مدير موقع ويكيليكس معجب بنتنياهو

11 سبتمبر الدبلوماسية

تاريخ الإضافة الأربعاء 8 كانون الأول 2010 - 6:43 ص    عدد الزيارات 2796    التعليقات 0    القسم دولية

        


11 سبتمبر الدبلوماسية

مدير موقع ويكيليكس معجب بنتنياهو

 
هيلاري كلينتون تتحدث خلال مؤتمر صحافي عن وثائق ويكيليكس (نيويورك تايمز)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

واشنطن: محمد علي صالح
بلغ اهتمام الأميركيين، سياسيين وقانونيين وصحافيين، بنشر الوثائق السرية لوزارتي الدفاع والخارجية في موقع «ويكيليكس» في الإنترنت، أقصاه، وتحولت الصدمة والحيرة، إلى بحث معمق في كيفية التعامل مع الأزمة، التي وصفت بأنها، مثل تسونامي، وأشبه بهجمات 11 سبتمبر (أيلول). وصدم العالم وهو يرى، نحو نصف مليون برقية دبلوماسية، أرسلها دبلوماسيون أميركيون إلى وزارة الخارجية، تنشر على الملأ، وقد احتوت على قضايا وأسرار مهمة وحساسة، وبعضها تعرض بالتقريع لقادة العالم، مما وضع الإدارة الأميركية في موقف لا يحسدها عليه أحد.

ربط عدد من قادة الجناح المحافظ في الحزب الجمهوري (حزب الشاي) بين هجمات 11 سبتمبر و«هجمات» الوثائق. وقالوا إن الاثنتين تقعان تحت قائمة «الإرهاب»، ومثلما تعاقب الحكومة الأميركية المتطرفين «الذين خطفوا الإسلام»، يجب أن تعاقب الصحافيين «الذين خطفوا الصحافة». وربط عدد من علماء النفس بين رد الفعل الأميركي على الهجومين. وقالوا إن الأميركيين، عندما يتعرضون لهجوم خارجي (لأنهم، عبر تاريخهم، لم يتعرضوا كثيرا لهجمات داخلية)، يتساهلون في تفسير الحرية (بداية بحرية الصحافة).

في الجانب القانوني، قال وزير العدل، اريك هولدر، إن الولايات المتحدة تجري تحقيقا جنائيا و«ستحاكم أي شخص يثبت أنه انتهك القوانين الأميركية». وأدان تسريب الوثائق، وقال: «إنه يهدد أمن البلاد، ويعرض للخطر أمننا القومي، ويعرض الذين يخدمون هذا البلد سواء دبلوماسيين أو استخباراتيين للخطر، ويؤثر على العلاقات مع الحلفاء في شتى أنحاء العالم».

وبينما يستمر البحث عن جوليان أسانج، مؤسس ورئيس تحرير موقع «ويكيليكس»، أشار مراقبون في واشنطن إلى أن الجندي برادلي ماننغ هو الشخص الوحيد الذي اعتقل. رغم مرور فترة طويلة على بداية نشر «ويكيليكس» لوثائق وزارة الدفاع، بداية بنشر شريط فيديو لقصف جوي أميركي على مدنيين في العراق. وقالت صحف أميركية إن ماننغ كان اعترف بأنه سرب الوثائق العسكرية، لكن لم يقدم البنتاغون ما يثبت ذلك، ولم يؤكد أو ينف ذلك. غير أن ماننغ اعتقل لصلته بتسريب فيديو الهجوم العسكري في العراق، وليس مؤكدا إذا كان لاعتقاله صلة بالوثائق.

واتهمت صحيفة «نيويورك بوست» إدارة الرئيس أوباما بالتقصير، ليس فقط في كشف الذين سربوا الوثائق، ولكن، أيضا، في عدم معرفة تسريبات الجندي ماننغ قبل حدوثها. خاصة أن ماننغ كان يكتب في الإنترنت عن كراهيته للعمل العمل العسكري منذ فترة طويلة قبل نشر فيديو العراق، وقبل اعتقاله. كتب في يناير (كانون الثاني) الماضي. على صفحة «فيس بوك» الخاصة به: «برادلي ماننغ لا يريد هذه الحرب. سيخسرون الكثير، وسيخسرون سريعا جدا». وكتب في مايو (أيار): «برادلي ماننغ مصاب الآن بإحساس قاتم بأنه لا يقدر على أن يفعل أي شيء». وكتب في نفس الشهر، بعد أيام قليلة، أنه غضب مع «صديقه»، وفسر ذلك بأنه من المثليين الجنسيين، ويبدو أنه وصديقه اختلفا.

ويحقق المحققون في كيفية وصول الوثائق من ماننغ إلى أسانج. لكن، يبدو أن التحقيقات تسير في بطء غير عادي. هل لأن كلا من ماننغ وأسانج أذكى من المحققين؟ لماذا لا يوجد غير شخص واحد، ماننغ، معتقل حتى الآن؟ ما هي التهمة التي ستوجه إلى أسانج إذا اعتقل؟ وأين هو الآن؟

نقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن مساعدين سابقين لوزراء عدل، وعن قانونيين، أنه لا يوجد قانون أميركي يعاقب موقعا في الإنترنت. وأن القانون الوحيد ضد التجسس يعود إلى سنة 1917. لكن، في وقت لاحق، أعلنت المحكمة العليا (التي تفسر الدستور) أن القانون غير دستوري لأنه لا يفرق بين التجسس وحرية الرأي.

وهناك نقطة أخرى، وهي أن جنسية أسانج الاسترالية تجعله قادرا على العودة إلى استراليا، ولا توجد اتفاقية تبادل مجرمين بين البلدين. بالإضافة إلى أن حكومة استراليا لن تسلمه قبل أن توجه له الحكومة الأميركية اتهاما محددا. هذا إذا كان في استراليا. وأيضا، لا بد أن يكون الاتهام جنائيا لاستعجال إرساله إلى الولايات المتحدة، لأن الاتهام المدني لا يعتبر ذا أهمية كبيرة في تبادل المتهمين حسب القوانين الدولية. رغم عدم وجود قوانين مدنية أميركية عن معلومات الإنترنت.

غير أن بداية بحث «الإنتربول» (الشرطة الدولية) لأسانج ضيقت الخناق عليه، ورغم أن الموضوع له صلة بتهمة اغتصاب فتاة سويدية كانت تساعده في «ويكيليكس» عندما كان في السويد، صار واضحا أن هذا زاد مشكلاته. وقال محامي أسانج البريطاني (هل أسانج في بريطانيا؟) إن الاستخبارات الأميركية تريد توريط أسانج في تهمة اغتصاب الفتاة السويدية لتشوه سمعته، حتى قبل موضوع تسريب الوثائق الأميركية.

وبينما يشرع القانونيون الأميركيون في كيفية معاقبة أسانج، وبينما تريد الاستخبارات الأميركية توريطه (أو ربما قتله)، ويهيج السياسيون الأميركيون مثلما لم يهيجوا منذ هجوم 11 سبتمبر سنة 2001. انتقد الرئيس باراك أوباما في شدة تسريب الوثائق، وقال: «وضعت حياة كثير من الناس في خطر».

وقال المرشح الرئاسي السابق، مايك هاكابي: «الطرف المذنب هنا يجب أن يواجه عقوبة الإعدام لأنه وضع الأمن القومي في خطر بالغ». وأضاف: «عرض حياة الأميركيين للخطر، ودمر الثقة الدبلوماسية التي ستستغرق عقودا لإعادة بنائها».

وقال بيل اورايلي، مقدم برنامج في تلفزيون «فوكس» اليميني: «لقد حان الوقت لتصل يد العدالة (إلى أسانج)، لاتهامه، ومحاكمته بتهمة الخيانة، وإذا وجد أنه مذنب، ينبغي إعدامه». وقالت ساره بالين، من قادة الجناح اليميني في الحزب الجمهوري عن أسانج: «إنه خائن، إنه غير أميركي. إن يديه ملطختان بالدم». وعلق صحافي ليبرالي: «تريد ساره بالين مطاردة جوليان أسانج مثلما نطارد أسامة بن لادن».

وفي كندا المجاورة، تحمس سياسي متطرف، ودعا إلى قتل أسانج، حتى قبل اعتقاله وقبل اتهامه وقبل محاكمته. وقال توم فلاناغان في مقابلة تلفزيونية: «سأكون سعيدا إذا اصطاده شخص ما بطريقة ما». وأضاف: أعتقد أنه يجب أن يقتل. أعتقد أن الرئيس أوباما يجب أن ينهي حياته بطائرة «درون» (دون طيار)، أو بأي شيء». وعلق مقدم البرنامج التلفزيوني: «أعتقد أن هذه أول فتوى قتل تصدر في التلفزيون منذ فتوى آية الله الخميني ضد الكاتب البريطاني سلمان رشدي». (سنة 1989).

وشمل الغضب الأميركي أعضاء الكونغرس، خاصة قادة الجناح اليميني في الحزب الجمهوري (حزب الشاي) الذي أحرز انتصارا كبيرا في انتخابات الكونغرس التي أجريت الشهر الماضي. ولكن، رب ضارة نافعة. قدم أعضاء في الكونغرس مشروع قرار يمنع معاقبة موظفي الحكومة الذين يشيرون إلى أعمال غير قانونية داخل وزاراتهم ومصالحهم. هذا هو قانون «ويسلبلوارا» (الذي يصفر بصفارة، مثل حكم مباراة).

وقال النائب هنري واتسون (ولاية كاليفورنيا) إن الهدف هو «تشجيع كشف الفساد والظلم من الداخل، حتى لا نعطى فرصة للذين في الخارج، مثل (ويكيليكس) ليفعلوا ما فعلوا». في الماضي، كانت تهمة تسريب أسرار حكومية تلصق بكل من يكشف وثيقة حكومية. لهذا، يبدو أن السياسيين الأميركيين استفادوا مما فعلت «ويكيليكس» دون أن يعترفوا بذلك. لأنه صار واضحا أن الشعب الأميركي، رغم أنه غير مرتاح لكشف الوثائق الحكومية بهذه الطريقة، لا يؤيد إخفاء معلومات هامة عنه.

وهناك الجانب الصحافي في الموضوع. وكما قال زعيم في الجناح اليميني للحزب الجمهوري (حزب الشاي) إن الإرهابيين الذين نفذوا هجوم 11 سبتمبر «خطفوا الإسلام»، مثلما أن الصحافي أسانج «خطف الصحافة».

وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن كثيرا من الصحافيين الأميركيين المشهود لهم بالنزاهة لم يتحمسوا لكشف وثائق الخارجية الأميركية. ورغم أن كشف وثائق حرب العراق وحرب أفغانستان لم يسبب نقدا كثيرا، أو معارضة، وسط الصحافيين الأميركيين الذين عارضوا الحربين، صار واضحا أن كشف وثائق الخارجية الأميركية وجد معارضة أو، على الأقل، تململا ربما عند كل صحافي أميركي مشهور بالنزاهة.

وكتبت مجلة «نيشن» الليبرالية أن الصحافيين الأميركيين بدا وكأنهم نسوا حرية الصحافة. وقالت: «تظل الحرية الصحافية الأميركية تعتمد على التعديل الأول في الدستور الأميركي (لا يصدر الكونغرس أي قانون يحظر الحريات). وتظل الصحافة الأميركية تتمتع بهذه الحرية كل هذه السنوات. لماذا هذا الغضب على (ويكيليكس)؟ لا يجب على الشخص أن يؤيد ما فعل ليقول إن كشف أخطاء الحكومة شيء مطلوب». رغم أن موقع «أمازون» ليس موقعا صحافيا (يبيع الكتب وغيرها)، ظل أيضا يعتمد على الحرية الأميركية في نشر ما ينشر. لكنه، أول من أمس، أعلن إغلاق موقعه في وجهه موقع «ويكيليكس»، وكان يوفر له منطلقا إلكترونيا.

ورغم أن مراقبين في واشنطن قالوا إن الشركة التي تدير «أمازون» تعرضت لضغوط من سياسيين في الكونغرس، مثل السناتور جوزيف ليبرمان، رئيس لجنة أمن الوطن في مجلس الشيوخ الأميركي، أصيب كثير من المدافعين عن حرية الصحافة بخيبة أمل لأن الشركة بدا وكأنها تسير في ركب الحكومة التي تحاول خنق حرية «ويكيليكس».

في جانب آخر، قال ليبرمان: «سوف يكون السؤال الذي يواجه شركة (أمازون) وغيرها من مقدمي خدمة الإنترنت حول علاقتها مع (ويكيليكس) لضمان عدم استخدامهم خدماتها لتوزيع المعلومات المسروقة، والمعلومات سرية».

في الجانب الآخر، قال د. ريان كالو، محاضر في مركز جامعة ستانفورد للإنترنت والمجتمع، إن قوانين الحريات في الولايات المتحدة تحمي «أمازون»، الذي من المرجح ألا تتعرض لأي ملاحقة محتملة من قبل الحكومة. وأضاف: «ستكون سابقة خطيرة لو أن شركات مثل (أمازون) صارت تواجه حجرا على حرياتها لمجرد أن عضو مجلس الشيوخ (يقصد السناتور ليبرمان) هدد بتدخل الحكومة».

يوم الثلاثاء الماضي، نشرت مجلة «تايم» مقابلة بين رئيس تحريرها وجوليان أسانج (يعتقد أنها ستختاره «رجل العام»). كانت فرصة بالنسبة للصحافي الأميركي البارز ليعكس أحاسيس زملائه و«وطنه يواجه عدوا جديدا». وكانت فرصة بالنسبة لأسانج ليقول رأيه. نلتقط منها المقتطفات الآتية:

«تايم»: ماذا تحس بعد ما حدث؟

«ويكيليكس»: ما يحدث يفوق قدرتنا على فهمه.

«تايم»: ما نتائج ذلك على الحكومات والدبلوماسيين؟

«ويكيليكس»: أعجبني قول بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل، إن الحكام والسياسيين يجب أن يتكلموا في العلن كما يتكلمون في السر.

«تايم»: هل ما تفعلون يقود إلى عالم أقل حروبا وأكثر سلاما؟

«ويكيليكس»: عندما نعرف الحقائق نقدر على الوصول أكثر من عندما نكتفي بمعرفة عبارات دبلوماسية منمقة.

«تايم»: هنا، في أميركا، أعلنت وزارتا الدفاع والخارجية فرض إجراءات جديدة لمنع تسرب الأسرار في المستقبل. هل هذا ما كنتم تريدون؟

«ويكيليكس»: هذا شيء إيجابي.

«تايم»: كيف تقولون ذلك؟

«ويكيليكس»: نحن لا نقدر على أن نجعل الحكام والسياسيين صادقين ونزيهين. لكننا نريد أن نضعهم أمام خيارين: هل يريدون أن يكونوا صادقين ونزيهين، ويعلنوا لشعوبهم ما يفعلون حقيقة؟ أم يريدون أن يعيشوا في سرية وظلام؟

«تايم»: هل هناك أي شيء سري في السياسة والدبلوماسية؟

«ويكيليكس»: نعم، سرية مصادر الأخبار، ولهذا، نحن حريصون على حذف أسماء المصادر. لا يهمنا الناس، يهمنا معرفة الحقيقة والكذب.

«تايم»: تحدثت عن الخيارات أمام الحكام والسياسيين. صار واضحا أن الشعب الأميركي، بقدر ما سره أنك أعلنت أسرارا يريد أن يعرفها، لا يؤيدك في إيذاء الأمن الوطني الأميركي؟

«ويكيليكس»: الشعب الأميركي أيضا أمام خيارين: هل يكتفي بسماع الحكام والسياسيين يتحدثون عن تضحيات الجنود الأميركيين هنا وهناك فقط؟ أم هل يريد أن يعرف حقيقة ما يرى هؤلاء الحكام والسياسيون عندما يتقابلون سرا، ويتحاورون، ويناورون، ويزايدون؟

«تايم»: ما هو رأيك في تصريحات وزراء أميركيين بأنك تهدد الأمن الأميركي؟

«ويكيليكس»: نسمع هذا كل مرة يتعرض فيها وزير أو مدير لإحراجات لأن الصحافيين نشروا أشياء تؤذي سمعته وتتهمه بالكذب.

«تايم»: هل ارتكبت أي جريمة يجب أن تعاقب عليها؟

«ويكيليكس»: خلال أربع سنوات، لم ننشر شيئا سبب قتل شخص. لكن الحكومات التي تنتقدنا تسببت في قتل عشرات الآلاف من الناس، وفي اعتقالهم ومطاردتهم والإساءة إليهم.

صباح أول من أمس، في مقابلة في إذاعة «دبليو ام ايه ار» في واشنطن، تحدث ثلاثة صحافيين عن الموضوع:

قال الأول: «أنا صحافي، طبعا، مع حرية الصحافة. لكن، عندما يتعرض وطني إلى الخطر، أين أقف؟» قال الثاني: «في عصر الإنترنت، لم تعد الحروب تقتصر على الدول والجيوش والأساطيل. هذه حرب أفراد، كل واحد عنده (لاب توب) يقدر على أن يعلن الحرب علينا».

قال الثالث: «ما فائدة حرية الولايات المتحدة دون أمن الولايات المتحدة؟».

وعندما فتح المذيع ردود المستمعين بالتلفون، اتصل واحد وقال: «نعرف حرية الولايات المتحدة. إن الإنسان إما حر أو غير حر. لكن، ما هو أمن الولايات المتحدة؟. متى تكون الولايات المتحدة آمنة؟ ومتى لا تكون؟».

أسانج.. المشاغب العالمي

حياته مليئة بالأسرار ويعيش متنقلا بشكل دائم خوفا من الاعتقال أو الاغتيال

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لندن: راغدة بهنام
بات يعرف بأنه مشاغب عالمي.. يفضح حكومات، ويكشف أسرار دول، من دون تردد. ولكنه هو نفسه يعيش حياة مليئة بالأسرار.. حياة أشبه بالجواسيس، لا أحد يعرف كثيرا عن ماضيه، ولا يمكن إلا لأقرب المقربين منه اليوم، وهم محاموه وليس أفراد عائلته، أن يحددوا مكانه.. حتى تاريخ ميلاده محل جدل. اسمه، جوليان أسانج، بات على كل شفة ولسان؛ فقد اكتسب هذا الشاب الأسترالي شهرة عالمية مؤخرا، بعد أن بدأ موقعه «ويكيليكس» ينشر آلاف الوثائق السرية من البنتاغون والخارجية الأميركية.

لكن مع الشهرة، اكتسب أيضا كثيرا من الأعداء. فالمدعي العام الأميركي إريك هولدر يبحث في إمكانية جلبه للمحاكمة تحت بند الجاسوسية. وسارة بالين التي تتحضر للترشح للانتخابات الرئاسية الأميركية عن الحزب الجمهوري، دعت لملاحقته كما يلاحق أسامة بن لادن. والمدعي العام الأسترالي روبرت ماكليلن يحقق في إمكانية محاكمته بتهمة تعريض الأمن القومي للخطر. مستشار رئيس الوزراء الكندي ستيفن هاربر دعا إلى اغتياله. رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين لمح إلى أن موقعه مرتبط بعمل مخابرات أميركية.

لكن لعل أكثر ما يتسبب في وجع رأس للنابغة الأسترالي، مذكرة التوقيف الدولية التي صدرت بحقه بناء على طلب المدعي العام في السويد ماريان ناي، بتهمة اغتصاب امرأتين. وما يزيد الموقف تأزما، رفض المحكمة العليا طلب محامي أسانج رد مذكرة التوقيف الدولية أمس التي باتت على موقع الإنتربول الإلكتروني.

وعلى الرغم من أن أصدقاء أسانج يروجون أن سبب اختبائه اليوم هو خوفه من أن يتعرض للاغتيال، فإن السبب الأكثر مباشرة قد يكون الخوف من الاعتقال. ويرجح البعض أنه يختبئ في مكان ما خارج لندن، علما بأن ظهوره العلني الأخير كان في نادي «فرونتالاين» وسط العاصمة البريطانية قبل بضعة أسابيع. ومنذ ذلك الحين، يظهر بشكل متفرق ولكن من دون الإفصاح عن مكانه. فقد بث قبل أيام شريطا مصورا، يبدو وكأنه التقط بواسطة هاتف جوال في شقة أو غرفة فندق. وبعد ذلك، أعطى مقابلة لمجلة الـ«تايم» الأميركية في اتصال مصور عبر «سكايب» على الإنترنت.

لم يعرف يوما عنوان دائم لأسانج. فهو دائم التنقل، منذ الطفولة. يقال إنه في طفولته عاش حياة أشبه بالبدو الرحل؛ إذ تنقل بين 37 مدرسة، بسبب عمل والديه اللذين كانا يديران شركة مسارح متنقلة. ويروي البعض أنه أخذ الروح الثوري من والديه اللذين تعرف كلاهما على الآخر خلال مشاركتها في مظاهرة ضد حرب فيتنام. والده كان مهندسا، ولكنه كان يحب ركوب الدراجات النارية، علمه أن «الرجل الكريم والقادر يحمي الضحايا ولا يصنعهم»، بحسب ما كتب عنه نيك ديفيز في صحيفة الـ«غارديان». وقال ديفيز إنه يحمل دائما معه حقيبة ظهر فيها ثيابه، وجهاز كومبيوتر للمكاتب وليس محمولا. وأضاف: «يمكن أن يبقى مستيقظا طوال الليل، أصابعه تتنقل على علبة المفاتيح، ومن ثم فجأة يسقط بكامل ثيابه على كرسي إلى جانبه، حين يكون الباقون يستعدون للنهوض». ونقل عن أحد أصدقائه أنه «متهم بالقيام بالأمور غير العادية وأن يستفيد من الوقت بأكبر قدر ممكن».

وقال أحد اللذين عملوا معه في السابق لصحيفة الـ«تايمز» إنه «شخص غريب، يبدو وكأنه يعيش مثل البدو، ولا أدري كيف يعيش هكذا في الحقيقة. يظهر دائما حاملا حقيبة ظهر، وأشتبه في أن فيها كل ما يملكه».

لكن كل هذا التركيز الدولي على أسانج البالغ من العمر 39 عاما، أو 37 عاما، بحسب المصدر الذي تريد اعتماده، دفع والدته كريستين إلى الظهور علانية للمرة الأولى منذ أن بدأ ابنها يتصدر الصفحات الأولى للصحف. وحكت في مقابلة قصيرة نشرت قبل يومين، مع صحيفة محلية في كوينزلاند الأسترالية، حيث ولد جوليان، عن قلقها على أمن ابنها. وكشفت القليل عن هذا الرجل الغامض.. قالت إنها ربته ليكون «باحثا قويا بأخلاق عالية، عن الحقيقة». وروت أنه أبعد نفسه عن عائلته حفاظا على سلامتهم. وقالت عنه: «كان صبيا لطيفا للغاية.. حساسا جدا، جيدا مع الحيوانات، ويتمتع بروح دعابة كبير». وصفته بأنه «فائق الذكاء». وقالت: «يرى أن ما يفعله أمر جيد، محاربة الأشرار إذا أردت. ولكن أنا قلقة من أن الأمر بات أكبر منه وأن القوى التي يقف في وجهها كبيرة جدا». وقالت والدته عنه أيضا إنه «لم يأت من خلفية تكنولوجيا عالية، بل جاء من خلفية إبداع وحب للتعلم وللكتب». وتابعت تدافع عن ابنها: «إذا كنت تتفق مع جوليان أم لا، العيش بحسب القيم التي تؤمن بها والدفاع عنها، هو أمر جيد».

ذكاء أسانج ورطه في مشكلات منذ مراهقته؛ فقد اكتشف سريعا في المدرسة ولعه بالرياضيات وعلوم الفيزياء، وساعده ظهور الإنترنت على تطبيق وتمرين موهبته في الأرقام، فتحول إلى قرصان إنترنت، يدخل الحسابات السرية لرجال أعمال كبار ومؤسسات ضخمة. واتهم عام 1995، مع مجموعة من أصدقائه بعدد من أعمال القرصنة على الكومبيوتر. ولكنه تمكن من تفادي دخول السجن، واقتضى الأمر إطلاق سراحه بعد تغريمه 2100 دولار أسترالي (ما يعادل نحو 1300 دولار أميركي)، شرط عدم التورط في المشكلات نفسها مجددا.

وأمضى بعد ذلك ثلاث سنوات يعمل إلى جانب باحثة أكاديمية تدعى سواليت دريفوس، وكتبا سويا كتابا حول القرصنة على الإنترنت، يدعى «آندر غراوند» أي «تحت الأرض». ووصفت دريفوس أسانج لاحقا بأنه «باحث موهوب جدا» وأنه «كان مهتما كثيرا بمفهوم الأخلاق ومبدأ العدالة، وما يتوجب ولا يتوجب على الحكومات القيام به».

وقد شكل الكتاب الذي يروي قصة مراهق يدعي مانداكس يتحول إلى قرصان كومبيوتر في ملبورن، مصدر تأويلات للصحف الأسترالية التواقة لكشف ماضي أسانج؛ فربطت بين شخصية مانداكس وشخصية أسانج، واستنتجت أن تلك الشخصية في الكتاب قد تكون أسانج نفسه، بسبب التشابه الكبير مع ما هو معروف من حياة أسانج، ومسار حياة الشخصية المفترض أنها خيالية. وبحسب الكتاب، فإن مانداكس كان ولدا فائق الذكاء لم يعرف والده يوما، وقضى معظم وقته يسافر إلى أنحاء استراليا. وعندما كان في عمر المراهقة، اخترع برنامج كومبيوتر يخوله إلى جانب مجموعة من قراصنة الإنترنت من أصدقائه أطلقوا على أنفسهم أمس «المخربون الدوليون»، اجتياح كومبيوترات البنتاغون و«ناسا» ومؤسسات بالغة السرية. وعندما بلغ من العمر 17 عاما، ترك منزل أهله بعد أن جرى تحذيره من غارة ستقوم بها الشرطة. وأصبح أبا لطفل عندما كان عمره لا يتعدى 18 عاما. وأصيب باكتئاب نفسي بعد أن وجهت له الشرطة اتهامات بالقرصنة.

وما هو معروف عن أسانج، في الواقع، أنه في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1989، بينما كانت «ناسا» تستعد لإطلاق مركبة «أتلانتس» الفضائية، ظهر على شاشات الكومبيوتر داخل «ناسا» كلمة «وانك» وهي اختصار لاسم تعتمده مجموعة من القراصنة ويترجم: «ديدان ضد القتلة النوويين». وكان أسانج واحد من 6 قراصنة اعتقلتهم الشرطة على خلفية هذه الحادثة في ملبورن.

ومن نقاط التشابه في قصة أسانج وشخصية كتابه الخيالية، أن أسانج أصبح والدا لصبي، دانيال، عندما كان يبلغ من العمر 18 عاما. وقالت والدته عن ذلك في المقابلة التي أدلت بها قبل يومين، إن ابنها أوقف حياته مؤقتا عندما كان في الثامنة عشرة لكي يهتم بمولوده الجديد الذي يبلغ اليوم 20 عاما ويعمل اليوم في تطوير البرامج في ملبورن. وأضافت: «جولز أوقف حياته ودراسته الجامعية مؤقتا لكي يكون مع دانيال. هو والد رائع، وليس هناك رجال كثر في عمره يقاتلون لأجل أولادهم، ولكن هو تمكن من أن يتصرف على قدر المسؤولية».

وروت كريستين أيضا أن جوليان ودانيال ارتادا جامعة ملبورن معا، حيث درس الوالد علوم الرياضيات والفيزياء، بينما تخصص الابن الذي كان يبلغ 15 عاما حينها في علوم الوراثة. ولا يعرف كثير عن والدة دانيال، لكن كتبت الصحف الأسترالية أن جوليان تطلق منها قبل سنوات وأنهما خاضا معركة للوصاية على ابنهما في المحاكم.

في تلك الفترة، عمل أسانج في مجال حماية الإنترنت في ملبورن، حتى أطلق مشروعه الكبير، موقع «ويكيليكس» الذي انطلق رسميا عام 2007. وذكر الموقع أنه تأسس من «منشقين صينيين، صحافيين، علماء رياضيات، وتكنولوجيين من الولايات المتحدة وتايوان وأوروبا وأستراليا وأفريقيا الجنوبية». ويقول لموقع «ويكيليكس» إنه مؤسسة غير ربحية، وإنه يعتمد على تبرعات الأشخاص، علما أن صحيفة الـ«تايمز» ذكرت أن تكلفة تشغيله تبلغ 175 ألف جنيه إسترليني سنويا.

وفي الفترة الأخيرة، بعد أن أطلق وثائق البنتاغون والخارجية، كثف الموقع من دعواته لمؤيديه بالتبرع «لكي نبقى أقوياء». ودائما ما يذكر في موقعه على «تويتر» حادثة معينة تتعلق بضغوط يتعرض لها الموقع، ويتبعها بعبارة «تبرعوا.. أبقونا أقوياء».

أسانج نفسه اعترف أن الموقع واجه مشكلات مالية، وقال إنه اضطر إلى أن يصرف على تشغيله من أمواله الخاصة. وعلى الرغم من أنه لم يعلن أبدا عن المبالغ التي يملكها ومن أين جمعها، فإنه معروف أنه يمتلك ثروة لا بأس بها، يقول إنها جمعها «من عمله في الإنترنت». واضطر موقع «ويكيليكس» للتوقف عن العمل لفترة، بسبب المشكلات المالية، قبل أن يعود مطلع العام إلى العمل بقوة أكسبته كثيرا من التأييد؛ ويبدو كثيرا من التبرعات.

قال في مقابلة قبل أيام مع مجلة الـ«تايم» إن موقع «ويكيليكس» هدفه «جعل العالم أكثر تحضرا، والعمل ضد المنظمات الفاسدة التي تدفع الناس في الاتجاه المعاكس». وعام 2007، عندما أطلق الموقع رسميا، كتب يبرر سبب إنشائه: «لكي نغير بشكل راديكالي سلوك النظام، يجب أن نفكر بوضوح وبجرأة، لأنه إذا كنا تعلمنا شيئا فهو أن الأنظمة لا تريد أن تتغير. يجب أن نفكر أبعد من أولئك الذين سبقونا، واكتشاف تغييرات تكنولوجية تقوينا في طرق التصرف أكثر من الذين سبقونا». وكتب في المدونة خاصته: «كلما كانت المؤسسة سرية وغير عادلة، تسبب التسريبات خوفا وبارانويا لدى قياداتها وشلتها».

يفخر أسانج بأن موقعه تمكن من نشر وثائق سرية أكثر من كل الصحافة العالمية مجتمعة. ويقول هازئا بالصحافة على الرغم من معرفته بحاجته إليها: «لا أقول هذا الأمر لكي أقول بطريقة أخرى كم أننا ناجحون.. ولكن كيف يمكن لفريق من 5 أشخاص أن ينشروا معلومات عامة يجري كبتها، على هذا المستوى، أكثر من كل صحافة العالم؟ هذا أمر شائن».

وعلى الرغم من أن أسانج حصل على جوائز عدة؛ من بينها جائزة من منظمة العفو الدولية للصحافة عام 2009 لنشره وثائق عن عمليات اغتيال خارج نطاق القضاء في كينيا، فإن كثيرين ينتقدون مفهوم الموقع الذي لا يخضع للمحاسبة. وعن ذلك يقول أسانج: «عندما تتوقف الحكومات عن ممارسة التعذيب وقتل الناس، وعندما تتوقف المؤسسات عن استغلال النظام، عندها ربما يحين الوقت لكي نسأل إن كان يجب محاسبة الناشطين في مجال حرية التعبير».

الفوضى التي تسبب بها «ويكيليكس» في العالم في الأيام الماضية، قد تغير مفهوم العلاقات بين الدول إلى الأبد، كما يأمل أسانج نفسه عندما كتب في رسالة قصيرة على موقعه في «تويتر» قبل نشرها. ولكن رغبة أسانح في تغيير العالم وتحديه للمجتمع الدولي بكامله، أو بمعظمه، قد لا يمر من دون ثمن باهظ، وقد يحول المشاغب العالمي، ذا العينين الرماديتين، والشعر الأبيض (أحيانا أشقر)، إلى فار دائم من وجه العدالة.. أو الاغتيال.


المصدر: جريدة الشرق الأوسط اللندنية

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,596,201

عدد الزوار: 6,903,172

المتواجدون الآن: 84