«اختراق محدود» في المفاوضات بين دولتي السودان.. الجهاديون الليبيون ينتقلون إلى العمل السياسي ويدخلون الانتخابات بـ «أحزاب متنافسة»

مبارك ينجو من المشنقة وتبرئة نجليه وقيادات الشرطة تُفجّر الشارع..السجن مدى الحياة لمبارك والعادلي والبراءة لعلاء وجمال ومساعدي وزير الداخلية

تاريخ الإضافة الإثنين 4 حزيران 2012 - 6:01 ص    عدد الزيارات 2381    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

مبارك ينجو من المشنقة وتبرئة نجليه وقيادات الشرطة تُفجّر الشارع
القاهرة - محمد صلاح
لم يكن الرئيس المصري السابق حسني مبارك على الأرجح يتصور أن ينتهي به القدر داخل غرفة في مستشفى سجن طرة بعدما ظل ملء السمع والبصر على مدار 30 سنة تربّع خلالها على حكم البلاد بلا منازع. ولم يتخل مبارك عن «عناده» حتى بعد أن قضت المحكمة بسجنه 25 سنة أمس، إذ ظلَّ يرفض الهبوط من الطائرة ليودع مستشفى السجن وأصر على الانتقال إلى المركز الطبي العالمي الذي خضع فيه للعلاج منذ بدء محاكمته في آب (أغسطس) الماضي، لكن حارسه الشخصي تمكّن من إقناعه بضرورة تنفيذ حكم القضاء بسجنه.
وعلى رغم الحكم على مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي بالسجن المؤبد وإدانتهما بالاشتراك بالتحريض على قتل الثوار، إلا أن تبرئة نجلي الرئيس المخلوع علاء وجمال مبارك وصديقه رجل الأعمال الهارب حسين سالم من تهمة استغلال النفوذ وكذلك تبرئة 6 من قيادات وزارة الداخلية إبان «ثورة 25 يناير» من تهمة قتل الثوار، أشعلت الغضب مجدداً في أوساط الثوار الذين تجمعوا بالآلاف في ميادين مصر خصوصاً ميدان التحرير في القاهرة تنديداً بالحكم. وأعلن بعض الائتلافات الشبابية والثورية بدء اعتصام مفتوح لحين تنفيذ «محاكمات ثورية» في حق مبارك ونجليه ووزير داخليته وكبار مساعديه.
ويأتي الحكم التاريخي في ما يوصف في مصــــر بـ «مـــــحاكمة القرن» قبل يوم واحد من بدء اقــــتراع المصريين في الخارج في جولة الإعادة الحاسمة في انــــتخابات رئاسة الجمـــهورية التي يتنافس فيها مرشح جمـــاعة «الإخوان المسلمين» الدكتور محمد مرسي وآخر رئيس وزراء في عهد مبارك أحمد شفيق.
وبدا أن الحكم سيصب في مصلحة مرسي الذي تعهد فور النطق بالحكم بإعادة محاكمة رمــــوز النظام بعد تقــــديم السلطة التنفيذية «أدلة جديـــدة وجـــــدية» ضدهم، فيما سعى شفيق إلى التركيز على أن الحكم على مبارك دليل على أنه «لا يمكن لأي مرشح لرئاسة الجمـــــهورية أن يــــعيد إنتاج نظام حكم انتهى، وأنه لم يعد أي شخص في مصر فوق أي حساب ومساءلة».
وظهر مبارك أثناء جلسة النطق بالحكم أمس شاحباً وقد فقد جزءاً كبيراً من وزنه، وبدت التجاعيد ظاهرة في وجهه وهو ارتدي سترة «بيج» ونظارة شمسية بالمخالفة لتعليمات مصلحة السجون التي تلزمه بارتداء لباس السجن الأبيض. وكعادتهما سعى علاء وجمال مبارك إلى إخفاء والدهما عن كاميرات التلفزيون. وظلا يجاهدان للحفاظ على صمودهما وبدت عليهما علامات الترقب والقلق الشديدين. وبدت العصبية على ملامحهما حين ظل القاضي يشيد بـ «ثورة 25 يناير» ويعدد مساوئ حكم والدهما. وبدت الحسرة للحظات على ملامح جمال مبارك، فيما ظل وزير الداخلية السابق حبيب العادلي شارداً طوال الجلسة.
ولم ينطق أي من المتهمين ببنت شفة بعد سماع الحكم. وبعد انتهاء الجلسة نُقل مبارك بالطائرة إلى مستشفى سجن «طرة» ليلحق بأركان حكمه، قابعاً في غرفة العناية الفائقة في المستشفى التي تضم 5 أسرة، فضلاً عن تزويدها بأجهزة قياس ضغط الدم، والتنفس الاصطناعي، وقياس سرعة نبضات القلب. وينتظر أن يرتدي مبارك اليوم البزة الزرقاء المخصصة للمسجونين، ثم تصويره ومنحه رقماً ووضعه بجوار سريره طبقاً للوائح وقوانين قطاع مصلحة السجون.
وبدا مبارك مصدوماً حين علم أنه سيقبع في مستشفى السجن، ورفض النزول من الطائرة التي أقلته من المحكمة إلى طرة لأكثر من ساعتين، وسط حال من الهياج انتابته وسبَّبت تردي حالته الصحية فعكف أطباؤه على علاجه داخل الطائرة، حتى رضخ أخيراً بعدما أقنعه قائد حرسه الشخصي.
وكانت قاعة المحكمة تحوّلت إلى ما يشبه ساحة حرب عقب انتهاء رئيس المحكمة من تلاوة الأحكام، إذ اشتبك أهالي الشهداء ومحاموهم مع مناصري المتهمين وصحافيين وإعلاميين كانوا داخل القاعة، ما أدَّى إلى سقوط جرحى، فيما كانت الاشتباكات خارج قاعة المحاكمة أكثر سخونة.
وأعلنت هيئة الدفاع عن مبارك والعادلي اعتزامهما الطعن في الحكم بسجنهما. وفي المقابل أعلن النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود أنه سيطعن في تبرئة مساعدي وزير الداخلية ونجلي الرئيس السابق.
وتدفق الآلاف على ميدان التحرير تعبيراً عن رفضهم الحكم، ولوحظ بينهم المرشحان الخاسران في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية حمدين صباحي وخالد علي. وأغلق المتظاهرون مداخل الميدان، كما نُظمت مسيرات عدة في العاصمة والمحافظات للتنديد بالحكم.
السجن مدى الحياة لمبارك والعادلي والبراءة لعلاء وجمال ومساعدي وزير الداخلية
القاهرة - أحمد مصطفى
أسدل أمس الستار على ما سُمّي «محاكمة القرن» في مصر، لكن أصداءها ستبقى تؤثر على الأرجح في المشهد السياسي المصري لفترة أخرى من الزمن. فقد دانت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة القاضي أحمد رفعت، الرئيس السابق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي بالاشتراك في قتل المتظاهرين في «ثورة 25 يناير»، وعاقبتهما بالسجن المؤبد (25 عاماً)، فيما برّأت ستة من مساعدي وزير الداخلية في القضية نفسها، وهم كل من رئيس قوات الأمن المركزي السابق اللواء أحمد رمزي، ومدير مصلحة الأمن العام السابق اللواء عدلي فايد، ورئيس مباحث أمن الدولة السابق اللواء حسن عبدالرحمن، ومدير أمن القاهرة السابق اللواء إسماعيل الشاعر، ومدير أمن الجيزة السابق اللواء أسامة المراسي، ومدير أمن السادس من أكتوبر السابق اللواء عمر فرماوي. وقضت المحكمة بتبرئة مبارك ونجليه علاء وجمال وصديقه المقرب حسين سالم من تهم الفساد واستغلال النفوذ، لسقوط الاتهامات بالتقادم، بعد مرور 10 سنوات على ارتكابها، وفق القانون المصري.
وسارع النائب العام إلى الطعن في تبرئة نجلي مبارك في قضية التربح المتمثلة في حصول مبارك ونجليه على فيلات بأسعار زهيدة من حسين سالم مقابل تسهيل حصوله على مساحات من الأراضي في شرم الشيخ، وأيضاً الطعن في تبرئة مساعدي وزير الداخلية من تهم قتل المتظاهرين.
وعقب انتهاء هيئة المحكمة من تلاوة الأحكام، تحوّلت قاعة المحاكمة، التي عقدت في أكاديمية الشرطة في ضاحية القاهرة الجديدة (شرق القاهرة)، إلى «ساحة حرب»، إذ اشتبك أهالي الشهداء ومحاموهم مع مناصرين للمتهمين وصحافيين وإعلاميين كانوا داخل القاعة، ما أدى إلى سقوط جرحى، فيما كانت الاشتباكات خارج قاعة المحاكمة أكثر سخونة، إذ تبادل مناصرو الرئيس السابق وأهالي الشهداء ومناصروهم الرشق بالطوب والحجارة، ما أدى إلى سقوط نحو 250 جريحاً، قبل أن تتدخل قوات الشرطة للفصل بينهم، وألقت القبض على نحو 40 شخصاً.
وبينما كانت أجهزة الأمن تستعد لنقل مبارك إلى المركز الطبي العالمي حيث يخضع للعلاج منذ بدء محاكمته في آب (أغسطس) الماضي، أمر النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود بنقل الرئيس السابق إلى مستشفى سجن طرة، في خطوة فُهم منها محاولة لتهدئة الأجواء الغاضبة من الأحكام القضائية. وأفيد بأن خبراء في القوات الجوية كانوا عاينوا سجن طرة الذي يطل على نيل القاهرة (جنوب العاصمة) للتأكد من وجود مساحات تسمح بهبوط طائرات. وشوهدت المروحية التي تقل مبارك تهبط داخل أسوار السجن الذي تقبع فيه غالبية رموز النظام السابق. وذكرت معلومات أن مبارك رفض في البداية الخروج من الطائرة وظل يبكي لدقائق ويردد كلمات مضمونها أنه «ظُلم»، قبل أن تقنعه قيادات أمنية تشرف على تأمينه بأن نقله إلى مستشفى السجن بات نافذاً. وأوضح التلفزيون الرسمي المصري أن الرئيس السابق «أصيب بأزمة صحية حادة لدى وصوله إلى السجن وأن الأطباء المشرفين على علاجه تدخلوا لمعالجته داخل الطائرة».
وعلى رغم تبرئة علاء وجمال أمس، فإنهما لن يخرجا من السجن لخضوعهما لتحقيقات ومحاكمات في قضايا فساد أخرى، وكذلك الحال بالنسبة الى مساعدي وزير الداخلية باستثناء قائد سلاح الأمن المركزي السابق رمزي ومدير أمن القاهرة السابق الشاعر.
وتباينت ردود الفعل حول الحكم القضائي. ففيما تلقفته هيئة الدفاع عن المساعدين الستة لوزير الداخلية السابق بالترحاب، أعلنت هيئة الدفاع عن مبارك والعادلي الطعن في حكم بسجنهما، وأوضحت أنها ستتقدم خلال أيام بمذكرة بالطعن أمام محكمة النقض. وإذا قبلت هذه المحكمة الطعن فإنها ستحيل القضية إلى دائرة أخرى لتبدأ النظر فيها من نقطة الصفر، أما في حال رفضه فإنها ستؤيد الأحكام وتعتبرها «نافذة ونهائية».
وفي المقابل، أعلن النائب العام أنه سيطعن في تبرئة مساعدي وزير الداخلية ونجلي الرئيس السابق علاء وجمال، في إشارة واضحة إلى رفض الأحكام التي صدرت. كما شنّت هيئة الدفاع عن أهالي الشهداء هجوماً عنيفاً على القاضي أحمد رفعت، واعتبر منسّق الهيئة المحامي عبدالمنعم عبدالمقصود أن القاضي اعتمد في أحكامه على «المواءمات السياسية»، و «أنه ظن بأنه عندما يعاقب الرئيس السابق ووزير داخليتة يهدأ الرأي العام، لكن ظنه خاب». وتساءل عبدالمقصود إذا ثبت لدى القاضي رفعت أن هناك حالات قتل وقعت فكيف يدين مبارك والعادلي ويبرئ القادة الميدانيين الذين كانوا يتعاملون مع عناصر الشرطة مباشرة. وانتقد عبدالمقصود الحكم القضائي في شدة واعتبر أن «مقدماته تناقضت مع النتائج... وللأسف أعطى مقدمات لتبرئة مبارك حين يتم الطعن في الحكم بسجنه».
في غضون ذلك، طلب مصدر مسؤول «احترام أحكام القضاء المصري»، وقال لـ «الحياة» إن الحكم الذي أصدره رئيس محكمة الجنايات المستشار أحمد رفعت أمس «جاء بناء على الأدلة والاقتناع الذاتي للقاضي، ومن دون أي تدخل»، مشدداً على ضرورة احترام القضاء المصري. وقال: «علينا احترام القضاء، فسهام النقد إلى القضاء مهما كانت دوافعها، مرفوضة. علينا احترام مؤسسة القضاء، وما يصدر عنها، حتى نحافظ على السلطة القضائية في جلالها، ونرتضي بما تقضي به». واعتبر أن الحكم على مبارك والعادلي «يؤكد بما لا يدعو مجالاً للشك، حرية القضاء المصري في اتخاذ أحكامه على ما يراه وفق الأدلة والأسانيد التي توافرت لديه».
 
الحياة تتوقف لحظة النطق بالحكم في «محاكمة القرن»
القاهرة - أمينة خيري
تجمدت مظاهر الحياة لنحو 30 دقيقة فارقة في كل ركن من أركان مصر صباح أمس. عمال الهدم أوقفوا معاولهم وتجمعوا حول مذياع المقاول، المقهى الشعبي الذي فتح أبوابه بعد صلاة الظهر فتحها عقب صلاة الفجر لاستقبال الموظفين الباحثين عن شاشة تلفزيونية، طلاب الثانوية العامة المحكوم عليهم بالمذاكرة الشاقة مع التنفيذ هجروا ملازمهم، وفي تمام العاشرة صباحاً تجمعت العائلات المصرية حابسة أنفاسها، ممصمصة شفاهها، عاقدة حواجبها، مضطربة مشاعرها!
«محاكمة القرن» التي استعدت لها مصر كما لم تستعد من قبل وحّدت مجدداً صفوف المصريين، لكن هذه المرة ليس على مبدأ سياسي، أو رفض «فلولي»، أو دعم «إخواني»، أو رفض دستوري، أو حتى مرشح رئاسي، بل توحدت الصفوف وشحذت الهمم أمام الشاشات الفضية، ولمن تعذرت له كان المذياع خير جامع.
الدقائق التي قرأ خلالها رئيس محكمة جنايات القاهرة وقاضي «محاكمة القرن» المستشار أحمد رفعت مقدمة النطق بالحكم بدت للحاضرين والسامعين والمشاهدين وكأنها دهر بأكمله. زادت المقدمة المتوترين توتراً، وأضافت بلغتها العربية الرصينة للمضغوطين ضغطاً فوق ضغط، وكثفت للداعين الناظرين إلى السماء فرص الدعاء والتضرع من المنتظرين من صارع التوتر بكوب شاي جهّزه على عجل، ومنهم من «فش غله» أو «فرج عن همه» بالانغماس في هاتفه الخلوي أو «كمبيوتره» المحمول أو «آي باده» المضغوط بحثاً عن خبر عاجل هنا أو تعليق ساخر هناك!
جموع المحتشدين في «كوفي شوب» راق على مرمى حجر من قصر «العروبة» في حي مصر الجديدة وعلى مرمى حجر من مسكن الرئيس السابق المحكوم عليه بالمؤبد محمد حسني مبارك تنافسوا في طرح التوقعات وسرد الأسرار التي لا يعرفها أحد سواهم، أو هكذا يدّعون. «القاضي سيحكم بالبراءة والثورة ستندلع من جديد»، «أكيد سيأخذ (مبارك) إعداماً لأنها محاكمة سياسية شئنا أم أبينا»، «سوزان حاولت تنتحر أمس ولحقوها في اللحظة الأخيرة»، «علاء وجمال توفقا عن تناول الطعام منذ ما يزيد على أسبوع»، «أنا على يقين من أن مبارك لن يحضر الجلسة»، «أنا متأكد من أن التيار سينقطع عن القاهرة كلها حتى لا نتابع المحاكمة».
ولأن التيار لم ينقطع، فقد تابعت الشعوب العنكبوتية المقدمة الطويلة بطريقتها الخاصة أيضاً. تغريدة انطلقت مغردة «حكمت المحكمة حضورياً على المتهمين والحضور والمشاهدين في بيوتهم بالموت مللاً»، وجاءت أخرى من أحدهم وهو يسمّي نفسه حسني مبارك لكن ليس الـ «حسني مبارك» مع صورة الرئيس السابق: «لا أستطيع انتظار انتهاء هذه المحاكمة المملة لأركض إلى شاطئ البحر».
إلا أن أحداً لم يركض إلى شاطئ البحر، ولا إلى أي مكان آخر، إذ حانت اللحظة الحاسمة ونطق القاضي بالحكم. وتنضم هذه اللحظة الفارقة مع غيرها من اللحظات الفارقة الكثيرة التي أنهكت المصريين على مدى الـ 16 شهراً الماضية من ثورة سلمية، إلى شهداء أبرار، إلى أحداث دموية، إلى طرف ثالث يأبى أن يكشف عن نفسه أو يكشف أحد عنه، إلى انتخابات رئاسية غير مسبوقة، إلى جولة إعادة غير منطقية. حكم المؤبد الصادر على كل من مبارك ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي دفع كثيرين إلى الطبل والزمر والرقص، وهي الأجواء الكرنفالية الاحتفالية التي اختلطت مع أجواء اللطم والسب والقذف التي تلت أحكام البراءة على مساعدي الوزير ونجلي مبارك.
ورغم انفضاض الجموع الحاشدة من أمام الشاشات وأجهزة المذياع، وعودة من كان يعمل إلى عمله، ومن فقد عمله إلى مقهاه ومن هو دون عمل أصلاً إلى مخدعه، إلا أن الأجواء ظلّت معبأة بالتوتر والقلق. مدير الكوفي شوب الأنيق في حي مصر الجديدة أعاد مؤشر الشاشة التلفزيونية إلى قناة «ميلودي» وقال بحسرة: «انتظرنا هذا اليوم بفارغ الصبر علّه يعيد قدراً من الاستقرار ويبدد بعض القلق الذي ألم بنا، فها هو يأتي ليضيف إلى القلق خوفاً وينضم إلى القائمة الطويلة من الألغاز التي لم يفهمها أحد على مدار الأشهر الـ 16 الماضية»!
اجتهادات «تويتر» وتعليقات «فايسبوك» حاولت من جهتها فك جانب من الطلاسم، ولو افتراضياً. أحدهم فسّر مجريات اليوم بقوله «كل ما حدث هو أن موعد النكسة (5 حزيران) تم تقديمه ثلاثة أيام». وتوقعت إحداهن عبر تغريدة أن يرتفع سعر المنفاخ في الأسواق لإقبال المواطنين على شرائه تحسباً لتعميم مبدأ «النفخ للجميع» (وهو أحد أساليب التعذيب التي كانت مستخدمة قبل ثورة يناير). واقترح رسام الكاريكاتور «صديق الثورة المصرية» كارلوس لطوف عبر تغريدة أن يحصل كل من المطرب تامر حسني وحسني مبارك مناصفة على لقب «نجم الجيل». بعد صدور الحكم، علّق مغردون كثر بقولهم «رُفعت الثورة» كما يقال في نهايات جلسات المحاكمات، لكن آخرين ردّوا بتغريدة: «الثورة مستمرة»!
الحكم يُشعِل الغضب ودعوات لتظاهرات و «ثورة جديدة»
القاهرة - أحمد مصطفى
أثار الحكم في «محاكمة القرن» في مصر أمس غضب قوى شبابية لعبت دوراً رئيسياً في اندلاع الثورة التي أطاحت حكم الرئيس السابق حسني مبارك، فيما عبَّرت قوى سياسية رئيسية عن خيبة أملها.
وعقب صدور الحكم بدقائق تدفق مئات النشطاء على ميدان التحرير الذي كان بؤرة الانتفاضة التي أسقطت مبارك مطلع العام الماضي، وأغلق متظاهرون غاضبون مداخل ميدان التحرير الشهير وسط القاهرة، وطافوا في أرجائه منددين بالحكم الصادر بحق مبارك ومطالبين بالقصاص. وصنع نشطاء قبراً رمزياً في الميدان من رمال وحجارة وضعوا به قطعة من الورق المقوى كتبت عليها كلمة «القصاص» ورسموا بطلاء أحمر ما يُفهم أنها بقعة دم، فيما علّق آخرون مشانق رمزية لمبارك ورجال نظامه. ورفع متظاهرون لافتات كتب عليها «الشعب يريد إعدام المخلوع»، وأخرى «يسقط يسقط حكم العسكر».
وامتدت حالة الغضب إلى مدن مصرية عدة، منها السويس والإسكندرية، والأخيرة كانت الأكثر غضباً، حيث شارك مئات النشطاء في مسيرة رددوا خلالها هتافات مناوئة لمبارك والمجلس العسكري والقاضي أحمد رفعت الذي أصدر الحكم والنائب العام المصري. وهتف المشاركون في المسيرة «الشعب يريد ثورة من جديد» و «يا نموت زيهم ... يا نجيب حقهم»، في إشارة إلى ضحايا الانتفاضة.
وأعلنت جماعة «الإخوان المسلمين» المشاركة في التظاهرات مع كل طوائف الشعب المصري ضد «الحكم الصادم الذي صدر بحق قتلة شهداء الثورة» في إشارة إلى تبرئة مسؤولين أمنيين بارزين كانوا يحاكمون إلى جانب مبارك. وأعربت الجماعة في بيان عن «صدمتنا من هذا الحكم»، ودعت القوى السياسية إلى اجتماع عاجل للاتفاق على ما يجب اتخاذه تجاه الحكم الذي وصفته بـ «الخطير». وانتقدت الجماعة ما اعتبرته «تقاعساً في تسليم أدلة الإدانة»، معتبرة أنه «تستر على الجرائم وإهدار لدم الشهداء وإعاقة لإقامة الحق والعدل ومنع القصاص من القتلة المجرمين وغل أيدي القضاة عن الحكم بالعدل». وأكدت أن نظام الرئيس السابق ما زال قائماً وأن «رأس النظام والداخلية فقط هما من سقط، أما بقية النظام كله فهو باق». وقالت: «على الشعب المصري أن يشعر بالخطر العظيم الذي يهدد ثورته وآماله ويهدر دماء شهدائه وتضحيات أبنائه».
ورداً على سؤال حول ما إذا كانت جماعة «الإخوان» تدعو إلى النزول للميادين السبت للتظاهر احتجاجاً على الحكم، قال الناطق باسم الجماعة محمود غزلان لـ «فرانس برس»: «نعم .. نعم»، مضيفاً: «إذا كان قادة الشرطة أبرياء فمن الذي قتل المتظاهرين». ووصف مرشح جماعة «الإخوان» لانتخابات الرئاسة محمد مرسي الحكم الذي صدر في قضية مبارك بأنه «هزلي». وطالب مرسي على حسابه على موقع «تويتر» بـ «إعادة المحاكمة وتقديم الأدلة اللازمة للقصاص العادل».
وفي المقابل، دعا الفريق أحمد شفيق المرشح للجولة الثانية لانتخابات الرئاسة وآخر رئيس وزراء في عهد مبارك إلى «قبول» الأحكام القضائية التي صدرت. وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية إن شفيق أكد في بيان انه «يحترم أحكام القضاء ويؤكد أن منهجه إذا ما حصل على ثقة الشعب سيكون هو احترام القانون وتعزيز استقلال القضاء وأنه كمرشح لرئاسة الجمهورية يؤكد إصراره على قبول كل حكم قضائي». واعتبر شفيق أن «تبرئة مساعدي وزير الداخلية الأسبق لا تعني القبول من جانبي بأساليبهم ولا طريقتهم في العمل ولم يكن أحد يتفق مع تصرفاتهم ومنهجهم المرفوض». وتابع: «أن درس 25 يناير هو القبول الكامل باحترام الدولة عموماً والشرطة خصوصاً لمبادئ حقوق الإنسان وحق المواطن في حرية التعبير والاعتراض في ضوء أحكام القانون». وأضاف: «نثق في أن الشرطة في شكلها الجديد ستكون خير عون للمجتمع في حفظ أمنه واحترام حقوق الإنسان، وهو ما يريده قوام الجهاز الأمني». وأكد أن «أي رئيس قادم للدولة لا بد أن يمعن النظر ويعي الدرس التاريخي وقد رأى أن رئيس الجمهورية السابق قد مثل أمام محكمة مصرية وينتظر حكم القانون عليه وإن هذا يعني أنه لم يعد أي شخص في مصر فوق أي حساب ومساءلة». وقال في بيانه: «ليس من حقنا أن نعلق على أحكام القضاء، لكن الحكم الصادر يعني أنه لا أحد فوق المساءلة إذا رأى القانون ذلك وأن جهات تطبيق القانون تحتاج إلى مزيد من الدعم لكي تتمكن من تطبيق العدالة على خير وجه».
وحيا «ذكرى شهداء 25 يناير» مؤكداً أنه «سيوفر كل ما ينبغي من تكريم لذكراهم ولشد عضد أسرهم». واعتبر أن الأحكام في قضية مبارك «تنفي بالتأكيد أي ادعاء بأنه يمكن لأي مرشح لرئاسة الجمهورية أن يعيد إنتاج نظام حكم انتهى».
من جهته، قال محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية وصاحب نوبل للسلام والذي دعا لتغيير سياسي عقب عودته لمصر في عهد مبارك، في رسالة على «تويتر»: «النظام السابق يحاكم نفسه... مسلسل إجهاض الثورة مستمر بمشاركة القوى السياسية... يمهل ولا يهمل».
وأثار الحكم غضب شباب الثورة، وحمَّلت حركة «6 أبريل»، في بيان، أعضاء المجلس العسكري مسؤولية «هذا الحكم المائع بسبب سكوتهم عن إتلاف الأدلة وتسترهم على الحقائق في شهادات المحكمة»، وأعلنت أنها ستستمر من أجل «تطهير الفساد» في مصر. ورأت أن «القاضي غازل أهالي الشهداء بوصف المتظاهرين بالسلميين الخارجين للبحث عن العدالة والحرية، وغض بصره عن دموع وآهات الأهالي المكلومين على أبنائهم بإعطائه البراءة لأساطين الداخلية السابقين الذين داوموا على التعذيب والتنكيل بكل من عارض أو فكَّر في معارضة النظام، وليس فقط من خرج يهتف سلمية». واعتبرت أن الحكم بمثابة «استكمال لمسلسل البراءة للجميع من ضباط ولواءات الداخلية ونفض أيديهم من أي مسؤولية عن قتل مئات الأرواح وإصابة آلاف ممن خرجوا ضد الظلم والقهر والسواد حسب ما قاله القاضي».
أما «الجبهة الحرة للتغيير السلمي» فاعتبرت في بيان «هذا الحكم صادم للمشاعر وغريب في أسبابه القانونية ودوافعه».
وفي ترومسوي (النروج)، نقلت وكالة «فرانس برس» عن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون رفضها التعليق على الحكم على مبارك، وقالت إن هذا القضية تتعلق «بالمصريين ونظامهم القضائي وحكومتهم».
 
 مبارك شاحب ونجلاه يجاهدان للصمود... والعادلي شارد
القاهرة - أحمد رحيم
تابع ملايين المصريين جلسة النطق بالحكم على الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ونجليه علاء وجمال ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من كبار مساعديه، علّهم يرصدون ردود أفعالهم بعد النطق بالحكم، خصوصاً أنهم حُرموا على مدار أشهر من مشاهدة الجلسات بقرار من رئيس المحكمة القاضي أحمد رفعت.
ظهر مبارك على شاشة التلفزيون أمس شاحباً وبدت التجاعيد ظاهرة على وجهه ورقبته. كان يرتدي سترة لونها «بيج» وتحتها قميص ملون ونظارة شمسية مخالفاً بذلك تعليمات مصلحة السجون التي تلزمه بارتداء لباس السجن الأبيض. وبدا مبارك فاقداً جزءاً كبيراً من وزنه وإن جاء صوته عادياً لا يوحي بمرض شديد. وكان أول من دخل قفص الاتهام رئيس جهاز مباحث أمن الدولة السابق اللواء حسن عبدالرحمن، تلاه بقية قيادات وزارة الداخلية إبان الثورة ثم حبيب العادلي فجمال مبارك وعلاء مبارك، وكان الرئيس المخلوع آخر من أدخل إلى قفص الاتهام. وكعادتهما، سعى علاء وجمال إلى إخفاء والدهما عن كاميرات التلفزيون ووقف جمال أمام السرير الطبي الذي استلقى عليه مبارك وتحدث الشقيقان مع بعضهما بعضاً لثوان قبل دخول رئيس المحكمة القاعة. وعندما نادى رئيس المحكمة على المتهمين أجابوا جميعاً بكلمة «أفندم»، إلا مبارك رد «موجود».
وجاهد علاء وجمال مبارك للحفاظ على صمودهما وبدت عليهما علامات الترقب والقلق الشديدين قبل صدور الحكم، ولوحظ أن علاء مبارك النجل الأكبر للرئيس المخلوع ظل طوال الجلسة التي استمرت دقائق يتمتم على الأرجح بآيات قرآنية.
وبدت العصبية على ملامح نجلي الرئيس السابق حين حرص محامون في قاعة المحكمة على رفع صور الشهداء في مواجهتهما وهما لم يلتفتا إليها. كما رفعت لافتات كُتب عليها: «القصاص القصاص دول ضربونا بالرصاص». وزاد قلق علاء وجمال مبارك حين ظل القاضي يشيد بثورة «25 يناير» ويعدد مساوئ حكم والدهما... وبدا عليهما الاستياء حين وصف القاضي فترة حكم مبارك بأنها كانت «ظلاماً دامساً حالكاً أسود أسود أسود سواد ليلة شتاء قارس»، وزاد قلقهما مع كل كلمة يتحدث فيها القاضي عن مساوئ حكم الرئيس المخلوع.
وفي حين بدت الحسرة للحظات على ملامح جمال مبارك، ظل وزير الداخلية السابق حبيب العادلي شارداً طوال الجلسة وكأن ذاكرته تستعرض الماضي في تلك اللحظات الصعبة.
وما إن نطق القاضي بالحكم حتى أظهر علاء وجمال حرصاً شديداً على إخفاء والدهما عن الكاميرات، وأظهرت ملامحهما وجوماً شديداً ومشاعر متضاربة ما بين الحكم على والدهما بالمؤبد وانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة إليهما بسبب انقضاء المدة، ما يعادل حكم البراءة، فيما ظهرت على عيني العادلي بعضاً من نظرات «تأنيب الذات وربما الندم» على زمن ولى.
أما مساعدو العادلي فرفع بعضهم رأسه إلى السماء وهو يغالب دموعه فرحة بحكم البراءة. ولم ينبس أي من المتهمين ببنت شفة بعد سماع الحكم، وسط مشاعر متضاربة اعترت القفص الحديد الذي ظل لأشهر محط أنظار المصريين.
 
 
«اختراق محدود» في المفاوضات بين دولتي السودان
الخرطوم - النور أحمد النور
حققت المحادثات بين دولتي السودان وجنوب السودان الجارية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا منذ خمسة أيام اختراقاً محدوداً باتفاق الطرفين على مناقشة الملف الأمني على حدود البلدين غداً، ودرس النزاع على منطقة أبيي الخميس المقبل وسط اتهام جوبا الخرطوم بالإبقاء على شرطة في المنطقة بزي مدني.
وأسفرت المحادثات بين فريقي التفاوض السوداني والجنوبي عن تشكيل لجنة مصغرة لوضع أجندة اجتماعات اللجنة السياسية الأمنية المشتركة التي تعقد غداً الاثنين. وتضم اللجنة وزراء الدفاع والداخلية والخارجية ورؤساء الأجهزة الأمنية في البلدين إضافة إلى رؤساء هيئة الأركان في الجيشين والمديرين العامين للشرطة بين الدولتين.
كما اتفق الجانبان على عقد لجنة منطقة أبيي المتنازع عليها يوم الخميس المقبل للاتفاق على الوضع النهائي للمنطقة وفقاً لاتفاق أديس أبابا الموقع بينهما في حزيران (يونيو) الماضي الذي نص على تشكيل إدارة ومجلس تشريعي وشرطة مشتركة.
واجتمع رئيسا وفدي السودان وجنوب السودان إدريس محمد عبدالقادر وباقان أموم برعاية رئيس فريق الوساطة الأفريقية ثابو مبيكي. وناقش الجانبان مشروعاً توفيقياً أعده الاتحاد الأفريقي بناء على مقترحات الطرفين للاتفاق على خريطة طريق للمحادثات. وتدعو الخريطة إلى مباشرة التفاوض في شأن قضايا النفط ووضع مواطني البلدين والتسوية النهائية لأبيي عقب الوصول إلى معالجة في شأن الترتيبات الأمنية ووقف دعم المتمردين وتحديد مواقع ارتكاز نقاط المراقبة، وتحديد المناطق المنزوعة السلاح وتأمين الحدود.
وقالت مصادر قريبة من المحادثات إن فريق الخرطوم تعرض إلى ضغوط للقبول بمعالجة الملفات العالقة حزمة واحدة من دون التمسك بأولوية ملف على آخر.
وأجرى المبعوث الرئاسي الأميركي إلى دولتي السودان بيرنستون ليمان مشاورات مع وفد السودان، لكنه امتنع عقب الاجتماع عن الإدلاء بأي تصريحات، بينما اكتفى كبير مفاوضي السودان إدريس عبدالقادر بالقول «المناخ كويّس».
وفي منطقة أبيي قال رئيس الجانب السوداني في بعثة المراقبة العقيد فضل الأمين إن الشرطة السودانية أكملت ظهر الجمعة انسحابها من المنطقة، لكن ممثل الجانب الجنوبي في البعثة بول شوال اتهم الخرطوم بسحب بعض عناصر الشرطة والإبقاء على آخرين بزي مدني. وكان المتحدث باسم الجيش السوداني العقيد الصوارمي خالد سعد قال إن 169 شرطياً انسحبوا من المنطقة عقب إعلانه أن الجيش استبقى عليهم لحراسة حقل نفطي.
ورفض السودان في غضون ذلك اتهامات جوبا بقصف مناطق جنوبية، ووصف عضو الوفد السوداني المفاوض مطرف صديق شكوى حكومة الجنوب بلاده إلى مجلس الأمن في هذا الشأن بأنها محاولة لتسميم أجواء التفاوض.
 
 الجهاديون الليبيون ينتقلون إلى العمل السياسي ويدخلون الانتخابات بـ «أحزاب متنافسة»
لندن - كميل الطويل
أعلن عبدالحكيم بلحاج، «الأمير» السابق لـ «الجماعة الإسلامية المقاتلة» الليبية، استقالته أخيراً من منصبه رئيساً للمجلس العسكري في طرابلس استعداداً للمشاركة في انتخابات المؤتمر الوطني العام (المجلس التأسيسي) المتوقعة في 19 حزيران (يونيو) الجاري. وسيدخل بلحاج المنافسة الانتخابية على لوائح حزب سياسي جديد يدعى «الوطن»، وسط تكهنات في ليبيا بأنه قد يكون يسعى إلى تولي منصب الرئيس المقبل لليبيا.
ويُعتبر قرار بلحاج مهماً كونه يكشف أن هذا القيادي الجهادي الليبي لا يخشى أن يؤدي تخليه عن منصبه العسكري إلى خسارته نفوذه على الأرض في العاصمة الليبية. وهو فرض نفوذه هذا بعدما دخل على رأس مقاتليه إلى طرابلس في آب (أغسطس) الماضي عندما كان نظام العقيد الراحل معمر القذافي على وشك الانهيار. وبرز نجمه خصوصاً خلال معركة باب العزيزية، مقر القذافي في قلب العاصمة الليبية، عندما كان بلحاج يقود مقاتليه - على الفضائيات مباشرة - ضد فلول جنود النظام السابق.
في واقع الأمر، لم يلعب مقاتلو بلحاج سوى جزء في عملية اقتحام طرابلس، إذ إن كتائب مختلفة من الثوار - من داخل العاصمة الليبية وخارجها - شاركت في طرد فلول نظام القذافي منها. لكن منذ ذلك الوقت والعاصمة الليبية تبدو مقسّمة إلى ما يشبه «الإقطاعيات» التي تتوزع السيطرة عليها كتائب من الثوار بعضها محلي من طرابلس نفسها وبعضها «غريب» عنها، ككتائب ثوار الزنتان (جنوب غربي طرابلس) ومصراتة (شرقها) وغيرهما من البلدات الليبية التي أرسلت أبناءها في معركة «تحرير» طرابلس.
ومع مرور الوقت بدا أن هذه الكتائب المختلفة المنتشرة في العاصمة صارت تلعب دوراً «يضمن» استماع الحكومة الانتقالية الضعيفة لمطالبها التي غالباً ما تكون متعلقة بتوفير فرص عمل للثوار ودفع رواتب للمقاتلين الذين ساهموا في إسقاط القذافي. ومتى ما كانت الحكومة الليبية تُظهر تردداً في تلبية مطالب الثوار، كان يكفي أن يعرض هؤلاء «عضلاتهم» في تحركات عسكرية في شوارع طرابلس حتى تُليّن الحكومة موقفها وتلبي ما يطلبون. غير أن الحكومة بدأت تُظهر في الفترة الأخيرة تشدداً أكبر إزاء المطالب التي لا تنتهي لكتائب الثوار. وفي 8 أيار (مايو) الماضي، اندلعت مواجهات دامية بين حراس مقر الحكومة في العاصمة ومسلحين ينتمون إلى إحدى كتائب الثوار الذين جاؤوا يحتجون على عدم تلقي «رواتب» يزعمون أنهم يستحقونها. وجاءت هذه المواجهات بعدما أعلنت الحكومة وقف دفع مكافآت مالية للثوار، متعذّرة بمخالفات واسعة.
والانتشار المسلح لكتائب الثوار في طرابلس لم يتسبب في تململ في صفوف الحكومة وحدها، بل أدى أيضاً إلى انزعاج شريحة واسعة من سكان العاصمة نفسها، خصوصاً في ظل الاشتباكات المتكررة التي تحصل بين الفينة والفينة بين كتائب الثوار المختلفة. وقد عبّر الكثير من سكان طرابلس عن انزعاجهم هذا من خلال تنظيمهم مسيرات احتجاجية تُطالب بخروج كتائب الثوار من أحيائهم، وكان آخرها في 12 أيار (مايو) الماضي.
وليس واضحاً ما إذا كان بلحاج قد أدرك الآن أن وجود مقاتلين تابعين له في طرابلس - على رغم أنهم جزء من القوات الحكومية ولم تُعرف عنهم مشاركتهم في الاشتباكات التي تدور بين كتائب الثوار - قد أصبح يشكّل عبئاً عليه، في ظل الرفض الواضح من سكان العاصمة لوجود مسلحين في أحيائهم. لكن بلحاج يعرف أيضاً بلا شك في أن تخليه كلياً عن السلاح يحمل مخاطرة في بلد ما زالت كتائب الثوار فيه تعتقد أنها قادرة على إسماع صوتها وتحقيق مطالبها ما دامت تُمسك بالسلاح في يدها، حتى ولو كانت جزءاً من القوات الحكومية التي يتم إنشاؤها في ليبيا الجديدة. وكان لافتاً في هذا الإطار أن بلحاج عندما أعلن استقالته من منصبه العسكري قال أيضاً إن المجلس العسكري لطرابلس لن يتم الغاؤه. وغير واضح ما إذا كان بلحاج ما زال يراهن على استمرار ولاء هذا المجلس له بعد تنحيه من قيادته، سواء من خلال قيادته الجديدة أو من خلال «الجهاديين» الذين انضموا إلى صفوفه خلال العام المنصرم.
كما كان لافتاً أن بلحاج أعلن خوضه المنافسة السياسية في الانتخابات على لوائح حزب «الوطن»، وهو حزب سياسي لا يبدو أنه يضم كثيراً من القادة البارزين من رفاقه السابقين في «الجماعة المقاتلة» التي لم تعد موجودة. فقد قرر الكثير من هؤلاء، كما يبدو، أن يسيروا في خططهم السياسية من دون «أميرهم» السابق. وتكتلت شريحة واسعة من هؤلاء الجهاديين في إطار حزب سياسي جديد يُدعى «الأمة الوسط» برئاسة سامي الساعدي (أبو المنذر) الذي كان يُعتبر الشخصية الفقهية الأبرز في «المقاتلة». وسُلّم الساعدي إلى نظام القذافي من هونغ كونغ عام 2004، في إطار العملية نفسها التي أدت إلى اعتقال بلحاج في تايلاندا وتسليمه إلى طرابلس. وشارك الرجلان في «الدراسات التصحيحية» أو «المراجعات» التي أصدرها قادة «المقاتلة» في سجون القذافي عام 2009. وكان لافتاً أن حزب الساعدي، «الأمة الوسط»، خلا من رفيقه بلحاج عندما عقد مؤتمره التأسيسي في نيسان (أبريل) الماضي، لكنه ضم في المقابل عدداً لا بأس به من قادة «المقاتلة» وبينهم «إدريس»، شقيق «أبو يحيى الليبي» القيادي البارز في تنظيم «القاعدة» في أفغانستان.
وعلى هذا الأساس يبدو واضحاً أن الجهاديين الليبيين يدخلون الانتخابات المقبلة كقوة غير متماسكة، تتمثّل خصوصاً في حزبين سياسيين متنافسين، «الوطن» و «الأمة الوسط». وقد لوحظ في هذا الإطار أن بعض الأسماء تتكرر في اللوائح غير النهائية للمرشحين للانتخابات عن كلا الحزبين، ما يعني أنهما يسعيان إلى استقطاب مؤيدين من الشريحة نفسها.
ويشبه هذا الوضع ما حصل مع جهاديي «الجماعة الإسلامية» المصرية الذين خاضوا الانتخابات التشريعية في بلادهم على لوائح حزبين متنافسين. وإذا ما كررت الحالة المصرية نفسها في ليبيا في انتخابات المؤتمر الوطني، فقد يخرج الجهاديون الليبيون أيضاً بنتائج متواضعة جداً مقارنة مع ما يحصل عليه التيار الإسلامي الإساسي ممثلاً بـ «الإخوان المسلمين» (حزبهم العدالة والبناء). لكن الانتخابات اللييبة ستكشف، في أي حال، الوزن السياسي للجهاديين وتساعد في رسم خريطة أوضح لانتشارهم في البلد. وكان الشرق الليبي في الماضي معروفاً بأنه مركز أساسي لنشاط الإسلاميين المعارضين للقذافي، لكنهم الآن بعد زوال نظامه يمكن أن يكونوا قد تمددوا عبر ليبيا كلها.
وبغض النظر عن نتائج الجهاديين الليبيين في الانتخابات، يبقى قرارهم خوض الانتخابات بالغ الأهمية كونه يكرّس الانتقال من وضعهم كـ «جماعة مسلحة» إلى «حزب سياسي» يسعى إلى الوصول إلى الحكم بالطرق السلمية. كما أن قرارهم هذا يمثّل تحدياً لأفكار جهاديين آخرين وقادة في تنظيم القاعدة ما زالوا يرفضون الانتخابات ويكفّرون الديموقراطية.
ولكن يبقى هناك تساؤل مطروح وهو هل إن خطوة بلحاج والساعدي في التحوّل كلياً إلى العمل السياسي تلقى قبولاً من بقية الجهاديين الليبيين؟ والجواب على هذا التساؤل يجب أن يميّز بين ثلاثة أنواع على الأقل من الجهاديين في ليبيا:
الأول وهو ما يمكن أن يُطلق عليه «الحرس القديم» ويتكون من القادة السابقين لـ «الجماعة المقاتلة» مثل بلحاج والساعدي اللذين يبدو أنهما اتخذا قراراً واضحاً بالتخلي عن العمل المسلح الذي لم تعد له ضرورة بعد سقوط القذافي، والانخراط في الحياة السياسية.
الثاني وهو ما يمكن أن يُطلق عليه «الجيل الجديد» من الجهاديين الذين برزوا في أعقاب الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وكثيرون من هؤلاء صغار السن لا يتذكرون المحاولات التي قامت بها «المقاتلة» لقلب نظام القذافي في التسعينات، وبالتالي فإنهم لا يشعرون بولاء لهذه الجماعة أو التزام بمواقف قادتها. وقد برز هذا الأمر جلياً عندما اعترض بعض السجناء الصغار السن من أعضاء ما يُعرف بـ «شبكات العراق» على الحوارات التي انخرط فيها قادة «المقاتلة» المسجونون مع نظام القذافي في السنوات بين 2006 و2009. وهذا النوع من الجهاديين الشباب بالغ الحماسة للإنخراط في ما يعتبره «جهاداً»، مثلما فعل في العراق عندما ذهب عشرات منهم للالتحاق بالراحل أبو مصعب الزرقاوي وشاركوا في تفجيرات استهدفت القوات الأميركية والعراقية. وما حصل في العراق قبل سنوات يمكن أن يتكرر حالياً في سورية المجاورة التي تستقطب جهاديين من دول عدة، بينها ليبيا.
أما النوع الثالث من الجهاديين فإنه يمكن أن يشمل أعضاء سابقين في «المقاتلة» باتوا يعتبرون أنفسهم جزءاً من «القاعدة»، سواء من خلال قيادتها المركزية على الحدود الأفغانية - الباكستانية أو من خلال فرعها في شمال افريقيا، تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي. وهؤلاء الجهاديون يمكن أن يُعتبروا جزءاً من فرع «المقاتلة» الذي انضم إلى «القاعدة» عام 2007 وقاده الراحل أبو الليث الليبي في أفغانستان.
والتحدي الأساسي لخطوة بلحاج والساعدي في الانخراط في الحياة السياسة يمكن أن يأتي خصوصاً من عناصر تنتمي إلى هاتين الفئتين الأخيرتين من الجهاديين.
 
الجزائر: أويحيى يعتبر أنه «يزعج أطرافاً في النظام»
الجزائر - عاطف قدادرة
قال رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى إنه «يزعج» أطرافاً «لها نيات مبيتة»، لكنه لم يوضح إن كنت الأطراف التي قصدها ترفض رؤيته خليفة للرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة عندما تنقضي ولايته الثالثة بعد عامين. وأعلن أنه يترقب إشارة من رئيس الجمهورية لتسليم استقالة حكومته تمهيداً لتشكيل الحكومة الجديدة الأولى بعد الانتخابات التشريعية التي فازت بها حزب جبهة التحرير الوطني الشهر الماضي.
وعندما سُئل أويحيى إن كانت شعبيته «المهزوزة» لدى الجزائريين هي السبب في الأداء الهزيل لحزبه، التجمع الوطني الديموقراطي، في التشريعيات التي حل فيها ثانياً بفارق كبير عن جبهة التحرير، رد بالقول: «قالوا عني إنني أغلقت الشركات العمومية، وقالوا إنني كنت ضد رفع الأجور. أعرف أن أويحيى مصدر إزعاج». وكرر صحافيون على أويحيى السؤال إن كان يقصد بهذا الكلام جهات داخل النظام أو خارجه، فأجاب: «أويحيى مصدر إزعاج داخل النظام وخارجه. لكن كلمة نظام بالنسبة لي واسعة. أنا أزعج من خلال طريقتي في تسيير الشأن العام، أنا أزعج لأني أرفض الصفقات المبيتة».
وحول أنباء تتردد في الكواليس السياسية عن أن أطرافاً في منظومة الحكم لا تريده مرشحاً للانتخابات الرئاسية المقبلة، قال أويحيى: «لا أعرف شيئاً اسمه منظومة حكم. أعرف بالمقابل الدولة وأعرف المعارضة».
وأعلن أويحيى أنه يترقب إشارة من الرئيس بوتفليقة لتسليم استقالة حكومته. ويُعتقد أن بوتفليقة أطلق مشاورات مع الأمين العام لجبهة التحرير عبدالعزيز بلخادم في شأن تشكيلة الحكومة المقبلة. ولا يوجد في الدستور ما يُلزم رئيس الجمهورية بتعيين وزير أول (رئيس الحكومة) من حزب الغالبية البرلمانية. كما لا يوجد ما يلزمه بتشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات، لكن «العرف» يحكم بتغيير الجهاز التنفيذي.
 

المصدر: جريدة الحياة

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East..

 السبت 11 أيار 2024 - 6:24 ص

..How Iran Seeks to Exploit the Gaza War in Syria’s Volatile East.. Armed groups aligned with Teh… تتمة »

عدد الزيارات: 156,709,598

عدد الزوار: 7,039,981

المتواجدون الآن: 89