الوقفان السني والشيعي في العراق

يرفضان الاندماج في مؤسسة واحدة

تاريخ الإضافة السبت 20 حزيران 2009 - 5:51 ص    عدد الزيارات 5361    التعليقات 0    القسم عربية

        


لم يكن تصويت مجلس محافظة بغداد الاسبوع الماضي بغالبية ساحة على اقتراح دمج الوقفين السني والشيعي في مؤسسة واحدة، كافيا لعودة الامور الى سابق عهدها ايام كانت وزارة الاوقاف والشؤون الدينية مشرفة على مجمل الاوقاف والشؤون الدينية لاكثر مذاهب العراق واديانه. وبمقدار حماسة التصويت على اقتراح الدمج، جبهت الخطوة بالرفض من رئاستي الوقفين اللذين ابديا استغرابهما الشديد للاقتراح، مؤكدين ان ذلك ليس من صلاحيات المجلس، وعبرا في الوقت عينه عن اعتقادهما ان ابقاء الاوضاع كما هي ضروري الآن، فهما يريان ان الافضل لكلتا الطائفتين ادارة شؤونها بشكل دقيق ومتخصص وتبعا لمعتقداتها.
ويشار الى ان ادارتي الوقفين كانتا منفصلتين خلال العهد الملكي (1921 – 1985)، لتتولى بعد ذلك وزارة الاوقاف والشؤون الدينية ادارتها عقودا طويلة الى حين الغائها عام 2003، نتيجة اخفاق مجلس الحكم العراقي في تسمية وزير للاوقاف والشؤون الدينية، بسبب الخلافات الطائفية والمذهبية للاطراف السياسيين آنذاك، وصار القرار في حينه الى حل الوزارة السابقة وانشاء ديوانين لادارة الوقف السني والوقف الشيعي، الى ديوان ثالث لادارة الوقف المسيحي والديانات الاخرى. ووضع قانون الرقم 19 المتعلق بادارة العتبات المقدسة الذي اقرته الجمعية الوطنية عام 2005، جميع مراقد الائمة الشيعة في كربلاء، والنجف والكاظمية وسامراء الى جانب الجوامع والحسينيات الشيعية تحت اشراف ديوان الوقف الشيعي، اثر مطالبات واسعة من رجال دين وشخصيات شيعية، فيما اقتصرت مهمة الوقف السني على الاشراف على الجوامع والمساجد السنية. وقد ادى ذلك الى موجة استياء في اوساط رجال الدين السنة، خصوصا انهم اشرفوا سنوات طويلة على ادارة بعض المراقد والعتبات والمساجد الشيعية مثل مرقد الامامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء ذات الغالبية السنية ومسجد سلمان الفارسي في قضاء المدائن جنوب بغداد ومرقد الصحابي انس بن مالك في مدينة البصرة.

 

اقتراح الدمج

ويعود موضوع المطالبة بالدمج الى تشرين الثاني 2007، حين طالب اطراف في الحكومة ولجنة الشؤون الدينية في مجلس النواب بدمج الوقفين تحت مسمى "ديوان الوقف الاسلامي" ولم يتم ذلك، فضلا عن المبادرة التي قادها حينه التيار الصدري وهيئة علماء المسلمين، على رغم ان الاخيرة كانت اول الداعين الى فصل الوقفين، لكن هذه المحاولات لم يكتب لها النجاح.
وجاء مسعى الدمج هذه المرة على شكل اقتراح حظي باجماع اعضاء مجلس محافظة بغداد، قدمه رئيس لجنة الشؤون الدينية في المجلس صالح الجزائري الذي صرح لـ"النهار"، بان "هدف اقتراح الدمج هو المساهمة في تفعيل مشروع المصالحة الوطنية وترك الطائفية والتلاحم بين ابناء الشعب العراقي، لاننا نشعر ان هذه الاهداف ظلت مجرد شعارات وهي في حاجة الى خطوة عملية فبادرنا الى محاولة ترجمتها عمليا".
وعن ردود فعل الوقفين على اقتراح الدمج، اعتبر الجزائري انه خضع لتفسير خاطئ لأن الامر لا يتعدى حدود "اقتراح دمج" من اجل رفعه الى مجلس النواب، لافتا الى ان "مجلس محافظة بغداد يعرف حدود صلاحياته، ويهمه أن يجد حلاً لبعض المشاكل العالقة بين الوقفين، وهي كثيرة لأن كلاً من الوقفين يدعي عائدية بعض الاماكن الوقفية اليه، وتاليا فان دمجهما ربما ادى في اعتقادنا الى تقليل حدة التوتر والتناحر بين الطرفين".
واستغرب موقف الوقفين الاسلاميين الرافض لاقتراح الدمج، عكس موقف الوقف المسيحي وبقية المذاهب التي رحبت بالفكرة، معتبرا ان "الذين رفضوا المقترح فضلوا مصالحهم الخاصة على مصلحة البلاد العامة".
وعلى رغم اقرار رئيس الوقف الشيعي صالح الحيدري بانطلاق بعض المقترحين لفكرة الدمج من "نيات طيبة" وانها فكرة قديمة ومطروحة سابقا، الا انه رفض موضوع الدمج باعتبار انه ليس من صلاحيات مجلس محافظة بغداد. وقال: "لو رجعنا الى قانون مجالس المحافظات، لم نجد على الاطلاق ان للمجلس حق الغاء القوانين، ونحن في حاجة الى جهات تشريعية من اجل الغاء قوانين الدواوين والاوقاف". واضاف: "بصرف النظر عن المسألة الدستورية انا اسأل: هل ان دواوين الاوقاف تزيد الفتنة الطائفية في العراق؟ واين الضرر عندما يتولى الاخوة المسيحيون ادارة كنائسهم ومعابدهم وكذا الحال بالنسبة الى الاخوة السنة وغيرهم من المذاهب، ومن دون هيمنة جهة او طرف على طرف؟".
ورأى نائب رئيس الوقف السني محمود الصميدعي ان "اغراضا سياسية" تقف وراء هذا الاقتراح ودعا الى "التعامل مع الواقع بشكل جدي واحترام التنوع المذهبي للمكونات"، مشددا على ان "هذا التصنيف ينطلق من مبادئ شرعية لا خلاف عليها، وان المجتمع العراقي هو مجتمع متنوع، ولا بد ان يكون هناك وقف للسنة والشيعة وغيرهم، وفق ما تجيء به مذاهبهم من آراء".

 

مال ونزاع طائفي

ويرى مراقبون ان الامر اكثر من مجرد توافر رغبة طيبة في الدمج لاعضاء مجلس محافظة بغداد والتصويت بغالبية ساحقة او رغبة فئة سياسية او اجتماعية معينة، بقدر ما يتعلق الامر بعنصرين اساسيين هما: المال والنزاع الطائفي.
اما الاموال فهي القضية الاكثر خطورة، اذ تتوافر لكلا الوقفين – بحسب مصادر مقربة منهما – مصادر تمويل ضخمة سواء من طريق الدعم الخارجي او الموارد المتأتية من الابنية والاراضي الوقفية ومداخيل المزارات ومراقد الائمة. وكان رئيس الوقف الشيعي السابق حسين بركة الشامي طالب عام 2005 باشراف الحكومة على اموال مراقد الائمة الشيعة بعد تنازع اطراف دينيين في النجف الاشرف على عائدات هذه المراقد. ووصف تلك الاموال بأنها "طائلة وتعادل مداخيل النفط". وربما كشفت هذه التفاصيل خطورة وحساسية الاموال الوقفية، اذ يلاحظ ان النزاع يمتد ليشمل ابناء المذهب الواحد، فضلا عن النزاع مع اتباع المذاهب الاخرى، فضلا عن الخلافات الحادة بين الوقفين على عائدية تلك الاوقاف، الامر الذي دفع الحكومة في وقت سابق الى محاولة التوسط بين الوقفين من اجل حل الخلافات القائمة بينهما. وتميل وجهة النظر الاقرب الى الواقع الى بقاء الوقفين المنفصلين على رغم كل محاولات الدمج والتقريب من حيث الاموال الكبيرة الداخلة في هذا الصراع، وما يترتب عليها من شبكة علاقات ومصالح متشابكة، فضلا عن علاقات التوتر القائمة بين الجهتين.


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,179,443

عدد الزوار: 6,759,239

المتواجدون الآن: 119