الأزمة والبحث عن صفقة إقليمية

تاريخ الإضافة الخميس 28 تشرين الأول 2010 - 7:14 ص    عدد الزيارات 2970    التعليقات 0    القسم محلية

        


الأزمة والبحث عن صفقة إقليمية

عشية جلسة مجلس الامن الدولي، التي تطرّق مندوبو الدول الكبرى فيها الى المحكمة الخاصة بلبنان، كانت هذه المحكمة "مهددة فعلا"، إذ إن ضغوط الاطراف المحلية والاقليمية كادت تنجح في بلورة مطالبة بوقفها او الغائها، او على الاقل فرْض تأجيل طويل لصدور القرار الظني. ما الذي فرمل هذا التوجه؟ الارجح ان تحركا أميركيا فعل فعله قبل ان يعود فيظهر في مجلس الامن، مدعوما بموقفي بريطانيا وفرنسا، رغم ان الجلسة كانت مخصصة للبحث في مأزق المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية. لكن يبدو ان هذا المأزق، تحديدا، هو ما جعل الاطراف الاقليمية، لا سيما سوريا وايران، تعتقد أن اللحظة باتت مناسبة للتخلص من المحكمة الدولية، إما بترهيب المعنيين بها محليا، او باستدراج صفقة مقايضات اقليمية.
لعبت جولة جيفري فيلتمان دورا رئيسيا في تعطيل الضغوط، إلا أن ما جرى كان مناورة متقدمة وكادت تُحدث اختراقا، وتلقى الطرفان الاقليميان تحذيرا، رغم أنه وُجِّه بشكل خاص الى سوريا. تزامن ذلك مع القمة السعودية – السورية الاخيرة، وهذا ما يشرح ولو جزئيا أن تلك القمة لم تتوصل الى جديد بل حاولت اعادة انعاش التفاهم السابق الذي جاء بالعاهل السعودي والرئيس السوري معا الى لبنان. لكن أحدا لم يعد يصدق ان ذاك التفاهم يمكن ان يلجم الازمة او يمكن أن يجد لها علاجاً معقولا يبعد التهديد بالفتنة.
ثمة حلقة مفقودة في تفاهمات الـ"س. س" أمكن السعودية ان تتعرف اليها من خلال التطبيقات السورية التي ذهبت بعيدا جدا في تبني طرف ضد طرف. وهذا مفهوم، لأن دمشق كانت ولا تزال طرفا في هذه القضية، ولذلك فهي قلقة، ليست قلقة مما تسميه "تسييس" المحكمة بل مما تعرف أن أطرافا دولية تعرفه عن الاغتيالات بمعزل عن التحقيق والمحكمة الدوليين، فالرواية التي قد يتبناها القرار الظني، والتي قد تتضمن اتهامات لعناصر من "حزب الله"، ربما تشكل تفصيلا بسيطاً من الرواية الاخرى: الاستخباراتية. ولا شك في ان هذه الرواية  يستخدمها أصحابها ممعنين في "التسييس"، لأنها لن تصل في أي حال الى المحكمة الدولية التي ستطلب كشف مصادرها، وهو ما سيتعذر بطبيعة الحال.
يتصادف ذلك مع تجدد الاندفاع السوري للعودة الى ادارة الشأن اللبناني، ولو من دون وجود عسكري على الارض، باعتبار ان سلاح "حزب الله" يقوم بالمهمة، بل ان هذا السلاح يمكن ان يلغي الحاجة الى موافقة دولية على دور سوري جديد في لبنان. والواقع ان الاطراف الدولية تريد ان تسهّل هذه العودة، لكن بشروط ربما يكون أهمها "ضبط حزب الله وسلاحه"، ما يجعل الدور السوري تحت اختبار. ومن الشروط ايضا أن تكتفي سوريا بممارسة نفوذها من خلال "التعامل بين دولة ودولة". هذا الشعار الذي اعتقد اللبنانيون انه قد يتحقق أخيرا طالما ان رئيسي الجمهورية والحكومة أقاما تواصلا رصينا ووديا مع دمشق. لكن، بموازاة الجهود لتعزيز هذه العلاقة بين الدولتين والحكومتين، كانت أجندة اخرى تنفذ، وكانت عقلية الوصاية والتسلط والاملاء تتجدد، وهذا يشكل تناقضا فادحا مع روحية تفاهمات الـ"س. س" وحتى مع الوعود التي سمعها مبعوثون دوليون الى دمشق.
بات واضحا أن سوريا لا تستطيع ان تقيم علاقة جديدة مع لبنان تتعايش فيها مع استحقاق المحكمة الدولية.
ومع ظهور المزاعم عن احتمال اتهام عناصر من "حزب الله"، لم يعد الاخير قادرا على التعايش مع استحقاق القرار الظني. وتبعا لذلك تجد سوريا والحزب، ومعهما ايران، انها أمام حتمية اقصاء الفريق الذي لا يزال متمسكا بالمحكمة. وما تأخر "الحوار" الذي جرى الحديث عنه أخيرا إلا لأن "الحل الوسط" غير مقبول لدى هذه الاطراف. فالاتهام يعادل عندها اقتلاع الطرف الآخر والغاءه من المعادلة السياسية، خصوصا انها "هياكل كرتونية" كما وصفها رئيس الوزراء السوري. وللأسف لا يزال هذا السيناريو يراود عقول المخططين، ليس فقط لاطاحة المحكمة الدولية، وانما خصوصا لإحكام السيطرة على لبنان.
وفي هذا السياق لا يفوتون يوما من دون استهداف رئيس الحكومة شخصيا، بالتهويل باسقاطه والتلويح ببدائل لتغييره أو حتى لترغيبه بالرحيل. وفي الانتظار تكفلوا بأن لا يمكِّنوا الحكومة من العمل، فالازمة غزت جلسات مجلس الوزراء واحتلته. الموازنة متعثرة، وثمة شعور بأن "المعارضة" لم يعد على أجندتها سوى متعلقات الازمة لتضييع الوقت والجهد كأفضل ما تستطيعه أي حكومة يفترض أنها "وفاقية".
مع ذلك، يبدو أن جميع الاطراف المحليين يترقبون اتصالات تجري في الخارج، وقد لفتت اليها المهاتفة الثانية بين الرئيس الايراني والعاهل السعودي. ولذلك فهم يملأون الوقت بتبادل التحذيرات، لكنهم متوجسون مما يمكن أن تسفر عنه تلك الاتصالات، علما بأن الجميع بات يعرف أن طموح الغاء المحكمة لم يعد واقعيا، إلا اذا ارتسمت معالم صفقة كبرى تتخطى لبنان.
 

عبدالوهاب بدرخان      


المصدر: جريدة النهار

ملف الصراع بين ايران..واسرائيل..

 الخميس 18 نيسان 2024 - 5:05 ص

مجموعة السبع تتعهد بالتعاون في مواجهة إيران وروسيا .. الحرة / وكالات – واشنطن.. الاجتماع يأتي بعد… تتمة »

عدد الزيارات: 153,776,390

عدد الزوار: 6,914,428

المتواجدون الآن: 119