أبو السكر: الأردن متردد في سورية وحماس النقطة الأضعف

الأردن الناجي من حروب الـ«أهِلّة» يستقبل هلال الثورة السورية وعينه على «اخوانه»

تاريخ الإضافة الجمعة 23 أيلول 2011 - 5:12 ص    عدد الزيارات 3049    التعليقات 0    القسم عربية

        


الأردن الناجي من حروب الـ«أهِلّة» يستقبل هلال الثورة السورية وعينه على «اخوانه»
الخميس, 22 سبتمبر 2011
عمان – حازم الأمين

الأردن أكثر «واقعية» في استقباله الحدث السوري من لبنان. صحيح ان لا انقسام فعلياً في عمان حول ما يجري في دمشق، وان مشاعر الاردنيين منسجمة في انحيازها لحركة الاحتجاج السورية، في حين يقف أكثر من نصف اللبنانيين مع النظام السوري وأكثر من نصفهم أيضاً مع المحتجين، الا ان الاردن يلتقط المشهد السوري بعقله لا بعواطفه. فثمة حسابات تجريها الدولة قبل اعلان انحيازها الى المحتجين في الدولة الجارة، وثمة أيضاً حسابات موازية تجريها جماعة الأخوان المسلمين الأردنيين في سياق وفي صلب ادانتها المستجدة للنظام في سورية. وبين هذين الالتباسين يرصد المراقب ان سورية في الاردن هي الاخوان المسلمون السوريون الذين استقبلت المملكة آلافاً منهم في ثمانينات القرن الماضي، وهي محال الحلوى التي افتتحوها هم انفسهم في عمان، وهي أيضاً أكثر من ثلاثة آلاف طالب أردني في الجامعات السورية، وهي تبادل تجاري واسع وغير صاخب بين البلدين. وسورية أيضاً حركة حماس، ابنة الاخوان المسلمين الأردنيين بداية، وأمهم لاحقاً، وسورية الطريق الى الجهاد في العراق والى السياحة في لبنان.

لا مودة تقليدياً بين النظامين السياسيين الاردني والسوري، وفي المقابل ربطت جماعة الاخوان المسلمين الاردنيين علاقة سياسية ايجابية بنظام البعث. الانتفاضة السورية أحدثت على ما يبدو شبه تبدل في المواقع، صحيح ان الحكومة الاردنية لا تقف اليوم الى جانب النظام في سورية، الا أنها أيضاً في موقع شبه محايد لجهة هذه الانتفاضة، وهو أمر يكفي دمشق على ما يبدو. اما الأخوان المسلمون في الاردن فقد انتقلوا الى موقع المحرض على نظام البعث في دمشق، وبعد ان كانوا قد وضعوا ملف مجزرة حماه الأولى في درج قديم، مقدمين عليه ملف استقبال دمشق قيادة ابنتهم حماس، عادوا اليوم ليستبدلوا الملفات، وهو ما دفع مراقب أردني الى القول بان اخوان الاردن باعوا حماس بإخوان سورية. وهذه مبالغة طبعاً، انما لا تخلو من حقيقة.

في موقف الحكومة الاردنية الحذر من الانتفاضة السورية قدر من الواقعية المريرة، فالحسابات التي يجريها مطبخ القرار الاردني لا مكان فيها على الاطلاق لغير المصالح، فيما يستعاض عن المشاعر بأنواع مدروسة من أنشطة التضامن المدني والحزبي. صحيح ان الاردن جزء من تحالف اقليمي ودولي أعلن موقفاً حاسماً من النظام في سورية، الا ان المملكة معفية حتى الآن من الاندراج الواضح والصريح في هذا الموقف.

يُذكر موقع الاردن الرسمي والسياسي من الانتفاضة السورية بموقعه من العراق خلال غزوه الكويت ثم السنوات التي تلته. فقد تفهم المجتمع الدولي في حينها ضائقة الاردن، فالملك حسين أسس لنفسه موقعاً عبقرياً مما جرى في حينه. لم يكف الاردن عن كونه حليفاً للغرب، ولم ينخرط في مواجهة مع صدام حسين. الابتعاد عن الغرب يهدد المملكة من الخارج، والابتعاد عن العراق يهددها من الداخل، فكان ان استثمر الملك الراحل في الموقعين، وبدل ان يهتز الاردن بفعل الحرب ومن بعدها الحصار، تعزز موقعه كحلقة وصل ضرورية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وفي اللحظة التي شعر فيها النظام السياسي في الاردن ان ساعة صدام قد حانت، فتح أراضيه واجواءه لطائرات التحالف الغربي.

ما يتسرب من مطبخ القرار في الاردن اليوم هو ان المملكة لا ترى ان ساعة النظام في سورية قريبة. صحيح ان الرئيس السوري بشار الأسد ارتكب من الأخطاء ما لا يمكن العودة عنه، وان سورية قبل الانتفاضة هي غير سورية بعدها، وانه صار من المستحيل على دمشق ان تستعيد قبول العالم بها، الا ان المؤشرات بحسب مطبخ القرار في عمان تدل على ان النظام في سورية ما زال متماسكاً والجيش أيضاً، وما زالت للأسد قاعدة اجتماعية واقتصادية تساعده على الصمود.

لكن يبدو ان للحذر الاردني الرسمي مما يجري في سورية جذوراً أخرى أيضاً، فشعور النخب الحاكمة في الاردن، السياسية والأمنية بأن سورية ذاهبة باتجاه تعاظم نفوذ الاسلاميين فيها، يضيق على المملكة هامش التحرك في دعم الانتفاضة. والاخوان المسلمون في الاردن لا يخفون حقيقة انتظارهم «النصر» في سورية لكي يستثمروه في الاردن. هذا ما قاله حرفياً لـ»الحياة» رئيس الدائرة السياسية لحزب جبهة العمل الاسلامي (الذراع السياسية للأخوان في الاردن) زكي بن ارشيد.

ويبدو الاردن الرسمي محقاً في مخاوفه من اخوانه»، ذاك ان الموجة الاخوانية الممتدة من تونس الى مصر واليمن وليبيا، ستصيب المملكة اذا ما وصلت الى سورية. والمؤشرات التي يلتقطها النظام في الاردن غير مطمئنة حيال الأخوان الأردنيين، والريبة التي خلفها انتقالهم السريع من موقع الحليف الى موقع الخصم للنظام في سورية تبدو في مكانها، اذ انها تكشف «براغماتية» من نمط براغماتية أحزاب السلطة لا المعارضة. ولعل ما قالته مصادر في الاردن لـ»الحياة» ونفاه رئيس مجلس الشورى في حزب جبهة العمل الاسلامي علي ابو السكر عن ان الاخوان في الاردن قدموا عرضاً للحكومة بالمساعدة على وقف الاحتجاجات المطالبة بالاصلاح في المملكة مقابل تقديم تسهيلات لوجستية لدعم الانتفاضة السورية، يكشف، في حال كان صحيحاً، انجذاب اخوان الاردن الى «القضية السورية» بما يفوق انجذابهم الى الاصلاحات في الاردن.

المصدر الذي أكد لـ»الحياة» تقديم الاخوان هذا العرض للسلطة في الاردن قال ان السلطة رفضته انطلاقاً من ادراكها انه نوع من تأجيل للمعركة تفتعله جماعة الاخوان في انتظار تعزيز موقعها في حال تغيرت الأوضاع في سورية. ثم ان الظروف الحالية في عمان تجعل من احتمال صحة هذا العرض ممكنة ومن احتمال رفض الحكومة له ممكن أيضاً. فمن جهة يمكن تلمس عدم اندفاع الاخوان في «الحراك الاردني» على نحو واضح، ومؤشرات عدم الاندفاع كثيرة ومنها وقوف الاردنيين من أصل فلسطيني على الحياد تقريباً منه، ومنها أيضاً مقاطعة الاخوان، وان كانت مبررة بأسباب أخرى، للجان الحوار ولجنة التعديلات الدستورية، ولكن الوجه الابرز لعدم الاندفاع تتمثل في ان قدرة «الحراك» على الحشد في التظاهرات ما زالت دون قدرة الاخوان الفعلية. اما رفض الحكومة العرض الاخواني المحتمل فسببه أولاً شعورها بعدم خطورة «الحراك» وعدم اتساعه وتهديده مستقبل النظام، فتصبح المقايضة هنا غير مربحة، اذ ان دعم الانتفاضة في سورية «لوجستياً» سيساعد اخوان الاردن في الاستقواء على حكومة عمان لاحقاً.

لكن الاردن منخرط بحركة شعبية ومدنية داعمة للانتفاضة السورية، وصحيح ان الاخوان هم عصب هذه الحركة، وان جمعاً من المثقفين والصحافيين هم في صلبها، انما لا يبدو ان موقف الحكومة وموقعها زاجر على هذا الصعيد، فمثلما كانت القاعدة الاجتماعية والعشائرية والطائفية لنظام صدام حسين تُصعب على الحكومة في المملكة الانخراط في حلف الحرب على ذلك النظام بسبب امتداداتها الاردنية، تُصعب هذه الامتدادات أيضاً على المملكة اليوم الوقوف الصريح على الحياد من الانتفاضة السورية. المسؤولون الاردنيون يستهولون في جلساتهم مستوى العنف الذي بلغه نظام البعث في مواجهة السكان في سورية، ويشيرون الى صعوبة بقاء النظام مثلما يشيرون الى صعوبة سقوطه. لكن القدر عبثي الى حد يجعل من موقع الاردن بحكومته واخوانه وصحافته ونخبه غريباً في مختلف المراحل. فالشكوى السابقة من علاقة الاخوان المسلمين بالنظام في دمشق انقلبت اليوم الى شكوى من علاقتهم بمعارضي هذا النظام. والمرارة في العلاقة بين اخوان سورية واخوان الاردن انقلبت الى مودة بين ليلة وضحاها.

«حماس»

اما حركة «حماس» المقيمة في دمشق والمولودة في عمان فلها في الاردن قصة مختلفة هذه الأيام. قصة متصلة بقدر الاخوان المسلمين بصفتهم تنظيماً عابراً للحدود من جهة، وبصفته أيضاً أسير هذه الحدود. فثمة تنظيم دولي للاخوان يتولى رأب الصدوع «الوطنية» التي تصيب العلاقة بين فروعه، ورأب الصدوع غالباً ما يكون على حساب أحد الفروع. في السابق تولى التنظيم الدولـــي رأب الصدع بين فرعه الأردني وفرعه السوري جراء تحالف الأول مع عدو الثاني. واليوم وقد اندمل جرح السوريين في التنظيم، يتولى التنظيم الدولي اعادة تظهير العلاقة بين أخوان الاردن وقيادة حركة حماس في دمشق، يساعده على ذلك عدم انجراف «حماس» في موقف داعم وصريح للنظام في سورية واكتفائها بالصمت حيال ما يجري هناك.

ومن جهة يبدي الاخوان المسلمون في الاردن تفهماً مريراً لموقع حماس من مستجدات الوضع في سورية، لكنهم من جهة أخرى لا يخفون تطلبهم منها لجهة مزيد من الابتـــعاد عن النظام. وتكشف وسائل الاعلام الاخوانية فصولاً من تأزم موقع حماس في دمشق، فتنشر صحيفة «السبيل» الأخوانية في عددها الصادر في 13 أيلول (سبتمبر) تحقيقاً موسعاً عن وقف ايــــران مساعداتها المالية لـ «حماس» بسبب امتناع الأخيرة عن ابداء التأييد الشعبي والتضامن مع النظام في سورية. ونشر «السبيل» لهذا التحقيق هو بمثابة اعلان رسمي من الحركة الفلسطينية عن تأزم علاقتها بايران، فالصحيفة الاردنية نقلت الخبر عن مصدر مقرب من حركة حماس في غزة، وهي ما كانت لتفعل ذلك لولا ان «حماس» أرادت قول ما قالته صحيفتها في الاردن.

وما نشرته «السبيل» لم يكن جديداً على مستوى ما يتم تداوله في الأردن، لكن الجديد فيه هو اعلانه رسمياً. لكن المعلومات المتداولة في عمان تتعداه الى مضايقات يتعرض لها الناشطون الحمساويون المقيمون في دمشق، والى ان العقاب المالي الايراني يتعدى حماس الى حركة الجهاد الاسلامي الأكثر قرباً من طهران.

يشير اخواني اردني الى «ان حركة الاخوان في الاردن تتفهم موقع حماس تماماً مثلما كان مطلوباً من اخوان العراق الذين اضطهدهم صدام حسين تفهم لجوء اخوان سورية الى نظام البعث في بغداد بعد طردهم من سورية». انها لعبة الدومينو الاخوانية عينها، التي تتيح التنقل والمساومة، وتتيح لمرشد الاخوان السوريين في ايام المحنة في الثمانينات عدنان سعد الدين وصف صدام حسين بالفارس الكريم وتتيح لمرشد العراق وصفه بالقاتل والكافر، في حين يتولى التنظيم الدولي جسر العلاقة بين الوصفين.

وفي المحصلة يبدو الاردن خائفاً مرة جديدة من اهتزاز الاقليم. وقد استعاض في المعبر الحدودي بين الاردن وسورية (أ ف ب).jpg مخاوفه عن مقولة الهلال الشيعي بمقولة الهلال الاخواني. والمشكلة تكمن في ان هجاء الاردن جراء ابتكار ملكه عبارة الهلال الشيعي لم يُخفف منه اكتمال هذا الهلال وتحوله حقيقة وجزءاً من المشهد السياسي في المنطقة. واذا كانت الثورة في سورية قد أفضت الى ارتجاج في هذا الهلال الا انها أفضت أيضاً الى مزيد من الوضوح فيه، فهو كان مخترقاً ببعض الأجرام السنّية التي مثلتها «حماس» و»الجهاد» الفلسطينيتان، وببعض التمثيل السنّي السوري، أما اليوم فالهلال نقي بالكامل، ويرتسم في مقابله هلال آخر أخواني. والأردن محاصر بين الهلالين... لكنه لطالما نجا من حروب الأهِلة.

- أبو السكر: الأردن متردد في سورية وحماس النقطة الأضعف

- حلقة في «الدراسات الاستراتيجية»: دمشق أكثر تأثيراً في عمان من بغداد

 

 

 

زكي بن أرشيد: نعم ننتظر في الأردن التغيير في سورية... ونطرح الإصلاح لا تغيير النظام
 
 
 

زكي بن أرشيد الشخصية النافذة في جماعة الإخوان المسلمين الأردنية، وهو الآن رئيس الدائرة السياسية فيها بعد أن كان أمينها العام، والذي مثل وصوله إلى قيادة الجماعة قبل سنوات، بالنسبة لكثيرين من المراقبين الأردنيين، مزيداً من النفوذ لحركة «حماس» الفلسطينية. طبعاً المعادلة الإخوانية الأردنية تغيرت الآن بعض الشيء، وتراجعت حماس بصفتها إحدى التهم الموجهة إلى أردنية الجماعة، إذ إن الهموم «الجديدة» للإخوان المسلمين في الأردن وفي غيره من دول المنطقة تتركز اليوم حول حركات الاحتجاج الشعبية في هذه الدول.

هنا حوار مع بن أرشيد أجرته «الحياة» في عمان:

> كان لكم موقف سلبي من لجنة الحوار ومن لجنة صوغ التعديلات الدستورية. لماذا؟

– لا أتفق في وصف هذا الموقف على أنه موقف سلبي، فمن وجهة نظرنا هو موقف إيجابي، وهذا الموقف ليس طارئاً. فهو امتداد لسياسة ناتجة عن قراءة خاصة للحزب، وهذه القراءة تم تأسيسها قبل انطلاق الثورات العربية، وكانت قد بدأت في مقاطعة الانتخابات النيابية التي أجرتها الأردن في نهاية عام 2010، وكنا أخذنا القرار في شهر تموز.

فلسفة الحركة الإسلامية أنّ الأوان آن لتغيير القواعد السياسية في الأردن، بمعنى أن يكون الشعب الأردني شريكاً في صناعة القرار بعد أن استفردت النخبة التي كانت تحكم طوال الفترة الماضية بالسلطة والقرار، وكانت أكبر تجليات هذا النفوذ من خلال الأجهزة الأمنية التي كانت تصوغ الحياة السياسية والاجتماعية، وتجلى ذلك في تزوير الانتخابات النيابية. الحركة الإسلامية قدمت هذه المقاربة من خلال ورشات عمل داخلية ومن خلال مؤتمر داخلي عقد في 4 كانون الأول (ديسمبر) 2010 واعتمدت هذه المقاربة لتكسير القواعد السياسية الرتيبة. والتأسيس لمرحلة جديدة. فجاءت المواقف في الاعتذار عن عدم المشاركة في الحكومة وفي لجنة الحوار الوطني، على اعتبار أن المطلوب هو تغيير حقيقي وجوهري في بنية النظام السياسي الأردني.

> ولكن التعديلات المقترحة من قبل اللجنة تهدف الى إحداث تغيير أيضاً. فلماذا الموقف السلبي منها؟

- نتيجة للسلوك السياسي الأردني، وقبل الحديث عن التشريعات والبيئة القانونية، ترسخت قناعة لدى المواطن الأردني أن الحياة السياسية حياة ديكورية وأن الانتخابات شكلية والأصل فيها التزوير، وتعززت هذه الصورة عبر محطات انتخابية عدة، وأذكر في هذا السياق في لقائنا مع رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي وبعد تأكيدنا أننا لن نشارك وأننا سنقاطع، أذكر تماماً أنني طالبت الرئيس باعتبار الانتخابات فرصة لإعادة الثقة من الشعب الأردني بالسياسة الرسمية، من خلال انتخابات نزيهة، خصوصاً أن لا داعي للخوف منا فنحن لم نكن مشاركين.

أعتقد أن تلك الفرصة أهدرت في شكل كبير جداً، ومن هنا، السلوك السياسي يحتاج إلى إنتاج حالة من النزاهة تعيد الثقة بالسياسات الحكومية.

هذا أولاً، وثانياً نحن نرى أن ما تم ليس كافياً، وهذه التعديلات تنتمي إلى الماضي، بمعنى أنها لو تمت قبل سنة لكان يمكن أن تكون كافية وأكثر من كافية، الآن لنا تقدير ناتج عن قراءة أن الفرصة متاحة لتحقيق ما هو أكبر من ذلك. فعندما نتحدث عن تعديلات تغير القواعد السياسية، فنحن نقصد، طريقة تشكيل السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، فلم يتم تعديل أي مادة من مواد الدستور تختص بالسلطة التنفيذية. بمعنى آخر، منهج تكليف الحكومات ما زال كما هو من صلاحيات الملك من دون اعتبار لرغبة الشعب أو ممثله في البرلمان. وعلى افتراض أن مجلس النواب سيكون ممثلاً للشعب الأردني، ليس الملك ملزماً بتكليف الغالبية البرلمانية تشكيل الحكومة. وكان هذا مطلبنا الرئيس. ونتيجة لذلك كان يمكن إنتاج حكومة قوية تواجه الأجهزة الأمنية وتدخلاتها في كل شؤون الحياة السياسية والمدنية وإلا ستبقى الحكومة عبارة عن مجموعة موظفين، يقودها كبير الموظفين وستخضع لنفوذ الأجهزة وسلطانها. وأثبتت الوقائع أن الحكومة لا تمارس 10 في المئة من صلاحياتها الدستورية. وهذا التعبير مستعار من أحد رؤساء الوزارة السابقين وهو عبدالرؤوف الروابرة، وهذا ما تسبب باستقالة أحد الوزراء، وهو طاهر العدوان، الذي ذكر في استقالته أن مجلس الوزراء يتخذ قرارات لنفاجأ أن هناك جهات أخرى تنفذ قرارات مناقضة.

البعد الثاني في السلطة التشريعية متعلق بموضوع الأعيان. فالأعيان يمكن اعتبارهم الثلث المعطل في العملية التشريعية، خصوصاً أنهم يشكلون نصف أعضاء مجلس النواب وهؤلاء لهم سلطات تشريعية واسعة جداً، لذلك لا يجوز أن يستمر تعيينهم من الملك، ولا بد من إلغاء مجلس الأعيان، أو الخضوع للانتخاب.

> ولكن إلى أين يمكن أن تصلوا في مقاطعتكم؟ وهل ستقاطعون الانتخابات التي أعلن عنها الملك في عام 2012؟

- لا قرار للحركة الإسلامية في هذا الاتجاه ولا في عكسه. الحركة الإسلامية ليست مستعجلة للإعلان عن خطوات أو قطف ثمار. قراءتنا أن الإصلاح سيفرض نفسه بفعل تمدد الحراك الشعبي أفقياً وعمودياً، وبحكم الخيار الموجود في الإقليم، الإصلاح ضرورة لا تحتمل التأجيل وضرورة للنظام السياسي أصلاً، ولذلك لسنا مضطرين لاتخاذ موقف أو إعلانه.

> ما هي المعايير التي ستحكم قراركم بالمشاركة أو المقاطعة؟ قانون الانتخاب مثلاً؟

- أولاً لو أن الحكومة تغيرت وجاءت حكومة ثانية برئاسة شخصية مقبولة لدخلنا معها في حوار. الحكومة الحالية ورئيسها تحديداً لنا معه تجارب فاشلة. طبعاً الخطوة الأفضل أن نكون شركاء في اختيار الحكومة المقبلة، أي أن نستشار في المرحلة الانتقالية، وفي ما بعد يأتي دور المؤسسات الدستورية المعنية في هذا الأمر.

> تراهنون على الحراك، ومن الملاحظ أن الحراك الأردني لم يرق إلى مستويات الحراك في المنطقة. وبالتالي هناك من يقول إنكم تنتظرون تغييرات في سورية؟

- انتظار التغيير الإقليمي ليس تهمة، ومن يتعاطى في السياسة لا بد أن يراهن. ومراهنة النظام على إمكانية إجهاض الحراك الشعبي أو عدم تقديم الخطوات الجادة للمسار الإصلاحي، نوع من مراهنة على فشل الثورات الشعبية، ويحق لنا أن نراهن في الاتجاه المعاكس. ثانياً لنا قراءة في الحراك الداخلي، حتى لو استطاعت الحكومة أن تستوعب جزءاً من الحراك، إلا أن من يقرأ الحراك جيداً سيقف أمام جملة من الملاحظات، أولها أنه للمرة الأولى في تاريخ الأردن يستمر الحراك ما يقارب 9 أشهر. ويمكن الحديث عن الحراك انه متذبذب بين صعود وهبوط وقوة وتواضع لكنه للمرة الأولى يستمر متواصلاً لمدة 9 أشهر.

المسألة الثانية أن الحراك بدأ يدخل إلى مناطق لم تكن تدخل في حسابات المعارضة، أي المناطق الشرق أردنية في الجنوب أو حتى في الشمال والشرق. المحافظات بدأت تدخل إلى مربعات الحراك والمطالبة بالإصلاح، والعشائر الأردنية التي كانت تحسب أنها أركان النظام، تتنافس اليوم في تقديم لجان باسمها للدخول إلى موضوعة الإصلاح، إضافة إلى ذلك الارتفاع العمودي في الشعارات واختراق السقوف.

ما أود أن أضيفه هنا هو أن الوضع الأردني لا يختلف عن الأوضاع في الدول العربية. مساحات الاختلاف محدودة وفي تقديري لن تنجو دولة عربية واحدة من استحقاقات الإصلاح.

> ولكن عشائر الأردن تتحدث عن إصلاحات من نوع آخر، ما تطالب به الحركة الإسلامية لا تطالب به العشائر، لا بل قد ترفضه. وقانون الانتخاب نموذج؟

- الحراك العشائري يستهدف الفساد في الدرجة الأولى، إضافة إلى أن القلق على مستقبل الأردن ناتج عن تفكيك الدولة الأردنية وبيع مؤسسات الوطن، هذا ما استفز الأردنيين ودفعهم إلى الحديث عن الإصلاح، لأن الإصلاح يجب أن يطال الصـــلاحيات المطلقة، ومن هنا يمكن تفســــير ظاهرة أن السقوف العليا في المعارضة الأردنية لا تضعها القوى التقليدية، وإنما القوى الجديدة الداخلة إلى الحراك. هؤلاء الذين يطالبوننا بسقوف عالية ومرتفعة.

مسألة الهوية والديموغرافيا والقوانين المتعلقة بها هذه فزاعة من النظام في محاولة لإجهاض الحراك وتفكيك المجتمع على قاعدة فرق تسد، وربما تم توظيفها في شكل ذكي وخبيث، لكنني أعتقد أنها الآن فقدت مبررها، خصوصاً أن خطاب المعارضة والحركة الإسلامية لا يتحدث عن انقلاب في الديموغرافيا إنما يتحدث عن الإصلاح ويعطي تطمينات لمكونات المجتمع بالكامل. نراعي في هذا المجال خصوصيات المجتمع الأردني ونتفهم الهواجس التي تقلق شرائح من المجتمع وما يعزز ذلك أن لنا مواقف واضحة وصريحة في مسألة الهوية الأردنية والمشاريع المقبلة مثل مشروع الوطن البديل، ونلتقي في هذا الموقف مع حركة حماس الفلسطينية، وأحد أسباب تقاربنا مع العشائر الأردنية الداعية الى إبراز الهوية الأردنية هو أننا ضد مسألة الوطن البديل. تجد مثلاً أن هذه العشائر تطالب بإعادة ترتيب العلاقة الأردنية - الفلسطينية والتوقف عن احتضان السياسة الأردنية سلطةَ محمود عباس واستبدالها بعلاقات متميزة مع حركة حماس، انطلاقاً من هذا الشعور.

> المؤشرات العالية للفساد والقمع في الدول التي حصلت فيها ثورات، لا تبلغ في المملكة مستوياتها نفسها. وهذا يصعّب عليكم مهمة مواجهة النظام في الأردن؟

- هذا صحيح ولهذا فإن الشعار في الأردن لم يكن إسقاط النظام بل إصلاحه، وهذا أيضاً يحسب للمعارضة، وأحد العوامل هو عدم ولوغ النظام في دماء الأردنيين. هذا صحيح ولا بد من قوله. يوجد قمع ولكنه ليس بالمستوى الموجود في الدول الأخرى مثل سورية وليبيا. وهذه الفروقات يشار منها إلى الخصوصية الأردنية، ولكن المراهنة على هذا الأمر فقط غير كافية، فحتى لو نجح النظام في جولة من هذه الجولات وهدأت الساحات، الظروف قابلة للاشتعال في أي محطة أخرى. ما أود أن أرسله كرسالة هو أن مصلحة النظام هي في الإصلاح الحقيقي والبقاء معززاً بسند شعبي يؤمنه الإصلاح الحقيقي والخروج من مربعات الهوامش في الإصلاح.

> هناك خوف من حركة الإخوان المسلمين، لجهة أنكم امتداد للحركة في مصر وسورية وفلسطين وستستمدون مزيداً من القوة في حال تغير النظام في سورية. ماذا لديكم على هذا الصعيد؟

- لو كانت الحركة الشعبية ليست الإخوان المسلمين في المنطقة والإقليم، لو كانت يسارية أو ليبرالية أو أي نوع آخر، هل يمكن النظام أن يتساهل معها. المسألة ليست في الهوية الإسلامية، بل في الصراع على النفوذ. لا تستهدف الحركة الإسلامية لأنها إسلامية وإنما لأنها تقود مطالب حقيقية تهدف فيها إلى إصلاح حقيقي. المسألة الثانية أي المراهنة على تغير الإقليم ونجاح التجربة في مصر وليبيا وإنجازها في سورية واليمن، من الطبيعي أن تستثمر وأن يستفاد منها ليس على مستوى الحركة الإسلامية فقط، إنما في قناعتي أن الأجواء الجديدة يمكن أن تستفيد منها مجمل الشعوب. فأي خيار شعبي حقيقي يكون أفضل من أي نظام استبدادي.

 

 

الأردن: انقسام على الاصلاح والهوية وكلام عن محاولات ثأر من المرحلة السابقة
 
عمان – حازم الأمين

لا شك ان في الاردن ورشة نقاش فعلية أحدثها مشروع التعديلات الدستورية، وهذه الورشة لا تقتصر على ما يجري في مجلس النواب، انما أيضاً يمتد ضجيجها الى أروقة أخرى، لا سيما وان دستور المملكة الذي أعلن في العام 1952 خضع لتعديلات جوهرية أملتها الحسابات المستجدة بفعل خسارة الاردن الضفة الغربية في حرب العام 1967، وما نجم عنها من حركة نزوح فلسطينية كثيفة الى شرقي النهر ما أدى الى تغيير ديموغرافي دراماتيكي سيملي على الاردن لاحقاً معظم حساباته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويبدو ان ثمة مستويان يجري نقاش التعديلات وفقهما، المستوى الأول هو ذلك الذي حدد سقفه الملك عبدالله الثاني والمتمثل في وجهة التعديلات وفي حجمها بحيث لا يبدو ان الملك قد تخلى عن صلاحيات جوهرية له، بقدر ما أفسح مجالاً للعودة عن تعديلات سابقة كانت ظروف المملكة قد أملتها قبل توليه العرش، مع اضافات وتعديلات في وجهة النصوص لا تمس صلاحياته. أما المستوى الثاني، والذي يبدو ان الملك أفسح المجال فيه لخلافات النخب والتجمعات والأحزاب، فهو ذاك الذي يطاول العلاقة بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، مع اضافة بعض الصلاحيات من حسابه، وتعديلات في بعضها الآخر، والغاء لتعديلات حصلت في «ظروف طارئة».

وفي غمرة المستوى الثاني من النقاش استيقظت تجاذبات مراكز القرار الاردني بين من يريد استثمار هذه التعديلات بصفتها منصة لاعادة الاعتبار للنخبة التقليدية الاردنية، وبين من يريد الدفاع عن مكتسبات حققها في مرحلة «الانفتاح» والاقتصاد الجديد. وخلف هذا التجاذب، وكما هي الحال دائماً في الاردن تلوح الهوية مجدداً بصفتها الجوهر المسكوت عنه ولكن المحدد لمعظم التوجهات.

المعادلة ببساطة هي على هذا النحو، وان استبطن التبسيط قدراً من التعسف: النخبة التقليدية الاردنية منشدة الى الدولة بصفتها تلك المملكة التي أرسى العاهل الاردني الراحل الملك حسين قواعدها على نحو وزع فيه المواقع بين مركبي الهوية ( الشرق أردني والفلسطيني) على نحو اتاح فيه للاردنيين حضوراً غالباً في الدولة ومؤسساتها الامنية والخدماتية، وللغرب أردنيين الفلسطينيين حضوراً في القطاع الخاص وتغليب للمضمون الاجتماعي للهوية على المضمون الوطني.

الهوية مجدداً

قد يكون مضجراً لأردني تكرار هذه المعادلة، لكن المضجر أكثر هو استمرارها في صلب الهم الوطني في المملكة. ثم ان التبرم من ضجرها لا ينفي وقوفها خلف الكثير من النوايا والطموحات. فالاردن يشهد في هذه الأيام حركة احتجاج ساعية للانضمام الى مشهد الربيع العربي على رغم انها محكومة بالاصلاح لا بتغيير النظام، وحركة الاحتجاج هذه يمكن أيضاً ادراجها في سياق تلك المعادلة «المضجرة». فاقتصار الحراك حتى الآن على البيئة الشرق أردنية أمر متصل الى حد بعيد بمرارة سكان شرقي النهر من اجراءآت المرحلة الـ»نيوليبرالية» السابقة التي أجرت فيها المملكة عمليات خصخصة للقطاع العام ولأملاك الدولة، أصابت في طريقها الاردنيين من أبناء الجنوب والشمال. أما الفلسطينيون، الذين يكابدون مرارة أخرى في المملكة، فلا يبدو ان لعنوان حركة الاحتجاج جاذبية بالنسبة اليهم، وهذا الأمر ليس السبب الوحيد لانخفاض مستوى مشاركتهم في الحراك، لكنه أحد الأسباب من دون شك. فالخصخصة أصابت الشرق أردنيين أكثر مما أصابت الغرب أردنيين، لا بل انه يمكن القول ان المرحلة الـ»نيوليبرالية» في المملكة كانت بدأت بتهديد التمثيل التقليدي للشرق أردنيين على المستوى السياسي والعشائري وأحياناً الاقتصادي.

المؤسسة العسكرية والأمنية مثلاً، وهي المؤسسة التي يعتبرها سكان شرقي النهر الاداة الرئيسية لحضورهم في الدولة كانت بدأت تشعر بأنها مستهدفة بعمليات الخصخصة عبر بيع أملاكها وعبر محاولات كف يدها عن قطاعات كثيرة. وما لا شك فيه ان هذا الأمر يثير بالشرق أردنيين ما لا يثيره بالغربيين. الأمر نفسه بالنسبة للمناجم في الجنوب وغير ذلك من القطاعات.

لا يعني هذا الأمر ان هذا هو المضمون الوحيد للنقاشات الدائرة حول التعديلات الدستورية أو حول أوجه الاصلاح الأخرى. لكن النقاشات عالقة على ما يبدو عند هذه العقدة فيما هي في الأوجه الأخرى تجري على نحو أكثر وضوحاً وسلاسة. وصحيح ان النوايا قد لا تستبطن لدى الكثير من الاصلاحيين قدراً من هذه المعادلة العقيمة، الا ان الحقائق أثقل من النوايا.

ففي التعديلات الدستورية المقترحة مثلاً مادة تتعلق بتحديد شرعية عضوية مجلسي النواب والاعيان بمن لا علاقة له بأي مؤسسة خاصة ترتبط بالدولة وبمؤسساتها ومشاريعها. والبعض فسر هذا الاقتراح بانه يشمل أكثر من 90 في المئة من الشركات والمؤسسات الاردنية التي حتى وان لم ترتبط بمشاريع استثمارية مع الدولة والحكومة، فهي مرتبطة معها عبر الشراكة في الضمان الاجتماعي او غيره، وصاحبها بهذا المعنى لن يتمكن من الوصول الى مجلس النواب. والمادة بهذا المعنى تستهدف اقصاء شريحة من سياسيي المرحلة السابقة، إضافة الى «العمانيين» المنخرطين في الاقتصاد الجديد.

وفي مادة أخرى يقر المشروع حصر عضوية مجلسي النواب والشيوخ بمن لا يملك هوية أخرى، وفسر ذلك على انه اقتراح باقتصار العضوية على من هو أردني الأبوين، وهو ما يعني أيضاً اقصاء شريحة واسعة من هؤلاء، وقصر العضوية على النخبة التقليدية.

هذه التفسيرات وان لم تكن دقيقة الا أنها تؤشر الى نمط من النوايا والمخاوف خلف حلقات النقاش في التعديلات الدستورية، سيظهر لاحقاً على نحو أوضح في الورشة التي ستصاحب قانون الانتخابات، الذي يعتبره المراقبون المؤشر الأقوى على نوايا الاصلاح السياسي.

واذا كان الاصلاح الاقتصادي ومحاربة الفساد هو موضوعة الحراك «الشرقي» فإن من المفترض ان يكون قانون الانتخابات الجديد هو الهم «الغربي»، ذاك ان القوانين السابقة أحدثت مرارة كبرى في أوساط الاردنيين من أصل فلسطيني، لكن أيضاً من غير المتوقع ان يفضي قانون انتخابات «ظالم» لهؤلاء الى انخراطهم في الحراك، لأسباب أخرى، فالاخوان المسلمون وهم رافعة التمثيل الفلسطيني في الاردن منذ أكثر من عشر سنوات يخوضون معاركهم السياسية في المملكة على جبهات أخرى، وازدحام الملفات في أدراجهم يملي في الكثير من الأحيان تسويات قد تأتي على حقوق من يمثلون.

فحزب جبهة العمل الاسلامي (الذراع السياسية للأخوان) منكفىء هذه الأيام عن المشاركة في نقاش التعديلات الدستورية، لأسباب يقول أنها مرتبطة بشخص رئيس الحكومة معروف البخيت الذي قال رئيس الدائرة السياسية للحزب أسعد بن ارشيد لـ»الحياة» عنه: «كان لنا معهم تجارب فاشلة». وللأخوان أيضاً تحفظاتهم على التعديلات الدستورية والتي تبدو منطقية، لكنها تأتي من خارج ورشة النقاش، ومن بين هذه التحفظات عدم اشارتها الى حق مجلس النواب بتسمية رئيس الحكومة ووجود مجلس أعيان معين من الملك وحصانة مجلس النواب تجاه حق الملك في حله.

ويبدو ان الشرط الأخواني للانخراط في النقاش حول الاصلاح والتعديلات الدستورية، اذا ما اعتبرنا ان شخصية رئيس الحكومة هي محدده، أقل بكثير من هول نتائج الغياب عن النقاش، ولهذا قد يميل المرء الى ان لهذا الانكفاء أسباباً أخرى. يقول بعض المراقبين في الاردن انه انتظار لنتائج الثورة في سورية وما ستحمله الى الاخوان من توسع في النفوذ، ويقول آخرون ان أسبابه «شرعية»، ذاك ان الانخراط في نقاش دستور مدني قد يفضي الى انزلاقات «شرعية» ويرجح أصحاب وجهة النظر هذه ان يعاود الاخوان نشاطهم في النقاش في مرحلة قانون الانتخاب الذي يعنيهم أكثر من التعديلات الدستورية التي حدّد الملك سقفها.

لكن معضلة الاخوان في تمثيلهم الاردنيين من أصل فلسطيني ستتجدد أيضاً في ثنائية العلاقة بين الهوية الاردنية والحرص على ابقاء المضمون الفلسطيني لهوية أكثر من نصف السكان. فقانون انتخابي يُنصف الغرب أردنيين يعني أيضاً اكتمال هوية هؤلاء، وبالتالي الاختلال في معادلة حق العودة، من دون ان يعني نفيها بالكامل، وهذا بدوره يثير خلافاً مع القاعدة الاجتماعية والسياسية الشرق أردنية، مما سيضاعف الفرز على حساب الاخوان. فالإخيرون خسروا الكثير من قواعدهم الشرق أردنية التقليدية في سياق منازعات الهوية هذه، واستمرارها سيعني مزيداً تعزيزات أمنية أمام مدخل مجلس النواب في عمان (رويترز).jpg من النزف على هذا الصعيد.

اما الرابح من هذا النزف فسيكون الحكومة، لا بل سيكون مزيداً من التمسك الشرقي بالهوية التقليدية للمملكة، ولن يعني على الاطلاق خسارة تصيب السلطة في بعض قواعدها الفلسطينية، ففي لحظة المواجهة يعاود الاردنيون من أصل فلسطيني استئناف مواطنتهم على نحو سلبي ولكن أيضاً على نحو لا يُغضب السلطة.

ثم ان في جعبة المدافعين عن قانون انتخاب، غير منصف للأردنيين من أصل فلسطيني،الكثير من الحجج «الوطنية» التي تشمل مصالح المتضررين من هذا القانون. فهو بالنسبة اليهم نوع من التوطين المجاني، في حين ثمة عروض كثيرة لتوطين مدفوع القيمة. فوثائق ويكيليكس بصفتها ضمير دولنا ومجتمعاتنا الذي كان مستتراً، كشفت في الاردن عن الكثير من وقائع هذا الانقسام الذي تنكره الدولة وينكره الاخوان المسلمون، وتنكره النخب.

 

 

الأردن منشغل بالأردن... والحراك شرقي ولن يرتفع عن السقف الهاشمي
 
عمان – حازم الأمين

في مقهى «بوكس أند كافيه» الواقع في شارع الرينبو في العاصمة الأردنية عمان، جلست لينا عجيلات محررة مدونة «حبر» الذائعة الصيت في الأردن مع خمسة من أصدقائها يتحدثون عن «الحراك الأردني». لسنا أعضاء في «جماعة 24 آذار» التي تتولى قيادة التحرك، حرصت لينا على القول.

الأحاديث الكثيرة وغير المتسقة التي شهدتها الجلسة في المقهى تعيد تذكيرك بحقيقة بدأت تتحسسها منذ اليوم الأول لوصولك إلى عمان، وتتمثل في أن الأردنيين منشغلون بأنفسهم هذه المرة. العراق ليس موضوعاً رئيساً ولا فلسطين، وحتى سورية المشتعلة في الجوار، هي اليوم الموضوع الثاني في أولويات «الهذر» الأردني.

في السنوات السابقة كنا نذهب إلى الأردن لاستكشاف «حماس»، أو للبحث عن معلومات جديدة عن تنظيم «القاعدة» في العراق أو للقاء مسؤول فلسطيني! اليوم الأمر مختلف، والملفات الأردنية مفتوحة على مصراعيها، وذلك بفضل الربيع العربي. صحيح أن المملكة لم تشهد ثورة، وأن حجم ما تسميه المعارضة «الحراك» ما زال محدوداً، إلا أن الأردن واقعي إلى حدّ يعرف فيه مسؤولوه بدءاً من الملك وصولاً إلى الدائرة الأدنى في هرم السلطة، أن لا أحد مستثنى من استحقاقات الربيع.

لكن، وعلى رغم أننا حيال مشهد أردني مستجد لجهة انشداد المملكة إلى الداخل، إلا أن القضية التقليدية في الأردن ما زالت تقض مضجع الإصلاح. إنها مسألة «الهوية» وقد انتقلت من كونها مركباً إقليمياً تتحكم به علاقات المملكة الخارجية ومسارات السلام، إلى مستوياتها الداخلية المرتبطة بقانون الانتخابات وقبله بالتعديلات الدستورية المقترحة من قبل لجنة شكلت بناء على طلب من الملك عبدالله الثاني.

لكن المملكة غير مهددة بـ «ثورة»، والحراك مقتصر على بعض النخب العمانية، إضافة إلى مناطق أقصى الجنوب والشمال، تلك التي تسمى بالمناطق الشرق أردنية. ويجمع المراقبون هنا في عمان على أن الاردنيين من أصل فلسطيني ما زالوا حتى الآن خارج الحراك، على رغم أن جماعة الإخوان المسلمين، وهي القوة الأكثر تمثيلاً لهم، على رأس الأحزاب التي تتشكل منها المعارضة.

وللاستنكاف الفلسطيني عن «الحراك» الأردني مضامين كثيرة على ما يبدو، فهو في أحد وجوهه تقية تمارسها جماعة الإخوان المسلمين الأردنيين في سياق مساومات كثيرة تتولاها في هذه المرحلة، إلا أنه أيضاً نكوص فلسطيني عن الانخراط بورشة داخلية أردنية، ذاك أن الداخل في الوعي الأردني هو شأن سكان شرق الضفة يمارسه هؤلاء بإيجابية ويستجيب له الفلسطينيون بسلبية.

لكن لحقيقة اقتصار الحراك الأردني على أهل شرق النهر وجوهاً أخرى، فالحراك ليس ثورة على الإطلاق، على رغم ملامسته في بعض المدن مستويات مرتفعة لجهة المطالب. هو حتى الآن حركة احتجاج مارستها نخب حزبية عمانية واستجابت لها شرائح مهمشة في مدن الجنوب والشمال، أي تلك الشرائح المتضررة من بيع الدولة القطاع العام، لا سيما في مناطقها، كمعامل الفوسفات التي كانت الأولوية في التوظيف فيها لأبناء هذه المناطق. وبهذا المعنى يبقى الحراك محكوماً بالسقف الشرق أردني الذي لا يرقى إلى مستوى تهديد النظام.

لعلها المرة الأولى التي يسمع المرء فيها عبارة «الغرب أردنيين» في عمان! قالها خالد صديق لينا عجيلات، في الجلسة التي جمعتنا في «بوكس أند كافيه» عند غروب ذلك النهار. خالد الشاب الشرق أردني المتذمر من ذلك «الشقاق العقيم» الذي تكابده الهوية الأردنية، كرر أكثر من مرة هذه العبارة. إنهم أردنيون على ما يقول، وإذا كنا نحن من شرق النهر فهم من غربه. لم يكترث كثيراً إلى أن غرب النهر هو الآن بعد فك الارتباط خارج حدود المملكة، فإذا كان لا بد من اسم لهؤلاء المواطنين فلا بأس باستعادة عبارة الغرب أردنيين. في هذا الاستعجال سرعة لا تشبه الأردن، ذاك أن المملكة تُدقق برصانة العبارة وبمدى مطابقتها للجغرافيا والديموغرافيا.

وشبيبة «بوكس أند كافيه» الأردنيون، أقل اقتراباً من الهموم التقليدية للسياسة بمعناها الأردني. لا يشعرون مثلاً بأن موضوعة فك الارتباط تستحق كل هذا الانقسام، ثم إن دينا، الأردنية من أصل فلسطيني، تعنيها ضائقة الهوية من باب حجز الأخيرة على مواطنتها وليس من باب التضييق على طموحاتها، الأكيدة، في استعادة الأرض.

إنهم أقلية في عمان، ولا يمكن وسم المدينة بهم، لكن زائر عمان يشعر بأنهم مؤشر على شيء ما يحصل في المدينة نتيجة التقائهم في «بوكس أند كافيه» أو في عشرات المقاهي المشابهة له في شارع الرينبو وفي متفرعاته.

الحقيقة أن ما يجرى في المدينة هذه الأيام أثقل من أوهام هؤلاء الشباب، وبعد جولة في الأروقة السياسية للمدينة تُتوج بجلسة معهم في مقهاهم، ينتابك شعور بالانفرج. فأنت على الشرفة المطلة على جبل الأشرفية المنحدر بهدوء ليؤلف مع جبال صغيرة أخرى وادياً تنعقد عنده أحياء شعبية يسكنها أردنيون فقراء من أصل فلسطيني.

ولعل في الطرفة التي قارن فيها النائب الأردني ممدوح العبادي بين حالي جيله وجيل «بوكس أند كافيه» بعضاً من مفارقات عمان المستجدة، وذلك عندما أشار بيده من على شرفة المقهى نفسه إلى منطقة الأشرفية قائلاً «إن لهذا الجبل بالنسبة لهؤلاء الشباب بعداً مشهدياً وفنياً، أما بالنسبة إلى جيلي فيبعث على ذكريات لا تخلو من قساوة العيش وخشونته».

شهد منزل رنا الصباغ الجديد في عمان، على المنعطف السادس بين الدوارين الرابع والخامس، وليمة سياسية ازدحمت فيها هذه المرة المؤشرات الداخلية. سمعنا من ياسر أبو هلالة كلاماً يؤشر إلى انشغاله بضائقة مدينته الجنوبية معان. ياسر مراسل الجزيرة المتنقل بين عدد من الثورات العربية والذي غطى حروباً ونزاعات مختلفة، استفاض في الكلام عن شقاء معان، وهو حين فعل ذلك استيقظت في وجهه ملامح لم يسبق أن أيقظتها ضائقاته الكثيرة خارج حدود الأردن، فالرجل الدمث توجه إلينا، وكان من بيننا رئيس مجلس الأعيان الأردني طاهر المصري وعضو المجلس صلاح بشير وآخرون من أحزاب يسارية وأصدقاء صحافيون، بصوت يقارب النزق، شارحاً ما آلت إليه أوضاع المدينة بفعل عزلها عن منطقة العقبة السياحية وبفعل خصخصة معامل الدولة من دون رقابة ومن دون احتساب النتائج الاجتماعية والاقتصادية لهذه العملية.

لم ينجح كثيرون في نقل الحديث إلى القضايا الأردنية غير الداخلية. سأل الخطيب عن لبنان مثلاً، لكن الوضع الداخلي الأردني عاد وتقدم من جديد. فصلاح البشير، وزير الخارجية السابق، وهو رجل قانون، مأخوذ بالتعديلات الدستورية المقترحة على مجلس النواب والتي تجرى مناقشتها هذه الأيام، والخلاف بين الضيوف على المحكمة الدستورية المقترح إنشاؤها ضمن هذه التعديلات تقدم في الجلسة على الخلاف على مستقبل النظام في سورية.

لكن انشغال الأردن بنفسه لا يبدو حقيقياً، أو على الأقل لن يكون ثابتة المرحلة المقبلة، إذ إن مشاكل الإقليم أثقل على المملكة من مشاكلها الداخلية، فإنجاز التعديلات الدستورية وسن قانون جديد للانتخاب يوسع قاعدة مشاركة الغرب أردنيين بالسلطة، سيعاودان إنتاج المخاوف الإقليمية. هذا من جهة ثم إن سورية المضطربة في الجوار ستنضم إلى باقة الدول المضطربة التي تحاصر المملكة، أي العراق وفلسطين والآن سورية. ومثلما كان العراق شأناً داخلياً أردنياً عبر الجسر «الجهادي» الذي أنشأه أبو مصعب الزرقاوي ومساعدوه الأردنيون، وفلسطين أيضاً بفعل الأصول الفلسطينية لأكثر من نصف المواطنين، فإن المملكة تتخوّف أيضاً من تحول سورية شأناً داخلياً أردنياً عبر جماعة الإخوان المسلمين واسعة النفوذ في كلا البلدين.

وقد يشعر الزائر بأن انشغال الأردن بنفسه هو نوع من طرد الهموم الكبرى عبر استحضار هموم صغرى، فالنظام غير مهدد حتى الآن بما تتولى الإصلاحات إصلاحه، وباستثناء قانون الانتخاب الذي لم يشرع الأردن بنقاشه، لا يبدو أن ثمة شيئاً جوهرياً يجرى تعديله.

نعم، يشعر الزائر بأن الأردن يعالج نفسه من ضغوط احتمالات الخطر الإقليمي الثالث بعد فلسطين والعراق، فأنت الذي قصدته بهدف الوقوف على كيفية مراقبته سورية، فإذا به يراقب نفسه هذه المرة، وبدل الحديث عن المواقف من الانتفاضة السورية يشتعل النقاش عن حلول العائلة كنواة للمجتمع بدل الفرد، في التعديلات الدستورية.

وللاستثناء الأردني، إذا اعتبرنا أن الثورات هي القاعدة اليوم في معظم دول المنطقة، هو ليس استثناء من استحقاقات الربيع، وجه آخر، ذاك أن موضوعة المملكة في السنوات العشر الأخيرة كانت «السلفية الجهادية» وما شكلته هذه الظاهرة في الأردن من مركز جذب وتفكير وتأمل. ويبدو أن الثورات العربية التي اقتنصت الجاذبية من هذه الجماعة، اقتنصتها أيضاً من «السلفية الجهادية الأردنية»، من دون أن تدفع المملكة أكلاف الثورة. فـ «الحراك الأردني» اختبر مبكراً دلالة انخراط «الجهاديين» في مشهده، فكانت تظاهرتهم في الزرقاء بمثابة تعثر أول لـ «الحراك» تمكنت السلطة من استثماره على نحو متقن. نزل السلفيون الجهاديون إلى ساحة التظاهر وبأيديهم سيوف انهالوا بها على رجال الأمن، فكشفوا من جهة سوء تفاهم كبير بينهم وبين «الربيع العربي»، ومن جهة ثانية أثاروا شكوكاً حول جدوى تظاهرة في الزرقاء (أ ف ب).jpg الحراك ومكنوا السلطة من استثمار سلبياته.

وإذا كان معيار نجاح الثورات وتصاعد فاعلياتها هو مستوى الصدام بين المحتجين وبين أجهزة السلطة، فإن هذا المعيار يُفسر إلى حد بعيد اقتصار الحراك الأردني على تظاهرات حزبية في عمان وعلى تحركات في مدن الجنوب محكومة بالسقف «الهاشمي» للسلطة. فمؤشرات القمع والفساد في كل من مصر وتونس، ناهيك عن ليبيا وسورية واليمن، ليست نفسها على الإطلاق في الأردن، والقاعدة الاجتماعية للنظام أوسع على نحو لا يقارن مع قواعد حكم تلك الدول. يعترف بهذه الحقيقة أشرس المعارضين في الأردن، ويدرك هؤلاء أن هذه الحقيقة تُصعب مهمة دفع التحرك إلى مستويات أعلى.

وعلى رغم ذلك كله المملكة قلقة، لكنه قلق قديم ومقيم في صلب التجربة. والقلق هو المادة التي تعيد صوغ قوة النظام... وعقلانيته.


المصدر: جريدة الحياة

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,793,213

عدد الزوار: 6,915,259

المتواجدون الآن: 104