تقارير ...سوريا: جنبلاط مصمّم على سحب ورقة الطائفة الدرزيّة من الأسد...نقد المرحلة السابقة ومهمات المستقبل...العام 2012.. الفلسطينيون بين خيارين!

موعد مع الفدرالية .....العالم لبّى نداء ساراييفو ولم يلبَّ نداء حمص...تشويه مُتعمَّد للتاريخ لإحكام القبضة على المستقبل....أوباما ـ نتنياهو وضرب إيران: تباين أم توزيع أدوار؟...الفساد لا علاقة له بالطائفيّة

تاريخ الإضافة الأحد 11 آذار 2012 - 7:38 ص    عدد الزيارات 2338    التعليقات 0    القسم عربية

        


 

 موعد مع الفدرالية ...
نادراً ما انتصر فكر سياسي أو ديني، من دون أن يشرب كأس اللعنة، ويمر في مطهر النضال والحروب والنزاعات.المسيحية، والإسلام، والماركسيات، والديموقراطيات، لم تشذ عن هذه القاعدة. بدأت ملعونة وشيطانية وخائنة، قبل أن تصبح مباركة وخيّرة وعادلة.
جريدة الجمهورية..أمجد إسكندر
ما لفتني أن فكرة التعددية أصبحت على لسان مسلمين عرب كثر، وأصبحت مقبولة ومطالب بها، إلى درجة أن لبنانياً ورئيس حزب إسلامي، هو السيد حسن نصرالله، قال قبل أسابيع قليلة إن كلمة "تعددية" لم تعد تثير حفيظته، لا بل وصل إلى اعتبار مناداته بالجمهورية الإسلامية وهو في الثالثة والعشرين من باب الحماسة!
على الضفة الأخرى، شخصيات مسيحية أرثوذكسية تقترح قانوناً انتخابياً عماده أن يكون الناخب والمرشح من المذهب عينه. سؤال بدأ يتبادر إلى الأذهان، متى يحين موعد منح الفدرالية صك البراءة في لبنان؟ الفدرالية هدفها الإتحاد، لكن وُجد من جعلها عنوان التفرقة والتقسيم!
كتب التاريخ تذكر قيام ممالك عدة على ساحل لبنان، الذي لا يتجاوز المئتي كيلومتر طولاً. كانت ممالك مستقلة، بأديان مختلفة ومتعددة الآلهة!
في المحيط التاريخي نفسه للبنان، الدول الإسلامية حكمت وفق منظومة ولايات وسناجق. هذا يعني أن الإسلام السياسي، سبق الإتحاد الأوروبي بنحو ألف عام. في المقابل محيطنا مسبوق أوروبياً بعشرات السنوات فقط. إنها مسافة زمنية قصيرة، ومن السهل استدراكها إذا قيست بألف عام!
الفدرالية الإسلامية تاريخياً اعترتها نواقص وأخطاء وخطايا كثيرة، ولكن هل إن عثرات وأزمات الإتحاد الاوروبي في يومنا هذا، جعلت دول أوروبا تسقط اتحادها الكونفدرالي؟ الإمتحان اليوناني يظهر إرادة معاكسة. وفي يومنا هذا ينظر إلى العراق كنموذج سلبي، في حين إن أهل العراق لا يفكرون بالعودة إلى الوراء، والصراع اليوم يتجه نحو محافظات سنّية ومحافظات شيعية تبحث تشكيل أقاليم مماثلة لإقليم الكرد، وما يؤخرها خلافات على حدود المحافظات، أو على التوقيتات!
ما بدأ في ليبيا قبل أيام من المطالبة بالعودة إلى الولايات الثلاث السابقة لنظام القذافي، ليس فكرة جديدة، أو وجدان مستجدّ، أو مؤامرة مدسوسة.
اليوم تحكم لبنان، وثيقة الوفاق الوطني، وهي نوع من فدرالية مختلف فيها وعليها. منذ نحو مئة عام، واللبنانيون يبدلون أرجحيات سلطات الطوائف، فمن ظفر لم يطمئن، ومن ارتضى فعلى مضض. يوميات السياسة في لبنان تكشف أن هذه المساحة الطائفية مندفعة، بمنطق التاريخ، نحو الفدرالية، من حيث لا يدري أو يدري كثر.
ماذا يعني أن تطالب شخصيات مسيحية وغير مسيحية بصلاحيات أكثر للمسيحيين بهدف إقامة" توازن رعب" بين الشيعة والسنّة؟ هذا يعني سوء النيّة هي المنطلق. وماذا يعني أن يطالب سياسي درزي بتقاسم جديد للسلطة بين شيعة وسنّة؟ هذا يعني نيّة سيئة مضاعفة. إنهما محاولتان لحمل إصطناعي لا ينتج إلاّ ولادة لجنين غير سويّ.
على عبثية هذين الطرحين، يبقى الوجه الإيجابي، أن سقوطهما قد يقربنا من فكرة المساواة في السلطة. والفدرالية من أحد أهدافها هذه المساوة. كان لبنان من أوائل من اعتمد مفهومي الدولة والديمقراطية في العالم العربي، على ما شابهما من شوائب، فمتى سيزهر ربيع الفدرالية فيه؟ وحوله بذور لزهور تنتظر. زهور لن تلغي روعتها الأشواك.
 
تشويه مُتعمَّد للتاريخ لإحكام القبضة على المستقبل
لطالما كان موضوع إعداد كتاب تاريخ موحّد للبنان يشكّل معضلة حقيقية، نظراً الى اختلاف الجماعات اللبنانية والأطراف السياسية حيال رؤية مشتركة لتاريخ هذا البلد، وعَجز هذه الأطراف مجتمعة عن الاتفاق ولو بالحدّ الأدنى على وضع معايير علمية تميّز بين سَرد الأحداث والوقائع، وبين تحليل خلفيات هذه الأحداث وأبعادها.
جريدة الجمهورية....باسكال بطرس
قبل أقلّ من سنة ونصف السنة، كان كتاب التاريخ "الموحّد" قد سَلك طريقه الى الإعداد، بعدما تمكنت اللجنة التي تشكلت في عهد وزير التربية السابق حسن منيمنة، التي ضمّت مؤرخين وأكاديميين وممثلين لقوى 8 و14 آذار وللطوائف كافة ومستقلّين، من وَضع المنهج العام لكتاب التاريخ المدرسي الجديد في الحلقات الثلاث من التعليم الأساسي حتى الصف التاسع "البريفيه". وقد وافق مجلس شورى الدولة على مسودّة الكتاب، وأرسل مشروع مرسوم بشأنه الى مجلس الوزراء السابق في 10/08/2010.
وتناولت هذه المسودة الجديدة أهم الأحداث التي عاشها لبنان منذ الحرب العالمية الأولى، وحتى التاريخ القريب، بما فيها ثورة الأرز، وحرب اسرائيل على لبنان في تموز 2006، و"مخيّم المعارضة في الوسط التجاري" أو "احتلال الوسط التجاري"، وأحداث السابع من أيار في العام 2008، وذلك بشكل موجز وبعيد عن التحليل، بالإضافة الى العمليات البطولية للمقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وتحرير جنوب لبنان، مروراً بإبراز دور شخصيات لبنانية كان لها حضورها في البلاد. ولكن، في عهد حكومة ميقاتي الجديدة، قامت اللجنة الوزارية التي يرأسها الوزير نقولا فتوش والمكلّفة من مجلس الوزراء بإقرار "منهج كتاب التاريخ الرسمي الموحد"، بإدخال تعديلات على المنهاج شَملت إلغاء الحديث عن "ثورة الأرز" وعن مرحلة ما بعد 14 آذار 2005، وإدخال اسماء جديدة لمقاومين للاحتلال الإسرائيلي، كالشهيد خالد علوان. وقد أثارت هذه التعديلات عاصفة من الانتقادات الحادة من قبل جهات سياسية وأحزاب معترضة، وعلى رأسها عضو حزب "الكتائب اللبنانية" النائب سامي الجميل، الذي هَبّ بعنفوانه الكتائبي، داعياً الى "عصيان تربوي في حال أقرّ مشروع كتاب التاريخ في مجلس الوزراء"، مشيراً الى أن "تغييب المقاومة المسيحية اللبنانية عنه أمر لن يَمر".
وهنا يبرز السؤال الأساسي عمّا إذا كان هناك فعلاً نيّة لدى الأطراف السياسية المختلفة بتوحيد الرؤى حول تاريخ لبنان ومن ثم وضع كتاب موحد؟ أم أن تبَنّي مشروع تطوير كتاب تاريخ مدرسي موحد في لبنان قد أصبح طقساً من طقوس الحكومات المتتالية منذ الطائف، والتي تمارس فيها تلك الأطراف هيمنتها الفكرية والثقافية على عقول المواطنين الشباب؟
يرى عضو المكتب السياسي لـ"حزب الكتائب" ألبير كوستانيان أنّه "من خلال قراءة منهج كتاب التاريخ الذي طوّرته اللجنة الوزارية، والذي تغيب عنه مشاركة متخصّصين، إذ اقتصر وَضعه على المؤرخين فقط، يُلاحظ أن المنهج مبنيّ في شكل كبير على تلقين التلامذة لمعلوماتٍ غير قابلة للتشكيك أو النقاش، ويتركّز لبّ العمل على اختيار الموضوعات التي سيذكرها أو يغفلها". ويشدّد كوستانيان على أن "هناك محاولة لتزوير التاريخ وتحويره بما يتناسب مع أهدافهم ورؤيتهم السياسية"، لافتا الى "تغييب كل تاريخ المقاومة اللبنانية ذات الغالبية المسيحية، التي قاومت الوجود الفلسطيني المسلّح والجيش السوري في لبنان ووضعها تحت تسمية الميليشيات". ويضيف: "حتى أنه لم يتمّ التطرق الى حرب الالغاء بين الجيش بإمرة العماد عون والقوات اللبنانية، إضافة الى نَفي العماد ميشال عون والرئيس أمين الجميل واعتقال الدكتور سمير جعجع".
واذ يؤكد أنّ "التفاهم على هوية لبنانية جامعة أو كتاب تاريخ موحّد ليس بالأمر اليسير، فالانقسامات السياسية والطائفية التي شهدها لبنان منذ عصور لا تسمَح بالوصول الى فهم واحد أو رؤية شاملة للمراحل المختلفة التي مرّت بها البلاد، بل على العكس ربما يكون الشرخ قد اتسَع"، يشير الى أنّ "الجو السياسي في البلد يدلّ الى عدم امكانية تمرير الصيغة الحالية في مجلس النواب، كردّة فِعل على الخطوة التي قام بها حزب الكتائب".
ويدعو كوستانيان الأكاديميين الى الاختيار بين مقاربتين: "فإمّا التجرّد والموضوعية في سَرد زمني للوقائع من دون اللجوء الى أحكام وتحليلات، وإمّا الإشارة في منهج كتاب التاريخ الى هذا الانقسام الموجود في لبنان حول الرؤية والهوية، وتَرك القارىء أو التلميذ يتمتع بحق الاستنتاج والتحليل وبناء رأيه الخاص إزاء هذه الآراء والحجج المختلفة".
من جهته، يؤيد عضو تكتل "التغيير والاصلاح" النائب فريد الخازن كلام كوستانيان، ناقلاً اعتراض "التيار الوطني الحر" على اجتِزاء بعض الحوادث وسُبل مقاربة أخرى، ومطالبا بـ"سَرد الوقائع كما هي، وإضافة فصول تحليلية على المنهج". ويشير الخازن الى أنّ "كتاب التاريخ يجب أن يكون ثمرة عمل المؤرخين الموضوعيين وليس السياسيين، وبالتالي لا يتضمّن محاور ومواقف سياسية، حتى لا يكون أداة لخلق الانقسامات بين اللبنانيين". ويدعو الخازن الى "أن يقتصر الكتاب على سرد الوقائع المتّفق عليها ضمن معيار واحد تظلّله الموضوعية".
واذ يعتبر أنّ "سَرد مجمل الوقائع وصولاً الى العام 2005 هو منهجية خاطئة، نظراً الى صعوبة إيجاد صيغة توافقية"، يشرح "أهمية التوقّف عند مرحلة انتهاء الحرب الأهلية في التسعينيات، وعدم التطرّق الى المراحل الحديثة التي لا نزال نعيش تداعياتها، أو تناولها من منظار عاطفي غير علمي ووثائقي، وهذا لا يجوز".
ويختم الخازن مؤكدا "أنّ تكتل "التغيير والاصلاح" يرفض تبنّي الصيغة المطروحة لكتاب التاريخ الجديد واعتمادها، أسوَة بحزب "الكتائب اللبنانية" وغيره من الأحزاب المعارضة للمشروع"، داعياً الى "السعي الى تطوير قدرات التلامذة على تحليل المصادر المتعددة ونقدها، والتدقيق في مدى قوتها وصحتها".
الى ذلك، سجلت قوى مسيحية من داخل اللجنة وخارجها وسجّلَ ممثلو القوى الشيعية أبرز الاعتراضات والملاحظات على المشروع، ففي حين يطالب وزير "حزب الله" محمد فنيش بإضافة شخصيات شيعية الى منهج التاريخ وإضافة حصّة تدريس عن مقاومة "حزب الله"، مسجلاً اعتراضه في المقابل على تسمية ثورة الارز، يرفض "الحزب السوري القومي الاجتماعي" الاشارة الى أن حرب لبنان اندلعت بسبب عوامل اقليمية، مطالباً بأن يذكر ان الحرب حدثت لأسباب داخلية. وفي نسخة من مشروع كتاب التاريخ، تبيّن وفق بعض الاعضاء، ان كتاب التاريخ لم يذكر حرب السنتين بين "الجبهة اللبنانية" من جهة و"الحركة الوطنية" و"منظمة التحرير الفلسطينية" من جهة اخرى. كذلك، لم يذكر انقسام الجيش وإنشاء جيش لبنان العربي بقيادة احمد الخطيب، اضافة الى معارك تل الزعتر وشكا، وحرب المخيمات بين "حركة امل" والفلسطينيين، ومعارك الحركة و"حزب الله"، ومعركة الستة ايام بين "امل" و"الحزب التقدمي الاشتراكي"، كما غَيّب نداء بكركي الشهير في العام 2000 ولقاء "قرنة شهوان"، وتم الاكتفاء بالحديث عن اتفاق الطائف تحت عنوان مسيرة الاستقرار والعمران.
وفي هذا السياق، وتحت الشعار الذي أطلقه الجميّل: "إذا أردت أن تتغلّب على الشعب... نَسِّه تاريخه..."، تنظّم مصلحة طلاب حزب "الكتائب اللبنانية" صباح اليوم، تظاهرة أمام بيت الكتائب المركزي في الصيفي، دفاعاً عن تاريخ لبنان الذي يسعون إلى تشويهه.
اذاً، "تاريخ لبنان، وفق ما أكّد البطاركة الموارنة، هو إمّا أن يكون كل تاريخ لبنان أو يكون مشروع انقسام جديد في البلاد". فكتاب التاريخ لا يُفرَض على الناس ليشعروا بالقهر، بل إنّ ذِكر تجارب الشعب هو دعوة لتفهّم الأمور والتعلّم من الأخطاء وأخذ العبَر للمستقبل و"جُلّ من لا يخطئ"، ومن يعتقد بأنه قادر على مَحو تاريخ الآخرين ونضال ألوف مؤلفة من الناس، لم يقرأ جيدا بعد، ويبدو أنه لم يتخلص من عُقده الذاتية ولم يشعر بالأمان ربما. وبالتالي، فإنّ مشواره طويل ومعاناته لن تنتهي...!!
 
جنبلاط مصمّم على سحب ورقة الطائفة الدرزيّة من الأسد
هل ستختلف ذكرى استشهاد كمال جنبلاط هذا العام في السادس عشر من آذار عن السنوات الثلاث السابقة؟ وهل سيستحضر رئيس «جبهة النضال الوطني» كلام «المعلّم» عن صراعه الطويل مع النظام السوري؟
جريدة الجمهورية...اسعد بشارة
سيكون لذكرى استشهاد كمال جنبلاط هذه السنة معنى خاص، ليس فقط لأنّ الجثة اقتربت من أن تصل إلى مرسى الاقتصاص من الجناة، حسب تعبير وليد جنبلاط، وليس لأنّ ابن الشهيد يستعدّ هذه السنة لوضع وردة وإلقاء كلمة على الضريح، خلافاً للسنوات الثلاث الماضية التي اكتفى فيها بالانحناء أمام العاصفة. بل لأنّ الذكرى تبدو هذه السنة وكأنّها حاضرة في التاريخ وموحية للمستقبل على إيقاع الثورة السوريّة التي فتحت وستفتح الكثير من الدفاتر السوداء في لبنان وسوريا.
ويستعدّ النائب جنبلاط والحزب التقدّمي الاشتراكي لإحياء الذكرى في السادس عشر من آذار، باحتفاليّة خاصة وبكلام يُقال عن "المعلّم" وعن صراعه الطويل مع النظام السوري، كلام بدأ جنبلاط بقوله منذ فترة وهو مرشّح للتصاعد، خصوصا منه المرتبط بأسباب الاغتيال والصراع الذي دار بين جنبلاط الأب والنظام في العام 1976 على خلفية الدخول العسكري الى لبنان بمباركة أميركية وصمتٍ إسرائيلي، هذا الدخول الذي أدّى وظيفة في ضرب الحركة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، ما مهّد الطريق فيما بعد لستار حديدي فرضه النظام على لبنان استمرّ وصاية لثلاثين سنة، تمّ خلالها تغيير الوقائع وتغييب الشخصيات وترسيخ احتلال مقنّع.
 ويبدو النائب جنبلاط بعد مصالحته الأخيرة مع النظام متّجهاً هذه المرّة الى أقصى اندفاع في محاربته لأسباب عدّة، أبرزها ما يتعلّق بقناعة لديه بأنّه آيل للسقوط مهما استعمل من وسائل القمع، ولأنّه بات يدرك أنّ الانخراط شبه الكامل للطائفة الدرزيّة في المشاركة بالقمع سيؤدّي الآن الى وضع الطائفة في مصير مجهول إذا ما سقط النظام.
ونظراً لتصاعد مسار الاحداث في سوريا، صعّد جنبلاط من هجومه على النظام وكثّف اتّصالاته بدروز سوريا للعمل على النأي بالطائفة الدرزيّة عن النظام، وهو وجد الى الآن أنّ ما قام به في هذا الإطار مُرضٍ ولكن ليس كافياً.
مُرضٍ لأنّ شبه الإجماع في تأييد النظام داخل الطائفة الدرزية تحوّل الى انقسام، حيث تأثّر عدد من وجهاء الطائفة بكلام جنبلاط (الذي ينسّق مع منتهى الاطرش) وعدلوا عن غبداء الدعم للنظام. وغير كافٍ لأنّ عدداً كبيرا من أبناء الطائفة لا يزالون يقاتلون في الجيش السوري ويشاركون بأعمال القمع. وباتت حوادث كثيرة ذات بعد طائفيّ تقع، ويتدخّل جنبلاط شخصيّا لتطويقها مثل حادثة مقتل أحد المجنّدين الدروز من آل العائل (وهو نسيب أحد الضبّاط الكبار في الجيش السوري) على يد مقاتلين من درعا الذي استتبع قيام أهل المجنّد باختطاف باص من أهالي درعا والتهديد بقتل ركّابه انتقاماً، فكان أن اتّصل جنبلاط للإفراج عن هؤلاء وإعادتهم الى درعا تطويقاً لما يمكن أن يؤدّي الى فتنة درزيّة - سنّية بين أهالي السويداء ودرعا.
هذه الحادثة لم تكن الوحيدة ولن تكون الأخيرة، لكنّ جنبلاط يبدو مستعدّاً للعمل كإطفائيّ الفتنة داخل سوريا، وما شجّعه أكثر على زيادة جرعات مواقفه المتحدّية للنظام، أنّه استطاع استمالة قوى المعارضة وفي الوقت نفسه تحييد جزء من طائفته استعداداً لمرحلة ما بعد سقوط النظام، وهو يعمل في هذا الاتّجاه بتصميم، كأنّه يقصد في ذكرى اغتيال والده أن لا يكتفي بوضع وردة على الضريح، بل ان يهدي كمال جنبلاط سحب ورقة الطائفة الدرزيّة من الرئيس السوري بشّار الأسد.
 
تظاهرة الأسير: هل يفكّ «حزب الله» شيفرتها؟
ماذا يعني أن تجري تظاهرة سلفية في ساحة الشهداء؟ وإلى من وجّه الشيخ أحمد الأسير رسائله من قلب بيروت؟ ومن يستعمل بعض المسيحيين لتخويف كل المسيحيين من هذه «الظاهرة» التي وجّهت رسائلها بشكل مباشر إلى حارة حريك؟
جريدة الجمهورية...فادي عيد
في قراءة موضوعية لتسلسل الأحداث في لبنان، يستغرب المتابعون تأخّر نمو الظاهرة السلفية السنّية في مواجهة التطرّف الشيعي الذي يمثّله "حزب الله" الداعي إلى تطبيق مشروع ولاية الفقيه في لبنان، ويجاهر الأمين العام لهذا الحزب السيد حسن نصرالله بفخره أن يكون جندياً في جيش الوَلي الفقيه. فالمنطق التاريخي قاطع لجهة أن كل تطرّف يولد تطرّفاً مقابلاً، وممارسات "حزب الله" طوال الأعوام المنصرمة، والتي وصلت في أقصاها إلى محاولة "إذلال" أبناء الطائفة السنّية في السابع من أيار 2008 من خلال اجتياح العاصمة بيروت وفرض إرادته بالقوة على بقية اللبنانيين تحت تهديد السلاح، واعتبار ما حصل يوماً مجيداً، إضافة إلى إسقاط حكومة الوحدة الوطنية التي كان يرأسها الرئيس سعد الحريري في كانون الثاني 2011 تحت وطأة القمصان السود... كل ذلك وغيره من الممارسات والإطلالات "الفوقية" المتكرّرة لـ نصرالله، أوصلَ من دون شك إلى تعبئة معيّنة أنتجت ظاهرة الشيخ أحمد الأسير وتظاهرته التي لقيت حدّاً كافياً من التجاوب أثار هواجس "حزب الله" وقلقه.
المفارقة الأبرز أن "حزب الله" لزم الصمت الكلي حيال تظاهرة السلفيين في بيروت، في حين لجأ إلى "دفع" بعض المسيحيين إلى مهاجمة هذه التظاهرة ومحاولة تخويف جميع المسيحيين، عِلماً أن الشيخ الأسير توجّه إليهم بكلام أكثر من مطمئن، لا بل طالبهم بالحماية من خلال تشبّثهم بأرضهم وعدم الهجرة.
وبعيداً عن الثرثرات الإعلامية الفارغة والسخيفة، لا بد من التوقّف عند ملاحظات عدّة رافقت حركة الشيخ الأسير وتظاهرته والرسائل المباشرة والمشفّرة التي أطلقها في اتجاهات محدّدة وواضحة:
ـ في الشكل، وإن كان هدف التظاهرة نصرة الشعب السوري في مواجهة "الطاغية" بشار الأسد، إلّا ان معظم الرسائل التي وجّهتها التظاهرة كانت في اتجاه الداخل اللبناني، وتحديداً في اتجاه داعمي النظام البعثي في لبنان، وفي طليعتهم "حزب الله".
ـ إصرار الشيخ الأسير على المضي بالتظاهرة في بيروت على رغم كل التحذيرات الأمنية التي وُجّهت إليه في محاولة لتجنّب مظهر الساحتين وأي احتكاكات كانت محتملة، شكّل الرسالة الأولى، وتحديداً في اتجاه مَن احتلّ بيروت في 7 أيار 2008، بأن بيروت لن تبقى تحت احتلال "حزب الله" وسلاحه وقمصانه السود.
ـ كانت لافتة ظاهرة القبضات المرفوعة في تظاهرة الأسير، في ما يشبه الردّ المباشر على القبضات المعتادة خلال إطلالات السيد نصرالله المتكرّرة. والمغزى أكثر من واضح: القبضات مقابل القبضات.
ـ وكانت لافتة أكثر الهتافات التي ارتفعت في التظاهرة تحت عنوان "الشعب يريد الجهاد"، مع ما يتضّمن هذا العنوان من تفسيرات واسعة واجتهادات كبيرة يُدرك معانيها تماماً "حزب الله" ومدى خطورتها وأبعادها، وخصوصاً إذا ما أضيف إليها أن حركة الشيخ الأسير لم يكن لها أن تتم من دون تمويل، وبالتالي فإن التمويل الإيراني الذي فاخر به السيد نصرالله لحزبه يمكن أن يقابله تمويل مضاد، ما يفتح الساحة على احتمالات خطرة قد يكون لبنان أصغر من أن يحتملها.
وفي الخلاصة، فإنّ القراءة الهادئة والموضوعية لحركة الشيخ أحمد الأسير تتطلّب قراءة هادئة وواعية من قيادة "حزب الله" والعمل لفك شيفرات رسائلها بمضمونها المحلي والإقليمي، وتجنيب الداخل اللبناني أي انعكاسات لمواجهات يدّعي "حزب الله" ظاهراً أنه لا يريدها، في حين أن ممارساته اليومية تنذر بتفاقم الأوضاع نحو مجهول بات معلوماً بالنسبة إلى الحزب... فهل يتدارك الأمر قبل فوات الأوان؟
 
الفساد لا علاقة له بالطائفيّة
جريدة الجمهورية....د. أنطوان أ. سعد •
ذهب الفلّاح ليجد في حقله شجرة الحياة ليست ككُل الشجر، أوراقها تعدّدت ألوانها مع أنّها نمت على التراب ذاته وارتوت من الماء عينها وأشرقت عليها شمس واحدة، وعنّفتها الرياح ككُل شجر الحقل، فقرّر الفلاح أن يقطعها ويرميها في النار ظنّاً منه أنّها شجرة ملعونة، لكنّه سمع صوتاً من الأعالي يقول له: مهلاً أنت تقطع أفضل ما عندك من شجر، إنّها ميزة هذا الحقل.
لقد عصر التاريخ في هذا الشرق جماعات عانقت جبال لبنان وتجذّرت في تربته، اصطدمت فتصارعت، نزفت جراحها ثمّ التأمت، وأخذ التنّوع يتقدّم على التصارع الذي كرّر جولاته لكنّه تعثّر، وتبيّن أنّ التنوّع ثروة والأنسنة كنز، وعندما لبست الأنسنة رداء المواطنة كان لبنان الدولة يحكمها الميثاق.
صحيح أنّ لبنان الوطن تعثّر قيامه، كُثر انتموا إليه على رغم جهلهم إيّاه، عايشوه ولم يفهموه، تبرّأوا من الفساد ونسبوه إلى الطائفية، تغرّبوا وأرادوا استحضار الغرب، تعرّبوا فظنّوا العروبة ديناً، أمّا التنوّر والتنوّع والنهضة والمروءة... فليست إلّا مقبّلات للوجبات السياسية. ثمّ اكتشف طلّاب العلمنة أنّ الداء يكمن في الطائفية لأنّ القدّيس شربل "السكران بالله" كان يعتاش من الرشوة، والإمام علي بنى فلسفته على الصفقات، وأنّ عدالة عمر بن الخطاب ليست إلّا عدالة في الظاهر، فهو لم يُنزل حُكماً بأحد إلّا بعد تقاضي الرشوة، وأنّ مار متر لم يكن يحترم شارات السير...!!!
تساءل الفيلسوف الشهيد كمال يوسف الحاج في كتابه "فلسفة الميثاق الوطني" هل قالت الطائفية للموظف أن يحجب حقّاً عن مواطن، وإذا خلع هذا الموظف رداء الطائفيّة فهل سيتوقّف عن تقاضي الرشوة، وهل سيزول فساده؟
هكذا تغاضى بعض الساسة عن فسادهم فردّوه إلى الطائفية، لأنّها بنظرهم تعلّم الرشوة والسرقة والفساد... ظنّوا أنّهم إذا أسقطوا الدولة المدنية من فوق تندثر الطائفية من تحت، وتنتهي المشكلة، عندها لا يتقاضى بعض رجال الأمن والإدارة رشوة، ولا يكتم المالك الثمن الحقيقي لملكيته تهرّباً من الضريبة، وتغيب الصفقات المشبوهة والعمولات، لأنّ الحكّام سوف ينتعلون تيجان الدولة المدنية التي تقيهم شرّ الفساد والمفسدين الطائفيّين... فهل يعلم البعض أنّ أهم ديمقراطيّات العالم على سبيل المثال تحافظ محاكمها العليا على التقاليد السياسية التمثيلية دون أن يصطدم ذلك بمفهوم الدولة المدنية ؟ بالله عليكم، عفواً، أستحلفكم بمدَنيّتكم، لا ترحموا الفاسدين إلى أيّ دين انتموا، وارحموا نضال وإيمان القدّيسين والأئمّة الأطهار الذين أغنوا الإنسانية بأسمى معاني الوجود، وتعالوا نفصل بين عشقنا للدولة المدنية وبين وفائنا وتقديرنا للكبار منّا، وتعلّقنا بتراثنا وتقاليدنا، فنُعتبر بين الدول المدنية في العالم وتكون ديمقراطيتنا لمحيطنا قدوة.
• أستاذ جامعي
تمرين عراقي على حماية التعدد العربي
جريدة السفير...هاني فحص
نستطيع ان نتكل على وطنية عراقية عميقة وعامة ومجربة، لنستبعد أي مشروع سياسي يمكن أن تقدم عليه الجمهورية الإسلامية في إيران بخصوص العراق، خصوصاً وأن الجمهورية قد اكتشفت بالملموس أن هذه الوطنية هي خيار عراقي عموماً، وخيار شيعي خصوصاً، وهذا أصلح لمستقبل علاقة إيران بالعراق والعراقيين من مشروع تتحكم فيه رؤية إيرانية وحيدة الجانب، تجعل إيران بالضرورة في موقع المتحمل لكل ما يترتب على ذلك من سلبيات، بينما تستطيع إيران، قياساً على تجربتها المدروسة مع التجربة الأفغانية بعد طالبان، أن تحرز حضوراً وفعالية في الحالة العراقية خالصة من الشوائب، لا تقوم هذه المرة فقط على الانسجام المذهبي الذي تختزل فيه مستويات متعددة ومعقدة في تركيب الفرد والمجتمع العراقيين، ما لا يمكن عزله أو منعه من التعبير عن نفسه في بنية الدولة الإشكالية.
إذاً، قصارى ما يمكن ان تقوم به إيران بالشراكة مع كل المعنيين من العرب والمسلمين بالشأن العراقي، وبما يتصل منه بشؤونهم بشكل خاص، هو ان تعمل بالتناغم مع العراقيين على اختلاف أمزجتهم وحساسياتهم على استنهاض حوار أو حتى سجال ديموقراطي طال الزمان على منعه وكبته، بحيث صار يبدو وكأنه ملغى من تكوين العراقي. وإن لم يتم هذا الاستنهاض، فإن الحرمان التاريخي المتراكم والبالغ ذروته في العهد الصدامي الطويل والثقيل، سوف ينفجر صراعاً لا يمكن تعداد أطرافه والمتورطين فيه، لأنه سوف يؤول عاجلاً إلى حالة إنقسامية حادة داخل كل طرف من أطرافه. وهذا من شأنه أن يفسح في المجال امام المشروع الأميركي المطلي بالكلام الديموقراطي أو الكلام عن الديموقراطية، لكي يتحوّل من مشروع تدميري إلى مشروع إنقاذي، تماماً على الطريقة التي حوّل فيها النظام البائد الحرب عليه من قبل التحالف، من عدوان في النظر العام، إلى تحرير في نظر شرائح واسعة من الشعب العراقي، جعلها القتل والتهميش لا ترى الأمور إلا من منظارها المفصل على أوجاعها وأشواقها إلى النوم، ولو ليلة واحدة من دون كوابيس.
هذا المسلك من شأنه ان يفسح في المجال لتركيب أطروحات أكثرية أي أكثر تمثيلاً للثوابت وتعاملاً مع المتغيرات، مما ينتهي إلى تضييق الهوامش وتظهير الحقائق التي ينبني عليها المستقبل العراقي، موصولا بموروثه الشعبي المقاوم والمعترض حسب الطبيعة التي ينبني عليها المستقبل العراقي موصولا بموروثة الشعبي المقاوم والمعترض، حسب طبيعة وممارسة الطرف الآخر، أي ان التدريب على الديموقراطية والحوار وتوسيع المشتركات وتضييق مساحة الاختلاف والخلاف بين مكوّنات الشعب العراقي ومجموعاته القومية والدينية والمذهبية والسياسية، من شأنه، وعلى المستوى الشيعي، ان يدفع بالمرجعية النجفية إلى الواجهة، وإلى موقعها الذي اعتاد ان يكون حافظاً وضامناً للوحدة، ساعياً إلى العدالة من خلال الاعتراض الهادئ أو القوي من دون صحب أو مغامرة. وعلى المستوى الشيعي فإن المرجعية التي تأتي من العلم والعدالة والحكمة والاقتراب الدائم من نبض الناس، هي التي تؤمن للشيعة مساراً طبيعياً ينفذون من خلاله إلى أطروحة وطنية تستوعب تنوعاتهم وتنفتح على التنوعات الاخرى بعيداً عن أوهام الغلبة والاستحواذ والثأر، من غير الذين ارتكبوا الموبقات بحقها، وحاولوا ان يلقوا بمسؤوليتها على التعدد الديني في العراق، في حين ان من يتوهم البعض انهم كانوا القوة التي يستمد النظام منها شرعيته، السنّة تحديداً، هم أكثر الناس تضرراً من الاستبداد والجرائم التي لم توفرهم. وإذا اعتمدنا الحساب النسبي فإنهم يأتون في كمية ونوعية الأضرار بالدرجة الثانية بعد الأكراد، مضافاً إلى ذلك مسألة معنوية بالغة السوء، أتت من إلصاق النظام نفسه بهم وهم أبرياء منه. في هذا المناخ من الصراحة والتمرّن على قبول الآخر يمكن انتاج طبقة سياسية عراقية بديلة للنظام من جهة، ولكل التراكيب الأميركية المنوي افتعالها من خارج حركة المجتمع الأهلي العراقي من جهة اخرى.
وهنا يتوافر للممانعة المحتملة والمطلوبة ضد أي مصادرة أو استتباع حاضنها الحقيقي وموجهها الذي يوسع نطاقها بمقدار الضرورة ومنع الضرر، ولا يدعها مجالاً للعنف العشوائي، الذي يفيد منه الأعداء في المحصلة، لأنه يتعرى من قاعدته الشعبية بما يرتكبه في حقها وفي معزل عن طموحاتها وقيمها، ويتحول إلى ذريعة لدى قوى الاستسلام وحجة على عدم جدوى الإعتراض.
هنا يحلو الكلام عن دور عربي غير مفكر فيه بواقعية وعقلانية يتناغم مع دور إيراني مفكر فيه بمبالغة ومعمول به بشكل يجعله أقرب إلى النفوذ الذي ستبعد المشاركة منه إلى الدور الذي يتكامل بالدور العراقي. يقدم المشورة والدعم لقوى النهوض العراقي، ويساعدها على الشفاء مما تبقى من حالات العصاب والرهاب فيها، من دون ان يكون هذا الدور المركب والمساعد مسكونا بأوهام المحاصصة، لأن من يطمع بحصة له من العراق لن ينال شيئاً، ومن يطمح بعراق موحد ديموقراطي تعددي هو الذي يربح العراق كله.
على ان المفارقة العظيمة والجميلة والحضارية التي يجب على الجميع ان يسعوا إلى تحقيقها في العراق لتكون علامة على مستقبل العراق، وقفاً على ماضيه المعقد والملتبس، هي ان يكون الأكراد والتركمان والآشوريون معاً شأناً عربياً أولاً، وان يكون الشيعة شأناً سنّياً، وان يكون السنّة شأناً شيعياً، سواء على مستوى الأشقاء والأصدقاء العرب والمسلمين او على مستوى الداخل العراقي. وبمقدار ما ينجز الشيعة العراقيون أهليتهم لحفظ السنّة وحفظ أنفسهم فيهم، بمقدار ما يشجعون إيران مثلاً على اعتبار السّنة في العراق همّاً إيرانياً معادلا للهم الشيعي. وبمقدار ما ينجز السنّة على العراق أمراً بهذا المستوى في علاقتهم بالشيعة يشجعون السعودية ومصر على التصدي لوظيفتهما في الاسهام في حفظ شيعة العراق على نصاب الوحدة.
وليس الرئيس مانديلا الذي نحترم ونحب أجدر منّا بإبداع المصالحة والمصارحة، ولا نحن عانينا من بعضنا بعضا أكثر مما عاناه شعب جنوب افريقيا في زمن طويل وقاس من التمييز العنصري، ولنا في رسول الله (ص) أسوة حسنة هذا أوان استذكارها والتمثل بها واتباعها «يا معشر قريش ما تظنون اني فاعل بكم؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم، قال: فاذهبوا فأنتم الطلقاء». كلنا بحاجة إلى سلوك نبوي على موجب التأسي والاقتداء الممكن دائما، أي ان يطلق كل منّا سراح الآخر لينطلق سراحنا جميعاً ومعاً. أمام المخاوف التي يعبر عنها بواقعية مرة ومبالغة شديدة مرة اخرى والتي تأتي من جهة من يسمون أنفسهم ويسميهم أهل العصبيات المغلقة (أقليات) من المسيحيين والعلويين والدروز والشيعة أو السنّة والأكراد والتركمان والصابئة والآيزيدية.. وحتى لا يتحمل الربيع العربي مسؤولية أي اقتراف سلبي تجاه هؤلاء جميعاً.. من الضروري المبادرة الجادة إلى برنامج لحماية التعدد العربي.
 
«ليست مسألة أيام ولا أسابيع»
أوباما ـ نتنياهو وضرب إيران: تباين أم توزيع أدوار؟
جريدة السفير..مازن السيد
أتمّ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو حجّه التاسع إلى مكاتب الرئيس الأميركي باراك اوباما. موجة من تصعيد الحديث عن الضربة العسكرية على ايران أغرقت أصوات كل الملفات البقية، وعلى رأسها الملف الفلسطيني. ثم خفت الضجيج، منسحباً عبر شبكة معقدة من التخمينات حول توافق مبدئي على «تأجيل» الضربة الاسرائيلية مقابل تسليح أميركي مرتبط بلوجستيات الضربة. لكن مؤشرات عديدة حملتها هذه الزيارة التي اتخذت حيزاً إعلامياً غير مسبوق، تشي بواقع متباين مع التهويل الإعلامي المرتبط بغايات سياسية محدّدة.
متفقان مسبقاً
وقال نتنياهو بعد عودته من محادثات في واشنطن إن إسرائيل ستعطي العقوبات على إيران فرصة لتأتي بنتيجتها ولن تهاجم منشآتها النووية لا خلال أيام ولا خلال أسابيع. وقال نتنياهو للقناة العاشرة في مقتطفات من مقابلة مسجلة «انا لا اقف ممسكا بساعة ايقاف. المسألة ليست مسألة ايام او اسابيع لكنها ايضا ليست مسألة سنوات». وقال إنه سيكون سعيداً اذا تم حل هذا الامر سلمياً واذا قررت ايران وقف برنامجها النووي مضيفا انه يعتقد ان جميع الاسرائيليين سيكونون سعداء ايضاً.
وفي اجابة على سؤال للقناة الاولى عما إذا كان يثق في التزام اوباما بأن الولايات المتحدة لن تسمح بأن تصبح إيران خطراً نووياً على اسرائيل، قال نتنياهو «إنه بيان مهم، لكنها في نهاية الأمر مسؤوليتنا ان نضمن عدم الوصول إلى وضع نتناقض فيه مع ما قاله الرئيس اوباما. يجب الا نصل إلى حالة لا تملك فيها اسرائيل القدرة على الدفاع عن نفسها من أي تهديد».
وبالفعل، يتّفق عدد من المحللين، وخاصة من الجانب المنادي بـ«حماية اسرائيل من الشيطان الايراني الذي يريد إبادتها»، على أن التباين بين اوباما ونتنياهو يكمن في الاختلاف ما بين «منع ايران من الحصول على السلاح النووي»، و«منعها من الحصول على قدرة صناعة السلاح النووي».
وفي رسالة مشتركة كتبها السفير الإسرائيلي في أميركا مايكل اورن ومعه السيناتوران ليندسي غراهام وجو ليبرمان المعروفان بمواقفهما المؤيدة لسياسة الدولة العبرية الأكثر تشدداً، ونشرتها «وول ستريت جورنال»، قدر كبير من الأدبيات المتكررة حدّ التخمة للوبي الاسرائيلي حول «خطورة ايران النووية»، وكونها «تهدد العالم بأسره لا اسرائيل فحسب».
لكن النص يشير في مفارقة ملحوظة إلى ان نص قانون العقوبات على ايران الذي وقعه اوباما في العام 2010، حدّد هدف أميركا بالحؤول دون «قدرة إيرانية على تصنيع السلاح النووي». كما يعلن كتاب الرسالة أنهم قدموا للكونغرس مشروع قرار من الحزبين الأميركيين يرفض بشكل واضح ما يُسمّى بـ«استراتيجية الاحتواء» لإيران، وهي تهمة نفاها اوباما عن نفسه بشكل قاطع خلال زيارة نتنياهو. ويؤكد مشروع القرار أيضاً على «المصلحة الحيوية للأمن القومي الأميركي في منع ايران من الحصول على قدرة تسليح نووي». إذن، فإن المطلبين الأساسيين في هذه المرحلة للوبي الاسرائيلي، المتمثلين برفض «الاحتواء» و«رفض قدرة التسليح النووية» (لا التسليح بحد ذاته)، قد تمت الموافقة مسبقا عليهما من قبل اوباما نفسه. فهل يقع التباين بين الطرفين إذن حول طرق تنفيذ هذه الأجندة المشتركة؟
رسالة من نوع آخر حملها نتنياهو بنفسه إلى اوباما على شكل هدية قدمها له هي عبارة عن «كتاب استير» من التوراة، الذي يروي قصة امرأة يهودية في بلاط هامان الفارسي نجحت في احباط مخططه لقتل اليهود. بالطبع تنبه كثيرون إلى رموز هذه الرسالة التي تزامنت مع إحياء اليهود لعيد «بوريم» المرتبط بقصة استير، وربطها بفرضية المواجهة المباشرة بين إيران وإسرائيل. لكن هناك ما يجمع هذه العناصر كلها في صيغة مختلفة: فيروس «ستوكسنت» المعلوماتي الذي أوقع أضراراً حقيقية ببرنامج ايران النووي، فالنص البرمجي للفيروس يحتوي على ملف أساسي سمّي «ميرتوس» أو «هاداسا» بالعبرية، وهي التسمية العبرية الأخرى لاستير.
اوباما في خطابه امام مؤتمر لوبي «ايباك» الاسرائيلي، أشار إلى «التقنيات المتقدمة» التي تقدمها أميركا لاسرائيل و«للتعاون الاستخباري والعسكري» غير المسبوق بين الطرفين. ويكاد الخبراء يتفقون اليوم، حول كون فيروس «ستوكسنت» وعمليات سرية أخرى استهدفت البرنامجين البالستي والنووي الإيراني، قد تمّت تحت مظلة مشتركة من التعاون الاسرائيلي ـ الاميركي.
وقال نائب رئيس اركان القوات الجوية الأميركية للعمليات الجنرال هربرت كارلايل امس الأول إن القنبلة التي بدأ الجيش الأميركي تسلمها العام الماضي، والتي يمكن ان تخترق تحصينات خرسانية سمكها 65 متراً، جزء من الترسانة الأميركية المتاحة لشن غارات على دول مثل ايران التي لديها بعض المنشآت النووية المدفونة تحت الأرض. وأضاف كارلايل في مؤتمر صحافي عن برامج الدفاع الأميركية «القنبلة الضخمة الخارقة للتحصينات سلاح عظيم. ما زلنا نعمل على تحسين هذا. لديه قدرة رائعة الآن وما زلنا نواصل تحسينها. إنه جزء من ترسانتنا وسيكون أحد الاحتمالات اذا احتجناه هذا النوع من السيناريوهات».
فوائد التصعيد الكلامي
على ضوء هذه المعطيات، تبدو غامضة طبيعة التباين الفعلي بين الموقفين الأميركي والاسرائيلي من ايران، فلا قرار اسرائيلياً بضرب ايران ولا اعتراض أميركياً على فكرة «الخيار العسكري» إن كان من جهتها ومن جهة حليفتها التاريخية. لكن الواضح، هو أن زيارة نتنياهو وما أحاط بها، أغمض عيون العالم عن القضية التي وجهت ضربة دبلوماسية قوية لولاية اوباما وأخرجت أميركا فعـلياً من دورها النظري في «الوساطة بين الاسرائيليين والفلسطينيين»، أي الاستيطان والدولة الفلسطينية بمسارها في الامم المتحدة. حتى أن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي ذكر بالأمس، أن الإدارة الأميركية أبلغت السلطة الفلسطينية بأن «اوباما سينقل التركيز إلى قضايا أخرى بسبب الانتخابات الرئاسية، فلا تتوقعوا شيئاً منا».
أما من جانب نتنياهو، فقد لخّص المعلق السياسي لدى صحيفة «هآرتس» اكيفا الدار الموقف عشية اللقاء مع اوباما بالقول «من وجهة نظر نتنياهو، لقاء الإثنين (الماضي) مع اوباما قد نجح قبل حدوثه، لأنها ستكون المرة الاولى التي لا يكرر فيها اوباما شكاويه حول الدولة الفلسطينية، وحدود العام 1967 وتجميد الاستيطان».
النظام الايراني هو من يستفيد من التصعيد الكلامي، فترتفع أسعار النفط، ويحتشد الشعب انتخابياً وراء المؤسسة الحاكمة في وجه «الخطر المحدق» الجامع، ويعود إلى طاولة المفاوضات، ويدخل في «هدنة» سياسية مع أميركا قد تمهّد لمحادثات تحت الطاولة بين الطرفين كما يذكر مركز «ستراتفور» الاستخباري في تقاريره الأخيرة.
هو إذاً التلاقي بين سياسة انتخابية تتضاعف فيها قيمة التصفيق، خصوصاً إذا كان في قاعات مؤتمر «ايباك»، وبين هروب اسرائيلي متواصل إلى الأمام بحثاً عن دفن الحقوق الفلسطينية حتى في صيغها الأكثر «تواضعاً» وانحساراً: اوباما يستغل فرصة التأكيد على التزامه «المقدس» بأمن الدولة العبرية، ويبيع جمهوره الليبرالي دوره كمانع لضربة اسرائيلية «كادت أن تقع وتشعل المنطقة»، ونتنياهو يكرّس نفسه مختزلاً لتاريخ اليهود من أيام استير إلى ايامنا مروراً بالمحرقة النازية، مستخدماً مرة اخرى شبح «الخطر الايراني» لإسقاط الأوراق الفلسطينية عن طاولات المجتمع الدولي على طريق الخروج من مأزق العزلة الدبلوماسية.
هؤلاء الفلسطينيون استهزأوا بـ«المسرحية» هذه، فجزم أحد المدونين بأن نتنياهو يريد تأجيل ضرب ايران كي تضمن زوجته التمكن من حضور حفل قريب لمادونا في تل أبيب.
العام 2012.. الفلسطينيون بين خيارين!
جريدة المستقبل..أياد مسعود
يسود بعض دوائر القرار الفلسطيني اعتقاد ان انهماك الإدارة الأميركية بمعركة تجديد ولاية الرئيس باراك أوباما، ونصف أعضاء الكونغرس، سيشغلها عن متابعة العملية التفاوضية الفلسطينية مع إسرائيل، وعن العمل لإخراجها من مأزقها. لذلك تتوقع هذه الدوائر أن هذا العام لن يحمل في طياته جديداً وأن المفاوضات ستبقى تراوح مكانها، في حالة جمود، إلى أن تنتهي الانشغالات الداخلية الأميركية، وتستعيد إدارة البيت الأبيض اهتمامها بالملف الفلسطيني - الإسرائيلي.
وبتقديرنا، ان مثل هذا الاعتقاد يجافي الحقيقة. إذ أن الملاحظ، على سبيل المثال أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون ما زالت تتابع باهتمام الملف السوري، في مجلس الأمن، وفي المحافل الدولية ذات الصلة. حتى أن هذا الملف طغى على اهتمامها في جولتها المغاربية.
كذلك لم تحل معركة الانتخابات دون متابعة الاهتمام بالملف الإيراني، وبأوضاع الخليج العربي، في ظل التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز. كذلك لم تتوقف عن متابعة الأوضاع في أفغانستان، والباكستان، وروسيا. وهي كلها ملفات ساخنة لا تستطيع الإدارة الأميركية أن تتجاهلها، أو أن تبرر لنفسها أن انشغالها بالانتخابات يعطيها الحق في تجاهلها.
والتجربة الفلسطينية تؤكد هي أيضاً أن اهتمام الإدارة الأميركية، بملف دولي ما رهن بمدى سخونة هذا الملف، ومدى قدرته على احتلال موقع متقدم في اهتمامات الإدارة الأميركية ومدى قدرته على تهديد المصالح الأميركية في هذا الإقليم أو ذاك.
فبعد فشل مفاوضات كامب ديفيد في تموز 2000 بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات والرئيس الأسبق لحكومة إسرائيل إيهود باراك، وجدت الإدارة الأميركية نفسها، بقيادة الرئيس الأسبق بيل كلينتون، ووزيرة خارجيته مادلين أولبرايت، مرغمة على متابعة ملف المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية حتى اللحظة الأخيرة في ولاية كلينتون الثانية مطلع العام 2001. وقد وجد كلينتون نفسه مدفوعاً نحو الدخول في التفاصيل الصغيرة للعملية التفاوضية آنذاك على حساب دعمه للمعركة الانتخابية لنائبه أل غور في مواجهة المرشح الجمهوري جورج بوش الابن.
وباعتراف الجميع فإن العامل الأبرز الذي ضغط على كلينتون للانشغال بالمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية على حساب الانشغال بمعركة انتخاب أل غور، كان نيران الانتفاضة التي اشتعلت في الضفة الفلسطينية وفي قطاع غزة، ما دعا حسني مبارك، رئيس مصر آنذاك، لإطلاق صرخة استغاثة نحو واشنطن يدعوها للتدخل قبل ان تمتد هذه النيران إلى العواصم العربية المجاورة، على حد قوله.
إذن، يمكن القول إن الكرة ليست في المرمى الأميركي كما يعتقد بعض صانعي القرار الفلسطيني بل هي في المرمى الفلسطيني، وبات على اللاعب الفلسطيني أن يبادر إلى خطوة أو خطوات ترغم "الراعي الأميركي" على متابعة الملف التفاوضي، بل وكذلك على إعادة النظر بأسلوب متابعة لهذا الملف، وبما يخدم المصلحة الفلسطينية.
وبتقديرنا، إن التقدم نحو هذا الاتجاه يفترض القيام بعدد من الخطوات ذات المنحى الاستراتيجي.
1) أولاً إنهاء حالة الانقسام، واستعادة الوحدة الداخلية وإعادة بناء المؤسسات على أسس ديمقراطية، وتحرير هذا الملف من قيوده الإقليمية، ورفعه إلى درجة اعتباره الملف الفلسطيني الأكثر إلحاحاً والمدخل الضروري للتغيير.
2) استئناف الهجوم الدبلوماسي نحو الأمم المتحدة، لاحتلال مقعد فلسطيني في الجمعية العامة، بما يؤدي إلى الاعتراف الدولي بخطوط الرابع من حزيران 67 حدوداً لهذه الدولة، وبالقدس الشرقية عاصمة لها، وبما يفتح الباب للانتساب إلى المنظمات الدولية، باعتبارها ميداناً للجانب الدبلوماسي من حرب الاستقلال.
3) رفع السقف السياسي للقرار الفلسطيني، عبر التحرر من قيود أوسلو، وخارطة الطريق وبروتوكول باريس الاقتصادي، لتوليد مناخ فلسطيني جديد، تنمو فيه المقاومة الشعبية الشاملة بكل أشكالها، وبما يقلب الطاولة في وجه الاحتلال.
4) التمسك بمتطلبات استئناف العملية التفاوضية، خصوصاً بعد ما تحقق من مكاسب سياسية ودبلوماسية تحت سقف الأمم المتحدة، بحيث ترسم للمفاوضات آليات جديدة، تضمن الوصول إلى التسوية المقبولة والتي تضمن الخلاص من الاحتلال والاستيطان.
بإمكان الجانب الفلسطيني في حال توفرت الإرادة السياسية، والشراكة الوطنية في صنع القرار، أن يعيد صياغة اهتمامات "الراعي الأميركي"، بحيث يكون العام 2012 هو عام الخلاص، بدلاً من أن يضاف إلى ما سبقه من الأعوام الضائقة.
ونعتقد أن النقطة التي وصلت إليها المفاوضات، والمواقف الرخوة للجنة الرباعية، ومحاولات واشنطن التفلت من استحقاقات استئناف العملية التفاوضية، وفي مقدمها وقف الاستيطان، كلها عوامل باتت تملي على الجانب الفلسطيني، أن يعيد النظر بإستراتيجية، خاصة وان لقاءات القاهرة وما خرجت به من توافق سياسي فلسطيني شكلت عنصر قوة جديد للمفاوض الفلسطيني، لابد من استثماره في المفاوضات، كما في الميدان، في مقاومة شعبية شاملة للاستيطان والاحتلال.
 
سوريا: نقد المرحلة السابقة ومهمات المستقبل
جريدة المستقبل..د. نقولا زيدان
يتساءل التقدميون العرب ودعاة التغيير وأنصار الربيع العربي بقلق مبرر ومحق، وفي اللحظة التاريخية الراهنة عن مآل الانتفاضة الشعبية السورية وهي ما زالت تقارع من دون هوادة النظام الأسدي الفاشي في دمشق. فقد انقضت حوالى السنة، وما زال النزيف مستمراً، وحمامات الدم تتصاعد على طول امتداد الساحة السورية. فبعد سقوط النظام التونسي والمصري والليبي، وإبرام التسوية اليمنية التي أنهت حكم علي عبد الله صالح، ساد اعتقاد مبالغ في التفاؤل فأقر قراءة خاطئة للمعطيات العربية والدولية في دنو سقوط النظام السوري. فالآلة العسكرية السورية، وسواعدها الأمنية والمخابراتية وما استطاع النظام دفعه الى ساحات المواجهة في المدن والأرياف الثائرة لسحق الجموع الغاضبة والمتدفقة ببسالة مثيرة للإعجاب، مكنته من استفراد كل مدينة ومنطقة، الواحدة تلو الأخرى، أضف الى ذلك أن المعارضة السورية، بمجلسها الوطني وسائر الهيئات الأخرى، ما زالت تقود الحركة الثورية تحديداً من الخارج. كما أن الجيش السوري الحر، رغم التضحيات الميدانية التي يبذلها في الداخل لم يتمكن من زعزعة كاملة للجيش الرسمي الذي دأبت الأسرة الحاكمة على امتداد أربعين سنة على تنظيمه وترتيب صفوفه وإحكام قبضة الأجهزة الأمنية عليه لتسهر على ولائه للنظام ولاء مطلقاً. وبالمقابل ما زال يسيطر على قيادة المعارضة رعيل كامل من المثقفين والمفكرين المنتمين "للانتلجنسيا" السورية في ظل غياب ملحوظ للكادرات النقابية والفلاحية، وهما العنصران البالغا الأهمية والضروريان لإدارة المعركة الداخلية. فلم نشهد اطلاقاً قيادات نقابية بارزة تحتل موقعاً قيادياً في المجلس الوطني أو سائر التنسيقيات المعارضة الأخرى، ما يضعف الثورة ويطيل أمر سقوط النظام.
ربما نكون قد استسهلنا المعركة الدائرة مع النظام، واعتقدنا خطأ بإمكانية سقوطه القريب والوشيك، وعلينا الإقرار بأن ذلك هو تقدير غير دقيق، لا بل ساهم في هذا التقدير الخاطئ حالة من الترقب والميوعة تسود الصف العربي. فالزخم الشعبي السوري الثائر على النظام ظل على الدوام وعلى امتداد شهور كاملة من الزمن يتساوق مع ضجيج إعلامي عربي لم يجد ترجمته ببلورة دعم لوجستي فعلي في داخل سوريا وعلى أرض المعركة. فالنظام السوري استطاع إحاطة نفسه وتسوير سوريا بالعديد من دول الجوار التي، إما تقدم، الدعم والعون له وتتواطأ معه في مواجهة الثورة، أو تكتفي بالزعاق الإعلامي انسجاماً مع مصالحها الإقليمية والدولية.
فالسلطة القائمة في العراق والتي هي ثمرة تفاهم أميركي إيراني والتي يُفترض بها مقارعة حزب البعث "مصدر كل الشرور" هناك، أمدت نظام دمشق بما يحتاجه من مقاتلي الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وأعادت الى النظام البعثي السوري ما كان أرسله إليها من عناصر القاعدة خلال حربي الخليج الثانية والثالثة لمقارعة الأميركيين، لا بل استمات في أروقة الجامعة العربية في الدفاع عن مواقف دمشق. كما أن نظام قوى الأمر الواقع في لبنان، علاوة على الدعم الإعلامي الرسمي والخاص ووضعه الديبلوماسية اللبنانية في خدمة نظام دمشق ما زال يقدم للسلطة هناك خدمات مصرفية واقتصادية هي بحاجة ماسة إليها للاستمرار. ولعل الموقف التركي حيال الأزمة الثورية هو المادة الأكثر إثارة للالتباس والحيرة والإحباط. فبعد التصاعد الحاد في مواقف المسؤولين الأتراك والنبرة العالية التي رافقت تهديداتهم للنظام السوري والتلويح بغير مناسبة بالتدخل العسكري، بل احتضان تركيا للمجلس الوطني السوري وقيادة الجيش السوري الحر، وإيواء النازحين السوريين، إذا بنظام أنقرة يتلهى ذات اليمين وذات اليسار تارة بملاحقة حزب العمال الكردستاني وطوراً بلعب دور الوسيط بين طهران والغرب للحؤول دون مواجهة عسكرية بينهما على خلفية نشاط طهران النووي، فتوقّف التلويح بالتدخل العسكري في سوريا وأصبح الزعماء الأتراك أشد الدعاة لتسوية سياسية للأزمة السورية. أما الأردن الذي قضت مضاجعه المطالب الشعبية المطالبة بالحد من الفساد وتصاعد تحركات الإسلاميين فأصبح همه الحفاظ على أمنه الداخلي واستقراره فجاءت مصالحته مع حماس لتعزز هذا الاستقرار.
بالطبع كان لافتاً ومؤثراً موقف بعض الدول العربية كالدعم المالي القطري السخي وتحرك الدوحة الديبلوماسي على الصعيد الدولي، بالإضافة لموقف دول التعاون الخليجي بعد طرد السفراء السوريين والمحادثات الروسية الخليجية المزمع عقدها حول الأزمة السورية بالإضافة الى الدعم المالي الليبي واستضافة تونس لمؤتمر أصدقاء الشعب السوري... إلا أن كل هذا النشاط لا يخفف عملياً من وطأة معاناة الشعب السوري ولا من مشكلات الانتفاضة. لقد أصبح جلياً، خصوصاً أمام المنعطف الدولي الراهن الذي تقف فيه روسيا والصين كلياً الى جانب النظام السوري أن ثمة إعادة قراءة عميقة وضرورية لكل جوانب المعطى السوري بما فيه المعارضة أياً كانت تلاوينها والجيش السوري الحر مهما كانت تعثراته واستخلاص الدروس من المرحلة السابقة. إن الغرب وبالأخص أميركا ليسوا في صدد لا التدخل العسكري ولا حتى تسليح المعارضة ولا لاجيش السوري الحر.
إن على الانتفاضة الثورية أن تعتمد على نفسها، وأن تعيد تنظيم صفوفها، وتوحيد معارضتها على قاعدة برنامج الحد الأدنى المرحلي، وأن تختار هي قياداتها الشعبية الدورية المجربة، وأن تنبذ الشحن الطائفي والمذهبي حتى ولو كان أمراً واقعاً مريراً، وأن تنتقل الى الداخل السوري، لأن الداخل هو المحك والمعيار ودليل الصدقية. عندها ستدرك جماهير سوريا بتجربتها الخاصة صحة الخط الثوري الجديد، فتخرج جميع المدن وكل الأرياف من قمقمها وسيسقط النظام.
 
العالم لبّى نداء ساراييفو ولم يلبَّ نداء حمص
جريدة الحياة...محمد م. الارناؤوط
 

في الاسابيع الاخيرة، بدأ التململ يتزايد في أوساط المعارضة السورية في الخارج من «غموض» الموقف الغربي من الوضع في سورية على رغم تصريحات هدفها امتصاص الموقف أو تبديد «نظرية المؤامرة». لكن الاهم أن بعض الصحافيين الغربيين، الذين غامروا بحياتهم للوصول الى حمص لمعاينة المشهد بأنفسهم، بدأوا يتحدثون أيضاً وينتقدون تردد المواقف الغربية وتشتتها ويستذكرون ما حدث في البوسنة خلال 1992-1995.

كانت الجماعة الأوروبية في حيرة إزاء «الربيع اليوغوسلافي» في 1990 المطالب بالتحول الى الديموقراطية والتعددية السياسية التي أُجريت بالاستناد اليها أول انتخابات حرة في سلوفينيا وكرواتيا والبوسنة، التي أوصلت الى البرلمان غالبيات مطالبة بالاستقلال عن يوغوسلافيا المحكومة بتراث الحزب الواحد الذي أنجب سلوبودان ميلوشيفيتش.

اعترفت الجماعة الاوروبية باستقلال سلوفينيا وكرواتيا في 15 كانون الثاني (يناير) 1992، ولكنها اشترطت على البوسنة بالذات إجراء استفتاء يؤيد الاستقلال بغالبية واضحة. وقد أجرت الحكومة البوسنية المنتخبة من الشعب الاستفتاء المطلوب في 29 شباط (فبراير) 1992، الذي وصلت فيه نسبة المشاركة الى 64,31 في المئة ونسبة تأييد الاستقلال الى 99,44 في المئة.

ومع أن الجماعة الاوروبية اعترفت باستقلال البوسنة وسيادتها في 6 نيسان (أبريل) 1992، إلا أن ما حدث بعدها كان يدل على أن سنة 1992 كانت بالفعل «سنة كبيسة» على البوسنيين، كما أن سنة 2012 «سنة كبيسة» على السوريين. فقد تعرضت مدن للحصار مثل ساراييفو وغيرها وجرت مجازر جماعية هنا وهناك وسط تنديد «المجتمع الدولي» كما يحدث الآن في سورية. كان الموقف الغربي يبرر عدم تدخله في البوسنة بدقة الوضع وغموض الموقف، الخ... كان الطرف الصربي يروج أنه يخدم الغرب بحربه ضد الطرف الآخر من «الاصوليين» المسلمين الذي يهددون كل أوروبا (لم تكن «القاعدة» قد برزت آنذاك)، وتكشف الوثائق الآن أن بعض القادة الغربيين كانوا يصدقون ذلك ويؤجلون التدخل الى أن يتم «ترتيب الوضع على الارض».

ولكن في البوسنة، كما في كوسوفو لاحقاً، كان لا بد من لحظة أو صدمة تخرج الموقف الغربي من تردده وتدفعه باتجاه الحسم. بالنسبة الى البوسنة كانت تلك اللحظة في 28 آب (أغسطس) 1995 حين قصف الصرب سوق ماركالا في قلب ساراييفو، ما أدى الى قتل 38 من المدنيين وجرح العشرات، وكانت الصور في وسائل الإعلام كفيلة بأن تخرج قادة الغرب عن موقفهم المتردد ليوافقوا على قصف المواقع الصربية بقوة وإجبار الصرب على التفاوض لأجل التوصل الى تسوية.

وتكرر هذا الامر مع كوسوفو في 17 كانون الثاني 1999 حين دخلت القوات الصربية الى قرية راتشاك قرب بريشتينا وقتلت 41 من سكان القرية في ما عرف بـ «مجزرة راتشاك»، حيث إن وصول صور هذه المجزرة الى وسائل الإعلام كان كافياً لحسم التردد والتوجه نحو الحسم مع نظام ميلوشيفيتش.

وزير الخارجية التركي وصف الأسد بأنه تحول الى ميلوشيفيتش آخر، كما أن رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان قال قبله إن «مجزرة حماة» خط أحمر، ولكن كل هذا لم يفد بشيء ولم يردع النظام السوري عن حصار بابا عمرو في حمص وقصفها لمدة 27 يوماً تحت أنظار العالم ثم اقتحامها ومنع الصليب الاحمر من الدخول اليها حتى الساعة. وفي الوقت الذي كان الغرب يندد بذلك حصل في 2 آذار (مارس) 2012 القصف على التجمع المدني السلمي في الرستن الذي وثّقته الصورة وأدى الى قتل 12 شخصاً نصفهم من الاطفال وجرح العشرات.

لم يفد قصف الرستن بشيء كما لم تفد في اليوم نفسه شهادة الصحافي الاسباني خافيير اسبينوزا الذي كان في حمص وشهد ما حصل هناك ليقول إنه «أسوأ من ساراييفو».

تصادف تصريح اسبينوزا مع وصول جثمان الصحافية ماري كولفن الى دمشق، التي كان يفترض أن يكون مصيرها لحظة مؤثرة بالنسبة الى الموقف الغربي، اذ إنها غطت ما جرى في كوسوفو وخرجت حية على رغم ما حصل هناك عامي 1998-1999 بينما جاءت الى حمص بجرأة لتنقل ما يحدث وقضت نحبها هناك تحت القصف وبقي جثمانها اسبوعاً لا يستطيع أحد أن يصل اليه.


المصدر: مصادر مختلفة

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 155,226,773

عدد الزوار: 6,983,509

المتواجدون الآن: 70