التهمة تشير إلى دمشق في اغتيال جبران تويني

تاريخ الإضافة الجمعة 3 حزيران 2011 - 6:33 ص    عدد الزيارات 2579    التعليقات 0    القسم محلية

        


التهمة تشير إلى دمشق في اغتيال جبران تويني

في وثائق "ويكيليكس" نص مذكرة رسمية صادرة عن السفارة الأميركية في دمشق في 19 كانون الأول 2005 أي بعد اسبوع على اغتيال جبران تويني، وقد نشرت الزميلة "الجمهورية" نص المذكرة أمس، ونعيد نشرها اليوم.

هل قتلت سوريا جبران تويني؟ سؤال طرحته السفارة الأميركية في دمشق بُعيد عملية الاغتيال، مشيرة إلى أنّ معظم التحليلات تشير إمّا إلى تورّط الرئيس بشّار الأسد مباشرة، وإمّا إلى تورّط حلقة أمنيّة تحيط به ويرأسها صهره آصف شوكت، لكنها في أيّ حال لا تشير إلى أيّ جهة أخرى يمكن أن تكون ذات مصلحة أو ذات صلة بالاغتيال، الذي شكّل رسالة حازمة إلى كلّ من المعارضة والولايات المتحدة وفرنسا.
ففي مذكّرة رسميّة تحمل الرقم DAMASCUS657905 صادرة عن السفارة الأميركية في دمشق في 19 كانون الأول 2005، جاء أنه مع استمرار التحقيقات الأولية في قضية اغتيال المعارض اللبناني وناشر جريدة "النهار" جبران تويني في 12 كانون الأول، يرجّح ألاّ يصدر أيّ اتهام خلال أشهر أو ربّما لا يصدر أبداً، مشيرة إلى أنّ النظام السوري متّهم بترتيب عملية الاغتيال بغية إسكات انتقاداته اللاذعة وإرسال تهديد إلى أركان المعارضة اللبنانية مفاده أن لا أحد يستطيع حمايتهم، إضافة إلى توجيه ضربة إلى القيادة الفكرية في هذه المعارضة، وربّما تأخير عودة سعد الحريري إلى لبنان.
وأضافت أنّ الهدف من هذا التقويم الاميركي ليس إثبات أنّ سوريا قتلت تويني، وإنما استنتاج معلومات عن النظام السوري ووضعه الحالي.

لماذا الآن؟
تقول المذكّرة: بدا على النظام السوري في الأسابيع القليلة التي سبقت اغتيال تويني إحساسه بالارتياح من الضغوط، وكأنّما الأزمة انتهت ولو إلى حين. ومن أهمّ أسباب ذلك الزيارات المتكرّرة للأمير السعودي بندر بن سلطان للتشاور مع الرئيس بشّار الأسد، بحسب الخبير في العلاقات الخارجية م. ق. الذي يفترض أنّ بندر المقرّب من الإدارة الأميركية لم يكن ليأتي إلى دمشق لولا الضوء الأخضر الأميركي، لافتاً إلى أنّ ما عزّز إحساس النظام بتخفيف الضغط عليه كان غياب التصريحات الأميركية الحاسمة، في ما عدا تلك المتعلقة بكمال لبواني ووضع حقوق الانسان في سوريا. وتابعت المذكّرة أنّ زيارات بندر أشارت إلى تخطّي السعوديين مرحلة الغضب الشديد من اغتيال رفيق الحريري، وإلى أنهم باتوا مستعدّين لإعادة العلاقات استنادا إلى مصالحهم، يضاف إلى ذلك الشعور السائد في سوريا حيال انهماك الحكومة الأميركية في الانتخابات العراقية المقبلة.
وأوردت المذكّرة أنّه في وقت متزامن، وضع النظام السوري نتيجة معركته مع المحقق الدولي التابع للأمم المتحدة ديتليف ميليس في خانة التعادل، لافتة إلى أنّ النظام أرسل المتهمين إلى فيينا واطمأنّ إلى قدرته على دحض فكرة عدم التعاون، وتجنّب في الوقت الراهن أيّ اعتقال للمشبوهين العائدين، وتمكّن من كسب المزيد من الوقت مفترضا امتداد مدّة التحقيق ستة أشهر، والأهم من ذلك هو إحساسه بأنّ حدة التهديد المباشر بالعقوبات قد خفّت. وأضافت أنّ عذر النظام الكامل في عدم تورّطه في عملية اغتيال مثيرة للجدل كعملية تويني، ارتكز على حقيقة "أنّ النظام ليس غبيّا بحيث ينفّذ عملية كهذه في وقت بات موعد الإعلان عن تقرير ميليس الثاني وشيكا". ولكن استناداً الى مراقبين، كان النظام السوري فعلا قد "هضم" النتائج المتوقعة من تقرير ميليس الثاني وشعر بالارتياح، وحتى بالابتهاج حيال تمكّنه من تفادي رصاصة. وخمّن المراقبون أنّ محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرّض لها مسؤول في "حزب الله" في مدينة بعلبك قبل بضعة أيام من مقتل تويني، هدفت إلى خلق المزيد من حجج الإنكار لدى النظام من خلال إظهار أهداف موالية لسوريا يتمّ التعرض لها من "هؤلاء القتلة الغامضين".
وتحت عنوان "لماذا؟" نصّت المذكّرة على أنّه في الوقت الذي ترفض بعض المصادر السورية اتّهام الحكومة السورية أو في بعض الأحيان بشّار بمقتل تويني، إلاّ أنّها بدت أقلّ تحفّظا في الإشارة إلى فوائد النظام المستحَقة من عملية كهذه، وقالوا بصراحة تامة إنّ هذه العملية من الناحية الاستراتيجية، وخلافا لمقتل الحريري ( أو التمديد للحّود) "لم تكن غلطة"، وعلى قول أحد المحامين "ستدفع سوريا ثمن ذلك 40 يوما"، ولكن على المدى الطويل سيدمر غياب تويني المعارضة بما أنه كان "القوّة الفكرية" في صفوفها، كما أنّ التأثير الإقليمي في مقتل التويني سيكون أقلّ بكثير من مقتل الحريري لأنه بالنسبة إلى السعوديين والآخرين لم يكن تويني لا شخصيّة حليفة ولا سنّية.
وأشار ق. إلى أنّ مقتل تويني سمح للحكومة السورية بإبلاغ جميع أعضاء المعارضة اللبنانية الآتي: "على رغم كلّ الضغوط لا نزال هنا ونستطيع الوصول إليكم، ولا يستطيع أصدقاؤكم الجدد حمايتكم". وأضاف: "إذا لم تكن الرسالة من مقتل تويني قوية بما فيه الكفاية، فمن المرجّح صدور رسائل جديدة، ومن المحتمل أن يكون القائد الدرزي وليد جنبلاط أو مروان حماده (للمرة الثانية) الأهداف التالية". وذهب المحامي المذكور أبعد من ذلك، واصفا أيّام جنبلاط بالمعدودة، لا سيّما بعد الملاحظات القاسية التي وجّهها إلى الأسد بعد مقتل تويني.
وتابعت المذكّرة: "برز بعد مقتل تويني خطر على حياة سعد الحريري في حال عودته إلى لبنان سعيا إلى زيادة نفوذه السياسي". وقال ق. إنّ أيّ خطوة الآن من أجل الضغط على "حزب الله" في موضوع نزع السلاح سيتمّ إحباطها، مشيرا إلى أنّ سوريا ترى أنّ عملية الاغتيال نشرت الذعر في صفوف المعارضة التي باتت تؤمن بأنّ عمليات القمع والاعتقال ستزيد بعد مقتل تويني.
وجاء في المذكّرة أنّ ثمة رسالة تمّ تمريرها في مقتل تويني وعبر اللبنانيين إلى الولايات المتحدة وفرنسا، مفادها أنّ الحكومة السورية تعتبر لبنان مصلحة استراتيجية حاسمة، وهي مستعدة لبدء مجازفات ضخمة وخوض "لعبة قذرة" من أجل حماية هذه المصلحة. وأضاف ق. إنّ مقتل تويني يعني قول السوريين "إننا نصرّ على عدم تجاهل مصالحنا هناك". وأضافت أنّ سوريا التي تواجه عراقا مقفلا بسبب الوجود العسكري الأميركي فيه وعملية سلام مجمّدة، لم يبقَ لديها ساحة سوى لبنان لممارسة نفوذها الإقليمي، إذ يبدو وكأنّ سوريا تحاول أن تقول إنها إذا كانت مسؤولة عن مقتل تويني "فهي تستطيع الإفلات من العقاب". وأخيرا، المغزى من عملية الاغتيال هو وجود مجرمين محترفين في لبنان خاضعين للأوامر السورية، قادرين على تنفيذ عمليات بالغة الحساسية من دون ترك أدلّة تُذكر.
وتحت عنوان "ماذا تقول الجريمة عن النظام السوري؟" جاء في المذكّرة أنّ أيّ قرار من الحكومة السورية بقتل تويني في هذا الوقت الحساس سيصْبغ النظام بالوحشية والقدرة على اتّخاذ قرارات استباقية قاسية وبحسابات وقحة. وتكلّم الكثيرون من مراقبي النظام السوري عن تاريخه الطويل من الاغتيالات السياسية في الداخل والخارج من أجل المحافظة على سلطته ونفوذه الإقليمي، وهو نظام عاجز عن التغيير أو الانخراط في أيّ إصلاح سياسي فعّال. وأضاف ق. أنّ مقتل تويني يفسّر هذه النظرية ويبرهن مدى ترابط النظام تحت سلطة الأسد "المدمن" على العنف، كما لا يجب المراوغة مع هذا النظام ولا حتى موقتا، مشيرا إلى أنّه في حال أفلت النظام من جريمة اغتيال تويني ستتوالى أعمال العنف في لبنان.
وأضافت أنّ بعض المصادر أقلّ اقتناعا بمسؤولية الأسد عن إدارة هذا النظام المتوحش، ورجّحوا ضلوع عناصر من قلب الأجهزة الأمنية في عملية اغتيال تويني، مؤكّدين أنّ الأسد لم يكن صانع القرار، ولا يتمتع بالسيطرة التامّة على النظام. ومع ذلك يصف ناشط اجتماعي هذا النظام بـ"القطار الهارب" والأسد بـ"المهندس المحاصَر" الذي يخاف القفز منه أكثر من المحافظة على سيطرة رمزية.
وأكد هؤلاء أنّ مقتل تويني أوجد لدى البعض شعورا بالاستفزاز الممزوج بالخوف والعار من نظام كهذا يدير بلادهم، مشيرين إلى أنّ الصراع الحاد الحاصل داخل دوائر السلطة ومأزق مواجهة تقرير ميليس يبرزان تخبّط الأسد وحتى فشله في السيطرة على رئيس جهاز المخابرات العسكرية آصف شوكت وحلفائه، ومع كلّ ذلك يناقضون أنفسهم في شكل واضح مؤكّدين أنّ بشّار قادر على إرسال شوكت إلى فيينا وأيّ مكان آخر من أجل التحقيق معه.
وفي السياق عينه صدر عن أحد المطلعين تقويم مبطّن من أجل الدفاع عن الأسد، جاء فيه أنّ الحكومة السورية ليست المسؤولة عن مقتل تويني، وإنما يُشتبه في تورّط أعضاء من داخل الحكومة. وذكر أنّ آصف شوكت ورئيس مكتب الأمن القومي في حزب البعث هشام اختيار يشكّلان معسكرا داخل النظام السوري يرغب في زعزعة الأمن في لبنان على الأرجح من خلال تنفيذ عمليات اغتيال عبر وكلائهم هناك، وهما بالطبع حريصان على عدم ترك أيّ أدلّة تشير إلى تورّطهما في الاغتيالات "المتناثرة"، والتي، بحسب اعتقادهما، تدخل ضمن متطلبات السياسة القاسية المفروضة على لبنان. وأشار إليهما باعتبارهما خصوم جهود الأسد الرامية إلى التعاون مع ميليس ولجوئهما إلى استخدام كلّ الوسائل الضرورية ومن ضمنها زعزعة أمن لبنان من أجل تخريب جهوده. وعلى رغم ذلك بات من الواضح أنّ الأسد يتأثّر كثيرا بالأشخاص المتصلّبين الذين أحاط نفسه بهم وأفراد عائلته مثل شقيقته بشرى وأخيه ماهر.
والجدير بالذكر أنّ هناك تصوّرا عميقا لدى بعض مراقبي النظام أن يكون الأسد غير حاسم في كثير من النواحي، ولكن يبدو أنه مستعدّ لفرض آرائه الجازمة في ما يخصّ الملف اللبناني.
ويعتقد بعض مصادرنا أنّ الحكومة السورية ليست متورطة في مقتل تويني لأنّ سوريا هي أكبر المتضرّرين من عملية الاغتيال، ويصرّون على تقديم سيناريوات غير قابلة للتصديق إذ إنها تفتقر إلى الإثباتات والبراهين، ومفادها تورّط جهات غير معروفة مثل إسرائيل والولايات المتحدة في مؤامرة تهدف إلى ضرب مصالح سوريا وتدويل الملفّ اللبناني. أما المشكلة في هذه النظرية وعدم واقعيّتها فهي عدم تعرّض المصالح السوريّة حتى الآن لأيّ ضرر يذكر نتيجة اغتيال تويني، والدليل على ذلك هو تراجع الصيحات السورية المتعلقة بالضرر الذي أحدثته عملية اغتيال تويني عليهم بعد نحو مرور مجرّد يوم أو أكثر من مقتله.
إذا كانت سوريا وراء مقتل جبران تويني، فذلك يعني أنّ الحكومة السورية مستعدّة لخوض لعبة قذرة جدّا من أجل المحافظة على الورقة اللبنانية والحرص على عدم وقوع لبنان في مدار موالٍ للولايات المتحدة.
قرار اغتيال تويني يشير إلى أنّ حسابات النظام السوري تراهن على تخفيف الضغط الأميركي السنة المقبلة على أبعد تقدير، وأنّ النظام مصمّم على انتظار نهاية ولاية الرئيس بوش، مؤمنة بأنّها تملك حلفاء قادرين على الدفاع عنها في وجه عقوبات الأمم المتحدة خوفاً من انهيار النظام السوري الذي قد يؤدي إلى حال من عدم الاستقرار في المنطقة، وفي الوقت عينه سيواصل النظام اختبار الضغوط الأميركية (ولبنان في مرماه) وإرسال إشارات تشير إلى حاجة النظام الملحة إلى التعامل مع أميركا، ومن المرجّح أن تمتزج هذه الإشارات الخاصة مع عروض علنية من التحدّي والتهديد في ما خصّ عدم الاستقرار في لبنان وفي مناطق أخرى.
وأوضحت المذكّرة: "إذا كانت سوريا هي التي اغتالت تويني فذلك يشير إلى وقاحة شبه متهوّرة (في ظل غياب التغييرات أو أيّ قرار رادع) وإلى أرجحيّة حصول مزيد من الاغتيالات في لبنان. ويشير أيضا إلى أنّ الحكومة السورية تعتقد أنّ الارادة الدوليّة مكسورة بما فيه الكفاية، الأمر الذي يسمح لها بالمضيّ في سياستها القاسية وهيمنتها على لبنان من دون التعرّض لأيّ نوع من العواقب أو العقاب".
 


المصدر: جريدة النهار

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك..

 الأحد 24 آذار 2024 - 2:34 ص

"عرضة لأنشطة إيران وداعش".. تحليل: أمن واستقرار الأردن على المحك.. الحرة – واشنطن.. منذ السابع من… تتمة »

عدد الزيارات: 151,136,220

عدد الزوار: 6,756,024

المتواجدون الآن: 120