نص رسالة المجلس الوطني السوري المعارض إلى احتفال «البيال»..."النهار" في باب التبانة وجبل محسن بعد أيام من الاشتباكات..جنبلاط على ضريح الحريري عبر نجليْه تيمور وأصلان.... «كلمة سر» بإمرار التمديد للمحكمة من دون إحراج «حزب الله»

«ثورة الأرز» اللبنانية تلاقي الثورة السورية في ذكرى 14 فبراير ... و«المجلس الوطني» ضيف فوق العادة

تاريخ الإضافة الخميس 16 شباط 2012 - 5:21 ص    عدد الزيارات 2607    التعليقات 0    القسم محلية

        


 

           
«كلمة سر» بإمرار التمديد للمحكمة من دون إحراج «حزب الله»
المعارضة اللبنانية تضغط على الحكومة من خاصرتها السورية... الرخوة
بيروت ـ «الراي»
مع ان الاهتمامات السياسية والحركة المتعلقة بوساطات محتملة لكسر الأزمة الحكومية في لبنان انحسرت الى ادنى مستوياتها في الساعات الاخيرة في انتظار ما اعلنته قوى «14 آذار» من مواقف في المهرجان الذي أقامته بعد ظهر امس احياء للذكرى السابعة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، فان الواقع السياسي بدا متجهاً نحو مزيد من الارباك والغموض في ضوء مجموعة عوامل.
فعلى الصعيد السياسي العام لم تخالف مواقف «14 آذار» في ذكرى 14 فبراير التوقعات التي سبقت هذه المحطة اذ شكلت مواقف رئيس الحكومة السابق وزعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري عبر مقابلته التلفزيونية ليل اول من امس طليعة الخط البياني للمعارضة في المرحلة اللاحقة وخصوصاً لجهة الاحتضان العلني الواضح والصريح للمعارضة السورية والتضامن معها في مواجهة النظام السوري. اما على المستوى الداخلي فان سقف المعارضة بدا ثابتاً في رسم اطار حصري لاي حوار سياسي محتمل لم تخرجه المعارضة عن نطاق مسألة سلاح «حزب الله» كمنطلق اساسي لاي حوار، بما رأت فيه مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ «الراي» تمديداً غير محدود بأفق «للستاتيكو» الراهن في انتظار اتضاح مصير النظام السوري والتطورات الضخمة التي تشهدها المنطقة في ظل الثورة السورية.
اما على الصعيد الحكومي، فان المصادر نفسها تعتبر ان اندفاعة المعارضة في ذكرى 14 فبراير أثقلت بدورها على القوى الحكومية وأظهرتها في مظهر اضافي من الاحراج. ذلك ان تحفظ لبنان عن القرارات الاخيرة للجامعة العربية اتاحت للحريري وقوى «14 آذار» الهجوم على الخاصرة الرخوة للحكومة من زاوية انتقاد سياسة النأي بالنفس اقله لجهة المجازر التي تشهدها سورية ومسألة النازحين والانتهاكات السورية للحدود اللبنانية، وهو امر بات يشكل نقطة ضعف اساسية للحكومة ولو ان رئيسها نجيب ميقاتي سعى جاهداً لدى زيارته لفرنسا قبل ايام الى تبرير هذه السياسة ومحاولة اقناع الدول الغربية بجدواها.
وتعتقد المصادر ان هذا الإحراج سيزيد ارباك الحكومة وخصوصاً مع احتدام الصراع العلني الحاد بين كل من رئيسها نجيب ميقاتي ورئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من جهة وزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون من جهة اخرى حول الملفات الداخلية المتصلة بمسائل التعيينات وبدل النقل في الاجور وسواها. ويبدو واضحاً ان هذه الخلافات غير مرشحة للتذليل في وقت قريب مع انعدام تحرك الوساطات وترك الازمة تأخذ مجراها في انتظار تراجع اي فريق عن رزمة الشروط التي وضعها.
وتقول المصادر نفسها لـ «الراي» ان لا معطيات توحي بامكان استئناف جلسات مجلس الوزراء في وقت قريب مما يعني ان النتيجة الحتمية لهذا الشلل الحكومي ستتمثل في مرور استحقاق التمديد للمحكمة الدولية الخاصة بلبنان بقرار تلقائي من الامين العام للامم المتحدة بان كي مون في نهاية الشهر الجاري. وقد بدا لافتا تجنب كل من رئاستي الجمهورية والحكومة حتى الان اي حديث عن الجواب المطلوب ابلاغه الى بان كي مون اليوم على الرسالة التي ارسلها الى رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة في شأن التمديد لبروتوكول المحكمة، وهو امر يعني ان السكوت عن الجواب قد يكون «كلمة السر» التي لا تزعج حتى «حزب الله» وتُجنب هذا الاخير خوض معركة خاسرة علنية ضد التمديد.
ولذا تميل المصادر الى الاعتقاد ان الاسبوع الاخير من الشهر الجاري سيكون الموعد الملائم لتحريك الوساطات في الملف الحكومي، فتبدأ معها حركة ناشطة لارساء تسوية تتيح العودة الى جلسات مجلس الوزراء بعد ان يمر استحقاق التمديد للمحكمة بقدر كبير من الهدوء. اما مضمون التسوية المحتملة، فلن يخرج عن اطار توازنات داخل الحكومة باتت اشبه بالتوازنات التي تعطّلها او لا تسمح لها ببت اي ملف الا بشق النفس، وعلى طريقة حفظ ماء الوجه للجميع مما بات يرسخ الانطباع بان ما تبقى من عمر الحكومة، ولو طال، لن يخرج عن اطار تقطيع الوقت وملء الفراغ بالحد الادنى الممكن..
           
جنبلاط على ضريح الحريري عبر نجليْه تيمور وأصلان
       
بيروت ـ «الراي».... كما في 14 فبراير من كل عام منذ الـ 2005، يتحوّل ضريح الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري «مزاراً» يقصده السياسيون والمناصرون لإحياء ذكرى «ابو بهاء» بوردة وشمعة و ... دمعة.
وعلى غرار كل سنة ينقلب الضريح في باحة مسجد محمد الامين في ساحة الشهداء في وسط بيروت الى حديقة زهور تعبق بالشوق من دون ان تحجب «شوك» الاغتيال ووجعه الماثل في عيون لم يجفّ دمعها وفي قلوب «عضّت على الجرح» كما فعلت عقيلة الرئيس الشهيد السيدة نازك التي حاكته «من القلب الى القلب» بباقة حمراء عربون حبّ ... أكبر من الموت.
وبين «الزحف» السياسي (غالبيته من قوى 14 آذار) الى الضريح الذي صار واحداً من معالم بيروت، شخصت الأنظار على رئيس «جبهة النضال الوطني» النائب وليد جنبلاط الذي لم يفاجىء غيابه للسنة الثانية على التوالي عن ضريح «رفيقه»، ولكن مفاجأته كانت بايفاده نجليْه تيمور واصلان ووفد من كتلته البرلمانية (جبهة النضال الوطني) وحزبه (التقدمي الاشتراكي) لوضع اكاليل من الزهر باسمه تحية لروح «صديقه».
وبدت هذه «البادرة» من جنبلاط بمثابة «نصف حضور» الى الضريح الذي كان غاب عنه شخصياً العام الماضي (اكتفى بارسال وفد نيابي وحزبي من دون نجليه) اذ صودفت الذكرى بعد اقل من شهر من إكماله نصاب إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري عبر تسمية نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة تحت «موجبات» العودة الى «العروبة والمقاومة» وحفظ السلم الاهلي.
وثمة مَن رأى ان الزعيم الدرزي، الذي عبّر اكثر من مرة منذ اندلاع الازمة في سورية عن «حنين» الى 14 آذار ، وجّه من خلال إرسال نجليه الى ضريح الحريري رسالة الى شركائه في قوى الاكثرية الجديدة كما الى «حلفائه القدامى» بان موقفه التصاعدي من الثورة في سورية التي يدعمها بشكل علني تعبّر عن «تموْضع» جديد يلتقي فيه «على الموجة نفسها» مع 14 آذار اقلّه في ملاقاتها «ربيع دمشق»، وإن كان عدم حضوره شخصياً شكّل مؤشراً الى رغبته في الاحتفاظ بـ «وسطيّةٍ» في موقعه داخل اللعبة اللبنانية تؤّهله في المراحل اللاحقة لأدوار «وصْل» بين «المنقطعين» عن التواصل.
واستوقف الدوائر المرقبة ان خطوة جنبلاط «نحو الضريح» جاءت غداة تلقيه اتصالاً من وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل، الأمر الذي استقبله الزعيم الدرزي بارتياح كبير عكس بدء عودة «الدفء» الى العلاقة مع الرياض.
وكان الوفد الذي مثّل جنبلاط، ضمّ الى تيمور وأصلان، الوزراء: علاء الدين ترو، وائل ابو فاعور وغازي العريضي، النائبين أكرم شهيب وايلي عون، نائب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي للشؤون الخارجية دريد ياغي، وكان في استقبالهم الأمين العام لـ «تيار المستقبل» احمد الحريري والنائبان عمار حوري وعاطف مجدلاني. كما لفت ان الرئيسن نجيب ميقاتي اكتفى بـ «ايفاد» اكليل باسمه الى ضريح الحريري. من ناحية اخرى، أعلن جنبلاط «ان تنظيم القاعدة يطل برأسه مجدداً غبّ الطلب للتشويش على الثورة السورية ولتشويه صورة المعارضة وحراكها السلمي ومطالبها المشروعة في الحرية والديموقراطية والتعددية والتغيير، ما يوحي بأن إطلالة أيمن الظواهري في هذا التوقيت بالذات هي عمل أمني استخباراتي بامتياز».
وقال جنبلاط في تصريح له: «إن استحضار شبح تنظيم «القاعدة» في هذه اللحظة الحساسة التي تمر بها الثورة السورية بفعل بطش النظام السوري وإصراره على العنف سبيلاً وحيداً في التعاطي مع المطالب المحقة للشعب السوري المناضل والصامد، يطرح أكثر من علامة استفهام وكأن المطلوب منه تقديم البراهين على الروايات التي يطلقها النظام حول المجموعات الإرهابية وتنظيم «القاعدة» لتكريس الخيارات القمعية وتبريرها، وهذا لا يستثني أيضاً الروايات التي ساقتها بعض المراجع الرسمية اللبنانية فيما يخص بلدة عرسال». وختم: «حذار من هذه الخطوات وما ترمي اليه أو تمهد له، وهو ما يستوجب المزيد من اليقظة والتنبه على كل المستويات».
           
«ثورة الأرز» اللبنانية تلاقي الثورة السورية في ذكرى 14 فبراير ... و«المجلس الوطني» ضيف فوق العادة
الحريري يدعو «حزب الله» إلى تسليم المتهمين في اغتيال والده وجعجع يرى عهداً قديماً يتهاوى وربيعاً عظيماً آتياً
بيروت - «الراي»... اختارت قوى 14 آذار في الذكرى السابعة لاغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري ان ترسم «خطاً فاصلاً» بين ما قبل 14 فبراير 2012 وما بعده سيتحوّل «خيط تموْضع» للقوى اللبنانية بإزاء الحدَث السوري الذي تتطاير شظاياه في أكثر من اتجاه سياسي وأمني.
من شعار الذكرى، «لولا شباط ما في آذار، لولا آذار ما في ربيع»، أطلّت 14 آذار من «البيال» على «ربيع دمشق» معلنة «تحالف الربيعيْن» اللذين تعتبر انهما «يتكاملان» وإن بعد سبع سنوات على «ثورة الأرز» اللبنانية التي «زهّرت» في شبه «صحراء» عربية صارت اليوم مساحات لـ ... ياسمين الحرية.
«بالفم الملآن» وبـ «نعم واحدة» بلسان الرئيس امين الجميّل والرئيس سعد الحريري (غاب للمرة الاولى عن ذكرى والده لاعتبارات وضعه الصحي وربما الامني واطل عبر شاشة عملاقة من باريس) والدكتور سمير جعجع اعلنت 14 آذار تموْضعها مع الثورة السورية التي حضر «صوتها» عبر رسالة المجلس الوطني التي لاقت صدى استثنائياً لانها بدت كأنها «ابرمت» المصالحة بين الشعبين اللبناني والسوري وأسست لمرحلة من العلاقات «المُمأسسة» بعد «السقوط الحتمي» (كما تعتبره 14 آذار) لنظام الرئيس بشار الاسد.
هو «ربيع دمشق» الذي حلّ ضيفاً على ربوع بيروت التي ارتأت في ذكرى الرئيس الحريري ان تصوّب على «العالي» في الملف السوري، «معرّجة» على وضع الحكومة «البائسة» من دون تركيز كبيرٍ عليها باعتبارها «الحلقة الأضعف» في سلسلة يشكّل «رأسها» النظام السوري.
هو «ربيع العدالة» الذي طال انتظاره والذي بات قاب قوسين من بدء المحاكمات الغيابية في اغتيال الحريري والذي تريده 14 آذار «انتقاماً ناعماً» للشهداء الذين سقطوا بين 2005 و2008 من دون اغفال «الشهداء الأحياء».
هو «ربيع الدولة» الذي اعلنت 14 آذار ان لا مكان فيه «لغلبة السلاح» بل «لحصرية السلاح» في يد السلطة الشرعية، وإن كانت المقاربة الحقيقية او «المعركة» الفعلية حول هذا الملف بدت مؤجّلة بانتظار الموازين الجديدة التي سيُفرزها «اتجاه الريح» في الأزمة السورية. مع العلم ان الرئيس الحريري كان أطلّ في مقابلته التلفزيونية مساء الاثنين على هذا العنوان مهاجِماً «حزب الله» الذي «ربما شعرتُ بالغدر منه أكثر من الرئيس نجيب ميقاتي» بعد إسقاط حكومته العام الماضي مشترطاً للحوار «اولا السلاح ثانيا السلاح وثالثا السلاح»، ومعلناً «ان مَن قتل رفيق الحريري يهددني
واذ اعرب عن حزنه لعدم تمكُّنه من حضور ذكرى والده ولا زيارة ضريحه (عزى الامر الى العملية الجراحية) «وهذا يقتلني»، قال في اشارة الى النظام السوري «على كل حال الله كبير وسيحاسب في الدنيا، واليوم يحاسبهم في الدنيا عما فعلوه، اذا أردنا ان نرى مقاومة حقيقية فلنرَ الشعب السوري فالناس تُقتل والاطفال تموت»، ملاحظاً ان «لبنان يضع نفسه اليوم في عين العاصفة وعندما يسقط النظام السوري أين سيكون الشعب السوري من قرار لبنان بالنأي بالنفس؟». وأوضح ان «أي نظام (جديد) سيأتي في المستقبل في سورية لن يحاسب اللبنانيين لاننا موجودون، وحين يسقط النظام الذي انتهى ستكون هناك فرصة لعلاقة اخوية مع الديموقراطية الجديدة بسورية».
وتحت «السقف نفسه» جاءت المداخلات امس في مهرجان «البيال» الذي جاء حاشداً وغص بالشخصيات السياسية والديبلوماسية والذي شكّل مناسبة لـ «تجديد دم» ثورة الارز ومبادئها.
واستهلّ الاحتفال بكلمة رئيس حزب الكتائب امين الجميّل الذي اعلن انه «في السنوات الماضية، أحيينا ذكرى غياب الرئيس الشهيد رفيق الحريري، اما هذه السنة فنحتفل بعودته .. نعم بعودته فهو عاد مع انتشار الثورات العربية، مع تجديد مفهوم لبنان اولاً ، وعاد مع القرار الاتهامي». اضاف: «غداً يطل القرار الاتهامي ويتم احقاق الحق. وانا على يقين أن أي قوة لا تستطيع أن توقف مسار المحكمة فالاحكام ستصدر والاقنعة ستسقط والعدالة ستتحقق». وتابع: «بقدر ما نتعاطف ونؤيد الشعوب العربية، فاننا نؤمن وبنفس القدر بأن لا مصلحة للبنان باي عنف سياسي واقتتال داخلي، فإن تدخلنا لا يؤثر على مجرى الصراع بين الأنظمة والشعوب بل يؤثر على مستقبلنا وتجاربنا مرة» مطالباً «بتنفيذ مقررات الحوار الوطني وحصر السلاح بالدولة».
ثم كانت «كلمة نارية» لرئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع شّن فيها اعنف هجوم على النظام السوري واعلن دعم الثورة السورية في كلمة بدأها بقول «كنت أفكر أن أبدأ ببيت شعر اني ارى رؤوساً (قد اينعت وحان قطافها) ولكن عادوا وقالوا لي «لا يجوز»، واضاف: «ارى عهدا قديما يتهاوى وربيعا عظيما اتيا. يا ابا بهاء شهداء ثورة الأرز اغتيالكم أخرجهم من التاريخ وقريبا يخرجون من الجغرفيا».
تابع: «تحيّة لك حمص، تحيّة لك إدلب، تحيّة لك درعا، تحيّة لحماه، والزبداني ودير الزور، لدوما، والصنمين وجسر الشغور (...) انّ الجرائم والمجازر والفظائع التي ترتكب بحق الأبرياء المناضلين في سورية، توضع اليوم تحت شعار خدمة المقاومة والممانعة كما جرى ويجري في لبنان أيضاً عند الحاجة، فبئس هكذا مقاومة. وتباً لهكذا ممانعة، إنّها مقاومة في مواجهة الشعوب ومطالبها المحقة، مقاومة وممانعة تدكّ المدن والقرى وتقتل الأطفال والنساء (...) وكما انتصرت في نهاية المطاف الأشرفيه، وطرابلس، وعاليه، وزحلة، وتونس، والقاهرة، وبنغازي، هكذا ستنتصر حمص، وحماه، وإدلب، ودير الزور ودرعا». واذ اعتبر انه «اذا أصبحت سورية حرّة، تعددية، ديموقراطية، فهذا يعني تلقائيّاً لبنان مستقراً، وحدوداً مرسّمةً، وسلاحاً شرعيّاً حصريّاً»، هاجم «الحكومة البائسة التي ملّ منها البأس».
بعدها كانت كلمة المجلس الوطني السوري التي تلاها منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار فارس سعيد، قبل ان يُختتم المهرجان بكلمة الرئيس سعد الحريري مباشرة من باريس. وقال سعيّد نقلا عن كلمة «المجلس الوطني»: «(...) أن سورية المستقبل ستقيم أفضل علاقات مع لبنان، علاقات بين دولتين مستقلتين، علاقات بين شعبين شقيقين... لن تكون علاقات تحت مسمّى شعب واحد في دولتين (...) سنحقّق في ملف المعتقلين والمفقودين اللبنانيين في السجون السورية كي نطوي هذا الملف، وسنعمل معا في الاطار الثنائي والعربي وعلى الصعد كافة، فبيننا دور مشترك نؤدّيه معا(...)».
وتابع: «(...) لن نقبل بربط مصير لبنان بأزمة نظام الأسد، فمن فارس الخوري والسلطان باشا الأطرش، وصالح العلي، ومي ابراهيم، ومن ابراهيم قاشوش وحمزة الخطيب وسائر الشهداء (...) ألف تحية اعتزاز الى شهيدكم الكبير (رفيق الحريري) وكل شهدائكم الأبرار». وفي كلمته التي القاها عبر شاشة، قال الحريري: «اشارك الاوفياء بالصلاة والدعاء. انني فعلا حزين حتى الاختناق ولا شيء يعوض سوى البقاء معا على الدرب الذي اخترناه من اجل لبنان والعدالة والديموقراطية والسيادة»، مضيفا ان لا شيء يحول الحزن الى امل سوى رؤية النموذج الذي قدمناه قبل سبع سنوات يتحقق في دول عربية عديدة من تونس العزيزة الى سورية الجريحة في ما اصبح يعرف باسم الربيع العربي». وأضاف: «قلتم الشعب يريد السيادة والاستقلال والعدالة والكرامة والحرية... بقي امامنا ان نحقق الحرية والكرامة لكننا لم نعد وحدنا في هذا المطلب. اسمعوا ماذا يقولون في دول الربيع، يقولون نريد الحرية والكرامة».
وتابع: «هذه هي القيم التي جسدها ومازال مشروع الرئيس الشهيد رفيق الحريري». وقال الحريري: «اما ان يقودنا ما يحصل في المنطقة نحو تحقيق ما تبقى من مطالبنا... او الى الفتنة لا سمح الله... ومسؤوليتنا ان نمنع الفتنة». وتابع: «اليوم انا سعد رفيق الحريري أتحمل أمامكم مسؤولية التضامن مع الشعب السوري وتأكيد حقه في نظام ديموقراطي واستعدادي لتحمل المسؤولية في منع الفتنة عموما ومنع الفتنة السنية - الشيعية في لبنان خصوصا». وقال: «بعد 14 شباط 2005 انتصر دم الرئيس الشهيد على 30 عاما من الاستبداد».
وأضاف «لا أبالغ اذا قلت لكم ان كل السياسات المتهورة لن تتمكن من العودة بلبنان الى زمن الهيمنة وانتفاضة الشعب السوري ستشكل نهاية لهذا الزمن. الشعب السوري سينتصر والنظام آيل الى السقوط». واعتبر ان «قيام نظام تعددي ديموقراطي في سورية سيشكل حصانة للتجربة الديموقراطية اللبنانية». وقال الحريري ان «المجلس الوطني السوري عكس هذه المفاهيم. وهذه مناسبة لنؤكد استعدادنا للتعاون معه». وأشار الى «محاولات تخويف اللبنانيين بالقول للمسيحيين ان اخوانهم السنة سيتلقون فائض قوة آتيا من سورية، لهؤلاء نقول نحن اهل الاعتدال والطائف والمناصفة في لبنان مهما كانت سورية».
وتابع «اما للشيعة فيقولون ان انتصار الثورة في سورية سيتحول الى هجوم عليكم للثأر للرئيس الشهيد رفيق الحريري. ونحن نقول بوضوح لأخواننا الشيعة اننا لا نحملهم اي مسؤولية عن دماء رفيق الحريري بل نعتبر دماءهم دماءه. ونريد محاسبة المسؤولين عن الجريمة وليس فريقا وطائفة». ودعا «حزب الله» إلى أن يبدأ بتنظيم وضع سلاحه بتصرف الدولة ليجنب لبنان خطر العنف ويجنب الدولة خطر الانهيار وليضمن معاً قيام الدولة ومشروع الدولة ولبقاء لبنان رائدا مع العرب في ربيع العرب».
وأوضح «من موقع التأكيد مع أواصر الاخوة مع جميع اللبنانيين ومن موقع المسؤولية ادعو قيادة حزب الله الى اجراء مقاربة جديدة في تعاملها مع المحكمة والتشبث بحماية المتهمين لا يلغي قرار الاتهام. وان اصرار الحزب على رفض تسليم المتهمين أمر من شأنه تعميم الاتهام بالجريمة وهو أمر لا يجوز للحزب ان يقع فيه، ويحول المضبطة الى مضبطة من الدرجة الأولى».
«إعادة تمثيل» فنجان «الوداع»
بيروت ـ «الراي»: ... الاثنين 14 فبراير 2005، الاثنين 14 فبراير 2012. سبعة أعوام فصلت عن «المرة الاخيرة» التي شوهد فيها الرئيس رفيق الحريري على قيد الحياة قبل ان «يتفحّم» موكبه امام محلة السان جورج (الواجهة البحرية لبيروت) بانفجار الـ 2 طن الذي لم يعد ما بعده كما قبله.
... على طريقة «كان يا ما كان»، جمعت شقيقة الرئيس الشهيد النائبة بهية الحريري «آخر الرفاق» الذين جالسوا رفيق الحريري في مقهى place de lصetoile في وسط بيروت ومعهم نواب وشخصيات اخرى حضرت امس لتستعيد دقائق ما قبل الرحيل المفجع الذي أعقب تناول فنجان قهوة «على السريع» قبل ملاقاة القدَر المأسوي الذي كتبه اغتيالٌ كان أكبر من مجرّد «زوبعة في فنجان».
في الذكرى السابعة كان استذكار الراحل من أصدقائه في إطار بدا يشبه «إعادة تمثيل» الدقائق الاخيرة بين مغادرة الحريري مقر البرلمان ووصوله الى المقهى الذي كان طيفه حاضراُ فيه امس بقوة، هو الذي «جلس» على «طاولة الوداع» صورةً وبصوت محبيه.
في 14 فبراير 2005، غادر الرئيس الحريري مقر البرلمان حيث كانت تتم ورشة مناقشة مشروع قانون الانتخابات النيابية، وطلب من مرافقه يحيى العرب أن يتصل بـ «الزعران»، أي الصحافيين فيصل سلمان ومحمد شقير، لأنه يريد أن يشرب القهوة معهما. فاتصل «أبو طارق» بشقير قائلاً له: «بدّو ياكن ضروري أو بقتلكن اليوم»؟.
ولم يكتف الحريري بدعوة واحدة، فطلب مرة ثانية أن يلاقوه «ع المدرسة»، قاصداً مقهى place de lصetoile قرب مبنى البرلمان، وبعث بالرسالة هذه المرة مع النائب علي حسن خليل (من كتل الرئيس نبيه بري) ومن على درج مجلس النواب. قال له: «أنا فايت عند معلّمك (قاصداً رئيس البرلمان)، شف لي الزعران ويلاقوني عالمدرسة». فاتصل خليل بشقير: «عم يقول بدّو الزعران، دخل عند بري وسيلاقيكم».
ولم تمض دقائق حتى أطلّ الحريري في المقهى ولحق به النواب باسل فليحان وأيمن شقير وفارس سعيد وعاطف مجدلاني. جلس إلى طاولة ثالثة، «بين طاولة القرار 1559» التي يجلس عليها عادة مسؤول الاعلام في الامم المتحدة نجيب فريجي، و«طاولة اتفاق الطائف» التي يجلس عليها سلمان وشقير. واطلق على طاولته تسمية «قرار الامم المتحدة لمحاربة الارهاب». بدأ الحديث عن الزيت واتهام جمعية خيرية تابعة له بتوزيعه «لاغراض انتخابية». قال لمجلسه الأخير إنه يريد أن ينسى ما حصل «لأن أي إثارة إضافية من قبلنا ستعتبر إسفافا». وخاطب النائب وليد عيدو (اغتيل العام 2007): «ع السكيت، اعتبروها منتهية وقول للشباب (أي النواب) يضبضبوا الموضوع». ثم تطرق الى العروبة والوطنية، فقانون الانتخاب و«الألغام» البيروتية فيه وصلاحيات وزير الداخلية الاستنسابية والعلاقة مع سورية، وصولاً إلى «أخطاء كانت وما زالت ترتكب». ويقول محمد شقير: «من شدة إيمانه كان لا يبالي بالاجراءات الامنية»، علماً ان الجميع كانوا يهمسون بامكان قتله أو قتل الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وخصوصاً ان جريدة «الحياة» عنونت قبل يومين من الاغتيال «شيراك وبوش يحذران سورية من المسّ بسلامة الحريري وجنبلاط». كان الحريري متلهفاً للقاء «الزعران» في «المدرسة»، إلا أنه لم يطل اللقاء معهم لأن «أبو طارق» همس له مذكراً إياه بموعد على الغداء، فقال له «جهّزوا السيارات» قبل ان يغادر مع فليحان. ترك خبراً لمستشاره الاعلامي هاني حمود ان يلاقيه الى قريطم (مقر اقامته في غرب بيروت) ليكون حاضراً في استقبال ضيوف الغداء. وكان يريد اصطحاب النائب باسم السبع معه، لكن الأخير كان يحضر جلسة مناقشة قانون الانتخاب. غادر، وكانت تلك المرة الأخيرة التي يراه فيها أحد حياً...

 

نص رسالة المجلس الوطني السوري المعارض إلى احتفال «البيال»:
العلاقات ستكون بين دولتين سيدتين لا علاقات الشعب الواحد
جريدة اللواء...تلا منسق الامانة العامة لقوى 14 آذار الدكتور فارس سعيد نص رسالة المجلس الوطني السوري المعارض التي بعث بها إلى المهرجان لمناسبة ذكرى 14 شباط، معتبرا ان تكليفه بتلاوة الرسالة هو شرف، وقال: «أنه تشريفٌ بكل معنى الكلمة، لأنّ المجلسَ الوطنيّ في هذه المرحلةِ الفاصلةِ من تاريخِ سوريّا يمثّلُ الشعبَ السوريّ الثائر ودماءَهُ الغزيرة الغالية ويُجسّدُ تطلّعاتِه إلى الكرامةِ والحريّةِ والديمقراطيّة». وأضاف: لقد أدركَ المجلسُ الوطنيّ مُبكراً أهميّةَ العلاقةِ بلبنانَ واللبنانيين، بل أكثرَ من ذلك وضع العلاقةَ بلبنانَ واللبنايين في الأولويّة، فخصَّ لبنانَ بأوّلِ مبادرةٍ سياسيّةٍ له. إن رسالة المجلس الوطنيّ الموجّهةَ إلى اللبنانيين في 25 كانون الثاني الماضي، والرسالةَ الجوابيّةَ من الأمانةِ العامّة لقوى 14 آذار في الأوّل من شباط الجاري، تشكّلان الأساس الذي سيتمُّ الإنطلاقُ منه من أجل مستقبلٍ لبناني – سوري مشرق». وقال: «ذلك أنّ الديمقراطيّةَ في سوريّا والإستقلالَ في لبنان، وهما كما كان يؤكّد الشهيد سمير قصير متلازمان، يُعطيان الربيعَ العربيَّ أبعادَه ومضامينَه، وسنتعاون من أجلِ مستقبلِ الدولتين والشعبين».
وفي ما يأتي نص الرسالة:
«أيّها الأخوةُ في حركةِ 14 آذار قادةً ورأياً عاماً،
أيّها الأشقاءُ اللبنانيون، من سوريا الثورة، من سوريا الحريّة والكرامة والديمقراطيّة، من سوريا الشعبِ المنتفضِ ضدّ النظامِ الديكتاتوريّ الفاشي.
من حمص الجريحة الصامدة ومن كلِ مدنِ سوريا الِإباء، من درعا إلى حماه ومن حلب إلى دمشق وريفِها، ومن ديرِ الزور إلى القامشلي، من إدلب والرستن والسويداء.. نحييكُم في الذكرى السابعة لإستشهادِ الرئيس رفيق الحريري ورفاقِه، الذكرى السابعة لجريمة إغتيال ذلك الزعيمِ اللبنانيّ العربيّ، ونحيي شهداءَ ثورةِ الأرز ونتضامن مع نضالِكم المستمّرِ على طريق شهدائكم من أجل لبنان مستقلّ سيّد وديمقراطي. إن المجلس الوطنيّ السوريّ «الممثّل للشعبِ والمعارضةِ السوريَّين» يعتبر أنّ نجاحَكُم في ربيعِ 2005 في إخراجِ جيشِ نظامِ (الرئيس السوري بشار) الأسد من لبنان وإسقاطِ نظامِ الوصايةِ الذي أقامَهُ في بلادِكم، شكّلَ بالفعل أوّلَ صفعةٍ قاسيةٍ له».
قلتُم لهُ بصوتٍ عالٍ: «لا مكانَ لك عندنا، إذهب وأبحث عن شرعيَّتِك لدى شعبِك، وأوراقُكَ الإقليميّة بين لبنانَ وفلسطين والعراق لن تُغنيكَ عن شرعيّةِ الشعبِ السوريّ، لكنّه ومنذ ذلك التاريخِ، سقطَ في إختبارِ نَيلِ الثقةِ الشعبيّةِ في سوريا من جهة، وفشلَ في الحلمِ الذي لم يغادِرهُ، حلمِ تعويضِ شرعيّةِ الداخل بمشروعِ سوريا الإقليميّة المستحيل من جهة أخرى»، وقال: «إنّ بينَنا وبينَكُم قضيّةً مشتركة كما نُكرّرُ دائماً»، مشددًا على أن «الديموقراطيّةُ في سوريا هي الدعامةُ لإستقلالِ لبنان وديمقراطيّتِه، والدولتان السيّدتان الديمقراطيّتان في سوريّا ولبنان هما دعامةُ دولةِ الإستقلالِ الوطني في فلسطين.
أيّها الأشقاءُ الأعزّاء،
تتابعونَ بطولاتِ الشعبِ السوريّ وتضحياتِه الجسام منذ 15 آذار من العام الماضي، وتتابعونَ في المقابل سياسةَ البطشِ والقتلِ والمجازرِ والنهجِ العسكريّ الأمني من جانبِ نظامِ الأسد.
الحصيلةُ آلافُ الشهداء وعشراتُ آلاف الجرحى والمصابين، وعشراتُ آلاف المعتقلين والمفقودين، وتدميرٌ شاملٌ لمدنٍ وبلداتٍ ومناطقَ بأسرها، فالحصيلةُ أنّ سوريّا منكوبة، لكنّ شعبَنا وثورتَنا صامدان، والنظامُ سيسقط، وكُلّما أمعنَ في إِراقةِ الدماء إقتربَ النظامُ من القبر.
نتكّلُ على إرادةِ شعبِنا في الإنتصار، فشعبُنا الذي حطّمَ كلَّ جدرانِ الترهيبِ والخوف لن يعودَ إلى الوراء، ونستندُ إلى دعمِ العددِ الأكبر من إخوتِنا العرب دولاً وشعوباً، وإلى دعمِ الأصدقاءِ الدوليين.. ولن ينجحَ الروسُ والصينيّونَ في تعطيلِ سَيرنا إلى الأمام، لن ينجحوا في إستعادةِ زمنِ حربٍ باردة بائد، وذلك بالضبط لأنّ العالمَ باتت تُسيّرُه قيّمُ الحريّةِ والكرامة والعدالة وحقوقِ الإنسان، تلك القيمُ التي تشكّل قوّةَ دفعٍ للتاريخ.
إنّنا في ذكرى الرئيس رفيق الحريري ورفِاقه، نتضامَنُ معكم، لكنّ الأهمّ أنّنا نشكرُ تضامنَكُم معنا، وفي هذه المناسبة، ومن موقعِ مُتابعتنا لمُجريات الأمور في لبنان، نودُّ أن نؤكّدَ في وجه إدعاءاتِ نظامِ الأسد والتابعينَ له، وأبطالِ الشاشاتِ الكبرى في بلادكم، أنّ ثورتَنا التي تقاتلُ باللحمِ الحيّ لشبابنا وشيوخِنا ونسائِنا وأطفالِنا على مدى الأرضِ السوريّة، ليست بحاجةٍ إلى إستخدامِ أرضِكُم اللبنانيّة في معركتِها ضدّ النظام الديكتاتوري القاتل وهي لا تستخدِمُها بالفعل، فكلُّ ما في الأمر أنَّ في لبنان نازحين هاربينَ من آلةِ القتلِ الأسديّ، وجَرحى يأمَلونَ في تلقّي الإسعافاتِ والعلاجات. 
أيّها الأشقاءُ اللبنانيّون،
لا زلنا في صميم كِفاحِنا من أجل إسقاطِ نظامِ الديكتاتور وتحقيقِ التغييرِ الديموقراطيّ، ولقد أعلنّا مِراراً أنّ ما نُريدهُ لسوريا المستقبل هو نظامٌ ديمقراطي ودولةٌ مدنيّةٌ تعدديّةٌ ديمقراطيّة، نريدُ ذلك لأنّنا مقيمونَ على قناعةٍ بأنّ سوريا التعدّدِ والتنوّعِ تستحقُّ هذا المستقبل. 
في سوريّا تعدّدٌ طائفيٌّ وتنوّعٌ إثني، وهذان التعدّدُ والتنوّع هما تاريخنا ومستقبلنا. لا مكانَ في سوريا لأيّ إستئثارٍ أو تفرّدٍ أو أحاديّة، والمنخرطونَ في الثورة هم أبناءُ هذيَن التعددِ والتنوّع، وإذا كان نظامُ الأسد وأتباعُه يُخيفون المكوّنات السوريّة من المستقبل، فإنّنا نحن فخورون بمجتمعنا المدني، فخورونَ بنقطةِ قوّتِنا هذه في حينِ كان نظامُ الأسدِ على الدوام هو من إخترعَ «مسألة أقليّات»، أمّا نحن فموحّدونَ سنّةً ومسيحيين وعلويين ودروزاً.
إنّنا كسرنا قاعدةَ «التعوُّدِ» على الأشياء، ونشتركُ معكم في هذين التنوّعِ والتعدّد، وعلى أساسِهِما سنُقيمُ دولتَنا المدنيّة ونظامَنا الديمقراطي، وعلى أساسِهِما نتطلّعُ إلى مساندةِ اللبنانيين من ضمنِ التعدّدِ اللبنانيّ لثورتِنا وأهدافِها».
لقد سبقَ لنا في رسالةٍ وجّهناها في 25 كانون الثاني الماضي إليكم، أن أكّدنا أنّ ثورتَنا التي تُخيفُ النظام، يجب ألاّ تكونَ موضعَ تساؤلٍ من جانبِ أحدٍ غيره.
سوريا المستقبل دولةً ونظاماً، ستقيم أفضلَ العلاقات مع لبنان، وستطوي صفحاتٍ أليمةً في هذه العلاقات.
 ستكونُ علاقاتٍ من دولةٍ إلى دولة، بين دولتين مستقلّتين سيدتَين متكافئتين، وستكون علاقاتٍ أخويةً على قاعدةِ أنّ بين شعبينا تاريخاً مشتركاً وحاضراً مشتركاً ومستقبلاً مشتركاً، وستكونُ علاقاتٍ بين شعبيَن شقيقين في دولتين مستقلتين لا علاقاتٍ تحت مُسمّى شعبٌ واحد في دولتين، مُسمّى استُخدمَ سابقاً للوصايةِ على لبنان وإستتباعِه.
لن تكونَ علاقاتِ تدخّلٍ في شؤونِ أيٍّ منّا بالآخر». وأضاف: «سنُعيد معاً النظرَ في الإتفاقاتِ والمواثيقِ الموقّعةِ في زمنِ الوصايةِ البغيضةِ على لبنان، وسنقيمُ علاقاتٍ ديبلوماسيّةً سويّة ونرسّمُ الحدودَ إبتداءً من مزارعِ شبعا، وسنحقّقُ في ملفِ المعتقلين والمفقودين اللبنانيين كي نطوِيه.
سنعملُ معاً في الإطار الثنائيّ وفي الإطار العربيّ وعلى الصُّعُدِ كافّةً، فبيننا قاعدةُ مصالحَ مشتركة، وبيننا دورٌ مشترك نؤدّيه.
أيها الأخوةُ في حركة 14 آذار،
ثورتُنا مستمرّةٌ رُغمَ الدماءِ حتىّ الإنتصارِ القريب.
 متضامنونَ معنا ونحنُ معكم، لنتخلّصَ معاً من الماضي.
 لن نقبلَ ربطَ لبنان بمسارِ أزمةِ نظامِ الأسد ولن تقبلوا لثورتِنا غيرَ الإنتصار.
من فارسِ الخوري وسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وإبراهيم هنانو في التاريخ، ومن شهداءِ ثورتِنا المعاصرة، من إبراهيم قاشوش وحمزة الخطيب وسائرِ الشهداء شيوخاً وشباباً ونساء وأطفالاً، ألفُ تحيّةِ إعتزازٍ إلى شهيدكم الكبير رفيق الحريري وكلِّ شهدائِكم.
النظامُ القاتلُ عندنا وعِندَكُم سيسقط،
عاشتِ الثورةُ السوريّة وعاشت سوريا حرّةً ديمقراطيّة.
عاش التضامنُ السوريُّ اللبناني، والموتُ للنظام وجلاّديه.
المجلس الوطني السوري

 
 
 
صهيب أيوب

"النهار" في باب التبانة وجبل محسن بعد أيام من الاشتباكات

خوف من تجدّد الانفجار بسبب تحرّكات مسلّحين في الخفاء

 

لا شيء يوحي ان معارك قد اندلعت هنا سوى انتشار حذر لعناصر من الجيش اللبناني في أجزاء متفرقة من شارع سوريا ومدخل جبل محسن و"سكة الشمال" الفاصلة بين أحياء سنية وأخرى علوية، على رغم ان تداخل الديموغرافيا في هذه المناطق الشعبية والفقيرة يبدو جليا وواضحا، ولم تستطع الحروب المتقطعة ان تمحو أثره.

يغادر ابو حسين (56 سنة) محله في شارع سوريا لبيع "قطع" غيار السيارات المستعملة الى المسجد لأداء صلاة الظهر، فيما ينشغل جاره ابو خالد (43 سنة) بتجهيز بعض البضاعة من البورسلان لتاجر من الضنية. الحياة تمضي بهدوء حذر، يقول ابو حسين ان:" السكان اعتادوا المعارك وكل شيء يعود الى ما كان عليه فور انتهائها". بعض المحال مفتوحة تستقبل زبائنها من ابناء مناطق ريفية مجاورة ومن احياء طرابلسية قريبة حيث توجد أسواق شعبية، كسوق الخضار وسوق الحسبة وسوق القمح على تخوم الشارع الحربي، فيما بقيت محال أخرى مغلقة يقف اصحابها بحذر وهم يرتشفون قهوتهم، ويلعنون، بشيء من الانكسار، "قدر" هاتين المنطقتين.
 رجال ملتحون يحملون بأياديهم الخشنة أجهزة "التيكي ويكي" تصدر "خشخشة" من حين الى آخر، يتفحصون الداخل والخارج بنظرات حادة، يتوزع قربهم شبان مراهقون تبدو ملامحهم الذكورية وكأنها مستوحاة من فيلم قتالي، وهم يراقبون مداخل احيائهم وينتظرون. لكن ماذا ينتظرون؟، يجيب احدهم بجدية:"ننتظر ما اذا كانت ستندلع مرة اخرى ام لا". وبسؤالنا له عن مصدر السلاح الذي يحملونه اثناء المعارك على رغم انهم فقراء، اجاب باقتضاب: "هذه الحيلة والفتيلة من مالنا الخاص، نبيع ما نملك كي نحصل عليها لندافع عن انفسنا".
لوهلة تستطيع ان تشعر بانك تدخل مربعاً امنياً مأهولاً بسكان لا يعرفون الهدوء، بحركتهم العادية وكأن شيئاً لم يكن. وبطريقة "محلية" يكتفي هؤلاء الرجال، الذين يسمون انفسهم "حماة" الاحياء الداخلية، بالجلوس على كراس خشبية حول بائعي قهوة ليترقبوا تداعيات الجولة الحربية الاخيرة، التي خاضوها مع مقاتلين يجابهونهم على هضبة تعلو شوارعهم وازقتهم، ولا يفصل ما بين المنطقتين سوى شارع واحد، واحياء صغيرة اسماؤها غير مألوفة.

 

باب التبانة

داخل احياء "باب التبانة" شيء من الفقر ينهش واجهة الابنية، التي لا يكاد النهار يبدأ الا ويلتحم الضجيج بأفقها الباطوني الكثيف المتراكم فوق بعضه البعض، مشكلاً كتلة اسمنتية من أحزمة البؤس. تعيش في تلك الأبنية المهترئة وشبه المدمرة و"المفقوعة"، بسبب التقنيص والرصاص الطائش وشظايا "الانرغا"، عائلات واسر خلّفها الفقر هناك لتقتات الزمن بكل مرارته. يتلاءم الناس في تلك البيوت الصغيرة مع حياة الضجيج العارم وببقايا اساليب يومية توحي بالشقاء الدائم. هنا لا يعود الهم اليومي مرتبطا بضجيج الحياة، أكثر من انتظار لحظة موت بطيئة ولأسباب وجيهة ربما، يصبح الحديث عن الموت امرا عاديا ومكررا في مجتمع ينهشه العوز وتقيده القلة.
في الشوارع الداخلية تمر الساعات ثقيلة ورتيبة. ابنية باهتة ومحال صغيرة وكامدة. جدران مليئة بالكتابات السوداء، والشعارات التي لا يزال بعضها صامدا منذ ايام الحرب الاهلية. جدران علقت عليها صور لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان والشيخ عدنان العرعور، وأخرى لمجازر في حمص ولافتات تناصر الشعب السوري. حوادث سوريا حاضرة في كل جلسة في التبانة، ونصرة شعبها كما يقول محمد فرحات "واجب شرعي وانساني"، وهنا نقطة الجدال السياسي بين المنطقتين.
على الجدران ايضا رمز النضال في المنطقة "ابو عربي" عكاوي. يحلفون بالرجل تأكيدا لصدقهم ويتمنون عودته لينصرهم كما نصرهم سابقا. يقول فؤاد طرابيشي:" يا ريت في رجل طرابلسي يشبه ابو عربي". حماس الشباب الى الكلام يرافقه كثير من الحذر. يتوقف الكلام الامني، لنسألهم عن اوضاعهم المعيشية. وهنا تعلو ضحكات هستيرية. "وضع معيشي؟" يسأل الشاب العشريني بسخرية ليضيف: "يا عمي نحنا مدفونون في هذه الحياة. لا نعرف مصير منطقتنا ونحن فقط مستعدون للموت". عن اي موت يتحدث؟ تسأله، فيجيب: "الموت بكل معانيه. نحن هنا نتهيأ للموت لأننا لسنا احياء اصلا. هل تعتبر اننا نعيش ونحن في ظل فقر مدقع واوضاع اقتصادية بائسة؟". وكأنك فتحت الباب مشرعا لكثير من التعليقات من الشباب الذين يستمعون الى حديثنا، وبين ايديهم "نباريش" الاراكيل يضيف كل منهم ما هو محبوس في فمه. "لا اشغال ولا اعمال وكل شيء سيئ" وفق ربيع.م. (26 سنة). ربيع خطب مرتين ولم يستطع ان يتزوج "الوضع الاقتصادي سيئ للغاية ولا قدرة على الزواج. والشقة في التبانة صار سعرها 50 الف دولار. من معه في هذه الايام دولار واحد في جيبه؟" إذاً لا عمل وسط بطالة مخيبة للآمال وضمن بيئة فقيرة يجتاحها الخوف من المجهول. هربا من هذا الواقع تبقى المقاهي الشعبية الصغيرة مرتعا لهؤلاء الشبان الذين لا يعملون. يتجمعون حو ل"نفس" النرجيلة ويتحدثون عن حال منطقتهم. نفس النرجيلة في التبانة لا يتعدى ثمنه الـ1500 ليرة. وايضا الدفع لا يكون مسبقا بل مذيلا بحساب دين طويل، يدونه رامي (صاحب المقهى) بمضض، مؤكدا ان الاحوال تعيسة للغاية و"علينا ان نتحمل بعضنا". في النهاية نحن ابناء منطقة واحدة، وكلنا نعرف حقيقة الظروف التي نعيشها وبالتالي "مندير بالنا ع بعض".
حال المرارة هذه، يقابلها الكثير من التلاحم، فيشبّه لنا احد الشبان باب التبانة بـ"باب الحارة" في المسلسل السوري الشهير. عادات وتقاليد لا تزال راسخة في اذهان الناس هنا لم تندثر. الإلفة ما بين العائلات "خصوصا اثناء المعارك" كما يقول. حيث تتحول ساحة الحرب الى "خلية نحل" فيها المساعدة والتعاون بين نساء الحي ليؤمنوا العتاد والزاد للمقاتلين من ابنائهم وابناء احياء اخرى.
الجولة في "باب التبانة" تبث شعورا بالالم على حال اهلها. من شارع حرز الجبنة وبعل الدقور الى شارع الجهاد والشل وحي ابو عربي والبزار الى سوق الخضار... الحال عينها. شوارع مكتظة بالسكان لكنهم لا يظهرون. ضجيجهم كفيل بإظهارهم. محال مختلطة قرب بعضها البعض تبيع كل شيء اجمالا. وعروض مختلفة تساير ظروف الناس المعيشية، "وعلى رغم ذلك القدرة الشرائية خفيفة وفي بعض الاحيان معدومة" وفق ابو خالد، احد بائعي السمانة في حي "السبيل".
نكمل جولتنا ويبدو ان آثار المعارك لا تزال حاضرة في النفوس وفي المشهد. فلا تستمتع الحاجة جميلة (54 عاماً) بـ"شرب نفس النرجيلة" بهدوء. تتوقع على الدوام ان "تشتعل" المعارك ما بين لحظة وأخرى. وعلى رغم ان بيتها يقع في حي داخلي من "باب التبانة" (بعل الدقور) الا انها تشعر بالتوتر دائماً. تجلس هي وجاراتها على شرفة شقتها الصغيرة المكونة من 3 غرف ينام فيها 9 اشخاص، اضافة الى زوجها. زوجها يعمل في "لمّ التنك" ويبيعه عند المرفأ قرب "السقي" بأسعار بخسة حتى يحصل على بضع ألوف من الليرات "يستر" بها عائلته ويطعمها. الوضع الأمني يؤثر دائماً على حياة السكان في "باب التبانة"، وحالهم مثل حال سكان "جبل محسن". تتحدث الحاجة جميلة عن وضع زوجها "المتخبط واللامستقر مثل وضع هذه المنطقة" كما تقول، وتضيف بحسرة: "يوم بيشتغل ويوم ما بيشتغل. وحين "تعلق" (تشتعل الاشتباكات) تصبح حالنا مزرية. يأكلنا الفقر على الرغم من ان بعض الجهات تقدم لنا المساعدات والمؤن" (في اشارة الى جهات سياسية نافذة في المدينة).

 

وجبل محسن

الجلسة على رغم هدوئها لا توحي بالطمأنينة للنسوة اللواتي يرتدين عباءات سوداء ويرتشفن القهوة بعجل. الانتظار والترقب هما سيدا الموقف هنا في "باب التبانة". وحين نصعد الى فوق(جبل محسن) الحال لا يتبدل. عشرات العائلات تركت بيوتها وانتقلت الى بيوت اقاربها خوفاً من "عودة الاشتباكات". والمسؤولون السياسيون في "الجبل" يؤكدون ان هناك محاولة لـ"زج المنطقتين في مشروع فتنة يفيد منه اعداء لبنان".
الفقر اياه يتغلغل في بيوت حي المهاجرين و"بعل الدراويش" و"الحارة الجديدة" في جبل محسن، حيث مشاهد الفقر والتشويه العمراني. وحدها صورة رفعت لعلي عيد، الشاب الذي يعول عليه اهالي المنطقة في مسيرة طائفة تعتبر نفسها "اقلية"، تتصدر واجهة احدى البنايات مكتوب عليها: "حامل الأمانة". في الشارع الرئيس ابنية عادية، تسكنها عائلات متوسطة الحال. سكان يعيشون من مهن مختلفة، لكن معظمهم يتوزع في مجالات المقاولات وصناعة الالبسة وتجارة الموبيليا، وبعضهم الآخر يخدم في السلك العسكري، الذي يطالبون بان تتم ترقية ابنائهم فيه مثلهم مثل باقي ابناء هذا البلد. هم، كما يرددون ويفتخرون، "جزء من نسيج طرابلس الاجتماعي"، لكنهم في الوقت عينه ملتزمون خطهم السياسي الواضح والصريح والذي لا يتنازلون عنه: "خط الممانعة". ليست سوريا من تسكن لبنان عبر اهالي الجبل، فهم يرفضون ان يتم وصفهم كـ"فيلق" تابع للنظام السوري واعوانه. لكنهم ملتزمون سوريا ونظامها.
تتكدس البيوت فوق بعضها في هذه الأحياء الضيقة، عامرة بشبان يستمتعون برشف فناجين "المتة" وبمشاهدة المسلسلات السورية في وسط الشارع، أو داخل المقاهي الصغيرة العتيقة. تقول السيدة منال الماما (47 عاماً) انها تعيش بهدوء اعتيادي، ولكنها تخاف دائماً من أن تعود الحوادث الامنية الى الواجهة فتحذر أولادها، وتطلب منهم العودة باكراً في المساء. وعادة لا تكون سهرات هؤلاء الشبان خارج أحيائهم. أولاً لحساسية أوضاعها الأمنية، وثانياً لعدم قدرتهم على التمتع بسهرات شبه مكلفة خارج مقاهي حاراتهم. تشتري نساء جبل محسن كل الخضار من سوق الخضار في باب التبانة وتؤكد السيدة منال ان "هناك شبه احتكاك يومي بين اهالي المنطقتين"، مشيرة الى انها تتمنى لو ان الأوضاع تبقى على هدوئها الحالي، وان لا تشعر هي ومحيطها بالخوف من ان "تعلق" مجدداً.
نتجول داخل احياء الجبل، نمضي في الشوارع الضيقة الى "الحارة الجديدة" الواقعة قرب خط تماس مباشر مع باب التبانة. بيوت وابنية مهدمة ومهملة ومنسية، متروكة للزمن. مقهى صغير اسمه غريب "مقهى الضبع". هنا تتوزع مقاعد خشبية مهترئة في باحته الخارجية حيث بائع المصبات ربيع محمد (31 عاما) يجلس مع شبان عاطلين عن العمل. وهذه مشكلة "عويصة" لدى شباب الجبل، لان معظمهم لا يعمل، ويقضون معظم ساعاتهم في المقاهي الشعبية الصغيرة يحتسون القهوة و"المتّة" المشهورة هناك. نكمل رحلتنا ونصل الى "حي المهاجرين" الذي رمم "الصندوق الكويتي" واجهات ابنيته، لكن هذا الترميم لم يستطع محو لون الاهمال عن هذا الحي الفقير. ومن ثم ندخل في زواريب مشروع الحريري التي لا تزال بقع الدمار منتشرة على جدران ابنيته البيضاء. نصل الى شارع "الاميركان" الهادئ والذي تبدو بيوته الواطئة وابنيته الصغيرة ذات الطبقات القليلة مستكينة وخارجة عن المحيط. ننزل من الشارع الى "حي الوادي" ومن ثم الى زقاق "المحطة"، ثم تباعا نكمل جولتنا في شارع "الرمبوان" المنطقة الحديثة في جبل محسن. ثمن الشقة السكنية هناك يصل الى 250 الف دولار اميركي. بنايات حديثة، وثانوية جديدة قيد البناء، ومقاه شبابية مختلفة عن باقي مقاهي الجبل الشعبية. من هناك نتحول الى مطل على تخوم مخيم المنكوبين. مسجد السيدة فاطمة الزهراء يبدو شامخاً بقبته الخضراء. إمام المسجد الشيخ علي سليمان يقول ان "سوريا تمثل عمق العروبة والمقاومة ولذلك تتم محاسبتها"، مؤكدا ان "السنة في طرابلس والعلويين هم اخوة في الاسلام ولهم مصالح مشتركة وقرابات ومصاهرة، ولا يجب ان يتم اختزالها برأي سياسي". يعول سليمان على دور وسائل الاعلام في "تهدئة" الاوضاع واحياء السلام من خلال عملها الصحافي.
في الجولة لا تسأل السيدة الواقفة على "درابزين" شقتها في احد الزواريب عن الزائر. تقول لجارتها ان تستقبلنا في مدخل البناية الصغيرة ذات الطبقات الاربع والتي يعود بناؤها الى ستينات القرن الماضي حين بدأت تزدهر حركة البناء في الجبل. ترحب بنا بلا مقدمات وتسأل فقط عن القهوة التي نشربها. تدخل مطبخها الصغير وتخرج حاملة ركوة القهوة وهي تقول: "اهلا وسهلا". وبعد ان ننتهي من شرب فنجان القهوة تقول لنا السيدة "بيوتنا مشرعة ومفتوحة للجميع. نحن اهل كرم وضيافة واهل طرابلس اهلنا". وتلفت السيدة الخمسينية الى ان "الجبل" يعاني من مشكلات كثيرة ليس اقلها الطرق غير المزفتة وقلة المدارس والاستشفاء النادر (يوجد مستوصفان تابعان لجمعيات خيرية وحزبية) وتقول وهي تتنهد: "يا ريت الدولة تنظر الينا وتعتبرنا مواطنين من الدرجة الثانية".
فوق او تحت لا فرق. الجو هو نفسه والاحتقان، على رغم الكلام "الرومانسي" الذي يردده بعض المتفائلين امنياً، لا يزال حاضراً بقوة. حركة دؤوبة للمسلحين في الخفاء وكلام سياسي كثير ومتراكم يشعل الحساسيات ويوتر الجو في منطقتين تحاولان دائماً الخروج من الأزمات، لكنهما، دائماً، على شفير "الاشتعال".

 

 

 
النهار..ريتا صفير

تفجيرا حلب وتفاقم الأحداث في حمص تُضاعف قلق السلطات الكنسية  

ازدياد اللاجئين المسيحيين على الحدود في ظلّ رقابة عسكرية مشدّدة  

 

مع تزايد اعمال العنف في سوريا، وبالتزامن مع معطيات عن انقسام طائفي يتهدد البلاد، تعود الى الواجهة مسألة اوضاع الاقليات، وخصوصاً المسيحية منها. واذا كان النداء الذي وجهه البابا بينيديكتوس السادس عشر الأحد الماضي يكتسب اهمية ولا سيما في دعوته الحكومة السورية الى الاعتراف بطموحات شعبها المشروعة وبدء حوار وطني لإنهاء العنف والتجاوب مع مخاوف المجتمع الدولي في شأن القتل، فان توقيت الاعلان ومضمونه لا يبدوان منفصلين عن سلسلة معطيات باتت في متناول السلطات الكنسية في الفترة الأخيرة، وفقاً لمصادر ديبلوماسية معنية.
ووقت شكل مقتل الاب باسيليوس نصار في حماه احد "أجراس الانذار" المتزايدة التي سرعت وتيرة العمل على هذا الملف، فان الحادث تزامن مع معلومات أمست في متناول المعنيين وخصوصاً بعد تفاقم الأحداث في حمص وتفجيري حلب. خلاصتها ان المجموعة المسيحية باتت تخضع لقمع مزدوج، واحدهما وحشي ينفذه النظام وأجهزة مخابراته، والآخر عنيف يرتبط بالاسلام التكفيري والراديكالي المسلح.
وثمة روايات متعددة المصدر عن محاولات تضييق تعرضت لها بعض الطوائف والكنائس ولا سيما خلال احيائها احتفالات الميلاد. لعل ابرزها ما نقله الاعلام الكاثوليكي والفاتيكاني عن مطران الموارنة في دمشق سمير نصار عن ان حضور الاحتفالات  في عدد من الكنائس لم يتجاوز عشرات الاشخاص، فشهادات لرئيسات اديرة عن موانع حالت دون رفع بعض الشعائر المسيحية في مناطق وفي مناسبات معينة. وضاعف من هذا الواقع كلام للسفير البابوي في سوريا ماريو زيناري عن تردّي أوضاع الأديرة التي قطعت خطوط الاتصال معها في حمص، فيما تتكرّر المعطيات عن مجموعات مسلحة باتت خارجة عن اي رقابة وتسعى الى فرض سيطرتها. وهذه كلها مؤشرات تعكس وفقاً لمصادر معنية، جانباً من خلفيات النداءات الكنسية ولا سيما عبر الدعوة الى حل سلمي وسريع للازمة السورية.
ويبدو انه لم تغب عن التقارير المتعددة الجهة، مؤشرات واضحة الى الواقع الاقتصادي والمعيشي المتردّي والنقص في المواد الاولية كالبنزين والغاز والكهرباء، الى آثار التضخم التي تفعل فعلها، وسط ارتفاع منسوب القلق حيال واقع الكنائس في هذا الجزء من العالم. وينقل مسؤولون كنسيون في سوريا كلاماً متزايداً عن تفكير شباب سوريين كثر بالرحيل في اتجاه لبنان حيث "نبض الكنيسة"، علماً ان هذا الأمر بات دقيقاً بسبب الرقابة العسكرية، على قولهم. وتشير الصحيفة الكاثوليكية العريقة "افينير" الى ارتفاع عدد اللاجئين المسيحيين على حدود لبنان وخصوصاً في المناطق التي تشهد اشتباكات، بالتزامن مع مجموعة تساؤلات للمطران نصار. لبّها ان الأزمة في سوريا وصلت الى نقطة اللاعودة، في ظلّ التناحر المتواصل بين الاطراف. ويعلّق "كيف يمكن ان نحافظ على دورنا بين اسلامين متناقضين من دون ان نكون ضحية؟".
في أي حال، لا تفصل المصادر المعنية بين هذه الوقائع واعلان زيارة محتملة للبابا بينيديكتوس السادس عشر الى بيروت والتي يرجح ان تلقى ترجمتها في ايلول المقبل. ورغم تشديدها على ان تأكيد زيارات كهذه لا يتم الا قبل بضعة أسابيع من تاريخ حصولها، تتقاطع المعطيات عن تصدر برنامج جولته التي تأتي بعد 15 عاماً على الرحلة التي قام بها البابا الراحل يوحنا بولس الثاني الى بيروت، اعلانه ارشاداً رسولياً يختتم به اعمال سينودس الشرق الاوسط.
ويبدو ان ثمة سعياً الى ان تشكل الزيارة الاولى للبابا الحالي الى المنطقة في ظلّ التحولات المرافقة لـ"الربيع العربي"، مناسبة يبلور عبرها الكرسي الرسولي مواقف واضحة من التطورات الجارية. فحواها، تجديد تمسكه المتجذّر ومن بيروت، بالوجود المسيحي في هذا الجزء من العالم.

 

 


المصدر: جريدة الرأي العام الكويتية

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,918,730

عدد الزوار: 6,971,852

المتواجدون الآن: 93