مسلمو ميانمار: يتامى النظام العالمي

تاريخ الإضافة الخميس 6 أيلول 2012 - 8:03 ص    عدد الزيارات 3294    التعليقات 0    القسم دولية

        


 

مسلمو ميانمار: يتامى النظام العالمي
نحو مليون انسان مسلم في ميانمار (بورما سابقاً)، غابت عنهم رحمة النظام العالمي، فتحولوا الى يتامى هذا النظام وامثولة المستضعفين في الأرض الذين ينتظرون العدالة، فهل يطول الانتظار؟!.
ومشكلة المسلمين في ميانمار أو "الروهينغا"، انهم يواجهون حال انكار رسمي لوجودهم في بلادهم، وهذه الاشكالية الوجودية تتجلى على مستوى الأقوال والأفعال معاً، حيث لا تتورع حتى قيادات روحية بوذية عن تأجيج ثقافة الانكار لأي وجود للروهينغا بين الأقليات في هذا البلد، ليصل عدد المشردين منهم حسب احصاءات معلنة الى 700 الف شخص.
وبقدر ما تعبر أحوال المسلمين في ميانمار عن مأساة من العيار الثقيل، تشكل اختباراً لصدقية النظام العالمي وصدقية شعارات حقوق الانسان، فإنها تكشف عن ثقافة تسود على المستوى الرسمي في هذا البلد، ترفض التنوع وتنكفئ على نظريات للنقاء العرقي المزعوم، بما يعيد إلى الأذهان نظريات عرفتها دول مثل المانيا واليابان في ايام كالحة، افضت إلى حرب عالمية ازهقت ارواح ملايين البشر، وانتهت بهزيمة النخب العنصرية التي تبنت هذه النظريات المشؤومة.
فالدم الذي يدق النوافذ ويصفع العيون في ميانمار، يعبر بلغة الموت عن اشكالية ثقافية ترتبط بطبائع الاستبداد وقبح الانظمة الاستبدادية المستعدة دوماً لمحاربة شعوبها من اجل البقاء في الحكم.
وفي ما يقدر عدد القتلى من المسلمين في غمار المذابح المستمرة منذ شهر حزيران الماضي بنحو 20 الف شخص، وفي ظل حال التعتيم والغموض في هذه الدولة الآسيوية التي كانت تحمل من قبل اسم "بورما" ارتفعت تقديرات اخرى بعدد الضحايا لـ70 الف شخص.
ومن اللافت بقدر ما هو باعث على الدهشة والاستنكار، أن يعلن رئيس ميانمار تين سين أن حل أزمة الروهينغا يكمن في ترحيلهم إلى دولة أخرى، أو إقامة مخيمات لاجئين تأويهم، فيما يروج نظام الحكم الاستبدادي في هذه الدولة، أن ابناء الروهينغا هم من المهاجرين حديثاً من الهند، مع أن الأمم المتحدة دحضت مثل هذه المزاعم.
والمؤسف حقاً ان "عمليات غسيل الأدمغة" المستمرة منذ امد طويل في ميانمار، وعلى تعاقب الأنظمة العسكرية الحاكمة بصورة سافرة أو مقنعة، اسفرت عن قبول شعبي شبه عام للموقف الرسمي في هذه الدولة، الرافض والمنكر لوجود اقلية من المسلمين تستحق حقوق المواطنة.
ويبدو جليا ان ممارسات التطهير العرقي والتمييز العنصري وقمع الأقليات ترتبط غالبا بأنظمة الحكم الاستبدادية مثلما هو الحال في ميانمار، مع ان البوذية نفسها كمعتقد، تتسم بالتسامح والرفق وتتوافق مع حقوق الانسان، كما تؤكد اونغ سان سو كي التي تقود المعارضة في مواجهة النظام الاستبدادي في رانغون .
ومع ذلك، وفي خروج صارخ على الاطار التسامحي لمنظومة القيم البوذية، قاد رهبان بوذيون أخيراً مسيرة حاشدة في مدينة مندلاي، ثاني اكبر مدن هذه الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا، دعماً لخطة الرئيس تين سين لطرد المسلمين خارج ميانمار.
كما ان زعيمة المعارضة اونغ سان سو كي، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، لم تتبن بعد مواقف علنية دفاعاً عن العدالة وحقوق الانسان للمسلمين في بلادها، وهو ما يفسره محللون بحسابات السياسة وقلقها من تراجع شعبيتها حال اتخاذها مواقف صريحة وعلنية تنحاز لهؤلاء المستضعفين والمضطهدين إلى حد انكار وجودهم.
وفي كتاب صدر أخيراً بالانكليزية بعنوان: "السيدة والطاووس: حياة اونغ سان سو كي"، يتناول المؤلف بيتر بوفام بعمق التراث النضالي لشعب ميانمار في مواجهة الاستبداد الذي ازهق ارواح الآلاف من ابناء هذا الشعب، مسلطاً المزيد من الأضواء الكاشفة على شخصية المناضلة اونغ سان الحائزة على جائزة نوبل للسلام تقديرا لشجاعتها ودفاعها الجسور عن الديموقراطية.
وتصطف الأقلية المسلمة الى جانب الحرية والديموقراطية مؤيدة لمواقف اونغ سان سو كي، فيما يتخذ النظام الاستبدادي من التوترات العرقية والطائفية، سبباً وذريعة للحيلولة من دون الاستجابة لمطالب شعب ميانمار في التحول إلى نظام ديموقراطي.
وأمرت الطغمة العسكرية الحاكمة قواتها باطلاق النار على المتظاهرين المسالمين، ما أدى إلى مقتل الآلاف من المدنيين العزل، كما اختفى الآلاف في غياهب السجون والمعتقلات ومعسكرات العمل الاجباري، فيما ذهب الكاتب والمحلل الأميركي كريستيان كاريل الى ان اصداء ثورات الربيع العربي وصلت حتى ميانمار.
ويرصد بيتر بوفام في كتابه طبائع الاستبداد في ميانمار حتى المرحلة الراهنة، حيث يتصدر المشهد الرئيس تين سين، وهو جنرال سابق في الجيش يحاول وضع لمسات ديكورية لديموقراطية زائفة على نظامه المعادي للديموقراطية الحقة، فيما يدرك المدافعون عن الحرية بقيادة اونغ سان سو كي، وما يعرف بـ"حركة جيل 88"، أن كتابة دستور جديد للبلاد هو الشرط الجوهري لحماية الحريات واقرار الديموقراطية.
وإذا كان هذا الكتاب الجديد كجهد ثقافي غربي، قد تعرض إلى أوضاع الأقليات في ميانمار، فإن من الواضح أن هذه الأقليات وخصوصاً اقلية الروهينغا المسلمة، تدفع الثمن الفادح لسياسات نظم حكم استبدادي يعمد للتلاعب والمناورة وبث الفتن بين ابناء الشعب الواحد كورقة يتصور انها تضمن استمراره في الحكم. وسواء على مستوى الدوائر والنخب الثقافية في العالم العربى أو الغرب، فان ردود الأفعال حيال المذابح التي يتعرض لها المسلمون في ميانمار، لم تصل بعد الى الحد الأدنى من المستوى المأمول.
ونظرة على ما نشرته بعض الصحف ووسائل الاعلام حول قضية الروهينغا، ومحاولة التعرف على النبض الشعبي العربي والاسلامي، تكشف عن شعور بخيبة الأمل لدى رجل الشارع جراء غياب التحرك الفاعل والاجراءات الناجزة التي يمكن أن تساعد في وضع حد لهذه المأساة.
وكان الكاتب الصحافي فهمي هويدي قد ذكر أن المسلمين في ميانمار يتعرضون لمذبحة مروعة يتجاهلها الجميع، معتبراً أن "الكل وقفوا متفرجين على ما يحدث لمسلمي ميانمار" الذين يُقدر عددهم بنحو خمسة ملايين نسمة، غير أن تقديرات أخرى ترتفع بالعدد إلى عشرة ملايين مقابل 40 مليون بوذي.
ومشكلة الروهينغا مزمنة، فمنذ اعلان استقلال بورما في عام 1948، لم يعترف الدستور بأولئك المسلمين، بدعوى ان اجدادهم لم يكونوا من ابناء البلد الأصليين، ومنذ ذلك الحين، لم تتعامل معهم السلطة او الأغلبية البوذية كمواطنين.
ويقول فهمي هويدي "إن أبناء الروهينغا ظلوا طوال الوقت عرضة للاضطهاد والاقصاء ومهددين بالطرد الى ما وراء الحدود، فيما مارس الحكم العسكري الذي استولى على السلطة عام 1962، في حقهم التطهير العرقي وطرد منهم إلى الجارة بنغلادش دفعات على فترات متفاوتة تراوحت بين 150 الفا ونصف مليون نسمة".
وشجعت تلك الحملات غلاة البوذيين للاعتداء على ممتلكاتهم واحراق بيوتهم وزراعاتهم وممارسة مختلف صور العنف الجسدي بحقهم، كما لاحظ الكاتب فهمي هويدي الذي أكد على أن أبناء الروهينغا منعوا من الانتقال من قرية إلى أخرى وحظر عليهم دخول العاصمة رانغون .
فالأصل هو اضطهادهم والتنكيل بهم لمجرد انهم مسلمون غير مرغوب في وجودهم، وحين يرتكب احدهم اي خطأ، فان الجميع يتعرضون لأقسى العقوبات.
وتذهب بعض المصادر والإحالات التاريخية الى ان اصول مسلمي بورما تعود إلى الجزيرة العربية حيث هاجر الأجداد إلى الصين واندونيسيا ومنطقة جنوب شرق آسيا، فيما اشار بيتر بوفام في كتاب "السيدة والطاووس" الى أن مسلمي ميانمار جاء اغلبهم من البنغال عندما كانت بورما والبنغال معاً جزءاً من الامبراطورية البريطانية .
وفي ما ادرج موضوع العلاقات العربية مع الهند والصين على جدول اعمال اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي بدأ دورته الـ138 أمس الأربعاء في القاهرة، فان لهاتين الدولتين التأثير الاقليمي الأكثر اهمية على المجريات في ميانمار.
وتحظى ميانمار بحكم موقعها، بأهمية جغرافية ـ سياسية، وهي تحاذي الصين والهند اللتين تقدمان لها الكثير من المساعدات بما في ذلك مشاريع البنية الاساسية كما يوضح كتاب: "عندما تلتقى الصين والهند: بورما وتقاطعات الطرق الجديدة فى اسيا" بقلم ثانت مينتو.
وفي الوقت نفسه، فإن هناك تساؤلات حول اسباب غياب ادوار فاعلة من ثلاث دول مسلمة هي اندونيسيا وماليزيا وبروناى للاسهام في انهاء مآساة الروهينغا باعتبار ان هذه الدول الثلاث اعضاء في اتحاد دول جنوب شرق اسيا "الآسيان" وهو التجمع الاقليمي الذي يضم ميانمار.
ويبدو ان مأساة الروهينغا تشير لغياب فادح لثقافة حقوق الانسان في منطقة جنوب شرق آسيا على وجه العموم، فيما تعبر عن خطورة سيادة ثقافة الاستبداد والتعصب وسطوة النمط الأحادي.
ووصفت الأمم المتحدة هذه الطائفة المسلمة بأنها "اقلية دينية مضطهدة جاءت من غرب ميانمار"، في حين أن منظمة التعاون الاسلامي التي تضم في عضويتها 57 دولة، لم تتخذ بعد الإجراءات العملية التي كانت قد اعلنت انها ستتخذها لحشد الدعم لمسلمي ميانمار، وهو ما يلقي مرة أخرى بظلال سلبية على مدى فعالية هذه المنظمة على الأقل في ذهن رجل الشارع العربي والاسلامي.
ولن يكون من المفيد ولا من الواقعي التساؤل عن دور مجلس الأمن والأمم المتحدة ولا الفصل السابع في ميثاق المنظمة الدولية حيال ما يحدث لمسلمي ميانمار، لأن غياب المصالح النفطية والجيو ـ استراتيجية الملحة للقوى المهيمنة على النظام العالمي القائم حتى الآن على الأقل في هذه القضية، يجعل مثل هذه التساؤلات غير ذى معنى.
غير ان الانسانية كلها بالمنظور الأخلاقي والسياسي ودروس التاريخ معاً، قد تدفع ثمناً غالياً حال انتظار يتامى النظام العالمي لعدالة لن تأتي على الأرض!.. فهل يطول انتظار الروهينغا للعدالة؟!.
(اش ا)

المصدر: جريدة المستقبل


السابق

ماذا حصل خلال اللقاء بين الحريري وجنبلاط في باريس؟

التالي

قائد «الجيش الوطني السوري»: توحدنا لمنع «الحرب الأهلية»...حلب «تحترق».. وتضارب حول انفجارات غامضة في دمشق


أخبار متعلّقة

أخبار وتقارير...وزير خارجية فرنسا: حان الوقت لنفكر بمرحلة ما بعد «داعش» في سوريا.. جان إيف لو دريان: نعمل على تشكيل «مجموعة الاتصال»...مناورات “زاباد”.. ألمانيا تشكك في القدرة الروسية...لمحة عن "جيش إنقاذ روهينجا أراكان"...ميانمار تخطط لتوطين البوذيين في مناطق الروهينغا وتوقعات بارتفاع عدد الفارين إلى 300 ألف.. ..من هم الروهينغا؟..خيوط عراقية سورية بعد العثور على مشغل لصنع المتفجرات قرب باريس...حذر من ظهور جيل جديد من داعش .. مسؤول مخابراتي: التنظيم يخطط لمهاجمة أوروبا..باكستان تُقلص الاعتماد في علاقاتها مع أمريكا...كيف يصوت أتراك ألمانيا في الانتخابات العامة؟ بعد دعوة إردوغان إلى عدم التصويت للأحزاب الرئيسية...

ملف خاص..200 يوم على حرب غزة..

 الأربعاء 24 نيسان 2024 - 4:15 ص

200 يوم على حرب غزة.. الشرق الاوسط...مائتا يوم انقضت منذ اشتعال شرارة الحرب بين إسرائيل و«حماس» ع… تتمة »

عدد الزيارات: 154,084,264

عدد الزوار: 6,934,140

المتواجدون الآن: 89