تحليل سياسي

مصر الثورة تنقسم على نفسها: أيهما أولاً الدستور أم الانتخابات؟

تاريخ الإضافة الإثنين 27 حزيران 2011 - 6:14 ص    عدد الزيارات 2721    التعليقات 0    القسم عربية

        


مصر الثورة تنقسم على نفسها: أيهما أولاً الدستور أم الانتخابات؟

على رغم أن القضية حسمت في 19 آذار الماضي بإجراء استفتاء على التعديلات الدستورية، وجاءت النتيجة مؤيدة لإجراء الانتخابات ثم صوغ الدستور، فان معركة "الدستور أم الانتخابات أولاً" عادت لتشتعل من جديد بين التيارات الإسلامية من جهة، والتيارات الليبرالية من جهة أخرى.

هذا  السؤال هو الشغل الشاغل للمصريين اليوم. لا يجتمع مصريان إلا ويكون ثالثهما: في المنتديات السياسية والثقافية، في ورش تأسيس الاحزاب وتفريخها  - وما اكثرها هذه الايام في مصر - في المؤتمرات التي تغص بها القاعات، وكأنه لم يعد لدى المصريين الا الكلام في السياسة وإبداء الرأي والاعتراض والجدال، على صفحات الجرائد، في برامج "التوك شو"، في المقاهي، في المطاعم، في سيارات التاكسي، في المتنزهات التي تمتد على جانبي النيل. جميع المصريين من دون استثناء باتوا "خبراء" في الدستور وفي القانون. الكل يعطي رأياً ويجزم بأن رأيه هو الفيصل، الكلّ يفتي في هذه المسالة الحساسة ويبدي وجهة نظر: السياسيون، الاساتذة، المحامون، الحزبيون، الطلاب، الثوار، العمال، العاطلون عن العمل. الجميع نسي الرئيس المخلوع وما حل به، ولم يعد لدى الثوار من همِّ سوى المجادلة في  قضية "ايهما أولا؟".
ابناء الثورة نفسها الذين توحدوا لإطاحة الرئيس حسني مبارك هم أنفسهم أبطال هذا الانقسام. فريق يتظاهر مطالباً بدستور جديد قبل اجراء الانتخابات وفريق يتظاهر مطالباً بالعكس. وتقف جماعة "الإخوان المسلمين" والسلفيون والجماعة الإسلامية على رأس الفريق المعارض لوضع دستور للبلاد قبل إجراء الإنتخابات النيابية والرئاسية، والتزام نتائج الاستفتاء الذي صوتت فيه الغالبية على تأجيل الدستور. في المقابل، تقف أحزاب الجبهة الديموقراطية والتجمع والعربي الناصري والغد والمصريون الأحرار وائتلافات شباب الثورة والتيارات الليبرالية على رأس الفريق المنادي بوضع دستور قبل إجراء الانتخابات. وثمة حال خوف لدى هؤلاء من قوة "الإخوان" والاسلاميين عموما، بعدما أتاحت لهم الثورة حرية العمل وحرية التعبير عن أنفسهم ودخول الحلبة لاعباً رئيسياً في رسم ملامح هذه المرحلة. كذلك ثمة إحساس لدى بعض التيارات والأحزاب، خصوصا اليسارية والليبرالية، بخفة الوزن السياسي وعدم القدرة على جذب مؤيدين يدعمون موقفها في الوجود الفعلي في النشاطات والمؤسسات قيد التشكل في المرحلة المقبلة. وبين الفريقين تنقسم مصر كلها.

 

الانتخابات أولاً، لماذا؟

 باختصار، مصرالثورة  تعيش أزمة حقيقية. وجوهر هذا الخلاف السياسي هو: هل يكون انتخاب مجلسي الشعب والشورى أولاً وسابقاً لوضع الدستور الجديد، أم يجب وضع الدستور الجديد ثم على أساسه يجري بناء مؤسسات الدولة ومنها البرلمان، كما يجري اختيار من يحتل موقع الرئيس؟
وتتمثل أهم الحجج التي يستند إليها القائلون باجراء الانتخابات اولاً في الآتي:
 أولا: أن من شأن صدور إعلان أو قرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم يتبنى خيار أولوية وضع الدستور على انتخاب البرلمان، مخالفة لإرادة الشعب، التي أفصح عنها بالموافقة على تعديلات دستور 1971 في 19 اذار 2011 ومنها المادة 189 مكرر التي نقلت بحرفيتها إلى الاعلان الدستوري في مادته الـ 60، ومؤداها أن الأعضاء المنتخبين في أول مجلسين للشعب والشورى هم الذين يشكلون لجنة وضع الدستور الجديد.
 ثانياً: أن المادة 60 من الإعلان الدستوري ومن قبلها المادة 189 مكرر من تعديلات دستور 1971 قد نهجت نهجاً ديموقراطياً في وضع الدستور الجديد، إذ ناطت بممثلي الشعب أن يختاروا لجنة وضع هذا الدستور بدلاً من أن يكون تأليف هذه اللجنة بقرار من الرئيس أو من يقوم مقامه.

 

الدستور أولاً، لماذا؟

أما الذين يطالبون بأولوية وضع الدستور الجديد قبل انتخاب مجلسي البرلمان، فينطلقون في الاساس من مبدأ انه لا يجوز وضع العربة قبل الحصان، أي انتخاب برلمان وفقا لقواعد دستور النظام البائد، قبل إعداد دستور النظام الجديد، وإلا كان ممكناً للأطراف الفائزين في الانتخابات النيابية والرئاسية إدارة عملية إعداد الدستور وفقا لمصالحهم الضيقة، ومن ثم فإنه من المتوقع أن يمارس الرئيس المنتخب ضغوطه لضمان إبقاء أكبر قدر من الصلاحيات الدستورية الإمبراطورية التي كان يمنحها الدستور السابق.
 الى ذلك يضيف، هؤلاء الحجج الآتية:
 أولاً: أن وضع قواعد البيت  مقدم على تشييده. ومن شأن إقامة البناء السياسي على قواعد موقتة (الإعلان الدستوري) ثم إعادة صوغ القواعد مرة ثانية بوضع الدستور الدائم، أن يدخل مصر في متاهات تشكيل وإعادة تشكيل المؤسسات وفقا للقواعد الموقتة أولاً، ثم القواعد الدائمة ثانيا، لذا من الافضل وضع القواعد الدستورية أولاً، ثم إقامة المؤسسات على أساسها.
ثانياً: من غير المقبول سياسياً أو دستورياً أن تستأثر بتأليف لجنة وضع الدستور القوى السياسية التي ستمتلك مواقع التأثير في البرلمان المقبل، لأن الدستور وثيقة توافق وطني يجب ألا تنفرد بها غالبية حزبية، ولأن الغالبية الحزبية اليوم قد تكون أقلية غداً، أما الدستور فوثيقة دائمة. ولأن الجمعية التأسيسية لوضع الدستور هي أعلى مرتبة من السلطات التي ينظمها الدستور ومنها البرلمان فكيف يكون تشكيل الهيئة العليا بواسطة هيئة أدنى؟
 ثالثاً: إن إعطاء أعضاء البرلمان المقبل سلطة تشكيل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، فيه مصادرة لمضمون الدستور المقبل: اذ كيف مثلاً سيؤلف برلمان نصفه من العمال والفلاحين لجنة قد تلغي نسبة العمال والفلاحين؟ وكيف سيؤلف مجلس الشورى لجنة قد تلغي وجود مجلس الشورى؟ هذا كله في غياب أية ضوابط دستورية لمعايير تأليف جمعية وضع الدستور الجديد.

 

الطريق الثالث

ونظرا الى حدة الخلاف بين قوى الثورة على قضية الدستور أولاً أم الانتخابات، ظهر اتجاه يحاول تفادي هذين المسارين المتقاطعين، من طريق فتح طريق ثالث من أجل عبور الأزمة، وفي الوقت عينه تحقيق المصلحة العامة بإنهاء حال الانقسام التي تمثل واحداً من العوامل الخطيرة المهددة لمسار الثورة المصرية، وقد عبرت عن هذا الطريق الثالث رؤيتان:
الرؤية الأولى طالبت رئيس الوزراء بإحالة الخلاف القانوني حول أولوية الانتخابات أولاً أم الدستور، على قسم الفتوى والتشريع في مجلس الدولة المكلف مثل هذه القضايا لبتّه.
  أما الرؤية الثانية، فقد طرحها الدكتور محمد البرادعي، وهي بمثابة حل توفيقي لهذا السجال، وتتلخص في طرح وثيقة دستورية تحمل "مبادئ قيام الدولة المصرية وحقوق المواطن المصري الأصيلة" استناداً إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وبموجب هذه الوثيقة، لكل مواطن الحق في حرية الاعتقاد والتعبير عن الرأي وغير ذلك من الحقوق. وأن تكون محاكمته أمام قاضيه الطبيعي، وألا يتعرض للتعذيب أو انتهاك حقوقه. وهذه الوثيقة التي تضمن حماية المصريين أيا يكن شكل الدولة، مدنية أو برلمانية أو رئاسية، ثابتة لا يجوز تعديلها أو المساس بها، بينما يمكن تعديل الدستور والقانون!

 

انقسامات تهدد الثورة

لكن الرأي لم يستقر بعد على أي من الاتجاهات الثلاثة، بينما يشتد التباري الاعلامي، ويشدد كل من الافرقاء حملته على الفريق الآخر مستعيناً بكل أنواع الاسلحة غير الحربية بما فيها سلاح الحلال والحرام واعتماد الافرقاء المعنيين لغة التشكيك والتخوين وتوجيه الاتهامات، على رغم أن حيثيات كل طرف في تبرير رأيه تستند إلى وجهة نظر قابلة للنقاش. وبدت بوضوح حدة الصراع بين القوى المختلفة في هذه المرحلة التي تتسم بالحساسية الشديدة، خصوصا ان الثورة لم تؤت ثمارها بعد. فقد طغت المصالح المرحلية على الأهداف الكبرى، واختفت روح ميدان التحرير التي سادت في ذروة الثورة عندما تجلت قمة التلاحم بين القوى الوطنية، اذ سجلت عودة إلى التخندق والحشد اللاموضوعي لترويج كل طرف أفكاره. والمشكلة الحقيقية أن هذا الانقسام يحدث في مرحلة انتقالية متلكئة قد تنجح في تحقيق عبور ديموقراطي حقيقي أو قد تفشل وتدخل البلاد في نفق مظلم طويل. من هنا يطرح سؤال هل الأزمة تعبير عن خوف من القوى الليبرالية على طبيعة الدولة المصرية وشكلها بعد الثورة إذا انفرد فريق أو إيديولوجية ما بالقيام بهذه المهمة فعلاً؟ أم أنه الخوف من الاحتكام الى صناديق الاقتراع خشية معرفة الأوزان الحقيقية للأحزاب والقوى السياسية؟ أم هي انتهازية سياسية من القوى الإسلامية وخصوصا جماعة "الإخوان المسلمين" الأكثر استعداداً لاي انتخابات مقبلة بحكم تنظيمها القوي وانتشارها الجغرافي الذي يغطي كل مصر؟ أم أنه تفكير واقعي في التعامل مع المعطيات على الأرض، والتي فرضتها ظروف الثورة المصرية التي صنعها الشعب وتسلم مقاليد أمورها الجيش والتي تقتضي بحسب رؤية "الإخوان" والقوى المؤيدة لهم سرعة تسليم السلطة الى المدنيين لئلا يحصل ما لا تحمد عقباه على حين غفلة اذا طالت فترة المرحلة الانتقالية؟ 
 

القاهرة – امين قمورية     


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,068,615

عدد الزوار: 6,751,194

المتواجدون الآن: 97