاجتماعية سابقا) وزكريا الآغا (رئيس دائرة اللاجئين في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير). أما من تأكدت بشكل مسبق عودتهم إلى اللجنة المركزية فهم بالطبع محمود عباس (أبو مازن)، أبو ماهر غنيم (رئيس الدائرة التنظيمية رئيس اللجنة التحضيرية والذي صرح بعودته النهائية إلى رام الله بعد إقامة مديدة في تونس)، أحمد قريع (أبو علاء، رئيس الحكومة السابق ورئيس الوفد الفلسطيني إلى المفاوضات مع إسرائيل)، وسليم الزعنون - أبو الأديب (رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، رغم كل ما قيل عن أوضاعه الصحية ورغبته الشخصية في تسليم "أمانة" المجلس الوطني إلى خلف له في أول انعقاد للمجلس).


في السياق نفسه، يقول المراقبون إن كتلة "دحلان" تهيئ نفسها للدخول بقوة إلى اللجنة المركزية وهي بصدد ترشيح خمسة من أعضائها: دحلان نفسه بالطبع، وسعدي الكرنز (العضو في المجلس التشريعي ووزير الاقتصاد سابقا) وعبد الرحمن حمد (وزير الأشغال العامة سابقا) صخر بسيسو (محافظ خان يونس) وسمير مشهراوي (قائد ميليشيا "فتح" في القطاع).


ويضيف المراقبون أن دحلان بصدد البحث عن "تحالفات" داخل المؤتمر لتبادل الأصوات في انتخابات اللجنة المركزية بحيث يضمن وصول ممثلي كتلته إلى مواقعهم الجديدة.


هذا التحرك أثار مخاوف الكثيرين، حتى ان البعض بدأ يشن حملة منظمة ضد دحلان وكتلته. فيحمله مسؤولية ما آل إليه الوضع في قطاع غزة، كذلك بدأ ينبش ما سمي "ملفات" غاية في الحساسية. وقد بدأ البعض يصف كتلة دحلان بأنها "غير وطنية" وأن نجاحها سوف يلحق الأذى بالحركة ليس على الصعيد الداخلي فقط بل كذلك على الصعيد الوطني وفي الخارج، وهناك تخوف أن يقود نجاح هذه الكتلة إلى المس بعلاقات "فتح" مع بعض العواصم العربية التي تنظر إلى محمد دحلان نظرة شك. ويضيف المراقبون أن ثمة مجموعة في المؤتمر أطلق عليها "مجموعة الخليل" وقد بدأت تنشط لتأمين موقعها في اللجنة المركزية. من هؤلاء:


- نبيل عمرو، سفير فلسطين في القاهرة، والمستشار السياسي السابق لرئيس السلطة. يقول المراقبون إنه بات يقيم في رام الله بعيدا عن مقر عمله، وأنه نسج تحالفا مع دحلان، قد يؤمن له الوصول إلى اللجنة المركزية.


- عباس زكي الذي قيل إن حظوظه في النجاح ضعيفة، يبحث هو الآخر عن تحالفات توفر له أملا بالعودة. وهناك من يهمس أن زكي، إذا ما تأكد له فشله في النجاح، فلسوف يعزف عن الترشح لعضوية "المركزية".


- جبريل الرجوب الرئيس السابق لجهاز الأمن الوقائي في الضفة، والمستشار الأمني (السابق) لدى الرئيس عباس. يجري الحديث عن "حظوظ ليست متواضعة" قد تكفل له الوصول إلى الهيئة الأعلى في "فتح".


- رفيق النتشة، الذي أقام مطولا سفيرا لـ"فتح" في السعودية، له من النفوذ - كما قيل - ما يعيده إلى "المركزية" دون صعوبات.



المجلس الثوري... تعقيدات

أمام وضوح لوحة الانتخابات المقبلة بشأن اللجنة المركزية يتحدث المراقبون عن غموض يلف لوحة المجلس الثوري. وهي قضية تشغل بال الرئيس عباس الذي يرغب في تشكيل مجلس مركزي تنسجم توجهاته مع توجهات الرئاسة واللجنة المركزية، خاصة وأن عباس هو المرشح لتولي رئاسة "فتح" ولجنتها المركزية.


وفي كل الأحوال، ستبقى الانتخابات القضية الأبرز في مؤتمر "فتح"، خاصة أن التوجهات السياسية ستبقى مجرد حبر على ورق. فقد ذهبت "فتح" إلى مدريد، ثم إلى واشنطن، ثم إلى أوسلو، وتبنت "خريطة الطريق"، وهي كلها خطوات سياسية كبرى بينها وبين الوثائق الرسمية لـ"فتح" مسافات بعيدة. ومع ذلك فإن أحدا لم يسائل، ولم يضع النقاط على الحروف.


هل نصدق توقعات المراقبين، أم أن المؤتمر سوف يحمل المزيد من المفاجآت؟ هذا إذا نجحت قيادة "فتح" في حلحلة قضية غزة، ووفرت مكانا لحلقة الخارج، عبر الفيديو كونفرنس. 


معتصم حمادة

     


(كاتب فلسطيني)


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,049,998

عدد الزوار: 6,749,909

المتواجدون الآن: 111