الاستراتيجية العسكرية الأميركية الجديدة لمواجهة التحدّي الصيني الصاعد

تاريخ الإضافة الثلاثاء 10 كانون الثاني 2012 - 6:43 ص    عدد الزيارات 2764    التعليقات 0    القسم دولية

        


الاستراتيجية العسكرية الأميركية الجديدة لمواجهة التحدّي الصيني الصاعد

وداعاً للحروب البريّة الطويلة واعتماد النموذج الليبي في النزاعات

واشنطن..هشام ملحم

 

في تحول تاريخي، تعتزم ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما اعتماد استراتيجية عسكرية جديدة تعكس متطلبات التطورات الاستراتيجية التي تواجهها الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، وخصوصا في منطقة شرق آسيا وتحديدا التحدي الصيني الصاعد، الى الازمة الاقتصادية وتفاقم العجز المالي الفيديرالي الذي تقتضي معالجته خفض الانفاق الحكومي بما في ذلك خفض الانفاق العسكري بقمية 487 مليار دولار خلال العقد المقبل.
الاستراتيجية الجديدة تقول عمليا: وداعا لأي حرب برية طويلة في المستقبل على طراز حربي العراق وافغانستان. وهذا ما عناه الرئيس اوباما الذي اعلن الاستراتيجية الجديدة حين قال ان الولايات المتحدة "تقلب الصفحة على عقد من الحرب". وسوف تؤدي الاستراتيجية الجديدة الى تكثيف الحضور الاميركي العسكري في منطقة "آسيا – المحيط الهادئ" كما اوضح، لكنها ستبقي التعاون الوثيق مع حلف شمال الاطلسي، كما تبقى "في حال متيقظة، وخصوصا في الشرق الاوسط، وتحديدا من حيث التصدي لايران.
ولخص رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الاستراتيجية بقوله: "الاستراتيجية تتحدث عن تحول في المستقبل. وجميع الانماط الديموغرافية والجيوبوليتيكية والاقتصادية والعسكرية تتحول في اتجاه المحيط الهادئ. لذلك فإن تحدياتنا الاستراتيجية في المستقبل سوف تنبثق من منطقة المحيط الهادئ، ولكن ايضا من الدول الواقعة على ساحل المحيد الهندي" وذلك في اشارة ضمنية إلى المنطقة الممتدة من جنوب آسيا الى الخليج العربي.

 

"حرب ونصف حرب"

وتقضي الاستراتيجية الجديدة بإعادة هيكلة القوات الاميركية المسلحة جذريا وهذا يعني، كما افاد اوباما، التخلي عن انظمة عسكرية قديمة باقية منذ حقبة الحرب الباردة، بما في ذلك تقليص الترسانة النووية الاميركية والفرق المدرعة الكبيرة (التي كان يفترض ان تحارب الاتحاد السوفياتي في سهول اوروبا)، وخفض عديد القوات الاميركية المنتشرة في اوروبا، والبالغ الآن 80 الف رجل، وفي المقابل الاستثمار في بناء القدرات الضرورية للانتصار في النزاعات المستقبلية، مثل الاستخبارات والاستطلاع، ومكافحة الارهاب، والتصدي لأسلحة الدمار الشامل، واستخدام الطائرات من دون طيار، والقوة الجوية (كما كان الحال في ليبيا) والمواجهات الالكترونية، وتطوير القوات الخاصة.
وبموجب الاستراتيجية الجديدة سوف تخفض عديد القوات البرية من 570 الف رجل الى 490 رجل خلال العقد المقبل، وهذا يعكس الرغبة القوية، بعد التجربة الكارثية في العراق وافغانستان، في تفادي التورط في حروب برية طويلة الامد ضد حركات تمرد او القيام بعمليات "بناء الامم". ويقتضي خفض حجم القوات الاميركية بدوره تعويض ذلك من خلال الاعتماد اكثر على العمل العسكري المشترك مع الحلفاء، والاستخدام المكثف للقوة الجوية، كما جرى خلال النزاع في ليبيا.
وسوف تتخلى الولايات المتحدة للمرة الاولى منذ اكثر من 60 سنة عن احد اهم المبادئ التي بنت عليها استراتيجيتها السابقة خلال الحرب الباردة، اي الاحتفاظ بالقدرة على خوض حربين بريتين في آن واحد. وتدعو الاستراتيجية الجديدة الى الاحتفاظ بقدرات تسمح "بهزيمة عدوان واحد في مسرح حربي" وفي الوقت عينه "منع اي عدو انتهازي من تحقيق اهدافه، او ارغامه على دفع ثمن غير مقبول، في مسرح آخر".
ويقول المخططون العسكريون ان "نموذج" خوض حربين في وقت واحد هو من مخلفات حقبة الحرب الباردة عندما كان الافتراض ان الولايات المتحدة يمكن ان تجد نفسها في حرب على المسرح الاوروبي ضد قوات حلف فرصوفيا السابق، ثم تجد نفسها في مواجهة عدوان "انتهازي" في آسيا (كوريا الشمالية) يستغل انشغالها في حرب اوروبية. عمليا، تعني الاستراتيجية الجديدة انه عوض خوض حربين معا، ستكون الولايات المتحدة قادرة على خوض حرب ونصف حرب، وهذا ما تعنيه عبارة حرمان العدو الانتهازي تحقيق اهدافه او ارغامه على دفع ثمن غير مقبول من خلال الاستخدام المكثف للقوة الجوية الصاروخية.
هذا التحول في الاستراتيجية العسكرية كان من الاهداف التي ركز عليها منتقدو الاستراتيجية الجديدة بمن فيهم بعض المنظرين من فريق "المحافظين الجدد" الذين رأوا في ذلك "تقهقرا" عسكريا مسبقا، سوف يشجع اعداء الولايات المتحدة مثل ايران على تحدي مصالحها ومصالح حلفائها. وفي الاشهر الاخيرة بدأت هذه الاصوات المعادية لايران بتشكيل ما يمكن وصفه الآن بجوقة تدعو الى التفكير جديا في استخدام القوة العسكرية ضد إيران من أجل ضرب عصفورين بحجر واحد، أي تدمير المنشآت النووية الايرانية وتقليص القدرة الايرانية على التدخل السلبي في العراق.

 

الحفاظ على التفوق

ولكن على رغم هذه الخفوضات المالية والبشرية في المؤسسة العسكرية الاميركية، فان واشنطن مصممة على صون تفوقها العسكري النوعي والتقني.
وكما قال اوباما فان الموازنة العسكرية "سوف تبقى أكبر من مجموع الموازنات العسكرية للدول العشر "التي تلي الولايات المتحدة. كما ان موازنة وزارة الدفاع سوف تنمو في العقد المقبل، كي تتماشى مع معدلات التضخم. وسوف يقتطع سكين خفض الموازنة تمويل بناء طائرات مقاتلة جديدة، من أجل تمويل برامج تطوير فاعلية الطائرات من دون طيار. كما أن الخطط الجديدة لا تدعو الى خفض عدد حاملات الطائرات (11 حاملة) نظراً الى اهمية الاحتفاظ بالقدرة على نشر القوات في اي بقعة من بقاع العالم وخصوصاً في شرق آسيا لحرمان الصين تحويل تلك المنطقة من المحيط الهادئ بحيرة صينية، ومن أجل ردع ايران في منطقة الخليج وبحر العرب. وهناك مقاومة كبيرة لأي خفوضات جديدة في سلاح البحرية لأنه يتقلص باستمرار منذ نهاية الحرب الباردة عندما كانت البحرية الاميركية تملك 546 سفينة، بينما تلك الآن 284 سفينة، وهو أقل عدد منذ عقد الثلاثينات من القرن الماضي.
وليس من المبالغة القول إن اوباما الذي يريد استخدام هذه الاستراتيجية الجديدة في معركته الانتخابية، يريد أن يقول من خلالها للاميركيين إنه نفذ وعده بانهاء حرب العراق، وبأنه ينهي تدريجاً التورط الاميركي في افغانستان، وذلك وقت تقلص الولايات المتحدة اعتمادها على نفط الخليج (الذي تستورد منه أقل من 10 في المئة من حاجاتها النفطية)، وبأنه سوف يستثمر أكثر في المنطقة التي ستحدد الى حد كبير مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية والاستراتيجية خلال العقود المقبلة، اي شرق آسيا، ليس فقط نتيجة صعود الصين الاستراتيجي والاقتصادي، بل أيضاً نتيجة النمو الاقتصادي لدول المنطقة التي تريد واشنطن الاستفادة من اسواقها والتجارة معها.
ولاحظ الجنرال الأميركي المتقاعد مارك كيميت في حوار مع "النهار" ان التحول الاستراتيجي الى منطقة شرق آسيا "سوف يوجد مشاعر ارتياح في طهران".
وقال كيميت الذي خدم في العراق وكان مسؤولاً في وزارة الخارجية خلال ولاية الرئيس جورج بوش: "حتى لو أردنا الخروج من الشرق الأوسط، فان الشرق الأوسط سيرغمنا على البقاء فيه... لدينا التزامات لأصدقائنا، ويهمنا حماية الممرات المائية ومواصلة مكافحة الارهاب". ورأى ان ايران لا تزال تشكل خطراً حقيقياً على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وان حلفاء واشنطن في المنطقة لم يبنوا تحالفاً قوياً يعطيهم القدرة على ردع ايران وحدهم، ولذا فان الوجود العسكري الاميركي في منطقة الخليج "سيبقى حيوياً وضرورياً". وخلص الى انه "في المستقبل يجب أن نركز أكثر على شرق آسيا، لكن ذلك يجب ألا يكون على حساب الشرق الأوسط".

 


المصدر: جريدة النهار

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024..

 الأحد 28 نيسان 2024 - 12:35 م

المرصد الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا — أبريل/نيسان 2024.. حول التقرير.. ملخصات التقرير … تتمة »

عدد الزيارات: 154,662,781

عدد الزوار: 6,959,995

المتواجدون الآن: 60