إنضباط "حزب الله".."شرطة سير" أهلية بصلاحيات تستند الى قوة معنوية

تاريخ الإضافة الأحد 5 تموز 2009 - 6:48 ص    عدد الزيارات 4010    التعليقات 0    القسم محلية

        


حسن عبّاس

\"\"

لا ينتشر عناصر الـ"إنضباط" بالتساوي في مختلف أنحاء ضواحي بيروت الجنوبية، ويتكثف إنتشارهم، عرضاً في الرقعة الجغرافية التي تصل "حارة حريك" بـ"الحي الأبيض" وصولاً الى مشارف محلة "الصفير"، وطولاً على الخط الذي يصل أوتوستراد السيد هادي نصر الله من النقطة الواقعة بين "مجمع سيد الشهداء" و"مسجد القائم" الى ساحة "المشرّفية" دون التواجد على هذه الساحة. فيما يزيد إنتشارهم على الطريق الداخلية التي تصل ساحة "المريجة" بساحة "المشرفية" عن إنتشارهم على طول أوتوستراد السيد هادي نصر الله، ويتجمعون بكثافة على مفترق الطرق الواقع بالقرب من مسجد القائم، وعلى مفترق الطرق الذي يصل بين الطريق الداخلية التي تقطع محلة "بير العبد" و"الشارع العريض" فـ"حارة حريك".

يرتدي عناصر الـ"إنضباط" لباساً خاصاً يميّزهم عن باقي المواطنين، وهو عبارة عن بذلة كاكية اللون مطبوع عليها كلمة "إنضباط" إضافة الى قبعة واقية من الشمس وحذاء عسكري، ويحمل بعضهم عصي كتلك التي يحملها عناصر قوى الأمن الداخلي، وبعضهم الآخر صافرة تساعدهم على أداء المهمة التي ينفذونها. أما أعمارهم فهي متفاوتة، إذ يجمع هذا الجهاز بين شبان لم يتجاوزوا العشرين من العمر.. الى بعض الكهول الخمسينيين. يشتركون في مظهرهم باللحية الخفيفة التي تكسو وجوههم.

\"\"

لا يقوم عناصر الـ"إنضباط" بمفردهم بتنظيم السير على طرقات ضواحي بيروت الجنوبية. فإلى جانبهم تنتشر شرطة السير التابعة لوزارة الداخلية اللبنانية، خاصةً على التقاطعات الأساسية التي تشهد على مدار الساعة حركة مرور كثيفة كتقاطعات "الكفاءات" و"الحي الأبيض" و"الصفير" و"المشرفية" و"المريجة". أما على الطريق الذي يصل تقاطع "المشرفية" بمستديرة "الطيونة"، فتنتشر الى جانب عناصر قوى الأمن الداخلي اللبناني بعض عناصر شرطة السير التابعة لبلدية "الغبيري".
تغيب عناصر الـ"إنضباط" عن الشوارع التي تشكل إلتقاء ضواحي بيروت الجنوبية الشيعية بجوارها، فهم يغيبون عن خط "طريق صيدا القديمة" الواقع بين محلتي الشياح و"عين الرمانة"، وعن طريق المطار بإستثناء مفترق الطرق المحاذي لـ"مسجد الرسول الأعظم"، وكذلك عن الطريق الذي يصل بين "الحدث" و"الشويفات".

\"\"

يشير مصطلح الـ"إنضباط" لدى "حزب الله" الى شيء شبيه بالشرطة أو بالهيئة المولجة بالقيام بمهمات تنظيمية. فيطلقون إسم "إنضباط" على العناصر الموكلة بضبط التظاهرات التي يسيّرونها في بعض المناسبات، كما هناك عناصر "إنضباط" خاصة بمشروع "الوعد الصادق" توكل إليها مهمة حراسة مواد البناء التابعة لهذا المشروع.
ولكن مسمى "إنضباط" دون تحديد يحيل مباشرة الى شرطة السير الأهلية التي تحدثنا عنها، والتي تنظم السير على بعض مفترقات طرقات قلب ضواحي بيروت الجنوبية. ينتشرون أحياناً بأعداد كبيرة في النقطة ذاتها المبتغى تنظيم السير فيها، فعادةً ما يقارب عددهم العشرة على مفترق الطرق الذي يصل طريق "بئر العبد" الداخلية بـ"الشارع العريض". لا أحد يعلم سبب كثافة الإنتشار هذه، وعلى الأرجح هو من باب تأمين الوظائف لعدد من الشبّان المقربين من "حزب الله". ويقول البعض إن جهاز الـ"إنضباط" ليس متضخماً، ولكن المهمات المنوطة به ترتبط بالمناسبات كتنظيم مجالس العزاء والتظاهرات التي تقام سنوياً بمناسبة ذكرى عاشوراء، وتنظيم التظاهرات والمهرجانات السياسية التي يدعو اليها "حزب الله". ولذلك هم ينتشرون بكثافة على بعض نقاط السير خارج هذه المناسبات، نظراً لقلة دواعي إستخدامهم في أماكن أخرى.

على العموم، يقوم عناصر شرطة "إنضباط" الأهلية بتسهيل حركة مرور أبناء ضواحي بيروت الجنوبية على بعض المفترقات والتقاطعات التي تشهد زحمات سير يومية، والتي لا تنشر عليها قوى الأمن الداخلي اللبناني عناصر من شرطة سيرها الشرعية. ولا يتدخل عناصر الـ"إنضباط" في ما يتعدى إيقاف بعض السيارات لمرور غيرها وهكذا. فهي لا تنسب لنفسها كامل صلاحيات شرطة السير الشرعية التي تتعدى تنظيم حركة السير الى تحرير المخالفات وإيقاف الآليات المخالفة للقانون (بسبب عدم أداء رسوم الميكانيك السنوية، أو إستخدام المحركات العاملة على مادة المازوت، أو نقل الركاب دون الإستحصال على لوحة سير عمومية، أو إستعمال لوحات سير مزوّرة...) ولذلك يفضل سائقو السيارات المخالِفة للقانون عناصر شرطة الـ"إنضباط" على عناصر قوى الأمن الداخلي على الرغم من أن عناصر شرطة السير الشرعية المتواجدة على بعض تقاطعات طرق ضواحي بيروت الجنوبية لا تطلب من السائقين أوراق تسجيل سياراتهم إلا عندما "يتطاول" أحدهم على هذه العناصر، أو عندما يخالف بفجاجة تعليمات شرطي السير. إلا أنّ ما يخشاه أصحاب الآليات المخالفة للقانون هو "الحواجز المتحركة" التي تقيمها عناصر قوى الأمن الداخلي أحياناً بهدف ضبط المخالفات.

\"\"

ترتكز صلاحيات عناصر الـ"إنضباط" على الثقل المعنوي الذي يحظى به "حزب الله" في ضواحي بيروت الجنوبية. فالـ"إنضباط" في الواقع هو جهاز غير شرعي أنشأته جماعة أهلية لأداء بعض الوظائف التي تقصّر أو تُحجب قوى الأمن اللبنانية الشرعية عن أدائها.

تسمّى كل عناصر الـ"إنضباط" بـ"حاج" إنطلاقاً من شيوع ثقافة "حزب الله" التي تستخدم هذا المصطلح لإسباغ الإحترام الديني على المنادى. ويلتزم معظم أبناء ضواحي بيروت الجنوبية بالإجراءات التنظيمية التي تفرضها هذه العناصر، على الرغم من تذمّر بعضهم وإعتراض هذا البعض، الموالي للدولة وهيكليتها، على هذا الجهاز المفروض عليهم بحكم الأمر الواقع. ولكن بشكل عام، يحظى هؤلاء العناصر بتقدير أبناء ضواحي بيروت الجنوبية للمهمات التي يقومون بها، وإن كان بعضهم لا يلتزم بتعليمات السير التي يفرضونها، وبخاصة بعض سائقي الفانات الذين يأبون أن يكونوا أول الواقفين في أحد خطوط السير. ولكن بشكل عام تفوق سلطتهم المعنوية إعتراضات هذا البعض القليل، وينجحون في أداء مهمتهم بشكل فعال.

ينظر معظم أبناء ضواحي بيروت الجنوبية (الموالين لحزب الله) الى جهاز الـ"إنضباط" بشكل إيجابي، ويرون أنه يساعدهم في تنظيم حركة سير آلياتهم اليومية، ولذلك عادة ما يلقون السلام على عناصره عند المرور بقربها: "يعطيك العافية يا حاج". يفرح البعض عند مرورهم بالقرب من عنصر "إنضباط" يعرفونه، فيحاولون إعلام من هم بقربهم بهذه المعرفة من خلال مناداة هذا العنصر والسلام عليه بحرارة. الأمر ذاته يتكرر مع عناصر قوى السير الشرعية. أما الهدف من الحرارة في إعلان هذه المعرفة، فلا يمكن معرفته دون الدخول الى قرارة نفس هذا البعض. ويمكن ردّه الى ثقافة "الواسطة" المنتشرة بين أبناء المجتمع اللبناني بشكل عام، والتي تعلي من شأن العلاقة بشاغلي الوظائف العامة، وإن كانت مهمة عناصر الـ"إنضباط" هي مهمة متواضعة لا تصلح لنقل بعض الإمتيازات إلا تلك المتعلقة بإفساح المجال للمرور السريع، غير أن هؤلاء العناصر يعكسون في عيون مريديهم السلطة المعنوية التي تمثلها الجهة الحزبية التي يمثلها الـ"إنضباط" ميدانيًا.

تندر الملاسنات بين المواطنين وعناصر الإنضباط، ويقتصر التذمر من تسييرهم لحركة السير على إطلاق أبواق السيارات. ويخالف البعض تعليماتهم، فرفع عنصر الـ"إنضباط" ليده كعلامة على رغبته في إيقاف حركة سير أحد الخطوط لا يلزم البعض بالتوقف، فيستمرون في سيرهم الى أن تتوقف إحدى السيارات التالية التي تلزمها سلطة الـ"إنضباط" المعنوية. ولتفادي هذه المشكلة إبتكر عناصر الـ"إنضباط" أسلوباً فاعلاً يقضي بوقوف أحدهم في وسط الطريق قبل أن يشير آخر بتوقيف حركة مرور أحد خطوط السير.

أحد الأشخاص المقربين من "حزب الله" يقول إن السبب الأساسي في إنعدام الإشكالات بين أبناء ضواحي بيروت الجنوبية وعناصر الـ"إنضباط" ناتج عن التعليمات المعممة على كافة العناصر والقاضية بعدم الإحتكاك بأي مواطن يرفض الإنصياع لتعليماتهم. لكنّ هناك سببًا آخر مزدوج: الثقل المعنوي لتنظيم "حزب الله" في ضواحي بيروت الجنوبية، وشبه إجماع أبناء هذه الضواحي على الدور الإيجابي الذي تلعبه شرطة الـ"إنضباط" في تسيير حركة مرور سياراتهم اليومية.

\"\"

على الرغم من تآلف أهالي ضواحي بيروت الجنوبية معها، وعلى الرغم من إيجابية الدور الذي تقوم به على الصعيد العملاني.. إلا أن شرطة الـ"إنضباط" تبقى جهازاً غير شرعي يعطي لنفسه صلاحيات حصرية بقوى الأمن الداخلي وبالبلديات المختلفة التي تقع ضواحي بيروت الجنوبية في نطاقها.

هذا فيما يدافع بعض المواطنين عن وجود جهاز شرطة "إنضباط"، ويعزون سبب ولادته الى عدم إهتمام الدولة اللبنانية بضواحي بيروت الجنوبية وبالقاطنين فيها. ويدافعون عن وجهة نظرهم إستناداً الى حجة أن هناك وجودًا لعناصر شرطة سير تابعة لوزارة الداخلية اللبنانية على عدد من مفترقات الطرق داخل ضواحي بيروت الجنوبية، ولا تنافسهم عناصر "إنضباط" على أدائهم مهماتهم حيث يتواجدون. ولكن هناك مفترقات سير أخرى عدة تسبب زحمات سير خانقة، وتغيب عنها شرطة السير اللبنانية، وهذا ما أدى الى ولادة جهاز "إنضباط" لسد هذه الفجوة التي تعرقل حركة مرور المواطنين عليها.

ولكن البعض الآخر، وإن كان يرى بدوره إيجابية في الدور الذي تؤديه عناصر "إنضباط"، يمتعض من قيام تنظيمات أهلية بدور منوط بسلطات الدولة اللبنانية الشرعية، لأن هذا الدور يُعليها عن باقي المواطنين، بينما من المفترض أن يكونوا، كمواطنين، في وضعية تساويهم بغيرهم بحسب القوانين اللبنانية.

بدأت في الآونة الأخيرة تظهر بعض إشارات السير الضوئية على بعض مفترقات الطرق الواقعة على أوتوستراد السيد هادي نصر الله. وهي ، وإن لم تبدأ بالعمل حتى الآن، إلا أنها ربما تكون بديلاً عن عناصر "إنضباط" التابعة لـ"حزب الله". ولكن يبقى السؤال قائماً حول ما إذا سيستمر تواجد العناصر المنتشرة على طرقات ضواحي بيروت الجنوبية الداخلية بعد بدء العمل بتلك الإشارات الضوئية.

بالنتيجة، تبقى عناصر "إنضباط" متواجدة حالياً في ضواحي بيروت الجنوبية، مانحةً نفسها صلاحيات تعود حصراً لسلطات الدولة اللبنانية الشرعية. ويبقى اللبنانيون القاطنون في ضواحي بيروت الجنوبية خاضعين في بعض نواحي حياتهم لجماعات أهلية تُعلي نفسها عن بقية المواطنين، وتجعل من نفسها قيّماً على تسيير شؤون حياتهم اليومية... بديلًا من الدولة!

\"\"

 


المصدر: موقع لبنان الأن

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,124,862

عدد الزوار: 6,754,862

المتواجدون الآن: 104